الأربعاء، 22 يونيو 2022

الطامة - حال الناس يوم القيامة - دار الوطن المؤلف عصام بن عبد العزيز العويد

 


الطامة - حال الناس يوم القيامة - دار الوطن

المؤلف عصام بن عبد العزيز العويد

وصف الكتاب


قال المؤلف:
أبى الله إلا أن يكون الخسار لك أيتها الدنيا.
أبى الله أن لا تكملي بل بأنواع البلايا والأمراض تملئين، أبى الله إلا أن يزهد العباد فيك بكثرة موتى عباد الله، وبكثرة الأمراض، وبكثرة الأدواء، وكل ما ينقصك.
أبي الله إلا أن تكوني محطة لازدياد الحسنات فحسب، وإلا أن تكوني كما قدرك صلىالله عليه وسلم كما في قوله عن أعمار أمته «أنها ما بين الستين إلى السبعين» الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم وإذا تأملت منذ أن خلق آدم إلى اليوم:
كم ألف سنة؟ واليوم الذي هو يوم القيامة كم هو من سنة؟ إنه خمسون ألف سنة، والعباد فيه وقوف، والعرق يتصبب منهم، والشمس منهم قريبة بل ورجعوا كما من بطون أمهاتهم قد خرجوا! يوم عظيم شره، يوم كبيرة كربه، بل وكثيرة كربه.

تاريخ النشر 

روابط التحميل

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا r عبده ورسوله، صفيه وخليله وخيرته من خلقه، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وعليه وعلى الآل والصحب الغرر، من الله أفضل صلاة وأتم تسليم إلى يوم الدين من الله.

أما بعد:

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ [آل عمران: 102].

]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ [النساء: 1].

رقيب في الظلمة وفي النور، عند البشر وعند عدم وجودهم، فوق الأرض وتحت الأرض، هو الرقيب جل جلاله.

وهو القائل: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[ [الأحزاب: 70، 71].

وهو القائل: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[ [الحشر: 18].

أما بعد:

أبى الله إلا أن يكون الخسار لك أيتها الدنيا.

أبى الله أن لا تكملي بل بأنواع البلايا والأمراض تملئين، أبى الله إلا أن يزهد العباد فيك بكثرة موتى عباد الله، وبكثرة الأمراض، وبكثرة الأدواء، وكل ما ينقصك.

أبي الله إلا أن تكوني محطة لازدياد الحسنات فحسب، وإلا أن تكوني كما قدرك r كما في قوله عن أعمار أمته «أنها ما بين الستين إلى السبعين» الذي أخبر به r وإذا تأملت منذ أن خلق آدم إلى اليوم:

كم ألف سنة؟ واليوم الذي هو يوم القيامة كم هو من سنة؟ إنه خمسون ألف سنة، والعباد فيه وقوف، والعرق يتصبب منهم، والشمس منهم قريبة بل ورجعوا كما من بطون أمهاتهم قد خرجوا! يوم عظيم شره، يوم كبيرة كربه، بل وكثيرة كربه.

اليوم الرهيب:

يقول الله عز وجل: ]إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا[
[الإنسان: 10، 11].

يقول الله جل جلاله عن هذا اليوم، وقد كان المصطفى r إذا تحدث عن هذا اليوم احمر وجهه واشتد غضبه وارتفع صوته وانتفخت أوداجه وكأنه منذر جيش r يدخل على الناس يقول: «إن هذا الجيش مصبحكم أو ممسيكم»، من عظيم خوفه r على أمته.

فلا يستغرب ممن تحدث عن هذا اليوم واقتدى برسول الله r، فرفع صوته واشتد غضبه واحمرت عيناه ([1])، لأنه فعل النبي r، ولأن الأمر عظيم. لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.

يقول الله عز وجل تبيانًا لشر ذلك اليوم العظيم، يقول جل جلاله عن أولئك الذين أطعموا الطعام، يقول سبحانه وتعالى: ]إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا[ [الإنسان: 10 – 13].

أي يوم يا تُرَى غير الساعة؟! غير الطامة؟! غير الصاخة؟! غير القارعة؟! غير الواقعة؟

لا إله إلا الله أي يوم غير يوم القيامة غير يوم الدين؟ اللهم إنا نسألك الجنة، ويقول r عن ذلك اليوم العظيم، الذي تكثر الكُرب فيه، وتكثر الهموم، فيه r يقول: «من فرج كربة عن مسلم من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة».

دليل على أنه يوم مُلئ بالكرب مُليء بالهموم، يوم مليء بالأهوال، ولذا قال جل جلاله: ]هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ[ [الغاشية: 1] ولا يزال r يقول - بأبي هو وأمي، وصلوات ربي وسلامه عليه المصطفى r - يتذكر اليوم العظيم، في ليلة يقرأ قول الله تعالى: ]إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ [المائدة: 118] ثم يبكي عليه الصلاة والسلام ويكررها ولا يزيد عليها.

خوفه r من يوم القيامة:

ها هو r يأمر قارئًا للقرآن يقرأ عليه فيقول الصحابي: أأقرأ عليك القرآن يا رسول الله، وعليك أنزل؟ فيقول r: «إني أحب أن أسمعه من غيري»، وإذ به يقرأ سورة النساء حتى يصل إلى قول الله سبحانه وتعالى، إلى قول الله جل جلاله: (الله أكبر من إعجاز القرآن! إنه يصور الموقف وكأنك تعايشه) الجنة كأنك تراها فتبكي، والنار فتبكي، والأمم وكأنك معهم، وهذا الوصف فكيف بالمشاهدة؟!!

يقرأ قول الله عز وجل: ]فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا[ [النساء: 41]، فقال r للقارئ: «حسبك» أي يكفي.

قال فنظرت إلى رسول الله r وإذ عيناه تذرفان بالدموع، لما تذكر وتصور الموقف وأنه يجاء لكل أمة بشهيد يشهد عليهم، ومحمد r يُجاء به يشهد علينا – نحن أمته – صلوات ربي وسلامه عليه.

لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله .. لا إله إلا الله ..، إذا نفخ في الروح إذا نفخ في الصور، ولا إله إلا الله، نفخ في الأجساد الروح قال جل جلاله: ]فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ[ [المؤمنون: 101].

أين الأنساب؟ عباد الله قد ذهبوا الآن. صور قد نفخ فيه، وأما العباد فمن الأجداث قد خرجوا، ومنه قد انسلوا إلى ربهم قد حشروا إلى القيامة.

علاقة زيارة القبور بيوم القيامة:

ها هو المصطفى r يقول: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة» عباد الله، سنة رسول الله r لنا زيارة القبور ألا فلتزوروها جميعًا، ثم لتقف هذا الموقف الليلة.

إذا رأيت القبر فانظر إلى نفسك عندما تدفن، ويندرس أثرك، وييتم أطفالك، وأما امرأتك فأصبحت أرملة، وأما أعمالك فقد توقفت إلا من ثلاثة، أموالك قُسِّمت وسورع بجسدك أن يخرج من البيت لأنك عمَّا قريب تصبح منتنًا، وتركت الأهل والأصحاب، وأغلقت عليك غرفة وليتها غرفة إنما هي لحد مظلم، أين عملك الصالح حتى يتسع لك اللحد؟ أفمن عمل صالحٍ حتى يضاء لك اللحد. أفمن عمل صالح فيكون لك اللحد روضة من رياض الجنة؟

ولتتذكر قول الله عز وجل وأنت بين القبور تنظر إلى الملوك، وإلى الأغنياء والأثرياء، وإلى أهل المظاهر والزينة وإلى أهل الغفلات.

وتأمل كيف أنهم قد قامت قيامتهم؛ وقد ورد في الأثر أنه r يقول: «إذا مات ابن آدم قامت قيامته»، وأنت تتذكر بهذه الوقفة العجيبة قول الله عز وجل: ]وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ[ [يس: 51]، خرجوا من القبور: ]الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ[ [القارعة: 1-4].

تذكر يوم تخرج من قبرك:

تذكر نفسك أيها المسكين عندما تخرج من القبور، وحيدًا، طريدًا، كما قال سبحانه وتعالى: ]قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ[ [يس: 52]، ثم خرجت يا عبد الله من القبر وانشقت عنك الأرض؛ وأول من تنشق عنه الهادي r ثم نسيت الزوجة، ونسيت الأصحاب، والأحباب، ]فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ[ [المؤمنون: 101] طرحت من قبرك، تنثر التراب عن جسدك، تحشر إلى ربك، تبعث وتنشر لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.

أما الوجوه فيقول الله جل جلاله عنها: ]يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ[ [آل عمران: 106].

يا ترى أيكون وجهي ووجهك من الوجوه البيضاء، أم الوجوه السوداء!! اللهم بيِّض وجوهنا يا رب العالمين..

]يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ[ [آل عمران: 106] اللهم يا رب لا تجعلنا ممن كفر بعد إيمانه، يا مقلب القلوب، والأبصار، ثبت قلوبنا على دينك، وصرفها على طاعتك، يا رب العالمين.

]وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ [آل عمران: 107]، واللهم إنا نسألك رحمتك يا رب العالمين.

ويقول سبحانه وتعالى: ]احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ[ [الصافات: 22]. تذكر يوم أن تذهب الجبال ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا...[ الآية [طه: 105-107].

أهوال يوم القيامة:

أما السماء فتشققت وتبدلت ]يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ[ [إبراهيم: 48]. ]إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ[ [الانشقاق: 1]. ]إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ[ [الانفطار: 1، 2]. تنثر الكواكب والنجوم، تشقق السماء، تبدل الأرض.

]وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ[ [الانفطار: 3] تشتعل نيران ]وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ[ [التكوير: 6]. ]يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ[ [القيامة: 10-13].

اقترب للناس حسابهم:

يا عبد الله، يقول الله سبحانه وتعالى عن ذلك اليوم وكم هي عظيمة غفلتنا وقلة ذكرنا لله عز وجل: ]اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ[ [الأنبياء: 1] ويقول جل جلاله: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ[ [الحج: 1، 2]، تذهل المرضعة عن رضيعها فتتركه بعد أن كانت تهتم به في الدنيا، ووضعت الحامل حملها. أهوال وشدائد، وشرور، وكروب، يا مفرج فرج عنا الشرور والكروب يا رب العالمين لا إله إلا الله.

يقول سبحانه وتعالى عن أهل الموقف: ]يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ[ [الحج: 2].

يوم عظيم:

انظر إلى حالي وحالك، وأمي وأمك وكذا الزوجة والأصحاب، يقول سبحانه وتعالى: ]فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ[ [عبس: 33].

يوم عظيم، يوم شره كبير، أفر من أمي وتفر من أمك إي والله وزوجتي كذلك، إي والذي نفسي بيده وأبنائي كذلك إي والذي نفسي محمد بيده، إي والذي لا إله غيره ولا رب لنا سواه، ولا معبود بحق إلا هو، إي ومقلب القلوب لنفر من بعض ]فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ[ [عبس: 33-37] يومئذ يوم القيامة ]لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ[ [عبس: 37-39]، اللهم اجعلنا منهم ومعهم يا رب العالمين ]وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أَوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ[ [عبس: 40-42] اللهم لا تجعلنا منهم ولا معهم يا رب العالمين.

يوم عظيم، يوم يكون الناس حفاة يوم يجتمع فيه الأولون والآخرون، يوم تغرب فيه الشمس، يوم يعظم فيه العرق، يوم فيه المداينة، وفيه الحساب، وفيه الميزان وفيه الصحف – إنها الصحف وما أدراك ما هي؟! – يوم أن تتطاير، فبيمينه آخذ، وبشماله آخذ، لا إله إلا الله، فرح مسرور قائل: ]فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ[ [الحاقة: 19-22]. والآخر بشماله: ]وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه[ [الحاقة: 25-29]، أسأل الله أن يجعلني وإياكم في الجنة العالية.

يوم عظيم، يوم رهيب، يقول جل جلاله عنه: ]كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا[ [الفجر: 21، 22].

يجيء الله مجيئًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، في ذلك اليوم الذي قدره خمسون ألف سنة، عرش يحمله ثمانية، يقول r: «أذن لي أن أتحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مائة عام» ملك واحد، وتجيء والله الملائكة: ]وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا[ [الفجر: 22] تأتي الملائكة صفوفًا، صفًا صفًا، وليس هذا فحسب ]وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى[ [الفجر: 23] يوم القيامة.

قال r: «يؤتى بجنهم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» شهيق وزفير، حر وعطش رهيب.

وكذا روي أن جهنم أحمي عليها ألف سنة حتى احمرت وأحمي عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أحمي عليها ألف ثالثة حتى اسودَّت فهي سوداء مظلمة». أسأل الله أن يعيذنا وإياكم من شرها، يا رب العالمين، ولا إله إلا الله.

]وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى[ [الفجر: 23] كل شيء يتذكر، تذكر اليوم يا غافل، واعتبر باليوم قبل أن يقال: ]يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي[ [الفجر: 24] عن أي شيء تتذكر؟ يا ترى عن ماذا يقول هل في البناء تمنَّى، أم في الكنوز تمنَّى، أم في كثرة الزوجات والأبناء، أم في المراكز والقصور؟! كلا ]يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي[ [الفجر: 24-30]، أسأل الله لي ولكم الجنة.

هو عين اليقين:

يقول سبحانه وتعالى: ]أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ[ [التكاثر: 1، 2]، أي: أن كل من في القبور زائر وليس مخلدًا إنما هو زائر ليوم القيامة والبعث والنشور، ]كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ[ [التكاثر: 3-6].

ثم والله لنراها: ]ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[ [التكاثر: 7، 8]، لا إله إلا الله: ]إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا[ [الزلزلة: 1]، قبل شهور في زلزال تركيا ملايين ذهبت، ومئات، بل الألوف ماتت، وما كان نطاقه إلا مائة كيلو في مئتين، فكيف والله سبحانه وتعالى يقول عن ألأرض بأكملها: ]إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا[ [الزلزلة: 1-4].

والله إن الأرض ستتحدث فاستحيوا من الله، ولا تقترفوا عليها إلا كل ما يرضي الله.

 

تذكر ضمة القبر:

وإن «هذه الأرض لها ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد».

قال أهل العلم: والجمع بين ضمتها للكافر وضمتها للصالح هو ما يأتي: أن ضمتها للكافر ضمة عذاب تختلف منها الأضلاع، تدخل بعضها في بعض، أما ضمة الأرض للصالح فهي كضمة الحبيب لحبيبه، فبما أن الصالح فوقها يعبد الله، يقيم شرع الله، ويدين بدين الله، فكانت فرحة به مسرورة وهو على ظهرها، كيف إذا جاء بطنها؟! كيف إذا جاء في داخلها؟! تضمه كما تضم الأم ابنها حبًا لها وفرحًا به.

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم: ]يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا[ [الزلزلة: 4]، كيف تحدثت؟ ]بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[ [الزلزلة: 5-8].

يا رب! أمتي:

وثبت في الصحيحين أن أبا هريرة t قال: كان النبي r تقدم له الذراع، وكانت الذراع تعجبه من اللحم r نهس منها نهسةً: «أنا سيد الناس يوم القيامة أتدرون مما ذاك؟» ثم يجيب على نفسه r يقول: «يجمع الله الأولين والآخرين، وتقرب الشمس من الخلائق».

 

ولا إله إلا الله، يعظم الهم ويكثر الغم، فيأتي الناس يريدون الشفاعة من آدم فيقول أهل الموقف الأولون والآخرون وقد جيء بجهنم والنار والدخان وزاد الحر والشهيق والزفير لجهنم والشمس قريبة قدر ميل فمنهم من وصل عرقه ساقيه، ومنهم من حقويه، ومنهم غرق في العرق، فقال: عق عق، ومنهم سبعون ذراعًا في الأرض.

كل حسب ذنوبه يطلبون من آدم u الشفاعة لفصل القضاء، للخروج مما هم فيه، فيقولون: «يا آدم أنت أبو البشر، أسجد الله لك ملائكته، وخلفك بيده، ونفخ فيك من روحه، ألا ترى حالنا وما بلغنا من الهم والغم؟! فيقول: لست هناكم، لست بصاحبكم، إني عصيت ربي وأكلت من الشجرة، اذهبوا إلى نوح.

فيأتي الناس إلى نوحٍ ويطلبون منه الشفاعة، يا نوح! أنت أول رسل الله، ألا ترى إلى حالنا، وما بلغنا من الهم والغم؟! فيقول: لست بهناكم لست بصاحبكم، إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله.

الله أكبر حال عجيبة غريبة تذكر أن الله تعالى أهلك أقوام من قبل هود وقوم نوح وقوم لوط وغضبه يوم القيامة لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، يقول نوح اذهبوا إلى غيري، أني دعوت على قومي دعوة فاستجاب الله لي اذهبوا إلى إبراهيم.

فيأتي الناس إبراهيم ويطلبون منه الشفاعة فيرفض ويقول ما قاله الأنبياء من قبل ويزيد أني كذبت ثلاث كذبات، اذهبوا لموسى.

فيأتون إلى موسى ويطلبون منه فيجيبهم ما أجاب الأولون ويزيد أني قتلت نفسًا بغير حق، اذهبوا لعيسى.

فيذهبون إلى عيسى ويقولون له مثل ما قالوا، فيقول: لست بهناكم لست بصاحبكم اذهبوا لمحمد r.

يقول r: فيأتون ويقولون: أيا محمد أنت خاتم الأنبياء، ألا ترى إلى حالنا وما بلغنا؟! فيقول r: أنا لها أنا لها، فآتى تحت العرش فأخر ساجدًا، ثم يفتح الله علي بمحامد لا أعلمها الآن، ويقول سبحانه وتعالى: سل تعط، واشفع تشفع، فأرفع رأسي ثم أقول: رب أمتي، فيقول الله تعالى: يا محمد أدخل من أمتك الجنة من لا حساب عليهم ولا عذاب من الباب الأيمن من الجنة، وهم في باقي الأبواب سواء».

جعلنا الله وإياكم من أهل الباب الأيمن يا رب العالمين.

فإذا أحيى الله الناس يوم القيامة قاموا عجلين ينظرون ماذا يراد بهم؟

النفخ في الصور:

قال الله عز وجل: ]ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ[ [الزمر: 68]، فيقول الكفار: ]يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا[ [يس: 52]،
فيقال لهم:
]هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ[
[يس: 52]، ويقال لهم:
]هَذَا يَوْمُ الدِّينِ[ [الصافات: 20] ويقال لهم: ]هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ[ [الصافات: 21]، ثم يؤمر بحشر الناس إلى موقف الجزاء والحساب، وهو الساهرة الذي قال الله تعالى فيه: ]فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ[ [النازعات: 13، 14] قال مجاهد – رحمه الله -: الساهرة المكان المستوي، ويكون المحشر بأرض الشام.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية ]هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْر[ [الحشر: 2] قال لهم رسول الله r يومئذ «اخرجوا» قالوا: إلى أين؟ قال: «إلى أرض المحشر». [رواه البزار].

قال وهب بن منبه لما قرأ قوله تعالى: ]فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ[ وهو يومئذ ببيت المقدس قال: ها هنا الساهرة ببيت المقدس.

حال الناس عند الحشر:

ومن الناس من يحشر راكبًا، ومنهم من يحشر ماشيًا، ومنهم من يحشر على وجهه إلى أرض المحشر بالشام، عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قال رسول الله r: «تحشرون ها هنا وأومأ بيده إلى أرض الشام مشاة وركبانًا وعلى وجوهكم» [رواه النسائي وأحمد وقال ابن حجر في الفتح: إسناده قوي].

وقال تعالى: ]يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا[
[مريم: 85] قال ابن عباس: ركبانا،
]يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا[ قال: عطاشا.

وقال تعالى: ]وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا[
[الإسراء: 97].

وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «يحشر الناس على ثلاثة طرائق راغبين وراهبين: اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا»([2]).

وقال تعالى: ]وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا[ [الإسراء: 97].

والكافر يحشر إلى موقف الحشر والحساب خاشع البصر كما قال الله تعالى: ]خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ[، سريعًا في مشيه كما قال تعالى: ]مُهْطِعِينَ[ يعني: مسرعين، رافعًا رأسه كما قال تعالى: ]مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ[ «ويحشر الناس يوم القيامة حفاة من غير حذاء، عراة من غير لباس، غرلاً من غير ختان، الرجال والنساء على حد سواء لا يلتفت بعضهم إلى بعض لشدة هول ذلك اليوم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا» قلت: يا رسول الله النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى بعض، قال r: «يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» [أخرجه البخاري ومسلم].

وقال الحافظ الحكمي رحمه الله:

غرلاً حفاة مثل خلق أول

 

 

 

 

أعادهم مبدئهم وهو العلي

ثم يساقون لنحو المحشر

 

 

 

 

خلقهم النيران ذات الشرر

فيقفون شاخصي الأبصار

 

 

 

 

منتظري فصل قضا الجبار

في موقف يلجمهم فيه العرق

 

 

 

 

ويعظم الهول ويشتد الفرق

قد ضوعف الكرب على النفوس

 

 

 

 

ودنت الهول ويشتد الفرق






حال الناس حين تدنو الشمس:

فتقرب الشمس من رءوسهم قدر ميل فتشخص الأبصار ويعرق الناس، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبين، ومنهم من يبلغ العرق إلى حقويه، ومنهم من يبلغ إلى ترقوته، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا.

عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله r يقول: «تدني الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم قدر ميل».

قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما عني بالميل، مسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين، قال: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجامًا». قال: وأومأ رسول الله إلى فيه. [رواه مسلم].

حال مانعي الزكاة:

ثم يقف الناس خمسين ألف سنة لا يجلسون فيها ولا يضطجعون ولا يأكلون ولا يشربون، عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بخفافها، كل ما نفدت عليه أخراها عادت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» [رواه مسلم]. وهو اليوم الذي يقف فيه العباد.

وعنه t أن رسول الله r قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» [رواه مسلم].

لجوء أهل المحشر للأنبياء:

فإذا وقف الناس خمسين ألف سنة رغبوا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الشفاعة لهم عند الله في المجيء لفصل القضاء بين العباد وصرف أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، فكلما أتوا نبيًّا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الشفاعة لهم يقول: لست لها لست لها، حتى إذا أتوا نبينا محمدًا r يقول: «أنا لها أنا لها».

عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون: له اشفع لذريتك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم u فإنه خليل الله، فيأتون إبراهيم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى u فإنه كليم الله، فيؤتى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى u فإنه روح الله وكلمته، فيؤتى عيسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد r فأوتي فأقول: أنا لها»
[رواه البخاري ومسلم].

فيسجد النبي r تحت العرش سجدة واحدة لا يرفع فيها رأسه حتى يأتيه الإذن بالشفاعة، فيقال: يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعطه.

عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «فأنطلق فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن يلهمنيه الله، ثم أخر له ساجدًا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع» [رواه البخاري ومسلم].

لأن الشفاعة لا تقبل إلا بشرطين:

الأول: الإذن للشافع، قال تعالى: ]مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِه[ [البقرة: 255].

الثاني: الرضا عن المشفوع له، قال تعالى: ]وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى[ [الأنبياء: 28]، والله لا يرضى إلا عن الموحدين.

عن أبي هريرة t قال: قلت: يا رسول الله: من أحق الناس بشفاعتك، قال: «من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه» [رواه البخاري]، وهذه الشفاعة هي الشفاعة الكبرى التي خص بها نبينا r عن سائر الأنبياء وغيرهم.

بعدها يجيء الله عز وجل لفصل القضاء بين عباده، قال تعالى: ]وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا[ [الفجر: 22] فيجيء مجيئًا يليق بجلاله ليس كمجيء المخلوق، قال تعالى: ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ [الشورى: 11].

وقال القحطاني رحمه الله:

والله يومئذ يجيء لعرضنا

 

 

 

 

مع أنه في كل وقت دان

وعليه عرض الخلق يوم معادهم

 

 

 

 

للحكم كي يتناصف الخصمان






حال الناس حين عرض الكتب:

فيجيء بالكتب التي كتبت فيها أعمال العباد ويجيء بالرسل والشهداء، وتستشهد الجوارح، حتى يقر كل عامل بعمله، قال تعالى: ]وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ[ [الزمر: 69، 70].

فيقرر الله عباده بأعمالهم عن طريق الكتب التي سجلت فيها أعمالهم، ]هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ [الجاثية: 29].

حال الناس حين الشهادة عليهم:

ثم يشهد الشهود من الملائكة الرقيب والعتيد، قال تعالى: ]مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ [ق: 18]، والكرام الكاتبين قال تعالى: ]كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[ [الانفطار: 11، 12]، وشهادة الأعضاء قال تعالى: ]الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[ [يس: 65]، وغيرها حتى يقر كل عامل بعمله، ثم يعطي الله عز وجل كل إنسان كتابه بنفسه ليقرأه، والذي لا يعرف القراءة يعلمه الله إياها.

قال تعالى: ]وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[ [الإسراء: 13، 14].

فيقرأ الإنسان كتابه قراءة يعرف جميع ما فيه، فيجد ذنوبه ومعاصيه وغدراته وفجراته، فيخاف من عذاب الله خوفًا شديدًا قال تعالى: ]وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا[ [الكهف: 49].

حساب لا يفرط في شيء:

ثم بعد معرفة الإنسان لحسناته وسيئاته عن طريق الكتب التي سجلها عليه الكرام الكاتبون والرقيب والعتيد من الملائكة الذين قال الله فيهم: ]كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[ وقال تعالى: ]مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[.

شهادة أعضاء الإنسان عليه:

فإذا عرف الإنسان أعماله عن طريق الكتب التي سجلت فيها أعماله وشهادة الملائكة عليه يبدأ الجدل مع الله عز وجل وصدق الله يوم قال: ]وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً[، فيقول: أي ربي أنت العدل، وعدتني بأن لا تظلمني، فلا أقبل اليوم شاهدًا إلا من نفسي، فيختم الله على فمه فتشهد عليه جوارحه كل جارحة بما عمل بها، قال تعالى: ]الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[ [يس: 65]، العين تشهد بما رأت والأذن بما سمعت، واليد بما بطشت، والرجل بما خطت، واللسان بما تكلم، والجلد بما لمس، والفرج بما اقترف.

قال تعالى: ]حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ[
[فصلت: 20، 21] فإذا عرف أعماله عن طريق شهادة جوارحه عليه تحول إلى الجدل مع جوارحه، فيقول كما قال الله عز وجل:
]وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا[، فيعتذر ِإليه جلده بأن الله هو الذي أنطقه وأنه لم يشهد وحده بل شهدت معه جميع الأعضاء فيقول كما قال عنه: ]قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ[، بعدها يقول الإنسان لجوارحه وأعضائه: بعدًا لكن وسحقًا، عنكن كنت أناضل.

لن تستتر بمعصيتك عن ربك:

والإنسان يستطيع أن يستتر بمعصيته عن كل مخلوق، إلا عن أعضائه لا يمكنه الاستتار.

قال الله تعالى: ]وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ [فصلت: 22، 23].

فإذا خلا الإنسان بمعصيته عن المخلوقين فأغلق الأبواب ووضع الحجاب وأرخى الأستار وأطفأ الأنوار رآه اللطيف الخبير الغفار، قال تعالى: ]أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ [الملك: 14].

وقال تعالى: ]أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى[ [العلق: 14]، وقال تعالى: ]أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ[ [البلد: 7].

وقال القحطاني رحمه الله:

وإذا خلوت بريبة في ظلمة

 

 

 

 

والنفس داعية إلى الطغيان

فاستح من نظر الإله وقل له

 

 

 

 

إن الذي خلق الظلام يراني






فإذا قرر العباد بأعمالهم عن طريق الكتب وشهادة الشهود من الملائكة والجوارح نصب الله عزَّ وجلَّ الميزان ووزن به أعمال العباد، قال تعالى: ]وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ[ [الأنبياء: 47].

حال الناس بعد التقرير بالأعمال:

أما من رجحت حسناته على سيئاته أخذ كتابه بيمينه وقال كما قال الله تعالى عنه: ]فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ[ [الحاقة: 19، 20].

فإذا أخذ كتابه بيمينه فرح فرحًا شديدًا لأنه نجح فيه فهو (ناجح في التوحيد، ناجح في الإيمان، ناجح في الصلاة، ناجح في الزكاة، ناجح في الصيام، ناجح في الحج، ناجح في السمع لأنه لم يسمع به إلا ما أحل الله، ناجح في طاعة الله وطاعة رسوله r، بعدها ينادي مناد يسمعه كل من في المحشر باسم ذلك الإنسان واسم أبيه اللذين كان يعرف بهما في الدنيا رجلاً كان أو امرأة فيقال: لقد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، وإن كانت امرأة يقال: لقد سعدت فلانة بنت فلان سعادة لا تشقى بعدها أبدًا.

ثم ينصرف إلى حوض النبي r الذي قال الله فيه: ]إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ[ [الكوثر: 1] والذي قال فيه النبي r: «بأن عرضه شهر وطول شهر أوانيه كعدد نجوم السماء، وماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا».

وقال القحطاني رحمه الله:

وصراطنا حق وحوض نبينا

 

 

 

 

صدق له عدد النجوم أوان

يسقى به السني أعذب شربة

 

 

 

 

ويذاد عنه مخالف فتان






الظلمة التي تكون على الجسر:

فإذا وصل الظلمة التي على الجسر أضاء له إيمانه فمشى في تلك الظلمة، قال الله تعالى: ]يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ[ [الحديد: 12].

 

ونور كل مؤمن على قدر عمله، ثم يمر على الجسر بقدر عمله إلى الجنة، لأن الجنة بعد النار، والنار قبلها وليس للجنة طريق إلا عن طريق الجسر الذي نصب على وسط النار، أدق من الشعرة، وأحدُّ من السيف، وأروغ من الثعلب.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r يقول: «يعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطي نوره على إبهام قدمه يضيء مرة وينطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه وإذا انطفأ قام، قال: فيمرون على الصراط كحد السيف، دحض مزلة، فيقال لهم: امضوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرحال، يرمل رملاً فيمرون على قدر أعمالهم.

حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخر يدٌ وتعلق يدٌ، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، قال: فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أرناك، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدًا» [رواه الحاكم والبيهقي مطولاً].

حال الناس على الصراط:

يمر عليه المؤمن والكافر، فينجي الله المؤمن ويهلك الكافر والعاصي، قال تعالى: ]وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا[ [مريم: 71، 72].

قال ابن القيم رحمه الله:

وينصب ذاك الجسر من فوق متنها

 

 

 

 

فهاوٍ ومخدوشٌ وناجٍ مسلم






وعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «يجمع الله تبارك وتعالى الناس وترسل الأمانة والرحم، فتقومان على جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق، ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرحل، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: ربي سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أُمرت به، فمخدوش ناجٍ، ومكدوسٌ في النار» [رواه مسلم].

فإذا اجتاز المؤمن الصراط دخل الجنة، فيجعل الله طوله ستين ذراعًا، وعرضه سبعة أذرع، ولونه أبيض، وعينيه مكحلة، وشعره مجعدًا، ويجعل له لباسًا وكراسي وفرشًا ووسائد وخيامًا وغرفًا وطعامًا وشرابًا وزوجات وخدمًا ويحرم عليه الموت فلا يموت، والمرض فلا يمرض، والهرم فلا يهرم، والحزن فلا يحزن، ويحرم عليه البول والغائط والنوم وكل أذى وقذى.

أما الذي ترجح سيئاته على حسناته فيأخذ كتابه بشماله، ويقول كما قال الله عنه: ]وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه[
[الحاقة: 25-29]، يقول:
]يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ[، لا يرد الكتاب لأنه راسب فيه، فهو راسب في التوحيد، راسب في الإيمان، راسب في الصلاة، راسب في الزكاة، راسب في الصوم، راسب في الحج، راسب في السمع لأنه سمع به ما حرم الله من الغيبة والنميمة والكذب والسب والشتم والغناء، راسب في النظر لأنه نظر به فيما حرم الله من النساء، سواء في الطرقات أو الأسواق أو الشاشات أو غيرها، راسب في اللسان لأنه تكلم به فيما حرم الله عز وجل من الغيبة والنميمة والسب والشتم والكذب والغناء وغير ذلك.

فلا يريد الكتاب ولا معرفة النتيجة لرسوبه، يقول: ]يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ[ [الحاقة: 25-27]، ثم يتحسر على ماله وسلطانه اللذين طالما شغلاه عن طاعة الله وطاعة رسوله r، فيقول: ]مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه[ [الحاقة: 28، 29]، بعدها ينادي مناد سمعه كل من في المحشر باسم هذا الإنسان واسم أبيه رجلاً كان أو امرأة اللذين كان يعرف بهما في الدنيا، فيقول: لقد شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا، فيصرف عن حوض النبي r.

ثم يمشي في الظلمة بدون نور، قال تعالى: ]يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ...[ [الحديد: 13].

ثم يجثو في النار قال تعالى: ]وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا[
[مريم: 72] ثم يجعل ضرسه مثل جبل أحد ومقعده في النار مثل ما بين مكة والأحساء، ثم يسجن في النار فراشه من نار، ولحافه من نار، ولباسه من نار، وطعامه من نار، وشرابه من نار كلما أكلته النار خلقه الله من جديد لتأكله النار، قال تعالى:
]كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ[ [النساء: 56]، وهذه حياتهم أبد الآباد قال تعالى: ]لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى[ [الأعلى: 13].

فهرس المحتويات
    المقدمة 5
    اليوم الرهيب: 6
    خوفه r من يوم القيامة: 8
    علاقة زيارة القبور بيوم القيامة: 9
    تذكر يوم تخرج من قبرك: 10
    أهوال يوم القيامة: 11
    اقترب للناس حسابهم: 12
    يوم عظيم: 12
    هو عين اليقين: 15
    تذكر ضمة القبر: 16
    النفخ في الصور: 18
    حال الناس عند الحشر: 19
    حال الناس حين تدنو الشمس: 21
    حال مانعي الزكاة: 22
    لجوء أهل المحشر للأنبياء: 23
    لأن الشفاعة لا تقبل إلا بشرطين: 24
    حال الناس حين عرض الكتب: 25
    حال الناس حين الشهادة عليهم: 25
    حساب لا يفرط في شيء: 26
    شهادة أعضاء الإنسان عليه: 26
    لن تستتر بمعصيتك عن ربك: 27
    حال الناس بعد التقرير بالأعمال: 28
    الظلمة التي تكون على الجسر: 29
    حال الناس على الصراط: 30
    فهرس المحتويات 34
    * * * *  


([1]) مسلم (867).

([2]) رواه البخاري: كتاب الرقائق، باب الحشر.

=============

 

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق