الاثنين، 5 سبتمبر 2022

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد من اول كتاب النكاح حتي حديث رقم317}

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام  لابن دقيق العيد من اول كتاب النكاح حتي حديث رقم317}

  كتاب النكاح  

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ }

 

" الْبَاءَةُ " النِّكَاحُ ، مُشْتَقٌّ مِنْ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْإِقَامَةِ وَالنُّزُولِ ، وَ " الْبَاءَةُ " الْمَنْزِلُ فَلَمَّا كَانَ الزَّوْجُ يَنْزِلُ بِزَوْجَتِهِ : سُمِّيَ النِّكَاحُ " بَاءَةً " لِمَجَازِ الْمُلَازَمَةِ وَاسْتِطَاعَةُ النِّكَاحِ : الْقُدْرَةُ عَلَى مُؤْنَةِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ إلَّا الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا : مَنْ لَمْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ ، فَالنِّكَاحُ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِ ، وَصِيغَةُ الْأَمْرِ ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ . وَقَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ النِّكَاحَ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ ، أَعْنِي الْوُجُوبَ : وَالنَّدْبَ ، وَالتَّحْرِيمَ ، وَالْكَرَاهَةَ ، وَالْإِبَاحَةَ وَجُعِلَ الْوُجُوبُ فِيمَا إذَا خَافَ الْعَنَتَ ، وَقَدَرَ عَلَى النِّكَاحِ ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَاجِبًا ، بَلْ إمَّا هُوَ ، وَإِمَّا التَّسَرِّي فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّسَرِّي تَعَيَّنَ النِّكَاحُ حِينَئِذٍ لِلْوُجُوبِ ، لَا لِأَصْلِ الشَّرْعِيَّةِ . وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَنْ يَرَى أَنَّ النِّكَاحَ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ } يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا : أَنْ تَكُونَ " أَفْعَلُ " فِيهِ مِمَّا اُسْتُعْمِلَ لِغَيْرِ الْمُبَالَغَةِ وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا ، فَإِنَّ التَّقْوَى سَبَبٌ لِغَضِّ الْبَصَرِ ، وَتَحْصِينِ الْفَرْجِ وَفِي مُعَارَضَتِهَا : الشَّهْوَةُ ، وَالدَّاعِي إلَى النِّكَاحِ وَبَعْدَ النِّكَاحِ : يَضْعُفُ هَذَا الْمُعَارِضُ فَيَكُونُ أَغَضَّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنَ لِلْفَرْجِ مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّ وُقُوعَ الْفِعْلِ - مَعَ ضَعْفِ الدَّاعِي إلَى وُقُوعِهِ - أَنْدَرُ مِنْ وُقُوعِهِ مَعَ وُجُودِ الدَّاعِي . وَالْحَوَالَةُ عَلَى الصَّوْمِ لِمَا فِيهِ كَسْرُ الشَّهْوَةِ فَإِنَّ شَهْوَةَ النِّكَاحِ تَابِعَةٌ لِشَهْوَةِ الْأَكْلِ ، تَقْوَى بِقُوَّتِهَا ، وَتَضْعُفُ بِضَعْفِهَا . وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ " فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ " بِأَنَّهُ إغْرَاءٌ لِلْغَائِبِ ، وَقَدْ مَنَعَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَ " الْوِجَاءُ " الْخِصَاءُ وَجُعِلَ وِجَاءً : نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوِجَاءَ قَاطِعٌ لِلْفِعْلِ وَعَدَمُ الشَّهْوَةِ قَاطِعٌ لَهُ أَيْضًا ، وَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُشَابَهَةِ . وَإِخْرَاجُ الْحَدِيثِ لِمُخَاطَبَةِ الشَّبَابِ : بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ قُوَّةِ الدَّاعِي إلَى النِّكَاحِ فِيهِ مَوْجُودَةٌ ، بِخِلَافِ الشُّيُوخِ ، وَالْمَعْنَى مُعْتَبَرٌ إذَا وُجِدَ فِي الْكُهُولِ وَالشُّيُوخِ أَيْضًا

 

303 - الْحَدِيثُ الثَّانِي : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا آكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا ؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي }

يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُرَجِّحُ النِّكَاحَ عَلَى التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَصَدُوا هَذَا الْقَصْدَ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ خِلَافَهُ : رَغْبَةٌ عَنْ السُّنَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنَطُّعِ ، وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَقَدْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ اللَّحْمَ - مَثَلًا - يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقْصُودِهِ ، فَإِنَّ كَانَ مَنْ بَابِ الْغُلُوِّ وَالتَّنَطُّعِ ، وَالدُّخُولِ فِي الرَّهْبَانِيَّةِ : فَهُوَ مَمْنُوعٌ ، مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْمَحْمُودَةِ ، كَمَنْ تَرَكَهُ تَوَرُّعًا لِقِيَامِ شُبْهَةٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي اللُّحُومِ ، أَوْ عَجْزًا ، أَوْ لِمَقْصُودٍ صَحِيحٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ : لَمْ يَكُنْ مَمْنُوعًا . وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ : مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ النِّكَاحِ ، كَمَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا شَكّ أَنَّ التَّرْجِيحَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ ، وَمَقَادِيرُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَصَاحِبُ الشَّرْعِ أَعْلَمُ بِتِلْكَ الْمَقَادِيرِ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُكَلَّفُ حَقِيقَةَ تِلْكَ الْمَصَالِحِ ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ أَعْدَادَهَا : فَالْأَوْلَى اتِّبَاعُ اللَّفْظِ الْوَارِدِ فِي الشَّرْعِ

 

304 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ : عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { قَالَ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا }

 

" التَّبَتُّلُ " تَرْكُ النِّكَاحِ : وَمِنْهُ قِيلَ لِمَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ " الْبَتُولُ " وَحَدِيثُ سَعْدٍ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ مِمَّنْ قَصَدَ التَّبَتُّلَ وَالتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ ، مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ فِي بَابِ التَّنَطُّعِ وَالتَّشَبُّهِ بِالرَّهْبَانِيَّةِ ، إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ : يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُسَمَّى " التَّبَتُّلِ " وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ { وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْآيَةِ غَيْرَ الْمَرْدُودِ فِي الْحَدِيثِ لِيَحْصُلَ الْجَمْعُ وَكَأَنَّ ذَلِكَ : إشَارَةٌ إلَى مُلَازَمَةِ التَّعَبُّدِ أَوْ كَثْرَتِهِ ، لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ ، مِنْ الْأَمْرِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، وَتَرْتِيلِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ فَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى كَثْرَةِ الْعِبَادَاتِ وَلَمْ يُقْصَدْ مَعَهَا تَرْكُ النِّكَاحِ وَلَا أَمْرٌ بِهِ بَلْ كَانَ النِّكَاحُ مَوْجُودًا مَعَ هَذَا الْأَمْرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ " التَّبَتُّلُ " الْمَرْدُودُ : مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ - مِنْ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ ، وَتَجَنُّبِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ ، مِمَّا يَدْخُلُ فِي بَابِ التَّشْدِيدِ عَلَى النَّفْسِ بِالْإِجْحَافِ بِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا : مَنْعُ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَشَبَهِهِ ، مِمَّا قَدْ يَفْعَلُهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَزَهِّدِينَ

 

 

305 - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ : عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، انْكِحْ أُخْتِي ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ : أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِي قَالَتْ : إنَّا نُحَدَّثُ أَنَّك تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ؟ قَالَتْ : قُلْت : نَعَمْ ، قَالَ : إنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي ، مَا حَلَّتْ لِي إنَّهَا لَابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلِيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ . قَالَ عُرْوَةُ وَثُوَيْبَةُ : مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ أَعْتَقَهَا ، فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ رَآهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ خِيبَةٍ فَقَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ : لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ خَيْرًا ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ }

 

الْخِيبَةُ : الْحَالَةُ ، بِكَسْرِ الْخَاءِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَتَحْرِيمُ نِكَاحِ الرَّبِيبَةِ : مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّائِلَةُ لِنِكَاحِ أُخْتِهَا : لَمْ يَبْلُغْهَا أَمْرُ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ نِكَاحِ الرَّبِيبَةِ فَإِنَّ لَفْظَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْعِرُ بِتَقَدُّمِ نُزُولِ الْآيَةِ ، حَيْثُ قَالَ " لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي " وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَمَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ : فَكَذَلِكَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَعَنْ بَعْضِ النَّاسِ : فِيهِ خِلَافٌ ، وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَعْدَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، غَيْرَ أَنَّ الْجَمْعَ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ : إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا إذْ الْجَمْعُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ : غَيْرُ مُمْتَنِعٍ اتِّفَاقًا وَقَالَ الْفُقَهَاءُ : إذَا وَطِئَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَمْ يَطَأْ الْأُخْرَى ، حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ ، أَوْ كِتَابَةٍ ، أَوْ تَزْوِيجٍ ، لِئَلَّا يَكُونَ مُسْتَبِيحًا لِفَرْجَيْهِمَا مَعًا . وَقَوْلُهَا " لَسْت لَكَ بِمُخْلِيَةٍ " مَضْمُومُ الْمِيمِ سَاكِنُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَكْسُورُ اللَّامِ مَعْنَاهُ : لَسْتُ أُخْلَى بِغَيْرِ ضَرَّةٍ . وَقَوْلُهَا " وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي " وَفِي رِوَايَةٍ " شَرِكَنِي " بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ . وَأَرَادَتْ بِالْخَيْرِ هَهُنَا : مَا يَتَعَلَّقُ بِصُحْبَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَأُخْتُهَا : اسْمُهَا عَزَّةُ " بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَقَوْلُهَا " إنَّا كُنَّا نُحَدَّثُ : أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ " هَذِهِ يُقَالُ لَهَا دُرَّةُ " بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَمَنْ قَالَ فِيهِ " ذَرَّةُ " بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَقَدْ صَحَّفَ . وَقَدْ يَقَعُ مِنْ هَذِهِ الْمُحَاوَرَةِ فِي النَّفْسِ : أَنَّهَا إنَّمَا سَأَلَتْ نِكَاحَ أُخْتِهَا لِاعْتِقَادِهَا خُصُوصِيَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبَاحَةِ هَذَا النِّكَاحِ ، لَا لِعَدَمِ عِلْمِهَا بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَذَلِكَ : أَنَّهُ إذَا كَانَ سَبَبُ اعْتِقَادِهَا التَّحْلِيلَ : اعْتِقَادَهَا خُصُوصِيَّةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسَبَ ذَلِكَ : أَنْ تَعْتَرِضَ بِنِكَاحِ دُرَّةَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ فَكَأَنَّهَا تَقُولُ : كَمَا جَازَ نِكَاحُ دُرَّةَ - مَعَ تَنَاوُلِ الْآيَةِ لَهَا - جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، لِلِاجْتِمَاعِ فِي الْخُصُوصِيَّةِ . أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِمُقْتَضَى الْآيَةِ : فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ عَلَى الْأُخْتِ أَنْ يَرِدَ عَلَى ذَلِكَ تَجْوِيزُ نِكَاحِ الرَّبِيبَةِ لُزُومًا ظَاهِرًا ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَشْتَرِكَانِ حِينَئِذٍ فِي أَمْرٍ أَعَمَّ . أَمَّا إذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِمَدْلُولِ الْآيَةِ : فَيَكُونُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي أَمْرٍ خَاصٍّ . وَهُوَ التَّحْرِيمُ الْعَامُّ . وَاعْتِقَادِ التَّحْلِيلِ الْخَاصِّ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ؟ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِثْبَاتِ وَنَفْيِ الِاشْتِرَاكِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِظْهَارِ جِهَةِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهَا ، أَوْ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي } وَ " الرَّبِيبَةُ " بِنْتُ الزَّوْجَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ " الرَّبِّ " وَهُوَ الْإِصْلَاحُ ؛ لِأَنَّهُ يَرُبُّهَا ، وَيَقُومُ بِأُمُورِهَا وَإِصْلَاحِ حَالِهَا وَمَنْ ظَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّرْبِيَةِ ، فَقَدْ غَلِطَ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِاشْتِقَاقِ : الِاتِّفَاقُ فِي الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالِاشْتِرَاكُ مَفْقُودٌ فَإِنَّ آخِرَ " رَبَّ " بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَآخِرَ " رَبَّيْ " يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَ " الْحَجْرُ " بِالْفَتْحِ أَفْصَحُ وَيَجُوزُ بِالْكَسْرِ . وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى اخْتِصَاصَ تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ بِكَوْنِهَا فِي الْحَجْرَ وَهُوَ الظَّاهِرِيُّ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا ، وَحَمَلُوا التَّخْصِيصَ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَقَالُوا : مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ : لَا مَفْهُومَ لَهُ وَعِنْدِي نَظَرٌ فِي أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ فِيهِ - أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ : هَلْ يَرِدُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَوْ لَا ؟ . وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ شَامِلٌ لِلْجَمْعِ عَلَى صِفَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ : عَلَى صِفَةِ التَّرْتِيبِ

 

306 - الْحَدِيثُ الْخَامِسُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا ، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا }

 

جُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا الْجَمْعِ أَيْضًا وَهُوَ مِمَّا أُخِذَ مِنْ السُّنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْكِتَابِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } إلَّا أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ خَصُّوا ذَلِكَ الْعُمُومَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْمَعِيَّةِ ، وَالْجَمْعِ عَلَى صِفَةِ التَّرْتِيبِ وَإِذَا كَانَ النَّهْيُ وَارِدًا عَلَى مُسَمَّى الْجَمْعِ - وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَسَادِ - فَيَقْتَضِي ذَلِكَ : أَنَّهُ إذَا نَكَحَهُمَا مَعًا ، فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ حَصَلَ فِيهِ الْجَمْعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَيَفْسُدُ ، وَإِنْ حَصَلَ التَّرْتِيبُ فِي الْعَقْدَيْنِ . فَالثَّانِي : هُوَ الْبَاطِلُ ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْجَمْعِ قَدْ حَصَلَ بِهِ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لِهَذَا الْحَدِيثِ { لَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى ، وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى } وَذَلِكَ مُصَرِّحٌ بِتَحْرِيمِ جَمْعِ التَّرْتِيبِ . وَالْعِلَّةُ فِي هَذَا النَّهْيِ : مَا يَقَعُ بِسَبَبِ الْمُضَارَّةِ ، مِنْ التَّبَاغُضِ وَالتَّنَافُرِ فَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ وَرَدَ الْإِشْعَارُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ

 

307 - الْحَدِيثُ السَّادِسُ : عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ : مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ }

 

ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، وَأَلْزَمُوا الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَأَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ، وَلَا يَتَسَرَّى ، وَلَا يُخْرِجَهَا مِنْ الْبَلَدِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ : إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِمِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ، وَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَرُبَّمَا حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ عَلَى شُرُوطٍ يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ مِثْلِ : أَنْ يَقْسِمَ لَهَا ، وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا ، أَوْ يُحْسِنَ عِشْرَتَهَا ، وَمِثْلِ : أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، مِمَّا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ . وَفِي هَذَا الْحَمْلِ ضَعْفٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُؤَثِّرُ الشُّرُوطُ فِي إيجَابِهَا فَلَا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالِاشْتِرَاطِ فِيهَا . وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ : أَنَّ لَفْظَةَ " أَحَقَّ الشُّرُوطِ " تَقْتَضِي : أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ ، وَبَعْضُهَا أَشَدَّ اقْتِضَاءٍ لَهُ ، وَالشُّرُوطُ الَّتِي هِيَ مُقْتَضَى الْعُقُودِ : مُسْتَوِيَةٌ فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ ، وَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا عَدَا النِّكَاحِ : الشُّرُوطُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّكَاحِ مِنْ جِهَةِ حُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ ، وَتَأْكِيدِ اسْتِحْلَالِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

 

 

308 - الْحَدِيثُ السَّابِعُ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ : أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا الصَّدَاقُ }

 

هَذَا اللَّفْظُ الَّذِي فُسِّرَ بِهِ " الشِّغَارُ " تَبَيَّنَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ : أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ ، وَالشِّغَارُ " بِكَسْرِ الشِّينِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ : اخْتَلَفُوا فِي أَصْلِهِ فِي اللُّغَةِ ، فَقِيلَ : هُوَ مِنْ شَغَرَ الْكَلْبُ : إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ ، كَأَنَّ الْعَاقِدَ يَقُولُ : لَا تَرْفَعْ رِجْلَ ابْنَتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ ابْنَتِكَ وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ شَغَرَ الْبَلَدُ : إذَا خَلَا ، كَأَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلشُّغُورِ عَنْ الصَّدَاقِ . وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا - إذَا وَقَعَ - فَسَادُ الْعَقْدِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْعَقْدُ صَحِيحٌ ، وَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : الْعَقْدُ بَاطِلٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ فِيهِ تَقْسِيمٌ . فَفِي بَعْضِ الصُّوَرِ : الْعَقْدُ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَفِي بَعْضِ الصُّوَرِ : يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ وَهُوَ مَا إذَا سُمِّيَ الصَّدَاقُ فِي الْعَقْدِ ، بِأَنْ يَقُولَ : زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي بِكَذَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ بِكَذَا ، فَاسْتَخَفَّ مَالِكٌ هَذَا ، لِذِكْرِ الصَّدَاقِ ، وَصُورَةُ الشِّغَارِ الْكَامِلَةُ : أَنْ يَقُولَ : زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ ، وَبِضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقُ الْأُخْرَى ، وَمَهْمَا انْعَقَدَ لِي نِكَاحُ ابْنَتِكَ انْعَقَدَ لَك نِكَاحُ ابْنَتِي فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ : وُجُوهٌ مِنْ الْفَسَادِ . مِنْهَا تَعْلِيقُ الْعَقْدِ . وَمِنْهَا : التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ . وَمِنْهَا : اشْتِرَاطُ هَدْمِ الصَّدَاقِ ، وَهُوَ مُفْسِدٌ عِنْدَ مَالِكٍ ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِمَنْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ ، وَهُوَ " الِابْنَةُ " بَلْ يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِ الْمَوْلَيَاتِ . وَتَفْسِيرُ نَافِعٍ وَقَوْلُهُ " وَلَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا " يُشْعِرُ بِأَنَّ جِهَةَ الْفَسَادِ : ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِمُلَازِمَتِهِ لِجِهَةِ الْفَسَادِ . وَعَلَى الْجُمْلَةِ : فَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ عَدَمَ الصَّدَاقِ لَهُ مَدْخَلٌ فِي النَّهْيِ

 

 

309 - الْحَدِيثُ الثَّامِنُ : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ }

 

" نِكَاحُ الْمُتْعَةِ " هُوَ تَزَوُّجُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ إلَى أَجَلٍ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا ثُمَّ نُسِخَ وَالرِّوَايَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ : أُبِيحَ بَعْدَ النَّهْيِ ، ثُمَّ نُسِخَتْ الْإِبَاحَةُ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَقَدْ وَرَدَتْ إبَاحَتُهُ عَامَ الْفَتْحِ ، ثُمَّ النَّهْيُ عَنْهَا وَذَلِكَ بَعْدَ يَوْمِ خَيْبَرَ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِإِبَاحَتِهَا ، بَعْدَمَا كَانَ يَقُولُ بِهِ ، وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ كُلُّهُمْ عَلَى الْمَنْعِ ، وَمَا حَكَاهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ الْجَوَازِ فَهُوَ خَطَأٌ قَطْعًا وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى الِاقْتِصَارِ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى الْعَقْدِ الْمُؤَقَّتِ وَعَدَّاهُ مَالِكٌ بِالْمَعْنَى إلَى تَوْقِيتِ الْحِلِّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقْدٌ فَقَالَ : إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِوَقْتٍ لَا بُدَّ مِنْ مَجِيئِهِ : وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ الْآنَ ، وَعَلَّلَهُ أَصْحَابُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ تَأْقِيتٌ لِلْحِلِّ ، وَجَعَلُوهُ فِي مَعْنَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ .

 

وَأَمَّا " لُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ " فَإِنَّ ظَاهِرَ النَّهْيِ : التَّحْرِيمُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي طَرِيقَةٍ لِلْمَالِكِيَّةِ : أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، مُغَلَّظُ الْكَرَاهَةِ ، وَلَمْ يُنْهُوهُ إلَى التَّحْرِيمِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَهْلِيَّةِ : يُخْرِجُ الْحُمُرَ الْوَحْشِيَّةَ وَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَتِهَا .

 

310 - الْحَدِيثُ التَّاسِعُ : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَكَيْفَ إذْنُهَا قَالَ : أَنْ تَسْكُتَ } .

 

كَأَنَّهُ أُطْلِقَتْ " الْأَيِّمُ " هَهُنَا بِإِزَاءِ الثَّيِّبِ ، وَ " الِاسْتِئْمَارُ " طَلَبُ الْأَمْرِ ، وَ " الِاسْتِئْذَانُ " طَلَبُ الْإِذْنِ وَقَوْلُهُ " فَكَيْفَ إذْنُهَا " رَاجِعٌ إلَى الْبِكْرِ ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إذْنَ الْبِكْرِ سُكُوتُهَا ، وَهُوَ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى لَفْظِ " الْبِكْرِ " وَلَفْظُ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ " لَا تُنْكَحُ " إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّحْرِيمِ ، أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ : تَعَيَّنَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِكْرِ مِنْ عَدَا الصَّغِيرَةِ فَعَلَى هَذَا : لَا تُجْبَرُ الْبِكْرُ الْبَالِغُ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَتَمَسُّكُهُ بِالْحَدِيثِ قَوِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعُمُومِ فِي لَفْظِ " الْبِكْرِ " وَرُبَّمَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ ، بِأَنْ يُقَالَ : إنَّ الِاسْتِئْذَانَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ إذْنٌ ، وَلَا إذْنَ لِلصَّغِيرَةِ ، فَلَا تَكُونُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْإِرَادَةِ ، وَيَخْتَصُّ الْحَدِيثُ بِالْبَوَالِغِ فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى التَّنَاوُلِ .

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : الْيَتِيمَةَ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّ فِي الْيَتِيمَةِ : هَلْ يُكْتَفَى فِيهَا بِالسُّكُوتِ ، أَمْ لَا ؟ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِهِ وَقَدْ وَرَدَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَمَالَ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ مَنْ يَمِيلُ إلَى الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِهِ . وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ : يُرَجِّحُ الْآخَرَ .

 

311 - الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ : عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي . فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ . فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ ؟ لَا ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ ، قَالَتْ : وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ ، فَنَادَى أَبَا بَكْرٍ : أَلَا تَسْمَعُ إلَى هَذِهِ : مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .

 

تَطْلِيقُهُ إيَّاهَا بِالْبَتَاتِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ : يُحْتَمَلُ : أَنْ يَكُونَ بِإِرْسَالِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِإِيقَاعِ آخِرِ طَلْقَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِإِحْدَى الْكِنَايَاتِ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَى الْبَيْنُونَةِ ، عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ عُمُومٌ ، وَلَا إشْعَارٌ بِأَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ ، تُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَمَنْ احْتَجَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ بِالْحَدِيثِ : فَلَمْ يُصِبْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْبَتِّ ، وَالدَّالُّ عَلَى الْمُطْلَقِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِ قَيْدَيْهِ بِعَيْنِهِ . وَقَوْلُهَا " فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ " هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْبَاءِ ثَانِي الْحُرُوفِ ، وَثَالِثُهُ يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ . وَقَوْلُهَا " إنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ " فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ شَبَّهَتْهُ بِذَلِكَ لِصِغَرِهِ ، وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ شَبَّهَتْهُ بِهِ لِاسْتِرْخَائِهِ ، وَعَدَمِ انْتِشَارِهِ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْلَالَ لِلزَّوْجِ الثَّانِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَطْءِ ، وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَرَى الِانْتِشَارَ فِي الْإِحْلَالِ شَرْطًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرَجَّحُ حَمْلُ قَوْلِهَا " إنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ " عَلَى الِاسْتِرْخَاءِ وَعَدَمِ انْتِشَارِهِ ، لِاسْتِبْعَادِ أَنْ يَكُونَ الصِّغَرُ قَدْ بَلَغَ إلَى حَدٍّ لَا تَغِيبُ مِنْهُ الْحَشَفَةُ ، أَوْ مِقْدَارُهَا الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ ؟ " كَأَنَّهُ بِسَبَبِ : أَنَّهُ فَهِمَ عَنْهَا إرَادَةَ فِرَاقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَإِرَادَةَ أَنْ يَكُونَ فِرَاقُهُ سَبَبًا لِلرُّجُوعِ إلَى رِفَاعَةَ ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهَا : إنَّ هَذَا الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالدُّخُولِ . وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِيمَا نَعْلَمُهُ وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الْعُسَيْلَةِ " مَجَازٌ عَنْ اللَّذَّةِ ، ثُمَّ عَنْ مَظِنَّتِهَا ، وَهُوَ الْإِيلَاجُ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَكْتَفُونَ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ .

 

312 - الْحَدِيثُ الْحَادِيَ عَشَرَ : { عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ : أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ قَسَمَ . وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ : أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ . قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ : إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .

 

الَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ : أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي " مِنْ السُّنَّةِ كَذَا " فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ : أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَالَهُ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادٍ رَآهُ وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ خِلَافُهُ . وَقَوْلُ أَبِي قِلَابَةَ " لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ : إنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إلَخْ " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ ظَنَّ ذَلِكَ مَرْفُوعًا لَفْظًا مِنْ أَنَسٍ ، فَتَحَرَّزَ عَنْ ذَلِكَ تَوَرُّعًا . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ رَأَى أَنَّ قَوْلَ أَنَسٍ " مِنْ السُّنَّةِ " فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ ، فَلَوْ شَاءَ لَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ ، عَلَى حَسَبِ مَا اعْتَقَدَهُ : مِنْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ ، وَالْأَوَّلُ : أَقْرَبُ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " مِنْ السُّنَّةِ " يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِطَرِيقٍ اجْتِهَادِيٍّ مُحْتَمَلٍ . وَقَوْلُهُ " إنَّهُ رَفَعَهُ " نَصٌّ فِي رَفْعِهِ ، وَلَيْسَ لِلرَّاوِي أَنْ يَنْقُلَ مَا هُوَ ظَاهِرٌ مُحْتَمَلٌ إلَى مَا هُوَ نَصٌّ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ . وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي : أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لِلْبِكْرِ أَوْ الثَّيِّبِ : إنَّمَا هُوَ فِيهِ إذَا كَانَتَا مُتَجَدِّدَتَيْنِ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ قَبْلَهُمَا ، وَلَا يَقْتَضِي أَنَّهُ ثَابِتٌ لِكُلِّ مُتَجَدِّدَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا غَيْرُهَا وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَمَلُ النَّاسِ عَلَى هَذَا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا امْرَأَةٌ فِي النِّكَاحِ ، وَالْحَدِيثُ لَا يَقْتَضِيهِ . وَتَكَلَّمُوا فِي عِلَّةِ هَذَا ، فَقِيلَ : إنَّهُ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ ، لِأَجْلِ إينَاسِهَا وَإِزَالَةِ الْحِشْمَةِ عَنْهَا لِتَجَدُّدِهَا ، أَوْ يُقَالُ : إنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ . وَأَفْرَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَجَعَلَ مُقَامَهُ عِنْدَهَا عُذْرًا فِي إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ إذَا جَاءَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ . وَهَذَا سَاقِطٌ ، مُنَافٍ لِلْقَوَاعِدِ ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْآدَابِ أَوْ السُّنَنِ ، لَا يُتْرَكُ لَهُ الْوَاجِبُ وَلَمَّا شَعَرَ بِهَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا : تُوُهِّمَ أَنَّ قَائِلَهُ يَرَى الْجُمُعَةَ فَرْضَ كِفَايَةٍ ، وَهُوَ فَاسِدٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّ قَوْلَ هَذَا الْقَائِلِ مُتَرَدِّدٌ ، مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ عُذْرًا ، أَوْ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ وَتَخْطِئَتُهُ فِي هَذَا أَوْلَى مِنْ تَخْطِئَتِهِ فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَعَمَلُ الْأُمَّةِ ، مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ .

 

313 - الْحَدِيثُ الثَّانِيَ عَشَرَ : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ : إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا } .

 

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ وَالدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي ابْتِدَاءِ الْجِمَاعِ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ " يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ عَامًّا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الضَّرَرُ الدِّينِيُّ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الضَّرَرِ الْبَدَنِيِّ . بِمَعْنَى أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَبَّطُهُ ، وَلَا يُدَاخِلُهُ بِمَا يَضُرُّ عَقْلَهُ أَوْ بَدَنَهُ وَهَذَا أَقْرَبُ ، وَإِنْ كَانَ التَّخْصِيصُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْعُمُومِ اقْتَضَى ذَلِكَ : أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مَعْصُومًا عَنْ الْمَعَاصِي كُلِّهَا ، وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ ، أَوْ يَعِزُّ وُجُودُهُ . وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا إذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَمْرِ الضَّرَرِ فِي الْعَقْلِ أَوْ الْبَدَنِ : فَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ ، وَلَا يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ خِلَافِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

 

314 - الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ : عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ } .

 

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ " الْحَمْوُ " أَخُو الزَّوْجِ ، وَمَا أَشْبَهَ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ ابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُمْ . لَفْظُ " الْحَمْوُ " يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي أَبِي الزَّوْجِ ، وَهُوَ مَحْرَمٌ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُهُ عَلَيْهِمَا . فَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ اللَّيْثُ بِمَا يُزِيلُ هَذَا الْإِشْكَالَ ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِالْمَرْأَةِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجَانِبِ وَقَوْلُهُ " إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ " مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ ، وَعَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِنَّ ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ مُقْتَضِيًا لِلْخَلْوَةِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَلَا يُمْتَنَعُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " الْحَمْوُ الْمَوْتُ " فَتَأْوِيلُهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْحَمْوِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ - كَأَبِي زَوْجِهَا - فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " الْحَمْوُ الْمَوْتُ " بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إبَاحَةِ دُخُولِهِ ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّغْلِيظِ وَالدُّعَاءِ ؛ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ قَائِلِهِ : طَلَبُ التَّرْخِيصِ بِدُخُولِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَحَارِمَ فَغُلِّظَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ هَذَا الْقَصْدِ الْمَذْمُومِ ، بِأَنَّ دُخُولَ الْمَوْتِ عِوَضًا مِنْ دُخُولِهِ ، زَجْرًا عَنْ هَذَا التَّرْخِيصِ ، عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ ، وَالدُّعَاءِ ، كَأَنَّهُ يُقَالُ : مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ الْمَوْتُ فِي دُخُولِهِ عِوَضًا مِنْ دُخُولِ الْحَمْوِ الَّذِي قَصَدَ دُخُولَهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَبَّهَ الْحَمْوَ بِالْمَوْتِ ، بِاعْتِبَارِ كَرَاهَتِهِ لِدُخُولِهِ ، وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِكَرَاهَةِ دُخُولِ الْمَوْتِ .

 

باب الصداق

 

315 - الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَعْتَقَ صَفِيَّةَ ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا } .

 

قَوْلُهُ " وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ ، عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِيَّةِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ عِتْقُهَا قَائِمًا مَقَامَ الصَّدَاقِ ، إذْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عِوَضٌ : سُمِّيَ صَدَاقًا . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ : أَنَّهُ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا ، وَكَانَتْ مَجْهُولَةً ، وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا : أَنْ يُعْتِقَهَا وَيَتَزَوَّجَهَا ، فَقَبِلَتْ ، فَلَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ : لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ ، وَمِمَّنْ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ إبْطَالٌ لِلشَّرْطِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ ، فَقَبِلَتْ : عَتَقَتْ ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِتَزَوُّجِهِ ، بَلْ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعِتْقِهَا مَجَّانًا ، وَصَارَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْبَاطِلَةِ ، أَوْ كَسَائِرِ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَعْوَاضِ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بِالْمَجَّانِ . فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى مَهْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ : كَانَ لَهَا ذَلِكَ الْمُسَمَّى ، وَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا لِلسَّيِّدِ . فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا : فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مَعْلُومَةً لَهَا وَلَهُ : صَحَّ الصَّدَاقُ ، وَلَا يَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا قِيمَةٌ ، وَلَا لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً فَالْأَصَحُّ مِنْ وَجْهَيْ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ الصَّدَاقَ بِالْقِيمَةِ الْمَجْهُولَةِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ ، وَأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّخْفِيفِ ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ - مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ ، وَقَوْلٌ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ - : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهَا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا ، وَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ ، وَيَصِحُّ الصَّدَاقُ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ . وَالْأَوَّلُونَ قَدْ يُؤَوِّلُونَهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ عِتْقَهَا قَائِمًا مَقَامَ الصَّدَاقِ فَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ ، وَالظَّاهِرُ مَعَ الْفَرِيقِ الثَّانِي ، إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ الْأَوَّلِ فَيَتَرَدَّدُ الْحَالُ بَيْنَ ظَنٍّ نَشَأَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَظَنٍّ يَنْشَأُ مِنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، مَعَ احْتِمَالِ الْوَاقِعَةِ لِلْخُصُوصِيَّةِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ - إلَّا أَنَّهُ يُتَأَنَّسُ فِي ذَلِكَ بِكَثْرَةِ خَصَائِصِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّكَاحِ لَا سِيَّمَا هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ، إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا ، خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } وَلَعَلَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ : اسْتِحْبَابُ عِتْقِ الْأَمَةِ وَتَزَوُّجِهَا ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ آخَرَ .

 

316 - الْحَدِيثُ الثَّانِي : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : إنِّي وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ : فَقَامَتْ طَوِيلًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زَوِّجْنِيهَا ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا ؟ فَقَالَ : مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي هَذَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إزَارَكَ إنْ أَعْطَيْتَهَا جَلَسْتَ وَلَا إزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا قَالَ : مَا أَجِدْ قَالَ : الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَالْتَمَسَ ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ } .

 

فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ . وَقَوْلُهَا " وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ " مَعَ سُكُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَلِيلٌ لِجَوَازِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ نِكَاحَهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَ فِي الْآيَةِ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ ، لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ ، وَلَا بِالدُّخُولِ وَلَا بِالْوَفَاةِ . وَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْخُصُوصِيَّةِ ، فَإِنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ ، إمَّا مُسَمًّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَجَازَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ انْعِقَادَ نِكَاحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ " وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ " أَوْ التَّزْوِيجِ " كَغَيْرِهِ .

 

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا ؟ " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ وَتَسْمِيَتِهِ فِيهِ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إزَارَكَ ؛ إنْ أَعْطَيْتَهَا جَلَسْتَ وَلَا إزَارَ لَكَ " دَلِيلٌ عَلَى الْإِرْشَادِ إلَى الْمَصَالِحِ مِنْ كَبِيرِ الْقَوْمِ ، وَالرِّفْقِ بِرَعِيَّتِهِ . وَقَوْلُهُ " فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، لِئَلَّا يُخْلَى الْعَقْدُ مِنْ ذِكْرِ الصَّدَاقِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ ، وَأَنْفَعُ لِلْمَرْأَةِ ، فَإِنَّهُ لَوْ حَصَلَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ : وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى .

 

وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَرَى جَوَازَ الصَّدَاقِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ : أَنَّ أَقَلَّهُ رُبْعُ دِينَارٍ ، أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ قِيمَتُهَا . وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّ أَقَلَّهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ ، وَمَذْهَبُ بَعْضِهِمْ : أَنَّ أَقَلَّهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ

 

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ ، وَفِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ ، وَقَدْ قِيلَ : عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَرَاهَتُهُ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَوَّجْتُكَهَا " اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهَا كَمَا ذُكِرَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهَا " مُلِّكْتَهَا " وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهَا " مَلَّكْتُكَهَا " فَيَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْ يَرَى انْعِقَادَ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ اُخْتُلِفَ فِيهَا . وَالظَّاهِرُ الْقَوِيُّ : أَنَّ الْوَاقِعَ أَحَدُ الْأَلْفَاظِ ، لَا كُلُّهَا . فَالصَّوَابُ فِي مِثْلِ هَذَا النَّظَرُ إلَى التَّرْجِيحِ بِأَحَدِ وُجُوهِهِ وَنُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى " زَوَّجْتُكَهَا " ، وَأَنَّهُ قَالَ : وَهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ اللَّفْظَيْنِ وَيَكُونُ أَرْجَى لَفْظَ التَّزْوِيجِ أَوَّلًا ، فَمَلَّكَهَا . ثُمَّ قَالَ لَهُ " اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا " بِالتَّزْوِيجِ السَّابِقِ قُلْتُ : هَذَا أَوَّلًا بَعِيدٌ فَإِنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَقْضِي تَعْيِينَ مَوْضِعِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا ، وَأَنَّهَا الَّتِي انْعَقَدَ بِهَا النِّكَاحُ وَمَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ أَمْرٍ آخَرَ انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ وَاخْتِلَافَ مَوْضِعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَأَيْضًا فَلِخَصْمِهِ أَنْ يَعْكِسَ الْأَمْرَ ، وَيَقُولَ : كَانَ انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " زَوَّجْتُكَهَا " إخْبَارًا عَمَّا مَضَى بِمَعْنَاهُ . فَإِنَّ ذَلِكَ التَّمْلِيكَ : هُوَ تُمْلِيك نِكَاحٍ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى " مُلِّكْتَهَا " الَّتِي لَمْ يُتَعَرَّضْ لِتَأْوِيلِهَا : يَبْعُدُ فِيهَا مَا قَالَ ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَاضِي بِمَعْنَاهُ وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَعْكِسَهُ ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ فِي مِثْلِ هَذَا : أَنْ يُنْظَرَ إلَى التَّرْجِيحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ خَاتَمِ الْحَدِيدِ ، وَفِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ ، وَقَدْ قِيلَ : عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَرَاهَتُهُ . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَوَّجْتُكَهَا " اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهَا كَمَا ذُكِرَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهَا " مُلِّكْتَهَا " وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهَا " مَلَّكْتُكَهَا " فَيَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْ يَرَى انْعِقَادَ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ اُخْتُلِفَ فِيهَا . وَالظَّاهِرُ الْقَوِيُّ : أَنَّ الْوَاقِعَ أَحَدُ الْأَلْفَاظِ ، لَا كُلُّهَا . فَالصَّوَابُ فِي مِثْلِ هَذَا النَّظَرُ إلَى التَّرْجِيحِ بِأَحَدِ وُجُوهِهِ وَنُقِلَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى " زَوَّجْتُكَهَا " ، وَأَنَّهُ قَالَ : وَهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ اللَّفْظَيْنِ وَيَكُونُ أَرْجَى لَفْظَ التَّزْوِيجِ أَوَّلًا ، فَمَلَّكَهَا . ثُمَّ قَالَ لَهُ " اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا " بِالتَّزْوِيجِ السَّابِقِ قُلْتُ : هَذَا أَوَّلًا بَعِيدٌ فَإِنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَقْضِي تَعْيِينَ مَوْضِعِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِيهَا ، وَأَنَّهَا الَّتِي انْعَقَدَ بِهَا النِّكَاحُ وَمَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي وُقُوعَ أَمْرٍ آخَرَ انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ وَاخْتِلَافَ مَوْضِعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَأَيْضًا فَلِخَصْمِهِ أَنْ يَعْكِسَ الْأَمْرَ ، وَيَقُولَ : كَانَ انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " زَوَّجْتُكَهَا " إخْبَارًا عَمَّا مَضَى بِمَعْنَاهُ . فَإِنَّ ذَلِكَ التَّمْلِيكَ : هُوَ تُمْلِيك نِكَاحٍ . وَأَيْضًا : فَإِنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى " مُلِّكْتَهَا " الَّتِي لَمْ يُتَعَرَّضْ لِتَأْوِيلِهَا : يَبْعُدُ فِيهَا مَا قَالَ ، إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْمَاضِي بِمَعْنَاهُ وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَعْكِسَهُ ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ فِي مِثْلِ هَذَا : أَنْ يُنْظَرَ إلَى التَّرْجِيحِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

 

317 - الْحَدِيثُ الثَّالِثُ : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَعَلَيْهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَهْيَمْ ؟ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ، فَقَالَ : مَا أَصْدَقْتَهَا ؟ قَالَ : وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ : فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ } .

 

" رَدْعُ الزَّعْفَرَانِ " بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ : أَثَرُ لَوْنِهِ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " مَهْيَمْ " أَيْ مَا أَمْرُكَ ؟ وَمَا خَبَرُكَ ؟ قِيلَ : إنَّهَا لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ . قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مُرَكَّبَةً . وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ " مَا أَصْدَقْتَهَا ؟ " تَنْبِيهٌ وَإِشَارَةٌ إلَى وُجُودِ أَصْلِ الصَّدَاقِ فِي النِّكَاحِ ، إمَّا بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ ، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَسْمِيَتِهِ فِي النِّكَاحِ ، وَذَلِكَ : أَنَّهُ سَأَلَهُ بِ " مَا " وَالسُّؤَالُ بِ " مَا " بَعْدَ السُّؤَالِ بِ " هَلْ " فَاقْتَضَى ذَلِكَ : أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْإِصْدَاقِ : مُتَقَرِّرًا لَا يُحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ . وَفِي قَوْلِهِ " وَزْنَ نَوَاةٍ " قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ : نَوَاةٌ مِنْ نَوَى التَّمْرِ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ وَلَا يَتَحَدَّدُ الْوَزْنُ بِهِ ، لِاخْتِلَافِ نَوَى التَّمْرِ فِي الْمِقْدَارِ : وَالثَّانِي : أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ عِنْدَهُمْ ، وَهُوَ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ . ثُمَّ فِي الْمَعْنَى وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُصْدَقُ ذَهَبًا وَزْنُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُصْدَقُ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ . وَعَلَى الْأَوَّلِ : يَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ " مِنْ ذَهَبٍ " بِلَفْظِ " وَزْنَ " وَعَلَى الثَّانِي يَتَعَلَّقُ " بِنَوَاةٍ . " وَقَوْلُهُ " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ " دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ بِمِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ وَ " الْوَلِيمَةُ " الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِأَجْلِ الْعُرْسِ ، وَهُوَ مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ شَرْعًا . وَلَعَلَّ مِنْ جُمْلَةِ فَوَائِدِهِ : أَنَّ اجْتِمَاعَ النَّاسِ لِذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي اشْتِهَارَ النِّكَاحِ . وَقَوْلُهُ " أَوْلِمْ " صِيغَةُ أَمْرٍ ، مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَجْرَاهَا بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ " وَلَوْ بِشَاةٍ " يُفِيدُ مَعْنَى التَّقْلِيلِ وَلَيْسَتْ " لَوْ " هَذِهِ هِيَ الَّتِي تَقْتَضِي امْتِنَاعَ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هِيَ الَّتِي تَقْتَضِي مَعْنَى التَّمَنِّي .

 

أنتهى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق