الأربعاء، 22 يونيو 2022

تابع=6ـ تَشْييعُ الْجَنَازَةِ بين المَشْرُوعِ وَالمَمْنُوعِ (سـؤال وجــواب) ندا أبو أحمد


6ـ تَشْييعُ الْجَنَازَةِ بين المَشْرُوعِ وَالمَمْنُوعِ

(سـؤال وجــواب)

M

إن الحمد لله تعالى نحمده   ونستعينه  ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }         (سورة آل عمران: 102)

 

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}     (سورة النساء: 1)

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }          (سورة الأحزاب:70،71)

 

أما بعد....،

فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها، وكل

محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


س: ما حكم حمل الجنازة واتِّبَاعها ؟

جـ: أجمع أهل العلم على أن حمل الجنازة واتِّبَاعها فرض على الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين.

وذلك للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن عن أبي سعيد الخدري t أن النبي r قال:

"عُودا المريض، واتَّبِعُوا الجنائز تذكركم الآخرة ".

 

وحمل الجنازة واتِّبَاعها من حقوق الميت على المسلمين.

وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال:

" حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتِّبَاع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس ".

وفي رواية عند مسلم:

"حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فأنصِح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتَّبِعْه"

ملحوظة

ذهب بعض من أهل العلم إلي أن اتِّبَاع الجنائز سنة وليس فرض كفاية

واستدلوا بالحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عند البراء بن عازب t قال:

"أمرنا رسول الله r بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض، واتِّبَاع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي، ونهانا عن خواتيم الذهب، وعن آ‍نية الفضة، وعن المياثر، والقسية "

ـ المياثر: أغشية للسروج تتخذ من حرير.

ـ القسية: ثياب مخططة بالحرير.

فقالوا في قول البراء: "أمرنا رسول الله r باتِّبَاع الجنائز"

أن الأمر هنا للندب وليس للوجوب، والراجح هو القول الأول: إن حمل الجنازة واتِّبَاعها فرض كفاية. والله أعلم.

هذا وقد وجه سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية فتوى رقم (10744) وفيه:

س: ما حكم من حمل الميت إلى المقابر؟

جـ: من حمل الجنازة إلى المقبرة فهو مثاب لحمله لها, أما حملها فهو فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 

س: ما هي مراتب اتِّبَاع الجنازة ؟

جـ: اتِّبَاع الجنائز على مرتبتين:

الأولى: اتِّبَاعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها.

المرتبة الثانية: اتِّبَاعها من عند أهلها حتى يفرغ من دفنها، وكلاهما فعله النبي r.

فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري t قال:

"كنا مع النبي r في المدينة، إذا حضر منا الميت آذنَّا النبي r فحضر واستغفر له r حتى إذا قُبض انصرف النبي r ومن معه حتى يدفن، وربما طال حبس ذلك على النبي r فشق ذلك على رسول الله r فلما خشينا مشقة ذلك على رسول الله r قال بعض القوم: لو كنا لا نؤذن النبي لأحد حتى يقبض، فلم يخبروا النبي r بعد ذلك إلا إذا قبض الرجل، فإذا قبض آذناه فلم يكن عليه من ذلك مشقة ولا حبس معنا، قال: ففعلنا ذلك، فكنا نؤذن النبي بالميت بعد أن يموت، فيأتي النبي فيصلى عليه فربما انصرف، وربما مكث حتى يدفن الميت".

فكلا الأمرين فعلهما النبي r، لكن المرتبة الثانية وهي اتِّبَاع الجنازة حتى يفرغ من دفنها أفضل في تحصيل الأجر من المرتبة الأولي وهو اتِّبَاعها حتى يُصلَّى عليها.

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t أن النبي  rقال:

"من شهد الجنازة [من بيتها]  حتى يُصلَّى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن، فله قيراطان[من الأجر] قيل: يا رسول الله، وما القيراطان ؟ قال: مثل الجبلين العظيمين"

ـ وفي رواية: "مَن اتَّبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كلُّ قيراطٍ مثل أُحُد، ومَن صلَّى عليها ثم رجع قبل أن تُدْفَن فإنه يرجع بقيراط".

ملاحظة:

يستحب لمن اتَّبع الجنازة إلى القبر أن يقف بعد الدفن فيستغفر للميت، ويسأل له التثبيت، ويدعو له بالرحمة، للحديث الذي أخرجه أبو داود: " أن النبي  rكان إذا دفن ميتاً وقف وقال: استغفروا له، واسألوا الله له التثبيت، فإنه الآن يُسْأل"

 

س: هل للمرأة تشييع الجنازة واتِّبَاعها لإحراز هذا الفضل ؟

جـ: والجواب إن هذا الفضل في الحديث المتقدم - في اتِّبَاع الجنائز- إنما هو للرجال دون النساء، لنهي النبي r لهن عن اتِّبَاعها.

فقد أخرج البخاري ومسلم عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت:

"كنا نُنهَى ـ وفي رواية: "نهانا رسول الله r عن اتِّبَاع الجنائز، ولم يُعْزم علينا"

وقد ذهب شيخ الإسلام إلى أن النهي في هذا الحديث هو نهي تحريم.

فقال ـ رحمه الله ـ كما في مجموع الفتاوى(24/355):

قد يكون مرادها: لم يؤكد النهي، وهذا لا ينفي التحريم، وقد تكون هي ظنت أنه ليس بنهي تحريم، والحجة في قول النبي r لا في ظنِّ غيره. أهـ

لكن ذهب جمهور العلماء إلي أن النهي في هذا الحديث على الكراهة لا على التحريم لقولها:

"ولم يعُزم علينا"، قال الحافظ ابن حجر في الفتح(3/145): وبه قال جمهور أهل العلم.

قال القرطبي - رحمه الله - في المفهم:

ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم، ومال مالك - رحمه الله - إلي الجواز، وهو قول أهل المدينة، ويدل على الجواز.

ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة t:

"أن رسول الله r كان في جنازة، فرأى عمرُ امرأةً فصاح بها، فقال له رسول الله r: دعها يا عمر"

لكن إن خرجت فلتخرج بما لا يخالف الشريعة: من تبرجٍ أو نواحٍ أو تمس طيباً.

قال الحافظ في الفتح:

"ولم يعزم علينا" أي لم يؤكد علينا في المنع كما تأكد في غيره من المنهيات، فكأنها قالت: كره لنا اتِّبَاع الجنائز من غير تحريم.

تنبيه:

هناك بعض الأحاديث يَسْتَدِلُّ بها بعض أهل العلم على عدم خروج المرأة لاتِّبَاع الجنازة.

ولكنها أحاديث ضعيفة ومنها:-

1ـ ما أخرجه ابن ماجة من حديث علي t:

"أن النبي  r رأي نسوة جلوساً، فقال: ما يجلسكُنَّ ؟ قلن: ننتظر الجنازة،

قال: هل تُغَسِّلن ؟ قلن: لا، قال: هل تحملن ؟ قلن: لا، قال: تدلين فيمن يدلي ؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات".                          " ضعيف"

لكن هذا الحديث ضعيف، ففي سنده إسماعيل بن سليمان وهو الأزرق التميمي.

قال الحافظ: ضعيف                                                    (انظر الضعيفة "2742 " للألباني)

 

2ـ مـا أخرجه أبو داود والنسـائي وأحمد وابن حبـان عن عبد الله بن عمرو

- رضي الله عنهما- قال: "قبرنا مع النبي r يوماً فلما فرغنا انصرف رسول الله r وانصرفنا معه، فلما حاذينا به وتوسط الطريق، إذا نحن بامرأة مقبلة، فلما دنت إذا هي فاطمة، فقال لها رسول الله :r ما أخرجك يا فاطمة من بيتك ؟ قالت: يا رسول الله، رحمت على أهل الميت ميتهم،  فقال لها رسول الله r: فلعلك بلغت الكدى " يعني المقابر"

قالت: معاذ الله، وقد سمعتُك تذكر فيها ما تذكر، فقال: لو بلغت منهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك"

"والحديث ضعيف" فيه ربيعة بن سيف المعافري، قال الحافظ عنه في التقريب: ربيعة بن سيف المعافري صدوق له مناكير، وقال النسائي ربيعة بن سيف: ضعيف.

 

3ـ ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعاً:

"ليس للنساء أجرٌ في اتِّبَاع الجنائز"             "ضعيف"

قال الهيثمي (3/ 28): فيه مجاهيل.


س: ما هي صفة حمل الجنازة ؟ ومَن يحملها ؟

جـ: السُّنة أن تُحْمل الجنازة على أعناق الرجال.

وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري t أن النبي r قال:

"إذا وُضِعت الجنازة، واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها!! أين تذهبون بها ؟ يسمع صوتها كلُّ شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صَعِقَ".

وقول النبي r: "واحتملها الرجال" فيه أن حمل الجنازة خاص للرجال، وأنه لا يشرع للنساء حمل الجنازة، سواء كان الميت ذكراً أو أنثى ولا خلاف في هذا؛ لأن النساء يضعفن عن الحمل، وربما انكشف منهن شيء لو حملن، ويضاف إلي هذا ما يتوقع منهن من الصراخ عند حمله ووضعه؛ لأ‍ن الجنازة لابد أن يشيعها الرجال، فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال فيقضي إلى الفتنة.                                                   (انظر المجموع: 5/270)، (والفتح:3/217)

تنيبه:

لا يُشرع حمل الجنازة على سيارة والاكتفاء بذلك عن حملها على الأعناق وذلك لأمور:-

1- أن هذا من عادات الكُفَّار، وقد أُمرنا بمخالفتهم .

 

2- أنها بدعة في عبادة، مع معارضتها للسنة العملية في حمل الجنازة.

 

3- أنها تُفَوِّت الغاية من حملها وتشييعها، وهي تذكرة الآخرة.

 

4- أن‍ها سبب لتقليل المُشيِّعين لها، لأن كل مَن يشيع الجنازة لا يملك سيارة.

 

5- أن هذه الصورة لا تتفق مع ما عُرف عن الشريعة المطهَّرة السمحة من البعد عن الشكليات والرسميات، لاسيما في مثل هذا الأمر الخطير: الموت

يقول صاحب صحيح فقه السنة - حفظه الله -:

وقد نصَّ الفقهاء على كراهة حمل الجنازة على ظهر الدابة بلا عذر، أما إذا كان عذر، كأن كان المحل بعيداً يشق حمله على الرجال فيجوز                                (المجموع:5/270)

وعلى أن‍ه يراعى ويستحب إن كانت الجنازة ستحمل على عربة أن يحملها المشيعون على الأعناق مسافة مناسبة تحقيقاً للسنة، ثم بعد ذلك توضع على العربة إذا كان مكان الدفن بعيداً. أهـ


س: أين يمشي المشيِّعون للجنازة ؟

جـ: يجوز المشي خلف الجنازة وأمامها، وعن يمينها ويسارها، على أن يكون قريباً منها، إلا الراكب فيسير خلفها.                                                           (شرح السنة: 5/ 334)

ودليل ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد من حديث المغيرة بن شعبةt أن النبي r قال: "الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها خلفها وأ‍مامها، وعن يمينها وعن يسارها قريباً منها، والطِّفْلُ ـ وفي رواية: السَّقْطُ ـ يُصلَّى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة".

قال الخطابي ـ رحمه الله ـ:

"لا أعلمهم اختلفوا في الراكب على أنه يكون خلفها للحديث السابق".

وكل من المشي أمامها وخلفها ثبت عن رسول الله r

فقد أخرج ابن ماجة من حديث أنس t:

"أن رسول الله r وأبا بكر وعمرَ، كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها"

لكن المشي خلفها أفضل لأنه مقتضى الأدلة الآ‍مرة باتِّبَاع الجنائز.

ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي وحسنه الألباني في كتابه "أحكام الجنائز صـ74" من حديث علي بن أبي طالب قال:

"المشي خلفها أفضل من المشي أم‍امها، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذاً"

حسنه الحافظ ابن حجر وقال: له حكم الرفع.

والمشي خلفها كذلك أدعي للتفكر والاتِّعاظ.

ويجوز الركوب بشرط أن يسير وراءها كما مر بنا في الحديث: "الراكب يسير خلف الجنازة"

لكن الأفضل المشي؛ لأنه المعهود عنه r.

أما الركوب بعد الانصراف عنها فجائز بدون كراهة

وذلك لما أخرجه أبو داود عن ثوبان t:

"أن رسول الله r أُتي بدابة وهو في الجنازة فأبى أن يركبها، فلما انصرف أُتي بدابة فركب، فقيل له (أي: سئل في هذا)، فقال: إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون، فلما ذهبوا ركبت".

وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة t:

" أن النبي r اتَّبع جنازة ابن الدحداح ماشياً، ورجع على فرس"

س: ما حكم القيام للجنازة ؟ أو بمعنى آخر: هل يقام للجنازة عند مرورها ؟

جاء في بعض الأحاديث ما يفيد وجوب القيام عند مرور الجنازة منها:-

1- ما أخرجه البخاري ومسلم عن عامر بن ربيعة t عن النبي r قال:

"إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم [أو توضع]"

2- وأخرج البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال:

"مرَّت بنا جنازة، فقام لها النبي r فقمنا به فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي،

قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا"

وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم أيضاً من حديث سهل بن حنيف، وقيس بن سعد:

"أليست نَفْسَاً ؟"

لكن ذهب أكثر أهل العلم إلي أن القيام للجنازة منسوخ

وذلك للحديث الذي أخرجه مسلم عن عليّ بن أبي طالب t قال:

"قام رسول الله r للجنازة فقمنا، ثم جلس فجلسنا"

وأخرج الطحاوي عن إسماعيل بن مسعود الزرقي عن أبيه قال:

"شهدت جنازة بالعراق، فرأيت رجالاً قياماً ينتظرون أن تُوضع، ورأيت علياً بن أبي طالب t يشير إليهم أن اجلسوا، فإن النبي r قد أمرنا بالجلوس بعد القيام".

وفي لفظ عند أحمد:

"ثم جلس بعد ذلك، وأمرنا بالجلوس"             ولعل هذا الأثر يقوي قول من قال بالنسخ

لكن رجح الحافظ ابن حجر - رحمه الله - كما في فتح الباري(3/181):

إلي أن أمره  rبالقيام للجنازة على سبيل الندب بقرينة قعوده في حديث عليٍّ  t السابق ـ وقد ذهب ابن حزم وابن حبيب وابن الماجشون من المالكية وبعض الشافعية، وهذا الذي اختاره النووي – إلى أن قعوده r بعد أمره بالقيام لبيان الجواز، وأن الأمر كان للندب، وأن النسخ لا يُصار إليه إلا إذا تعذَّر الجمع وهو هنا ممكن.أهـ

قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ:

إن قام لم أُعِبْهُ، وإن قعد فلا بأس.

لكن الواضح من خلال العرض السابق: أن آخر الأمرين الجلوس وعدم القيام للجنازة .

وهذا هو الراجح والله أعلم.

تنبيه:

الحديث الذي أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال:

"رأيت رسول الله r قام لجنازة يهودي مرت به"

"هذا الحديث ضعيف"، وفيه أبو يحيى القتات وفيه كلام.

 

س: هل يُغطَّى الميت أثناء حمله ؟

أما الرجل فلا يسن تغطيته أثناء حمله، بل يبقى بلا غطاء؛ لأن فيه فائدة الاتعاظ.

أما المرأة فلا بأس بتغطيتها، لأن هذا أستر لها.

يروي أهل السير أن فاطمة-رضي الله عنها- قالت لأسماء بنت عميس-رضي الله عنها-:

"إني أستحي أن أخرج غداً على الرجال - أي بعد الموت - فقالت أسماء بنت عميس لفاطمة: ألا نصنع لك شيئاً رأيناه بالحبشة، فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه، توضع فيه المرأة فلا يراها من حولها، ولا يراها الناس، فقالت فاطمة: ما أحلى هذا وما أجمله، سَتَرَكِ الله كما سترتيني، سَتَرَكِ الله كما سترتيني".

 

س: ماذا يفعل من رأى منكراً في الجنازة ؟

جـ: يقول ابن قدامة - رحمه الله - كما في المغني(2/178):

فإن كان مع الجنازة منكراً يراه أو يسمعه، فإن قدر على إنكاره وإزالته أزاله، وإن لم يقدر على إزالته ففيه وجهان:

أحدهما: ينكره ويتبعها، فيسقط فرضه بالإنكار، ولا يترك حقاً لباطل.

ثانيهما: يرجع؛ لأنه يؤدي إلي استماع محظور ورؤيته مع قدرته على ترك ذلك. أهـ

والوجه الثاني هذا يكون في حق أهل العلم والفضل؛ حتى لا يحضر مثل هذه المخالفات مع سكوته، فيظن الناس أن هذا غير منكر لإقرار فلان به وعدم إنكاره.


س: ما هي الآداب التي تُتَّبَع عند حمل الجنازة واتِّبَاعها ؟

أولاً: الإســراع بالجنــازة:

فيستحب عند تشييع الجنازة الإسراع بها سيراً دون الرمل.

1ـ وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: "أسرعوا بالجنازة، فإن تكُ صالحةً فخير تقدمونها إليه، وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".

2- وأخرج أبو داود والنسائي من حديث عبد الرحمن بن جوشن قال:

"كنتُ في جنازةِ عبد الرحمن بن سمرة، فحمل زيادٌ ورجالٌ من مواليه يمشون على أعقابهم أمام السرير ثم يقولون:‍ رويداً رويداً بارك الله فيكم، فلحِقهم أبو بكرة في بعض سكك المدينة، فحَمَلَ عليهم بالبغلة، وشدَّ عليهم بالسوط وقال: خَلُّوا، والذي أكرم وجه أبي القاسم r لقد رأيتنا على عهد رسول الله r لنكاد أن نرمل بها رملاً".

ـ الرمل: هو المشي بسرعة دون الجري، وفوق المشي ببطء.

3- وأخرج ابن ماجة وأحمد والبيهقي بسند حسن عن أبي موسي :t

"أنه أوصى حين حضره الموت قال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا بي المشي، ولا تتبعوني بمجمر"

ـ والمراد بالإسراع: الزيادة على المشي المعتاد، ولكن بحيث لا ينتهي إلي شدة يخاف معها حدوث مفسدة للميت، أو مشقة على الحامل أو المشيع.

ـ قال النووي ـ رحمه الله ـ كما في المجموع:

واتفق العلماء على استحباب الإسراع بالجنازة، إلا أن يُخَاف من الإسراع انفجار الميت أو تغيره فيُتَأنَّى.

وظاهر كلام النبي r في الحديث المتقدم يدل على وجوب الإسراع بالجنازة  وهذا ما قال به ابن حزم، لكن الراجح قول الجمهور: الاستحباب.

بـدعـة... ذكرها ابن القيم كما في زاد المعاد فقال:

وأما دبيب الناس اليوم خطوة خطوة فبدعة مكروهة مخالفة للسنة، ومتضمنة للتشبه بأهل الكتاب اليهود.


ثانياً: الرفق بنعش الميت:

وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عطاء قال:

"حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة بسرف، فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: هذه زوجة النبي r، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وأرفقوا".

 

ثالثاً: عدم اتِّبَاع الجنازة بنار أو بمجمرة "مبخرة ":

1- فقد أخرج أبو داود بسند فيه مقال، وحسنه الألباني من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال:

"لا تُتَّبَع الجنازة بصوت ولا نار"

قال الشيخ الألباني - رحمه الله - كما في أحكام الجنائز صـ70:

لكنه يتقوى بشواهده المرفوعة وبعض الآثار الموقوفة. أهـ

2- وأخرج الإمام مسلم عن عمرو بن العاص t أنه قال في وصيته:

"فإذا أنا متُّ، فلا تصحبني نائحة ولا نار".

3- وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة t أنه قال حين حضره الموت:

"لا تضربوا علىَّ فسطاطاً، ولا تتبعوني بمجمر" ـ وفي رواية: "بنار"

وأخرج ابن ماجة وأحمد والبيهقي عن أبي موسى t أنه أوصى حين حضره الموت فقال: " إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا بي المشي، ولا تتبعوني بمجمر"

- قال البيهقي - رحمه الله -:

وفي وصية عائشة، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأسماء بنت أبي بكر

ـ رضي الله عنهم - أن لا تتبعوني بنار.

- قال ابن حبيب بن عبد البر:

وهو من فعل النصارى (أي اتِّباع الجنازة بمجمرةٍ أو بنارٍ) ولا ينبغي أ‍ن يُتَشبَّه بهم.

- قال ابن المنذر: يُكره ذلك - أي اتِّبَاع الميت بنار - كل من نحفظ عنه من أهل العلم، ولكن إذا كان الدفن ليلاً واحتاجوا إلي ضوء فلا بأس به. أهـ

وقد ثبت أن رسول الله r دَفَنَ رجلاً لَيْلاً وأسرج في قبره.

رابعاً: الصمت حال السير مع الجنازة:

فيكره رفع الصوت ولو بالذكر

أخرج الطبراني في الكبير من حديث زيد بن أرقم عن النبي r قال:

"إن الله يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة"

فقد أخرج البيهقي عن قيس بن عباد قال:

"كان أصحاب النبي r يكرهون رفع الصوت ثلاث: عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال"

ورفع الصوت في الجنازة فيه تشبهاً بالنصارى, فإنهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين.

وأخرج ابن ماجة من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال:

" نهى رسول الله r أن تتبع جنازة معها رانة"                        (صحيح ابن ماجة للألباني: 1287)

ـ والرنة: الصوت, يقال: رنت المرأة إذا صاحت.

وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر- رضي الله عنهما-:

"أنه سمع رجلاً يقول في جنازة: استغفروا له, غفر الله لكم، فقال ابن عمر: لا غفر الله لك"

وذكر عبد الرزَّاق في مصنفه وكذا ابن أبي شيبة عن بكير بن عتيق قال:

"كنت في جنازة فيها سعيد بن جُبير, فقال رجل: استغفروا له، غفر الله لكم, قال سعيد بن جبير: لا غفر الله لك"

أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن سيرين قال:

"أول ما سمعت في جنازة: "استغفروا له" في جنازة سعد بن أوسٍ"

وعن  سعيد بن المسيب – رحمه الله- أنه قال في مرضه:

" إياي وحاديهم هذا الذي يحدوا له، يقول: استغفروا له، يغفر الله لكم"

قال ابن المنذر- رحمهُ الله- كما في الأوسط (5/389):

وكره سعيد بن المُسيب, وسعيد بن جُبير, والحسن البصري، والنخعي، وأحمد، وإسحاق قول القائل خلف الجنازة: "استغفروا له"،  قال عطاء: محدثة. وقال الأوزاعي: بدعة.

(انظر الآثار عنهم وعن غيرهم في مصنف ابن أبي شيبة (3/272)، (وعبد الرزَّاق (3/438)

وعلى هذا يتضح أن ما اعتاده الناس من الذكر أمام الجنازة كقول أحدهم: "وَحِّدُوووه" ورد المشيعين عليه بقولهم: "لا إله إلا الله"، أو قول أحدهم: "استغفروا له، يغفر الله لكم"

أو قولهم:  "الله يا دايم هو الدايم ولا دايم إلا الله"، أو قولهم: "الفاتحة"

فكل هذا من البدع التي نص عليها الفقهاء.

(ابن عابدين:1/608 ) , (مغني المحتاج:1/217)

قال الألباني – رحمهُ الله- كما في أحكام الجنائز صـ71:

وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الآلات الموسيقية أمامها عزفاً حزيناً، كما يُفعل في بعض البلاد الإسلامية تقليداً للكفار, والله المُستعان. أهـ

يدخل في هذا ما يفعله راكبي السيارات من تشغيل جهاز المسجل بالقرآن أو الخطب عند تشييع الجنازة.

والحكمة من الصمت عند اتِّبَاع الجنازة ذكرها أهل العلم

فقد سئل سُفيان بن عيينة عن السكوت في الجنازة وماذا يرجى منه؟

قال: تذكر به حال يوم القيامة، ثم تلا قوله تعالى: { وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً }

(طه:108)

قال ابن قدامة كما في المغنى(2/178):

يستحب لمُتَّبِع الجنازة أن يكون متخشعاً متفكراً في مآله, متعظاً بالموت وبما يصير إليه الميت، ولا يتحدث بأحاديث الدنيا ولا يضحك. وقد رأى بعض السلف رجلاً يضحك في جنازة، فقال له:

أتضحك وأنت تتبع الجنازة !؟ لا كلمتك أبداً. أهـ

قال النووي – رحمه الله- في الأذكار صـ203:

واعلم أن الصواب المختار وما كان عليه السلف – رضي الله عنهم- السكوت حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر،ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة وهي أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة من يخالفه" أهـ

 


وقد وجه سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية فتوى رقم (1707) وفيه:

س: ما حكم رفع الصوت بالتهليل الجماعي أثناء الخروج بالجنازة والمشي بها إلى المقبرة؟

جـ: هدي الرسول r إذا تبع الجنازة أنه لا يسمع له صوت بالتهليل أو القراءة أو نحو ذلك، ولم يأمر بالتهليل الجماعي فيما نعلم بل وقد روي عنه r: "أنه نهى أن يتبع الميت بصوت أو بنار"

وقال قيس بن عُبَاد وهو من أكابر التابعين من أصحاب عليٍ بن أبي طالب t: "كانوا يستحبون

خفض الصوت عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال"      (أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهُ الله-: "لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا بقراءة ولا ذكر... ولا غير ذلك، هذا مذهب الأئمة الأربعة وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين ولا أعلم فيه مخالفاً. وقال أيضاً: وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون المفضلة.

وبذلك يتضح لك أن رفع الصوت بالتهليل مع الجنائز بدعة منكرة، وهكذا ما شابه ذلك من قولهم:

"وَحِّدُووووه"، أو " اذكروا الله " أو قراءة بعض القصائد كـ(البردة)

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

قال النووي – رحمه الله- كما في الأذكار صـ203:

واعلم أن الصواب المختار وما كان عليه السلف ـ رضي الله عنهم ـ السكوت في حال السير مع الجنازة فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر... ولا غير ذلك.

والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال فهذا هو الحق ولا تغتر بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض t ما معناه: الزم طرق الهدي، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين.

وقد رُوينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته (يشير إلى قول قيس بن عباد)

وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط، وإخراج الكلام عن مواضعه فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه، وغلظ تحريمه، وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب (آداب القراءة) والله المستعان.


تنبيه

لا يُلْتَفَت للحديث الذي رواه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعاً وفيه:

"أكثروا في الجنازة قول: لا إله إلا الله"        "وهو حديث ضعيف"

(ضعفه الألباني في ضعيف الجامع:1211)

 

س: ما حكم الجلوس قبل وضع الجنازة؟

جـ: هذه مسألة خلافية بين أهل العلم:

قال الحازمي ـ رحمه الله ـ:

قد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فقال قوم: من تبع جنازة فلا يقعدن حتى توضع عن أعناق الرجال، وممن رأى ذلك: الحسن بن علي، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن الزبير، والأوزاعي، وأهل الشام، وأحمد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن، وذكر إبراهيم النخعي والشعبي أنهم كانوا يكرهون أن يجلسوا حتى توضع عن مناكب الرجال.

ودليلهم ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري t عن النبي r أنه قال:

" إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع"

والمراد حتى توضع على الأرض عن الأعناق، وقيل: حتى تُوضع في اللحد.

(انظر فتح الباري: 3/213) و(المجموع:5/210)

وخالف في ذلك آخرون، ورأوا جواز الجلوس وهو الراجح، واعتقدوا الحكم الأول منسوخاً، وتمسكوا في ذلك بأحاديث. أهـ بتصرف.

ولعل ما استدل به هذا الفريق الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة بسند حسن عن عبادة ابن الصامت t قال:

" كان رسول الله r إذا تبع الجنازة لم يقعد حتى تُوضع في اللحد، فعرض له حَبْرٌ فقال: هكذا نصنع يا محمد، قال عبادة: فجلس رسول الله r وقال: خالفوهم".


س: هل صحيح أن الجنازة تسرع ويخف وزنها إن كان صاحبها من الصالحين؟

جـ: هذا اعتقاد باطل لا صحة له.

وقد وجه سؤال إلي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

فتوى رقم (7598) حول هذا الموضوع

فأجابت اللجنة قائلة:

جـ: يختلف ثقله وخفته باختلاف عظم جثته ونحافته وكبره وصغره، وما يزعمه بعض ضعاف النفوس من المنحرفين من أن الميت الواحد يثقل أحياناً على حملة نعشه ويخف أحياناً عليهم، وأنه يطير بالنعش أحياناً، أو يجري بحملته إلي جهة يحب أن يدفن فيها، أو جهة أخرى لأمر ما كرامةً له وإشعاراً بصلاحه، وأنه من أولياء الله فَزَعْمٌ كاذب، وقد يكون ما يدعى من جري بحملته أو دعوى ثقل أو خفة من خداع حملته وكذبهم، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم- مع كثرتهم، وخيار السلف وأئمتهم الذين لا يحصون عداً كانوا أصلح من هؤلاء وأعبد منهم لله، وأتقى وأعظم ولاية لله، ولم يحصل لأحد منهم شيء من ذلك حينما شُيِّعت جنازاتهم.

 

كما وجه سؤال آخر شبيه له إلى اللجنة الدائمة فتوى رقم (2873) حول:

خفة الجنازة هل يعود لفضيلة الميت؟ والسؤال هو:

س: أخبرني مجموعة من الناس العقلاء، وذوي  أهل الرأي والسداد أنهم شاهدوا جنازة رجل مسلم خفيفة جداً جداً، وأخرى كانت ثقيلة جداً جداً, وثالثة أنهم عندما قاموا بإخراجها من المنزل صارت هذه الجنازة تعوم وتتحرك فوق رءوس الرجال، فما موقف الإسلام من هذه القصص؟ علماً بأن الذين شاهدوا ذلك رجال ثقات وعدول والكذب بعيد عنهم؟

جـ: لا نعلم لخفة الجنازة وثقلها أسباباً سوى الأسباب الحسية: وهي نحافة الميت وضخامة الجسم

أما من يزعم أن ذلك دليل على كرامة الميت إذا كان خفيفاً، وعلى فسقه إذا كان ثقيلاً، فهذا شيء لا أصل له في الشرع المطهر فيما نعلم.

وأما حركة الجنازة على النعش: فيدل ذلك على حياته وأنه لم يمت؛ فلينظر في شأنه؛ وليعرض على الطبيب المختص حتى يقرر موته وحياته, ولا يستعجل في دفنه حتى يعلم يقيناً أنه ميت.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 

مسألة

ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك t قال:

"مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي r: وجبت، ثم مروا بجنازة فأثنوا عليها شراً، فقال النبي r: وجبت، فقال عمر بن الخطاب t: ما وجبت؟

قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض"

فنحن نرى في هذا الحديث:

أن الصحابة وقعوا في هذا الميت وأثنوا عليه شراً، وذلك في وجود النبي r في حين أنه في أكثر من حديث قد نهاهم عن سب الأموات.

فقد أخـرج البخـاري في صحيحه بـاب "ما ينهى عن سب الأمـوات" عن عـائشة

- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله r:

"لا تسبُّوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"

وأخرج الترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله r:

" لا تسبُّوا الأموات فتؤذوا الأحياء"

وفي رواية عند أحمد بلفظ:

"لا تسبُّوا موتانا فتؤذوا أحياءنا "                                      (صحيح الجامع:7189)

وأخرج النسائي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:

"ذُكر عند النبي r هالكٌ بسوء، فقال: لا تذكروا هلكاكم إلا بخير"

فكيف نجمع بين هذه الأحـاديث التي فيها ينهى النبي r عن سب الأموات، وبين إقراره بفعل الصحابة وثناؤهم على الميت بشر؟

يجيب عن ذلك النووي – رحمه الله- كما في شرح مسلم(4/20) فيقول:

فإن قيل: كيف مكنوا بالثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره في النهي عن سب الأموات؟

فالجواب: أن النهي عن سب الأموات هو في غير المنافق وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة، فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر؛ للتحذير من طريقتهم ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم، وهذا الحديث محمول على أن الذي أثنوا عليه شراً كان مشهوراً بنفاقٍ أو نحوه مما ذكرنا.

هذا هو الصواب في الجواب، وفي الجمع بينه وبين النهي عن السب.

وقال الحافظ في الفتح(3/330):

قوله:(باب ما ينهى عن سب الأموات) قال الزين ابن المنير:

" لفظ الترجمة يشعر بانقسام إلي منهي وغير منهي, ولفظ الخير مضمونه النهي عن السب مطلقاً والجواب: إن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق، حيث قال r عن ثنائهم بالخير والشر:

"وجبت, وأنتم شهداء الله في الأرض" ولم ينكر عليهم

ويُحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون؛ لأن الكفار مما يُتقرب إلى الله بسبهم.

وقال القرطبي في الكلام على حديث: "وجبت" يحتمل أجوبة:

الأول: أن الذي كان يُحدث عنه بالشر كان مستظهراً به فيكون من باب" لا غيبة لفاسق" أو كان منافقاً

الثاني: يُحمل النهي على ما بعد الدفن والجواز على ما قبله؛ ليتعظ به من يسمعه.

الثالث: يكون النهي العام متأخراً فيكون ناسخاً. " وهذا ضعيف"

وقال ابن حزم في المحلى (5/231) مسألة(594):

ولا يحل سب الأمـوات على قصد الأذى، وأما تحذير من كُفر، أو بدعة، أو من عمل فـاسد فمباح, ولعن الكفار مباح, وقد سبَّ الله تعالي أبا لهبٍ وفرعون تحذيراً من كفرهما. أهـ

وقد بوَّب البخاري لشرار الموتى فقال: باب "ذكر شرار الموتى" ثم ساق بسنده إلي ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال:

"قال أبو لهب ـ عليه لعنة الله ـ للنبي r: تباً لك سائر اليوم

فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } (المسد:1)"

تنبيهان

1- الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي عن ابن عمر مرفوعاً:

"اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم"

"حديث ضعيف"، فيه عمران بن أنس المكي، قال عنه البخاري: منكر الحديث.

2-هناك حديث أخرجه البزار عن عامر بن  ربيعة مرفوعاً وفيه:

"إذا مات العبد والله يعلم منه سراً وتقول الناس خيراً قال الله ـ عز وجل ـ لملائكته قد قبلت شهادة عبادي على عبدي، وغفرت له علمي فيه"

"حديث ضعيف جداً"،  فيه محمد بن عبد الرحمن القشيري.

قال الهيثمي: متروك الحديث، وقال الذهبي: متهم وفيه جهالة.

س: ما هي البدع والمنكرات التي تكون عند خروج الجنازة واتِّبَاعها؟

1- ذبح الخرفان عند خروج الجنازة تحت عتبة الباب، وهذا لا أصل له في دين الله، وهو بدعة مذمومة, وقد نهى النبي r عن ذلك وقال :"لا عقر في الإسلام"

قال عبد الرزَّاق ـ رحمه الله ـ: كانوا يعقرون عند القبر أو عند خروجه من الدار بقرة أو شاة،

وهذا مخالف للسنة من وجوه:-

- أن ذلك من فعل الجاهلية.

- ما فيه من الرياء والسمعة والمباهاة والفخر، ولو تصدق أهل الميت بذلك سراً لكان أنفع للميت وأفضل.

وهناك من الناس من يعتقد أنه لو لم يذبح لمات ثلاثة من أهل البيت، وهذا من الخرافات.

 

2- حمل الخبز والخرفان أمام الجنائز وذبحها بعد الدفن وتفريقها مع الخبز.

 

3- التزاحم على النعش. والدليل على هذه البدعة ما رُوي عن قتادة:

" شهدت جنازة فيها أبو السوار - هو حريث بن حسان العدوي- فازدحموا على السرير،

فقال أبو السوار: "أترون هؤلاء أفضل أو أصحاب محمد r؟ كان الرجل منهم إذا رأى محملاً حمل, وإلا اعتزل ولم يؤذِ أحداً"

 

4- خروج النساء لتشييع واتِّبَاع الجنازة.

 

5- تغطية نعش الرجل بغطاء، وهذا لا دليل عليه، ويفوت حكمة الاتعاظ.

 

6- رفع الصوت ولو بالذكر حال تشييع الجنازة كقولهم: "وَحِّدُووووه"، أو: "لا إله إلا الله"،

أو: "الله يا دايم هو الدايم ولا دايم إلا الله"، أو قولهم: "استغفروا له، يغفر الله لكم"، أو قولهم: "الفاتحة" أو قراءة بعض الآيات أو الأناشيد، ومن ذلك: قراءة البردة، أو دلائل الخيرات،

أو الأسماء الحسنى" وكل هذا من البدع المنكرة، والسُّنَّة الصمت حال السير.

 

7- تزيين الجنازة بأكاليل الزهور، ووضع العمامة على الخشبة، أو صورة الميت أمام الجنازة،

أو وضع الأعلام، وكتابة الآيات القرآنية... وغير ذلك.

 


8 - سير الراكب أمام الجنازة وهي محمولة على الأعناق.

 

9 - اتِّبَاع الميت بمجمرة أو نار( ويدخل فيها السجائر).

 

10- استخدام المحمول، وسماع المعازف ونغمات المحمول أثناء السير.

 

11- الإبطاء في السير، ومنها الخطوة العسكرية البطيئة أمام الجنائز العسكرية.

 

12- حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز، وتشييع المشيعين لها وهم على السيارات (وهذا الأمر جائز إذا كان مكان الدفن بعيداً)

 

13- تشييع الجنازة بالعزف على الآلات الموسيقية.

 

14- الرثاء عند حضور الجنازة في المسجد قبل الصلاة عليها، أو بعدها وقبل رفعها، أو عقب دفن الميت عند القبر.

 

15- نقل الميت إلي أماكن بعيدة لدفنه عند قبور الصالحين واعتقاد أن هذا أنفع للميت.وهذا لا أصل له

 

16- الإشارة بالإصبع السبابة عند مرور الجنازة، وقراءة الفاتحة.             "وهذا لا أصل له"

 

17- الاعتقـاد بأن القيـام للجنـازة واجب وحتم لابد منه، وهذا الأمر مندوب كما مر بنا،

بل قال البعض: إنه منسوخ، وهو الراجح.

 

18- اعتقاد البعض أن الجنازة إذا كانت صالحة خف ثقلها وأسرعت، وهذا اعتقاد فاسد لا أصل له.

 

 

وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ مع " الدفن بين المشروع والممنوع "


وبعد...،

فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة

نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمّ خطأ فاستغفر لي

وإن وجدت العيب فسد الخللا

جلّ من لا عيب فيه وعلا

فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.........

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك

 

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق