الأربعاء، 22 يونيو 2022

وأنذرهم يوم الحسرة المؤلف الشيخ عبد الله بن جار الله آل جار الله

 

 

 

وَأنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ 

إعداد الفقير إلى الله تعالى 

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله الله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد فقد خلقنا ربنا لعبادته وأمرنا بتوحيده وطاعته وسوف يموت الإنسان ويقدم على ما قَدَّم من عمل إن خيراً فخير وإن شراً فشر وليس أحد يموت إلا ندم إن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد إحساناً وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون تاب من إساءته وقد أنذرنا الله من يوم القيامة وسماه يوم الحسرة وأمرنا بالاستعداد له بما ينجينا من العذاب في الآخرة حينما نُبعث حفاة عراة ليس معنا شيء سوى العمل وأمرنا بالاستقامة على دينه كما أمرنا من غير زيادة ولا نقصان ونهانا عن الطغيان ومجاوزة الحدود وهو تعالى بصير بأعمالنا لا تخفى عليه خافية، ولن يُظلم الإنسان بالنقص من حسناته والزيادة في سيئاته، وسوف يندم العاصي ويتحسَّر عند موته وعندما يبعث وعندما يذبح الموت بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت.

وقد أخبرنا الله تعالى عن اقتراب حساب الناس ومجازاتهم على أعمالهم وهم في غفلة معرضون عما خلقوا له.

وأخبرنا عن عِظَم زلزلة الساعة وأهوالها وأمرنا بتقواه وطاعته لنكون من الفائزين في ذلك اليوم العظيم.

وأمرنا بالاستقامة على الدين القيم من قبل أن يموت الإنسان فتقوم قيامته الصغرى فتذهب روحه إلى الجنة أو النار وينال جسمه في قبره نعيم أو عذاب، وفي يوم القيامة يفترق الناس فريق في الجنة وفريق في السعير. وأمر تعالى بالاستجابة له بطاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه قبل الموت وفوات الأوان. وأخبر تعالى عن مغفرته للتائبين ودعوته للمقصرين ونهانا عن القنوط وقطع الرجا من رحمته وأمرنا بالرجوع والإنابة إليه والاستسلام له والانقياد لطاعته قبل نزول العذاب والتحسر على ما فات.

كما أخبرنا بالجزاء على الأعمال إما إلى الجنة وإما إلى النار وأن الإنسان سوف يفر يوم القيامة من أقاربه لانشغاله بنفسه وأنه سوف يكون في الآخرة موازين للحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته فهو من الناجين ومن رجحت سيئاته على حسناته فهو من الخاسرين المعذبين في النار نعوذ بالله من ذلك.

لما تقدم فقد جمعت في هذا الموضوع آيات تتحدث عن يوم القيامة وما فيه من الجزاء مع ما تيسر من تفسيرها أسأل الله تعالى أن ينفع بها وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


 

الايمان باليوم الآخر

ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي r مما يكون بعد الموت. فيؤمن بفتنة القبر. وبعذاب القبر ونعيمه.

فأما الفتنة فإن الناس يمتحنون في قبورهم فيقال للرجل من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله والإسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي. وأما المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته: فيضرب بمرزبة([1]) من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا إلانسان ولو سمعها الإنسان لصعق – ثم بعد هذه الفتنة – إما نعيم وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعاد الأرواح إلى الأجساد، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه وعلى لسان رسوله وأجمع عليها المسلمون، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلا([2]) وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق: فتنصب الموازين فتوزن بها أعمال العباد }فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ{([3]) وتنشر الدواوين – وهي صحائف الأعمال – فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره كما قال سبحانه وتعالى: }وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ([4]) وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا{([5]) ويحاسب الله الخلائق ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته فإنه لا حسنات لهم ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقرون بها. وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي r ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، وطوِله شهر وعرضه شهر من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا.

والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس على قدر أعمالهم؛ فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يعدو عدواً ومنهم من يمشي مشياً ومنهم من يزحف زحفاً ومنهم من يخطف خطفاً ويلقى في جهنم، فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم؛ فمن مر على الصراط دخل الجنة، فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.

وأول من يستفتح باب الجنة محمد r وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته وله r في القيامة ثلاث شفاعات: أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم الشفاعة حتى تنتهي إليه. وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ وهاتان الشفاعتان خاصتان له، وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها، ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة بل بفضله ورحمته ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فينشىء الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة. وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء. وفي العلم الموروث عن محمد r من ذاك ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه وجده([6]).


(ذكر أسماء يوم القيامة)

قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي في كتاب العاقبة، يوم القيامة، وما أدراك ما يوم القيامة يوم الحسرة، والندامة يوم يجد كل عامل عمله أمامه يوم الدمدمة يوم الزلزلة يوم الصاعقة، يوم الواقعة، يوم الراجفة، يوم الرادفة، يوم الغاشية، يوم الداهية، يوم الآزفة، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم التلاق، يوم الفراق، يوم المشاق، يوم القصاص، يوم لات حين مناص، يوم التناد، يوم الأشهاد يوم المعاد، يوم المرصاد يوم المسائلة، يوم المناقشة، يوم الحساب، يوم المآب، يوم العذاب، يوم الفرار. لو وجد الفرار، يوم القرار إما في الجنة. وإما في النار، يوم القضاء، يوم الجزاء، يوم البكاء، يوم البلاء، يوم تمور السماء موراً وتسير الجبال سيراً. يوم الحشر، يوم النشر، يوم الجمع، يوم البعث، يوم العرض، يوم الوزن، يوم الحق: يوم الحكم، يوم الفصل، يوم عقيم، يوم عسير، يوم قمطرير، يوم عصيب، يوم النشور، يوم المصير، يوم الدين، يوم اليقين، يوم النفحة، يوم الصيحة، يوم الرجفة، يوم السكرة، يوم الفزع، يوم الجزع، يوم القلق، يوم الغرق، يوم العرق، يوم الميقات، يوم تخرج الأموات. وتظهر العورات، يوم الانشقاق، يوم الانكدار، يوم الانفطار، يوم الافتقار، يوم الخروج، يوم الانصداع، يوم الانقطاع، يوم معلوم، يوم موعود، يوم مشهود، يوم تبلى السرائر، يوم تخرج الضمائر، يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئاً، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً، يوم يدعى فيه إلى النار، يوم يسجن في النار، يوم تنقلب فيه القلوب والأبصار يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة، ولهم سوء الدار، يوم تقلب فيه الوجوه، يوم لا يرتجى فيه إلا المغفرة، وقال: وأهول أسمائه، وأبشع ألقابه يوم الخلود وما أدراك ما يوم الخلود يوم الانقطاع لعقابه، ولا يكشف فيه عن كافر ما به فنعوذ بالله، ثم نعوذ بالله من بلائه، وسوء قضائه بكرمه، ورحمته([7]).


الاستعداد ليوم المعاد

قال الله تعالى: }وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ{ [سورة البقرة 281].

يعني بذلك جل ثناؤه: واحذروا أيها الناس (يوماً ترجعون فيه إلى الله)، فتلقونه فيه، أن تَرِدُوا عليه بسيئات تهلككم، أو بمخزيات تخزيكم، أو بفاضحات تفضحكم فتهتك أستاركم، أو بموبقات توبقكم فتوجب لكم من عقاب الله ما لا قِبَل لكم به، وإنه يوم مجازاة بالأعمال، لا يوم استعتاب، ولا يوم استقالة وتوبة وإنابة، ولكنه يوم جزاءٍ وثوابٍ ومحاسبةٍ، توفَّى فيه كل نفس أجرها على ما قدمت واكتسبت من سيئ وصالح، لا تُغادَر فيه صغيرة ولا كبيرة من خير وشرّ إلا أحضرت، فوفُيِّتْ جزاءها بالعدل من ربها، وهم لا يظلمون. وكيف يُظلم من جوزى بالإساءة مثلها، وبالحسنة عشر أمثالها؟! كلاَّ، بل عَدَل عليك أيها المسيء، وتكرم عليك فأفضل وأسبغَ أيها المحسن. فاتقى امرؤٌ ربه، وأخذ منه حذره، وراقبه أن يهجُم عليه يَومُه وهو من الأوزار ظهرهُ ثقيل، ومن صالحات الأعمال خفيف، فإنه عز وجل حَذّر فأعذر، ووعظ فأبلغ([8])

 

 


(فاستقم كما أمرت)

قال الله تعالى: }فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{ [سورة هود 112].

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد r، فاستقم أنت، يا محمد، على أمر ربك، والدين الذي ابتعثك به، والدعاء إليه كما أمرك ربك (ومن تاب معك)، يقول: ومن رجع معك إلى طاعة الله، والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره (ولا تطغو)، يقول: ولا تعدُوا أمره إلى ما نهاكم عنه (إنه بما تعملون بصير)، يقول: إن ربكم أيها الناس بما تعملون من الأعمال كِلها، طاعتها ومعصيتها (بصير)، ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو لجميعها مبصر. يقول تعالى ذكره: فاتقوا الله، أيها الناس، أن يطلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره، فإنه ذو علم بما تعملون، وهو لكم بالمرصاد([9]).

لما أخبر بعدم استقامتهم، التي أوجبت اختلافهم وافتراقهم، أمر نبيه محمداً r ومن معه، من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله، من الشرائع، ويعتقدوا، ما أخبر الله من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك، يمنة، ولا يسرة، ويدوموا على ذلك، ولا يطغوا، بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة.

وقوله: }إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{ أي: لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، وسيجازيكم عليها.

ففيه ترغيب لسلوك الاستقامة، وترهيب من ضدها([10]).

إنذار الناس يوم الحسرة حين

يقضى الأمر وهم في غفلة

قال الله تعالى: }وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ{ [سورة مريم آية 39 – 40 ].

يأمر الله تعالى رسوله محمداً r أن ينذرالناس، والإنذار هو الإعلام بالمخاوف على وجه الترهيب والإخبار بصفاته وأحق ما ينذر به ويخوف به العباد يوم القيامة وهو يوم الحسرة حين يقضي الأمر فيجمع الأولون والآخرون في موقف واحد ويسألون عن أعمالهم فمن آمن بالله واتبع رسله سعد سعادة لا يشقى بعدها ومن لم يؤمن بالله ويتبع رسله بل كفر بالله وعصاه شقي شقاوة لا يسعد بعدها وخسر نفسه وأهله فحينئذ يتحسر ويندم ندامة تتقطع منها القلوب وتتصدع منها الأفئدة حيث لا ينفع الندم ولا التحسر }أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ{([11])}يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي{([12]) }يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً{([13]) وأي حسرة أعظم من فوات رضا الله وجنته واستحقاق سخطه والنار، على وجه لا يتمكن من الرجوع ليستأنف العمل ولا سبيل إلى تغيير حاله بالعود إلى الدنيا فهذا أمامهم والحال أنهم في الدنيا في غفلة عن هذا الأمر العظيم لا يخطر بقلوبهم -ولو خطر فعلى سبيل الغفلة التي عمتهم وشملتهم السكرة- فهم لا يؤمنون بالله ولا يتبعون رسله ألهتهم دنياهم وحالت بينهم وبين الإيمان شهواتهم المنقضية الفانية فالدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ستذهب عن أهلها ويذهبون عنها وسيرث الله الأرض ومن عليها ويرجعون إليه فيجازيهم بما عملوا فيها وما خسروا فيها وربحوا فمن وجد خيراً فليحمد الله على توفيقه وهدايته ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه لتفريطه وإضاعته([14]).

ما يستفاد من هذه الآية الكريمة

الحث على الاستعداد للموت وما بعده بالإيمان والعمل الصالح.

التحذير من الغفلة في هذه الحياة عن طاعة الله وما ينجي من عذابه.

في يوم القيامة يندم المفرط على تفريطه ويتحسر الغافل على غفلته.

أن الله سوف يفني الخلائق ويرث الأرض ومن عليها.

 

 


(اقتراب حساب الناس ومجازاتهم على

أعمالهم وهم في غفلة معرضون)

قال الله تعالى: }اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{([15]) هذا تعجب من حالة الناس وأنهم لا ينفع فيهم تذكير ولا يرعوون إلى نذير، وأنهم قد قرب حسابهم ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة والحال أنهم (في غفلة معرضون) أي في غفلة عما خلقوا له وإعراض عما زجروا به كأنهم للدنيا خلقوا وللتمتع بها ولدوا وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم ولهذا قال: }مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ{ يُذكِّرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه وما يضرهم ويرهبهم منه وهذا إخبار أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزله الله على رسوله (محدث) أي جديد إنزاله }إِلا اسْتَمَعُوهُ{ سماعاً تقوم عليهم به الحجة حيث لم يعملوا به }وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ{ أي قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية وأبدانهم لاعبة قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعمل بالباطل والأقوال الخاطئة مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه وتستمعه استماعاً تفقه المراد منه وتسعى جوارحهم في عبادة ربهم التي خلقوا لأجلها ويجعلون القيامة والحساب والجزاء نصب أعينهم فبذلك يتم لهم أمرهم وتستقيم أحوالهم وتزكو أعمالهم، ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون والظالمون على وجه العناد ومقابلة الحق بالباطل وأنهم تناجوا وتواطؤوا فيما بينهم أن يقولوا في الرسول r أنه بشر مثلكم فما الذي فضله عليكم وخصه من بينكم فإنه ساحر وما جاء به من القرآن سحر }أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ{ أفتتبعونه فتكونوا كمن يأتي السحر وهو يعلم أنه سحر فقال تعالى: مجيباً لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب }قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ{ أي أن الله تعالى يعلم القول الجلي والخفي في السماء والأرض لا يخفى عليه خافية في جميع أرجائها وهو السميع لأقوال عباده العليم بأحوالهم.

ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات

التنبيه على اقتراب الساعة ودنوها وأن الناس في غفلة عنها لا يعملون لها ويستعدون لها ولا يستعدون من أجلها.

الزجر عن الغفلة والإعراض عن الله والدار الآخرة وما يقرب إليها.

العجب من الغافل المعرض ولا يدري متى يفجؤه الموت صباحاً أو مساءً.

أنَّ من مات قامت قيامته ودخل في دار الجزاء على الأعمال وأول منازل الآخرة القبر.

علم الله بأقوال عباده في السموات والأرض.

إثبات صفة السمع والعلم لله على ما يليق به سبحانه.

وعيد الكفرة والعصاة بأن الله يراهم ويسمعهم ويعلم أقوالهم وأفعالهم وسرهم وعلانيتهم وسوف يجازيهم على ذلك أوفر الجزاء([16]).


عظم زلزلة الساعة وأهوالها

قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ{([17]) يخاطب الله الناس كافة بأن يتقوا ربهم الذي رباهم بالنعم الظاهرة والباطنة فحقيق بهم أن يتقوه بترك الشرك والفسوق والمعاصي ويمتثلوا أوامره فيما استطاعوا، ثم ذكر ما يعينهم على التقوى ويحذرهم من تركها وهو الإخبار بما يستقلبونه من أهوال القيامة وزلازلها وأحوالها فقال: }إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{ هائل لا يُقْدَرْ ولا تُعلم صفته ذلك بأنها إذا وقعت الساعة رجفت الأرض فارتجت وزلزت زلزالها وتصدعت الجبال واندكت وكانت كثيباً مهيلاً ثم كانت هباءً منبثاً ثم انقسم الناس ثلاثة أزواج أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون فهناك تنفطر السماء وتكور الشمس والقمر وتنتثر النجوم ويكون من الحوادث المزعجة ما تنصدع له القلوب وتشيب منه الولدان ولهذا قال: }يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ{ أي تندهش الوالدة عن ولدها في حال إرضاعها له فتشغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها والتي هي أشفق الناس عليه. }وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا{ أي قبل تمامه لشدة الفزع والهول }وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى{ أي تحسبهم أيها الرائي لهم سكارى من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه فدهشت عقولهم وغابت أذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى وليس كذلك }وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ{ فلذلك أذهب عقولهم وفَرَّغ قلوبهم وملأها من الفزع وبلغت القلوب الحناجر وشخصت الأبصار في ذلك اليوم }لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا{([18]) ويؤمئذ }يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{([19]) وهناك }يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً{([20]) وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه وتنصب الموازين التي يوزن بها مثاقيل الذر من الخير أو الشر وتنشر صحائف الأعمال وما فيها من جميع الأقوال والأفعال والنيات من صغير وكبير، وينصب الصراط على متن جهنم وتزلف الجنة للمتقين }وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ{([21]) }إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا{([22]) ويقال لهم }لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا{([23]) وإذا نادوا ربهم ليخرجهم منها }قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ{([24]) قد غضب عليهم الرب الرحيم وحضرهم العذاب الأليم وأيسوا من كل خير ووجدوا أعمالهم كلها لم يفقدوا منها صغيراً ولا كبيراً، هذا والمتقون في روضات الجنات يحبرون وفي أنواع اللذات يتفكهون وفي ما اشتهت أنفسهم خالدون، فحقيق بالعاقل الذي يعرف أن كل هذا أمامه أن يعدله عدته وأن لا يلهيه الأمل فيترك العمل وأن تكون تقوى الله شعاره وخوفه دثاره ومحبة الله وذكره روح أعماله: }لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ{([25]}وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ{([26])، والله ولي التوفيق.

ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات

وجوب تقوى الله بفعل ما أمر وترك ما نهى.

الحث على المسابقة إلى الخيرات والمنافسة في الأعمال الصالحات.

عظم زلزلة الساعة وأهوالها وأفزاعها حيث تذهل المرضعة عن ولدها وتضع الحامل حملها ويصبح الناس كأنهم سكارى.

شدة عذاب الله لمن كفر به وعصاه([27]).


الاستقامة على الدين القيم

قال تعالى: }فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ{([28])

* أي: أقبل بقلبك، وتوجه بوجهك، واسع ببدنك، لإقامة الدين القيم المستقيم.

فنفذ أوامره ونواهيه، بجدٍّ واجتهاد، وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة.

وبادر زمانك، وحياتك، وشبابك، [من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله] وهو يوم القيامة، الذي إذا جاء لا يمكن رده، ولا يَرجأ العاملون، ليستأنفوا العمل، بل فرغ من الأعمال، لم يبق إلا جزاء العمال.

[يومئذ يصدعون] أي: يتفرقون عن ذلك اليوم، ويصدرون أشتاتاً متفاوتين، لِيُرَوْا أعمالهم.

[من كفر] منهم [فعليه كفره] ويعاقب هو بنفسه، لا تزر وازرة وزر أخرى.

[ومن عمل صالحاً] من الحقوق، التي لله، والتي للعباد، الواجبة والمستحبة.

[فلأنفسهم] لا لغيرهم [يمهدون] أي: يهيئون، ولأنفسهم يعمرون آخرتهم، ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها.

ومع ذلك، جزاؤهم ليس مقصوراً على أعمالهم، بل يجزيهم الله من فضله الممدود، وكرمه غير المحدود، ما لا تبلغه أعمالهم.

وذلك لأنه أحبهم، وإذا أحب الله عبداً، صب عليه الإحسان صباً، وأجزل له العطايا الفاخرة، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة.

هذا بخلاف الكافرين، فإن الله لما أبغضهم ومقتهم، عاقبهم وعذبهم، ولم يزدهم كما زاد من قبلهم، فلهذا قال: [إنه لا يحب الكافرين]([29]).


الاستجابة لله قبل فوات الأوان

قال تعالى: }اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ{([30])

* يأمر تعالى عباده بالاستجابة له، بامتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وبالمبادرة بذلك، وعدم التسويف.

[من قبل أن يأتي يوم القيامة] الذي إذا جاء، لا يمكن رده، واستدراك الفائت.

وليس للعبد في ذلك اليوم، ملجأ يلجأ إليه، فيفوت ربه، ويهرب منه.

بل قد أحاطت الملائكة بالخليقة، من خلفهم، ونودوا: }يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ{([31]).

وليس للعبد في ذلك اليوم، نكير لما اقترفه وأجرمه، بل لو أنكر لشهدت عليه جوارحهُ وهذه الآية ونحوها، فيها ذم الأمل، والأمر بانتهاز الفرصة في كل عمل يعرض للعبد.

فإن للتأخير، آفات([32]).


مغفرة الله للتائبين

ودعوته للمقصرين

قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ{([33])

يخبر الله تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه ويحثهم على الإنابة إليه قبل أن لا يمكنهم ذلك. وهذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها مهما بلغت وكثرت وإن كانت مثل زبد البحر ولهذا قال تعالى: }قُلْ{ يا أيها الرسول ومن سلك طريقه من الدعاة لدين الله مخبراً للعباد عن ربهم: }يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ{ باتباع الهوى المضل وما تدعوهم إليه أنفسهم الأمارةُ بالسوء من الذنوب والمعاصي والسعي فيما يسخط الله علاَّم الغيوب: }لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ{ أي لا تيأسوا منها فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة فتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان متزودين مما يغضب عليكم الرحمن، ولكن ارجعوا إلى ربكم واعلموا }إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا{ من الشرك والزنا والقتل والربا والظلم وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار }إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ أي وصفه المغفرة والرحمة يغفر الذنوب ويرحم عباده المؤمنين وقد سبقت رحمته غضبه. ثم حث تبارك وتعالى عباده إلى المسارعة إلى التوبة والإنابة والمبادرة إلى ذلك فقال: }وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ{ أي ارجعوا إلى الله بقلوبكم واستسلموا له بجوارحكم }مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ{ أي بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل مجيء العذاب مجيئاً لا يُدْفع وحلول النقمة بكم }وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ{ وهوالقرآن العظيم مما أمركم به من الأعمال الباطنة كمحبة الله وخشيته وخوفه ورجائه والنصح لعباده ومحبة الخير لهم وترك ما يضاد ذلك،ومن الأعمال الظاهرة كالصلاة والزكاة والحج والصدقة وأنواع الإحسان ونحو ذلك مما أمر الله به وهو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا فالمتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها هو المنيب المسلم }مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ{ أي أطيعوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه من قبل أن تموتوا فيأتيكم العذاب فجأة من حيث لا تعلمون. ثم حذرهم أن يستمروا على غفلتهم حتى يأتيهم يوم يندمون فيه حيث لا تنفع الندامة }أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ{ أي يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة والإنابة حيث لا يجدي التحسر ويود لو كان في الدنيا من المحسنين المخلصين المطيعين لله }وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{ أي إنما كان عملي في الدنيا عمل ساخر مستهزي غير مؤمن مصدق بالجزاء حتى رأيته عياناً }أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ أي ليت الله هداني فكنت متقياً له فأسلم من العقاب وأستحق الثواب }أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{ أي تقول حين تشاهد العذاب لو أن لي رجعة إلى الدنيا فأحسن العمل وذلك غير ممكن، فأخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه }وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{([34]). ولما تمنى أهل الجرائم العود إلى الدنيا وتحسروا على عدم تصديق آيات الله واتباع رسله قال الله تعالى: }بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ{ أي جاءتك أيها العبد النادم على ما كان منه من آياتي الدالة على الحق في الدار الدنيا وقامت حججي عليك فكذبت بها واستكبرت عن اتباعها وكنت من الكافرين بها الجاحدين لها فسؤال الرد إلى الدنيا نوع عبث.

ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات

سعة رحمة الله.

مغفرة الله لذنوب التائبين مهما بلغت ورحمته بهم فهو الغفور الرحيم.

عدم القنوط من رحمة الله وقطع الرجاء منها بالإصرار والاستمرار على الذنوب.

وجوب الإنابة إلى الله والرجوع إليه بالتوبة والاستغفار والطاعة والاستسلام له.

الحث على المسارعة إلى الخيرات وانتهاز الفرصة بالعمل الصالح قبل الفوات.

أن المجرم يتحسر يوم القيامة على تفريطه في الدنيا بطاعة الله وسخريته بآياته.

أنه يتمنى في ذلك اليوم لو كان متقياً لله في الدنيا بفعل الواجبات وترك المحرمات فيفوز بالسعادة في ذلك اليوم.

أنه في ذلك اليوم يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليحسن العمل وهوكاذب في نفس الأمر لأنه قد عُمِّر وقتاً يتذكر وجاءته آيات الله فكذبها واستكبر عن اتباعها.

وجوب اتباع ما أنزل الله من البينات والهدى ودين الحق الذي تضمنه القرآن الكريم والسنة المطهرة قبل هجوم الموت وانقطاع العمل.

وجوب الإخلاص لله في القول والعمل والاعتقاد وأنها بدون إخلاص لا تفيد شيئاً.

إثبات صفة المغفرة والرحمة لله الغفور الرحيم.


ذكر حديث يتعلق بقوله تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ{ الآية:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي r فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

فدل هذا الحديث على سعة رحمة الله، وعلى فضل الدعاء مع الرجاء، وعلى فضل الاستغفار من جميع الذنوب والمعاصي والحث عليه، وعلى فضل التوحيد والإخلاص في العمل لله وحده([35]).


(الجزاء على الأعمال)

قال تعالى: }فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا{([36])

يقول تعالى: }فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى{ وهو يوم القيامة، قاله ابن عباس سميت بذلك، لأنها تطم على كل أمر هائل مفظع، كما قال تعالى: }وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ{، }يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى{ أي حينئذ يتذكر ابن آدم جميع عمله، خيره وشره كما قال تعالى: }يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى{، }وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى{ أي أظهرت للناظرين فرآها الناس عياناً، }فَأَمَّا مَنْ طَغَى{ أي تمرد وعتا، }وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{ أي قدمها على أمر دينه وأخراه، }فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى{، أي فإن مصيره إلى الجحيم وإن مطمعه من الزقوم ومشربه من الحميم، }وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{ أي خاف القيام بين يدي الله عز وجل، وخاف حكم الله فيه، ونهى نفسه عن هواها، وردها إلى طاعة مولاها، }فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{ أي منقلبه ومصيره إلى الجنة الفيحاء، ثم قال تعالى }يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا{ أي ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق، بل مردها ومرجعها إلى الله عزَّ وجلَّ، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين }قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ{، وقال ههنا: }إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا{، ولهذا لما سأل جبريل رسول الله r عن وقت الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)، وقوله تعالى: }إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا{ أي إنما بعثتك لتنذر الناس، وتحذرهم من بأس الله وعذابه، فمن خشي الله وخاف مقامه ووعيده أتبعك فأفلح وأنجح، والخيبة والخسار على من كذبك وخالفك، وقوله تعالى: }كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا{ أي إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر يستقصرون مدة الحياة الدنيا، حتى كأنها عندهم كانت عشيةً من يوم أو ضحى من يوم، قال ابن عباس: أما عشية فما بين الظهر إلى غروب الشمس، }أَوْ ضُحَاهَا{ ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار، وقال قتادة: وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة([37]).


من أهوال يوم القيامة

قال تعالى: }فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أَوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ{([38])

قال ابن عباس: }الصَّاخَّةُ{ اسم من أسماء يوم القيامة، عظّمه الله وحذره عباده، وقال البغوي: }الصَّاخَّةُ{ يعني يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع، أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها، }يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{ أي يراهم ويفر منهم؛ لأن الهول عظيم، والخطب جليل، قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل كنت لكِ؟ فتقول نعم البعل كنت، وتثني بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبيها لي لعلي أنجو مما ترين، فتقول له: ما أيسر ما طلبت، ولكن لا أطيق أن أعطيك شيئاً أتخوف مثل الذي تخاف، قال: وإن الرجل ليلقى ابنه فيعلق به فيقول يا بني أي والد كنت لك؟ فيثني بخير، فيقول له: يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى فيقول ولده: يا أبتِ ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئاً، يقول الله تعالى: }يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{ وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة: حتى عيسى ابن مريم يقول: لا أسأله اليوم إلا نفسي، لا أسأله مريم التي ولدتني، عن ابن عباس قال، قال رسول الله r: (تحشورن حفاة عراة مشاة غرلاً) قال، فقالت زوجته: يا رسول الله ننظر أو يرى بعضنا عورة بعض قال: (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) أو قال: (ما أشغله عن النظر)([39]). وروى النسائي عن عروة عن عائشة أن رسول الله r قال: (يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً) فقالت عائشة: يا رسول الله فكيف بالعورات؟ فقال: (لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه)([40]). وعن أنس بن مالك قال: سألت عائشة رسول الله r فقالت: يا رسول الله بأبي أنت وأُمّي، إني سائلتك عن حديث فتخبرني أنت به، قال: (إن كان عندي منه علم) قالت يا نبي الله كيف يحشر الرجال؟ قال: (حفاة عراة) ثم انتظرت ساعة، فقالت: يا رسول الله كيف يحشر النساء؟ قال: (كذلك حفاة عراة)، قالت: واسوأتاه من يوم القيامة، قال: (وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أو لا يكون)، قالت: أية آية هي يا نبي الله؟ قال: }لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه{([41])، وقال البغوي في تفسيره. عن سودة زوج النبي r قالت، قال رسول الله r: (يبعث الناس حفاة عراة غرلاً قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان)، فقالت: يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال: قد شغل الناس }لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{([42]). وقوله تعالى }وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ{ أي يكون الناس هنالك فريقين، وجوه مسفرة أي مستنيرة }ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ{ أي مسرورة فرحة، قد ظهر البشر على وجوههم، وهؤلاء هم أهل الجنة، }وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ{ أي يعلوها وتغشاها }قَتَرَةٌ{ أي سواد، وفي الحديث: (يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم)، فهو قوله تعالى: }وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ{([43])، وقال ابن عباس }تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ{ أي يغشاها سواد الوجوه، وقوله تعالى: }أَوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ{ أي الكفرة قلوبهم، الفجرة في أعمالهم، كما قالى تعالى: }وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا{([44]).


تفسير سورة القارعة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: }الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ{([45])

القارعة من أسماء يوم القيامة، كالحاقة والطامة والصاخة والغاشية وغير ذلك، ثم قال تعالى معظماً أمرها ومهولاً لشأنها }وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ{ ثم فسر ذلك بقوله }يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ{ أي في انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم من حيرتهم مما هم فيه كأنهم فراش مبثوث، كما قال تعالى في الآية الأخرى }كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ{ وقوله تعالى }وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ{ يعني قد صارت كأنها الصوف المنفوش الذي قد شرع في الذهاب والتمزق.

العهن: الصوف. ثم أخبر تعالى عما يؤول إليه عمل العاملين، وما يصيرون إليه من الكرامة. والإهانة بحسب أعمالهم فقال: }فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ{ أي رجحت حسناته على سيئاته }فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ{ يعني في الجنة. }وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ{ أي رجحت سيئاته على حسناته. }فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ{ قيل: معناه فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم، وعبر عنه بأمه، يعني دماغه، وقيل: معناه فأمه التي يرجع إليها، ويصير في المعاد إليها هاوية، وهي اسم من أسماء النار، وإنما قيل للهاوية: أمه، لأنه لا مأوى له غيرها. كقوله تعالى }مَاواهم جهنم{ ولهذا قال تعالى مفسراً للهاوية }وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ{ عن أبي هريرة أن النبي r قال: (نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم) قالوا: يا رسول الله، إن كانت لكافية؟ فقال: (إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً). رواه البخاري، ورواه مسلم، وثبت في الصحيحين أن رسول الله r قال: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: يارب، أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون في الشتاء، من بردها، وأشد ما تجدون في الصيف من حرها) وفي الصحيحين (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)([46]).


البعث والحساب والجزاء([47])

قال تعالى: }وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ{([48]) إلى آخر السورة الكريمة من سورة الزمر لآيات 68 – 75.

من أهم أصول الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، وهو الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما يكون بعد الموت من فتنة القبر ونعيمه وعذابه، وأحوال يوم القيامة وما يكون فيه، ومن صفات الجنة والنار وصفات أهلهما.

فالإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بذلك كله جملة وتفصيلاً؛ أما أحوال القبر وفتنته وعذابه ونعيمه وتفاصيل ذلك، فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة والحسنة عن رسول الله r كما هو معروف، والقرآن أشار إليه في عدة آيات، وأما ما يكون بعد ذلك، فإذا أراد الملك القادر بعث العباد وحشرهم وجزاءهم (نفخ في الصور) وهو قرن عظيم لا يعلم عظمه إلا الذي خلقه، كما ورد في حديث الصور المشهور، أو نفخ في الصور على وجه لا يعلم كنهه إلا الله نفخة الصعق والفزع. انزعج لهذا أهل السموات والأرض وصعقوا إلا من شاء الله من خلقه (ثم نفخ فيه أخرى) نفخة البعث (فإذا هم قيام) من أجداثهم كاملي الخلقة ينظرون ما يستقبلهم من هذه الحياة الأخروية التي يجازى فيها العباد بأعمالهم، حسنها وسيئها.

أما المؤمنون الطائعون فيقومون مطمئنين طامعين في فضل ربهم ورحمته مستبشرين بثوابه وعفوه ومغفرته، يحشرون إلى موقف القيامة وفداً مكرمين. وأما المجرمون فيقومون فزعين خائفين متحسرين يدعون بالويل والثبور. يقولون: يا ويلنا، من بعثنا من مرقدنا فيساقون إلى جهنم وردا.

فحينئذ تكثر القلاقلُ والأهوال ويشيب الولدان من هول ذلك اليوم وفظاعته }يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ{([49]) }يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أَوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ{([50]) }يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا{([51]) وتكور الشمس والقمر وتنتثر النجوم فتذهب هذه الأنوار المشاهدة، وتشرق الأرض بنور ربها، وينزل الله لفصل القضاء بين عباده، ومحاسبتهم على أعمالهم: أما المؤمنون فيحاسبهم حساباً يسيراً يقررهم بذنوبهم ثم يغفرها ويسترها عن الخلائق، ويضاعف لهم الحسنات، ويعيطهم من فضله وإحسانه ما لا تبلغه أعمالهم، ويعطون كتبهم بإيمانهم إكراماً واحتراماً، كما تبيض وجوههم، وتثقل موازينهم؛ ويغتبطون بذلك ويستبشرون به فيقولون لإخوانهم ومعارفهم ومحبيهم }هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ{ – الآيات([52]) ويساقون إلى الجنة زمراً كل طائفة منهم مع نظرائهم في الخير بحسب طبقاتهم وسبقهم كما يردون في عرصات القيامة حوض نبيهم فيشربون منه شربة هنيئة لا يظمؤون بعدها، ويمرون على الصراط على قدر أعمالهم كلمح البصر، وكالبرق الخاطف، وكأجاويد الخيل والإبل وكسعي الرجال وكمشيهم، ودون ذلك.

فإذا عبروا على الصراط وُقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض مظالم وتبعات كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها بشفاعة محمد r فتلقاهم خزنة الجنة يسلمون عليهم، ويهنئونهم بالنجاة من العذاب وحصول الخير والثواب والخلود الأبدي بسبب طيبهم، ولهذا قالوا: سلام عليكم طبتم. أي طابت قلوبكم بالعقائد الصحيحة الصادقة، والأخلاق الجميلة، وألسنتكم بذكر الله والثناء عليه، وجوارحكم بخدمته والقيام بطاعته }فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ{ فإذا دخلوها ورأوا ما فيها من النعيم المقيم مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حمدوا الله على منته عليهم بالسوابق والإيمان والأعمال الصالحة؛ وبإنجاز ما وعدهم به على ألسنة رسله، وعلى أن الله أورثهم الجنة يتبوؤون من خيراتها حيث يشاؤون وأنى يشاؤون مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من نعيم القلوب والأرواح، ومن نعيم الأبدان والأجسام }عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ{([53]) خيرات الأخلاق حسان الوجوه، قد جمع الله لهن حسن البواطن والظواهر فهن سرور النفس وقرة النواظر.

وتمام ذلك أن الله يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً، وأنه يقال لهم إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً؛ وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، فلهم كل ما يشاؤون فيها وتتعلق به أمانيهم، ولهم فوق ذلك مما لم تبلغه أمانيهم، ولهم نعيم أعلى من ذلك كله وهو التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، وسماع خطابه والابتهاج برضاه وقربه، والسرور بمحبته وذكره وحمده والثناء عليه وشكره، مما يشاهدون من كثرة الخيرات، وسوابغ النعم والهبات؛ وزيادة النعيم وتواصله، ومما يزدادون من معرفته والأنس به، فتبارك الله ذو الجلال والإكرام.

وأما الكافرون المجرمون فيحاسبهم الله على ما أسلفوه من الجرائم ويقرعهم ويخزيهم بين الخلائق، ويعطون كتبهم من وراء ظهورهم بشمائلهم، وتسود منهم الوجوه، وتخف موازينهم، ويساقون إلى جهنم جياعاً عطاشاً منزعجين مرعوبين زمراً، كل طائفة تحشر مع نظيرها من أهل الشر }حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا{ في وجوههم ففاجأهم حرها المفظع وحلّ بهم الفزع الأكبر الذي لا يشبهه فزع، وتلقتهم خزنة الجحيم يوبخونهم على ما قدموه، وقالوا لهم (ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا: بلى) قد جاءتنا الرسل وبلغتنا النذر، فما كان منا إليهم إلا الاستهزاء بهم والتكذيب، فلو كان لنا أسماع واعية، وعقول نافعة ما وصلنا إلى هذه الدار، بل خالفنا المنقول والمعقول }فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ{([54]).

ما أشد شقاءهم وعناءهم، ينوع عليهم العذاب أنواعاً، فتارة يعذبون بالسعير المحرق لظواهرهم وبواطنهم. كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها، وتارة بالزمهرير الذي قد بلغ من برده أن يهري اللحوم ويكسر العظام، وتارة بالجوع المفرط والعطش المفظع، وإذا استغاثوا لذلك أغيثوا بعذاب آخر، ولون من الشقاء ينسي ما سبقه، فيغاثون بطعام ذي غصة؛ بشجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم وثمرها في غاية المرارة والنتن والحرارة، إذا وصلت بطونهم غلت فيها كغلي الحميم الذي يوقد عليه في النار، وإن يستغيثوا للشراب يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، إذا قرب إليها فلا يدعهم العطش مع ذلك إلا أن يتناولوها؛ فإذا وصلت إلى بطونهم قطعت أمعاءهم ولا يزالون في عذاب متنوع شديد، لا يفتر عنهم العذاب ساعة، ولا يرجون رحمة ولا فرجاً، يتمنون الممات ليستريحوا، فينادون مالكا رئيس خزنة النار: }يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ{([55]) فيقول لهم: }إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ{ فلا تلوموا إلا أنفسكم لما أسلفتموه من الجرائم }لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ{([56]) وينادون أهل الجنة مستغيثين بهم }أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ{([57]) فيقول لهم أهل الجنة: }إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ{وينادون ربهم فيقولون: }رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ{([58]) فيجيبهم الله }اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ{([59]).

فحينئذ ييأسون من كل خير ومن كل فرج وراحة ويتيقنون أنه الخلود الدائم والعذاب الأبدي والشقاء المستمر.. فنسأل الله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ به من النار وما قرب إليها من قول وعمل وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


مراجع رسالة (وأنذرهم يوم الحسرة)

تفسير الطبري 310.

تفسير ابن كثير 700 – 774.

تفسير ابن سعدي 376.

مختصر تفسير ابن كثير للصابوني.

مختصر تفسير ابن كثير للشيخ محمد كريم.

الكواكب النيرات للمؤلف.

العاقبة في ذكر الموت والآخرة.

النهاية لابن كثير 700 – 774.

العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية.

تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.

الفهــرس

مقدمة 5

الايمان باليوم الآخر 7

(ذكر أسماء يوم القيامة) 10

الاستعداد ليوم المعاد   12

(فاستقم كما أمرت) 13

إنذار الناس يوم الحسرة حين  14

يقضى الأمر وهم في غفلة   14

ما يستفاد من هذه الآية الكريمة   15

(اقتراب حساب الناس ومجازاتهم على

أعمالهم وهم في غفلة معرضون) 16

ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات  17

عظم زلزلة الساعة وأهوالها 19

ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات  21

الاستقامة على الدين القيم 22

الاستجابة لله قبل فوات الأوان  24

مغفرة الله للتائبين   25

ودعوته للمقصرين   25

ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات  27

(الجزاء على الأعمال) 30

من أهوال يوم القيامة   32

تفسير سورة القارعة 35

بسم الله الرحمن الرحيم   35

البعث والحساب والجزاء   37

مراجع رسالة (وأنذرهم يوم الحسرة)   43

الفهــرس  44 . 



(1) المرزبة بالتخفيف : المطرقة الكبيرة ، ويقال لها إرزبة بالهمزة والتشديد .

(2) الغرل جمع أغرل ، وهو الأقلف ، والغرلة : القلفة .

(3) سورة المؤمنون آية 102 – 103 .

(1) قال الراغب : أى عمله الذي طار عنه من خير وشر .

(2) سورة الإسراء آية 13 – 14 .

(1) العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 19 .

(1) انظر كتاب العاقبة في ذكر الموت والآخرة ص 250 والنهاية لابن كثير 1/200 .

(1) تفسير الطبري 6/29-42 .

(1) تفسير الطبري 15/499 .

(2) تفسير ابن سعدي 3/464 .

(1) سورة الزمر آية 56 .

(2) سورة الفجر آية 24 .

(3) سورة الفرقان آية 27 .

(1) الكواكب النيرات للمؤلف ص 167 .

(1) سورة الأنبياء آية 401 .

(1) المصدر السابق ص 132 .

(1) سورة الحج آية 1-2 .

(1) سورة لقمان آية 33 .

(2) سورة عبس آية 34 – 37 .

(3) سورة الفرقان آية 27 – 28 .

(4) سورة الشعراء آية 91 .

(5) سورة الفرقان آية 12 – 13 .

(6) سورة الفرقان آية 14 .

(7) سورة المؤمنون آية 108 .

(1) سورة الصافات آية 61 .

(2) سورة المطففين آية 26 .

(3) المصدر السابق ص 134 .

(1) سورة الروم الآيات 43 – 45 .

(1) تفسير ابن سعدي 6/136.

(1) سورة الشورى آية 47 .

([31]) سورة الرحمن آية 33 .

(1) المصدر السابق 6/627 .

(1) سورة الزمر آية 53 – 59 .

(1) سورة الأنعام آية 28 .

(1) الكواكب النيرات للمؤلف ص160 .

(1) سورة النازعات آية 34 – 46 .

(1) انظر تفسير من كثير 4/469 .

(1) سورة عبس الآيات 33 – 42 .

(1) أخرجه ابن أبي حاتم .

(2) انفرد به النسائي من هذه الوجه .

(3) أخرجه ابن أبي حاتم .

(4) حديث غريب من هذا الوجه .

(1) أخرجه ابن أبي حاتم .

(2) انظر المصدر السابق 4/473 .

(1) سورة القارعة .

(1) انظر المصدر السابق 4 /543 .

(1) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن ص 26 – 28 .

(2) سورة الزمر آية: 68.

(1) سورة الحج آية 2 . سورة الفرقان آية 25 – 26 .

(2) سورة عبس الآيات 34 – 42 .

(3) سورة الفرقان آية 25 – 26 .

(1) سورة الحاقة الآيات 24-29 .

(1) سورة الواقعة الآيات 15 – 23 .

(1) سورة الملك آية 11 .

(1) سورة الزخرف من آية 77 .

(2) سورة الزخرف آية 78

(3) سورة الأعراف من آية 50 .

(4) سورة المؤمنون آية 106 – 107 .

(5) سورة المؤمنون آية 108 .

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق