الاثنين، 20 يونيو 2022

الموت ( حقيقته - نهايته - ذبحه - قصص محزنة ) لمحمد مصطفى عبد الله الخطيب

 الموت ( حقيقته - نهايته - ذبحه - قصص محزنة ) 

 لمحمد مصطفى عبد الله الخطيب

قال تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ{ [آل عمران: 185]. 

قال رسول الله r: «لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات...» [متفق عليه].

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه..

وبعد:

الموت حق ولكن جميع الناس يكرهون هذا الحق، قال تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ{؛ حيث لا بد من الرحيل إلى دار البرزخ عند انتهاء الأجل، قال تعالى: }فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ{ [الأعراف: 34]، وقد فكرت مليًا في ماهية الموت وكتبت عنه الشيء الكثير في هذا الكتيب مع قصص واقعية فيها عبرة لأولي الأبصار، سائلاً المولى سبحانه أن يجعلنا من الذين طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم وفازوا بحسن الخاتمة.

والله الموفق...

 

 

المؤلف


الموت في منظار العقل السليم

 

لو نظر أحدنا إلى ميت فارق الحياة ثم تفكر به وتدبر لوصل إلى الحقائق التالية:

1- الموت معناه انتهاء الأجل من هذه الدنيا، والرحيل منها إلى غير رجعة، وهو أمر لابد منه مهما طال العمر؛ بدليل قوله تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ{ [آل عمران: 185].

2- الموت فراق للأهل والمال والولد، وكلهم يقفون عاجزين أمام القدر المحتوم لا يستطيعون حيلة ولا تقديمًا ولا تأخيرًا، قال تعالى: }إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ { [يونس: 49].

3- خروج الروح من الجسد وبقاؤه جثة هامدة لا حراك بها ولا إرادة ولا قوة ولا عقل ولا تفكير، قال تعالى: }كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ{ [القيامة: 26-29].

4- الموت وصول إلى نهاية المطاف في هذه الحياة، وهدم لما رسمه العقل من مخططات مستقبلية، وصدق الله العظيم حيث قال: }وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ{ [الإنسان: 30].

 

5- الموت وفاة حتمية؛ بدليل قوله تعالى: }اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا{ [الزمر: 42]. وهو يأتي بدون موعد مسبق.

6- الموت ضد الحياة، وهو ليس بالشيء الملموس أو المحسوس، وإنما هو عمل خفي يقوم به ملك الموت أو الملائكة بقبض الروح بأمر من الله سبحانه، قال تعالى: }قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ{ [السجدة: 11]، وقال أيضًا: }حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ{ [الأنعام: 61].

7- الموت ليس آلة تقطع الحلقوم أو تبتر الشريان أو الوتين، أو تأتي إلى مواضع القتل في جسم الإنسان أو ذوات الأرواح، وإنما هو زهق للروح وإخراجها من بين العصب والعظم واللحم والدم، بصعوبة شديدة كما يُنتزع الصوف المبتل بالماء من الشوك، لذلك كان للموت آلام سميت سكرات بدليل قوله r: «إن للموت لسكرات» [متفق عليه].

8- الموت فراق للدنيا وانتقال إلى دار البرزخ في القبر الذي إما أن يكون روضا من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

9- الموت تذكرة للأحياء عندما يرون الميت منهم ويحملونه إلى المقبرة ليواروه الثرى، وكيف ترك كل ما يملك والتفت الساق بالساق في كفن لا جيب له.

10- الموت حق ينتظره كل مخلوق على ظهر هذه الأرض، وهو يجهل موعده ومكانه، قال تعالى: }وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ{ [لقمان: 34]، ولا يمكن الهروب منه أو الاختفاء عنه أو التحصن دونه؛ بدليل قوله تعالى: }أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ{ [النساء: 78].

11- الموت جانب من جوانب عدالة الله سبحانه في هذه الأرض؛ فكل مخلوق سيموت، قال تعالى: }كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ{ [آل عمران: 185]. ولا يعلم ماهية قبض الروح إلا الخالق عز وجل؛ فمنهم النازعات ومنهم الناشطات ومنهم الفجاءة، قال تعالى: }وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا{ [النازعات: 1، 2]، وقال r: «موت الفجاءة أخذة أسف» [رواه أحمد وأبو داود].

12- الموت يعني حضور ملائكة وجثومهم على جسده الذي انقضى أجله، وهو يراهم ولكن لا يستطيع دفاعًا أو ردًا، بينما أهله من حوله لا يرونهم، قال تعالى: }فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ{ [الواقعة: 83-85].

13- الموت خروج من سجن الدنيا التي هي جنة الكافر وسجن المؤمن، وتمتُّع الروح بنعيم أعده الله لعباده المتقين أو ذوقها العذاب الأليم إن كانت روح كافر، قال سيدنا بلال لزوجته وهي تبكيه وتقول واحزناه: بل قولي وافرحتاه، غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه. وقال سبحانه: }النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا{ [غافر: 46]. وهذه الآية خاصة في عذاب القبر بعد الموت.

 

14- الموت خلاص من هم الحياة الدنيا وتعبها وانتقال إلى ما هو أدهى وأمر: سؤال القبر وضمته وعذابه وظلمته ووحشته؛ حيث لا مؤنس إلا صالح العمل، ولا منقذ إلا تثبيت المولى عز وجل القائل: }يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ{ [إبراهيم: 27].

15- الموت يعني طي صحائف العمل في هذه الدنيا؛ لأن العمل ينقطع بالموت، وليس للميت بعد موته إلا صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.

16- الموت توقف حركة الحياة بالنسبة للميت؛ فلا طعام ولا شراب ولا بيع ولا شراء ولا أخذ ولا رد، وانتقاله إلى ما بعد الموت؛ حيث يتم السؤال ويجسَّد العمل ويسلم على صاحبه في القبر؛ إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، ثم تفتح له كُوَّة يرى مقامه في عليين أو في النار على حسب عمله.

17- الموت أكبر واعظ للإنسان إن كان منحرفًا عن جادة الصواب كي يثوب إلى رشده ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف ويستغفره عما فرط، وبذلك يكون قد استحيى من الله حق الحياء؛ بدليل قوله r: «استحيوا من الله حق الحياء». قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي ولله الحمد، قال: «ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل ذلك فقد استحيي من الله حق الحياء» [أخرجه الترمذي].

18- الموت واحد مهما تعددت أسبابه، ولكن إرادة الله عز وجل قضت بخلق الأسباب لينفذ القضاء والقدر، وصدق من قال:

من لم يمت بالسيف مات بغيره

 

 

 

 

تعددت الأسباب والموت واحد






19- الموت إشارة إلى قدرة الإله الواحد وقوته على قهر المتكبرين وإذلال المتسلطين، وهذا واحد من المعاني العظيمة التي تتضمنها كلمة (الله أكبر) عندما يرددها الإمام والمصلون خلفه أربع مرات أثناء الصلاة على الجنازة؛ حيث لا يدفع الموت عن الإنسان قوته ولا جاهه أو سلطانه ولا ماله مهما كثر، بل لابد من الموت إذا انتهى الأجل.

20- الموت حق مكروه، ولا يوجد أحد يحبه، ومن الملاحظ أن الإنسان عندما تكبر سنه ويمتد به العمر تضعف خلايا جسده؛ ولكن تقوى عنده خصلتان أشار إليهما الرسول r فقال: «يهرم ابن آدم ويشب فيه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر» [مصابيح السنة]، وتراه يصارع من أجل البقاء، ويحرص خوفًا من الفقر والعَوَز، ويظن نفسه أنه باقٍ في هذه الدنيا أمدًا طويلاً.

21- الموت معناه خروج الروح من الجسد التي بقيت فيه مدة حياته في الدنيا، ولن تعود إليه إلا لسؤال القبر بعد الدفن، وللبعث بعد الموت؛ حيث النعيم بدخوله الجنة لمن آمن وعمل صالحًا ثم اتقى، أو العذاب في جهنم لمن ضل وزاغ واتبع هواه.

22- الموت حكم إلهي وقضاء مبرم على كل مخلوق في الأرض وفي السماء حسب نهاية الأجل، وسيكون بشكل جماعي يوم ينفخ في الصور، قال تعالى: }وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ{ [الزمر: 68].

23- الموت أمر لا يجوز تمنيه؛ حيث نهى عن ذلك رسول الله r فقال: «لا يتمنَّينَّ أحدكم الموت لضُرٍّ نزل به...» [متفق عليه].

24- الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات بدليل قوله r: «أكثروا من ذكر هادم اللذات» [رواه الترمذي]. يعني الموت.

والعجب كل العجب والعبرة كل العبرة أن هذا الموت يوم القيامة سيموت ذبحًا، وهذا جانب عظيم من جوانب قدرة الله عز وجل وقضائه. وكيف ذلك يا ترى؟ والجواب قوله r: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي منادٍ: يا أهل الجنة. فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: }وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ{» [مريم: 39].

وفي الختام نسأل الله سبحانه أن يعيننا على سكرات الموت، ويرزقنا توبة قبل الموت، ورحمة عند الموت، ومغفرة يوم الحساب.

قصيدة شعرية

الموت

رأيت الموت يطرق كل باب

 

ويدخل دون إذن أو جواب ([1])

يداهم في المنازل والصحاري

 

وفي أعتى الحصون أو القبابِ

يرابط في الطريق ولا نراه

 

ويمضي للمصيبة كالشهاب

ولا يخشى سلاحًا أو دفاعًا

 

من الرجل العجوز أو الشباب

ويأتي دون وعد أو وعيدٍ

 

ولا يصغي للوم أو عتاب

ولا يخشى الدخول على العذارى

 

سواء بالسفور أو الحجاب

ويأتي للصغير ولا يبالي

 

بيتم حل فيه أو اضطراب

يخوض البحر والأمواج تطغى

 

ويمخر في اللجاج وفي العباب

ويدخل في البواخر دون إذن

 

ويصعد للسما فوق السحاب

ولا تجدي الوساطة أو سواها

 

إذا الأجل انتهى وفق الكتاب

إلهي عفوك المأمول نرجو

 

لتدخلنا الجنان بلا حساب

 

 

* * * *


قصص واقعية محزنة

البئر المشؤوم

كان جماعة يحفرون بئرًا ولما وصلوا في الحفر إلى عمق أربعة أمتار نزل ثلاثة يحفرون ثم يضعون التراب والحجارة بما يشبه السطل، ثم يقوم جماعة بتشغيل رافعة في الأعلى يتدلى منها حبل إلى البئر ويعلق به السطل بحديدة ويتم رفعه، وقد حدث بعد أيام أن اشتبك ثوب أحد العمال الثلاثة بحديدة حبل الرافعة وتم رفعه مع سطل التراب، وأثناء تخليص ثوب الرجل من الحديدة وقع السطل مع كمية من الحجارة والتراب وهوى على الرجلين اللذين في قاع البئر فلقيا حتفهما وماتا حيث انقضى أجلهما، أما رفيقهما فلم ينته أجله وشاءت إرادة الله أن يتم رفعه حتى لا يموت.

وهنا لابد من القول:

إنه الأجل المحتوم للرجلين اللذين ماتا، والذي لم يمت انتقلته يد العناية الإلهية؛ حتى يعيش سنوات عمره الباقية في هذه الحياة، وصدق رسول الله r حيث قال: «إن روح القدس نفث في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته». [رواه أبو نعيم في الحلية: صحيح الجامع 2085].


العـقــرب

سافرت أم بصحبة ولدها من جازان إلى الرياض في الطائرة، وقد أحست الأم أن شيئًا يعبث بداخل ثيابها من جهة الظهر ولكن لم يستطع ولدها اكتشافه، وصبرت الأم حتى وصلت إلى منزل ابنتها المتزوجة في الرياض، وسرعان ما شكت أمرها وما تحس به إلى ابنتها، وجاءت البنت فأدخلت يدها من داخل ثوب أمها فعثرت على حشرة كبيرة وقبضت عليها فإذا هي عقرب! وحدثت المأساة؛ حيث تمكنت العقرب من يد البنت ولسعتها وأفرغت سمها بيدها وسرى السم في جسدها، ونقلت إلى المستشفى فلم ينفع بها الإسعاف والدواء وفارقت الحياة.

وهنا أقول:

أية عقرب هذه؟

ومن الذي منعها أن تفرغ سمها في الأم وتبقيه للبنت؟

هل كانت تلك العقرب نائمة وعندما أمسكتها البنت استيقظت؟

هل هناك سر خفي وراء هذه الحادثة المحزنة؟

نعم إنه أمر الله سبحانه وقضاؤه وقدره، وفي ذلك عبرة لأولي الأبصار.


مأساة في العيد

 

ودع رجل زوجته وستة أطفال مع ابنه الأكبر من زوجة أخرى، وذهبوا لقضاء إجازة عيد الأضحى المبارك عند أهل الزوجة وذويها في المنطقة الوسطى، وكان الابن الأكبر هو سائق السيارة، وبينما هم في منتصف الطريق انفجرت إحدى العجلات فاختل توازن السيارة ولم يستطع السائق أن يفعل شيئًا؛ حيث حل القضاء والقدر، وانقلبت السيارة مرات عديدة ثم استقرت، وقد نتج عن هذا الحادث الأليم وفاة الزوجة وخمسة أطفال معها؛ أما السائق فقد أغمي عليه ووضع في العناية المركزة لا يتكلم وظل في غيبوبة، وعلى بُعْدٍِ عُثر على الطفل السادس وعمره سنة ونصف حيًا لم يصب بأذى! فسبحان الله الذي يحيي ويميت ولا راد لقضائه، وله مقاليد السماوات والأرض، بيده الأمر وإليه المصير.

وهنا يجب أن نقف خاشعين أمام إرادة الله عز وجل وقدرته ونسأل أنفسنا:

من الذي أنقذ الطفل الصغير؟ وقضي بالموت على أمه وإخوته؟

وكيف ارتمى على الأرض بعيدًا عن السيارة، ولم يتأثر جسمه الغض وسلمت عظامه اللينة؟!

إنها قدرة الله عز وجل وهو اللطيف الخبير.

حجر مرسل

 

كان أحد الأصدقاء يشتغل مع مجموعة من زملائه في أحد مقالع الحجارة من الأراضي الصخرية، ولكي يسهل حمل الحجارة ونقلها في سيارات معدة- لذلك فلابد من تفتيتها وتكسيرها بواسطة مواد متفجرة صنعت من أجل ذلك، وهذه العملية لا تتم إلا بعد ثقب الصخور في أماكن متعددة ومتقاربة ثم توضع المتفجرات بالثقوب، وكل قطعة منها تنتهي بفتيل طويل، وعندما يحين موعد التفجير لابد أن يبتعد العمال، وبعضهم يختبئ في غرفة مبينة لسكنهم، وجاء الوقت وأُعلن عن ساعة التفجير، واختبأ صديقنا في إحدى الغرف المجاورة، وأشعل المسؤول عن التفجير الفتائل، وقد سمع الجميع دويًا مرعبًا بسبب تطاير الحجارة من الصخور المتفجرة، وبدون أن يشعر أحد إذا بحجر يدخل بسرعة مذهلة من نافذة صغيرة في أحد جدران الغرفة التي اختبأ بها صديقنا مع زملائه، حيث أصابه برأسه، وفي الحال أغمي عليه، وبعد ساعات فارق الحياة.

وهنا لابد أن نتسائل:

من الذي أرسل هذا الحجر وأدخله من النافذة؟

وكيف أصيب شخص بعينه دون بقية زملائه؟

والجواب: إنه أمر الله وقضاؤه وقدره، وصدق الله العظيم حيث قال: }فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ{ [الأعراف: 34].

صديـق مـحتـرم

 

اعتاد الموظفون من أبناء قريتنا أن يجتمعوا صباح كل يوم في مكان معين أطلق عليه (مركز انطلاق الحافلات)، ووفق تنظيم محدد تسير حافلة ثم تتبعها أخرى إذا امتلأت بالعدد المطلوب من الركاب، وجاء أحمد يريد أن يركب في إحدى الحافلات فوجدها قد امتلأت ولم يبق مكان، وهو مضطر للذهاب بناء على موعد معين في ساعة محددة، نظر إليه أحد أصدقائه فوجده في حيرة من أمره فأشفق عليه ودعاه ليركب مكانه، فلم يرض، لكنه أقسم عليه إلا أن يركب؛ حيث إن صديقه لم يكن علي عجل، وقد رضي أحمد واستجاب لمكرمة صديقة المحترم، وانطلقت الحافلة وكان المطر ينزل هنيهة وينقطع أخرى، وقد كان مقعد أحمد إلى جانب السائق الذي مضى يسير بسرعة فائقة، وعلى حين غفلة وبعد مسافة بسيطة قطعتها الحافلة اعترضتها فجأة على الطريق سيارة شاحنة كبيرة فاصطدمت بها، وحدثت مأساة لم تكن في الحسبان؛ حيث انكسر الزجاج الأمامي ودخل المقود في صدر السائق وانحرقت الحافلة عن طريقها، واضطجعت على جنبها، وأصبح الركاب بعضهم فوق بعض، ومات عدد منهم وانكسرت أيدي وأرجل وظهور آخرين، وكان أحمد في عداد الموتى، وتسارع جمع من أهل القرية لمشاهدة الحادث، ووصل صديق أحمد الذي أكرمه بمقعده ووقف دقائق ينظر إلى صديقه الذي خطفته يد المنون قضاءً وقدرًا من الله سبحانه الحي القيوم الذي لا ينام ولا يموت.

خـاتـمــة 

وختامًا أسأل الله سبحانه أن يعينا على سكرات الموت، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن يجعل قبورنا وقبور أمهاتنا وآبائنا روضات من رياض الجنة، وأن يُنطق ألسنتنا على سؤال منكر ونكير، وألا يعذبنا في قبورنا، وأن يعيذنا من ظلمتها وضمتها ووحشتها، وأن يعيذنا من فتنة المحيا والممات، وأن يدخلنا الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء.

والحمد لله رب العالمين... 



([1]) الأبيات من نظم الكاتب.

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق