الثلاثاء، 21 يونيو 2022

من كتاب الروح المسألة التاسعة (الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور)

من  كتاب الروح 

المسألة التاسعة (الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور)

و هي قول السائل: ما الأسباب التي يعذب بها أصحاب القبور؟

جوابها من وجهين: مجمل ومفصل:

أما المجمل: فإنهم يعذبون على جهلهم باللّه وإضاعتهم لأمره وارتكابهم لمعاصيه، فلا يعذب اللّه روحا عرفته وأحبته وامتثلت لأمره واجتنبت نهيه، ولا بدنا كانت فيه أبدا، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة وأثر غضب اللّه وسخطه على عبده، فمن أغضب اللّه وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على ذلك كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب اللّه وسخطه عليه، فمستقبل ومستكثر، ومصدق ومكذب.

و أما الجواب المفصل: فقد أخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الرجلين اللذين رآهما يعذبان في قبورهما: يمشي أحدهما بالنميمة بين الناس، ويترك الآخر الاستبراء من البول، فهذا ترك الطهارة الواجبة، وذلك ارتكب السبب الموقع للعداوة بين الناس بلسانه وإن كان صادقا، وفي هذا تنبيه على أن الموقع بينهم العداوة والكذب والزور والبهتان أعظم عذابا، كما أن في ترك الاستبراء من البول تنبيها على أن من ترك الصلاة والتي الاستبراء من البول بعض واجباتها وشروطها فهذا مغتاب، وذلك نمام، وقد تقدم حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه في الذي ضرب سوطا امتلأ القبر عليه به نارا. لكونه على صلاة واحدة بغير طهور، ومر على مظلوم فلم ينصره.

و قد تقدم حديث سمرة في صحيح البخاري في تعذيب من يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق، وتعذيب من يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به بالنهار.

و تعذيب الزناة والزواني، وتعذيب آكل الربا، كما شاهدهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في البرزخ.

و تقدم حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه الذي فيه رضخ رؤوس أقوام بالصخر لتثاقل رؤوسهم عن الصلاة، والذين يسرحون بين الضريع والزقوم لتركهم زكاة أموالهم، والذين يأكلون اللحم المنتن الخبيث لزناهم، والذين تقرض شفاههم بمقاريض من حديد لقيامهم في الفتن بالكلام والخطب.

و تقدم حديث أبي سعيد، وعقوبة أرباب تلك الجرائم، فمنهم من بطونهم أمثال البيوت وهم على سابلة [1] آل فرعون وهم أكلة الربا، ومنهم من تفتح أفواههم فيلقمون الجمر حتى يخرج من أسافلهم وهم أكلة أموال اليتامى، ومنهم المعلقات بثديهم وهن الزواني، ومنهم من تقطع جنوبهم ويطعمون لحومهم وهم المغتابون، ومنهم من لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم وهم الذين يغمزون أعراض الناس.

و قد أخبرنا صلى اللّه عليه وآله وسلم عن صاحب الشملة التي غلها من المغنم أنها تشتعل عليه نارا في قبره هذا وله فيها حق، فكيف بمن ظلم غيره ما لا حق له فيه؟ فعذاب القبر من معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل والبدن كله، فالنمام والكذاب والمغتاب وشاهد الزور وقاذف المحصن والموضع في الفتنة والداعي إلى البدعة، والقائل على اللّه ورسوله ما لا علم له به، والمجازف في كلامه، وآكل الربا، وآكل أموال اليتامى، وآكل السحت من الرشوة والبرطيل، ونحوهما، وآكل مال أخيه المسلم بغير حق أو مال المعاهد، وشارب المسكر، وآكل لقمة الشجرة الملعونة، والزاني، واللوطي، والسارق، والخائن، والغادر، والمخادع، والماكر، وآخذ الربا ومعطيه وكاتبه وشاهداه، والمحلل والمحلل له، والمحتال على إسقاط فرائض اللّه وارتكاب محارمه، ومؤذي المسلمين، ومتتبع عوراتهم، والحاكم بغير ما أنزل اللّه، والمفتي بخلاف ما شرعه اللّه، والمعين على الإثم والعدوان، وقاتل النفس التي حرم اللّه، والملحد في حرم اللّه، والمعطل لحقائق أسماء اللّه وصفاته الملحد فيها، والمقدم رأيه وذوقه وسياسته على سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، والنائحة، والمستمع إليها، ونواحوا جهنم: وهم المغنون الغناء الذي حرمه اللّه ورسوله والمستمع إليهم، والذين يبنون المساجد على القبور [2] ويوقدون عليها القناديل و السرج، والمطففون في استيفاء ما لهم إذا أخذوه وهضم ما عليهم إذا بدلوه والجبارون، والمتكبرون، والمراؤون، والهمازون والممارون والطاعنون على السلف، والذين يأتون الكهنة والمنجمين والعرافين فيسألونهم ويصدقونهم [3]، وأعوان الظلمة الذين قد باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، والذي إذا خوفته باللّه وذكرته به لم يرعو ولم ينزجر، فإذا خوفته بمخلوق مثله خاف وارعوى وكف عما هو فيه، والذي يهدي بكلام اللّه ورسوله فلا يهتدي ولا يرفع به رأسا، فإذا بلغه عمن يحسن به الظن ممن يصيب ويخطئ عض عليه بالنواجذ ولم يخالفه، والذي يقرأ عليه القرآن فلا يؤثر فيه وربما استقل به، فإذا سمع [قراءة] [4] الشيطان ورقية الزنا ومادة النفاق طاب سره وتواجد وهاج من قلبه دواعي الطرب، وود أن المغني لا يسكت، والذي يحلف باللّه ويكذب، فإذا حلف بالبندق أو برئ من شيخه أو قريبه أو سراويل الفتوة أو حياة من يحبه ويعظمه من المخلوقين لم يكذب ولو هدد وعوقب، والذي يفتخر بالمعصية ويتكثر بها بين إخوانه وأضرابه وهو المجاهر، والذي لا تأمنه على مالك وحرمتك، والفاحش اللسان البذيء الذي تركه الخلق اتقاء شره وفشله، والذي يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها وينقرها ولا يذكر اللّه فيها إلا قليلا، ولا يؤدي زكاة ماله طيبة بها نفسه، ولا يحج مع قدرته على الحج، ولا يؤدي ما عليه من الحقوق مع قدرته عليها، ولا يتورع من لحظة ولا لفظة ولا أكلة ولا خطوة، ولا يبالي بما حصل المال من حلال أو حرام، ولا يصل رحمه، ولا يرحم المسكين ولا الأرملة ولا اليتيم ولا الحيوان البهيم، بل يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، ويرائي العاملين ويمنع الماعون ويشتغل بعيوب الناس عن عيبه وبذنوبهم عن ذنبه. فكل هؤلاء وأمثالهم يعذبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسب كثرتها وقلتها وصغيرها وكبيرها.

و لما كان أكثر الناس كذلك، كان أكثر أصحاب القبور معذبين، والفائز منهم قليل، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات، وعذاب ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والحيات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها ويحق لها وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها، تاللّه لقد وعظت فما تركت لواعظ مقالا، ونادت يا عمار الدنيا لقد عمرتم دارا موشكة بكم زوالا، وخربتم دارا أنتم مسرعون إليها انتقالا، عمرتم بيوتا لغيركم منافعها وسكناها، وخربتم بيوتا ليس لكم مساكن سواها، هذه دار الاستباق ومستودع الأعمال وبذر الزرع، وهذه محل للعبر، [فإما روضة] [5] رياض من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

هامش

زيدت على المطبوع.

السابلة: الطريق المسلوك، يقال: سبيل سابلة أي مسلوكة، والمارون عليه: سوابل، والمقصود هنا من كان على طريق آل فرعون.

أخرج أبو داود في كتاب الجنائز باب في البناء على القبر (3/ 553) برقم 3227 عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: «قاتل اللّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

و أخرج البخاري في كتاب الجنائز باب بناء المسجد على القبر (2/ 93) عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: لما اشتكى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ذكرت بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة رضي اللّه عنهما أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسه فقال: «أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند اللّه».

أخرج الترمذي في أبواب الطهارة باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض (1/ 242) برقم 135 عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: «من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد».

و أخرج أبو داود في كتاب الطب باب في الكاهن (4/ 225) برقم 3904 قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد: ح، وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حماد بن سلمة، عن حكيم بن الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: «من أتى كاهنا» قال موسى في حديث: «فصدقه بما يقول، أو أتى امرأة» قال مسدد: «امرأته حائضا أو أتى امرأة» قال مسدد؛ «امرأته في دبرها فقد برئ مما أنزل اللّه على محمد».

وردت في المطبوع: قرآن ولا شك أنها تصحيف.

====

المسألة العاشرة (الأسباب المنجية من عذاب القبر)

جوابها أيضا من وجهين: مجمل ومفصل. أما المجمل: فهو تجنب تلك الأسباب التي تقتضي عذاب القبر ومن أنفعها أن يجلس الرجل عند ما يريد النوم للّه ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يوم، ثم يجدد له توبة نصوحا بينه وبين اللّه، فينام على تلك التوبة، ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات في ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسرورا بتأخير أجله حتى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع من هذه النومة، ولا سيما إذا عقب ذلك بذكر اللّه، واستعمال السنن التي وردت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عند النوم حتى يغلبه النوم، فمن أراد اللّه به خيرا وفّقه لذلك ولا قوة إلا باللّه.

و أما الجواب المفصل: فنذكر أحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيما ينجي من عذاب القبر.

(فمنها) ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمان رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات أجرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان».

(و في جامع الترمذي) من حديث فضالة بن عبيد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: «كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل اللّه فإنه ينمي له عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر»، قال الترمذي:

هذا حديث حسن صحيح [1].

(و في سنن النسائي) عن [راشد] [2] بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن رجلا قال: يا رسول اللّه، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: «كفى ببارقة [3] السيوف على رأسه فتنة» [4].

و عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم:

«للشهيد عند اللّه ست خصال، يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه». رواه ابن ماجه والترمذي وهذا لفظة وقال: هذا حسن صحيح [5].

(و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما) قال: ضرب [6] أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خباءة على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللّه: ضربت، خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: «هي المنجية تنجيه من عذاب القبر» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب [7].

(و روينا) في مسند عبد بن حميد عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال لرجل: ألا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال الرجل: بلى؟ قال: اقرأ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [67:1] احفظها وعلمها أهلك وولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فإنها المنجية، والمجادلة تجادل أو تخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له إلى ربها أن ينجيه من عذاب النار إذا كانت في جوفه، وينجي اللّه بها صاحبها من عذاب القبر، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي».

(قال) أبو عمر بن عبد البر: وصح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: إن سورة ثلاثين آية شفعت في صاحبها حتى غفر له: (تبارك الذي بيده الملك).

(و في سنن ابن ماجه) من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه يرفعه: «من مات مبطونا مات شهيدا، وفي فتنة القبر وغدي وريح عليه برزق من الجنة» [8]. (و في سنن النسائي) عن جامع بن شداد قال: سمعت عبد اللّه بن يشكر يقول: كنت جالسا مع سليمان بن صرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلا مات ببطنة، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهدا جنازته، فقال أحدهما للآخر: أ لم يقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «من قتله بطنه لم يعذب في قبره؟» وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا شعبة، حدثني أحمد بن جامع ابن شداد قال أبي. فذكره وزاد فقال الآخر بلى.

(و في الترمذي) من حديث ربيعة بن سيف عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه اللّه فتنة القبر» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وليس إسناده بمتصل ربيعة بن سيف، إنما يروى عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد اللّه بن عمرو، ولا يعرف لربيعة بن سيف سماع من عبد اللّه بن عمرو [9]. انتهى.

و قد روى الترمذي الحديث من حديث ربيعة بن سيف هذا عن عياض بن عقبة الفهري عن عبد اللّه بن عمرو.

و قد رواه أبو نعيم الحافظ عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا ولفظة:

«من مات ليلة الجمعة (أو يوم الجمعة) أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء». تفرد به عمر بن موسى الوجيهي وهو مدني ضعيف.

(و قوله) صلى اللّه عليه وآله وسلم: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة».

معناه واللّه أعلم: قد امتحن نفاقه من إيمانه ببارقة السيف على رأسه فلم يفر، فلو كان منافقا لما صبر ببارقة السيف على رأسه، فدل على أن إيمانه هو الذي حمله على بذل نفسه للّه وتسليمها له وهاج من قبله حمية الغضب للّه ورسوله وإظهار هيئة وإعزاز، فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره حيث يبرز للقتل، فاستغنى بذلك عن الامتحان في قبره.

(قال) أبو عبد اللّه القرطبي: إذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل خطرا وأعظم أجرا أن لا يفتن، لأنه مقدم ذكره في التنزيل على الشهداء، وقد صح في المرابط الذي هو دون الشهيد أنه لا يفتن، فكيف بمن هو أعلى رتبة منه ومن الشهيد.

و الأحاديث الصحيحة ترد هذا القول وتبين أن الصديق يسأل في قبره كما يسأل غيره، وهذا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه رأس الصديقين، وقد قال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما أخبره عن سؤال الملك في قبره فقال: وأنا على مثل حالتي هذه؟ فقال: «نعم» وذكر الحديث.

و قد اختلف في الأنبياء: هل يسألون في قبورهم على قولين: وهما وجهان في مذهب أحمد وغيره، ولا يلزم من هذه الخاصية التي اختص بها الشهيد أن يشاركه الصديق في حكمها، وإن كان أعلى منه، فخواص الشهداء قد تنتفي عمن هو أفضل منهم وإن كان أعلى منهم درجة.

و أما حديث ابن ماجه: «من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتنة القبر» فمن إفراد ابن ماجه، وفي إفراده غرائب ومنكرات، ومثل هذا الحديث مما يتوقف فيه ولا يشهد به على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فإن صح فهو مقيد بالحديث الآخر وهو الذي يقتله بطنه، فإن صح عنه أنه قال: «المبطون شهيد» فيحمل هذا المطلق على ذلك المقيد واللّه أعلم.

و قد جاء فيما ينجي من عذاب القبر حديث فيه الشفاء رواه أبو موسى المديني وبيّن علته في كتابه في الترغيب والترهيب وجعله شرحا له. رواه من حديث الفرج بن فضالة حدثنا أبو جبلة عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة قال: خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ونحن في صفة بالمدينة، فقام علينا فقال: «إني رأيت البارحة عجبا، رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاء بره بوالديه فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاء ذكر اللّه فطيّر الشياطين عنه، ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا كلما دنا من حوض منع وطرد فجاءه صيام رمضان فأسقاه وأرواه، ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا، كلما دنا إلى حلقة طرد ومنع، فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة وهو متحير فيه، فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور، ورأيت رجلا من أمتي وهج يتقي النار وشررها، فجاءته صدقته فصارت سترا بينه وبين النار وظلا على رأسه، ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه، فقالت: يا معشر المؤمنين إنه كان وصولا لرحمه فكلوه، فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم، ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة، ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين اللّه حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله اللّه عز وجل، ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من اللّه عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه، ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه، ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم فجاءه رجاؤه من اللّه عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى، ورأيت رجلا من أمتي قد هوى في النار، فجاءته دمعته التي قد بكى من خشية اللّه عز وجل فاستنقذته من ذلك، ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه باللّه عز وجل فسكن روعه ومضى، ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط يحبو أحيانا ويتعلق أحيانا، فجاءته صلاته فأقامته على قدميه وأنقذته، ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا اللّه ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة». قال الحافظ أبو موسى: هذا حديث حسن جدا رواه عن سعيد بن المسيب وعمر بن ذر وعلي بن زيد بن جدعان.

و نحو هذا الحديث مما قيل فيه: إن رؤيا الأنبياء وحي، فهو على ظاهرها لا كنحو ما روي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «رأيت كأن سيفي انقطع فأولته كذا وكذا، ورأيت بقرا تنحر، ورأيت كأنا في دار عقبة بن رافع.

و قد روي في رؤياه الطويلة من حديث سمرة في الصحيح ومن حديث علي وأبي إمامة وروايات هؤلاء الثلاثة قريب بعضها من بعض مشتملة على ذكر عقوبات جماعة من المعذبين في البرزخ فأما في هذه الرواية فذكر العقوبة وأتبعها بما ينجي صاحبها من العمل، وراوي هذا الحديث عن ابن المسيب هلال أبو جبلة مدني لا يعرف بغير هذا الحديث، ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه هكذا ذكره الحاكم أبو أحمد والحاكم أبو عبد اللّه أبو جبل (بلا هاء)، وحكياه عن مسلم ورواه عنه الفرج بن فضالة، وهو وسط في الرواية ليس بالقوي ولا المتروك، ورواه عنه بشر بن الوليد الفقيه المعروف بأبي الخطيب كان حسن المذهب جميل الطريقة، وسمعت شيخ الإسلام يعظم أمر هذا الحديث وقال: أصول السنة تشهد له وهو من أحسن الأحاديث.

هامش

أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن مات يوم الجمعة (3/ 386) برقم 1074، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي.

أخرجه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في فضل من مات مرابطا (4/ 142) برقم 1621.

وردت في المطبوع: رشيد، وما أثبتناه من سنن النسائي.

أي السيوف البارقة، من البروق أي اللمعان، والإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف، والمعنى أن ثباتهم عند القتال وبذل أرواحهم في سبيل اللّه أقوى دليل على صدق إيمانهم وإخلاصهم للّه.

أخرجه النسائي في كتاب الشهيد (2/ 99).

أخرجه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب في ثواب الشهيد (4/ 160) برقم 1663 باستثناء عبارة: من دمه.

وردت في المطبوع: رجل من، والتصويب من سنن الترمذي.

أخرجه الترمذي بلفظ مقارب في كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في فضل سورة الملك (5/ 151) برقم 2890. انظر الحديث في صفحة 141.

أخرج ابن ماجه في كتاب الجنائز باب ما جاء فيمن مات مريضا (1/ 515) برقم 1615 عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتنة القبر وغدي وريح عليه برزقه من الجنة».

قال السندي: قال السيوطي: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأعلّه بإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي فإنه متروك وقال أحمد بن حنبل: إنما هو من مات مرابطا، قال الدارقطني بإسناده عن إبراهيم بن يحيى يقول: حدثت ابن جريج هذا الحديث «من مات مرابطا» فروى عني: «من مات مريضا» وما هكذا حدثته.

===========

المسألة الحادية عشرة (سؤال القبر)

و هي أن السؤال في القبر هل هو عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار أو يختص بالمسلم والمنافق؟ قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب (التمهيد): والآثار الدالة تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق كان منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام بظاهر الشهادة، وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيّه، وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام، فيثبت اللّه الذين آمنوا ويرتاب المبطلون.

و القرآن والسنّة تدل على خلاف هذا القول، وأن السؤال للكافر والمسلم، قال اللّه تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [14:27] وقد ثبت في الصحيح أنها نزلت في عذاب القبر حين يسأل من ربك وما دينك ومن نبيك.

و في الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، أنه قال: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم»، وذكر الحديث. زاد البخاري: «و أما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول:

لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطرقة من حديد يصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين» هكذا في البخاري، وأما المنافق والكافر فتقدم في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه ابن ماجه والإمام أحمد، كنا في جنازة مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلي في قبورها، فإذا الإنسان دفن وتولى عنه أصحابه جاء ملك وفي يده مطراق فأقعده فقال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول له: صدقت، فيفتح له باب إلى النار، فيقول: هذا منزلك لو كفرت بربك؛ وأما الكافر والمنافق فيقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، فيقال: لا دريت ولا اهتديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول له: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت فإن اللّه أبدلك به هذا، ثم يفتح له باب إلى النار ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعة يسمعه خلق اللّه إلا الثقلين»، فقال بعض الصحابة: يا رسول اللّه ما أحد يقوم على رأسه ملك إلا هيل عند ذلك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [14:27].

(و في حديث) البراء بن عازب الطويل: «و أما الكافر إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزل عليه الملائكة من السماء معهم مسوح». وذكر الحديث إلى أن قال: «ثم تعاد روحه في جسده في قبره»، وذكر الحديث، وفي لفظ: «فإذا كان كافر جاءه ملك الموت فجلس عند رأسه» فذكر الحديث إلى قوله:

«ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون فلان بأسوإ أسمائه، فإذا انتهى به إلى سماء الدنيا أغلقت دونه، قال: يرمى به من السماء، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾[22:31] قال:

فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فيجلسانه وينتهرانه فيقولان:

من ربّك؟ فيقول: هاه لا أدري، فيقولون لا دريت، فيقولان: ما هذا النبي الذي بعث فيكم؟ فيقول: سمعت الناس يقولون ذلك، لا أدري. فيقولان له: لا دريت، وذلك قوله تعالى: ويُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ» وذكر الحديث.

و اسم الفاجر في عرف القرآن والسنّة يتناول الكافر قطعا كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ۝13وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ۝14﴾ [82:13—14] وقوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ [83:7] وفي لفظ آخر في حديث البراء: «و إن الكافر إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزل إليه ملائكة شداد: غضاب معهم ثياب من نار وسرابيل من قطران فيحتوشونه، فتنزع روحه كما ينزع السّفود [1] الكثير الشعب من الصوف المبتل، فإذا أخرجت لعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء». وذكر الحديث إلى أن قال: «إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين فيقال: يا هذا من ربّك؟ ومن نبيّك؟ فيقول: لا أدري فيقال: لا دريت». وذكر الحديث رواه حماد بن سلمة عن يونس بن خباب، عن المنهال بن عمرو، عن زاذان، عن البراء.

و في حديث عيسى بن المسيّب، عن عدي بن ثابت، عن البراء، خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، وذكر الحديث إلى أن قال:

إن الكافر إذا كان في دبر من الدنيا وقبل من الآخرة وحضره الموت نزلت عليه ملائكة معهم كفن من نار وحنوط من نار». فذكر الحديث إلى أن قال: «فتردّ روحه إلى مضجعه فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويفحصان الأرض بأشعارهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، فيجلسانه، ثم يقولان: يا هذا من ربّك؟ فيقول: لا أدري فينادي من جانب القبر: لا دريت فيضربانه بمرزبّة من حديد لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم تقل ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه». وذكر الحديث.

و رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي النضر هاشم بن القسام، حدثنا عيسى بن المسيب، فذكره.

(و في حديث) محمد بن سلمة، عن خصيف، عن مجاهد، عن البراء، قال: كنا في جنازة رجل من الأنصار ومعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكر الحديث إلى أن قال: وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «و إذا وضع الكافر أتاه منكر ونكير فيجلسانه فيقولان له:

من ربّك؟ فيقول: لا أدري، فيقولان له: لا دريت» الحديث وقد تقدم.

و بالجملة فعامة من روى حديث البراء بن عازب قال فيه: «و أما الكافر» بالجزم، وبعضهم قال: «و أما الفاجر»، وبعضهم قال: «و أما المنافق والمرتاب»، وهذه اللفظة من شك بعض الرواة هكذا في الحديث لا أدري أي ذلك قال.

و أما من ذكر الكافر والفاجر فلم يشك، ورواية من لم يشك- مع كثرتهم- أولى من رواية من شك- مع انفراده- على أنه لا تناقض بين الروايتين، فإن المنافق يسأل كما يسأل الكافر والمؤمن فيثبت اللّه أهل الإيمان ويضل اللّه الظالمين وهم الكفار والمنافقون.

(و قد جمع) أبو سعيد الخدري في حديثه الذي رواه أبو عامر العقدي، حدثنا عباد بن راشد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال:

شهدنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جنازة. فذكر الحديث وقال: «و إن كان كافرا أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل: فيقول: لا أدري»، وهذا صريح في أن السؤال للكافر والمنافق، وقول أبي عمر رحمه اللّه: وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه، فيقال له: ليس كذلك بل هو من جملة المسئولين وأولى بالسؤال من غيره.

و قد أخبر اللّه في كتابه أنه يسأل الكافر يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [28:65]. وقال تعالى ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ۝92عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ۝93﴾ [15:92—93] وقال تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [7:6] فإذا سئلوا يوم القيامة فكيف لا يسألون في قبورهم؟! فليس لما ذكره أبو عمر رحمه اللّه وجه.

هامش

هو عود من حديد ينظم فيه اللحم ليشوى وجمعه: سفافيد.

==========

المسألة الثانية عشرة (سؤال منكر ونكير)

و هي أن سؤال منكر ونكير هل هو مختص بهذه الأمة أو يكون لها ولغيرها. هذا موضع تكلّم فيه الناس، فقال أبو عبد اللّه الترمذي: إنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصة لأن الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم بالرسالة، فإذا أبوا كفّت الرسل واعتزلوهم، وعولجوا بالعذاب؛ فلما بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم بالرحمة إماما للخلق كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [21:107] أمسك عنهم العذاب وأعطي السيف حتى يدخل في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف، ثم يرسخ الإيمان في قلبه، فأمهلوا، فمن هاهنا ظهر أمر النفاق، وكانوا يسرّون الكفر ويعلنون الإيمان، فكانوا بين المسلمين في ستر، فلما ماتوا قيض اللّه لهم فتّاني القبر ليستخرجا سرّهم بالسؤال وليميز اللّه الخبيث من الطيّب فـ ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [14:27].

و خالف في ذلك آخرون منهم عبد الحق الإشبيلي والقرطبي وقالوا: السؤال لهذه الأمة ولغيرها.

و توقف في ذلك آخرون منهم أبو عمر بن عبد البر فقال: وفي حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها»، ومنهم من يرويه «تسأل»، وعلى هذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصّت بذلك فهذا أمر لا يقطع عليه.

و قد احتج من خصه بهذه الأمة بقوله صلى اللّه عليه وسلم: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها»، وبقوله: «أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم» وهذا ظاهر في الاختصاص بهذه الأمة، قالوا: ويدل عليه قول الملكين له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول المؤمن: أشهد أنه عبد اللّه ورسوله، فهذا خاص بالنبي صلى اللّه عليه وسلم. وقوله في الحديث الآخر: «إنكم بي ممتحنون وعنّي تسألون».

و قال آخرون: لا يدل هذا على اختصاص السؤال بهذه الأمة دون سائر الأمم، فإن قوله إن هذه الأمة إما أن يراد به أمة الناس كما قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾[6:38] وكل جنس من أجناس الحيوان يسمى أمة، وفي الحديث: «لو لا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها» [1] وفيه أيضا حديث النبي الذي قرصته نملة فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى اللّه إليه من أجل أن قرصتك نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبّح اللّه.

و إن كان المراد به أمته صلى اللّه عليه وسلم الذي بعث فيهم لم يكن فيه ما ينفي سؤال غيرهم من الأمم. بل قد يكون ذكرهم إخبارا بأنهم مسئولون في قبورهم وأن ذلك لا يختص بمن قبلهم لفضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم.

و كذلك قوله صلى اللّه عليه وسلم: «أوحي إليّ أنّكم تفتنون في قبوركم».

و كذلك إخباره عن قول الملكين: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ هو إخبار لأمته بما تمتحن به في قبورها، والظاهر- واللّه أعلم- أن كل نبي مع أمته كذلك وأنهم معذّبون في قبورهم بعد السؤال لهم وإقامة الحجة عليهم كما يعذّبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة. واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

هامش

أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام والفوائد باب ما جاء في قتل الكلاب (4/ 66) برقم 1486 وزاد عليه: «فاقتلوا منها كل أسود بهيم» والكلب الأسود البهيم هو الذي لا يكون فيه شي ء من البياض، وقد كره بعض أهل العلم صيد الكلب الأسود البهيم، وقيل أنه شيطان.

====

المسألة الثالثة عشرة (سؤال من مات طفلا)

و هي أن الأطفال هل يمتحنون في قبورهم؟ اختلف الناس في ذلك على قولين: هما وجهان لأصحاب أحمد.

و حجة من قال إنهم يسألون أنه يشرع الصلاة عليهم، والدعاء لهم، وسؤال اللّه أن يقيهم عذاب القبر وفتنة القبر (كما ذكر) مالك في موطئه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه صلى اللّه عليه وسلم صلّى على جنازة صبي فسمع من دعائه: «اللهم قه عذاب القبر» [1]. (و احتجوا) بما رواه علي بن معبد عن عائشة رضي اللّه عنها: أنه مر عليها بجنازة صبي صغير فبكت، فقيل لها: ما يبكيك يا أم المؤمنين؟ فقالت: هذا الصبي بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر.

(و احتجوا) بما رواه هناد بن السري، حدثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: إنه كان ليصلّي على المنفوس وما إن عمل خطيئة قط فيقول: «اللهم أجره من عذاب القبر».

قالوا: واللّه سبحانه يكمل لهم عقولهم ليعرفوا بذلك منزلتهم، ويلهمون الجواب عما يسألون عنه.

قالوا: وقد دل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة، وحكاه الأشعري عن أهل السنّة والحديث، فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور.

(قال الآخرون): السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمرسل فيسأل: هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا؟ فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فأما الطفل الذي لا تمييز له بوجه ما فكيف يقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟! ولو رد إليه عقله في القبر فإنه لا يسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال، وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة، فإن اللّه سبحانه يرسل إليهم رسولا ويأمرهم بطاعة أمره وعقولهم معهم فمن أطاعه منهم نجا، ومن عصاه أدخله النار، فذلك امتحان بأمر يأمرهم به يفعلونه ذلك الوقت لا أنه سؤال عن أمر مضى لهم في الدنيا من طاعة أو عصيان كسؤال الملكين في القبر.

و أما حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية، فإن اللّه لا يعذب أحدا بلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله، ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه». أي يتألم بذلك ويتوجع منه لا أنه يعاقب بذنب الحي ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾[35:18] [2]. و هذا كقول النبي صلّى اللّه عليه وسلم: «السفر قطعة من العذاب». فالعذاب أعم من العقوبة، ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل فيتألم به، فيشرع للمصلي عليه أن يسأل اللّه تعالى له أن يقيه ذلك العذاب. و اللّه أعلم.

هامش

أخرج أبو داود في كتاب الجنائز باب في النوح (3/ 494) برقم 3129 عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه» فذكر ذلك لعائشة فقال:

و هل- تعني ابن عمر- إنما مر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على قبر فقال: «إن صاحب هذا القبر يعذب وأهله يبكون عليه ثم قرأت: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾[35:18] قال عن معاوية: على قبر يهودي.

قال الخطابي في معالم السنن: قد يحتمل أن يكون الأمر في هذا على ما ذهبت إليه عائشة، لأنها قد روت (أن ذلك إنما كان في شأن اليهودي) والخبر المفسر أولى من المجمل، ثم احتجت له بالآية، وقد يحتمل أن يكون ما رواه ابن عمر صحيحا من غير أن يكون فيه خلاف الآية، وذلك أنهم كانوا يوصون أهليهم بالبكاء والنوح عليهم، وكان ذلك مشهورا من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم، كقول القائل وهو طرفة:

إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يا أم معبد

وكقول لبيد:

فقوما فقولا بالذي تعلمانه ... ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر

وقولا هو المرء الذي لا صديقه ... أضاع ولا خان الأمين ولا عذر

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

ومثل هذا كثير في أشعارهم، وإذا كان كذلك فالميت إنما تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إياهم بذلك وقت حياته، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها».

و قولها: وهل ابن عمر، معناه: ذهب وهله إلى ذلك، يقال: وهل الرجل ووهم بمعنى واحد، كل ذلك بفتح الهاء، فإذا قلت: وهل بكسر الهاء كان معناه فزع، وفيه وجه آخر ذهب إليه بعض أهل العلم، قال: وتأويله أنه مخصوص في بعض الأموات الذين وجب عليهم بذنوب اقترفوها، وجرى من قضاء اللّه سبحانه فيهم أن يكون من عذابهم وقت البكاء عليهم، ويكون كقولهم: مطرنا بنوء كذا، أي عند نوء كذا، كذلك قوله: «إن الميت يعذب ببكاء أهله» أي عند بكائهم عليه لاستحقاقه ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالا لا سببا لأنا لو جعلناه سببا لكان مخالفا للقرآن، وهو قوله: ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى واللّه أعلم.

أخرج مالك في موطئه في كتاب الجنائز باب ما يقول المصلي على الجنائز (ص 112) عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط فسمعته يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر. أما أبو داود فقد ذكر في كتاب الجنائز باب الصلاة على الطفل (3/ 528) عن عائشة قالت: مات إبراهيم ابن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

و قد ذكر الخطابي في معالم السنن شارحا هذا الأمر فقال: كان بعض أهل العلم يتأول ذلك على أنه إنما ترك الصلاة عليه لأنه قد استغنى بنبوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن قربة الصلاة كما استغنى الشهداء بقربة الشهادة عن الصلاة عليهم، وقد روى عطاء مرسلا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صلى على ابنه إبراهيم، وقد روى أبو داود في هذا الباب: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن ابن المبارك عن يعقوب بن القعقاع عن عطاء، قلت: وهذا أولى الأمرين، وإن كان حديث عائشة أحسن اتصالا، وقد روي أن الشمس قد خسفت يوم وفاة إبراهيم، فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم صلاة الخسوف فاشتغل بها عن الصلاة عليه. واللّه أعلم.

=========

المسألة الرابعة عشرة (وهي قوله هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟)

جوابها أنه نوعان: (نوع دائم) سوى ما ورد في بعض الأحاديث أنه يخفف عنهم ما بين النفختين، فإذا قاموا من قبورهم قالوا: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا﴾[36:52] ويدل على دوامه قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾[40:46] ويدل عليه أيضا ما تقدم في حديث سمرة الذي رواه البخاري في رؤيا النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيه: «فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة».

و في حديث ابن عباس في قصة الجريدتين لعله يخفّف عنهما ما لم تيبسا، فجعل التخفيف مقيدا برطوبتهما فقط.

و في حديث الربيع عن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة: «ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت لا يفتر عنهم من ذلك شي ء، وقد تقدم، وفي الصحيح في قصة الذي لبس بردين وجعل يمشي يتبختر فخسف اللّه به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.

و في حديث البراء بن عازب في قصة الكافر: «ثم يفتح له باب إلى النار فينظر إلى مقعده فيها حتى تقوم الساعة». رواه الإمام أحمد، وفي بعض طرقه:

«ثم يخرق له خرقا إلى النار فيأتيه من غمها ودخانها إلى يوم القيامة».

(النوع الثاني) إلى مدة، ثم ينقطع، وهو عذاب بعض العصاة الذين خفّت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه، ثم يخفف عنه كما يعذب في النار مدة ثم يزول عنه العذاب.

و قد ينقطع عنه العذاب بدعاء، أو صدقة، أو استغفار، أو ثواب حج، أو قراءة تصل إليه من بعض أقاربه أو غيرهم، وهذا كما يشفع الشافع في المعذب في الدنيا فيخلص من العذاب بشفاعته، لكن هذه شفاعة قد لا تكون بإذن المشفوع عنده واللّه سبحانه وتعالى لا يتقدم أحد بالشفاعة بين يديه إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأذن للشافع أن يشفع إذا أراد أن يرحم المشفوع له، ولا تغتر بغير هذا فانه شرك وباطل يتعالى اللّه عنه ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾[2:255] ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ﴾[21:28] ﴿مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾[10:3] ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾[34:23] ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[39:44].

(و قد ذكر) ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن موسى الصائغ، حدثنا عبد اللّه بن نافع، قال: مات رجل من أهل المدينة فرآه رجل كأنه من أهل النار فاغتم لذلك، ثم إنه بعد ساعة أو ثانية رآه كأنه من أهل الجنة، فقال: أ لم تكن قلت أنك من أهل النار، قال: قد كان ذلك، إلا أنه دفن معنا رجل من الصالحين فشفع في أربعين من جيرانه فكنت أنا منهم.

(و قال) ابن أبي الدنيا: وحدثنا أحمد بن يحيى قال: حدثني بعض أصحابنا قال: مات أخي فرأيته في النوم فقلت: ما كان حالك حين وضعت في قبرك؟ قال:

أتاني آت بشهاب من نار، فلولا أن داعيا دعا لي لرأيت أنه سيضربني به.

(و قال) عمرو بن جرير: إذا دعا العبد لأخيه الميت أتاه بها ملك إلى قبره، فقال: يا صاحب القبر الغريب هدية من أخ عليك شفيق.

(و قال) بشار بن غالب: رأيت رابعة في منامي، وكنت كثير الدعاء لها، فقالت لي: يا بشار بن غالب هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل الحرير، قلت: كيف ذلك، قالت: هكذا دعاء المؤمنين الأحياء إذا دعوا للموتى استجيب لهم ذلك الدعاء على أطباق النور وخمر بمناديل الحرير، ثم أتي بها الذي دعى له من الموتى فقيل: هذه هدية فلان إليك.

(قال) ابن أبي الدنيا: وحدثني أبو عبد بن بحير قال: حدثني بعض أصحابنا قال: رأيت أخا لي في النوم بعد موته فقلت: أ يصل إليكم دعاء الأحياء قال: أي واللّه يترفرف مثل النور ثم يلبسه.

و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تمام لهذه في جواب السؤال عن انتفاع الأموات بما تهديه إليهم الأحياء.

هامش

===========

المسألة الخامسة عشرة (مستقر الأرواح)

و هي أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة: هل هي في السماء أم في الأرض؟ وهل هي في الجنة أم لا؟ وهل تودع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها فتنعم وتعذب فيها أم تكون مجردة؟

هذه مسألة عظيمة تكلم فيها الناس واختلفوا فيها، وهي إنما تتلقى من السمع فقط، واختلف في ذلك، فقال قائلون: أرواح المؤمنين عند اللّه في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين، وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم، وهذا مذهب أبي هريرة وعبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهم.

و قالت طائفة: هم بفناء [1] الجنة على بابها، يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها.

و قالت طائفة: الأرواح على أفنية قبورها.

و قال مالك: بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت.

(و قال) الإمام أحمد في رواية ابنه عبد اللّه: أرواح الكفار في النار وأرواح المؤمنين في الجنة.

(و قال) أبو عبد اللّه بن منده: وقال طائفة من الصحابة والتابعين: أرواح المؤمنين عند اللّه عز وجل ولم يزيدوا على ذلك، قال: روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أن أرواح المؤمنين بالجابية وأرواح الكفار ببرهوت بئر بحضرموت.

و قال صفوان بن عمرو: سألت عامر بن عبد اللّه أبا اليمان: هل لأنفس المؤمنين مجتمع؟ فقال: إن الأرض التي يقول اللّه تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [21:105] قال هي الأرض التي يجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث. وقالوا: هي الأرض التي يورثها اللّه المؤمنين في الدنيا وقال كعب: أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة، وأرواح الكفار في سجين في الأرض السابعة تحت جند إبليس.

و قالت طائفة: أرواح المؤمنين ببئر زمزم، وأرواح الكفار ببئر برهوت.

و قال سلمان الفارسي: أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض، تذهب حيث شاءت وأرواح الكفار في سجين، وفي لفظ عنه: نسمة المؤمن تذهب في الأرض حيث شاءت.

و قالت طائفة: أرواح المؤمنين عن يمين آدم، وأرواح الكفار عن شماله.

و قالت طائفة أخرى منهم ابن حزم: مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها.

قال: والذي نقول به في مستقر الأرواح هو ما قاله اللّه عز وجل ونبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا نتعداه، فهو البرهان الواضح وهو أن اللّه عز وجل قال: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [7:172] وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾[7:11]، فصح أن اللّه تعالى خلق الأرواح جملة، وكذلك أخبر صلى اللّه عليه وآله وسلم أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، وأخذ اللّه عهدها وشهادتها له بالربوبية وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم وقبل أن يدخلها في الأجساد، والأجساد يومئذ تراب وماء، ثم أقرها حيث شاء هو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت، ثم لا يزال يبعث منها الجملة بعد الجملة فينفخها في الأجساد المتولدة من المنى، إلى أن قال: فصح أن الأرواح أجساد حاملة لأعراضها من التعارف والتناكر وأنها عارفة مميزة فيبلوهم اللّه في الدنيا كما يشاء ثم يتوفاهم فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليلة أسري به عند سماء الدنيا أرواح أهل السعادة عن يمين آدم وأرواح أهل الشقاوة عن يساره وذلك عند منقطع العناصر ويعجل أرواح الأنبياء والشهداء إلى الجنة.

قال: وقد ذكر محمد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر هذا الذي قلنا بعينه، قال: وعلى هذا أجمع أهل العلم.

قال ابن حزم وهو قول جميع أهل الإسلام قال: وهذا هو قول اللّه تعالى:

﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ۝8وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ۝9وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ۝10أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ۝11فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ۝12ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ۝13وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ۝14﴾ [56:8—14] وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ۝88فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ۝89﴾ [56:88—89]، إلى آخرها، فلا تزال الأرواح هنالك حتى يتم عدد الأرواح كلها بنفخها في الأجساد، ثم برجوعها إلى البرزخ فتقوم الساعة ويعيد اللّه عز وجل الأرواح إلى أجسادها ثانية، وهي الحياة الثانية يحاسب الخلق فريق في الجنة، وفريق في السعير مخلدين أبدا. انتهى.

و قال أبو عمر بن عبد البر: أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم، ونحن نذكر كلامه وما احتج به ونبين ما فيه.

(و قال) ابن المبارك عن ابن جريج فيما قرئ عليه عن مجاهد: ليس هي في الجنة ولكن يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها.

و ذكر معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد أنه سأل ابن شهاب عن أزواج المؤمنين فقال: بلغني أن أرواح الشهداء كطير خضر معلقة بالعرش تغدو وتروح إلى رياض الجنة تأتي ربها في كل يوم تسلم عليه.

(و قال) أبو عمر بن عبد البر في شرح حديث ابن عمر: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه إلى يوم القيامة، قال: وقد استدل به من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور، وهو أصح ما ذهب إليه في ذلك واللّه أعلم، لأن الأحاديث بذلك أحسن مجيئا وأثبت نقلا من غيرها.

قال: والمعنى عندي أنها تكون على أفنية قبورها لا على أنها تلزم ولا تفارق أفنية القبور كما قال مالك رحمه اللّه أنه بلغنا أن الأرواح تسرح حيث شاءت.

قال: وعن مجاهد أنه قال: الأرواح على أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارق ذلك، واللّه أعلم.

و قالت فرقة: مستقرها العدم المحض، وهذا قول من يقول: إن النفس عرض من أعراض البدن كحياته وإدراكه، فتعدم بموت البدن كما تعدم سائر الأعراض المشروطة بحياته، وهذا قول مخالف لنصوص القرآن والسنّة وإجماع الصحابة والتابعين كما سنذكر ذلك إن شاء اللّه، والمقصود أن عند هذه الفرقة المبطلة أن مستقر الأرواح بعد الموت العدم المحض.

و قالت فرقة: مستقرها بعد الموت أرواح أخر تناسب أخلاقها وصفاتها التي اكتسبتها في حال حياتها فتصير كل روح إلى بدن حيوان يشاكل تلك الأرواح فتصير النفس السبعية إلى أبدان السباع، والكلبية إلى أبدان الكلاب، والبهيمية إلى أبدان البهائم، والدنية والسفلية إلى أبدان الحشرات، وهذا قول المتناسخة منكري المعاد، وهو قول خارج عن أقوال أهل الإسلام كلهم.

فهذا ما تلخص لي من جمع أقوال الناس في مصير أرواحهم بعد الموت ولا تظفر به مجموعا في كتاب واحد غير هذا البتة، ونحن نذكر ما أخذ هذه الأقوال وما لكل قول وما عليه، وما هو الصواب من ذلك الذي دل عليه الكتاب والسنّة على طريقتنا التي منّ اللّه بها وهو مرجو الإعانة والتوفيق.

هامش

الفناء: هو سعة أمام البيت، وقيل: ما امتد من جوانبه.

====

المسألة السادسة عشر (انتفاع أرواح الموتى بعمل الغير)

و هي: هل تنتفع أرواح الموتى بشي ء من سعي الأحياء أم لا؟

فالجواب: أنها تنتفع من سعي الأحياء بأمرين تجمع عليهما بين أهل السنّة من الفقهاء وأهل الحديث والتفسير.

أحدهما: ما تسبب إليه الميت في حياته.

و الثاني: دعاء المسلمين له واستغفارهم له والصدقة والحج على نزاع: ما الذي يصل من ثوابه هل ثواب الإنفاق أو ثواب العمل؟ فعند الجمهور: يصل ثواب العمل نفسه، وعند بعض الحنفية إنما يصل ثواب الإنفاق.

و اختلفوا في العبادة البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر، فمذهب الإمام أحمد وجمهور السلف: وصولها، وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة نص على هذا الإمام أحمد في رواية محمد بن يحيى الكحال قال: قيل لأبي عبد اللّه:

الرجل يعمل الشي ء من الخير من صلاة أو صدقة أو غير ذلك فيجعل نصفه لأبيه أو لأمه؟ قال: أرجو- أو قال- الميت يصل إليه كل شي ء من صدقة أو غيرها، وقال أيضا: اقرأ آية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو اللّه أحد، وقل اللهم، إن فضله لأهل المقابر. والمشهور من مذهب الشافعي ومالك أن ذلك لا يصل.

و ذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام أنه لا يصل إلى الميت شي ء البتة لا دعاء ولا غيره.

فالدليل على انتفاعه بما تسبب إليه في حياته ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عليه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» فاستثناء هذه الثلاث من عمله يدل على أنها منه فإنه هو الذي تسبب إليها.

و في سنن ابن ماجه: من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إنما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أكراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته».

و في صحيح مسلم: أيضا من حديث جرير بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شي ء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعد من غير أن ينقص من أوزارهم شي ء». وهذا المعنى روي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من عدة وجوه صحاح وحسان.

و في المسند: عن حذيفة قال: سأل رجل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فأمسك القوم، ثم إن رجلا أعطاه فأعطى القوم فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: «من سنّ خيرا فاستنّ به كان له أجره ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا، ومن سنّ شرا فاستنّ به كان عليه وزره من أوزار من تبعه غير منتقض من أوزارهم شيئا».

و قد دل على هذا قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها»، لأنه أول من سنّ القتل فإذا كان هذا في العذاب والعقاب ففي الفضل والثواب أولى وأخرى.

=======

المسألة السابعة عشرة (هل الروح قديمة أم محدثة مخلوقة)

وهي هل الروح قديمة أو محدثة مخلوقة، وإذا كانت محدثة مخلوقة وهي من أمر اللّه فكيف يكون أمر اللّه محدثا مخلوقا؟ وقد أخبر سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا؟ وما حقيقة هذه الإضافة؟ فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده ونفخ فيه من روحه فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة.

فهذه مسألة زل فيها عالم، وضلت فيها طوائف من بني آدم. وهدى اللّه أتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة. هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم، كما يعلم بالاضطرار من دينهم أن العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن اللّه وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق له، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم وهم القرون الفضيلة على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة، حتى نبغت نابغة ممن قصر فهمه في الكتاب والسنّة فزعم أنها قديمة غير مخلوقة، واحتج بأنها من أمر اللّه، وأمره غير مخلوق، وبأن اللّه تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده، وتوقف آخرون فقالوا: لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة.

و سئل عن ذلك حافظ أصبهان: أبو عبد اللّه بن منده فقال: أما بعد فإن سائلا سألني عن الروح التي جعلها اللّه سبحانه قوام نفس الخلق وأبدانهم وذكر أقواما تكلموا في الروح وزعموا أنها غير مخلوقة وخص بعضهم منها أرواح القدس وأنها من ذات اللّه، قال وأنا أذكر اختلاف أقاويل متقدميهم وأبين ما يخالف أقاويلهم من الكتاب والأثر وأوضح خطأ المتكلم في الروح بغير علم وأن كلامهم يوافق قول جهم وأصحابه. فنقول وباللّه التوفيق وإن الناس اختلفوا في معرفة الأرواح ومحلها من النفس.

فقال بعضهم: الأرواح كلها مخلوقة، وهذا مذهب أهل الجماعة والأثر.

و احتجوا بقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف». والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة.

وقال بعضهم: الأرواح من أمر اللّه، أخفى اللّه حقيقتها وعلمها عن الخلق واحتجوا بقول اللّه تعالى: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[17:85].

وقال بعضهم: الأرواح نور من نور اللّه تعالى وحياة من حياته واحتجوا بقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إن اللّه خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره» [1]، ثم ذكر الخلاف في الأرواح هل تموت أم لا؟ وهل تعذب مع الأجساد في البرزخ وفي مستقرها بعد الموت؟ وهل هي النفس أو غيرها.

وقال محمد بن نصر المروزي [2] في كتابه: تأول صنف من الزنادقة وصنف من الروافض في روح آدم ما تأولته النصارى في روح عيسى، وما تأوله قوم من أن الروح انفصل من ذات اللّه فصار في المؤمن فعبد صنف من النصارى عيسى ومريم جميعا، لأن عيسى عندهم روح من اللّه صار في مريم فهو غير مخلوق عندهم.

وقال صنف من الزنادقة وصنف من الروافض: أن روح آدم مثل ذلك أنه غير مخلوق، وتأولوا قوله تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾[15:29] وقوله تعالى:﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾[32:9] فزعموا أن روح آدم ليس بمخلوق كما تأول من قال: إن النور من الرب غير مخلوق، قال: ثم صاروا بعد آدم في الوصي بعده، ثم هو في كل نبي ووصي إلى أن صار في علي ثم في الحسن والحسين، ثم في كل وصي وإمام فيه يعلم الإمام كل شي ء ولا يحتاج أن يتعلم من أحد.

و لا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بني آدم كلها مخلوقة للّه، خلقها وأنشأها وكونها واخترعها ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾[45:13].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: روح الآدمي مخلوقة مبدعة باتفاق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنّة.

و قد حكى إجماع العلماء على أنها مخلوقة غير واحد من أئمة المسلمين مثل محمد بن نصر المروزي الإمام المشهور الذي هو من أعلم أهل زمانه بالإجماع و الاختلاف، وكذلك أبو محمد بن قتيبة قال في (كتاب اللفظ): لما تكلم على الروح قال النسم الأرواح. قال وأجمع الناس على أن اللّه تعالى هو خالق الحبة وبارئ النسمة أي خالق الروح. وقال أبو إسحاق بن شاقلا فيما أجاب به في هذه المسألة: سألت رحمك اللّه عن الروح مخلوقة هي أو غير مخلوقة؟ قال: وهذا مما لا يشك فيه من وفق للصواب أو الروح من الأشياء المخلوقة، وقد تكلم في هذه المسألة طوائف من أكابر العلماء والمشايخ، وردوا على من يزعم أنها غير مخلوقة، وصنف الحافظ أبو عبد اللّه بن منده في ذلك كتابا كبيرا، وقبله الإمام محمد بن نصر المروزي وغيره والشيخ أبو سعيد الخراز وأبو يعقوب النهر جوري والقاضي أبو يعلى.

و قد نص على ذلك الأئمة الكبار واشتد نكيرهم على من يقول ذلك في روح عيسى ابن مريم، فكيف بروح غيره، كما ذكره الإمام أحمد فيما كتبه في مجلسه في الرد على الزنادقة والجهمية: ثم إن الجهمي ادعى أمرا فقال: أنا أجد آية في كتاب اللّه مما يدل على أن القرآن مخلوق قول اللّه تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾[4:171] وعيسى مخلوق، قلنا له: إن اللّه تعالى منعك الفهم للقرآن، إن عيسى تجري عليه ألفاظ لا تجري على القرآن، لأنا نسميه مولودا وطفلا وصبيا وغلاما يأكل ويشرب، وهو مخاطب بالأمر والنهي، يجري عليه الخطاب والوعد والوعيد، ثم هو من ذرية نوح، ومن ذرية إبراهيم، فلا يحل لنا أن نقول في القرآن ما نقول في عيسى، فهل سمعتم اللّه يقول في القرآن ما قال في عيسى؟ ولكن المعنى في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ فالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له كن، فكان عيسى بكن، وليس عيسى هو كن. ولكن كان يكن فكن من اللّه قول وليس كن مخلوقا، وكذبت النصارى والجهمية على اللّه في أمر عيسى وذلك أن الجهمية قالوا: روح اللّه وكلمته إلا أن كلمته مخلوقة.

و قالت النصارى: عيسى روح اللّه وكلمته من ذاته، كما يقال: هذه الخرقة من هذا الثوب، قلنا نحن: إن عيسى بالكلمة كان، وليس عيسى هو الكلمة، وإنما قول اللّه تعالى لكِنْ وقوله ورُوحٌ مِنْهُ يقول: من أمره كان الروح فيه، كقوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾[45:13] يقول من أمره وتفسير روح اللّه إنما معناها بكلمة اللّه خلقا، كما يقال: عبد اللّه وسماء اللّه وأرض اللّه، فقد صرح بأن روح المسيح مخلوقة، فكيف بسائر الأرواح، وقد أضاف اللّه إليه الروح الذي أرسله إلى مريم، وهو عبده ورسوله، ولم يدل على ذلك أنه قديم مخلوق، فقال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾[19:17] ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا۝18قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا۝19﴾ [19:18—19] فهذا الروح، هو روح اللّه وهو عبده ورسوله.

و سنذكر إن شاء اللّه تعالى أقسام المضاف إلى اللّه وأين يكون المضاف صفة له قديمة وأين يكون مخلوقا وما ضابط ذلك.

هامش

هو الإمام أبو عبد اللّه محمد بن نصر المروزي، أحد الأعلام، كان رأسا في الفقه والحديث والعبارة، قال أبو إسحاق الشيرازي: كان من أعلم الناس بالاختلاف وصنف كتبا، وقال شيخه في الفقه محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم: كان محمد بن نصر عندنا إماما فكيف بخراسان؟ وقال غيره: لم يكن للشافعية في وقت مثله، سمع يحيى بن يحيى وشيبان بن فروخ وطبقتهما.

توفي بسمرقند سنة أربع وتسعين ومائتين.

أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (5/ 26) برقم 2642 وتمامه:

«فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جف القلم على علم اللّه» قال الترمذي: حديث حسن.

=====

فصل الأدلة على خلق الروح

و الذي يدل على خلقها وجوه:

الوجه الأول: قول اللّه تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[39:62] فهذا اللفظ عام ولا تخصيص فيه بوجه ما ولا يد في ذلك صفاته فإنها داخلة في مسمى باسمه، فاللّه سبحانه هو الإله الموصوف صفات الكمال، فعلمه وقدرته وحياته وإرادته وسمعه وبصره وسائر صفاته داخل في مسمى اسمه، وليس داخلا في الأشياء المخلوقة، كما لم تدخل ذاته فيها، فهو سبحانه بذاته وصفاته الخالق وما سواه مخلوق.

و معلوم قطعا أن الروح ليست هي اللّه، ولا صفة من صفاته، وإنما هي مصنوع من مصنوعاته، فوقوع الخلق عليها كوقوعه على الملائكة والجن والإنس.

الوجه الثاني: قوله تعالى لزكريا: ﴿وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾[19:9] وهذا الخطاب لروحه وبدنه ليس لبدنه فقط فإن البدن وحده لا يفهم ولا يخاطب ولا يعقل، وإنما الذي يفهم ويعقل ويخاطب هو الروح.

الوجه الثالث: قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [37:96].

الوجه الرابع: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾[7:11] وهذا الإخبار إنما يتناول أرواحنا كما يقول الجمهور، وإما أن يكون واقعا على الأرواح قبل الأجساد كما يقوله من يزعم ذلك، على التقديرين فهو صريح في خلق الأرواح.

الوجه الخامس: النصوص الدالة على أنه سبحانه ربنا ورب آبائنا الأولين ورب كل شي ء، وهذه الربوبية شاملة لأرواحنا وأبداننا، فالأرواح مربوبة له مملوكة، كما أن الأجسام كذلك، وكل مربوب مملوك فهو مخلوق.

الوجه السادس: أول سورة في القرآن وهي الفاتحة، تدل على أن الأرواح مخلوقة من عدة أوجه:

أحدها قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [1:2] والأرواح من جملة العالم فهو ربها.

الثاني قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [1:5] فالأرواح عابدة له مستعينة، ولو كانت غير مخلوقة لكانت معبودة مستعانا بها.

الثالث: أنها فقيرة إلى هواية فاطرها وربها، تسأله أن يهديها صراطه المستقيم.

الرابع: أنها منعم عليها مرحومة، ومغضوب عليها ضالة شقية، وهذا المربوب والمملوك لا شأن القديم غير المخلوق.

الوجه السابع: النصوص الدالة على أن الإنسان عبد بجملته وليست عبوديته واقعة على بدنه دون روحه بل عبودية الروح أصل وعبودية البدن تبع كما أنه تبع لها في الأحكام وهي التي تحركه وتستعمله، وهو تبع لها في العبودية.

الوجه الثامن: قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [76:1] فلو كانت روحه قديمة لكان الإنسان لم يزل شيئا مذكورا، فإنه إنما هو إنسان بروحه لا ببدنه فقط، كما قيل:

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته ... فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

الوجه التاسع: النصوص الدالة على أن اللّه سبحانه كان ولم يكن شي ء غيره، كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين، أن أهل اليمن قالوا: يا رسول اللّه جئناك لنتفقه في الدين، ونسألك عن أول هذا الأمر؟ فقال:

«كان اللّه ولم يكن شي ء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شي ء، فلم يكن مع اللّه أرواح ولا نفوس قديمة يساوي وجودها وجوده، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا، بل هو الأول وحده لا يشاركه غيره إلى أوليته بوجه [1].

الوجه العاشر: النصوص الدالة على خلق الملائكة وهم أرواح مستغنية عن أجساد تقوم بها وهم مخلوقون قبل خلق الإنسان وروحه، فإذا كان الملك الذي يحدث الروح في جسد ابن آدم بنفخته مخلوقا فكيف تكون الروح الحادثة بنفخة قديمة؟ وهؤلاء الغالطون يظنون أن الملك يرسل إلى الجنين بروح قديمة أزلية ينفخها فيه، كما يرسل الرسول بثوب إلى الإنسان يلبسه إياه وهذا ضلال وخطأ، وإنما يرسل اللّه سبحانه إليه الملك فينفخ فيه نفخة تحدث له الروح بواسطة تلك النفخة، فتكون النفخة هي سبب حصول الروح وحدوثها له، كما كان الوطء والإنزال سبب تكون جسمه، والغداء سبب نموه، فمادة الروح من نفخة الملك، ومادة الجسم من صب الماء في الرحم، فهذه مادة سماوية، وهذه مادة أرضية، فمن الناس من تغلب عليه المادة السماوية فتصير روحه علوية شريفة تناسب الملائكة، ومنهم من تغلب عليه المادة الأرضية فتصير روحه سلفية ترابية مهينة تناسب الأرواح السلفية، فالملك أب لروحه، والتراب أب لبدنه وجسمه.

الوجه الحادي عشر: حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه الذي في صحيح البخاري وغيره عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» [2]، والجنود المجندة لا تكون إلا مخلوقة، وهذا الحديث رواه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أبو هريرة وعائشة أم المؤمنين وسلمان الفارسي وعبد اللّه بن عباس وعبد اللّه بن مسعود وعبد اللّه بن عمرو وعلي بن أبي طالب وعمرو بن عبسة رضي اللّه عنهم.

الوجه الثاني عشر: أن توصيف الروح بالوفاة والقبض والإمساك والإرسال، وهو شأن المخلوق المحدث المربوب قال اللّه تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [39:42] والأنفس هاهنا هي الأرواح قطعا.

و في الصحيحين من حديث عبد اللّه بن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه قال:

سرينا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في سفر ذات ليلة، فقلنا: يا رسول اللّه لو عرست بنا، فقال: «إني أخاف أن تناموا فمن يوقظنا للصلاة؟» فقال بلال: أنا يا رسول اللّه، فعرس بالقوم فاضطجعوا وأسند بلال إلى راحلته، فغلبته عيناه، فاستيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد طلع جانب الشمس فقال: «يا بلال أين ما قلت لنا؟» فقال: والذي بعثك بالحق ما ألقيت على نومة مثلها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «إن اللّه قبض أرواحكم حين شاء وردها حين شاء» [3] فهذه الروح المقبوضة هي النفس التي يتوفاها اللّه حين موتها وفي منامها التي يتوفاها ملك الموت، وهي التي تتوفاها رسل اللّه سبحانه وهي التي يجلس الملك عند رأس صاحبها ويخرجها من بدنه كرها ويكفنها بكفن من الجنة أو النار ويصعد بها إلى السماء فتصلي عليها الملائكة أو تعلنها وتوقف بين يدي ربها فيقضي فيها أمره ثم تعاد إلى الأرض فتدخل بين الميت وأكفانه فيسأل ويمتحن ويعاقب وينعم، وهي التي تجعل في أجواف الطير الخضر تأكل وتشرب من الجنة، وهي التي تعرض على النار غدوا وعشيا، وهي التي تؤمن وتكفر وتطيع وتعصي.

و هي الأمارة بالسوء وهي اللوّامة وهي المطمئنة إلى ربها وأمره وذكره، وهي التي تعذب وتنعم وتسعد وتشقى وتحبس وترسل وتصح وتسقم وتلد وتألم وتخاف وتحزن وما ذالا إلا سمات مخلوق مبدع، وصفات منشأ مخترع. وأحكام مربوب مدبر مصرف تحت مشيئة خالقه وفاطره وبارئه، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول عند نومه: «اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها فإن أمسكتها فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» وهو تعالى بارئ النفوس كما هو بارئ الأجساد قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [57:22] قيل من قبل أن نبرأ المصيبة، وقيل من قبل أن نبرأ الأرض وقيل من قبل أن نبرأ الأنفس وهو أولى لأنه أقرب مذكور إلى الضمير: ولو قيل يرجع إلى الثلاثة أي من قبل أن نبرأ المصيبة والأرض والأنفس لكان أوجه.

و كيف تكون قديمة مستغنية عن خالف مبدع لها وشواهد الفقر والحاجة والضرورة أعدل شواهد على أنها مخلوقة مربوبة مصنوعة وأن وجود ذاتها وصفاتها وأفعالها من ربها وفاطرها ليس لها من نفسها إلا العدم فهي لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا لا تستطيع أن تأخذ من الخير إلا ما أعطاها وتنقي من الشر إلا ما وقاها، ولا تهتدي إلى شي ء من مصالح دنياها وأخراها إلا بهداه، وتصلح إلا بتوفيقه لها وإصلاحه إياها، ولا تعلم إلا ما علمها. ولا تتعدى ما ألهمها، فهو الذي خلقها فسواها وألهمها فجورها وتقواها.

فأخبر سبحانه أنه خالقها ومبدعها وخالق أفعالها من الفجور والتقوى خلافا لمن يقول أنها ليست مخلوقة ولمن يقول أنها وإن كانت مخلوقة فليس خالقا لأفعالها بل هي التي تخلق أفعالها وهما قولان لأهل الضلال والغي.

و معلوم أنها لو كانت قديمة غير مخلوقة لكانت مستغنية بنفسها في وجودها وصفاتها وكمالها وهذا من أبطل الباطل. فإن فقرها إليه سبحانه في وجودها وصلاحها هو من لوازم ذاتها وليس معللا بعلة، فإنه أمر ذاتي لها كما أن غنى ربها وفاطرها ومبدعها من لوازم ذاته ليس معللا بعلة، فهو سبحانه الغني بالذات، وهي الفقيرة إليه بالذات، فلا يشاركه سبحانه في غناه مشارك، كما لا يشاركه في قدمه و ربوبيته وملكه التام وكماله المقدس مشارك، فشواهد الخلق والحدوث على الأرواح كشواهده على الأبدان.

قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [35:15] وهذا الخطاب بالفقر إليه للأرواح والأبدان ليس هو للأبدان فقط، وهذا الغنى التام للّه وحده لا يشركه فيه غيره، وقد أرشد اللّه سبحانه عباده إلى أوضح دليل على ذلك بقوله ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ۝83وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ۝84وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ۝85فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ۝86تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ۝87﴾ [56:83—87] أي فلولا إن كنتم غير مملوكين ومقهورين ومربوبين ومجازين بأعمالكم تردون الأرواح إلى الأبدان إذا وصلت إلى هذا الموضع، أو لا تعلمون بذلك أنها مدينة مربوبة محاسبة مجزية بعلمها.

و كل ما تقدم ذكره في هذا الجواب من أحكام الروح وشأنها ومستقرها بعد الموت فهو دليل على أنها مخلوقة مربوبة مدبرة ليست بقديمة.

و هذا الأمر أوضح من أن تساق الأدلة عليه، ولو لا ضلال من المتصوفة وأهل البدع ومن قصر فهمه في كتاب اللّه وسنّة رسوله فأتى من سوء الفهم لا من النص تكلموا في أنفسهم وأرواحهم بما دل على أنهم من أجهل الناس بها، وكيف يمكن من له أدنى مسكة من عقل أن ينكر أمرا تشهد به عليه نفسه وصفاته وأفعاله وجوارحه وأعضاؤه، بل تشهد به السموات والأرض والخليقة، فللّه سبحانه في كل ما سواه آية، بل آيات تدل على أنه مخلوق مربوب، وأنه خالقه وربه وبارؤه ومليكه، ولو جحد ذلك فمعه شاهد عليه.

هامش

أخرجه النسائي في باب الجماعة للفائت (2/ 105).

أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب الأرواح جنود مجندة (4/ 104).

رواه البخاري في المواقيت 35 والتوحيد 31، ورواه أبو داود في الصلاة 11، والنسائي في الإمامة 47 وأحمد في مسنده 307/5.

======

فصل القرآن يدل على خلقه تعالى للأرواح

وأما ما احتجت به هذه الطائفة فأما، ما أتوا به من اتباع متشابه القرآن والعدول عن محكمه فهذا شأن كل ضلال ومبدع.

فمحكم القرآن من أوله إلى آخره يدل على أن اللّه تعالى خالق الأرواح ومبدعها.

و أما قوله تعالى: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[17:85] فمعلوم قطعا أنه ليس المراد هاهنا بالأمر الطلب الذي هو أحد أنواع الكلام، فيكون المراد أن الروح كلامه الذي يأمر به، بل إنما المراد بالأمر هاهنا المأمور، وهو عرف مستعمل في لغة العرب، وفي القرآن منه كثير كقوله تعالى: ﴿أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ﴾[16:1] أي مأموره الذي قدره وقضاه وقال له: كن فيكون. وكذلك قوله تعالى: ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾[11:101] أي مأموره الذي أمر به من إهلاكهم، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾[16:77] وكذلك الخلق يستعمل بمعنى المخلوق كقوله تعالى للجنة أنت رحمتي فليس في قوله تعالى ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[17:85] ما يدل على أنها قديمة غير مخلوقة بوجه ما.

و قد قال بعض السلف في تفسيرها: جرى بأمر اللّه في أجساد الخلق وبقدرته استقر.

و هذا بناء على أن المراد بالروح في الآية روح الإنسان وفي ذلك خلاف بين السلف والخلف وأكثر السلف بل كلهم على أن الروح المسئول عنها في الآية ليست أرواح بني آدم بل هو الروح الذي أخبر اللّه عنه في كتابه أن يقوم يوم القيامة مع الملائكة وهو ملك عظيم [1].

و قد ثبت في الصحيح من حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه قال: بينا أنا أمشي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حرة المدينة وهو متكئ على عسيب، فمررنا على نفر من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم لا تسألوه عسى أن يخبر فيه بشي ء تكرهونه، وقال بعضهم نسأله، فقام رجل فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت، فلما تجلى عنه قال ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [17:85] [2].

و معلوم أنهم إنما سألوه عن أمر لا يعرف إلا بالوحي وذلك هو الروح الذي عند اللّه لا يعلمها الناس.

و أما أرواح بني آدم فليست من الغيب، وقد تكلم فيها طوائف من الناس من أهل الملل وغيرهم، فلم يكن الجواب عنها من أعلام النبوة.

فإن قيل: فقد قال أبو الشيخ: حدثنا الحسين بن محمد بن إبراهيم، أنبأنا إبراهيم بن الحكم عن أبيه، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس قال:

بعثت قريش عقبة بن أبي معيط وعبد اللّه بن أبي أمية بن المغيرة إلى يهود المدينة يسألونهم عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، فقالوا لهم: إنه قد خرج فينا رجل يزعم أنه نبي وليس على ديننا ولا على دينكم، قالوا: فمن تبعه؟ قالوا: سفلتنا والضعفاء والعبيد ومن لا خير فيه، وأما أشراف قومه فلم يتبعوه، فقالوا: إنه قد أظل زمان نبي يخرج، وهو على ما تصفون من أمر هذا الرجل فأتوه فاسألوه عن ثلاث خصال نأمركم بهن، فأن أخبركم بهن فهو نبي صادق، وإن لم يخبركم بهن فهو كذاب: سلوه عن الروح التي نفخ اللّه تعالى في آدم، فإن قال لكم: هي من اللّه، فقولوا كيف يعذب اللّه في النار شيئا هو منه؟ فسأل جبريل عنها فأنزل اللّه عز وجل ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[17:85] يقول: هو خلق من خلق اللّه ليس هو من اللّه. ثم ذكر باقي الحديث.

قيل: مثل هذا الإسناد لا يحتج به، فإنه من تفسير السدي عن أبي مالك وفيه أشياء منكرة، وسياق هذه القصة في السؤال من الصحاح والمسانيد كلها تخالف سياق السدي، وقد رواها الأعمش والمغيرة بن مقسم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه، قال: مر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على ملأ من اليهود و أنا أمشي معه فسألوه عن الروح قال: فسكت، فظننت أنه يوحى إليه، فنزلت ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [17:85].

و كذلك هي في قراءة عبد اللّه [3] فقالوا كذلك نجد مثله في التوراة أن الروح من أمر اللّه عز وجل. رواه جرير بن عبد الحميد وغيره عن المغيرة.

و روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: أتت اليهود إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فسألوه عن الروح فلم يجبهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بشي ء فأنزل اللّه عز وجل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [17:85].

فهذا يدل على ضعف حديث السدي وأن السؤال كان بمكة وكان هذا الحديث، وحديث ابن مسعود صريح في أن السؤال كان بالمدينة مباشرة من اليهود، ولو كان قد تقدم السؤال والجواب بمكة لم يسكت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وبادر إلى جوابهم بما تقدم من كلام اللّه له وما أنزل عليه.

و قد اضطربت الروايات عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أعظم اضطراب، فإما أن تكون من قبل الرواة، أو تكون أقواله قد اضطربت فيها، ونحن نذكر ذلك:

فقد ذكرنا رواية السدي عن أبي مالك عنه، ورواية داود بن أبي هند عن عكرمة عنه تخالفها، وفي رواية داود بن أبي هند هذه اضطراب، فقال مسروق بن المرزبان وإبراهيم بن أبي طالب عن يحيى بن زكريا عنه [أن] [4] اليهود أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم .. الحديث.

و قال محمد بن نصر المروزي: حدثنا إسحاق، أنبأنا يحيى بن زكريا عن داود بن أبي هند عند عكرمة عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فنزلت: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾[17:85] الآية. وهذا يخالف الرواية الأخرى عنه وحديث ابن مسعود.

و عن ابن عباس رواية ثالثة، قال هشيم: حدثنا أبو بشر عن مجاهد عن ابن عباس: قل الروح أمر من أمر اللّه عز وجل، وخلق من خلق اللّه، وصور مثل صور بني آدم، وما نزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح. وهذا يدل على أنها غير الروح التي في ابن آدم.

و عنه رواية رابعة: قال ابن منده: روى عبد السلام بن حرب، عن خصيف عن مجاهد عن ابن عباس: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[17:85] قد نزل من القرآن بمنزلة كن، نقول كما قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[17:85] ثم ساق من طريق خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يفسر أربعة أشياء: الرقيم والغسلين والروح.

و قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾[45:13].

و عنه رواية خامسة رواها جويبر عن الضحاك عنه: أن اليهود سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الروح: فقال: قال اللّه تعالى: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[17:85] يعني خلقا من خلقي: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾[17:85] يعني لو سألتم عن خلق أنفسكم وعن مدخل الطعام والشراب ومخرجها ما وصفتم ذلك حق صفته وما أهديتم لصفتها.

و عنه رواية سادسة: روى عبد الغني بن سعيد حدثنا موسى بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس، وعن مقاتل عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾[17:85] وذلك أن قريشا اجتمعت، فقال بعضهم لبعض: واللّه ما كان محمد يكذب، وقد نشأ فينا بالصدق والأمانة، فأرسلوا جماعة إلى اليهود فسألوهم عنه، وكانوا مستبشرين به، ويكثرون ذكره، ويدعون نبوته، ويرجون نصرته موقنين بأنه سيهاجر إليهم، ويكونون له أنصارا، فسألوهم عنه، فقالت لهم اليهود: سلوه عن ثلاث: سلوه عن الروح وذلك أنه ليس في التوراة قصته ولا تفسيره إلا ذكر اسم الروح فأنزل اللّه تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[17:85] يريد من خلق ربي عز وجل.

و الروح في القرآن على عدة أوجه:

أحدها: الوحي كقوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾[42:52]، وقوله تعالى: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾[40:15] وسمى الوحي روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح.

الثاني: القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين كما قال أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه.

الثالث: جبريل كقوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [26:193]﴿عَلَىٰ قَلْبِكَ﴾[26:194] وقال تعالى: ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾[2:97] وهو روح القدس، قال تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ﴾[16:102].

الرابع: الروح التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر اللّه، وقد قيل أنها الروح المذكورة في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ﴾[78:38] وأنها الروح المذكورة في قوله ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم﴾[97:4].

الخامس: المسيح ابن مريم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾[4:171]. وأما أرواح بني آدم فلم تقع تسميتها في القرآن إلا بالنفس قال تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ [89:27] وقال تعالى: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [75:2] وقال تعالى:﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾[12:53] وقال تعالى: ﴿خْرِجُوا أَنفُسَكُمُ﴾[6:93] وقال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا۝7فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا۝8﴾ [91:7—8] وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾[3:185]، وأما في السنّة فجاءت بلفظ النفس والروح.

و المقصود أن كونها من أمر اللّه لا يدل على قدمها وأنها غير مخلوقة.

هامش

زيدت على المطبوع.

قال ابن عباس: هو جبريل عليه السلام، مستدلا على ذلك بقوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [26:193]﴿عَلَىٰ قَلْبِكَ﴾[26:194] واستدل الحسن بالقرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾[42:52].

وفي رواية أخرى أن اليهود بعثت إلى قريش أن سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح، فإن أجاب عن الكل أو سكت عن الكل فليس بنبي، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي، فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في القرآن، فقدموا على سؤالهم.

قراءة عبد اللّه بن مسعود: وما أوتوا.

=======================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق