الأربعاء، 22 يونيو 2022

الجامع لأحكام الجنائز في سؤال وجواب/ ندا أبو أحمد صفة الد

 


7ـ الدَّفْـنُ بين المَشْرُوعِ وَالمَمْنُوعِ

(سـؤال وجــواب)

M

إن الحمد لله تعالى نحمده   ونستعينه  ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،  من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له،  وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }         (سورة آل عمران: 102)

 

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}     (سورة النساء: 1)

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }          (سورة الأحزاب:70،71) 

أما بعد...،

فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها، وكل

محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 


س: مـا هــو الـدفـن ؟

جـ: هو الستر والمواراة، ودفن الميت: أي وضعه في قبره، وإهالة التراب عليه.

س: مـا حـكـم دفـن المـيـت؟

جـ: دفن الميت واجب.

قال ابن رشد – رحمه الله – في بداية المجتهد (1/312):

وأجمعوا على وجوب الدفن، والأصل فيه قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً{25} أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً}

(المرسلات: 25، 26)

ـ كِفاتاً: وعاء.

ـ أحياءً وأمواتاً: تضم الأحياء على ظهرها، والأموات في بطنها.

وقال ابن المنذر – رحمه الله – كما في الإجماع صـ 85:

وأجمعوا على أن دفن الميت لازم واجب علي الناس، لا يسعهم تركه عند الإمكان، ومن قام به منهم سقط فرض ذلك على سائر المسلمين. أهـ

 

فدفن الميت واجب ولو كان كافراً.

فقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن علي بن أبي طالب t قال:

"قلت للنبي r: إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب فوارِ أباك، ثم لا تُحْدِثن شيئاً حتى تأتيني، فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي".          (صحيح أبو داود:3214)

وعند الإمام أحمد بلفظ:

"لما توفي أبو طالب أتيت النبي r، فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات فمن يواريه؟ قال النبي r: اذهب فواره، ثم لا تُحْدِث شيئاً حتى تأتيني. فقال: إنه مات مشركاً، قال: اذهب فواره، قال: فواريته ثم أتيته، قال: اذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئاً حتى تأتيني، قال: فاغتسلت ثم أتيته، قال: فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حُمْر النعم وسودها، وكان علي إذا غسل الميت اغتسل".

وفي هذا الحديث دليل لعدم مشروعية تعزية المسلم بوفاة قريبه الكافر، حيث إن النبي r لم يُعَزِّ علياً t في أبيه، ومن باب أولى دليل علي عدم جواز تعزية الكفار بأمواتهم أصلاً.

تنبيه:

هذا الحديث ضعَّفه بعض أهل العلم، وقالوا في إسناده لين، لكن صححه الشيخ الألباني – رحمه الله -


وأخرج البخاري من حديث أبي طلحة الأنصاري t قال:

"إن رسول الله r أمر يومَ بدرٍ بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فجُرُّوا بأرجلهم فقُذِفوا في طوى (1) من أطواء بدر خبيثٍ مُخَبَّثٍ بعضهم على بعض، إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا يحركوه فتزايل (2) فأقرّوه وألقوا عليه ما غيَّبه من التراب والحجارة....... [ثم جاءهم بعد ثلاث] حتى قام على شَفَةِ الرَّكِيِّ (3) فجعل ينادي بأسمائهم وأسماء آبائهم وقد جيفوا...... يا أبا جهل بن هشام، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، يا وليد بن عُتْبة أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟

فسمع عمر قول النبي r فقال: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، وهل يسمعون؟ يقول الله U: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى }(النمل:80) فقال رسول الله r: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، والله إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنتُ أقول لهم لهو الحق، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عَلَيَّ شيئاً".

(1) ـ طوى: هي البئر التي طويت وثبتت بالحجارة لتثبت ولا تنهار.

(2) ـ تزايل: تفسخ وتفرقت أجزاءه.

(3) ـ شَفَةِ الرَّكِيِّ: أي طرف البئر.

قال قتادة:

أحياهم الله له حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً.

ملاحظات:

1ـ عند دفن الكافر لا يراعى فيه ما يراعى في دفن المسلم: كاستقبال القبلة... ونحو ذلك.

2ـ دفن المسلم للكافر يكون عند الضرورة، حيث لا يجد من يواريه.

جاء في كتاب الشرح الكبير:

" ولا يغسِّل مسلمٌ كافراً ولا يدفنه إلا أن لا يجد من يواريه"  (وهو قول مالك)


س: هل يجوز دفن الكافر في مقابر المسلمين أو العكس؟

جـ: لا يجوز دفن المسلم في مقابر الكافرين، ولا دفن الكافر في مقابر المسلمين. بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين، والكافر في مقابر المشركين.

وهكذا كان الأمر علي عهد رسول الله r واستمر إلى عصرنا هذا. ومن الأدلة على ذلك:-

ما أخرجه أبو داود وغيره من حديث بشير بن الخصاصية قال:

"بينما أماشي رسول الله r آخذ بيده فقال: يا ابن الخصاصية ما أصبحت تنقم على الله([1]) أصبحت تماشي رسول الله، فقلت: يا رسول الله بأبي وأمي ما أصبحت أنقم على الله شيئاً كل خير فعل بي الله، فأتى على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً ثلاثَ مرات، ثم أتى علي قبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً ثلاثَ مرات، فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرةٌ فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نَعْلان، فقال: يا صاحب السِّبْتِيَّتَيْنِ.. ويحك ! الق سِبْتِيَّتَيْكَ، فنظر فلما عرف الرجلُ رسولَ الله r خلع نعليه فرمي بهما".

قال النووي – رحمه الله –:

لا يجوز أن يدفن المسلم في مقبرة الكافر ولا الكافر في مقبرة المسلمين.

واحتج ابن حزم – رحمه الله – بهذا الحديث: على أنه لا يدفن مسلم مع مشرك، وعلى تحريم المشي بالنعال بين القبور.

 

س: إذا ماتت امرأة كتابية وهي حامل من رجل مسلم، أين تدفن؟

ذهب بعض أهل العلم كابن حزم: إلى أنها تدفن في أطراف مقبرة المسلمين، وذلك إن كان الجنين قد كمل في بطنها أربعة أشهر وهذا ما فعله واثلة بن الأسقع.

قال ابن حزم – رحمه الله – كما في المحلي (5/312):

وروينا عن عمر t أنها تدفن مع المسلمين من أجل ولدها. أهـ

بينما ذهب الإمام أحمد – رحمه الله –: إلى أنها تدفن بين مقبرة المسلمين ومقبرة أهل الكتاب، فهي كافرة لا تدفن في مقبرة المسلمين فيتأذوا بعذابها، ولا تدفن في مقبرة الكفار؛ لأن ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم، فتدفن منفردة.                                             (المغني 2/563).

وعلى كلا القولين قالوا: يجعل ظهرها إلى القبلة على جانبها ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن؛ لأن وجه الجنين إلى ظهرها.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم (10508) إجابة على هذا السؤال وفيه:

س: يتشرف جماعة من المسلمين بمدينة بروكسل ببلجيكا بأن يطلبوا من سيادتكم فتوى فيما يخص دفن المسلمين بمقبرة نصرانية أو غيرها، وقد قررنا إيجاد مقبرة إسلامية بهذا البلد؛ لأن الحكومة البلجيكية طلبت منا فتوى، لأنكم تبذلون جهدكم لنشر هذا الدين، وفي انتظار جوابكم تقبلوا منا سيدي المفتي فائق احترامنا.

جـ: يجب دفن موتى المسلمين في مقبرة مستقلة لهم، ولا يجوز دفنهم في مقابر غير المسلمين،

قال الإمام الشيرازي في المهذب: ولا يدفن كافر في مقبرة المسلمين، ولا مسلم في مقبرة الكفار، وقال الإمام النووي في المجموع: اتفق أصحابنا – رحمهم الله – على أنه لا يدفن مسلم في مقبرة كفار، ولا كافر في مقبرة مسلمين، ومن ذلك يظهر أنه يجب تخصيص مكان لدفن موتى المسلمين في مقبرة خاصة بهم.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 

وفي فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً فتوى رقم (5124) جاء هذا السؤال:

س: هل يجوز دفن ولد كافر في مقابر المسلمين إذا أخذه المسلم متبنياً له ثم مات قبل أن يبلغ؟

جـ: لا يجوز دفن كافر في مقابر المسلمين، سواء كان متبنى لمسلم أم لا، وسواء بلغ أم لم يبلغ، لكن إذا وجد منه ما يدل على إسلامه دفن في مقابر المسلمين، علماً بأنه يحرم التبني في الإسلام، لقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } (الأحزاب:5).

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 


وجاء في السؤال الخامس من الفتوى رقم (3081):

س: اشترت الجمعية الإسلامية عدداً من القبور في مقبرة النصارى، فهل يمكن دفن غير المسلمين

أو الذين شذوا عن الإسلام كالقاديانيين أو غيرهم في القبور التي خصصناها لنا نحن السنيين؟

جـ: لا يجوز دفن المسلم في مقابر النصارى، لأنه يتأذى بعذابهم، بل تكون القبور الخاصة بالمسلمين في مكان منفرد عن مقابر النصارى، أما القاديانيون من الكفار، فلا يدفنون في المقابر المخصصة للمسلمين، لأنهم ليسوا منهم.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 

وجاء في السؤال الثالث من الفتوى رقم (5377) ما نصه:

س: ما حكم المسلم الذي يُتَوفَّى في فرنسا وتعذر نقله إلى بلاده العربية، وليس في البلد الذي هو متَوفَّى فيه مقبرة مخصصة للمسلمين، فهل يدفن في مقبرة النصارى، أم ماذا؟ وكذلك ليس هناك موضع لتغسيل أموات المسلمين إلا الحجرة المخصصة لتغسيل أموات النصارى، فهل يمكن تغسيل أموات المسلمين فيها إذا تعذر تغسيل الميت المسلم في بيته؟

جـ: إذا لم يوجد مقبرة للمسلمين، فإن المسلم إذا مات لا يدفن في مقابر الكفار، ولكن يلتمس له موضع في الصحراء يدفن فيه، ويسوى بالأرض حتى لا يتعرض للنبش، وإن تيسر نقله إلى بلاد بها مقبرة للمسلمين بدون كلفة شديدة فهو أولى، أما تغسيل الميت المسلم في موضع تغسيل الكفرة فلا حرج فيه إذا لم يتيسر مكان سواه بدون كلفة.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 


س: هل يجوز الدفن في غير المقابر؟

جـ: السُّنَّة الدفن في المقابر، كما كان النبي r يفعل، حيث كان يدفن الموتى في البقيع، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه دُفن في غير المقبرة، إلا مـا تواتر عن دفن النبي r وصـاحبيه في حجرة عـائشة – رضي الله عنها – ودفن النبي r في موضعه خاص به (كما سيأتي)

أما دفن صاحبيه في الحجرة فنقول: إن فعل النبي  r(في كونه يَدْفِن في المقابر) أوْلى من فعل غيره.

قال النووي – رحمه الله – كما في المجموع (5/281):

دفن الميت فرض علي الكفاية؛ لأن تركه على وجه الأرض هتك لحرمته، ويتأذى الناس من رائحته، والدفن في المقبرة أفضل؛ لأن النبي r كان يدفن الموتى بالبقيع؛ ولأن يكثر الدعاء له ممن يزوره.أهـ

 

ويستثنى من الدفن في المقابر ما استثناهم الشرع، كدفن النبي r في الموضع الذي مات فيه، ودليل ذلك:-

ما أخرجه الترمذي من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:

"لما قبض رسول الله r اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله r شيئاً ما نسيته قال: ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه، فدفنوه في موضع فراشه".

تنبيه:

قال الحافظ في الفتح (1/697) عن الحديث السابق:

فيه حسين بن عبد الله الهاشمي "وهو ضعيف "، وثبت موقوفاً عند النسائي والترمذي على أبي بكر.

 

ويستثنى من ذلك أيضاً الشهداء في المعركة، فإنهم يدفنون في مواطن استشهادهم، ولا ينقلون إلى المقابر.

ودليل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث جابرt قال:

"خرج رسول الله r من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم، وقال أبي عبد الله: يا جابر بن عبد الله لا عليك أن تكون في نظارى أهل المدينة حتى تعْلَمَ إلى ما يصير أمرنا، فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تُقتل بين يدي.

قال: فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضِح فدخلتْ بهما المدينة لتدْفِنْهُما في مقابرنا – إذ لحق رجل ينادي: ألا إن رسول الله r يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارِعِها حيث قُتِلت، فرجعنا بهما فدفنَّاهما حيث قُتِلا".

ويتبين من خلال ما سبق: أنه لا يجوز الدفن إلا في المقابر، إلا ما استثناهم الشرع.

فـائـدة:

يُسْتحب أن يُدْفن الشهيد في ثيابه، ويجوز تكفينه في ثوبه بعد نزع الحديد منه.

جاء في كتاب المغني لابن قدامة (2/531) ما ملخصه:

أن أهل العلم اتفقوا على استحباب دفن الشهداء في ثيابهم التي قُتِلوا فيها، وقال أكثرهم:

يُنْزع عنهم من لباسهم ما لم يكن عادة لباس الناس من جلود وفراء وحديد. أهـ باختصار

أما دفنهم في ثيابهم:

فذلك للخبر الذي ورد عند الإمام أحمد عن عبد الله بن ثعلبة، أن رسول الله r قال يوم أُحُد: " زمِّلوهم في ثيابهم"

وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم أنه قال:

" الشهيد إذا كان في المعركة دُفِن في ثيابه ولم يُغَسَّل".

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة:

الشهداء أصناف كثيرة، ومن جملتهم شهيد المعركة، وهو الذي يموت في معركة القتال، وحكمه: أنه لا يُغَسَّل ولا يُصَلَّى عليه، ويُدْفَن في ثيابه التي قُتل وهي عليه، بعد نزع السلاح والجلود... ونحوها.

ملاحظة:

لعل مَن قال بنزع الحديد والجلود ( وهو الإمام أحمد والشافعي) استدلوا

بالحديث الذي أخرجه أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:

"أن رسول الله r أمر بقتلى أُحُد أن يُنْزعَ منهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم"  "لكن الحديث ضعيف"                             (ضعفه الألباني ـ رحمه الله ـ في الإرواء: 709)


وعليه فلا يجوز الدفن في المساجد.

وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت قال رسول الله r:

"لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

وفي رواية عند الإمام مسلم عن جندب t قال: سمعت رسول الله r قبل أن يموت بخمس يقول: وذكر الحديث وفيه:

"ألا وإنّ مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك"

قال الحافظ العراقي – رحمه الله –:

فلو بنى مسجداً يقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة، بل يحرم الدفن في المسجد، وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفة وقفه مسجداً.

وقال شيخ الإسلام – رحمه الله – كما في مجموع الفتاوى (1/107) (2/192):

إنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر، إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديداً، وإن كان المسجد بُنِيَ بعد القبر، فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر. أهـ

 

ولا يجوز كذلك الدفن في البيوت

وذلك للحديث الذي أخرجه الإمام مسلم:

"لا تجعلوا بيوتكم مقابر"

وإن كان الحديث معناه: اقرءوا القرآن في بيوتكم، ولا تجعلوها كالمقابر التي لا يُقْرأ فيها القرآن، إلا أن لفظ الحديث يشمل أيضاً هذا المعنى وهو عدم اتخاذها قبوراً، أي عدم الدفن فيها.

 


وكذلك ما يفعله بعض المسلمين من دفن موتاهم في أطراف حقولهم

وهذا خطأ بَيِّن، فالسُّنَّة الدفن في مقابر المسلمين؛ حتى لا يُحْرم الميت من الدعاء له مع موتى المسلمين.

 

ورد إلى دار الإفتاء المصرية سؤال رقم (3297)

بتاريخ 6 من جمادى الأولى 1405هـ  ـ 27من يناير 1985م وفيه:

س: ما الحكم الشرعي فيمن يدفنون موتاهم في ساحتهم الملاصقة لدورهم التي يسكنون فيها؟

فأجاب فضيلة الأستاذ الشيخ عبد اللطيف حمزة ـ رحمه الله ـ مفتي الديار المصرية قائلاً:

قال تعالى: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ{17} مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{18} مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ{19}

ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ{20} ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}  (عبس: 17 ـ 21)، ومن مفهوم هذه الآيات الكريمة يتبين

أن إقبار الإنسان: أي دفنه في القبر من تكريم الله له، ومن نِعَم الله عليه، وأقل القبر حفرة تواري الميت، وتمنع بعد ردمها ظهور رائحة منه تُؤذي الأحياء، ولا يتمكن من نبشها سبع... ونحوه، وأكمل القبر اللحد: وهو حفرة في جانب القبر جهة القبلة، يُوضع فيها الميت وينصب اللَّبِن عليه (اللَّبِن هو الطوب النيئ)، فاللحد أفضل من الشَّق إلا أن تكون الأرض رخوة لينة يخاف منها انهيار اللحد فيُصار إلى الشَّق وهو حفرة مستطيلة في وسط القبر، تبنى جوانبها باللَّبِن أو غيره، يوضع فيها الميت ويُسَقَّف عليه باللَّبِن والخشب أو غيرهما، ويرفع السَّقف قليلاً بحيث لا يمس الميت، أما إذا كانت الأرض صلبة فالدفن في الشق مكروه.

ويكره دفن الميت ولو صغيراً في المنزل؛ لأن هذا خاص بالأنبياء، والدفن في المقبرة المعدة للدفن أفضل؛ لأن النبي r كان يدفن الموتى بالبقيع، وهو مكان مخصص لدفن الموتى، وورد أن النبي r دفن أصحابه في المقبرة، فكان الاقتداء بفعله أَوْلى.

أما الدفن في المنزل أو الدار فهذا خاص بالأنبياء لقول أبي بكرt سمعت رسول الله r يقول: "ما قُبِض نبيٌّ إلا دُفِن حيث قُبِض"                                      (رواه ابن ماجة)

وعلى هذا نرى أن الأفضل والأوْلى دفن الأموات في المقابر المُعَدَّة لذلك، وفي المكان المخصص للمقابر اقتداءً بفعل النبي r. والله I أعلى وأعلم. أهـ باختصار


س: هل يجوز الدفن في مقبرة فوق الأرض؟

جـ: لا يجوز الدفن في الفساقي (وهي بيوت معقود بالبناء فوق الأرض يدفن فيها جماعة) ويدخلون الميت على الميت قبل أن يبلى، وهذا كله مخالف للسُّنَّة، فالأصل الدفن في باطن الأرض

لقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً{25} أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً} (المرسلات: 25، 26)

قال الطبري ـ رحمه الله ـ في تفسيره:

ألم نجعل الأرض تكفت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمَّهم فيها وتجمعهم، وأمواتكم في بطونها في القبور فيدفنون فيها. أهـ باختصار

ونقل ابن كثير في تفسير هذه الآية عن الشعبي ومجاهد وقتادة أنهم قالوا:

"بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم"

وجاء في كتاب حاشية رد المحتار (الجزء الثاني): ويكره الدفن في الفساقي.

وجاء في الحلية: وما يفعله جهلة الحفَّارين من نبش القبور التي لم تبلَ أصحابها، وإدخال الميت عليهم فهو من المنكر الظاهر، وهتك لحرمة الميت، وتفريق أجزائه، فالحذر من هذا. أهـ

 

س: من مات في سفينة أين يدفن؟

جـ: قال الإمام أحمد: ينتظر به إن كان يرجون أن يجدوا له موضعاً يدفنونه فيه حبسوه يوماً أو يومين، ما لم يخافوا عليه الفساد، فإن لم يجدوا غُسِّل وكُفِّن وحُنِّط ويُصلَّى عليه ويثقل بشيء ويلقى في الماء. أهـ (وهو أيضاً قول عطاء والحسن).

 

س: هل يجوز دفن الميت ونقله إلى بلد أخرى غير التي مات بها؟

جـ: أنه لا ينقل الميت إلى غير البلد التي مات فيها؛ لأن هذا ينافي الإسراع المأمور به في الحديث

وفيه: "أسرعوا بالجنازة".

ومما يدل على هذا أيضاً ما أخرجه البيهقي بسند صحيح عن عائشة– رضي الله عنها – قالت: "لما مات أخٌ لي بوادي الحبشة فحمل من مكانه، قالت: ما أجد في نفسي ـ أو يحزنني في نفسي ـ إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه".

قال الشيخ الألباني – رحمه الله – كما في أحكام الجنائز صـ 14:

ولا يفعلوا به ما ينافي الإسراع في دفنه، كأن ينقلوه من المكان الذي مات فيه إلى بلده؛ لأن ذلك ينافي الإسراع المطلوب، ثم هو منهي عنه، وقد قال الإمام أحمد – رحمه الله –: كرامة الميت تعجيله. أهـ بتصرف.

س: ماذا لو أوصى الميت أن يُنْقل ويُدْفن بعد موته في بلد أخرى؟

جـ: وقد سئل الشيخ ابن باز – رحمه الله – هذا السؤال كما جاء في كتابه أحكام الجنائز:

إذا أوصى الرجل بنقله إلى بلد ليدفن فيه هل تنفذ وصيته؟

فأجاب الشيخ ـ رحمه الله ـ:

تنفيذ الوصية هنا ليس بلازم، فإذا مات في بلد مسلم فليدفن فيه. والحمد لله. أهـ

وقال النووي ـ رحمه الله ـ في الأذكار:

وإذا أوصى بأن يُنْقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته، فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون وصرح به المحققون. أهـ

 

س: هل يجوز تأخير الدفن؟

جـ: يكره تأخير دفن الميت.

وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أن النبي r قال: "أسرعوا بالجنازة، فإن تكُ صالحةً فخير تقدمونها إليه، وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم".

لكن يجوز التأخير لغرض صحيح يعود على الميت بالنفع، كالدفن في بقعة مباركة، أو انتظار من يُرْجى قبول دعوته، أو عدم تحقق الموت ... أو نحو ذلك.

جاء في الموسوعة الفقهية:

أن الحنفية والمالكية والحنابلة ذهبوا إلى كراهة تأخير دفن الميت، ويُسْتثنى من ذلك من مات فجأة

أو بهدم أو غرق، فيجب التأخير حتى يتحقق الموت.

وقال الشافعية:

يحرم تأخير الدفن، وقيل: يكره، واستثنوا تأخير الدفن إذا كان الميت بقرب مكة أو المدينة أو البيت المقدس، فيجوز التأخير هنا لدفنه في تلك الأمكنة.

قال الإسنوي:

والمعتبر في القرب مسافة لا يتغير فيها الميت قبل وصوله. أهـ


س: ما هي الأوقات المنهي عن الدفن فيها إلا لضرورة؟

جـ: لا يجوز الدفن في الأوقات الثلاثة التي يكره الصلاة والدفن فيها إلا لضرورة.

وقد ورد ذكر هذه الأوقات في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث عقبة بن عامر t قال:

" ثلاث ساعات كان رسول الله r ينهانا أن نُصلِّي فيهن، أو أن نُقْبِر فيهن موتانا:

حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب".

قال النووي – رحمه الله –:

قوله:"أو أن نُقْبِر فيهن موتانا" هو بضم الموحدة وكسرها لغتان.

وقوله: "تضيف للغروب" هو بفتح التاء والضاد المعجمة، وتشديد الياء: أي تميل.

وقوله: "حين يقوم قائم الظهيرة" الظهيرة: حال استواء الشمس، ومعناه: حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق، ولا في المغرب.

قال النووي – رحمه الله –  في شرح مسلم:

إن الكراهة تلحق بمن تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات، كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر، فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره.

قال الألباني – رحمه الله – في أحكام الجنائز:

هذا تأويل لا دليل عليه، والحديث مطلق يشمل المتعمد وغيره، فالحق عدم جواز الدفن ولو لغير المتعمد، فمن أدركته فيها فليتريث حتى يخرج وقت الكراهة. (إلا إذا كان الميت سيتغير).

 


س: هل يجوز الدفن بالليل؟

جـ: اختلف أهل العلم في هذه المسألة:

ـ فذهب الحسن البصري: إلى كراهية ذلك إلا لضرورة.

ومما يستدل له به الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث جابر t:

"أن النبي r ذكر رجلاً من أصحابه قُبِض فكُفِّن في كَفَن غير طائل وقُبِر ليلاً، فزجر النبي r أن يُقْبَرَ الرجلُ بالليل حتى يُصلّى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك".

وذلك لأن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت، فنهى عن الدفن ليلاً حتى يُصلَّى عليه نهاراً، لأن الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه.

فعلى هذا يكره الدفن بالليل إلا لضرورة، كالخوف من تغير الميت بسبب الحر، أو كحالات الجروح التي لا تصبر، أو مَن قدِم به من سفر... ونحو ذلك.

قال الإمام النووي – رحمه الله –  في شرح الحديث الذي أخرجه مسلم فيه:

"أن النبي r زجر أن يُقْبَرَ الرجلُ بالليل حتى يُصلّى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك".

في هذا الحديث دليل على أنه لا بأس بالدفن في وقت الضرورة. أهـ بتصرف

 

ـ وذهب جمهور أهل العلم: كعقبة بن عامر، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والثوري

والشافعي، وأحمد، وإسحاق: علي جواز الدفن ليلاً بلا كراهة، ودليل ذلك :-

1ـ ما أخرجه أبو داود عن جابر t قال:

"رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها؟ فإذا رسول الله r في القبر وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم فإذا الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر".

2ـ وأخرج الترمذي وابن ماجة من حديث ابن عباس-رضي الله عنهما- قال:

"إن رسول الله r أدخل رجلاً قبره ليلاً، وأسرج في قبره".

قال الشوكاني - رحمه الله – كما في نيل الأوطار (4/138):

فإذا لم يقع تقصير في الصلاة على الميت وتكفينه فلا بأس بالدفن ليلاً. أهـ

3ـ واستدل الجمهور كذلك بحديث المرأة السوداء أو الرجل الذي كان يَقُمّ المسجد، فتوفي بالليل فدفنوه ليلاً، وسألهم النبي r عنه فقالوا:

"تُوفِّي ليلاً فدفناه في الليل، فقال: ألا آذنتموني؟ قالوا: كانت ظلمة" ولم ينكر عليهم r

وأجاب جمهور أهل العلم على أدلة الفريق الأول حيث قالوا:

إن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما نهى لترك الصلاة، أو لقلة المصلين، أو عن إساءة الكفن، أو عن المجموع.

ويدل على ذلك أيضاً ما ذكره البخاري في باب الدفن بالليل، ودفن أبو بكر t ليلاً

ثم ساق بسنده عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:

"صلى النبي r على رجل بعد ما دفن بليلة قام هو وأصحابه وكان سأل عنه فقال: من هذا؟ فقالوا: فلان دفن البارحة فصلوا عليه.

قال الحافظ في الفتح (3/167):

في هذا الحديث أشار بهذه الترجمة إلى الرد على منع ذلك، محتجاً بحديث جابر:

"أن النبي r زجر أن يُقْبَرَ الرجلُ ليلاً، إلا أن يُضطر إنسان إلى ذلك".

(أخرجه ابن حبان)

لكن بيَّن مسلم في روايته السبب في ذلك ولفظه:

"أن النبي r خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قُبِض وكُفِّن في كَفَن غير طائل وقبر ليلاً، فزجر أن يُقْبَرَ الرجل بالليل حتى يُصلّى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال: إذا ولي أحدكم أخاه فليُحْسن كفنه".

فدل على أن النهي  بسبب تحسين الكفن

وقوله: "حتى يُصلّى عليه" ـ أي النبي r ـ

فهذا سبب آخر يقتضى أنه إن رجي بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه، استحب تأخيره وإلا فلا.

وبه جزم الطحاوي، واستدل المصنف للجواز بما ذكره من حديث ابن عباس، ولم يُنْكر النبي r دفنهم إياه بالليل، بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره.

وأيد ذلك بما صنع الصحابة بأبي بكر t: وكان ذلك كالإجماع منهم على الجواز... أهـ


فقد دفن أبو بكر الصديق t ليلاً من غير إنكار من الصحابة.

ففي الحديث الذي أخرجه البيهقي من حديث عليٍّ بن رباح قال:

قلت لعقبة (أي عقبة بن عامر) أيدفن بالليل؟ قال: نعم. قد دفن أبو بكر بالليل.

وأخرج البخاري من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:

"دخلت على أبي بكر t فقال: في كم كفنتم النبي r؟ قلت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله r

قالت: يوم الاثنين، قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل فنظر إلى ثوب عليه كان يُمَرَّض فيه به درع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما، قالت عائشة: إن هذا خَلق، قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة(1) فلم يتوفى حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح".

(1) ـ المهلة: قال الحافظ في الفتح (3/254) قوله: " للمهلة"، قال عياض: وروى بضم الميم، وفتحها، وكسرها، وقال ابن حبيب: هو بالكسر: الصديد، وبالفتح: التمهل، وبالضم: عكر الزيت،

والمراد هنا الصديد.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في نفس المصدر:

وفي الحديث جواز التكفين في الثياب المغسولة، وإيثار الحي بالجديد، والدفن بالليل.

قال ابن المنذر في الأوسط (5/461):

الدفن بالليل مباح لأن سكينة – رضي الله عنها – توفيت على عهد رسول الله r فدفنت ليلاً، ولم ينكر ذلك عليهم لما علم به، لأنهم أعلموه بذلك بعد دفنها فأتى قبرها فصلى عليها، وقد دفن أبو بكر وعائشة وفاطمة وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود ليلاً، ولو كان مكروهاً ما فعلوه (أي الصحابة)

والذين تولوا ذلك أصحاب رسول الله r.


س: من أحق بالدفن؟

بداية ينبغي أن نعلم أن الذي يتولى إنزال الميت الرجال دون النساء ولو كان الميت أنثى.

وذلك لأمور منها:-

أولاً: أنه المعهود في عهد النبي r، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم.

ثانياً: أن الرجال أقوى على ذلك.

ثالثاً: لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شيء من أبدانهن أمام الأجانب وهو غير جائز، هذا بخلاف أن النساء منعن من الذهاب مع المشيعين لدفن الميت.

وأحق من يتولى دفنه:

1 – وصيه إن أوصى بذلك. فإن لم يوصي.

2 – أولياؤه وأقاربه إن كانوا يحسنون الدفن

وذلك لقوله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ}      (الأنفال: 75)

ـ وأولوا الأرحام هم: الأب وآباؤه، والابن وأبناؤه، ثم الإخوة الأشقاء، ثم الذين للأب، ثم بنوهم، ثم الأعمام للأب والأم، ثم للأب ثم بنوهم، ثم كل ذي رحم محرمة.

وذلك للحديث الذي الحاكم من حديث علي بن أبى طالب t قال:

"غسَّلتُ رسول الله r، فذهبتُ أنظرُ ما يكون من الميتِ فلم أرى شيئاً، وكان طيباً حياً وميتاً، وولى دفنه وإجنَانَه دون الناس أربعة: علي والعباس والفضل وصالح (مولى رسول الله r) ولحد رسول الله لحداً ونصب عليه اللَّبِنَة نصباً".

ـ صالح: لَقَبُهُ شُقران

وفي رواية عند أبي داود:

"أنهم (يعني علياً والفضل وأخاه) أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف، فلما فرغ عليٌّ قال: إنما يلي الرجل أهله".

فإن لم يكن ثم أقارب أو كانوا لا يحسنون جاز أن يتولى ذلك غيرهم ممن يحسن الدفن


س: من يُدْخِل المرأة قبرها؟

(1) مـحــارِمْـهـا:

لعموم قوله تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ }      (الأنفال: 75)

وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبزي قال:

"إن عمر بن الخطاب t كَبَّر على زينب بنت جحش أربعاً، ثم أرسل إلى أزواج النبي r مَن يدخل هذه قبرها؟ فقلن: من كان يدخل عليها في حياتها".

قال ابن قدامة – رحمه الله – كما في المغني (3/432):

لا خلاف بين أهل العلم أن أولى الناس بإدخال المرأة قبرها محرمها، وهو من كان يحل له النظر إليها في حياتها.

(2) زوجــهــا:

وهو أحق من الغريب، والنبي r قال لعائشة – رضي الله عنها –:

"وددت أن ذلك كان وأنا حي، فهيأتك ودفنتك...".

والحديث عند الإمام أحمد من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:

"دخل عليّ رسول الله r في اليوم الذي بُدئ فيه، فقلت: وارأساه، فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيَّأتُك ودفنتُك، فقلت: غيري، كأني بك في ذلك اليوم عروساً ببعض نسائك. قال: وأنا وارأساه ! أدْعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً، فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمنٍّ أنا أوْلى ويأبى الله U والمؤمنون إلا أبا بكر".

وقد ذهب إلى جواز دفن الرجل لزوجته الشافعية، بل قالوا: إنه أحق بذلك من أوليائها.

وعكس ذلك ابن حزم فجعله بعدهم في الأحقية، ولعله الأقرب لعموم الآية.

(3) فإن لم يكن ثم محارم أو زوج:

جاز لأي من المسلمين تولي الدفن، قد قام أبو طلحة t بدفن أم كلثوم ـ ابنة النبي r  ـ وهو ليس من محارمها.


س: هل يُسْتَر قبر المرأة بثوب عن أعين الناظرين حتى تُدْفن؟

جـ: ورد في هذا حديث ولكنه ضعيف، لكن قال ابن قدامة – رحمه الله – في المغني (2/501):

المرأة يخمر قبرها بثوب، ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في استحباب هذا.

ثم أورد ابن قدامة آثاراً بهذا عن عمر وأنس، ثم قال:

لأن المرأة عورة، ولا يُؤْمن أن يبدو منها شيء فيراه الحاضرون. أهـ

 

س: ما هو الشرط الذي يُشترط فيمن يدفن الميت؟

جـ: يشترط فيمن يدفن الميت ألا يكون قد جامع أهله في تلك الليلة، حتى إنه يُقدَّم الرجل الغريب الأجنبي في الدفن على المحرم والزوج إذا كان جامع أهله تلك الليلة.

فقد أخرج البخاري من حديث أنس بن مالك t قال:

"شهدنا ابنة لرسول الله r، ورسول الله r جالسٌ على القبر، فرأيت عينيه تدمعان

ثم قال: هل منكم من رجل لم يقارف اللية أهله؟

ـ وفي رواية: هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: نعم. أنا يا رسول الله، قال: فلْتَنْزِل، قال: فنزل في قبرها فقَبَرَهَا".

ـ يُقارِف: يُجامِع (كما في النهاية).

وفي رواية له عند الإمام أحمد:

"أن رقية ـ رضي الله عنها ـ لما ماتت، قال رسول الله r: لا يدخلُ القبرَ رجلٌ قارف الليلة أهله. فلم يدخل عثمان بن عفان t القبر"

ورجح البعض أنها كانت أم كلثوم ولم تكن رقية؛ لأن رقية ماتت يوم بدر، والنبي لم يشهدها، وأما أم كلثوم فماتت في السنة التاسعة من الهجرة.

وفي قول النبي r: "هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟"

قال ابن المبارك: قال فليح:

أراه يعني الذنب.

قال ابن حزم – رحمه الله – في المحلى رداً على هذا:

ـ المقارفة: الوطء، لا مقارفة الذنب، ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة رسول الله r أنه لم يقارف ذنباً.

وقال الحافظ في الفتح (3/364):

وفي الحديث جواز البكاء وإدخال الرجال المرأة قبرها، لكونهم أقوى على ذلك من النساء، وإيثار بعيد العهد عن ملاذ الدنيا من مواراة الميت ولو كان امرأة على الأب والزوج. أهـ

وقال النووي – رحمه الله – كما في المجموع:

هذا الحديث من الأحاديث التي يحتج بها في كون الرجال هم الذين يتولون الدفن، وإن كان الميت امرأة. قال: ومعلوم أن أبا طلحة t أجنبي عن بنات النبي r، ولكنه كان من صالحي الحاضرين، ولم يكن هناك رجل مَحْرَم إلا النبي r، فلعله كان له عذر في نزول قبرها وكذا زوجها، ومعلوم أن أختها فاطمة وغيرها من محارمها وغيرهن كانت هناك، فدل على أنه لا مدخل للنساء في إدخال القبر والدفن.

ملحوظة:

قول الإمام النووي– رحمه الله –:

إن فاطمة وغيرها كانت موجودة عند الدفن يحتاج إلى دليل؛ لأن الأصل عدم ذهاب النساء للقبر عند الدفن أو التشييع.

 

س: هل هناك عدد معين ينزل القبر دون زيادة أو نقصان؟

الواضح أنه ليس هناك دليل على ذكر عدد معين، ولكن يستحب أن يكون العدد الذي ينزل القبر وتراً.

قال الشافعي في الأم (1/245):

ولا عدد فيمن يدخل القبر، فإن كانوا وتراً أحب إلي، وإن كانوا ممن يضبطون الميت بلا مشقة أحب إلي. أهـ

وقال المزني في ملخصه على هامش الأم (1/184):

قال الشافعي: وأحب أن يكونوا وتراً ثلاثة أو خمسة. أهـ

وقال ابن قدامة في المغني (2/503):

ولا توقيف في عدد من يدخل القبر نص عليه أحمد.

فعلى هذا يكون عددهم على حسب حال الميت وحاجته وما هو أسهل في أمره، قال القاضي:

يستحب أن يكون وتراً؛ لأن النبي r ألحده ثلاثة، ولعل هذا كان اتفاقاً، أو لحاجتهم إليه. أهـ

 


س: مــا هـي صـفـة دفـن المـيــت؟

1 –  السُّنَّة إدخال الميت من مؤخر القبر (أي من جهة المكان الذي سيوضع فيه رِجل الميت):

فقد أخرج الإمام أحمد عن محمد ابن سيرين قال:

"كنت مع أنس في جنازة، فأمر بالميت فسُلَّ من قبل رجلي القبر".

ومعنى هذا أن يوضع رأسه في الموضع الذي تكون فيه رجلاه إذا دفن، ثم سل سلاً رفيقاً، وإن لم يكن إدخاله القبر بهذه الصورة متيسرة لهم أدخلوه حيث شاءوا، إذ المقصود الرفق بالميت، وما تقدم هو الأفضل لأنه السنة، وهو مروي عن ابن عمر، وأنس، وعبد الله بن يزيد الأنصاري، والنخعي، والشعبي، والشافعي.

وأخرج أبو داود والبيهقي بسند صحيح عن أبي إسحاق – رحمه الله – قال:

"أوصي الحارث أن يُصلِّي عليه عبد الله بن يزيد [الخطمي] فصلَّى عليه، ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر، وقال: هذا من السنة".

قال البيهقي – رحمه الله -:

هذا إسناد صحيح، وقد قال من السُّنَّة فصار كالمسند.

وقال النووي – رحمه الله – في المجموع (5/291):

ويستحب أن يضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل سلاً.

 

2 – ويقول الذي يدفنه:

"بسم الله وعلى ملة رسول الله" أو "على سنة رسول الله"

أو يقول: "بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله"

فقد أخرج أبو داود وغيره من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما –:

"أن النبي r كان إذا وضع الميت في القبر قال: ـ وفي لفظ أن النبي r قال:

إذا وضعتم موتاكم في القبور، فقولوا: بسم الله وعلى سنة رسول الله"

ـ وفي رواية: "بسم الله وعلى ملة رسول الله".

وعند الحاكم من حديث البياضي t أن رسول الله r قال:

"الميت إذا وضع في قبره فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله".

قال النووي – رحمه الله – (5/291):

ويستحب أن يقول عند إنزال الميت: "باسم الله وعلى سنة رسول الله r". أهـ

3 – ويستحب أن يجعل الميت في قبره على جنبه الأيمن، ووجهه قبالة القبلة

ورأسه عن يمين القبلة، ورجلاه عن يسار القبلة.

قال ابن حزم – رحمه الله – كما في المحلى (5/255):

وعلى هذا جرى عمل أهل الإسلام من عهد رسول الله r إلى يومنا هذا، وهكذا كل مقبرة على ظهر الأرض.

وقال في موضع آخر من المحلى (5/256):

وتوجيه الميت إلى القبلة حسن، فإن لم يوجه فلا حرج، قال تعالى:

{ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ } (البقرة: 115)

لكن كلام الأول موافق لما كان عليه السلف، فهذه هي السنة.

قال الشوكاني – رحمه الله – في الدراري:

وأما كونه يوضع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فلا أعلم فيه خلافاً.

قال النووي – رحمه الله – في المجموع (5/293):

ويجب وضع الميت في القبر مستقبل القبلة، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور. أهـ

ويدل على ذلك ما أخرجه أبو داود (2875) والنسائي عن عبيد بن عمير عن أبيه:

أنه حدَّثَهُ وكانت له صحبة:

"أن رجلاً سأل النبي r فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟" فذكر النبي له الكبائر حتى قال: واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً".                      (حسنه الألباني في الإرواء: 690)

قال النووي – رحمه الله –  (5/293):

ويوسد بلبنة أو حجر كالحي إذا نام، ويجعل شيئاً يسنده من اللَّبِن أو غيره حتى لا يستلقى على قفاه، ويكره أن يجعل تحته مضروبة أو مخدة أو في تابوت. أهـ

ويشهد لكلام النووي – رحمه الله – ما أخرجه البخاري في التاريخ وأبو يعلى بسند صحيح عن يزيد بن الأصم:

"أن ميمونة زوج النبي r لما ماتت، أخذ رداءه فوضعه تحت خدها، فأخذه ابن عباس فرمى به".


4 – ثم تُحَل عقد الكفن:

كما قال البيهقي في السنن الصغرى (1/349):

وإذا عقد الكفن خوف الانتشار حله إذا وضعه في القبر. أهـ

ويبقى الوجه على حاله لا يكشف، إلا أن يكون مُحْرِماً، فإنه لا يغطى رأسه أصلاً.

وأما ما يفعله بعض الذين يقومون على الدفن من كشف الوجه وتجليل الثوب مما لا دليل عليه، وهو مما توارثوه جهلاً بعضهم عن بعض بلا أثارة من علم.

وفي صحيح البخاري باب: "إذا لم يجد كفناً إلا ما يواري رأسه أو قدميه غُطّى رأسه وساقه" بسنده عن خباب t قال:

"هاجرنا مع النبي r نلتمس وجه الله فوقع أجرنا على الله، فمنَّا من مات لم يأكل من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها، قتل يوم أُحُد فلم نجد ما نُكَفِّنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النبي r أن نغطي رأسه، وأن نجعلَ على رجليه من الإذخر".

(أخرجه مسلم:940)

أما بالنسبة للمحرم

فقد جاء في صحيحه عن ابن عباس – رضي الله عنهما –:

"أن رجلاً وقصته الدابة، فقال النبي r: كفِّنُوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه".

ولما كان معروف ومتداول بين الناس أنهم يغطون جميع بدن الميت نبههم في هذا الحديث إلى عدم تغطية الرأس، وهذا دليل على أن تغطية جميع البدن هو المعروف.

تنبيهان:

1 – جاء في بعض روايات مسلم: "ولا تخمروا وجهه" بدلاً من "ولا تخمروا رأسه"

وفيه مقال: قال الحافظ في الفتح (4/67):

وأما الجمهور: فأخذوا بظاهر الحديث، وقالوا: إن في ثبوت ذكر الوجه مقالاً، وتردد ابن المنذر في صحته، وقال البيهقي: ذكر الوجه غريب، وهو وهْمٌ من بعض الرواة. أهـ


2– جاءت بعض الآثار والتي تفيد جواز كشف الوجه، ولكنها لا تخلو من مقال ومنها:-

أ ـ ما أخرجه ابن حجر في المطالب العالية (1/775) وفيه:

"أن عمر أوصى أن يضعوا خدَّه إلى الأرض عند وضعه في قبره".

وهذا الأثر فيه مجالد بن سعيد عن الشعبي، ومجالد ضعيف ولم يسمع من الشعبي.

ب – ما أخرجه ابن أبي شيبة (3/208):

"عن الضحاك أنه أوصي أن تُحل عنه العقد، ويبرز وجهه من الكفن".

وهو من طريق جويبر بن سعيد البلخي، وهو ضعيف، بل قال فيه النسائي والدار قطني: متروك.

وخلاصة الأمر:

أن كشف الوجه لم يكن يفعل في عهد النبي r وإلا لنقل كما نقل غيره من الأشياء التي هي أقل منه شأناً وفائدة.

ـ وجاء في كتاب فوائد مهمة لكافة الأمة لابن باز – رحمه الله -:

أنه لا يجوز كشف وجه الميت.

ـ وكذلك جاء ما يفيد ذلك في فتاوى اللجنة الدائمة (8/419) رقم (5637)

ـ وقال ابن عثيمين – رحمه الله – كما في الشرح الممتع (5/456):

فلا يسن أن يكشف من وجه الميت، بل يدفن ملفوفاً بأكفانه، وهذا رأي كثير من العلماء.

 

وجاء في السؤال الثالث من الفتوى رقم (5637) من فتاوى اللجنة الدائمة:

س: إذا أدخل الميت في قبره سواء رجل أو امرأة، فهل يكشف عن وجهه في القبر أم لا؟

وإذا كان فيه دليل على كشف الوجه أو تغطيته نرجو كتابته.

جـ: لا نعلم دليلاً يدل على كشف وجه الميت في القبر، بل ظاهر الأدلة الشرعية يدل على أنه لا يكشف، ذكراً كان أو أنثى؛ لأن الأصل تغطية الوجه كسائر بدنه، إلا أن يكون الرجل مُحْرِماً فلا يغطى رأسه ولا وجهه.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 


5 – ثم يوضع اللَّبِن خلف الميت إن كان لحداً....

ويسد الفراغات التي بينه بالطين حتى لا ينهال عليه التراب

وقد جاء في صحيح مسلم أن سعد بن أبي وقاص  tقال في مرضه الذي هلك فيه:

"ألحدوا لي لحداً، وأنصبوا علي اللَّبِن نصباً كما صنع برسول الله r"

ـ واللَّبِنُ: هو ما يضرب من الطين ضرباً للبناء – وإن كان شقاً عُرِّش فوقه بما يمنع سقوط التراب عليه، ثم يهال التراب لردم الحفرة.

ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعاً.

وذلك للحديث الذي أخرجه ابن ماجة من حديث أبي هريرة t قال:

"إن رسول الله r صلَّى على جنازة، ثم أتى الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً".

(الحديث ضعفه أبو حاتم في العلل:1/169، وصححه الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجة :1565 والإرواء: 751)

وهناك حديث آخر أخرجه الدارقطني بسند فيه مقال عن عامر بن ربيعة t:

"أن النبي r صلَّى على عثمان بن مظعون، وأتى القبر فحثى عليه ثلاث حثيات وهو قائم"

قال الحافظ في التلخيص (1/131): وفيه ابن المنذر وهو مجهول. أهـ

وهناك بعض الآثار عن الصحابة ولكنها لا تسلم من مقال، ولكن بمجموعها قد حسنها بعض أهل العلم منها:-

ـ ما روي عن عليٍّ t: "أنه حثى على قبر ابن مكفف"

وروي عنه أنه قال: "إن فعل فحسن، وإن لم يفعل فلا بأس".

 

ـ وروي كذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:

"أنه لما دفن زيد بن ثابت t حثى في قبره ثلاثاً، وقال: هكذا يذهب العلم".


ملحوظة:

أما استحباب بعض المتأخرين من الفقهاء أن يقول في الحثية الأولى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ }

وفي الثانية: {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } ، وفي الثالثة: { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } (طه:55)

فلا أصل له في شيء من الأحاديث فكل ما ورد فيها لا يصح.

كهذا الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة، والحديث عند الحاكم كذلك والبيهقي وفيه: "أن النبي r لما وضع أم كلثوم ابنته في القبر، قال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى }(طه:55)"

وهو حديث فيه عبيد الله، وهو صدوق يخطئ ، وعلي بن يزيد ضعيف.

 

6ـ إذا انتهى من الدفن أهال التراب في القبر، ورفعه بقدر شبر؛ ليُعلم أنه قبر:

وله أن يرشّ على التراب ماء؛ ليثبت ولا يتطاير بالرياح.

جاء في كتاب المغني:

فصل: "وإذا فرغ من اللحد أهال عليه التراب، ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر؛ ليُعلم أنه قبر؛ فيُتوقَّى ويُتَرحَّم على صاحبه، ويستحب أن يرشّ على القبر ماء ليلتزق ترابه

وفيه حديث ضعيف جداً رواه ابن ماجة عن أبي رافع قال:

"سلَّ رسول الله r سعداً ورشَّ على قبره ماءً" وإن كان الحديث ضعيف، إلا أن المصلحة تقتضي ذلك؛ حتى يثبت التراب، ويظل القبر على هيئته مسنَّماً فيُصان ولا يُهان.

تنبيه:

هناك حديث ضعيف أخرجه ابن سعد في الطبقات عن الحسن قال: قال رسول الله r:

"افترشوا لي قطيفتي في لحدي، فإن الأرض لم تُسلط على أجساد الأنبياء".

قال الألباني ـ رحمه الله ـ: إسناده صحيح، لكنه مرسل، فإن الحسن هو البصري، والشطر الثاني من الحديث صحيح له شاهد، بل شواهد.


مـســائـل:

1ـ ما حكم وضع القطيفة في القبر؟

ذهب بعض أهل العلم إلى استحباب ذلك.

فقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ في المحلى:

لا بأس أن يبسط في القبر تحت الميت ثوب.

واستدل بالحديث الذي أخرجه مسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – حيث قال: "بسط في قبر رسول الله r قطيفة حمراء"

وقال البغوي ـ رحمه الله ـ في كتابه التهذيب:

لا بأس بذلك لهذا الحديث.

بينما ذهب جمهور العلماء: إلى كراهية ذلك.

قال النووي ـ رحمه الله ـ في حديث ابن عباس السابق: في شأن وضع شقران القطيفة تحت النبي r قال: "هذه القطيفة ألقاها شقران مولى رسول الله r وقال: كرهت أن يلبسها أحدٌ بعد النبي r".

وقد نص الشافعي وجميع أصحابنا وغيرهم من العلماء على كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة... ونحو ذلك تحت الميت في القبر، وشذ عنهم البغوي من أصحابنا فقال في كتابه التهذيب:

لا بأس بذلك لهذا الحديث.

والصواب كراهته كما قال الجمهور، وأجابوا عن هذا الحديث بأن شقران انفرد بفعل ذلك لم يوافقه غيره من الصحابة، ولا علموا ذلك وإنما فعله شقران لما ذكرناه عنه من كراهته أن يلبسها أحد بعد النبي r؛ لأن النبي r كان يلبسها ويفترشها، فلم تطب نفس شقران أن يستبدلها أحد بعد النبي r وخالفه غيره.

فقد روى البيهقي عن ابن عباس – رضي الله عنهما –:

"أنه كره أن يجعل تحت الميت ثوب في قبره". والله أعلم.أهـ

ومما يؤيد ذلك أيضاً ما أخرجه أبو يعلى (6/322) بسند صحيح:

"أن يزيد بن الأصم لما ماتت ميمونة زوج النبي r أخذ رداءه فوضعه تحتها، فأخذه ابن عباس فرمى به".


2ـ ما حكم وضع الحناء في القبر؟

جـ: هذا الأمر ليس له أصل في الشرع.

وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم (6433):

س: هل وضع الحناء مع الميت في القبر، هل ذلك من الإسلام؟ وإذا كان من الإسلام فما فائدتها؟

جـ: الذي دلت عليه السُّنَّة أن الميت يُغسَّل بماء وسدر، ويوضع في كفنه حنوط ـ وهو نوع من الطيب ـ أما وضع الحناء مع الميت في القبر فلا نعلم له أصلاً في الشرع المطهر، بل الواجب تركه.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 

3ـ ما حكم الأذان عند دفن الميت؟

جـ: هذا الأمر بدعي لم يكن معروفاً في عهد النبي r، ولا في عهد أفضل القرون من بعده، ولو كان خيراً لسبقونا إليه

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ كما في الدرر السنية (5/142):

الأذان عند القبر بدعة منكرة، وما أنزل الله بها من سلطان، ولا فعله أحد ممن يُقتدى به.

 

وقد وجه إلى اللجنة الدائمة هذا السؤال:

س: يوجد عندنا في بلاد بنجلاديش الأذان بعد دفن الميت عند القبر، وبذلك اختلف العلماء وتنازعوا بينهم فمنهم من يجيزه، ومنهم من يمنعه، فهل هذا يجوز؟

جـ: لا يجوز الأذان ولا الإقامة عند القبر بعد دفن الميت، ولا في القبر قبل دفنه؛ لأن ذلك بدعة محدثة، وقد ثبت عن رسول الله r أنه قال:

" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد"

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)


4ـ ما حكم تلقين الميت بعد الدفن؟

جـ: هذا التلقين بدعي حيث يجلس أحدهم على شفير القبر ويقول: "يا فلان إذا جاءك الملكان يسألانك: من ربك؟ فقل: ربي الله ...إلى آخر هذا التلقين، الذي ما أنزل الله به من سلطان،

والخبر الذي ورد فيه لا يصح.

وهو حديث أخرجه سعيد بن منصور عن ضمرة بن حبيب (أحد التابعين) قال:

"كانوا يستحبون إذا سوي على الميت قبره وانصرفوا عنه، أن يقال عند قبره:

يا فلان... يا فلان، قل: لا إله إلا الله ثلاث مرات، يا فلان... قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيِّ محمد r "

والحديث أخرجه كذلك الطبراني عن أبي أمامة مطولاً، وفيه:

" إذا مات الرجل منكم فدفنتموه، فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: "يا فلان بن فلانة !"

فإنه سيسمع. فليقل: "يا فلان بن فلانة" فإنه سيستوي قاعداً، فليقل: "يا فلان بن فلانة" سيقول: أرشدني أرشدني رحمك الله، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَن في القبور، فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه، ويقول له: ما نصنع عند رجل قد لقن حجته؟ فيكون الله حجيجهما دونه"

قال الألباني ـ رحمه الله ـ: إسناده ضعيف جداً.

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في المنار المنيف:

إن حديث التلقين هذا حديث لا يشكُّ أهل المعرفة بالحديث في وضعه.

وأنه أخرجه سعيد بن منصور في سننه عن ضمرة بن حبيب عن أشياخ له من أهل حمص.

فالمسألة حمصية. أهـ

وقال ابن القيم أيضاً في زاد المعاد(1/523 ـ 527):

ولم يكن من هديه r أن يجلس يقرأ على القبر، ولا يُلقِّن الميت كما يفعله الناس اليوم، أما الحديث الذي رواه الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة فهو حديث لا يصح رفعه.

قال الصنعاني ـ رحمه الله ـ في سبل السلام (1/428) قال الهيثمي:

"وفي إسناده جماعة لم أعرفهم، ثم قال الصنعاني: ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف، والعمل به بدعة، ولا يغتر بكثرة من يفعله.

وقد ورد هذا السؤال لفضيلة الشيخ الفوزان ـ حفظه الله ـ وفيه:

من العادات المعروفة والمشهورة عندنا تلقين الميت بعد وضعه في قبره، وبعد أن يوارى عليه التراب ونرى أن معظم العلماء على هذا، وبعضهم لا يلقي له بالاً ـ  أَعْنِي: علماء بلدنا، ويستشهدون على ذلك بأنه قد ثبت عن الرسول r حينما توفي ابنه إبراهيم:

"أنه وقف r عند قبره ولقَّنَهُ، فقال أحد الصحابة: يا رسول الله أنت خير الخلق وبعد وفاتك من يلقننا؟ فقال لهم: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } (إبراهيم:27)"

 

والسؤال: ما مدى صحة هذا الخبر عن النبي  المصطفى   rوإذا كان التلقين مشروعاً ما هي صيغته وكيفيته؟ ونرجو أن تقرنوا الإجابة بالأدلة المقنعة ما أمكن ذلك وجزاكم الله خيراً

جـ: التلقين المشروع هو تلقين المحتضر عند خروج روحه بأن يلقن "لا إله إلا الله"  لقوله r:

"لقنوا موتاكم لا إله إلا الله"  (رواه مسلم) يعني عند الاحتضار؛ لتكون هذه الكلمة العظيمة آخر كلامه من الدنيا حتى يلقى الله تعالى بها ويختم له بها، فيلقن هذه الكلمة وهو في الاحتضار برفق ولين، وإذا تلفظ بها فإنها لا تعاد عليه مرة أخرى إلا إذا تكلم بكلام آخر فإنها تعاد عليه برفق ولين ليتلفظ بها, وتكون آخر كلامه، هذا هو التلقين المشروع.

أما بعد خروج الروح: فإن الميت لا يلقن لا قبل الدفن ولا بعد الدفن، ولم يرد بذلك سنة صحيحة عن النبي r فيما نعلم, وإنما استحب تلقين الميت بعد دفنه جماعة من العلماء, وليس لهم دليل ثابت عن النبي  r، لأن الحديث الوارد في ذلك مطعون في سنده, فعلى هذا يكون التلقين بعد الدفن لا أصل له في سنة الرسول r، وإنما قال به بعض العلماء اعتماداً على حديث غير ثابت.

فالتلقين بعد الدفن لا أصل له في السنة, وإنما التلقين المشروع هو عند الاحتضار؛ لأنه هو الذي ينفع المحتضر ويعقله المحتضر لأنه ما زال على قيد الحياة، ويستطيع النطق بهذه الكلمة وهو لا يزال في دار العمل, أما بعد الموت فقد انتهى العمل.

(فتاوى الشيخ الفوزان الجزء الثاني رقم 131)


وقد وجه سؤال إلى اللجنة الدائمة فتوى رقم 3159 وفيها:

س: أنا أعرف أن التلقين لا يجوز للميت بعد الموت, ولكن كثيراً من العلماء يجيزونه عندنا, واحتجوا بالمذهب الشافعي, وقد رجعت إلى" نيل الأوطار للشوكاني" حيث سكت عن ذلك, وقال: أجازه بعض الشافعية. ولا أدري ما الحل في ذلك؟

جـ: الصحيح من قولي العلماء في التلقين بعد الموت أنه غير مشروع, بل بدعة, وكل بدعة ضلالة , وما رواه الطبراني في" الكبير"عن سعيد ابن عبد الله الأودي, عن أبي أمامة t في تلقين الميت بعد دفنه ذكره الهيثمي في الجزء الثاني والثالث من "مجمع الزوائد" , وقال:

في إسناده جماعة لم أعرفهم. أهـ

وعلى هذا لا يحتج به على جواز تلقين الميت, فهو بدعة مردودة بقول رسول الله r:

"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

وليس مذهب إمام من الأئمة الأربعة ونحوهم كالشافعي حجة في إثبات حكم شرعي, بل الحجة في كتاب الله وما صح من سنة النبي r وفي إجماع الأمة, ولم يثبت في التلقين بعد الموت شيء من ذلك فكان مردوداً.

أما تلقين من حضرته الوفاة كلمة: "لا إله إلا الله" ليقولها وراء من لقنه إياها فمشروع, ليكون آخر قوله في حياته كلمة التوحيد, وقد فعل ذلك النبي r مع عمه أبي طالب, لكنه لم يستجب له, بل كان آخر ما قال: "هو على دين عبد المطلب"

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 

وجاء في فتاوى الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ:

س: ما حكم التلقين بعد الدفن؟

جـ: بدعة وليس له أصل, فلا يلقن بعد الموت، وقد ورد في ذلك أحاديث موضوعة ليس لها أصل, وإنما التلقين يكون قبل الموت.                                          (فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز)


وجاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ:

سئل الشيخ ـ رحمه الله ـ عن التلقين بعد الدفن.

جاء فيه حديث إلا أنه عند الحفاظ لا يصح, بل هو معدود عندهم في الموضوعات, وصفة التلقين المشار إليه أن يقف رجل من أهله فيقول: "يا فلان بن فلان أو" يا فلانة " اذكر ما خرجت عليه من شهادة لا إله إلا الله.... إلخ. إلا أنه لا يصح , فيكون ذلك بدعة.

(فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ)

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة فتوى قم 7408 وفيها:

س: يقول كثير من الناس: إن التلقين حرام (أي التلقين بعد الدفن)؛ لأن النبي r ما فعله، أهذا صحيح؟

جـ: نعم. تلقين الميت بعد الدفن بدعة؛ لأن الرسول r لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون, ولا بقية الصحابة - رضي الله عنهم -, والأحاديث الواردة في ذلك غير صحيحة, وإنما التلقين المشروع هو تلقين المحتضر قبل موته كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله ", لقول النبي r:

"لقنوا موتاكم لا إله إلا الله"                                     (أخرجه مسلم في صحيحه)

والمراد بالموتى هنا: المحتضرون, كما أوضح ذلك أهل العلم في شرح الحديث.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 

وفي سؤال وجه لفضيلة الشيخ الفوزان ـ حفظه الله ـ وفيه:

في مدينتنا عادة غريبة, وذلك أنهم إذا دفنوا الميت, وانتهوا من دفنه, وقف رجل على القبر , وقال: يا فلان ابن فلان !  إذا سُئلت: من ربك؟ فقل: ربي الله، وإذا سُئلت: ما دينك؟ فقل: ديني الإسلام، وإذا سُئلت: من نبيك؟ فقل: محمد،  فهل لهذه العادة أصل في دين الله من قريب أو بعيد؟ أفتونا مأجورين؟.

جـ: هذا ما سمي التلقين, ويُروى فيه حديث لم ثبت عن النبي r, فلا يجوز فعله, ويجب إنكاره لأنه بدعة.

والثابت عن النبي r: "أنه إذا فرغ من دفن الميت, وقف على قبره وهو وأصحابه, وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل"              (أبو داود والحاكم والبيهقي)

وذلك بأن يقال: "اللهم اغفر له", و"اللهم ثبته".

ولا يُنادى الميت ويلقنُ كما يفعل هؤلاء الجُهَّال. والله أعلم.

(فتاوى الشيخ الفوزان الجزء الأول رقم 110)

_ بـعـض المـسـائل المـتـعـلـقـة بالـدفـن _

1 – يستحب الدفن في الأماكن الفاضلة كالأراضي المقدسة:

قال الإمام البخاري – رحمه الله تعالى – باب "مَن أحب الدفن في الأراضي المقدسة أونحوها" ثم ساق بسنده عن أبي هريرة t أن النبي r قال:

"أرسل ملك الموت إلى موسى ـ عليهما السلام ـ فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد عليه عينيه وقال: ارجع فقل له يضع يده على متن ثورٍ فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سَنَة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال: قال رسول الله :r فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".

(أخرجه مسلم: 2372)

قال الحافظ في الفتح قال الزين بن المنير:

المراد بقوله: "أو نحوها" بقية ما تشد إليه الرحال من الحرمين...إلخ

ثم قال: واُختُلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد.

فقيل: يكره لما فيه من تأخير دفنه، وتعريضه بهتك حرمته.

وقيل: يستحب، والأولى تنزيل ذلك على حالتين:-

فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة، وتختلف الكراهة في ذلك، فقد تبلغ التحريم، والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة... وغيرها. أهـ

قال النووي – رحمه الله تعالى –:

وفي هذا استحباب الدفن في الأماكن الفاضلة والمواطن المباركة والقرب من مدافن الصالحين. أهـ

ومما يدل على ذلك أيضاً قول النبي r كما في مسند الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع عن ابن عمر:

"من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها".


2 – لا بأس أن يدفن في القبر اثنان أو أكثر عند الضرورة ويقدم أفضلهم:

ودليل ذلك ما أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبد الله t قال:

" كان النبي r يجمع بين الرجلين والثلاثة من قتلى أُحُد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أُشِير إلى أحدهما قدَّمه في اللحد (قبل صاحبه) وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يُغَسَّلوا، ولم يُصَلًَّ عليهم.

قال جابر: فدفن أبي وعمي يومئذ في قبر واحد".

ـ في ثوب واحد: معناه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –:

أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة، فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة، وإن لم يستر الثوب إلا بعض بدنه، يدل عليه تمام الحديث أنه كان يسأل عن أكثرهم قرآناً؟ فيقدمه في اللحد، فلو أنهم في ثوب واحد جملةً لسأل عن أفضلهم قبل ذلك كي لا يؤدي إلي نقض التكفين وإعادته.

.

قال الحافظ (3/274):

وفيه فضيلة ظاهرة لقارئ القرآن، ويلحق به أهل الفقه، والزهد، وسائر وجوه الفضل.

 

ـ يؤخذ من الحديث السابق استحباب دفن الأقارب في مكان واحد.

جاء في كتاب المغني: فصل: "وجمع الأقارب في الدفن حسن":

لقول النبي r لما دفن عثمان بن مظعون:

"ادفن إليه مَن مات مِن أهله"

لأن ذلك أسهل لزيارتهم، وأكثر للترحم عليهم.

وأخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي قتادة t قال:

"أتى عمرو بن الجَمُوح إلى رسول الله r فقال: يا رسول الله أرأيت إن قَتَلْتُ في سبيل الله حتى أُقْتَل.! أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله r: نعم، فقُتِلوا يوم أُحُد وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله r فقال: كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة، فأمر رسول الله r بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد".


قال الشافعي في الأم (1/245):

ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان والثلاثة في القبر، ويكون للذي للقبلة منهم أفضلهم وأسنهم.

ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال، وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل أمامها وهي خلفه، ويُجْعَل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب.

وقال ابن حجر في الفتح (3/271):

ويؤخذ من هذا جواز دفن المرأتين في قبر، وأما دفن الرجل والمرأة. فروي عبد الرزاق بإسناد حسن عن واثلة بن الأسقع:

"أنه كان يدفن الرجل والمرأة في قبر فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه".

وكأنه كان يجعل بينهما حائلاً من تراب لاسيما إن كانا أجنبيين. أهـ

ملحوظة:

الحديث الذي أخرجه ابن عدي في الكامل عن أنس t قال:

"لما كان يوم أُحُد قلت: لن نستطيع أن نحفر لكل رجل قبراً، فقال رسول الله r ادفنوا الثلاثة والأربعة". "ضعيف"    فيه عمرو بن موسى الوجيهي وهو متروك الحديث.

 

3 – ويجوز إخراج الميت من القبر لغرضٍ صحيح:

كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ... ونحو ذلك، أو دفن الرجل خطأ في مقبرة النساء.

ودليل ذلك ما أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبد الله t قال:

"أتى رسول الله r قبر عبد الله بن أُبي بعدما أُدْخل حفرته فأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه، قال جابر: وصلَّى عليه".

والظاهر أن صلاة النبي r على عبد الله بن أُبي بن سلول قبل نزول قوله تعالى:

{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ } (التوبة:84)


وقد يرجع السبب أن النبي r ألبسه قميصه إلى أمرين:-

الأول: أنه لما أوتي بالأسارى يوم بدر وفيهم العباس ولم يكن عليه ثوب، فوجدوا قميص عبد الله بن أُبي فكساه النبي r إياه، فلذلك ألبسه النبي r قميصه.

الثاني: ما أخرجه البخاري: "أن ابن عبد الله قال يا رسول الله r ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك". وفي رواية أنه قال: " أعطني قميصك أكفنه فيه".

وقد يكون السبب أحدهما أو كلاهما معاً، السؤال والمكافأة.

ملحوظة:

عند إخراج الميت من القبر لعلةٍ ولغرض صحيح، يراعى الاهتمام به وعدم كسر عظمه.

فقد أخرج أبو داود وابن ماجة أن النبي r قال:

"إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً".

 

4 – حفر القبر وتجهيزه يكون من مال الميت إن وجد:

قال البخاري – رحمه الله – باب "الكفن من جميع المال":

وبه قال عطاء، والزهري، وعمرو بن دينار، وقتادة، وقال عمرو بن دينار الحنوط من جميع المال.

وقال إبراهيم: يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية.

وجاء في مصنف عبد الرزاق: أنه سئل سفيان الثوري عن أجر القبر والغسل؟

"قال هو من الكفن" أي أجر حفر القبر وأجر الغاسل من حكم الكفن في أنه من رأس المال.

(الفتح 3/182)

وقـفـة:

– قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:

ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت، فإن النبي r لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه، والعبد لا يدري أين يموت، وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت فهذا يكون من العمل الصالح.

 


5 – دفن موتى الحوادث:

– جاء في فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم (5997):

موتى الحوادث الذين تتمزق أجسادهم وتختلط أعضائهم بحيث يصعب تمييزهم يصلى عليهم جميعاً بعد تغسيل ما تيسر تغسيله، ويجتهد قدر الإمكان في جمع أجزاء كل فرد على حدة، ويدفن كل فرد في قبره. ويجب استخراج جميع الأجزاء المتناثرة لتدفن مع الموتى، ولا تعدم مع السيارات.

 

ـ الفتوى رقم (11266) ما يفعل بالأعضاء المقطوعة من الإنسان:

س: إذا وقع على الرجل حادث فقطع يده ورجله، ولم يمت، فماذا يفعل بذلك العضو الذي انقطع منه، هل نُغسِّلها ونصلِّي عليها وندفنها، أم ماذا علينا؟ هذا فيما حصل وهو على قيد الحياة، أما إذا وجدنا  أحد أعضاء الإنسان متبقية بعد أن أكلته الحيوانات المفترسة، ولم نعرف أكان صاحبها مسلماً أم لا، فماذا علينا في هذه الحالة؟ أو علمنا أن صاحبها كان مسلماً ماذا علينا في الحالتين؟ فأرجو من سماحتكم حسن التوضيح.

جـ: العضو المقطوع من الحي بأي سبب سواء كان بحادث أو بحد وغيرهما لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه، ولكن يلف في خرقة ويدفن في المقبرة، أو في أرض طيبة بعيدة عن الامتهان، إذا كان واجده ليس بقربه مقبرة.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).

فـائــدة:

فليس هناك دليل على دفن قلامة الأظفار، أو ما يحلقه الإنسان من شعر، فلا مانع من إلقائها.

 

وجاء في السؤال الأول من الفتوى رقم (11233) من فتاوى اللجنة الدائمة وفيه:

س: وقع حادث سيارة وتوفِّي مَن بها ولم يتعرف عند الحادث مَن المسلم ومَن غير المسلم، كيف يكون الغُسل والصلاة والدفن؟

جـ: يجب تغسيل موتى الحادث جميعاً وتكفينهم والصلاة عليهم بنية التغسيل والتكفين والصلاة والدفن للمسلمين منهم.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).

ووجه هذا السؤال أيضاً إلى اللجنة الدائمة وفيه:

س: نحيل لكم مذكرة السؤال الوارد إلينا من مدير فرع الشئون الدينية بالمنطقة الغربية رقم 8 وتاريخ 11/ 1/ 1405 هـ، ونرغب من سماحتكم في إعطائنا الحكم الشرعي في ذلك، حيث عندنا مستشفيات كثيرة تابعة لوزارة الدفاع والطيران، وتكون الحالات فيها مشابهة، ويطلبون منا حكماً في طريقة التخلص من الأجزاء الآدمية الناتجة عن بعض العمليات الجراحية، حيث يذكرون أن طريقة التخلص منها عندهم الحرق. والأجزاء هي:

1 – الأجزاء المبتورة نتيجة للإصابة في الحوادث

2 – الأجزاء التي لا نتوقع منها إصابتها بمرض مثل نواتج الطهارة (الختان للذكور)

3 – المشيمة الناتجة عن الولادة ونواتج الحمل في مختلف مراحله (الإسقاط).

4 – نواتج أعمال الأسنان والضروس وما شابهها.

نأمل من سماحتكم التكرم بإعطائنا الحكم الشرعي، لنتمكن من تعميمه على مستشفيات وزارة الدفاع والطيران، وفَّقَكُم الله.

وأجابت اللجنة بما يلي:

لا يجوز إحراقها، بل الواجب دفنها في محل طاهر، إلا إذا كان السقط قد نفخت فيه الروح، وهو الذي مضى عليه أربعة أشهر، فإنه يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين إذا كان مولوداً بين مسلمين، أو بين والدين أحدهما مسلم، أما إن كان السقط من والدين كافرين، فإنه لا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه بل يُدفن في ثيابه، أو في لفافة في أرض مجهولة.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).

س: هل يجوز أخذ الأجرة على الدفن؟

جـ: ذهب جمهور أهل العلم: إلى جواز أخذ الأجرة على الدفن.

بينما ذهب البعض: إلى كراهية ذلك.

ـ جاء في الموسوعة الفقهية " مسألة أجرة الدفن":

حيث ذهب جمهور الفقهاء (الحنفية، والمالكية، والشافعية):

إلى أنه يجوز أخذ الأجرة على الدفن، ولكن الأفضل أن يكون مجاناً، وتدفع من مجموع التركة. وتقدم على ما تعلَّق بذمة الميت من دَيْنٍ.

ـ ويرى الحنابلة: أنه يكره أخذ الأجرة على الدفن؛ لأنه يذهب بالأجر.

ـ وجاء في مغني المحتاج "فصل الاستئجار للقُرب":

وتصح الإجارة لتجهيز الميت كغُسْله، وتكفينه، ودفنه، وتعليم القرآن.


س: ما هي الأمور التي ينبغي فعلها بعد الدفن ([2]

السُّنَّة بعد أن يُدفن الميت أن يقف المشيعون يدعون للميت ويستغفرون له ويسألون له التثبيت.

فقد أخرج أبو داود والحاكم والبزار عن عثمان بن عفان t قال:

"كان رسول الله r إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسْأل".

قال الشيخ البسام – حفظه الله – في توضيح الأحكام (2/573):

الدعاء للميت عند قبره بعد دفنه ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. أهـ

فوائد وتنبيهات خاصة بهذه المسألة:

1 – لفظة (الميت) في الحديث من ألفاظ العموم:

إذ هي معرفة بالألف واللام التي للجنس، لكن دلت الأدلة على أن المقصود بالميت: هو الميت المسلم؛ لأن من مات على الكفر فلا يجوز أن يستغفر له، وذلك للأدلة الآتية:

أ. قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }  (التوبة: 113)

وقد نزلت هذه الآية بعد موت أبي طالب عم النبي r، فقال النبي :r

"والله لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك" فنزلت الآية.

قال الشوكاني – رحمه الله – كما في فتح القدير (2/410):

وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار وتحريم الاستغفار لهم، والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافراً.

ب. قوله تعالى:{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ  فَاسِقُونَ } (التوبة: 84)، { وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ } أي بعد دفنه لا تقم على قبره مستغفراً له وداعياً، فإن هذا لا يجوز في حق المنافقين والكافرين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله – في هذه الآية كما جاء في مجموع الفتاوى (1/165): إن الله U نهى نبيه عن الصلاة عليهم (الكافرين، المشركين) والقيام على قبورهم لأنهم

كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم كافرون، فلما نهى عن هذا وهذا لأجل هذه العلة وهي الكفر دل ذلك على انتفاء هذا النهي عند انتفاء هذه العلة، ودل تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلَّى عليه ويقام على قبره إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد لم يخصصوا بالنهي ولم يعلل ذلك بكفرهم. أهـ

أما الأدلة من السنة على أنه لا يجوز الدعاء أو الاستغفار لغير المسلم:

ما أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة t قال:

"زار النبي r قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأُذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت".

قال الإمام النووي – رحمه الله – كما في شرح مسلم (4/53):

وفي الحديث النهي عن الاستغفار للكفار.

أما الإجماع

فقد قال الإمام النووي – رحمه الله – كما في المجموع (5/144):

وأما الصلاة على الكفار والدعاء لهم بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع.

 

2 – أن الملاحظ من الحديث أن هدي النبي r أنه كلما فرغ من دفن أي ميت مسلم استغفر له وطلب من الصحابة أن يستغفروا له:

فيقول: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسْأل"

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في مجموع الفتاوى (1/165):

إن الصلاة على الموتى من المؤمنين، والقيام على قبورهم من السنة المتواترة فكان النبي r يصلي على موتى المسلمين وشرع ذلك لأمته، وكان إذا دفن الرجل من أمته يقوم على قبره ويقول: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسْأل". أهـ.

فمن انصرف دون دعاء لأخيه المتوفى يعد مخالف لقول النبي r:

"استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت".


3 – ما يفعله البعض من المبادرة بقولهم: "استغفروا لأخيكم" عند الشروع في دفن الميت

خطأ مخالف للسنة؛ لأن السنة أن يقول هذا عند الفراغ من الدفن:

كما دل عليه الحديث: (كان النبي r إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال:........)

قال الإمام أبو بكر ابن أبي شيبة – رحمه الله – كما في المصنف (3/329):

الدعاء للميت بعد ما يدفن ويسوَّى عليه.

قال النووي – رحمه الله – كما في رياض الصالحين:

باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له والاستغفار والقراءة ([3])

وقال أبو داود – رحمه الله –:

باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف. أهـ

قال ابن المنذر - رحمه الله –:

ذكر الأمر بالاستغفار للميت عند الفراغ من الدفن والدعاء له بالتثبيت.

 

4- يستحب الدعاء للميت واقفاً في هذا الموطن:

قال ابن مفلح ـ رحمه الله ـ كما في الفروع (2/274):

يستحب الدعاء له عند القبر بعد الدفن, نصَّ عليه, فعله أحمد جالساً، قال أصحابنا وشيخنا:

يستحب وقوفه, ونص أحمد أيضاً: لا بأس به قد فعله علي والأحنف.

 

وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

س:على أي حال يُدعى للميت بعد دفنه وتسوية التراب , أجالساً أم قائماً.؟ وأيهما أفضل؟

فأجـابت: السنة لمن أراد أن يدعو للميت بعد دفنه وتسوية التراب عليه أن يدعو وهو قائم , والأصل في ذلك ما رواه أبو داودt عن عثمان قال:

" كان النبي r إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسْأل " أهـ


وهـنـا يــلاحــظ أمــران:

الأمر الأول: في قول عثمانt:

"كان النبي r إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه " أي وقف بجوار قبره

لأن النبي r نهى عن أقل من هذا وهو الجلوس.

فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرةt  قال: قال رسول الله r:

"لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرقَ ثيابَهُ فتَخْلُص إلى جلدِهِ، خيرٌ له من أن يجلس على قبر"

الأمر الثاني: لعل من قال: إن الدعاء جالساً، لم يفرق بين الدعاء على القبر والموعظة على القبر، فالدعاء يكون من قيام كما دل عليه الحديث, أما الموعظة فجائز فيها الجلوس.

وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري باب "موعظة المحدث عند القبر"

وساق بسنده عن علي قال:

"كنا في جنازة في بقيع الفرقد، فأتانا النبي r فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة , فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما منكم من أحد, من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا كتبت شقية أو سعيدة... " "الحديث "

قال الحافظ في فتح الباري(11/608):

وفي الحديث جواز القعود عند القبور، والتحدث عندها بالعلم والموعظة.

وفي مصنف ابن أبي شيبة وفي مسند الإمام أحمد عن البراء بن عازب t قال:

" خرجنا مع النبي r في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحَد، فجلس رسول الله r وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه ثم قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاث"

وقول البراء:" فانتهينا إلى القبر ولمّا يلحَد "

دليل على أن الميت لم يقبر بعد، فكان الجلوس، وكانت الموعظة ـ كما مر في الحديث ـ أما بعد الدفن فيكون الدعاء من وقوف ـ كما جاء أيضاً في الحديث ـ ولا تعارض، إذ أن الجلوس له موطن، والقيام له موطن آخر.

 


وقد وجه سؤال إلى اللجنة الدائمة فتوى رقم (2392) وفيها:

س: على أي حال يُدعى للميت بعد دفنه وتسوية التراب , أجالساً أم قائماً؟ وأيهما أفضل؟

فأجابت: السنة لمن أراد أن يدعو للميت بعد دفنه وتسوية التراب عليه أن يدعو وهو قائم.

والأصل في ذلك ما رواه أبو داود بسنده عن عثمان t قال:

" كان النبي r إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسْأل " وقد سكت عنه أبو داود والمنذري

وأخرجه أيضاً الحاكم وصححه, والبزار وقال: لا يروي عن النبي r إلا من هذا الوجه.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).

 

5- يستحب أن يكون الدعاء للميت بعد دفنه بطلب المغفرة والتثبيت له:

وهذا هو الذي فعله النبي r وطلبه من الصحابة أن يفعلوه، وخير الهدي هدي النبي r

فيقول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ كما في  شرح رياض الصالحين (3/72):

فيسن للإنسـان إذا فرغ من دفن الميت أن يقف عنده ويقول: اللهم اغفر له  "ثلاث مرات"،

اللهم ثبته "ثلاثاً"؛ لأن النبي r كان غالب أحيانه إذا دعا دعا ثلاثاً "

ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في إغاثة اللهفان (1/241):

مقصود الصلاة على الميت هو الدعاء له والاستغفار والشفاعة فيه ومعلوم أنه في قبره أشد حاجة منه على نعشه، فإنه حينئذ معرض للسؤال وغيره, وقد كان النبي r يقف على القبر بعد الدفن فيقول: "سلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل" فعُلِمَ أنه أحوج إلى الدعاء له بعد الدفن، فإذا كنا على جنازته ندعو له ونشفع له، فبعد الدفن أولى وأحرى.

 

هذا وقد وجه سؤال إلى اللجنة الدائمة فتوى رقم (1496)

س: أيحل القيام عند القبر للاستغفار والدعاء للميت بعد دفنه وإهالة التراب عليه؟

جـ: نعم. يجوز الوقـوف عند قبر الميت بعد دفنه وإهالة التراب عليه للاستغفار والدعاء له,

بل ذلك مستحب لما رواه أبو داود والحاكم وصححه ,عن عثمان t أنه قال:

"كان النبي r إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسْأل "

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).


لكن هل يجوز أن ندعو للميت بعد دفنه بخلاف ما ثبت؟

والجواب: نعم , وهذا ثابت عن جملة من الصحابة

فقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي عن عمير بن سعيد قال:

"إن علياً t كبر على يزيد بن المكفف أربعاً، ثم قام على القبر فقال: اللهم عبدك وابن عبدك نزل بك اليوم وأنت خير منزول به، اللهم وسع له مدخله, واغفر ذنبه, فإنا لا نعلم عنه إلا خيراً وأنت أعلم به"

وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن عبيد الله بن أبي بكر قال:

"كان أنس بن مالك إذا سُوِّىَ على الميت قبْرُه قام عليه فقال: اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه، اللهـم جاف الأرض عن جنبيه، وافتح أبواب السماء لروحه، وتقبله منك بقبول حسن، اللهم إن كان محسناً فضاعف له في إحسانه ـ أو قال: فزد في إحسانه ـ وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه"

قال ابن عبد البر  ـ رحمه الله ـ كما في الاستذكار (8/257):

والدعاء للميت استغفارٌ له ودعاءٌ بما يحضُرُ الداعي من القول الذي يرجو به الرحمة له والعفو عنه وليس فيه عند  الجميع شيء مؤقت". أهـ

 

وهذا سؤال وجه للجنة الدائمة وفيه

س: بأي صفة يكون الاستغفار والدعاء للميت بعد دفنه؟

جـ: لم يرد في بيان صفة الاستغفار والدعاء للميت بعد الدفن حديث يعتمد عليه فيما نعلم, وإنما ورد الأمر بمطلق الاستغفار والدعاء له بالتثبيت, فيكفي في امتثال هذا الأمر أي صفة استغفار ودعاء له، كأن يقول: "اللهم اغفر له وثبته على الحق"... ونحو ذلك.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

 

 


6- الدعاء للميت بعد الدفن يكون فردياً:

وهذا هو السنة، أما أن يقوم أحد المشيعين فيدعو للميت ويؤمن الباقون على دعائه فإنه ليس من السنة في شيء، ومما يدل على هذا أن النبي r ما كان يدعو ويطلب من المشيعين أن يؤمنوا على دعائه، وإنما يطلب من كل واحد منهم أن يدعو لأخيه بنفسه، وذلك واضح بَيِّن في قوله r لأصحابه "استغفروا لأخيكم" وهذه الصورة الفردية في الدعاء للميت كان الهدي الدائم للنبي r ودليل ذلك:-

أ- ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة t قال:

"نعى لنا رسول الله r النجاشي صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه فقال: "استغفروا لأخيكم"

ب – وثبت في صحيح مسلم في قصة رجم ماعز بن مالك t قال بريرة t:

فكان الناس فيه فرقتين, قائل يقول: لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته، وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز، إنه جاء إلى النبي r فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله r وهم جلوس، فسلَّم ثم جلس فقال: استغفروا لماعز بن مالك، قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك

قال رسول الله r: لقد تاب توبة لو قسمت على أمةٍ لوسعتهم"

ومما يدل على كون الدعاء للميت بعد الدفن فردياً وليس جماعياً، فهم الصحابة لهذا الأصل وتتابعهم على العمل به.

فها هو الحبرُ والبحرُ ابن عباس – رضي الله عنهما - يفعل هذا

فقد أخرج عبد الرزَّاق بسند صحيح عن عبد الله بن قليلة يقول:

"رأيت ابن عباس لمّا فرغوا من قبر عبد الله بن السائب والناس معه، قام ابن عباس فوقف عليه ودعا له, قال: أسمعت من قوله شيئاً؟ قال: لا"

وتقدم مثل هذا عن علي بن أبى طالب وأنس بن مالك- رضي الله عنهما -


أقوال أهل العلم التي تدل على هذا الأصل:-

أ- قال ابن المنذر ـ رحمه الله ـ كما في الأوسط(5/458):

وكان إسحاق يقول: إذا دُفِن الميت أتاه وليه ممن أحب, فسلم عليه من قبل وجهه، ثم استقبل القبلة فدعا له ثم انصرف. أهـ

 

ب- وقال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ كما في المجموع(5/294):

يستحب أن يمكث على القبر بعد الدفن ساعة يدعو للميت ويستغفر له, ونص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب.

 

جـ- وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في زاد المعاد(1/522):

وكان [النبي r] إذا فرغ من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه، وسأل له التثبيت وأمرهم أن يسألوا له التثبيت. أهـ

 

د- وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ كما جاء في كتب ورسائل العثيمين (س:951):

وأما الدعاء للميت برفع الصوت عند الدفن فإنه بدعة، لأن الرسول r كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل"

ولو كان الدعاء بصوت جماعي سنة لفعله النبي، ولكن يقال للناس: كلٌ يدعو بنفسه لهذا الميت إذا دفن، يستغفر له ويسأل الله له التثبيت, ويكفي مرة واحدة لكن إذا كررها ثلاثاً فهو خير,لأن النبي r كان إذا دعا دعا ثلاثاً

وبمثل قول العلامة ابن عثيمين، قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ رحمه الله ـ

كما في فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ سؤال رقم(905)

وكذلك قال بهذا عدد من أهل العلم. والله أعلم.


ويقول الشيخ مصطفي العدوى ـ حفظه الله ـ في هذه المسألة:

إن خير الهدي هدي محمد، وخير الناس أصحابه - رضي الله عنهم - وهذه المسألة ليست من المسائل النازلة، والناس يحتاجون إليها، والبلوى تعم بها، فلمّا لم يُنْقَل إلينا عن النبي r مع آلاف الموتى الذين ماتوا على عهد النبي r أنه دعا وأمَّن الحضور(على دعائه)

وهذا شيء ليس بخاص يصنع  في البيوت، وإنما عام يصنع على الملأ والمشهد، ولما لم يرد عن أصحابه أيضاً مع ملايين الموتى الذين ماتوا في الأمصار في زمانهم أنهم دعوا مجتمعين، بأن يدعوا داع ويُؤَمِّنوا على دعائه، فلما كان الحال على ما ذكرنا حِدْنَا إلى القول القائل: بأن الدعاء يكون في النفس، ويتأيد هذا بقوله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } (الأعراف:5)

فأقول من هذا: إن الإسرار هو الهدي في هذه المسألة.

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة هذا السؤال:

س: اختلفوا في الدعاء بعد صلاة الجنازة متصلاً اجتماعاً،  فذهبت طائفة إلى أنها بدعة لعدم النقل فيها عن النبي r وصحابته الكرام وصرح الفقهاء بعدم جوازه،  وذهبت طائفة أخرى إلى استحبابها وسُنِّيَتِها، فمن منهم على الحق؟

جـ: الدعاء عبادة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بما لم يشرعه الله، ولم يثبت عن النبي r أنه دعا وصحابته على جنازة ما بعد الفراغ من الصلاة عليها والثابت عنه r:

"أنه كان يقف على القبر بعد أن يسوى على صاحبه ويقول: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل"                                                (أبو داود والحاكم والبيهقي)

وبما تقدم يتبين أن الصواب: القول بعدم جواز الدعاء بصفة جماعية بعد الفراغ من الصلاة على الميت وأن ذلك بدعة.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء).


تنبيه:

قد يقول البعض بجواز الدعاء الجماعي على القبر، ويستند على فتوى للشيخ المبارك ابن باز

ـ رحمه الله ـ عندما سُأل فضيلته هذا السؤال.

يقول السائل: أرى بعض الناس يقفون عند القبر بعد دفن الميت ويدعون له, فهل هذا جائز؟ وهل هناك دعاء مشروع يقال بعد الانتهاء من الدفن؟ وهل هو جماعي كأن يدعو شخص ويُؤَمِّن الباقون على دعائه؟ أم أن كل شخص يدعو وحده؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.

فأجاب فضيلة الشيخ ـ رحمه الله ـ: قد دلت السُّنَّة الثابتة عن رسول الله r على شرعية الدعاء للميت بعد الدفن:." فقد كان النبي r إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت فإنه الآن يُسأل"

ولا حرج في أن يدعو واحد ويؤمن السامعون، أو يدعو كل واحد بنفسه للميت.  والله ولى التوفيق

وللرد على هذه الفتوى نقول:

1- إن الدعاء للميت بعد دفنه مسألة قديمة غير حادثة ولا نازلة، فينبغي أن يكون المرجع فيها إلى هدي النبي r وفهم سلفنا الصالح – رضي الله عنهم -

2- أن فتاوى أهل العلم يُسْتدَلُّ لها ولا يُسْتدَلُّ بها.

3- قد خالف الشيخ المبارك ـ رحمه الله ـ في هذا الاجتهاد عدد من أهل العلم مما سبق.

4- أن كلام الشيخ ابن باز ـ الذي ملأ الدنيا علماً ـ ربما يُحمل على ما إذا سمع الناس رجلاً يدعو عرضاً للميت في هذا الوقت، فيرى الشيخ أنه يجوز لهم أن يُؤَمِّنُوا على دعائه من غير تواطؤ بينهم واتفاق.

وقد صرح فضيلة الشيخ ـ رحمه الله ـ بذلك في جوابه على سؤال وجه إليه فحواه:

الدعاء الجماعي عند القبور ما حكمه؟

فأجاب ـ رحمه الله ـ: ليس فيه مانع إذا دعا واحدٌ وأَمَّنَ السامعون فلا بأس إذا لم يكن ذلك مقصوداً، وإنما سمعوا بعضَهم يدعو فأَمَّن الباقون، ولا يسمى مثل هذا جماعياً لكونه لم يقصد".  أهـ

(مجموع فتاوى ومقالات ابن باز: 13/340)

ومثال هذا: رجل لا يقول بالقنوت في صلاة الفجر، لكنه إذا دخل مسجد ووجد الإمام يقف، فإنه سيرفع يده ويقنت معه، ويفعل هنا ما يخالف مذهبه.


7- الأصل في الدعاء في هذا الموطن أن يكون سراً لا جهراً:

وقد تقدم معنا كلام ابن أبى مليكة عندما قال:

"رأيت ابن عباس لما فرغوا من قبر عبد الله بن السائب والناس معه، قام ابن عباس فوقف عليه ودعا له, قال: أسمعت من قوله شيئاً؟ قال: لا"

وتقدم كلام أهل العلم عن هذا في المسألة السابقة

تنبيه:

إذا دعا إنسان بدعاء فسمعه من بجواره فلا حرج في ذلك؛ لأن النبي r كان كثيراً ما يدعو في الصلوات وغيرها بأدعية يسمعها القريبون منه.

فقد أخرج الإمام مسلم وغيره من حديث عوف بن مالك t قال:

صلى رسول الله r على جنازةٍ، فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافِهِ واعف عنه، وأكرم نزله ووسِّع مدخَلَه، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونَقَّهِ من الخطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعِذْهُ من عذاب القبر أو من عذاب النار

قال:حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت"

ومما يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه البخاري من حديث أبى قتادة t قال:

كان النبي r يقرأ في الركعتين الأُوْلَيَيْنِ من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يُطَوِّلُ في الأولى، ويُقَصِّرُ في الثانية، ويُسْمِعُ الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين وكان يُطَوِّلُ في الأولى، وكان يُطَوِّلُ في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويُقَصِّرُ في الثانية"

قال ابن رجب ـ رحمه الله ـ:

قوله:"كان يسمعنا الآية أحياناً " ظاهره أنه كان يقصد ذلك، وقد يكون فعله ليعلمهم أنه يقرأ في الظهر والعصر، قال الشافعي ـ رحمه الله ـ: لا نرى بأساً أن يَتَعَمَّد الرجل الجهر بالشيء من القرآن ليعلم من خلفه أنه يقرأ. أھ                                                                   (فتح الباري: 7/78)

[قلت] كما فعل ابن عباس - رضي الله عنهما - عندما جهر بفاتحة الكتاب في صلاة الجنازة،

وقال: لتعلموا أنها سنة، ومن المعلوم أن صلاة الجنازة سرية.

ففي الحديث أخرجه البخاري عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال:

"صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، فقال: لتعلموا أنها سنة"

هذا وقد وجه سؤال لفضيلة الشيخ الفوزان ـ حفظه الله ـ وفيه:

س: أمرنا رسول الله r أن نستغفر لصاحبنا عند القبر , وأن نسأل له التثبيت, ولم يحدد لنا كيفية ذلك أو يخصص الأمر بما يفيد الترجيح لأي كيفية في الدعاء سراً  وجهراً.

فهل دعاؤنا للميت عند القبر عبادة أم من الفضائل؟ وهل يستوي الدعاء سراً وجهراً؟

أم أن الدعاء سراً من السنة، والدعاء جهراً من البدعة كما يراه بعض الإخوة؟ علماً بأن الأمر بالدعاء خطاب مطلق يحتمل السر والجهر. وترجيح إحدى الكيفيتين يقتضي الدليل الترجيحي, فهل من دليل على الدعاء سراً والدعاء جهراً, من الكتاب أو السنة،  أو الإجماع القولي أو الإجماع الفعلي من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ؟

جـ: أمرنا الرسول r بالاستغفار للميت المسلم وسؤال التثبيت له بعد دفنه مباشرة، وعلَّلَ ذلك بأن هذا الوقت وقت سؤال الملكين له، فهو بحاجة للدعاء له بالتثبيت وطلب المغفرة، ولم يرد في الحديث أنهم جهروا بالدعاء والاستغفار، ومعلوم أن الإسرار بالدعاء والاستغفار أفضل من الجهر؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص؛ ولأن الله سبحانه يسمع الدعاء سراً كان أو جهراً، فلا يشرع الجهر إلا بدليل، علاوة على أن الجهر يحصل به تشويش على الآخرين، ولم يُعْرَف فيما أعلم أن السلف كانوا يجهرون بالدعاء عند القبر بعد دفنه، أو يدعون بصوت جماعي، وقد روى أبو داود النهي عن اتِّباع الميت بصوت أو نار.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ:

قـال قيس بن عباد ـ وهو من كبـار التـابعين من أصحاب علي بن أبى طالب t ـ:

كانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال، وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار: أن هذا لم يكن على عهد القرون الثلاثة المفضلة". أهـ

وهذا يدل على أنهم لم يكونوا يرفعون الأصوات بالدعاء للميت، لا مع الجنازة ولا بعد الدفن عند القبر، وهم أعلم الناس بالسُّنَّة، فيكون رفع الصوت بذلك بدعة. والله أعلم.

(فتاوى الشيخ الفوزان الجزء الثاني رقم 130)

 


8- ويجوز رفع اليدين في مثل هذا الموطن:

فقد صح عن النبي r رفع اليدين عند الدعاء لبعض أموات المسلمين عند القبر وغيره

أ ـ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:

"ألا أحدثكُم عنِّي وعن رسول الله r قلنا: بلى. قالت: لما كانت ليلتي التي كان فيها النبي r عندي انقلب فوضع رداءَه، وخلعَ نعله فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظنَّ أن قد رقدتُ فأخذ رداءه رويداً، وانتقل رويداً وفتح الباب فخرج، ثم أجَافَهُ رويداً، فجعلت درعي في رأسي، واختمرتُ وتقنَّعتُ إزاري، ثم انطلقت على إِثْرَهُ حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرعَ فأسرعتَ، فهرولَ فهرولتُ، فأحضَرَ فأحْضَرتُ، فسبقته فدخلتُ فليس إلا أن اضطجعت، فدخل فقال: مالك ياعائش حَشْيَا رابيةً؟ قالت: لا شيء، قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته، قال: فأنت السواد الذي رأيتُ أمامي, قلت: نعم. فلَهَدَنِى في صدري لَهْدةً أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف اللهُ عليك ورسولُهُ، قالت: مهما تكتُمُ الناس يعلمه الله, نعم. قال: فإن جبريل أتاني حين رأيتِ فناداني فأخفاه منك، فأجبتُهُ فأخفيته منك، ولم يكن يدخلُ عليك، وقد وضعتِ ثيابك وظننتُ أنْ قد رقدتِ فكرهتُ أن أوقظكِ وخشيتُ أن تستوحشي فقال: إن ربكَ يأمُرُكَ أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله، قال: قولي: السلامُ على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منَّا والمستأخرين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون"

قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم (4/50):

قول عائشة: "جاء البقيع فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات"

فيه استحباب إطالة الدعاء وتكريره ورفع اليدين، وفيه أن دعاء القائم أكمل من دعاء الجالس في القبور.

ب- وأخرج الإمام أحمد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:

"خرج رسول الله r ذات ليلة فأرسلتُ بريرة في أثَره لتنظر أين ذهبَ، قالت: فسلك نحو بقيع الفرقد، فوقف في أدنى البقيع، ثم رفع يديه ثم انصرف، فرجعتْ إليَّ بريرة فأخبرتني، فلما أصبحت سألته، فقلت: يا رسول الله أين خرجت الليلة؟ قال: بُعِثْتُ إلى أهل البقيع لأصلِّى عليهم"

ـ بريرة: أَمَةٌ لعائشة                            ـ أُصلِّي عليهم: أدعو لهم

قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ كما في أحكام الجنائز صـ193:

ويجوز رفع اليدين في الدعاء لها (أي للجنازة) لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ.

ويقول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ كما في مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (13/570):

وقد تأملت في ذلك فظهر لي أن ذلك على أربعة أقسام:-

الأول: ما ثبت فيه رفع اليدين بخصوصه:

كرفع النبي r يديه في خطبة الجمعة حين قال: "اللهم أغثنا"                       (متفق عليه) وحين قال: "اللهم حوالينا لا علينا"                                           (متفق عليه)

الثاني: ما ثبت فيه عدم الرفع:

كالدعاء حال خطبة الجمعة بغير الاستسقاء، كما دل على ذلك ما رواه مسلم عن حصين بن عبد الرحمن عن عمارة بن رُؤَيْبَة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال:

"قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله r ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعيه المسبحة"

قلت (ندا): وهذا خاص بالخطيب على المنبر، كما هو واضح من سياق الحديث.

الثالث: ما كان ظاهر السنة فيه عدم الرفع:

كالدعاء بين السجدتين، وفي آخر التشهد، وهذه الأقسام الثلاثة حكمها ظاهر لأن الأدلة فيها خاصة

الرابع: ما سوى ذلك فالأصل فيه استحباب رفع اليدين:

لأن رفعها من آداب الدعاء وأسباب إجابته، لما فيه من إظهار اللجوء إلى الله U والافتقار إليه

كما يشير حديث أبى هريرة t وهو في مسلم أن النبي r قال:

"إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" وفيه: ثم ذكر الرجل يطيلُ السفر أشعث أغبر يَمُدُّ يديه إلى السماء يا رب يا رب..."  "الحديث"

وكذلك حديث سلمان وهو عند الإمام أحمد وأبي داود والترمذي أن الحبيب النبي r قال:

"إن الله حييٌ كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين"

هذا ما تبيَّن لي من السُّنَّة.أهـ

 


9- ويستحب استقبال القبلة عند الدعاء للميت:

فلا تُستقبل القبور في الدعاء للميت، بل يكون التوجه للقبلة؛ لنهيه r عن الصلاة إلى القبور، والدعاء مخ الصلاة ولُبَّها كما هو معروف فله حكمها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في اقتضاء الصراط المستقيم:

لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلى إليه، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره، وهذا ضلال بَيِّن وشر واضح، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله.

قال المناوي ـ رحمه الله ـ في فيض القدير:

فإذا كان الدعاء من أعظم العبادة، فكيف يتوجه به إلى غير الجهة التي أُمر باستقبالها في الصلاة؟!

وفي مذهب الإمام أحمد وعند أصحاب مالك:

أن المشروع استقبال القبلة بالدعاء حتى عند قبر النبي r وهذا مذهب الشافعية أيضاً.

قال النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع:

قال أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني وهو من الفقهاء المحققين: ولا يستلم القبر بيده ولا يُقَبِّله، وعلى هذا مضت السنة، واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الآن من المبتدعات المنكرة شرعاً ينبغي تجنب فعله وينهى فاعله، ثم قال: فمن قصد السلام على الميت سلم عليه من قبل وجهه، وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه واستقبل القبلة.

وهو مذهب أبو حنيفة كذلك

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة:

ومذهب الأئمة الأربعة (مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الإسلام): أن الرجل إذا سلَّم على النبي r وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة.

تنبيه:

ذهب بعض أهل العلم: إلى استحباب التوجه قِبَل الميت ثم الدعاء إليه.

وقد نقل النووي في المجموع (5/311) قول العلماء من خرسان:

أن المستحب في زيارة القبور أن يقف مستدبراً القبلة مستقبلاً وجه الميت.أﮬ

ولعل ما استندوا إليه الحديث الذي أخرجه الترمذي وغيره عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:" مرَّ رسول الله r بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر"

"لكن الحديث ضعيف" ضعفه الألباني ـ رحمه الله ـ"                      (انظر أحكام الجنائز صـ198)

10- هل تتغير صيغة الدعاء إذا كان الميت امرأة أو طفل؟

أما المرأة فالدعاء لها لا يختلف عن الدعاء للرجل، إلا فيما لا بد منه من تأنيث الضمائر، والكنايات ... ونحو ذلك.

والأصل في ذلك ما رواه أبو داود وأحمد والترمذي وابن مـاجة وغيرهم عن عـائشة

ـ رضي الله عنها ـ أن النبي r قال:

"إنما النساء شقائق الرجال"

وهذا الأصل يطرد في كل المسائل الشرعية حتى يدل الدليلُ على خلافه فيصار إليه.

قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ كما في روضة الطالبين(1/641):

فإن كان الميت امرأةً قال: "اللهم هذه أمتك وبنت عبدَيْك" ويؤنث الكنايات. أهـ

 

ـ أما الطفل فقد ورد الخلافُ في الدعاء له في صلاة الجنازة، وعليه يقاس الدعاء له بعد دفنه؛ لأن سبب اختلاف صيغة الدعاء هو كون الطفل المسلم الذي لم يبلغ الحلم متفقاً على أنه من أهل الجنة، وأنه ليس عليه إثم قط، ولهذا قال فريق من أهل العلم باختلاف صيغة الدعاء واستدلوا بما يأتي:-

1ـ ما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد عن المغيرة بن شعبة عن النبي r  قال: والطِّفْلُ ـ وفي رواية: السَّقْطُ ـ يُصلَّى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة".

وقال البعض أنه موقوف على المغيرة

2- وأخرج ابن شيبة وعبد الرزَّاق والطبراني عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ:

"عن الحسن البصري أنه كان إذا صلى على الطفل قال: اللهم اجعله لنا فرطاً، واجعله لنا أجراً"

وقال الشوكاني في نيل الأوطار:

إذا كان المُصَلَّى عليه طفلاً استحب أن يقول المصلِّي: "اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وأجراً"

 

( أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة t)

بينما ذهب آخرون إلى أنه لا فرق بين الكبير والصغير

واستدلوا بقول النبي الثابت في مسند أبي داود وهو عند الترمذي وابن ماجة:

"اللهم اغفر لحينا وميِّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا واُنثانا" "ضعيف"

والأمر فيه سعة والحمد لله

 

11- لم ينص  أحد من أهل العلم على وقت محدد أو مقدار معين ينبغي أن يستغرقه المرء في الدعاء قبل أن ينصرف:

وإنما جعلوا ذلك حسب طاقة المشيع ورغبته في الدعاء لأخيه.

وأقل المستحب أن يدعو للميت بالمغفرة والتثبيت مرة واحدة ثم ينصرف.

لأنه بذلك يكون قد قام بما يقتضيه قول النبي r: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت"

 

لكن الأفضل إطالة الدعاء والمكث على القبر للأدلة التالية:-

1- ما أخرجه الإمام مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت في الحديث الطويل:

"حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات"

قال النووي ـ رحمه الله ـ تعليقاً على هذا الحديث:

فيه استحباب إطالة الدعاء وتكريره.

2- وثبت في صحيح مسلم أن عمرو بن العاص t لما حضرته الوفاة قال:

"فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شناً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جذور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم, وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي"

قال النووي ـ رحمه الله ـ كما في شرح صحيح مسلم(1/416):

في الحديث فوائد منها: إثبات فتنة القبر وسؤال الملكين وهو مذهب أهل الحق, ومنها استحباب المكث عند القبر بعد الدفن لحظة نحو ما ذكر لما ذكر. أهـ

فــائـدة:

يجوز أن يقف أحدهم ليعظ الناس

وهذا ثابت عن النبي r كما في مسند الإمام أحمد عن البراء بن عازب t على أن تكون الموعظة أحياناً وتركها أحياناً، حتى لا يتخذ ذلك سنة وعادة, وكأنها من متمِّمَات الدفن، فإن النبي r لم يكن يفعل ذلك في كل جنازة يحضرها.

خلاصة ما يجوز فعله بعد الدفن:

1-  يقف المشيعون على القبر بعد الدفن للدعاء وطلب المغفرة والتثبيت للميت.

2- الدعاء يكون من الوقوف مستقبلاً القبلة، وله أن يرفع يديه عند الدعاء, والدعاء يكون فردياً وليس جماعياً , ويكون سراً.

3- يكون الوقوف على القبر بمقدار ذبح جذور وتقسيم لحمها.

4- يجوز أن يقف أحدهم ليعظ الناس، ويفعل هذا الأمر تارة ويتركه تارة؛ حتى لا يتخذ سنة وكأنه من متممات الدفن.

س: ما هي البدع والمنكرات والأخطاء التي تكون عند الدفن؟

1ـ دفن الميت في مقبرة على هيئة غرفة، ويوضع الميت على ظهر الأرض فيها،وهذا خلاف السُّنَّة

 

2 ـ وضع الميت قليلاً على شفير القبر قبل الدفن، وقراءة بعض سور القرآن.

 

3 ـ الذبح عند وصول الميت المقبرة قبل دفنها، وتفريق اللحم على الحاضرين.

 

4 ـ وضع كسرة خبز وإبريق ماء مع الميت في قبره، أو وضع حِنَّاء، أو وضع كتاب لتثبيته.

 

5 ـ الأذان عند دفن الميت.

 

6 ـ تلقين الميت التلقين البدعي: كقول بعضهم: "يا فلان إذا جاءك الملكان فسألاك: من ربك؟

فقل: ربي الله ...إلخ.

 

7 ـ كشف وجه الميت عند القبر، وهذا خلاف السنة.                              (فتاوى اللجنة الدائمة "5637")

 

8 ـ حثو التراب على الميت نفسه.

 

9 ـ قراءة القرآن عند القبر، وخصوصاً بعد الدفن.

 

10ـ الدعاء الجماعي بعد الدفن.

 

11ـ قول البعض: "دُفن فلان في مثواه الأخير" أو "انتقل فلان إلى مثواه الأخير"

فالقبر ليس المثوى الأخير, بل المثوى الأخير إما الجَنَّة وإما النار.

 

12ـ جعل المصاحف عند القبور للقراءة على الأموات

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (24/301): وأما جعل المصحف عند القبور لمن يقصد قراءة القرآن هناك وتلاوته فبدعة منكرة لم يفعلها أحد من السلف.

 

13ـ اعتقاد البعض أنه لا يبنى القبر بشيء مسته النار، وهذا اعتقاد خاطئ إذ لا دليل عليه.

(فتاوى اللجنة الدائمة 908)

لكن إن لم يُدْخِلوا في القبر شيئاً مسته النار فهو من باب التفاؤل فقط، لكن ليس هناك دليل يمنع.

14ـ رش الماء على قبر الزوجة المتوفاة عن زوجها الذي تزوج بعدها، زاعمين أن ذلك يطفئ حرارة الغيرة.                                               (الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ صـ265)

وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ مع " التعزية بين المشروع والممنوع "

وبعد...،

فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة

نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمّ خطأ فاستغفر لي

وإن وجدت العيب فسد الخللا

جلّ من لا عيب فيه وعلا

فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.........

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك



[1])) إنما قال له ـ عليه السلام ـ هذا، لأن بشيراً t كان أظهر شيئاً من التضجر بسبب بُعْده عن دار قومه ( لأنه قال للنبي r:

 يا رسول الله طالت عزوبتي ونأيتُ عن دار قومي) .

[2])) رسالة الدعاء للميت بعد الدفن (صفته وأحكامه).

[3])) ملحوظة: والقراءة على مذهب النووي (لأنه شافعي) تصل، وهذا مرجوح، والراجح أنها لا تصل وهذا مذهب الجمهور.

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق