الأربعاء، 22 يونيو 2022

تابع 5ـ صَلاةُ الْجَنَازَةِ بين المَشْرُوعِ وَالمَمْنُوعِ (سـؤال وجــواب)

 


5ـ صَلاةُ الْجَنَازَةِ بين المَشْرُوعِ وَالمَمْنُوعِ

(سـؤال وجــواب)

M

إن الحمد لله تعالى نحمده   ونستعينه  ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا ِِإله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.....

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }         (سورة آل عمران: 102)

 

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}     (سورة النساء: 1)

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }          (سورة الأحزاب:70،71)

 

أما بعد....،

فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها، وكل

محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 


س: ما حكم صلاة الجنازة ؟

الصلاة على الجنازة فرض كفاية، إذا فعله بعض المسلمين سقط عن الباقين

ودليل ذلك:- أن النبي r أمر بها في أكثر من حديث

فقد أخرج البخاري عن أبى هريرة t:

"أن النبي r كان يؤتى بالرجل المُتَوَفَّى وعليه دين، فيسأل هل ترك لديْنِه فضلاً ؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى، وإلا قال للمسلين: صلوا على صاحبكم"

وأخرج الإمام مـالك في الموطأ وأبو داود والنسـائي وابن ماجة وأحمد بسند صحيح

عن زيد بن خالد الجهني t:

"أن رجلاً من أصحاب النبي r تُوفِّي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله r فقال: "صلوا على صاحبكم" فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقـال: إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوى درهمين".    (صححه الألباني في الإرواء: 726)

وقول النبي r: "صلوا على صاحبكم" هذا أمر، والأمر كما هو معلوم يفيد الوجوب، وكون النبي r يجعلهم يصلوا عليه ويمتنع هو، يفيد أنه فرض كفاية.

 

س: هل يسقط الفرض (صلاة الجنازة) بصلاة الصبيان عليها؟

جـ: قال النووي -كما في المجموع:

وأما الصبيان المميزون فمعلوم أنه لا يتوجه إليهم هذا الفرض، وهل يسقط بصلاتهم؟ فيه وجهان حكاهما البغوي والمتولي وآخرون: أصحهما يسقط. قال البغوي: ونصَّ عليه الشافعي؛ لأنه تصح إمامته فأشبه البالغ.

 

س: هل تجب الجماعة في صلاة الجنازة ؟

والجواب: نعم. تجب الجماعة في صلاة الجنازة، وذلك لمداومة النبي r على صلاة الجنازة في جماعة. وهو القائل كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري:

"صلوا كما رأيتموني أصلى".

لكن ماذا إذا صلى الناس على الجنازة فُرادى ؟

قال الألباني ـ رحمه الله ـ:

فإن صلوا عليها فرادى، سقط الفرض وأثموا بترك الجماعة. والله أعلم.

س: ما هو أقل عدد ينعقد به صلاة الجنازة ؟

جـ: أقل ما ورد في انعقاد الجماعة في صلاة الجنازة هو ثلاثة.

وذلك للحديث الذي أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن أبى طلحة:

"أن أبا طلحة دعا رسول الله r إلى عُمَير بن أبي طلحة حين توفي فأتاه رسول الله r فصلى عليه في منزلهم فتقدم رسول الله r وكان أبو طلحة وراءه، وأم سليم وراء أبى طلحة ولم يكن معهم غيرهم".

تنبيهات:

إذا لم يوجد مع الإمام غير رجل واحد؛ فإنه لا يقف حذاءه كما هو السنة في سائر الصلوات، بل يقف خلف الإمام للحديث السابق.

الأصل في صلاة الجنازة أنها كالصلاة المكتوبة، من حيث تسوية الصفوف وإتمام الصف الأول فالأول، فإذا كانت الصفوف أقل من ثلاثة ، فعلى الإمام أن يُجَزِّأَهُم ويَصُفُّهم وراءه ثلاثة صفوف.

فقد أخرج الحاكم الطبراني في المعجم الكبير بسند فيه مقال عن أبى أمامة t قال:

"صلى رسول الله r على جنازة ومعه سبعة نفر فجعل ثلاثاً صفاً، واثنين صفاً، واثنين صفاً".                                                      (قال الهيثمى في المجمع: والحديث فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف،

قال الألباني ـ رحمه الله ـ اتُّهِمَ ابن لهيعة من قبل حفظه، ولا تهمة له في نفسه، فحديثه في الشواهد لا بأس به).

لكن هناك حديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن مالك بن هبيرة قال:

قال رسول الله r:"ما من مسلم يموت، فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب"

– أي وجبت له الجنة –، وفي لفظ: "إلا غُفِرَ له"

(قال النووي في المجموع (5/212) حديث حسن، وأقره الحافظ في الفتح (3/145)

(لكن ضعفه الألباني في ضعيف الجامع: 5224 ، 5680، وفي أحكام الجنائز صـ 100 )

وكان مالك بن هبيرة يتحرى إذا قلَّ أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف.(رواه الخمسة إلا النسائي)

وكان مالك ـ رحمه الله ـ إمام دار الهجرة، إذا استقبل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف   للحديث.

3 – يستحب أن يكثر الجمع في صلاة الجنازة:

فقد أخرج الإمام مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها – عن النبيr قال:

"ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شُفِّعُوا فيه" – وفي رواية – "إلا غُفِرَ له".

وأخرج ابن ماجة من حديث أبى هريرة t أن النبي r قال:

"مَن صلَّى عليه مائة من المسلمين غُفِرَ له".

 

ولو صلى على الميت أربعون رجلاً لم يخالط توحيدهم شيء من الشرك، إلا شُفِّعُوا فيه.

وذلك للحديث الذي أخرجه مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:

"أنه مات ابن له بقديد – أو بعسفان – فقال: يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس،

قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته، فقال: تقول: هم أربعون ؟ قال: نعم.

قال: أخرجوه، فإني سمعت رسول الله r يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه".

 

س: ما فضل صلاة الجنازة ؟

من صلى الجنازة، فله قيراط في الجنة، والقيراط: مثل جبل أحد، أو مثل الجبل العظيم.

ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبى هريرة t أن النبي r قال:

"من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان

قيل: وما القيراطان ؟ قال مثل الجبلين العظيمين".

وأخرج الإمام مسلم عن ثوبان t مولى النبي r قال: أن رسول الله r قال:

"مَن صَلَّى جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط: مثل أُحُد".

 

س: هل يُصلَّى على الطفل ؟

جـ: نعم. تشرع الصلاة على الطفل وهو قول الجمهور ، والمقصود بالطفل: أي الذي لم يبلغ الحلم.

وذلك للحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة – رضي الله عنها - قالت:

"أتى رسول الله r بصبي من صبيان الأنصار، فصلَّى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءاً ولم يدرك، قال: أوغير ذلك يا عائشة ؟ خلق الله U الجنَّة، وخلق لها أهلاً، وخلقهم في أصلاب آبائهم".

وأخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة أن النبي r قال:

" الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يُصلى عليه"


تنبيهات:

1ـ ذهب الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ:

إلى أن الصلاة على الطفل ليس على الوجوب، إنما هو مشروع فقط،

وقد ذهب إلى ذلك أيضاً ابن حزم ودليلهما:-

ما أخرجه الإمام أحمد من حديث أنس t:

أنه سئل: صَلَّى رسول الله r على ابنه إبراهيم ؟ قال: لا أدرى"

ولو كان صلى عليه لم يخف ذلك على أنس – وقد خدمه عشر سنين

وأخرج أبو داود وأحمد من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت:

"مات إبراهيم ابن رسول اللهr وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فلم يصلِّ عليه رسول الله r"

"حديث ضعيف جداً"           (قال المناوي في فيض القدير(1/199): قال أحمد: وهذا الحديث منكر جداً)

والحديث ضعيف وعلى فرض صحته فقد أجاب العلماء ـ رحمهم الله ـ بعدة أجوبة

ذكرها صاحب كتاب عون المعبود حيث قال في شرحه لقول عائشة: " فلم يصلِّ عليه"

قال: كان بعض أهل العلم يتأول ذلك على أنه إنما ترك الصلاة عليه لأنه قد استغنى إبراهيم عن الصلاة عليه بنبوة أبيه، كما استغنى الشهداء بقربة الشهادة عن الصلاة عليهم. أهـ

وقال الزيلعي في نصب الراية، وكذا قال الزركشي:

ذكروا في ذلك وجوهاً منها:-

أنه لا يُصلِّي نبي على نبي، وقد جاء أنه لو عاش لكان نبياً. ومنها: أنه شغل لصلاة الكسوف،

وقيل: المعنى إنه لم يصلِِّ عليه بنفسه، وصلَّى عليه غيره. وقيل: إنه لم يصلِّ عليه في جماعة.

 

 

 

 

 

 

 

 

2ـ اختلف أهل العلم في صيغة الدعاء للطفل، هل تختلف عن صيغة الدعاء للكبير؟

قال البعض: نعم. تختلف، وسبب الاختلاف: هو كون الطفل الصغير الذي مات دون الحلم متفقاً على أنه من أهل الجنة، وأنه ليس عليه إثم قط. ودليل ما سبق:-

ما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد عن المغيرة بن شعبة عن النبي r قال: "والطفل وفي رواية – والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة"

وقال بعض أهل العلم: بل هذا الحديث موقوف على المغيرة بن شعبة.

ما أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرازق والطبراني عن الحسن البصري - رحمه الله-: "أنه كان إذا صلى على الطفل قال. اللهم اجعله لنا فرطاً واجعله لنا أجراً".

وقال الشوكاني في نيل الأوطار:

إذا كان المُصَلَّى عليه طفلاً، استحب أن يقول المُصَلِّى: "اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وأجراً".

(روى ذلك البيهقي من حديث أبى هريرة (t

وقال النووي في الأذكارصـ156: قال أصحابنا:

فإن كان الميت طفلاً، دعا لأبويه فقال: "اللهم اجعله لهما فرطاً، واجعله لهما سلفاً، واجعله لهما ذُخراً، وثقِّل به موازينهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجره"

 

بينما ذهب آخرون: إلى أنه لا فرق بين الكبير والصغير في ذلك ـ أي في الدعاء ـ

إذ لم يثبت عن النبي r ما يفيد تخصيص الصغير بدعاء خاص.

قال في عون المعبود:

"وأما الصلاة على الطفل الذي لم يبلغ الحلم كالصلاة على الكبير، ولم يثبت عن النبي r بسند صحيح أنه عَلَّمَ أصحابه دعاء آخر للميت الصغير، غير الدعاء الذي علمهم للميت الكبير بل كان يقول:

"اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا " كما عرفت. أهـ

وقد ثبت في موطأ الإمام مالك وفي مصنفي ابن أبي شيبة وعبد الرازق عن أبى هريرة t:

أنه صلَّى على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط، فقال: اللهم أعيذه من عذاب القبر".

وهذا الأثر مخالف لما عليه الجمهور؛ لأنه كما هو معلوم أن الأطفال إذا ماتوا دون البلوغ أو سن التكليف فهم من أهل الجنَّة، وهذا هو رأي الجمهور، فكيف يدعو أبو هريرة t لهذا الطفل بأن يعيذه الله من عذاب القبر، وهو من أهل الجنَّة.

ولذلك اختلف أهل العلم في فهم المراد من دعائه:

فقال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ  كما في الاستذكار (8/257):

عذاب القبر غير فتنته بدلائل من السنة الثابتة.... وقال بعضهم: ليس المراد بعذاب القبر هنا عقوبته ولا السؤال، بل مجرد الألم بالغم والهم والحسرة والوحشة والضغطة وذلك يعم الأطفال وغيرهم.

وقال الباجيُّ: يحتمل أن يكون أبو هريرة اعتقده لشيء سمعه من المصطفى r أن عذاب القبر عام في الصغير والكبير، وأن الفتنة فيه لا تسقط عن الصغير بعدم التكليف في الدنيا. أي: لأن الله تعالى يفعل ما يشاء.

وقال أبو عبد الملك: يحتمل أنه قال ذلك على العادة في الصلاة على الكبير، أو ظن أنه كبير، أو دعا له على معنى الزيادة ،كما كانت الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ تدعو الله أن يرحمها وتستغفره (وهم المعصومون).

وقال أيضاً في عون المعبود (8/346) :

فالدعاء للطفل على معنى الزيادة كما كانت الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام – تدعو الله أن يرحمها وتستغفره. أهـ

ولا مانع عند الدعاء للطفل أن يدعو بالوقاية من عذاب القبر مع الدعاء لوالديه.

 

3 – قد يظن البعض في الحديث السـابق أن الأطفـال منهم من يدخل النار، وهذا خلاف الإجماع:

يقول ابن قدامة ـ رحمه الله ـ  كما في المغنى (13/254):

سئل الإمام أحمد عن أطفال المسلمين فقال: ليس فيه اختلاف أنهم في الجنة. أهـ

 

وقد أجاب الإمام النووي كما في شرح مسلم (8/462) عن هذه الإشكالية التي وردت في حديث عائشة – رضي الله عنها –  السابق عندما قالت: " طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءاً ولم يدرك، فقال النبي r: أوغير ذلك يا عائشة ؟"

فقال ـ رحمه الله ـ: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة؛ لأنه ليس مكلفاً. وتوقف فيه بعض مَن لا يعتد به لحديث عائشة السابق، وأجاب العلماء بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع. كما أنكر على سعد بن أبى وقاص في قوله: "أعطه إني لأراه مؤمناً، قال أو مسلماً – ... الحديث

ويحتمل أنه r قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة، فلما علم قال ذلك. أهـ

س: هل يصلى على السقط  "وهو المولود الذي تضعه المرأة ميتاً أو لغير تمام" ؟

لا خلاف بين أهل العلم أن السقط إذا استهل صارخاً أو عاطساً (يعنى نزل حياً) ولو إلى دقائق غُسِّل وكُفِّن وصُلِّى عليه.

ـ استهل: صاح عند ولاداته

قال ابن المنذر ـ رحمه الله ـ كما في الإجماع صـ 30:

وأجمعوا على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل صُلِّى عليه. أهـ

وقال الشافعي ـ رحمه الله ـ: لو ظهر منه (السقط) ما يدل على حياته: كأن تحرك، أو تنفس،

غُسِّل وكُفِّن وصُلِّى عليه.

للحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي والبيهقي وغيرهم عن جابر عن النبي r  قال: "إذا استهل الصبي صلى عليه، وورث"

(والحديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع:363)

وإن كان الحديث ضعيف، إلا أنه لا خلاف بين أهل العلم أنه لو نزل حياً ولو لدقائق، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه.

 

إنما الخلاف وقع في السقط إذا لم يستهل:

فذهب قوم إلى: أنه لا يصلى عليه.

يروى ذلك عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، وبه قال الزهري، وهو قول الثوري، والأوزاعي، ومالك والشافعي وأصحاب الرأي.                                           (انظر شرح السنة للبغوي:5/373)

واستدلوا بما أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن جابر بن عبد الله والمسور بن محزمة ـ رضي الله عنهما – أن رسول الله r قال:

"لا يرث الصبي حتى يستهل صارخاً "

وعند أبى داود بسند فيه مقال عن أبى هريرة عن النبي r قال:

"إذا استهلَّ المولود ورث"                                                 (ضعيف الجامع:363 )

 

 

 

 

 

 

وذهب فريق من أهل العلم: إلى أنه يصلى عليه.

ويروى ذلك عن ابن عمر - رضي الله عنهما – وأبى هريرة t، وبه قال ابن سيرين وابن المسيب، وهو قول أحمد وإسحاق.

واستدلوا بالحديث الذي أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد عن المغيرة بن شعبة أن النبي r قال:

"والطفل – وفي رواية –: "والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة"

(صححه الألباني في الإرواء (716)، صحيح الجامع:3525)

والبعض ضعف لفظة: "الطفل"

والبعض ضعف هذا الحديث، وقالوا:

لا يصح مرفوعاً، ولكنه صحيح موقوف على المغيرة. والله أعلم

وقد نقل البغوي ـ رحمه الله ـ كمـا في شرح السنة (5/373) قول إسحـاق

وقد أجاب عن استدلال الفريق الأول ونرى فيه:

"لا يرث الصبي حتى يستهل صارخاً "

فقال: إنما الميراث بالاستهلال، أما الصلاة فإنه يصلى عليه؛ لأنه نسمة كتب عليه الشقاء والسعادة.

وقد نقل الخطابى ـ رحمه الله ـ كما في معالم السنن (1/268) عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية أنهما قالا:

كل ما نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر وعشر صلى عليه. أهـ

والخلاصة:

ما قاله النووي ـ رحمه الله ـ حيث قال:

والظاهر أن السقط إنما يصلى عليه إذا كان قد نفخت فيه الروح وذلك إذا أستكمل أربعة أشهر، ثم مات، فأما إذا سقط قبل ذلك فلا لإنه ليس بميت كما لا يخفى.

وأصل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود t قال: حدثني الصادق المصدوق قال:

"إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً يؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح".

معاملة السقط:

السؤال الثاني من الفتوى رقم (3817)

س: أفيدكم أن زوجتي قبل وفاتها أسقطت جنيناً له أربعة شهور، وقد أخذته ودفنته بدون صلاة عليه، فأرجوكم إفادتي إن كان علىَّ شيء ؟

كان ينبغي أن يغسل ويكفن ويصلى عليه على الصحيح من أقول العلماء ما دام قد أتم أربعة أشهر، لعموم ما رواه أبو داود والترمذي عن المغيرة بن شعبة  t أن النبي r قال:

"السقط يصلى عليه"                                                        (أحمد وأبو داود والترمذي)

ولكن قد فات المطلوب ولا شيء عليك.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

س: هل يصلى على شهيد المعركة ؟

والجواب أن أهل العلم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه لا يصلى عليه

وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق وإحدى الروايات عن أحمد. وقد استدلوا بجملة أدلة منها:

1 – ما أخرجه البخاري عن جابر t في قتلى أُحُد وفي الحديث أنه قال:

"وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسَّلوا ولم يصلِّ عليهم "

2 – وأخرج أبو داود بسند حسن عن أنس t قال:

"إن النبي r مرَّ بحمزة وقد مُثِّل به، ولم يصلِّ على أحد من الشهداء غيره يعنى شهداء أحد"

وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/210) عن الدارقطني ـ رحمه الله ـ قال:

"هذه اللفظة غير محفوظة" يعنى غيره، وعلى هذا فيكون لفظ الحديث: ولم يصلِّ على أحد

3 – ما أخرجه الإمام مسلم عن أبى برزة t في قصة مقتل جليبيب وفيه قال:

"فوضعه النبي r على ساعديه ليس له سرير إلا ساعدي النبي r

قال: فحفر له ووُضِع في قبره ولم يذكر غسلاً"

وقالوا: إن العلة في ترك الصلاة عليهم بكونهم أحياء عند ربهم، والصلاة إنما شرعت في حق الموتى، ويحتمل أن ذلك لغناهم عن الشفاعة، فإن الشهيد يشفع في سبعين من أهله، فلا يحتاج هو إلى شفيع، والصلاة إنما شرعت للشفاعة.

القول الثاني: أنه تجب الصلاة على الشهيد

وهو مذهب أبى حنيفة والثوري وابن المسيب والحسن وإليه ذهب العترة، و استدلوا بجملة أدلة منها:

1 – ما أخرجه الطحاوي في معاني الآثار عن عبد الله بن الزبير

"أن رسول الله r أمر يوم أحد بحمزة فسجى ببردة ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يصفون ويصلى عليهم وعليه معهم".

وفي رواية أخرى عند الطبراني من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما – قال:

"لما وقف رسول الله r على حمزة أمر به فهيئ إلى القبلة ثم كبر عليه تسعاً ثم جمع عليه الشهداء، كلما أوتى بشهيد وضع إلى حمزة فصلى عليه وعلى الشهداء معه حتى صلى عليه وعلى الشهداء أثنين وسبعين صلاة".

وقالوا أن وجه الجمع بين هذه الأحاديث والأحاديث التي تنفي أنه صلى عليهم أنه r لم يصلى على أحد من الشهداء استقلالاً.

2 – واستدلوا كذلك بما  رواه النسائي وغيره بسند صحيح عن شداد بن الهاد t:

"أن رجلاً من الأعراب جاء إلي النبي r فآمن به واتَّبَعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي r بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي r فيها سبياً فقسم، وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاءهم دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟

قالوا: قسم قسمه لك النبي r، فأخذه فجاء به إلى النبي r فقال: ما هذا؟ قال: قسمته لك، قال الرجل: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى إلى هاهنا ـ وأشار إلى حلقه – بسهم فأموت وأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي r يحمل، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي r:

أهو هو؟ قالوا: نعم. قال: صدق الله فصدقه، ثم كفَّنَهُ النبي في جبة له، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته "اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً أنا شهيدٌ على ذلك"

ـ فهذا الرجل مات شهيداً، وصلى عليه النبي r كما مر في الحديث.

3 – واستدلوا أيضاً ما أخرجه البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر t:

"أن النبي r صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين صلاته على الميت، كالمودع للأحياء والأموات".

القول الثالث: وهو القول الراجح: وهو أنه يجوز الفعل والترك.

فإن صلى على قتيل المعركة فحسن، وإن لم يصلي عليه فحسن، وبهذا يمكن العمل بجميع النصوص الثابتة.

وهذا مذهب ابن حزم وهو إحدى الروايات عن أحمد واستصوبه ابن القيم ـ رحمه الله ـ

حيث قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في تهذيب السنن:

والصواب في المسألة أنه يخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين.

وقال الألباني ـ رحمه الله ـ:

ولا شك أن الصلاة عليهم أفضل من الترك إذا تيسرت لأنها دعاء وعباده.

 

تنبيه:

شهيد غير المعركة فإنه يُغسَّل ويُصلَّى عليه كسائر الموتى.

فقد جاء في كتاب "المغني" فصل:

فأما الشهيد بغير قتل، كالمبطون، والمطعون، والغريق، وصاحب الهدم، والنفساء، فإنهم يُغسَّلون، ويُصلى عليهم، لا نعلم فيه خلافاً، إلا ما يحكى عن الحسن أنه لا يصلي على النفساء لأنها شهيدة.

قال ابن قدامة: ولنا أن النبي r صلى على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها"(متفق عليه)، "وصلَّى على سعد بن معاذ وهو شهيد ([1]) " أهـ

 

س: هل يصلى على من قتل في حد من حدود الله (كالزاني المحصن – أو القاتل)؟

والجواب: نعم. وذلك للحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن عمران بن حصين t:

"أن امرأة من جهينة أتت نبي الله r وهي حبلى من الزنا، فقالت: يا نبي الله أصبت حداً فأقمه علىَّ، فدعا نبي الله r وليها فقال: أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها، ففعل، فأمر بها نبي الله r فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال له عمرt: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى ؟

 

 


س: هل يصلى على المدين الذي لم يترك من المال ما يقضي به دينه ؟

جـ: نعم. يصلى عليه فقد كان النبي r في بادئ الأمر لا يصلي على من مات وعليه دين ولم يترك وفاءً لدينه، ويأمر أصحابه بالصلاة عليه، فإن ترك وفاءً لدينه أو قضى عنه أحد صلى عليه النبي r، ثم إنه لمَّا فتح الله عليه تحمل الديون عن أصحابها فكان يصلي على الموتى ولو كان عليهم ديون.

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة t قال:

"أن رسول الله r كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدَّين، فيسأل: هل ترك لدَيْنِهِ من قضاء ؟ فإن حُدِّث أنه ترك وفاءً صلى عليه وإلا فلا، قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من  أنفسهم في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم:

{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ }(الأحزاب:6) فمن تُوفِّي وعليه دين ـ  وفي رواية:

ولم يترك وفاء – فعلىَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته".

قال النووي ـ رحمه الله ـ كما في شرح مسلم (11/6):

إنما كان يترك الصلاة عليه ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبيr، فلما فتح الله عليه عاد يصلى عليهم، ويقضى دين من لم يخلف وفاء. أهـ

وفي رواية عند أبى داود والنسائي بسند صحيح أن النبي r قال:

"أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك ديناً فعليه قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته".

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: الفتوى رقم (7731)

س: ما حكم صلاة الجنازة على من قتل قصاصاً أو أقيم عليه حد الزنا، وهل يعتبر ذلك كفارة له؟

جـ: أولاً: صلاة الجنازة على كل من مات مسلماًً في الظاهر – ولو كان مرتكباً لكبيرة غير الشرك –  فرض كفاية، ومن أقيم عليه حد الرجم أو قتل قصاصاً صلى عليهما صلاة الجنازة.

ثانياً: الصحيح من قول العلماء أن الحدود كفارات للذنوب التي أقيمت من أجلها،

لما ثبت من حديث عبادة بن الصامت t، أن النبي r قال لأصحابه:

" بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وَفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب منكم شيئاً من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"، قال: فبايعناه على ذلك" .                  (رواه البخاري ومسلم)

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

س: هل يُصلَّى على أهل البدع والكبائر والمعاصي ؟

جـ: نعم. يصلى عليهم فقد قال أهل العلم أنه يصلى على كل مسلم ولو كان من أهل الكبائر والفساق أو من أهل البدع – ما لم يكفر ببدعته – لكن أن ترك أئمة الدين وأهل الفضل الذين يقتدي بهم الصلاة على أحدهم زجراً لأمثالهم فهو حسن.

فقد أخرج الإمام أحمد والحاكم عن قتادة قال:

كان رسول الله r إذا دعي لجنازة سأل عنها، فإن أثنى عليها خير قام فصلى عليها، وإن أثنى عليها غير ذلك، قال لأهلها شأنكم بها ولم يصل عليها.

(قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقر الحاكم الذهبي والألباني )

وقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم بسند فيه مقال عن زيد بن خالد أن النبي قال في قصة الرجل الغال:

"صلوا على صاحبكم، إن صاحبكم غل في سبيل الله"                    (ضعيف الجامع:3481)

وإن كان الحديث ضعيف إلا أنه هناك حديث صحيح يشير لهذا المعنى ويؤيده

وهو حديث أخرجه الإمام مالك وأصحاب السنن عن زيد بن خالد الجهنى:

"أن رجلاً من أصحاب النبي r توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله r فقال: صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزاً من خرز اليهود لا يساوى درهمين".

وكذلك امتنع النبي r من الصلاة على قاتل نفسه، وقال لأصحابه:

"صلوا عليه "                                                                                                    (أخرجه مسلم)

وبهذا قال مالك وأحمد وغيرهما من الأئمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – ـ رحمه الله ـ كما في الاختبارات الفقهية صـ 159:

ومن امتنع من الصلاة على أحدهم (يعنى القاتل والغال والمدين الذي ليس له وفاء ) زجراً لأمثاله عن مثل فعله كان حسناً. ولو امتنع في الظاهر، ودعا له في الباطن؛ ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما.

 

 

 


س: هل يُصلَّى على قاتل نفسه ؟

جـ: للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا يُصَلَّى عليه.

وهو مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي، وحجتهم

ما أخرجه الإمام مسلم عن جابر بن سمرة t قال:

"أتى النبي r برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصلِ عليه"

ـ المشاقص: جمع مِشقَص وهو نصل السهم، أو السهام العراض.

 

القول الثاني: يُصَلَّى عليه.

وهو قول الحسن والنخعي وقتادة وسفيان الثوري وإسحاق ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء.

وقد أجابوا عن حديث جابر المتقدم بأن النبي r لم يصلي عليه بنفسه زجراً للناس عن مثل فعله، وصلت عليه الصحابة.

وهذا كما ترك النبي r الصلاة في أول الأمر على من عليه دين زجراً لهم عن التساهل في الاستدانة وعن إهمال وفائه وأمر أصحابه بالصلاة عليه

فقال r: "صلوا على صاحبكم "

قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ:

مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم، ومحدود، ومرجوم، وقاتل نفسه وولد الزنا.

(شرح مسلم للنووي: 7/47 )

القول الثالث: أن يتجنب أهل الفضل والصلاح الصلاة عليه،

وهو قول مالك وأحمد وهو الأظهر.

يقول الإمام مالك: أن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجراً لهم.

وقال الإمام أحمد: لا يصلى الإمام على قاتل النفس ويصلى عليه غير الإمام

وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية – ـ رحمه الله ـ حيث قال كما في مجموع الفتاوى (24/289) فيجوز لعموم الناس أن يصلوا عليه، وأما أئمة الدين الذين يقتدي بهم فإذا تركوا الصلاة عليه زجراً لغيره إقتداء بالنبي r فهذا حق، والله أعلم. أهـ

 

س: هل يصلى على الغائب ؟

والجواب أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه تجوز الصلاة على الغائب

وهو مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه

وعمدتهم في هذا ما أخرجه مسلم عن أبى هريرة t:

"أن النبي r نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى، وكبر أربع تكبيرات".

وفي رواية البخاري: "أن رسول الله r نعى للناس وهو بالمدينة النجاشي "أصحمة" صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، قال إن أخاً لكم قد مات"

وفي رواية: "مات اليوم عبد لله صالح بغير أرضكم فقوموا فصلوا عليه"

القول الثاني: أنه لا يجوز الصلاة على الغائب

وهو مذهب مالك وأبى حنيفة وأجابوا على الفريق الأول بأن صلاة النبي r على النجاشي خاصة لا تعمم.

القول الثالث: وفيه تفصيل، وهو أنه يجوز الصلاة على الغائب الذي مات في أرض لم يُصلِّ عليه فيها أحد، وإن صُلِّيَ عليه حيث مات لم يُصَلَّ عليه صلاة الغائب؛ لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه.            (وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ورجحه ابن عثيمين – رحمهم الله – كما في (الشرح الممتع: 5/439)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية  ـ رحمه الله ـ:

والصواب: أن الغائب إن مات ببلد لم يُصَلَّ عليه فيه، صُلِيَ عليه صلاة الغائب، كما صَلَّى النبي r على النجاشي؛ لأنه مات بين الكفار ولم يُصَلَّ عليه، وإن صُلِّيَ عليه حيث مات لم يُصَلَّ عليه صلاة الغائب.

وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في زاد المعاد (1/519):

ولم يكن من هديه r وسنته الصلاة على كل ميت غائب فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غيب فلم يصلى عليهم.

وقال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ كما في أحكام الجنائز صـ 93:

ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصلى على أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم.

س: هل يُصلَّى على الكافر ؟

جـ: لا يجوز الصلاة على الكافر. وذلك لقوله تعالى:

{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } (التوبة:84)

قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في هذه الآية: قال علماؤنا:

هذا نصٌ في الامتناع من الصلاة على الكفار

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}(التوبة:113)

قال النووي ـ رحمه الله ـ كما في المجموع (5/144):

والصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة حرام بنص القرآن والإجماع. أهـ

 

س: هل يصلى على أطفال المشركين؟

جـ: لا يجوز الصلاة على أطفال المشركين، لأن لهم حكم آبائهم إلا من حكمنا بإسلامه مثل: أن يسلم أحد أبويه، أو يموت أو يسبى منفرداً من أبويه – فإنه يصلى عليه.               (المغنى لابن قدامة:3/507)

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة:

ولا يُصلَّى على الطفل الذي أبواه كافران، وأما ولد الزنا فإنه يُصلى عليه إذا كانت أمه مسلمة ولا ذنب عليه فيما اقترف الزاني والزانية.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء)

 

س: هل يصلى على رجل مات، ولم يعلم أمسلم هو أم كافر؟

جـ: الظاهر من أقوال أهل العلم في المسألة أن ينظر إلى العلامات من الختان والثياب والخضاب وغيرها من علامات المسلمين فإن وجدت غسل وصلى عليه، وإن لم توجد علامات وكان في دار الإسلام غسل وصلى عليه، وإن كان في دار الكفر لم يغسل ولم يصل عليه، وقد نص عليه أحمد.

(المغنى:3/478)، (المجموع:5/213)

 

 

 

 

س: ما العمل إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فلم يميزوا ؟

جـ: اختلف أهل العلم في ذلك قولين:

الأول: أنه إذا أختلط موتى المسلمين بموتى المشركين فلم يميزوا صلى على جميعهم ينوى المسلمين

وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد                                               (المغنى:3/477)

الثاني: أنه إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار، فإن كانت الغلبة للمسلمين غسلوا وصلى عليهم مع الغالب، إلا من عرف أنه كافر، وإن كانت الغلبة لموتى الكفار لا يصلى عليهم، إلا من عرف أنه مسلم بالسيما، فإذا استويا لم يصل عليهم؛ لأن الصلاة على الكفار منهي عنها، ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين وهو مذهب أبى حنيفة.                                     (المغنى:3/477)

 

س: هل يصلى على بعض أجزاء الميت؟

ذكر أهل العلم في هذه المسألة ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه يصلى عليه سواء قل البعض أم كثر.

وهو قول الشافعي وأحمد وبه قال ابن حزم، وهناك أدلة تدل على هذا ولكنها لا تخلوا من مقال

فقد أخرج ابن أبى شيبة عن خالد بن معدان: "أن أبا عبيدة صلى على رءوس بالشام"

(حديث مرسل)

وأخرج ابن أبى شيبة عن أبى أيوب: "أنه صلى على رِجْل"                             (ضعيف)

وأخرج ابن أبى شيبة عن عمر t: "أنه صلى على عظام بالشام"             (حديث مرسل)

القول الثاني: إن وجد أكثر من نصفه غسل وصلى عليه، وإن وجد النصف فلا غسل ولا صلاة.

وهو قول أبى حنيفة، وقول مالك قريب من ذلك فقد ذهب إلى أنه لا يصلى على اليسير منه.

القول الثالث: أنه لا يصلى عليه مطلقاً. وهو قول داود

قال صاحب صحيح فقه السنة:

والذي تميل إليه النفس، أنه إن لم يكن قد صلى عليه، فإنه يغسل ويصلى علي ذلك الجزء ويدفن.

وإن كان قد صلى على الميت، ثم وجد جزء منه، فلا يصلى عليه ولكن يغسل ويدفن. والله تعالى أعلم

ملاحظة:

لا يصلى على شيء من أجزاء الحي؛ وذلك لأنه لم ينقل عن النبي r أو الصحابة أنهم صلوا على ما فصل عن الحي، مع تواتر الأخبار بأنه أقيمت الحدود على عهد النبي r والصحابة من بعد، وقطعت أيد، فلم يذكر أنهم غسلوا وصلوا على شيء منها. والله تعالى أعلم.

س: هل تصلى النساء على الجنازة؟

جـ: نعم.يجوز للنساء الصلاة على الجنازة إذا لم يتبعن الجنازة بل توافق وجودهن حيث يصلى عليها والدليل على ذلك:-

1 – ما أخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن أبى طلحة:

"أن أبا طلحة دعا رسول الله r إلى عمير بن أبى طلحة حين توفي فأتاه رسول الله r فصلى عليه في منزلهم فتقدم رسول الله r وكان أبو طلحة وراءه، وأم سليم وراء أبى طلحة ولم يكن معهم غيرهم.

2 – ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما ـ:

"أن عائشة – رضي الله عنها- أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبى وقاص في المسجد فتصلى عليه، فأنكر الناس ذلك عليها فقالت: ما أسرع ما نسى الناس، ما صلى رسول الله r على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد".

مسألة:

لو مات رجلٌ في وسط مجموعة من النساء، فَصَلَّيْنَ عليه، هل يُكْتَفى بصلاتهن؟

جـ: الفريضة ابتداءً في صلاة الجنازة متوجه للرجال؛ لأنهم التابعون لها بعد ذلك

لكن إن حدث ما في السؤال، فالجواب: نعم. يجوز الاكتفاء بصلاتهن في هذه الحالة.

ـ وهل يسقط هذا الفرض بصلاة النساء مع وجود الرجال؟

فيه وجهان:

أصحهما: لا يسقط، وبه قطع الفوراني والبغوي وآخرون.

والثاني: يسقط، وبه قطع المتولي.                                                 (المجموع للنووي)

 

 

 

 

 

 

س: ما هي الأمور المستحبة عند الصلاة على الجنازة ؟

جـ: هناك بعض الأمور تفضل عند صلاة الجنازة منها:

1 – أن تكون الصلاة على الجنازة في المصلى:

ويستحب الصلاة على الجنازة في المصلى – وهو مكان خارج المسجد معد لذلك -؛ لأن الغالب من صلاة النبي r على الجنائز كان في المصلى. ودليل ذلك:-

أ. فقد أخرج البخاري من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما –:

أن اليهود جاءوا إلى النبي r برجل منهم وامرأة زنيا فأمر بهما فرجما قريباً من موضع الجنائز عند المسجد.

قال الحافظ في الفتح (3/237):

ودل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها.

ب – في مستدرك الحاكم عن جابر t قال:

"مات رجل منا فغسلناه ووضعناه لرسول الله r حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ثم أذنا رسول الله r بالصلاة عليه فجاء معنا.

جـ – أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة t في صلاة النبي r  على النجاشي

قال أبو هريرة t: "أن النبي r صف بهم بالمصلى فكبر عليه أربعاً".

ونقل الحافظ في الفتح (3/237)عن ابن حبيب أنه قال:

إن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقاً بمسجد النبي r من ناحية جهة الشرق.

وقال في موضع أخر:

والمصلى: المكان الذي يصلى عنده العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد.

 

 

 

 

 


لكن هل يجوز صلاة الجنازة في المسجد ؟

والجواب: نعم. وهو مذهب الحنابلة

واستدلوا بما جاء عند مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:

"ما صلى رسول الله r على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد".

فقد أخرج مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:

"لما توفي سعد بن أبى وقاص أرسل أزواج النبيr أن يمروا بجنازته في المسجد، فيصلين عليه ففعلوا، فوقف به على حُجُرِهِنَّ يصلين عليه – أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد ـ فبلغهن أن الناس عابوا ذلك، وقالوا: هذه بدعة ما كانت الجنائز يُدْخَلُ بها إلى المسجد، فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس أن يعيشوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يُمَرُّ بجنازة في المسجد، والله ما صلى رسول الله r على سهيل بن البيضاء وأخيه إلا في جوف المسجد.

قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث:

وفي هذا الحديث دليل للشافعي والأكثرين في جواز الصلاة على الميت في المسجد، وممن قال به أحمد وإسحاق.

وهذا هو الراجح، خلافاً للحنفية والمالكية، الذين قالوا بكراهية الصلاة في المسجد.

استناداً للأحاديث الدالة على الصلاة في المصلى وكثرتها واشتهارها.

واستدلوا أيضاً بالحديث الذي أخرجه أبو داود وابن ماجة وأحمد بسند صحيح أن النبي r قال: "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له"،

والرد على هذا: أن بعض ألفاظ الحديث جاءت بقوله: "فلا شيء عليه" أي لا شيء على المصلى من الإثم فيها، وعلى فرض صحة هذه اللفظة: "فلا شيء له" أي لا شيء للمصلى من زيادة الفضل في أداء صلاة الجنازة في المسجد، بل المسجد وغيره في هذا سواء، وقال البعض: إن " له" تأتي بمعنى "عليه" ، كقوله تعالى: { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا }     (الإسراء:7)

 

 


2 – والأفضل والمستحب في صلاة الجنازة، ألا تصلى في الأوقات المكروه الصلاة فيها.

فقد أخرج الإمام مسلم من حديث عقبة بن عامر t قال:

ثلاث ساعات كان رسول الله r ينهانا أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب.

قال الألباني ـ رحمه الله ـ كما في أحكام الجنائز صـ 130 – 131:

لا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي تحرم الصلاة فيها إلا لضرورة لحديث عقبة بن عامر

ثم قال الألباني ـ رحمه الله ـ: قال الخطابي في المعالم (4/327) ما ملخصه:

واختلف الناس في جواز الصلاة على الجنازة والدفن في هذه الساعات الثلاث فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة عليها في هذه الأوقات وهو قول عطاء والنخعي والأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق.

والشافعي يرى الصلاة والدفن أي ساعة من ليل أو نهار.

وقول الجماعة أولى لموافقته الحديث

قلت (أي الألباني):

أن الإنكار والكراهة تكون لمن تعمد الصلاة في هذه الأوقات أو من كانت له فسحة في أن يصلى قبلها أو بعدها ولم يفعل.

لكن إذا أضطر إنسان إلى ذلك (أي الصلاة في هذه الأوقات من غير تعمد فلا بأس في ذلك)

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (23):

إن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي. أهـ. ورجح ذلك.

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة

السؤال السادس من الفتوى رقم (4373)

س6: إذا كان عندنا جنازة وصلينا صلاة العصر، والوقت كاف فكيف نعمل ؟

جـ6: إذا كان الواقع ما ذكر صلوا صلاة الجنازة بعد صلاتهم العصر، لأنها من ذوات الأسباب. وهي مستثناة من عموم حديث: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس"

(البخاري ومسلم)

3 – الأفضل والمستحب أن يتقدم للصلاة على الجنـازة الوصي ثم الـوالي أو نـائبه

ويدخل في ذلك إمام المسجد:

أ. فقد أخرج الحاكم من حديث أبى حازم قال:

"إني لشاهد يوم مات الحسن بن علىٍّ، فرأيت الحسين بن علىٍّ يقول لسعيد بن العاص – ويطعن في عنقه ـ ويقول: تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك – وسعيد أمير على المدينة يومئذ – وكان بينهما شيء".

 

ب. فإن لم يحضر الوالي أو نائبه، فالأحق بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله، ثم على الترتيب الذي ورد ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم:

"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعملهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سِلماً (سِناً)

ولا يَؤُمَنَّ الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه".

(أخرجه الإمام مسلم من حديث أبى مسعود البدوي الأنصاري)

جـ. ويؤمهم الأقرأ ولو كان غلاماً لم يبلغ الحلم.

فقد أخرج أبو داود والبيهقي بإسناد صحيح عن عمرو بن سلمة t:

أنهم (يعنى قومه) وفدوا على النبي r، فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا: يا رسول الله من يَؤُمُّنَا ؟ قال: أكثركم جمعاً للقرآن ـ أو آخذاً للقرآن ـ فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعت، فقدموني وأنا غلام وعلىَّ شملة لي قال: فما شهدت مجمعاً من جَرْمٍ إلا كنت إمامهم، وكنت أصلى على جنائزهم إلى يومنا هذا".

والحاصل أن يتقدم للصلاة على الجنازة الوصي ثم الولي ثم أحفظهم لكتاب الله وأقرؤهم، ثم أعلمهم بالسنة. وهذا مذهب أبى حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق وابن المنذر والشافعي في القديم.

 

لكن المشهور من مذهب الشافعية أن أحقهم بالإمامة أقرباؤه، وهو ما ذهب إليه ابن حزم

مستدلين بقوله تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(الأنفال: 75)

والراجح المذهب الأول؛ لأن الأدلة مقيدة والآية مطلقة.

 

_ كـيـفـيـة صــلاة الـجـنــازة _

(أفعـال صلاة الجنـازة)

أولاً: الـنِّـيـة:

وهي عزم القلب على فعل شيء، فينوي الصلاة على من حضر من أموات المسلمين.

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطابt قال: قال رسول الله r:

" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى..." الحديث

 

ثانياً:  يقف الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة:

وهو مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقد اختاره بعض الحنفية، قال الشوكاني: وهو الحق.

وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح عن أبى غالب الخياط قال:

شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه _ وفي رواية:رأس السريرـ فلما رفع أوتى بجنازة امرأة من قريش – أو من الأنصار – فقيل له يا أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان، فصلى عليها فقام وسطها ـ وفي رواية: عند عجيزتها وعليها نعش أخضر– وفينا العلاء بن زياد العدوى، فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة، قال: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله r يقوم حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت ؟

قال: نعم. قال: فالتفت إلينا العلاء فقال: احفظوا".

(صححه الألباني في أحكام الجنائز صـ 138)

قال النووي ـ رحمه الله ـ كما في المجموع:

السنة أن يقف الإمام عند عجيزة المرأة بلا خلاف للحديث؛ ولأنه أبلغ في صيانتها عن الباقين

وفي الرجل وجهان:

الأول: أنه يقف عند صدره، وهو اختيار إمام الحرمين والغزالي، وقطع به الرضي.

الثاني: وهو قول الجمهور: أن يقف عند رأسه، وهو الصحيح. أهـ باختصار وتصرف

وأخرج البخاري ومسلم عن سمرة بن جندب t قال:

"صليت خلف النبي r وصلى على أم كعب ماتت وهي نفساء، فقام رسول الله r عليها وسطها".


تنبيهات:

ذهب فريق من الأحناف إلى أن الإمام يقف عند صدر الميت سواء كان رجلاً أو امرأة .

وأجابوا عن حديث أنس المتقدم بأن وقوفهم عند وسط المرأة إنما كان من أجل الستر حيث لم تكن النعوش.

واستدلوا بزيادة رواها أبو داود من حديث أنس المتقدم وهي:

قال أبو غالب: فسألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها، فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش، فكان يقوم الإمام حيال عجيزتها يسترها من القوم.

وقد أجاب الألباني ـ رحمه الله ـ على ما ذهب إليه الأحناف فقال:

فهذا التعليل مردود من وجوه: أأاأ

الأول: أنه صادر من مجهول، وما كان كذلك فلا قيمة له.

الثاني: أنه خلاف ما فعله راوي الحديث نفسه وهو أنس t فإنه وقف وسطها مع كونها في النعش، فدل ذلك على بطلان ذلك التعليل.                                      (أحكام الجنائزصـ139)

فالراجح: هو أن يقف الإمام عند رأس الرجل، ووسط المرأة

قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ في المحلى (5/123):

ويصلى على الميت بإمام يقف ويستقبل القبلة والناس وراءه صفوف ويقف من الرجل عند رأسه ومن المرأة عند وسطها.

 

صلاة الجنازة كغيرها من الصلوات، فلا تصح من جلوس مع القدرة على القيام، لعموم الأدلة، قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ } ( البقرة: 238)

وقال النبي r كما في البخاري: "صلى قائماً"

وجاء في كتاب المغني لابن قدامة ـ رحمه الله ـ:

فصل: والواجب في صلاة الجنازة النِّية، والتكبيرات، والقيام..." أهـ باختصار

قال النووي ـ رحمه الله ـ في المجموع:

وأما القيام فالصحيح الذي نصَّ عليه الشافعي، وقطع به الجمهور أنه ركن لا تصح إلا به إلا من شدة الخوف..." أهـ

لا مانع أن يعلن للحاضرين أن الميت رجلاً أو امرأة، لكي يحسنوا الدعاء بما هو                           مناسب من استعمال الضمائر.

فإن لم يعرف هل هو رجل أو امرأة فالأمر واسع؛ لأنه يحمل لغة على معناه

فإن قال: "اللهم اغفر له" فالمقصود: الميت، وإن قال: "اللهم اغفر لها" فالمقصود: الجنازة. والله أعلم

 

يُسْتحب تسوية الصفوف خلف الإمام في صلاة الجنازة، فإنها صلاة.

وقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم:

"أن النبي r نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المُصلَّى، فصف بهم، وكبر أربعاً".

قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني:

ويستحب تسوية الصف في الصلاة على الجنازة.  نصَّ عليه أحمد

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

السؤال الخامس من الفتوى رقم (4256):

س: الدعاء في صلاة الجنازة بلفظ المفرد المذكر، فهل يجمع في الصلاة على أموات، ويثنى إذا كانت على اثنين، ويؤنث في الصلاة على الأنثى ؟

جـ: يجمع ويثنى ويؤنث تبعاً لمن يصلى عليه، وإن جهل الميت جاز له التذكير بنية الميت، والتأنيث بنية الجنازة.

 

ثالثاً: التكبير على الجنازة:

ويكبر عليها أربعاً أو خمساً إلى تسع تكبيرات، كل ذلك ثبت عن النبي r، والأولى التنوع

فيفعل هذا تارة وهذا تارة، وإن كان لابد من التزام نوع واحد منها فهو الأربع؛ لأن الأحاديث فيها أكثر

 

 

 

عدد التكبيرات:

قد ورد عن النبي r في التكبير عدة صور:-

الأولى: أربع تكبيرات:

ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبى هريرة t:

"أن رسول الله r نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم، وكبر عليه أربع تكبيرات".

وأخرج البخاري عن جابر t:

"أن النبي r صلى على أصحمة النجاشي فكبر أربعاً".

وأخرج مسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:

مات رجل وكان رسول الله r يعوده فدفنوه بالليل، فلما أصبح أعلموه، فقال: ما منعكم أن تعلموني ؟ قالوا: كان الليل، وكانت الظلمة فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه وكبر أربعاً.

وبالتكبيرات الأربع قال به عمر بن الخطاب، وابن عمر، وزيد بن ثابت، والحسن بن علىٍّ وابن أبي أوفي، والبراء بن عازب، وأبو هريرة، وابن عامر، ومحمد بن الحنفية وعطاء، والثوري، والأوزاعي، وأحمد ، وإسحاق، ومالك، وأصحاب الرأي، وابن المبارك، والشافعي.

(المجموع: 5/189)

تنبيه:

هناك حديث أخرجه ابن عدي في الكامل (5/1817) والدارقطني والحاكم عن أبى بن كعب مرفوعاً وفيه.

"إن الملائكة صلَّت على آدم، فكبرت عليه أربعاً، وقالت هذه سنة موتاكم يا بنى آدم".

والحديث ضعيف، فيه عثمان بن سعد الكاتب، وهو ضعيف الحديث

قال الذهبي ـ رحمه الله ـ:

وفيه لين.

 

 


الثانية: خمس تكبيرات:

ودليل ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:

"كان زيد يُكبِّر على جنائزنا أربعاً، وأنه كَبَّر على جنازة خمساً فسألته فقال:

كان رسول الله r يكبرها – وفي رواية: فلا أتركها أبداً".           (أبو داود، والنسائي، الترمذي)

قال الترمذي  ـ رحمه الله ـ عن التكبير خمساً:

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي r وغيرهم، رأوا التكبير على الجنازة خمساً.

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ:

وكان النبي r يُكبِّر أربع تكبيرات، وصحَّ عنه أنه كَبَّر خمساً، وكان الصحابة بعده يُكبِّرون أربعاً وخمساً وستاً، فكبر زيد بن أرقم خمساً، وذكر أن النبي r كَبَّرها.                 (ذكره مسلم)

 

الثالثة: ست تكبيرات:

ودليل ذلك ما أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن أبى شيبة عن عبد خير قال:

"كان عليٌّ t يُكبِّر على أهل بدر ستاً، وعلى أصحاب رسول الله r خمساً، وعلى سائر الناس أربعاً".

 

الرابعة: سبع تكبيرات:

وفيها حديث ضعيف

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار عن ابن عباس  – رضي الله عنهما – قال:

"أمر رسول الله r يوم أُحُد بالقتلى فجعل يصلى عليهم فوضع تسعة وحمزة فيكبر عليهم سبع تكبيرات، ثم يرفعون ويترك حمزة، ثم جاء بتسعة فيكبر عليهم سبعاً حتى فرغ منهم" (ضعيف)

وهناك حديث في مصنف ابن أبي شيبة عن عبد الله بن يزيد قال:

" صلَّى علي على أبي قتادة فكبَّر عليه سبعاً"

 

الخامسة: تسع تكبيرات:

ودليل ذلك ما أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار بسند حسن عن عبد الله بن الزبيرt:

"أن رسول الله r أمر يوم أحد بحمزة فسُجِّى ببردة، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يصفون ويصلى عليهم وعليه معهم".

فوائد وتنبيهات:

1 – ورد عن الصحابة – رضوان الله عليهم – آثار صحيحة في التكبير على الجنازة ثلاثاً، وأربعاً وخمساً، وستاً، وسبعاً.                                      (شرح معاني الآثار:1/497)، ابن أبى شيبة:1/497)

وقد أشار النووى ـ رحمه الله ـ إلى هذا الخلاف ثم قال كما في المجموع (5/187):

ثم انقرض ذلك الخلاف، وأجمعت الأمة الآن على أنه: أربع تكبيرات بلا زيادة ولا نقص .

لكن كَذَّب ابن حزم هذا الإجماع في المحلى (5/126) فقال كلام فحواه:

أنه لا يحتج بإجماع يخرج منه عليّ وابن مسعود وأنس وابن عباس والصحابة بالشام والتابعون، والصحيح أنه يعمل بكل ما ثبت عن النبي r ولا يلتفت إلى إنكار من أنكر.

وإن كان يظهر من أحاديث الباب كحديث عبد الرحمن بن أبى يعلى، وحديث عبد خير أن الزيادة في التكبير على أربع إنما يخص بها أهل العلم والفضل كما بوب عليها الطحاوي- رحمه الله- والله أعلم.

 

2 – تكبيرات الجنازة أركان، وذهب بعض من أهل العلم إلى أن تكبيرة الأحرام فقط هي الركن، وباقي التكبيرات سنة.

 

3 – التكبير يكون سراً إلا الإمام فيجهر به.

 

4 – ماذا لو ترك تكبيرة من تكبيرات الصلاة على الجنازة ؟

فإن تركها سهواً فإنه يكبرها ثم يسلم.

فقد أخرج عبد الرازق بسند فيه مقال، عن أنس t:

"أنه كبر على جنازة ثلاثاً ثم انصرف ناسياً، فتكلم وكلم الناس، فقالوا: يا أبا حمزة، إنك كبرت ثلاثاً ؟ قال "فَصُفُّوا" ففعلوا فكبر الرابعة".

وإن تركها عمداً بطلت صلاته

ولا يشرع سجود السهو على أي حال.

 

 

 

 

 

5 – هل يرفع يده مع كل تكبيرة، أم يرفع يده في أول تكبيرة فقط ؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: قالوا يرفع يديه في جميع التكبيرات

وبه قال أكثر أهل العلم: الشافعي وأحمد وإسحاق، وهو رواية عن أبى حنيفة ومالك، وحجتهم:-

أ – ما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر – رضي الله عنهما –:

"أن النبي r كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة".

وأعلَّ هذا الحديث بالوقف، فالصحيح أنه موقوف على ابن عمر – رضي الله عنهما –

ب – كما جاء عند البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما –:

"أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة، وإذا قام من الركعتين".

جـ – ونحوه عن ابن عباس، وأشار إليه الحافظ في التلخيص "2/147" وصححه.

القول الثاني: قالوا يرفع يديه في التكبيرة الأولى فقط.

وهو مذهب الثوري ورواية عن أبى حنيفة ومالك وابن حزم واختاره الألباني – رحمهم الله جميعاً ـ وحجتهم:-

أ – ما أخرجه الترمذي والدارقطني والبيهقي بسند ضعيف جداً عن أبى هريرة مرفوعاً: "أن رسول الله r كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى"

"سنده تالف"

ب – وأخرج الدارقطني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:

"أن رسول الله r كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ثم لا يعود".

والحاصل أنه ليس هناك حديث صحيح مرفوع في هذا الباب ولكن الأمر كما قال ابن المنذر كما نقل ذلك النووى عنه في المجموع أجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة، واختلفوا في سائرها

فالراجح هو القول الثاني.

قال الألباني ـ رحمه الله ـ:

ولم نجد من السنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الأولى وهذا هو مذهب الحنفية واختاره الشوكاني وغيره من المحققين وإليه ذهب ابن حزم حيث قال: وأما رفع الأيدي فإنه لم يأت عن النبي r أنه رفع في شيء من تكبيرة الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط.

وأما رفع اليدين في كل تكبيرة فهذا فعل ابن عمر وهذا اجتهاد منه وإتباع السنة أولى.

 

6 – ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم يشد بينهما على صدره.

رابعاً: قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى:

وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت t أن النبي r قال:

"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".

واسم الصلاة يتناول صلاة الجنازة.

وأخرج النسائي والبيهقي عن أبى أمامة t قال:

"السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافته، ثم يكبر ثلاثاً، والتسليم عند الآخرة".

وأخرج البخاري عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال:

"صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب فقال: لتعلموا أنها سنة".

وفي رواية: "صليت خلف ابن عباس – رضي الله عنهما – على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته، فقال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة وحق".

 

الأصل عدم الجهر وإن كان للتعليم فلا بأس

كما نقل ابن قدامة في المغنى (3/412) عن أحمد أنه قال:

إنما جهر ليعلمهم.

وفي المغنى أيضاً قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ:

ويُسِرُّ القراءة والدعاء في صلاة الجنازة، لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، ولا يقرأ بعد أم الكتاب شيئا.ً أهـ

 

 

 

 

 

 


تنبيهات:

1 – مع أن قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة ـ كما قال الشافعي وأحمد وإسحاق وداود وابن حزم وبه قال ابن عباس وأبو أمامة كما مر بنا في الأدلة السابقة، وهذا هو الراجح ـ إلا أنه هناك فريق من أهل العلم ذهبوا إلى أنها لا تقرأ في صلاة الجنازة، ولا يقرأ في الجنازة بشيء من القرآن، وهذا كلام مرجوح، وهو مذهب الثوري والأوزاعي وأبى حنيفة ومالك، وبه قال ابن عمر وعبادة ابن الصامت من الصحابة

وحجتهم:-

أن عمل أهل المدينة أنه لا يقرأ في الجنازة. (عند مالك)

 

ما أخرجه ابن أبى شيبة بسند صحيح عن ابن عمر – رضي الله عنهما –:

"أنه كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة".

 

جـ. وما أخرجه البيهقي بسند حسن عن أبى هريرة t

"أنه سأل عبادة ابن الصامت عن الصلاة على الميت؟  فقال: أنا والله أخبرك

"تبدأ فتكبر ثم تصلى على النبي r وتقول: اللهم إن عبد الله فلاناً كان لا يشرك بك شيئاً، أنت أعلم به إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده "

والراجح كما تقدم: هو وجوب قراءة الفاتحة،

وأما أدلة من قال بعدم وجوبها: فهي مردودة عليها

أما حديث ابن عمر: فيمكن حمله على أنه لا يقرأ شيء من القرآن أي من السور بعد فاتحة الكتاب، وأما أثر عبادة ليس حجة، لاسيما ولم يذكر باقي التكبيرات ولا التسليم، فهل يقال: لا تجب ؟

فالصواب: أن الفاتحة تقرأ بعد التكبيرة الأولى. والله أعلم.

 

2 – الحديث الذي أخرجه ابن ماجة عن أم شريك الأنصارية ـ رضي الله عنها ـ قالت:

" أمرنا رسول الله r أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب"               ( حديث ضعيف)

 

 


3 ـ ذهب بعض أهل العلم:

إلى أن يشرع دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة، وممن قال بهذا الثوري حيث قال: يستفتح فيها، وروى عن أحمد مثله.

لكن القول قول الجمهور، حيث قالوا:

لا يشرع دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة، وهو الراجح

وقال الشافعية:

يكبر، ثم يستعيذ، ثم يقرأ.

وقال داود:

سمعت أحمد سئل عن الرجل يستفتح على الجنازة "سبحانك اللهم وبحمدك.." ؟

قال: ما سمعت، أي: ما سمعت في ذلك شيء.

ومما يؤكد قول الجمهور حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ السابق، حيث صلى بهم الجنازة جهراً ليعلمهم، وقرأ الفاتحة ولم يذكر أنه ذكر دعاء الاستفتاح.

وجاء في كتاب الكافي "باب الصلاة على الميت": فصل:

ولا يسن الاستفتاح؛ لأن مبناها على التخفيف. أهـ

 

4 ـ يستحب الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة؛ لقوله تعالى:

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } (النحل:98)

قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ عن هذه الآية:

والأمر بالاستعاذة في هذه الآية ندب ليس بواجب.

وذهب بعض أهل العلم:

إلى وجوب الاستعاذة، لكن القول بالاستحباب هو الأرجح.

قال ابن قدامة في المغني:

والتعوذ سنة للقراءة مطلقاً في الصلاة وغيرها.

 

 

 

 

خامساً: الصلاة على النبي r بعد التكبيرة الثانية:

وبهذا قال الشافعية والحنفية والجمهور.

وذلك للحديث الذي أخرجه الشـافعي في الأم والبيهقى بسند صحيح عن أبى أمـامة

أن رجلاً من أصحاب النبي r أخبره:

"أن السنة في الصلاة على الجنازة: أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي r ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات الثلاث، لا يقرأ في شيء منهم، ثم يسلم سراً في نفسه".

فوائد وتنبيهات:

1 – استدل ابن حزم والشوكاني بهذا الحديث المتقدم على أن قراءة الفاتحة والصلاة على النبيr تكونان بعد التكبيرة الأولى.

لكن الراجح هو ما قاله جمهور أهل العلم:

إلى أن الفاتحة تقرأ بعد التكبيرة الأولى، والصلاة على النبي تكون بعد التكبيرة الثانية، وهذا ما أيده الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه أحكام الجنائز صـ 122.

وجاء في كتاب المغني لابن قدامة ـ رحمه الله ـ مسألة:

ويكبر الثانية، ويصلي على النبي r كما يصلى عليه في التشهد.

 

2 – أكمل الصيغ للصلاة على النبي r هي التي في التشهد.

يقول الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ كما في أحكام الجنائز صـ122:

وأما صيغة الصلاة على النبي r في الجنازة، فلم أقف عليها في شيء من الأحاديث الصحيحة، فالظاهر أن الجنازة ليس لها صيغة خاصة.

بل يؤتى فيها بصيغة من الصيغ الثابتة في التشهد في المكتوبة.

 

 

 

 


سادساًً: يكبر باقي التكبيرات،  ويدعو بعد كل تكبيرة للميت ويخلص له الدعاء:

وذلك لما تقدم من حديث أبي أمامة السابق

وأخرج أبو داود وابن ماجة عن أبى هريرة t قال: سمعت النبي r يقول:

"إذا صليتم على الجنائز فأخلصوا لها الدعاء"                        (حسنه الألباني في الإرواء:732)

وفي رواية: "إذا صليتم على الميت، فأخلصوا له الدعاء".

فوائد وتنبيهات:

1 – ذهب بعض أهل العلم إلى التسليم مباشرة بعد التكبيرة الرابعة بدون دعاء،

وهو قول الحنفية.

لكن الراجح أن الدعاء بعد التكبيرة الرابعة مشروع.

وذلك للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله ابن أبى أوفي:

"أنه صلى على ابنة له فكبَّر عليها أربعاً، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ثم قال: كان رسول الله r يصنع في الجنازة هكذا.

والحديث وإن كان ضعيفاً، إلا أنه له شاهد عن البيهقي

فقد أخرج البيهقي عن أبى يعفور قال:

شهدت عبد الله ابن أبى أوفي، وكبر على جنازة أربعاً ثم قام ساعة – يعنى يدعو- ثم قال: أتروني أكبر خمساً ؟ قالوا: لا، قال: إن رسول الله r كان يكبر أربعاً"

 

2 – ذهب البعض إلى أن الدعاء للميت يكون بعد التكبيرة الثالثة والرابعة وباقي التكبيرات إن كان هناك أكثر من أربعة، وقالوا هذا هو الأصل لحديث أبى أمامة – وقد سبق – لكن هناك من قال: أنه يدعى للميت بعد التكبيرة الثالثة، ثم يدعو لنفسه وللميت وللأحياء والأموات بعد الرابعة

ولعل حجة من قال هذا هو ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن أبى هريرة t: "أن رسول الله r كان إذا صلى على جنازة يقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده".

والأمر فيه سعة، ولا ينبغي لأحد أن ينكر على أحد.

ملاحظة:

كان الشافعي يقول بعد التكبيرة الرابعة: "اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده"

3 – ويستحب له أن يدعو بما ثبت عن النبي r من الأدعية ومنها:-

أ. ما أخرجه مسلم من حديث عوف بن مالك  t قال:

صلى رسول الله على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نُزُله، ووسِّع مُدْخَلَهُ، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت – وفي رواية: كما ينقى – الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً – وفي رواية: زوجة – خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر، أو من عذاب النار، قال: فتمنيت أن أكون ذلك الميت.

ملاحظة:

إن كان الميت امرأة فلا يقال: "أبدلها زوجاً خيرُ من زوجها"، لجواز أن تكون لزوجها في الجنة

فإن المرأة لا يمكن الشركة فيها بخلاف الرجل.

 

ب – ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث أبى هريرة t:

"أن رسول الله r كان إذا صلى على جنازة يقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده.

(ضعيف فيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام).

جـ – وما أخرجه أبو داود وابن ماجة وأحمد بإسناد صحيح عن واثلة بن الأسقع قال: صلى رسول الله r على رجل من المسلمين فأسمعه يقول:

"اللهم إن فلاناً بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، أنك أنت الغفور الرحيم".

 

د – أخرج الطبراني في الكبير الحاكم عن يزيد بن ركانة بن المطلب قال:

كان رسول الله r إذا صلى على الميت كبر أربعاً ثم قال:

"اللهم عبدك وابن أمتك، احتاج إلى رحمتك، وأنت غنيٌ عن عذابه، إن كان محسنا ً فزد في حسناته، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه".              (والحديث ضعيف فيه يعقوب بن حميد وفيه كلام)

ثم يدعو ما شاء الله أن يدعو.

 

احذر هذا الدعاء فهو مبتدع

"اللهم إني أسألك بحرمة محمد r أن لا تعذب هذا الميت"

أورده البركويُّ في (أحوال أطفال المسلمين صـ229) فقال:

"وفي الخبر: من زار قبر مؤمن، وقال: اللهم إني أسألك.. إلخ، رفع الله عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور"                 "وهذا الحديث باطل لا أصل له في شيء من كتب السنة"

ولا أدرى استجاز البركوي ـ رحمه الله ـ نقله دون عزوه لأحد من المحدثين، مع ما فيه من التوسل المبتدع والمحرم والمكروه تحريماً عنده، كما قرر ذلك في رسالته المذكورة (صـ352).

 

سابعاً: التسليم:

وله أن يسلم تسلمتين مثل تسليمه في الصلاة المكتوبة:

إحداها عن يمينه، والأخرى عن يساره.

وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي، وهو ما اختاره القاضي، وهو قول مروى عن الشافعي وحجتهم:-

ما أخرجه البيهقي بسند حسن عن عبد الله بن مسعود t قال:

"ثلاث خلال كان رسول الله r يفعلهن تركهم الناس إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة.

قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ كما في أحكام الجنائز صـ 127:

وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن مسعود أن النبي r كان يسلم تسليمتين في الصلاة، فهذا يبين أن المراد بقوله في الحديث الأول:

"مثل التسليم في الصلاة: أي التسليمتين المعهودتين. أهـ

وأخرج البيهقي بسند فيه مقال:

"أن عبد الله بن أبى أوفي صلى على ابنته فكبر أربعاً....

وفي الحديث: "ثم سلم عن يمينه، وعن شماله"

لكن الحديث ضعيف وما تقدم فيه الغنية

والنبي r قال: " صلوا كما رأيتموني أصلى".

وله أن يسلم تسليمة واحدة:

فقد صح عن ابن عمر وواثلة بن الأسقع: أنهم كانوا يسلمون تسليمة واحدة.

(انظر مصنف ابن أبى شيبة)

وروي ذلك عن عليّ وابن عباس وجابر وأبى هريرة وأنس بن مالك وابن أبي أوفى، وبه قال سعيد بن جبير، وابن سيرين، وأبو أمامة بن سهل، والقاسم بن محمد، والحارث، وإبراهيم النخعي، والثوري، وابن عيينة، وابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وهو قول مَرْوِيٌّ عن الشافعي. وحجتهم:-

ما أخرجه الحاكم والبيهقي والدارقطني وحسنه الألباني عن أبى هريرة t:

"أن رسول الله r صلى على جنازة، فكبر عليها أربعاً، وسلم تسليمة واحدة.

ويستحب أن يفعل هذا تارة وهذا تارة أخرى، حتى لا تهجر أحدهن.

فـائـدة:

يرى بعض أهل العلم: أن الإمام يسلم سراً وكذلك المأمومين.

واستدلوا بحديث أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن ابن عباس – رضي الله عنهما –:

"أنه كان يسلم في الجنازة تسليمة خفيفة".

وعند البيهقي من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما –:

"أنه كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة الفتوى رقم (6104):

س1: عرفني كيفية الدعاء للميت، وماذا أصنع عليه أو عليها لكي ينال الثواب من الله تعالى، وهل يجوز شراء المأكولات واجتماع الناس لسبب هذا الدعاء؟

جـ1: المشروع في الصلاة على الجنازة أن يكبر أربع تكبيرات: يقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، ويصلى على النبي r بعد الثانية، ويدعو له بأحسن ما يحضره من الدعاء بعد التكبيرة الثالثة، ومنه الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في السنن عن أبى هريرة t قال:

"صلى رسول الله r على جنازة فقال: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده "

وروى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك t قال:

"صلى رسول الله r على جنازة فحفظت من دعاءه: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر وعذاب النار"،

وبعد التكبيرة الرابعة يسلم واحدة على اليمين.

فإنه قد ورد في (صحيح مسلم):

"ما من ميت تصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه" وفي صحيح مسلم أيضاً عن ابن عباس – رضي الله عنهما –، عن النبي r أنه قال:

"ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه".

وأما اجتماع الناس للدعاء للميت في غير الصلاة فلا يجوز

وأما صنع الطعام من أهل الميت للناس فهو خلاف السنة إلا إذا نزل بهم ضيف فلا بأس، ويشرع لغيرهم من أقاربهم وجيرانهم أن يصنعوا لهم الطعام، لأن النبي r أمر بعض أهله أن يصنعوا لأهل جعفر بن أبى طالب t طعاماً لما جاء خبر موته، وقال: "إنه قد أتاهم ما يشغلهم"

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وأله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)

فوائد مُتَمِّمةٌ:

1 – شروط صلاة الجنازة:

يشترط بها ما يشترط للصلاة من تحصيل الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة وخلو المرأة من دم الحيض والنفاس، إلا أنه لا يشترط فيها دخول الوقت بل تؤدى في جميع الأوقات ما خلا أوقات الكراهة (على خلاف بين أهل العلم كما مرَّ).

2– واجبات صلاة الجنازة:

قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: فصل:

والواجب في صلاة الجنازة النية، والتكبيرات (وأقلها أربع تكبيرات)، والقيام، وقراءة الفاتحة، والصلاة على النبي r، وأدنى دعاء للميت، وتسليمة واحدة.

3 - إذا أجتمع أكثر من ميت من الرجال والنساء:

جاز للإمام أن يصلى على كل جنازة على حده، ويجوز كذلك أن يصلى عليهم صلاة واحدة على أن تجعل الذكور – ولو كانوا صغاراً – مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة، وتكون عجيزة المرأة عند رأس الرجل؛ ليكون الإمام حذاء رأس الرجل، وكذلك حذاء وسط المرأة.

أخرج النسائي من حديث نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما –:

أنه صلى على تسع جنائز جميعاً، فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة فصفهن صفاً واحداً، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت عليٍّ امرأة عمر بن الخطاب وابن عمها يقال له زيد، وصفوا جميعاً والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وأبى هريرة وأبى سعيد وأبى قتادة، فقلت: ما هذا قالوا: هي السنة".

 

ويجوز أن يصلى على كل واحدة من الجنائز صلاة؛ لأنه الأصل .

فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير عن ابن عباس قال:

"لما وقف رسول الله r على حمزة أمر به فهيئ إلى القبلة، ثم كبر عليه تسعاً، ثم جمع إليه الشهداء كلما أوتى بشهيد وضع إلى حمزة فصلى عليه وعلى الشهداء معه، حتى صلى عليه وعلى الشهداء اثنين وسبعين صلاة".

قال النووي في المجموع: واتفقوا على أن الأفضل أن يفرد كل واحد بصلاة إلا صاحب التتمة، فجزم بأن الأفضل أن يصلى عليهم دفعة واحدة لأن فيه تعجيل الدفن وهو مأمور به والمذهب الأول أرجح لأنه أكثر عملاً وأرجى للقبول وليس هو تأخير كثيراً. والله أعلم.

4 – إذا دخل المسجد وقد فاتته الصلاة المكتوبة مع الإمام ثم شرع الناس في الصلاة على الميت: فإنه يصلى على الجنازة؛ لأن المكتوبة يمكن إدراكها بعد صلاة الجنازة ولا العكس.

(أفاده ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ)

 

هذا وقد وجه إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية هذا السؤال برقم50690، وفيه:

ما حكم من أدرك مع الإمام تكبيرة من صلاة الجنازة، وفاته ثلاث تكبيرات ؟ وماذا يفعل ؟

جـ: يكمل صلاة الجنازة فيكبر ثلاث تكبيرات قضاء قبل رفع الجنازة، لما فاته ثم يسلم، ويعتبر ما أدركه مع الإمام أول صلاة، ويكفيه أقل الواجب بعد التكبيرة الثانية والثالثة، فيقول بعد الثانية: اللهم صل على محمد وبعد الثالثة: اللهم أغفر له، ويسلم بعد الرابعة.

وبالله التوفيق وصلى على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء)

5 – ماذا يفعل المسبوق إذا سبق بشيء من التكبير ؟

قال بعض أهل العلم: يكبر مع الإمام وتكون هذه التكبيرة هي الأولى بالنسبة للمسبوق، فيقرأ الفاتحة ثم إذا انتهي الإمام من تكبيراته، كبر المأموم ما بقى له، وأتم الصلاة على الصفة السابقة.

وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم:

"وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"

وهذا مذهب سعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، والزهري، وابن سيرين، وقتادة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وابن حزم

بينما ذهب بعض أهل العلم: إلى أنه لا يقضى ما فاته من تكبير

وقد صح ذلك عن الحسن، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ:

أنه لا يقضى وإن كبر متتابعاً فلا بأس، والقول الأول هو الأرجح.                  (المغنى: 3/423)

ملاحظة:

إذا كان مسبوقاً، فلم يعلم هل الميت ذكر أم أنثى ؟

فإن قال: اللهم اغفر له ويقصد الميت، فهو جائز.

وإن قال: اللهم اغفر لها ويقصد الجنازة، فهو جائز إن شاء الله.

 

 

س: ماذا لو فاتته صلاة الجنازة ؟ هل له أن يصلى صلاة الجنازة على القبر ؟

جـ: اختلف أهل العلم في صلاة الجنازة على القبر لمن فاتته الصلاة على الجنازة أو من دفن قبل أن

يصلى عليه – على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يصلى عليه.

وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي r ومن بعدهم وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن حزم وغيرهم واستدلوا بما يلى:

1– ما أخرجه البخاري من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:

"مات رجل - وكان رسول الله r يعوده – فدفنوه بالليل، فلما أصبح أعلموه، فقال: ما منعكم أن تعلموني ؟ قالوا: كان الليل وكانت الظلمة فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره فصلَّى عليه.

2 – وأخرج البخاري كذلك من حديث أبى هريرة قال:

أن امرأة سوداء كانت تقمُّ المسجد فماتت ففقدها النبي r فسأل عنها بعد أيام، فقيل:

إنها ماتت، فقال: هلا كنتم آذنتموني؟ قالوا: ماتت من الليل ودفنت وكرهنا أن نوقظك

– فكأنهم صغروا أمرها ـ فقال: دلوني على قبرها فدلوه، فأتى قبرها فصلَّى عليها، ثم قال: هذه القبور مملؤة ظلمة على أهلها، وإن الله U منورها لهم بصلاتي عليهم".

3 – وأخرج البخاري ومسلم واللفظ له من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – :

"أن رسول الله r صلى على قبر بعدما دفن فكبر عليه أربعاً".

والقائلون بهذا القول اختلفوا في المدة التي يمكن أن يصلى فيها على القبر بعد دفن الميت.

فمنهم من أجاز الصلاة على القبر إلى ثلاثة أيام لا يصلى بعدها.

ومنهم من أجاز إلى شهر (وهو قول أحمد) .

ومنهم من أجاز ما لم يبلى الجسد (وهو قول الشافعي) وهو قريب للصواب .

ومنهم من أجازه مطلقاً أي يصلى عليه في أي وقت إذ لا دليل لهذا التفريق، وهو الراجح. والله أعلم

 

القول الثاني:  لا تجوز الصلاة على القبر مطلقاً.

 

القول الثالث: لا تجوز الصلاة على القبر إلا إذا دفن قبل الصلاة عليه.

والقولان (الثاني والثالث) مرويان عن النخعي وأبى حنيفة ومالك.

فقد نقل الحافظ في الفتح (3/205) عن ابن المنذر ـ رحمه الله ـ أنه قال:

وقال بمشروعيته (الصلاة على القبر) الجمهور، ومنعه النخعي ومالك وأبو حنيفة،

وقالوا: إن دفن قبل أن يُصلَّى عليه شرع، وإلا فلا... وحجتهم:-

1 – أدلة النهي عن الصلاة في المقبرة وإلى القبور.

2 – احتجوا بزيادة وردت في حديث أبى هريرة في قصة صلاة النبي r على الرجل أو المرأة السوداء، أن النبي r قال:

"إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم".

فقالوا: الصلاة على القبر من خصائصه.

والراجح: هو القول الأول، القائل بجواز الصلاة على القبر، سواء صلى على الميت، أم لم يُصلَّ عليه

وأما الرد على أدلة الفريق الأخر (القائلين بالمنع) فنقول:

أن أدلة النهي عن الصلاة في المقبرة ،والصلاة إلى القبور، فإنها مخصصة بما سوى صلاة الجنازة بلا شك، فإن الذي نهى عن ذلك ـ أي النبي r ـ هو الذي صلى على القبر، فهذا قوله وهذا فعله، ولا يناقض أحدهما الأخر.                                          (المحلى:5/139)، و(زاد المعاد:1/195)

وأما دعوى الخصوصية: فإنها لا تثبت إلا بدليل، هذا بجانب أنها خلاف الأصل، والزيادة التي احتجوا بها، فالصواب أنها مدرجة في هذا الإسناد، وهي من مراسيل ثابت، بَيَّن ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد، لذا لم يُخَرِّج البخاري هذه الزيادة. ثم على فرض صحتها وثبوتها

فقد قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ كما في نيل الأوطار (4/91):

وقد عرفت غير مرة أن الاختصاص لا يثبت إلا بدليل، ومجرد كون الله ينور القبور بصلاته ة مثل التسليم فى الصلاة .

فعى وحجتهم :

r على أهلها، لا ينفي مشروعية الصلاة على القبر لغيره، لاسيما بعد قوله r:

"صلوا كما رأيتموني أصلي" أهـ

ومما يدل على عدم الخصوصية

ما أخرجه ابن حبان وأحمد قول الصحابة في قصة صلاة النبي على القبر:

"فأَمَّنَا وَصَفَّنَا خلفه"، فالصواب أنه تجوز الصلاة على القبر لمن لم يصلى على الميت لاسيما إن كان من أهل الفضل والصلاح. والله أعلم.

 

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة فتوى رقم349

بيان بكيفية الصلاة على الميت في قبره وفيها: من دفن دون الصلاة عليه، فإنه يصلى عليه في المقبرة ،بجعل المقبرة بين المصلى وبين القبلة، وتصلى صلاة الجنازة.

_ بدع ومنكرات ومخالفات صلاة الجنازة  _

1 ـ عدم تسوية الصفوف.

2 ـ قول البعض عند الصلاة على الجنازة: أكثروا من الصفوف، وهذا لا دليل عليه من الشرع، ولكن الأصل هو إتمام الصف الأول فالأول، لكن إن كانت الصفوف أقل من ثلاثة، فلْتُجَزَّأ إلى ثلاثة صفوف كما مرَّ.

3 ـ الصلاة على الغائب مع العلم أنه صلى عليه في موطنه.

4 ـ وقوف الإمام عند وسط الرجل، ورأس المرأة.

5 ـ وقوف المأموم بجانب الإمام إن لم يكن هناك غيرهما.

6 ـ اعتقاد البعض أنه ليس للنساء الصلاة على الجنازة.

7 ـ تقديم أحد أولياء المُتَوفَّى، وهناك من هو أقرأ منه.

8 ـ الصلاة على الجنازة في الأوقات المنهي عنها لغير ضرورة.

9 ـ الإنكار على من يسلم تسليمة واحدة في الصلاة، بل ورميه بالبدعة.

10ـ قول بعضهم عند الصلاة عليها: سبحان من قهر عباده بالموت، وسبحان الحي الذي لا يموت.

11ـ قول البعض عقب الصلاة عليها بصوت مرتفع: ما تشهدون فيه ؟ فيقول الحاضرون كذلك:

كان من الصالحين.... ونحو ذلك.

12ـ الوقوف على رأس الميت بعد الانتهاء من الصلاة عليه، والدعاء له.

13ـ الجهر بالتكبير في صلاة الجنازة بالنسبة للمأموم.

14ـ انصراف كثير من الناس عن الصلاة على الجنازة، لجهلهم بعظم الأجر والثواب، أو ربما علم لكن حب الدنيا غلب عليه، فيقف خارج المسجد ولا يريد الدخول.

15ـ ما يفعله بعض العوام من الصلاة على الأموات كل خميس أو جمعة بدعة لا أصل لها في الشرع.

 

وللحديث بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ مع" تشييع الجنازة بين المشروع والممنوع "


وبعد...،

فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة

نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمّ خطأ فاستغفر لي

وإن وجدت العيب فسد الخللا

جلّ من لا عيب فيه وعلا

فاللهم اجعل عملي كله صالحاً ولوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه نصيب

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.........

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك 



[1])) سعد بن معاذ رماه ابن العرقة يوم الخندق بسهم، فقطع أكحله، فَحُمِلَ إلى المسجد، فلبث فيه أياماً، حتى حكم في بني قريظة، ثم انفتح جرحه فمات

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق