الاثنين، 20 يونيو 2022

المختصر الصحيح عن الموت والقبر والحشر المؤلف عبد الكريم محمد نجيب

 المختصر الصحيح عن الموت والقبر والحشر المؤلف عبد الكريم محمد نجيب 


المختصر الصحيح

عن الموت والقبر والحشر

جمع وترتيب عبد الكريم محمد نجيب رحمه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبيه الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن سار على نهجهم واقتدى بهديهم إلى يوم الدين وبعد:

فإن الموت حقيقة لا ينكرها مؤمن ولا كافر, وحتى تُنال العبرة منه لا بد من الإحاطة بحقيقته وبما يسبقه وبما يتبعه أو بقدر كاف من ذلك.

وكنت فيما مضى أشهد مجالس العزاء وأسمع أسئلة وأجوبةً لا أرتاح لبعضها لعدم التأكد من صحتها, ممّا جعلني أشعر بالحاجة للوقوف على الصحيح والاقتصار عليه ونبذ ما سواه من أخبار الموت والحياة البرزخيّة والحشر واليوم الآخر حتى وقفت على كتبٍ عديدة في هذا الباب، من أشهرها كتاب «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للإمام القرطبي -رحمه الله- وهو من أجود ما كتب في الموضوع إلا أن مؤلفه لم يخرج الأحاديث والآثار الواردة فيه وتوسع في بعض أبوابه، وبالتالي فإن القارئ غير المتخصص لا يتمكّن من الإفادة الكاملة من الكتاب المذكور.

كما اطلعت على كتاب «الروح» للإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- فوجدته مثل سابقه يحوي عدداً كبيراً من الأحاديث غير المخرجة إضافة إلى أن كلاً من الكتابين كبير الحجم مما يجعل همم الكثيرين من أهل زماننا تقصر عن مطالعته ، و اطلعت على غيرهما مما تناول الموضوع فوجدت في معظمها التهاون في اختيار الصحيح من الأخبار في كل باب .

ولأهمية الموضوع عقدت العزم على الكتابة فيه مع ثقتي بأن أهل العلم -وما أكثرهم ولله الحمد- قد كتبوا وسيكتبون وبتوسع فيه .

وأما اليوم الآخر فهو يوم ينصف الله فيه المظلوم من الظالم، فهو يوم العدل والجزاء وقد دل عليه النقل من القرآن والسنة والإيمان به ركن من أركان الإيمان،كما دل عليه العقل لأن تكرار ما هو موجود ممكن ففي هذه الدنيا مظالم لا يعاقب الظالم فيها على ظلمه وإنما جعل الله يوم القيامة لذلك قال تعالى: }فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم{ [محمد: 18]، وقال تعالى: }ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون{ [يس: 51]، النفخة هي النفخة الثانية نفخة البعث. ولقد تحدث العلماء عن أشراط الساعة وعن البعث بالتفصيل وأطالوا في ذلك فذكروا كل ما وصلهم من أحاديث وروايات وآراء ما صح منها وما لم يصح0 وإذا كان خاصة الناس يتمكنون من تمييز الحديث الصحيح من الضعيف فإن ذلك ليس بوسع العامة, من أجل ذلك كتبت هذا البحث واقتصرت على الاستشهاد ببعض آيات الكتاب المبين وببعض ما صح عن رسول الله r.

والغاية من تقديم هذا الجهد المتواضع للمكتبة الإسلاميّة بعد التماس رضوان الله تعالى والتقرّب إليه بما أحتسبه عنده ، تنبيه القارئ إلى ما ينبغي على كلّ مسلم القيام به من الإعداد والاستعداد للرحيل بالعلم النافع والعمل الصالح قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

وقد اختصرت في ذلك ما وسعني الاختصار ليصبح البحث سهل التناول من قبل العامة أما الخاصة فيمكنهم الرجوع إلى ما كتبه السلف والخلف من المطولات،واكتفيت بذكر بعض أحاديث الصحيحين وبعض ما صح عند بقية علماء الحديث لأن كل ما في الصحيحين صحيح،لكنه ليس كل الصحيح. وإذا رأى هذا البحث النور وأعانني الله فسوف أكتب حول الجنة والنار وما فيهما من نعيم في الجنة وعذاب في النار لأنفع نفسي قبل غيري،فهو حسبي ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

 

عبد الكريم محمد نجيب

حلب 1/1/2002

 

 


[ 1 ]
النهي عن تمني الموت والدعاء به لضر نزل في المال والجسد

1- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به, فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي, وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي» أخرجه البخاري ومسلم.

2- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «لا يتمنين أحدكم الموت, إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً, وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب» أخرجه البخاري. ويستعتب: يرجع عن الإساءة ويتوب.

3- وعنه قال: قال رسول الله r: «لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه, إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله, وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراًً» أخرجه مسلم.

[ 2 ]
جواز تمني الموت والدعاء به خوف ذهاب الدين

قال الله عز وجل مخبراً عن يوسف u: }توفني مسلماً وألحقني بالصالحين{ [يوسف: 101]، أي إذا جاء أجلي توفني مسلماً, أي تمنى الوفاة على الإسلام.

وقال تعالى مخبراً عن مريم: }يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً{ [مريم: 23]، وقد تمنت الموت لسببين:

الأول: لأنها خافت أن يُظن بها السوء في دينها وتُعير فيفتنها ذلك.

الثاني: لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والزور والنسبة إلى الزنا وذلك مهلك لهم.

4- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه» أخرجه البخاري ومسلم.

5- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين،وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» أخرجه مالك والترمذي.

[ 3 ]
ذكر الموت وفضله والاستعداد له

6- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «أكثروا ذكر هادم اللذات»، يعني الموت. أخرجه النسائي وأحمد وابن ماجه والترمذي. وعن أبي سعيد الخدري t قال: دخل رسول الله r مصلاه فرأى ناساً يكثرون فقال: « أما أنكم لو أكثرتم من ذكر هادم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هادم اللذات»، أي لو أكثروا من ذكر الموت لشغلهم ذلك عن الكلام الكثير الذي لا فائدة منه.

7- عن أبي قتادة t قال: مُرَّ على النبي r بجنازة فقال: «مستريح ومستراح منه»، قالوا يا رسول الله: ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: «العبد المؤمن يستريح من تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله, والفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»، أخرجه البخاري ومسلم.

قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة, وقناعة القلب, ونشاط العبادة, ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة, وترك الرضى بالكفاف, والتكاسل في العبادة.

8- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنت جالساً مع رسول الله r فجاء رجل من الأنصار, فسلم على النبي r فقال: يا رسول الله, أي المؤمنين أفضل؟ قال: «أحسنهم خلقاً» قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لما بعده استعداداً أولئك الأكياس»، أخرجه ابن ماجه ومالك.

وقال السدي في قوله تعالى: }الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً{ [الملك: 2]، أي أكثركم للموت ذكراً واستعداداً وخوفاً وحذراً.

[ 4 ]
ما يذكر بالموت والآخرة ويزهد في الدنيا

9- عن أبي هريرة t قال: زار النبي r قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: «استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي،واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي،فزوروا القبور فإنها تذكر الموت» أخرجه مسلم.

وجواز زيارة الرجال للقبور متفق عليه, مختلف فيه للنساء, أما الشابات فحرام عليهن الخروج, وأما القواعد «العجائز» فمباح لهن, وجائز لجميع النساء إذا انفردن بالخروج عن الرجال, وأما الموضع أو الوقت الذي يخشى فيه الفتنة من اجتماع الرجال والنساء فلا يجوز ولا يحل, فبينا الرجل يخرج ليعتبر فيقع بصره على امرأة فيفتتن, وبالعكس فيرجع كل واحد من الرجال والنساء مأزوراً لا مأجوراً، والله أعلم.

 

من علاج القلوب القاسية:

1- الإقلاع عما هي عليه وحضور مجالس العلم والوعظ.

2- الإكثار من ذكر الموت(هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات).

3- مشاهدة المحتضرين وسكراتهم ونزعاتهم وصورتهم بعد مماتهم.

10- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: «ليس الخبر كالمعاينة»، أخرجه ابن حبان وأحمد والبزار والطبراني والحاكم. أي أن معاينة ومشاهدة المحتضرين وزيارة القبور ومعاينة الدفن بعد تغسيل وتكفين الميت والصلاة عليه كل ذلك أبلغ وأنفع للاعتبار من سماع الأخبار دون المشاهدة.

[ 5 ]
ما يقال عند زيارة القبور، وجواز البكاء عندها

11- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: كيف أقول إذا دخلت المقابر؟ قال: «قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, ويرحم الله المستقدمين منا والمتأخرين, وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» وزاد في رواية: «أسأل الله لنا ولكم العافية» أخرجه مسلم.

12- وفي الصحيحين أنه u مرّ بامرأة تبكي عند قبر لها فقال لها: «اتقي الله واصبري» أخرجه البخاري ومسلم. ويظهر أن هذه المرأة كانت جزعة فخشي r عليها من النياحة وهي محرمة. أما البكاء فجائز لبكائه r لما زار قبر أمه، وحين مات ابنه إبراهيم والبكاء على الميت عند قبره حزناً عليه أو رحمة له مما بين يديه جائز كما أبيح البكاء حين موته.قال الإمام البخاري رحمه الله: يعذب الميت ببعض بكاء أهله «بالنياحة» إذا كان النوح من سنته لقول الله تعالى: }قوا أنفسكم وأهليكم ناراً{ [لتحريم: 6]، وقال النبي r: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته»أخرجه البخاري ومسلم،فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها: }ولا تزر وازرة وزر أخرى{ [الأنعام:164 ]، أي يعذب الميت بالنياحة عليه إن أوصى بذلك قبل موته أو كان من عادة أهله وأقاربه أو غيرهم النياحة ولم ينههم عنها قبل موته أما بكاء الحزن على الميت أو الرحمة به مما سيلاقيه فمباح.

[ 6 ]
المؤمن يموت بعرق الجبين

13- عن بريدة t أن النبي r قال: «المؤمن يموت بعرق الجبين» أخرجه الترمذي وابن ماجه.

14- وفي حديث ابن مسعود t: «موت المؤمن بعرق الجبين،تبقى عليه البقية من الذنوب فيجازف بها عند الموت»، أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وقيل يعرق جبينه حياء من الله سبحانه لما اقترف من ذنوب.

[ 7 ]
سكرات الموت

وصف الله سبحانه وتعالى شدة الموت في أربع آيات هي:

الأولى: قوله الحق: }وجاءت سكرة الموت بالحق{ [ق: 19]

والثانية: قوله الحق: }ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت{[الأنعام: 93]

والثالثة: قوله الحق: }فلولا إذا بلغت الحلقوم{ [الواقعة: 83]

والرابعة: قوله تعالى: }كلا إذا بلغت التراقي{ [القيامة: 26]

15- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r كانت بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء, فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: «لا إله إلا الله إن للموت سكرات» ثم نصب يديه فجعل يقول: «في الرفيق الأعلى» حتى قبض ومالت يده. أخرجه البخاري.

16- وعنها قالت: ما أغبط أحداً بهون موت, بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله r، أخرجه الترمذي.

17- وعنها قالت: مات رسول الله r وإنه لبين حاقنتي(1) وذاقنتي(2)، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي r أخرجه البخاري.

أيها الناس: قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه, وحان للغافل أن يتنبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كؤوسه, وقبل سكون حركاته, وخمود أنفاسه, ورحلته إلى قبره, ومقامه بين أرماسه.

- قال العلماء رحمة الله عليهم: إذا كان الموت قد أصاب ويصيب الأنبياء والمرسلين والأولياء والمتقين فما لنا عن ذكره مشغولون؟! وعن الاستعداد له متخلفون؟! }قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون{
[ص: 67-68] وما جرى على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين له فائدتان:

إحداهما:   أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه خفي خلا الشهيد فلا ألم لموته.

الثانية: ابتلاء الأنبياء والصالحين تكميل لفضائلهم ورفع لدرجاتهم وليس نقصاً في حقهم ولا عذاباً.

18- قال رسول الله r: «إن أشد الناس بلاءً في الدنيا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل»، أخرجه البخاري وغيره.

[ 8 ]
الموت كفارة لكل مسلم

19- إنما كان الموت كفارة بسبب ما يلقاه الميت في مرضه من الآلام والأوجاع وقد قال r: «ما من مسلم يصيبه أذى, من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» أخرجه البخاري ومسلم.

20- عن عبيد بن خالد السلمي t عن النبي r: «موت الفجأة أخذة أسف للكافر» أخرجه أبو داود. وعن عائشة رضي الله عنها: «إنه راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر» أخرجه الترمذي.

[ 9 ]
حسن الظن بالله

21- عن جابر بن عبد الله t قال: سمعت رسول الله r يقول قبل وفاته بثلاثة أيام: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» أخرجه البخاري ومسلم.

22- عن أنس بن مالك t أن النبي r دخل على شاب وهو في الموت فقال: «كيف تجدك؟» فقال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي, فقال رسول الله r: «لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف» أخرجه ابن ماجه والترمذي.

23- عن وائلة بن الأسقع t أن رسول الله r قال: يقول الله في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء» أخرجه أحمد.

وعلى العبد أن يجمع بين الخوف والرجاء ويكون الخوف أغلب في حال الصحة والرجاء أغلب في حال المرض وهو أن الله يرحمه ويتجاوز عنه ويغفر له وينبغي لجلسائه أن يذكروه بذلك.

[ 10 ]
تلقين المحتضر لا إله إلا الله

24- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» أخرجه مسلم وأصحاب السنن.

25- قال رسول الله r: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» أخرجه أبو داود وأحمد والحاكم. وفي رواية: «حرمه الله على النار».

وتلقين الشهادة للمحتضر سنة مأثورة فإن قالها ختم له بالسعادة،ولا يكثر من التلقين والإلحاح عليه إن قالها أو فهم ذلك عنه إن كان لا يستطيع الكلام والعبرة للقلب وتكون النجاة به وأما حركة اللسان وحده دون أن تكون ترجمة عما في القلب فلا فائدة فيها ولا عبرة عندها.

[ 11 ]
من حضر المحتضر فليتكلم بخير، وليدع له إن مات

26- عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: «إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون»، قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت النبي r فقلت يا رسول الله: إن أبا سلمة قد مات فقال: «قولي: اللهم اغفر لي وله واعقبني منه عقبى حسنة»، قالت فقلت: فأعقبني الله من هو خير منه: رسول الله r، أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن.

27- وعنها قالت: دخل رسول الله r على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر» فضج ناس من أهله, فقال: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون»، ثم قال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين, واخلفه في عقبه في الغابرين, واغفر لنا وله يا رب العالمين, وافسح له في قبره, ونور له فيه»، أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود.

ويستحب حضور الصالحين وأهل الخير حين موت الميت ليذكروه, ويدعوا له ولمن يخلفه ويقولوا خيراً فيجتمع دعاؤهم وتأمين الملائكة فينتفع بذلك الميت ومن يصاب به ومن يخلفه.

[ 12 ]
سوء الخاتمة،والعمل بالخواتيم

28- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار, وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة» أخرجه مسلم.

29- عن سهل بن سعد t، عن النبي r قال: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة, ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار, وإنما الأعمال بالخواتيم»، أخرجه البخاري ومسلم.

واعلم أن سوء الخاتمة- أعاذنا الله منها-لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه, وإنما تكون لمن كان له فساد في العقل, أو إصرار على الكبائر, وإقدام على العظائم, فينزل به الموت قبل التوبة.

30- عن سالم عن عبد الله قال: كان كثيراً ما كان النبي r يحلف: «لا ومقلب القلوب» أخرجه البخاري.

31- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي r يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك» فقلت: يا رسول الله إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء فهل تخشى؟ قال: «وما يؤمنني يا عائشة، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الجبار إذا أراد أن يقلب قلب عبده قلبه» .

فعلينا إخلاص العمل لله والبعد عن الرياء والتوكل على الله ليثبت قلوبنا على طاعته فهو حسبنا ونعم الوكيل.

[ 13 ]
رسل ملك الموت قبل الوفاة

32- عن أبي هريرة t عن النبي r قال: «أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة» أخرجه البخاري. أي لم يبق عذر لمن بلغ الستين من العمر. قال تعالى: }وجاءكم النذير{ [فاطر: 37]، قيل: النذير هو القرآن،وقيل: الرسل إلى الناس, وقيل: هو الشيب عند كمال الأربعين, قال تعالى: }وبلغ أربعين سنة قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك{ [الأحقاف: 15].

33- وفي الآثار النبوية: «من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة» أخرجه الترمذي.

فمن استمع إلى مواعظ ورثة الأنبياء «العلماء» وظهر الشيب في رأسه ووجهه وبلغ أربعين سنة ولم يتب ويستعد للدار الآخرة بالعمل الصالح فلا يلومن إلا نفسه إذا فاجأه الموت ولم يمهله ولم يقبل له عذر على ما فرط في جنب الله.

[ 14 ]
التوبة وشروطها

قال الله تعالى: }ثم يتوبون من قريب{ [النساء: 17]، أي قبل معاينة ملك الموت. وقال تعالى: }وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن{ [النساء:18]، أي لا تقبل التوبة بعد الغرغرة ومشاهدة المحتضر لملك الموت. وقال تعالى: }وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون{ [النور:31].

وقال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً{ [التحريم: 8].

تفيد الآيتان أن التوبة فرض على المؤمنين, ولها شروط أربعة: الندم في القلب, وترك المعصية في الحال, والعزم على أن لا يعود إلى مثلها, وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى وخوفاً منه لا من غيره.ويجب الاعتراف بالذنب وكثرة الاستغفار الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان فقط فأما من قال بلسانه: أستغفر الله وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار وصغيرته لاحقة بالكبائر.

روي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار. هذا قوله في زمانه فكيف في زماننا هذا الذي يُرى فيه الإنسان مكباً على الظلم حريصاً عليه لا يقلع عنه،والسبحة في يده زاعماً أنه يستغفر من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف, فهو ممن اتخذ آيات الله هزواً، وفي التنزيل: }ولا تتخذوا آيات الله هزواً{ [البقرة: 231].

والتوبة النصوح هي رد المظالم واستحلال الخصوم أي الاعتذار منهم وطلب المسامحة وإدمان الطاعات. والذنوب التي يتاب منها إما حق لله، وإما حق لغيره .فحق الله تعالى يكفي للتوبة منه الترك،وبعضها الترك مع القضاء ،كالصلاة والصوم ومنها الترك مع الكفارة كالحنث في الأيمان. وأما حقوق العباد فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها فإن لم يوجدوا تصدق عنهم وإن كان الذي عليه الحق معسراً فعفو الله مأمول وفضله مبذول.أما إرضاء الخصوم فيكون برد عليهم ما غصبهم من مال، أو خانهم أو غلهم أو اغتابهم أو خرق أعراضهم،أو شتمهم،أو سبهم فيرضيهم بما استطاع ويتحللهم من ذلك أي يطلب منهم أن يسامحوه فإن انقرضوا ولهم عنده مال دفعه إلى الورثة فإن لم يعرف الورثة تصدق به عنهم واستغفر لهم بعد موتهم.

روي عن علي بن أبي طالب t أنه رأى رجلاً قد فرغ من صلاته وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك سريعاً فقال له:يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين وتوبتك تحتاج إلى توبة, قال يا أمير المؤمنين: وما التوبة؟

قال: اسم يقع على ستة معان:

على الماضي من الذنوب: الندامة.

وتضييع الفرائض: الإعادة, ورد المظالم إلى أهلها.

وإدئاب النفس في الطاعة كما أدأبتها في المعصية.

وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية.

وأن تزين نفسك في طاعة الله كما زينتها في معصيته.

والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.

وينبغي تغيير حال المعصية بحال الطاعة، وذلك بتغيير اللباس باستبدال ما عليه من حرام بالحلال, وإن كانت ثياب كبر وخيلاء استبدلها بأطمار متوسطة, وتغيير المجلس: بترك مجالس اللهو واللعب واستبدالها بمجالس العلماء والذكر والفقراء والصالحين،وتغيير الطعام بأكل الحلال وترك ما فيه شبهة فضلاً عن ترك الحرام وتغيير النفقة بترك الحرام وكسب الحلال وتغيير الزينة بترك التزين في الأثاث والبناء واللباس والطعام والشراب وتغيير الفراش بالقيام بالليل عوض ما كان يشغله بالبطالة والغفلة والمعصية كما قال تعالى: }تتجافى جنوبهم عن المضاجع{ [السجدة: 16]. وتغيير الخلق بأن ينقلب خلقه من الشدة إلى اللين ومن الضيق إلى السعة ومن الشكاسة إلى السماحة وتوسيع القلب بالإنفاق ثقة بالقيام على كل حال وتوسيع الكف بالسخاء والإيثار بالعطاء, وهكذا يبدل كل ما كان عليه كشرب الخمر بكسر الإناء سقي اللبن والعسل والزنا بكفالة الأرملة واليتيمة وتجهيزهما ويكون مع ذلك نادماً على ما سلف منه ومتحسراً على ما ضيع من عمره فإذا كملت التوبة بالخصال التي ذكرنا والشروط التي بينا تقبلها الله بكرمه كما قال تعالى: }وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى{ [طه: 82]، والأصل في التوبة الأحاديث الآتية:

34- حديث أبي هريرة t في الرجل الذي قتل مائة نفس ثم سأل: هل له من توبة؟ فقال له العالم: ومن يحول بينك وبينها انطلق إلى أرض بني فلان فإن بها ناساً صالحين يعبدون الله, فاعبد الله معهم, ولا تعد إلى أرضك فإنها أرض سوء، أخرجه مسلم وأحمد.

35- قال مغفل لابن مسعود رضي الله عنه: أسمعت رسول الله r يقول: «إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله عز وجل تاب الله عليه؟» فقال: نعم سمعته يقول: «الندم توبة» أخرجه ابن ماجه وأحمد.

36- عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله r يقول: «إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه» أخرجه البخاري ومسلم.

37- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» أخرجه مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة.

قال تعالى: }إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم{ [النساء: 31].

دلت هذه الآية والحديث الذي قبلها على أن الذنوب كبائر وصغائر وأن الصغائر كاللمسة والنظرة نكفر باجتناب الكبائر مع إقامة الفرائض وذلك بوعده الصدق وقوله الحق, لا أنه يجب عليه ذلك. والكبائر هي الذنوب التي ورد الوعيد على مرتكبها باللعن أو الغضب أو النار في القرآن والسنة أو في أحدهما،وما عدا الكبائر فالذنوب صغائر ولا بد لتكفير الكبائر من التوبة منها والإقلاع عنها.

[ 15 ]
لا تخرج روح العبد حتى يبشر ويصعد بها

38- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحاً قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان, فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج, ثم يعرج بها إلى السماء فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلان بن فلان فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب, ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان, فلا يزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله تعالى, [أي فيها أمر الله وحكمه أي يذهب بها إلى عليين] فإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, اخرجي ذميمة وأبشري بجحيم وغساق وآخر من شكله أزواج, فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج, ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, ارجعي ذميمة فإنها لا تفتح لك أبواب السماء, فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر» أخرجه ابن ماجه وأحمد.

39- عن عبادة بن الصامت t، عن النبي r قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» فقالت عائشة - أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت, فقال: «ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان من الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله وكره الله لقاءه» أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه.

[ 16 ]
تلاقي الأرواح في السماء،والسؤال عن أهل الأرض

40- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال الحديث وفيه: «فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحاً من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا فإذا قال: أو ما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية» أخرجه النسائي. وفي الحديث أن الأموات يجهلون أحوال الأحياء ولا يدرون ما عملهم ولا متى أجلهم، أخرجه النسائي.

41- قال r: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف» أخرجه البخاري ومسلم. قيل هذا التلاقي، وقيل:تلاقي أرواح النيام والموتى،وقيل غير هذا والله أعلم.

[ 17 ]
نسبة الخلق والتصوير والوفاة للملك نسبة مجازية

قال تعالى: }الله يتوفى الأنفس حين موتها{ [الزمر: 42].

وقال تعالى: }وهو الذي أحياكم ثم يميتكم{ [الحج: 66].

وقال تعالى: }ولقد خلقناكم ثم صورناكم{ [الأعراف: 11].

وقال تعالى: }قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم{ [السجدة: 11].

وقال تعالى: }ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة{ [الأنفال:50].

وقال تعالى: }توفته رسلنا{ [الأنعام: 61].

42- عن ابن مسعود t قال: حدثنا رسول الله r وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم بكون مضغة مثل ذلك, ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح» أخرجه البخاري ومسلم.

43- عن حذيفة بن أ سيد الغفاري t قال: سمعت رسول الله r يقول: «إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وشعرها وجلدها ولحمها وعظامها, ثم يقول: أي رب أذكر أم أنثى؟ وذكر الحديث»، أخرجه مسلم...ونسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية لا حقيقية, وقد تم التشكيل والتصوير بقدرة الله تعالى وخلقه واختراعه إذ لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين وهكذا القول في الحديث: «ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح»، أي أن النفخ فيه سبب يخلق الله فيه الروح والحياة, وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره.

[ 18 ]
تحسين الكفن والإسراع بالجنازة وكلامها

44- عن جابر بن عبد الله t، عن النبي r قال: «إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه إن استطاع» أخرجه مسلم.

45- عن أبي سعيد الخدري t: كان النبي r يقول: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم, فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني, وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق» أخرجه البخاري. وصعق: أي مات.

46- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه, وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم» أخرجه البخاري ومسلم.

والإسراع قيل معناه: الإسراع بحملها إلى قبرها في المشي وقيل: تجهيزها بعد موتها لئلا تتغير, والأول أظهر.

[ 19 ]
هل ينتفع الموتى بشيء من سعي الأحياء أم لا؟

ينتفع الموتى بسعي الأحياء بأمرين مجمع عليهما بين أهل السنة من الفقهاء وأهل الحديث والتفسير:

أحدهما:    ما تسبب إليه الميت في حياته.

الثـاني:    دعاء المسلمين واستغفارهم له والصدقة والصوم والحج مع التفصيل في الصوم والحج.

واختلفوا في قراءة القرآن والذكر. فجمهور السلف ومذهب أحمد وبعض أصحاب أبي حنيفة: الوصول. والمشهور من مذهب الشافعي ومالك: عدم الوصول.ولكل من الفريقين أدلته ولا مجال لذكرها هنا0

ونختم هذا الموضوع بأقوال أهل العلم بالصوم والحج عن الميت:

قال ابن عباس t: يصام عن الميت في النذر, ويُطعم عنه في قضاء رمضان, وهذا مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

قال أبو ثور وداود بن علي: يصام عنه في النذر والقضاء.

قال الأوزاعي وسفيان الثوري في إحدى الروايتين عنه: يُطعم عنه وليه, فإن لم يجد صام عنه.

قال الحسن: إذا كان عليه صيام شهر فصام عنه ثلاثون رجلاً يوماً واحداً جاز.

والحج: عند الجمهور يصل ثواب العمل نفسه وعند بعض الحنفية يصل ثواب الإنفاق. وأدلة وصول ثواب الصدقة والصوم والحج كثيرة نكتفي بذكر دليل لكل عبادة تجنباً للإطالة في الأحاديث الثلاثة الآتية :

47- عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً أتى النبي r فقال يا رسول الله: إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: «نعم» أخرجه البخاري ومسلم.

48- وعنها أن رسول الله r قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» أخرجه البخاري ومسلم.

49- عن ابن عباس t أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي r فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله, فالله أحق بالقضاء» أخرجه البخاري.

[ 20 ]
يدفن العبد في الأرض التي خلق منها

50- عن مطر بن عكامش t قال: قال رسول الله r: «إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة»أو قال: «بها حاجة» أخرجه الترمذي.

قال العلماء رحمة الله عليهم: والفائدة أن يتنبه الإنسان ويتيقظ للموت والاستعداد له بحسن الطاعة والخروج عن المظلمة, وقضاء الدين, وإتيان الوصية بما له أو عليه في الحضر, فضلاً عن أوان الخروج عن وطنه إلى سفر, فإنه لا يدري أين كتبت منيته من بقاع الأرض.

[ 21 ]
كل عبد يذر عليه من تراب حفرته

51- عن أبي هريرة t, قال: قال رسول الله r: «ما من مولود إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته» أخرجه أبو نعيم في الحلية، أي أن نطفة الإنسان تعجن بتراب البقعة التي سيدفن فيها.

[ 22 ]
ما يتبع الميت إلى قبره وما يبقى معه وهول المطلع

52- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «يتبع الميت ثلاث, فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» أخرجه البخاري ومسلم.

53- عن جابر بن عبد الله t قال: قال رسول الله r: «لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد, وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة» أخرجه أحمد والبزار.

قال أبو الدرداء t: «أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل دنيا والموت يطلبه, وغافل ليس بمغفول عنه, وضاحك بملء فيه لا يدري أأرضى الله أم أسخطه؟ وأبكاني فراق الأحبة محمد r وحزبه, وأحزنني هول المُطلع عند غمرات الموت, والوقوف بين يدي الله تعالى يوم تبدو السريرة علانية ثم لا يدري إلى الجنة أم إلى النار».

قال أنس بن مالك t: «ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن: أول يوم يجيئك البشير من الله تعالى إما برضاه وإما بسخطه, ويوم تعرض فيه على ربك آخذاً كتابك إما بيمينك وإما بشمالك, وليلة تستأنف فيها المبيت في القبر لم تبت فيه ليلة قط, وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة». وهول المطلع: عندما يطلع المحتضر على مقعده من الجنة أو النار وذلك عندما يرى ملك الموت.

[ 23 ]
القبر أول منازل الآخرة

54- عن هانئ بن عثمان قال: كان عثمان t إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي, وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله r قال: «إن القبر أول منازل الآخرة: فإن نجا منه أحد فما بعده أيسر منه, وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» أخرجه ابن ماجه.

55- عن جابر بن عبد الله t قال: نهى رسول الله r أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه» أخرجه مسلم

56- وعنه أيضاً: نهى رسول الله r أن تجصص القبور, وأن يكتب عليها, وأن يبنى عليها, وأن توطأ» أخرجه الترمذي.

يكره تجصيص القبر لأن ذلك من المباهاة وزينة الحياة الدنيا والقبور منازل الآخرة, وليس بموضع للمباهاة, وإنما يزين الميت في قبره عمله

57- عن أبي الهياج الأسدي t قال: قال لي علي بن أبي طالب t: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله r؟ «أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته, ولا قبراً مشرفاً إلا سويته» أخرجه مسلم.

قال العلماء: يسنم القبر ليعرف كي يحترم, ويمنع من الارتفاع الكثير الذي كانت تفعله الجاهلية, فإنها كانت تعلي عليها, وتبني فوقها تفخيماً لها وتعظيماً.

وقال أحد الصالحين: أيها الناس إني لكم ناصح, وعليكم شفيق, فاعملوا في ظلمة الليل لظلمة القبر, وصوموا في الحر قبل يوم النشور, وحجوا تحط عنكم عظائم الأمور, وتصدقوا مخافة يوم عسير.

[ 24 ]
اختيار مكان الدفن وفضله في المدينة المنورة

58- عن أبي هريرة t قال: أُرسل ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام, فلما جاء صكه ففقأ عينه, فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت, قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه وقل له: يضع يده على متن جلد ثور, فله بما غطت يده بكل شعرة سنة, قال: أي رب, ثم مه؟ قال: ثم الموت, قال: فالآن, فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر, فقال رسول الله r: «لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر» أخرجه البخاري ومسلم.

59- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي r قال: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها, فإني أشفع لمن مات بها» أخرجه الترمذي.

قال العلماء رحمة الله عليهم: الأماكن لا تقدس أحداً ولا تطهره, وإنما الذي يقدسه من وضر الذنوب ودنسها التوبة النصوح مع الأعمال الصالحة.

أما لماذا أقدم موسى عليه الصلاة والسلام على ضرب ملك الموت فالجواب: «أخبر نبينا r أن الله تعالى لا يقبض روح موسى عليه الصلاة والسلام حتى يخيره» أخرجه البخاري وغيره...فلما جاءه ملك الموت بدون تخيير لطمه بدليل: لما رجع إليه ملك الموت فخيره بين الحياة والموت, اختار الموت واستسلم, والله بغيبه أعلم وأحكم.

[ 25 ]
ضغط القبر على صاحبه وإن كان صالحاً

60- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله r قال في سعد بن معاذ: «هذا الذي تحرك له عرش الرحمن وفتحت له أبواب السماء, وشهده سبعون ألفاً من الملائكة لقد ضُم ضمة ثم فرج عنه» أخرجه النسائي.

61- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله r: «إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ» أخرجه أحمد.

والقبر إما لحد أو شق واللحد: هو أن يحفر للميت في جانب القبر, إن كانت الأرض صلبة وهو أفضل من الشق لأنه الذي اختاره الله لنبيه r.

62- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله r, بعثوا إلى أبي عبيدة وكان يضرح كضريح أهل مكة, وبعثوا إلى أبي طلحة وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد, فبعثوا إليهما رسولين, قالوا: اللهم خر لرسولك, فوجدا أبا طلحة فجيء به, ولم يوجد أبو عبيدة فلُحد لرسول الله r، أخرجه ابن ماجة.

63- وعنه قال: قال رسول الله r: «اللحد لنا والشق لغيرنا» أخرجه ابن ماجه والترمذي.

[ 26 ]
الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه

قال الإمام البخاري رحمه الله: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته لقول الله تعالى: }قوا أنفسكم وأهليكم ناراً{ [التحريم:6 ]، وقال النبي r: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته» فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها: لا تزر وازرة وزر أخرى. وهو كقوله : }وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ{ [فاطر : 18] ومعنى من سنته: أي من عادته كأن يوصي بالبكاء عليه، أو يعلم بأن أهله سيبكون عليه ولا ينهاهم0

[ 27 ]
الوقوف عند القبر بعد الدفن،والدعاء للميت بالتثبيت

64- عن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت, الحديث: وفيه: «فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شناً, ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها, حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي عز وجل» أخرجه مسلم. وقد أوصى t بأن لا تصحبه نائحة ولا نار، لأنهما من عمل الجاهلية ولنهي النبي r.

قال العلماء: ومن ذلك: الضجيج بذكر الله سبحانه وتعالى أو بغير ذلك حول الجنائز, والبناء على القبور, والاجتماع في الجبانات والمساجد والبيوت للقراءة وغيرها لأجل الموتى, وكذلك الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام والمبيت عندهم, كل ذلك من أمر الجاهلية ونحو منه الطعام الذي يصنعه أهل الميت اليوم في يوم السابع أو الثالث . وعلى الرجل أن يمنع أهله من فعل شيء من ذلك لقوله تعالى: }قوا أنفسكم وأهليكم ناراً{ قال العلماء معناه: أدبوهم وعلموهم.

وقد أصبحت هذه الأمور عند الناس كالسنة لا يتركونها ومن حاول رد الناس إلى السنة وترك ما خالفها سخطوا عليه لأنه خالفهم ونهاهم عما اعتادوا عليه فالله يحسن تعويضه كما في الحديث الآتي:

65- عن ابن أبي موسى قال: أغمي على أبي موسى وأقبلت امرأته تصيح برنة,قال ثم أفاق,قال: ألم تعلمي - وكان يحدثها - أن رسول الله r قال: «أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق» أخرجه مسلم.

[ 28 ]
سؤال الملكين للميت

66- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «إن العبد إذا وضع في قبره, وتولى عنه أصحابه, إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد r؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله, فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله تعالى به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً»، قال قتادة: وذُكر لنا أنه يفسح له في قبره أربعون ذراعاً, قال مسلم سبعون ذراعاً, ويملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون, ثم رجع إلى حديث أنس قال: أما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري, كنت أقول ما يقول الناس, فيقال: لا دريت ولا تليت, ويضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين»أخرجه البخاري. معنى ولا تليت (الأصل ولا تلوت) أي: لم تدر، ولم تتل القرآن.

67- عن أبي هريرة t عن النبي r قال: «إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشغوف, ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام! فيقال: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله, جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه. فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: لا, ما ينبغي لأحد أن يرى الله! فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً, فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله, ثم يفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها, فيقال له: هذا مقعدك.ويقال له: على اليقين كنت, وعليه مت, وعليه تبعث إن شاء الله تعالى. ويُجلس الرجل السوء في قبره فزعاً مرعوباً فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري, فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولاً فقلته, فيفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيه. فيقال له: انظر إلى ما صرفه الله عنك, ثم يفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً, فيقال: هذا مقعدك، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى» أخرجه ابن ماجه.

[ 29 ]
حديث البراء المشهور عن أحوال الموتى

68- عن البراء بن عازب t قال: خرجنا مع النبي r في جنازة رجل من الأنصار, فانتهينا إلى القبر ولما يلحد, فجلس رسول الله r  مستقبل القبلة, وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض، فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً، فقال: «استعيذوا بالله من عذاب القبر» مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ثلاثاً»، ثم قال: «إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه, كأن وجوههم الشمس ومعهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة, حتى يجلسوا منه مد البصر, ثم يجيء ملك الموت u حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة - وفي رواية المطمئنة - اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان, قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء, فيأخذها - وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء, وفتحت له أبواب السماء, ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم - فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن, وفي ذلك الحنوط - فذلك قوله تعالى: }توفته رسلنا وهم لا يفرطون{ [الانعام :61] ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض, قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني - بها على ملك من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا, حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة, فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين, }وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون{ [المطففون :19]فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرد إلى الأرض وتعاد روحه في جسده، قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه مدبرين فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول: ربي الله, فيقولان له ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام, فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله r, فيقولان له: وما أعلمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت, فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن, فذلك حين يقول الله عز وجل: }يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا{ [إبراهيم :27]فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد r. فينادي مناد في السماء, أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة, وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة, قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره, قال: ويأتيه - وفي رواية: يمثل له - رجل حسن الوجه حسن الثياب, طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك أبشر برضوان من الله, وجنات فيها نعيم مقيم هذا يومك الذي كنت توعده, فيقول له: وأنت فبشرك الله بخير, من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير, فيقول: أنا عملك الصالح, فو الله ما علمتك إلا كنت سريعاً في إطاعة الله, بطيئاً في معصية الله, فجزاك الله خيراً ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله, أبدلك الله به هذا! فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة, كيما أرجع إلى أهلي ومالي, فيقال له: اسكن.

قال: وإن العبد الكافر - وفي رواية الفاجر - إذا كان في انقطاع من الدنيا, وإقبال من الآخرة, نزل إليه من السماء ملائكة غلاظ شداد, سود الوجوه, معهم المسوح من النار, فيجلسون منه مد البصر, ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه, فيقول: أيتها النفس الخبيثة, اخرجي إلى سخط من الله وغضب, قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود - الكثير الشعب - من الصوف المبلول فتقطع معها العروق والعصب, فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء, وتغلق أبواب السماء, ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن لا تعرج روحه من قبلهم»,فيأخذها, فإذا أخذها, لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح, ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض, فيصعدون بها, فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا, حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له, ثم قرأ رسول الله r: }لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط{
[الأعراف: 40]فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين, في الأرض السفلى, ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم, ومنها أخرجهم تارة أخرى - فتطرح روحه من السماء طرحاً حتى تقع في جسده ثم قرأ:
} ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق{ [الحج: 31] فتعاد روحه في جسده قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه.

ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فيقولان له ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه, فيقال: محمد! فيقول: هاه هاه لا أدري, سمعت الناس يقولون ذاك! فيقال: لا دريت ولا تلوت, فينادي مناد من السماء أن كذب, فأفرشوا له من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها, ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه - وفي رواية: ويمثل له - رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك, هذا يومك الذي كنت توعد, فيقول: وأنت فبشرك الله بالشر, من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر, فيقول: أنا عملك الخبيث. فو الله ما علمت إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله, سريعاً إلى معصية الله, فجزاك الله شراً ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبلاً كان تراباً, فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً ثم يعيده الله كما كان, فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار فيقول رب لا تقم الساعة». تم الحديث بطوله أخرجه أبو داود والحاكم والطيالسي والآجري وأحمد والسياق له.

[ 30 ]
من أسباب عذاب القبر

69- عن أبي هريرة t عن النبي r قال: « أكثر عذاب القبر من البول» -أخرجه ابن أبي شيبة-

70- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي r على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير وإنه لكبير ،أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنزه من بوله» أخرجه البخاري ومسلم.

[ 31 ]
الاستعاذة من عذاب القبر ومن عذاب النار

71- عن أبي هريرة t قال: كان رسول الله r يدعو: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر،ومن عذاب النار،ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» أخرجه البخاري.

72- عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله r وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: إنكم تفتنون في القبور, فارتاع رسول الله r وقال: «إنما يفتن يهود»، قالت عائشة فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله r: «هل شعرت أنه أوحي إلي: أنكم تفتنون في القبور؟ قالت عائشة فسمعت رسول الله r يستعيذ من عذاب القبر» أخرجه النسائي.

[ 32 ]
ما ينجي من فتنة القبر وعذابه

تكون النجاة لخمسة وهم: المرابط, والشهيد, والذي يقرأ سورة الملك كل ليلة,والذي يموت بمرض البطن كالإسهال ونحوه, والذي يموت يوم أو ليلة الجمعة.

73- روى مسلم عن سلمان قال: قال رسول الله r: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن من الفتن» أخرجه مسلم.

والرباط : الملازمة في سبيل الله لثغر من ثغور المسلمين، فأما سكان الثغور المقيمون دائماً بأهلهم الذين يعمرون ويكتسبون هناك، فهم وإن كانوا حماةً فليسوا بمرابطين.

74- عن المقداد بن معد يكرب t قال: قال رسول الله r: «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة،ويرى مقعده من الجنة،ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر،ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها،ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه» أخرجه الترمذي وابن ماجه.

وهذا الشهيد هو من توافرت فيه شروط شهداء أُحد، وهي:

أ- أن يموت في قتال الكفار تحت راية قائد مسلم لإعلاء كلمة الله.

ب-  ألا يرتثّ: أي أن يموت متأثراً بجراحه فلا يتكلم ولا يعي ما حوله.

ج-  أن لا تحصل ورثته على عوض مالي.

75- عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي r: «من قرأ سورة الملك كل ليلة جاءت تجادل عن صاحبها» وروي أنها المجادلة تجادل عن صاحبها يعني قارئها في القبر, وروي أن من قرأها كل ليلة لم يضره الفتان0» أخرجه الترمذي.

76- قال رسول الله r: «من يقتله بطنه لم يعذب في قبره» المبطون: هو الذي يموت بالإسهال ونحوه، أخرجه النسائي.

77- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقاه الله فتنة القبر» أخرجه الترمذي.

[ 33 ]
الميت يُعرض عليه مقعده بالغداة والعشي

78- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: «إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي وإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة،وإن كان من أهل النار فمن أهل النار،يُقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة» أخرجه البخاري ومسلم.

 


[ 34 ]
من هم الشهداء؟ سوى الشهيد في سبيل الله؟

(أنواع الشهداء)

1- المبطون، 2- المطعون، 3- الغريق، 4- صاحب الهدم،
5-الحريق، 6- صاحب ذات الجنب، 7- المرأة تموت بجُمع أو بجِمع، وهي التي تموت من الولادة وولدها في بطنها أو التي تموت بكراً لم يمسها الرجال أو التي تموت قبل أن تحيض وتطمث، 8- من قتل دون ماله، 9- من قتل دون دمه، 10- من قتل دون دينه، 11- من قتل دون أهله، 12- من قتل دون مظلمةٍ.

79- عن أنس بن مالك رضي الله قال: قال رسول الله r: «من طلب الشهادة صادقاً أُعطيها ،وإن لم تصبه» أخرجه مسلم.

80- عن سهل بن حنيف t أن النبي r قال: «من سأل الله
الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء،وإن مات على فراشه» أخرجه مسلم.

 

[ 35 ]
الإنسان يبلى إلا عجب الذنب

81- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: « ليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظم واحد وهو عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب» أخرجه مسلم وابن ماجه.

82- وعنه أن رسول الله r قال: «كل ابن آدم يأكله التراب،إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب» أخرجه مسلم وابن ماجه.

[ 36 ]
أجساد الأنبياء والشهداء لا تبلى، وهم أحياء

83- عن أوس بن أوس t قال : قال رسول الله r : «إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة. فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي» قالوا:
يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليت، فقال: «إن الله عز وجل حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» أخرجه أبو داود وابن ماجه.

وإن معاوية t لما أجرى العين التي استنبطها بالمدينة في وسط المقبرة وأمر الناس بتحويل موتاهم في أيام خلافته، وذلك بعد أُحد بنحو خمسين سنة فوُجدوا على حالهم حتى أن الكلّ رأوا المسحاة وقد أصابت قدم حمزة t فسال منه الدم وأن جابر بن عبد الله أخرج أباه عبد الله بن حرام كأنما دُفن بالأمس وهذا أشهر في الشهداء من أن يحتاج فيه إلى إكثار. –خبر صحيح-

[ 37 ]
الموتى يسمعون

84- ثبت عن النبي r : «أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه» أخرجه البخاري.

85- وقد علّم النبي r أمته أن يقولوا: «سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية» أخرجه مسلم والنسائي.

[ 38 ]
عذاب القبر هو عذاب البرزخ

عذاب القبر ينال من هو مستحق له ومما ينبغي أن يُعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه،سواء أقبر أم لم يقبر فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رماداً نسف في الهواء أوصُلب أو غرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور.

[ 39 ]
رؤيا للنبي
r:

86- عن سمرة بن جندب t قال: كان النبي r إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: «من رأى منكم الليلة رؤيا؟» قال: فإن رأى أحد رؤيا قصها، فيقول: ما شاء الله فسألنا يوماً فقال: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» قلنا: لا، قال: «لكني رأيت الليلة رجلين أتياني ،فأخذا بيدي، وأخرجاني إلى الأرض المقدسة، فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بصخرة أو فهر فيشدخ بها رأسه، فإذا ضربه تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا إلى نقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار فإذا فيه رجال ونساء عراة، فيأتيهم اللهب من تحتهم فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجون، فإذا خمدت رجعوا، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر، رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فردّه حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي الشجرة وأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها، فيها شيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة, فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل, فيها شيوخ وشباب، قلت: طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت، قالا: نعم، الذي رأيت يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتُحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة، والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار يُفعل به إلى يوم القيامة، وأما الذين رأيتهم في النقب فهم الزناة والذي رأيته في النهر فآكل الربا، وأما الشيخ الذي في أصل الشجرة فإبراهيم والصبيان حوله فأولاد الناس، والذي يوقد النار فمالك خازن النار والدار الأولى دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء وأنا جبريل وهذا ميكائيل فارفع رأسك فرفعت رأسي فإذا قصر مثل السحابة، قالا: ذلك منزلك، قلت دعاني أدخل منزلي ،قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملته أتيت منزلك» أخرجه البخاري.

وهذا نص في عذاب القبر أو البرزخ لأن رؤيا الأنبياء وحي، والدليل على ذلك أن إبراهيم u جاءه الأمر بالذبح في المنام فشرع في التنفيذ.

87- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم.فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم» أخرجه أبو داود.

[ 40 ]
الأرواح منعمة ومعذبة

الأرواح قسمان : منعمة ومعذبة، فالمنعمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها والأرواح المعذبة فهي في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي.

[ 41 ]
للأنفس أربع دور

الدار الأولى: بطن الأم حيث الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث.

والثانية: التي نشأت فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر وهي أوسع من الأولى.

والثالثة: دار البرزخ«القبر» وهي أوسع من الثانية.

والرابعة: دار القرار وهي الجنة، أو النار فلا دار بعدها.

لقي عمر بن الخطاب علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقال له: يا أبا الحسن، ربما شهدت - حضرت - وغبنا وشهدنا - حضرنا - وغبت، ثلاث أسألك عنهن:

الأولى: الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيراً، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شراً، فقال علي: نعم سمعت رسول الله r يقول: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف،وما تناكر منها اختلف» أخرجه البخاري.

أي تلتقي أرواح الموتى القدامى بروح الميت الجديد، قال عمر: هذه واحدة.

الثانية: الرجل يحدث الحديث إذ نسيه فبينا هو وما نسيه إذ ذكره. فقال علي: نعم بينما القلب يتحدث إذ تجللته سحابة فنسي وإذ تجلت عنه فيذكر. قال عمر: اثنتان.

الثالثة: الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق ومنها ما يكذب، فقال علي: نعم.ينام العبد فيُعرج بروحه إلى السماء فالذي لا يستيقظ دون السماء فتلك الرؤيا التي تصدق والذي يستيقظ دون السماء فهي التي تكذب فقال عمر: ثلاث كنت في طلبهن، فالحمد لله أصبتهن قبل الموت.

فالمرض،والموت،وسؤال الملكين للميت في القبر،وضغطة القبر والنعيم أو العذاب في البرزخ،وأسباب هذا العذاب كل ذلك - عندما يعرفه الحي - عليه أن يستعد بزيادة العمل الصالح والابتعاد عن العمل السيئ ليكون علمه شاهداً له لا عليه.

[ 42 ]
أشراط الساعة

فأما وقتها فلا يعلمه إلا الله.قال تعالى: }قال إنما علمها عند ربي{ [الأعراف: 187].

88- وفي حديث جبريل الطويل، وفيه قال: أخبرني عن الساعة, قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» قال فأخبرني عن أماراتها؟ قال: «أن تلد الأمة ربتها, وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان»، وفي رواية: «إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها, وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها» أخرجه مسلم...

قال قتادة: صم عن استماع الحق, بكم عن التكلم به, عمي عن الإبصار له... وأن تلد الأمة ربتها وفي رواية ربها: أي سيدتها أو سيدها, قال وكيع: هو أن تلد العجم العرب، وقيل: هو أن يبيع السادات أمهات الأولاد فربما اشترى المستولدة ولدها وهو لا يشعر فيكون ربها أي سيدها لأن السيد إذا جامع أمته فحملت وولدت فلا يجوز له بعد ذلك بيعها ولكن قد يبيعها بسبب غلبة الجهل. وقيل: المراد كثرة عقوق الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد لأمته، ويشهد لهذا حديث أبي هريرة t: المرأة مكان الأمة، وقوله عليه الصلاة والسلام: «حتى يكون الولد غيظاً» وقيل: تسبى المرأة المسلمة كما حدث في الأندلس وهي حبلى أو ولدها صغير, فيفرق بينهما فيكبر الولد فربما يجتمعان ويتزوجها ولا يعرف أحدهما الآخر. ويدل على ذلك قوله إذا ولدت الأمة بعلها, وهذا هو المطابق للأشراط مع قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى تكون الروم أكثر أهل الأرض»، فهذه أربعة أقوال كلها مطابقة لما حصل ويحصل في الواقع. وهي أربع أمارات على قيام الساعة أيضاً:

كثرة فتوح المسلمين واتساع رقعتهم فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه.

بيع أمهات الأولاد بسبب الجهل.

كثرة عقوق الأولاد.

استيلاء الكفار على بعض بلاد المسلمين وهذه الأمارة عكس الأولى من الأمارات الأربع.

-قال العلماء رحمهم الله تعالى: الحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها تنبيههم من رقدتهم وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة كي لا يباغتوا بالحؤول بينهم وبين تدارك ما فاتهم .وتقسم الأشراط إلى كبرى وصغرى.

أما الكبرى مثل: خروج الدجال ونزول عيسى u وقتله الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها.

وأما الصغرى مثل: قبض العلم، وغلبة الجهل واستيلاء أهله، وبيع الحكم وظهور المعازف واستفاضة شرب الخمور،واكتفاء النساء بالنساء والرجال بالرجال، وإطالة البنيان، وزخرفة المساجد، وإمرة الصبيان ولعن آخر هذه الأمة أولها، وكثرة الهرج - أي القتل - وغيرها كثير.

وبذكر أشراط الساعة تتحقق معجزة النبي r وصدقه بكل ما أخبر به.

[ 43 ]
بعثت أنا والساعة كهاتين

89- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r : « بعثت أنا والساعة كهاتين وضم السبابة والوسطى» أخرجه مسلم.

ومعنى الحديث: أنا النبي الأخير فلا يليني نبي آخر وإنما تليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى وليس بينهما إصبع أخرى.

[ 44 ]
أمور تكون بين يدي الساعة

90- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كثيرون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض ،وحتى يهم رب المال من يقبض صدقته وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي فيه، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس أجمعون فذلك حين: }لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً{ [الأنعام: 158]، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» أخرجه البخاري.

أما الفئتان العظيمتان: فما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما بصفين، والدجال: هو الكذاب.ومعنى يقبض العلم: أي يقبض العمل به فلا يبقى إلا رسمه.

ومعنى يتقارب الزمان: أي يفسد الناس بسرعة فما كان يحصل في سنة مثلاً أصبح يحصل في شهر. واللقحة: الناقة الغزيرة اللبن. ومعنى يليط: يصلح...وأكلته: أي لقمته, والهرج: القتل.

91- وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى» أخرجه البخاري ومسلم.

92- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض وحتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً» أخرجه مسلم.

- ومروجاً وأنهاراً: بحفر الآبار وغرس الأشجار وبناء الديار.والله أعلم.

93- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعاً ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» أخرجه البخاري ومسلم.

94- عن حذيفة بن اليمان t قال: حدثنا رسول الله r حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا: «أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال - يعني وسط قلوب الرجال - ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة»، ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً ،حتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. ولقد أتى علي زمان ما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً ليردنه علي دينه ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه علي ساعيه، فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً» أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه وغيرهم.

الوكت: الأثر اليسير. المجل: ارتفاع في باطن اليد بسبب العمل بالفأس ونحوه يحتوي على ماء ثم يصلب ويبقى عقداً. ونفط: أي ارتفع جلدها وانتفخ. منتبراً: مرتفعاً والمقصود خلو القلوب من الأمانة كما يخلو المجل المنتبر عن شيء يحويه. ولقد أتى علي زمان: يعني كانت الأمانة موجودة ثم قلت. وساعيه: يعني رئيسه.والمقصود بقوله: فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً أي لقلة الأمانة.

 

[ 45 ]
أول ما يرفع من الناس الخشوع والفرائض
[علم المواريث]

95- عن زياد بن لبيد t قال: ذكر النبي r شيئاً قال: «ذلك عند أوان ذهاب العلم» قلت يا رسول الله: كيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: «ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء منهما» أخرجه ابن ماجة.

وعن ابن مسعود t: ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف ولكن إقامة حدوده.

عن عبادة بن الصامت t قال: أول علم يرفع من الناس الخشوع، يوشك أن يدخل الرجل مسجد جماعة فلا يرى فيه رجلاً خاشعاً.

وعن شداد بن أوس t قال: أول ما يرفع من العلم الخشوع حتى لا ترى رجلاً خاشعاً.

 

[ 46 ]
دروس الإسلام،وذهاب القرآن

96- عن حذيفة بن اليمان t قال: قال رسول الله r: «يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ويسرى بكتاب الله في ليلة فلا يبقى منه في الأرض آية وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها»، قال له صلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه حذيفة فقال: يا صلة تنجيهم من النار ثلاثاً، أخرجه ابن ماجة، ويكون هذا بعد موت عيسى u.

[ 47 ]
ذكر بعض ما جاء عن الدجال

97- عن أبي الدرداء t أن رسول الله r قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال»، وفي رواية: «من آخر سورة الكهف» أخرجه مسلم.

98- عن حذيفة بن اليمان t قال: قال رسول الله r: «الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر معه جنة ونار فناره جنة وجنته نار»، وعنه قال: قال رسول الله r: «لأنا أعلم بما مع الدجال منه معه نهران يجريان أحدهما رأي العين ماء أبيض والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركه أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض وليطأطىء رأسه فيشرب فإنه ماء بارد وأن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» أخرجه مسلم.

99- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة» أخرجه البخاري ومسلم، وروي أيضاً: بيت المقدس وجبل الطور.

100- عن عمران بن حصين t قال: سمعت رسول الله r يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال»، وفي رواية: امرؤ بدل خلق» أخرجه مسلم، والحديث يدل على عظم خلقته.

101- عن حذيفة بن اليمان t قال: كنا عند رسول الله r فذكر الدجال فقال: «لفتنة من بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال ليس من فتنة صغيرة ولا كبيرة إلا تضع لفتنة الدجال فمن نجا من فتنة ما قبلها فقد نجا منها والله لا يضر مسلماً مكتوب بين عينيه كافر» حديث صحيح أخرجه البزار.

[ 48 ]
نزول عيسى عليه الصلاة والسلام

102- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية وليتركن القلاص فلا يسعى عليها وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون الناس إلى المال فلا يقبله أحد» أخرجه مسلم.

103- وعنه قال: قال رسول الله r: «كيف أنتم إذا نزل عيسى بن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ وفي رواية: «فأمكم منكم»، قال ابن أبي ذئب: تدري ما إمامكم منكم؟ قلت: تخبرني؟ قال: فأمكم بكتاب ربكم عز وجل وسنة نبيكم وعنه عن النبي r قال: «والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بنفج من الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما» أخرجه ابن ماجة.

104- وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام» أخرجه مسلم.

 

[ 49 ]
خروج يأجوج ومأجوج

105- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : «إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً, فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال: ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله فيرجعون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون سهامهم في السماء فيرجع إليها الدم الذي أحفظ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله نغفاً في أقفائهم فيقتلهم»، قال رسول الله r: «والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكراً من كثرة ما تأكل من لحومهم» أخرجه ابن ماجه، ومعنى تشكر شكراً: تمتلئ ملئاً والنغف: نوع من الدواب.

[ 50 ]
خروج الدابة، ومن أين تخرج

قال تعالى: }وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم{ [النمل: 82]، أي وجب الوعيد عليهم لتماديهم في العصيان والعقوق والطغيان وإعراضهم عن آيات الله وتماديهم في المعاصي وهي دابة تعقل وتنطق ليعلموا أنها آية من قبل الله لأن الدابة في العادة لا تتكلم ولا تعقل0

قال ابن عمر وابن عمرو رضي الله عنهما: تخرج الدابة من جبل الصفا بمكة ينصدع فتخرج منه لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فينير وجهه وتكتب بين عينيه: مؤمن, وتسم الكافر فيسود وجهه وتكتب بين عينيه: كافر.وهذه الدابة تكلم الناس وتناظرهم وتقول من جملة كلامها: ألا لعنة الله على الظالمين, وخروجها حين ينقطع الخير, ولا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر, ولا يبقى منيب ولا تائب.

[ 51 ]
طلوع الشمس من مغربها

106- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها, والدجال, ودابة الأرض» أخرجه مسلم.

107- عن صفوان بن عسال المرادي t قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرته سبعين سنة لا يغلق حنى تطلع الشمس من نحوه» أخرجه الترمذي.

وأول الآيات: الخسوفات، ثم الدجال، ثم نزول عيسى u، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها.

108- عن حذيفة بن اليمان t قال: كنا جلوساً في المدينة في ظل حائط وكان رسول الله r في غرفة فأشرف علينا وقال: « ما يجلسكم؟ فقلنا: نتحدث.فقال في ماذا؟ فقلنا: عن الساعة. فقال: «إنكم لا ترون الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات: أولها طلوع الشمس من مغربها, ثم الدخان,ثم الدجال, ثم الدابة، ثم ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وخروج عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج ويكون آخر ذلك ناراً تخرج من اليمن من حفرة عدن لا تدع أحداً خلفها إلا تسوقه إلى المحشر» حديث صحيح أخرجه القتبي في عيون الأخبار، وأخرجه مسلم بمعناه، وفي رواية حذيفة هذه وروايته عند مسلم، وحديث أنس عند البخاري، وحديث ابن عمرو عند مسلم جاءت هذه الآيات: }الأشراط{ مجموعة غير مرتبة وليس الأمر كذلك بل كما ذكرنا: الخسوف فالدجال فنزول عيسى فيأجوج ومأجوج فخروج الدابة فطلوع الشمس من مغربها.

 

[ 52 ]
لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله

109- عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله» أخرجه مسلم،  وفي رواية أخرى: «لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله».

والمعنى: إذا أراد الله زوال الدنيا قبض أرواح المؤمنين فيزول التوحيد من الأرض وينقطع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا أحد يقول لغيره: اتق الله.

[ 53 ]
على من تقوم الساعة؟

110- عن عقبة بن عامر t قال: سمعت رسول الله r يقول: « لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك» فقال عبد الله بن عمرو: أجل: «ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك، مسها كمس الحرير لا تترك نفساً في قلبها مثقال حبة من إيمان إلا قبضتها، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة» أخرجه مسلم

وفي حديث عبد الله بن مسعود:«لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس, من لا يعرف معروفاً, ولا ينكر منكراً, يتهارجون كما تتهارج الحمر» حديث صحيح.

قال الأصمعي: يتهارجون يقول: يتسافدون يقال: بات فلان يهرجها والهرج في غير هذا: الاختلاط والقتل، وهنا الزنى العلني كالحمر.

فائدة: يمكث الدجال في الأرض أربعين يوماً: يوم كسنة, ويوم كشهر, ويوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم.

أما عيسى u فيمكث في الأرض بعد نزوله سبع سنين.

111- عن معاوية t قال: سمعت رسول الله r يقول: « إن من أشراط الساعة أن يقل العلم, ويظهر الجهل, ويظهر الزنا, وتكثر النساء, ويقل الرجال, حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» أخرجه البخاري، وأخرجه مسلم من حديث أنس.

112- عن أبي موسى الأشعري t، عن النبي r قال: «ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل بالصدقة من الذهب لا يجد أحداً يأخذها منه, قال: ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء» أخرجه مسلم، لأن الرجال يقتلون في الحروب وتبقى نساؤهم أرامل فيقبلن على الرجل الواحد في قضاء حوائجهن ومصالح أمورهن من بيع وشراء وأخذ وعطاء ويكون معنى يلذن: يستترن ويتحرزن من الملاذ الذي هو السترة لا من اللذة.

وهذا القول أرجح من القول الآخر وهو: إن لقلة الرجال وغلبة الشبق على النساء يتبع الرجل الواحد أربعون امرأة كل واحدة تقول: انكحني انكحني.

113- قال رسول الله r: «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر, وذراعاً بذراع, حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» أخرجه البخاري، يعني فمن غيرهم. أي من الأشراط ظهور الفساد بين المسلمين.

تحدثنا فيما مضى عن أشراط الساعة والآن نتحدث - بعون الله - عن البعث والنشور.

[ 54 ]
انقراض الخلق،وذكر النفخ والصعق

114- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «ما بين النفختين أربعون» قالوا: يا أبا هريرة أربعين يوماً؟ قال: أبيت قالوا: أربعين شهراً قال: أبيت, قالوا: أربعين عاماً؟ قال: أبيت, ثم ينزل الله تعالى من السماء ماءً فينبتون كما ينبت البقل قال: «ليس من الإنسان شيء إلا يبلى, إلا عظماً واحداً»، وفي رواية: «لا تأكله الأرض أبداً» وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة» أخرجه مسلم، وقول أبي هريرة : أبيت فيه تأويلان: الأول: كان عنده علم من ذلك، والثاني: لم يكن عنده علم من ذلك, والأول أظهر ولم يبينه لأنه لم تُرهق لذلك حاجة لأنه ليس من البينات والهدى الذي أُمر بتبليغه.

قال تعالى: }ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله{ [الزمر: 68] أي إلا الشهداء أو الملائكة أو الأنبياء أو حملة العرش أو جبريل أو ميكائيل أو ملك الموت. فأما صعق الأنبياء فالأظهر أنه: غشية, وأما صعق غير الأنبياء فهو موت. وأما قول النبي r لا تفضلوني على يونس بن متى: فإن يونس بن متى u ألقي في البحر فالتقمه الحوت, وصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث ونادى: }لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين{، ولم يكن محمد r حين جلس على الرفرف الأخضر وارتُقي به صُعداً حتى انتُهي به إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام ناجاه ربه بما ناجاه به وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله من يونس u في ظلمة البحر.

[ 55 ]
يفنى العباد ويبقى الملك لله وحده

115- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «يقبض الله الأرض يوم القيامة, ويطوي السماء بيمينه, ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض» أخرجه البخاري ومسلم.

116- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «يطوي الله السماء يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى, ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله, ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» أخرجه مسلم.

[ 56 ]
النفخ الثاني للبعث في الصور

قال تعالى: }ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون{ [يس: 51] هي النفخة الثانية، وهي نفخة البعث وروي عن مجاهد أنه قال: للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح يا أهل القبور قاموا مذعورين عجلين ينظرون ما يراد بهم لقوله تعالى: }ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون{، وقد أخبر الله عز وجل عن الكفار أنهم يقولون: }يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا{ [يس: 52]، وعدد النفخات: نفختان, نفخة الفزع والصعق،ونفخة البعث وبين النفختين: أربعون سنة.

117- عن عبد الرحمن بن أبي عمرو t قال: «ما من صباح إلا وملكان يقولان: يا طالب الخير أقبل, ويا طالب الشر أقصر, وملكان موكلان يقولان: اللهم أعط منفقاً خلفاً, وأعط ممسكاً تلفاً» أخرجه البخاري مختصراً وأحمد.

[ 57 ]
يبعث كل عبد على ما مات عليه

118- عن جابر بن عبد الله t قال: سمعت رسول الله r يقول: «يبعث كل عبد على ما مات عليه» أخرجه مسلم.

119- عن عبد بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله r يقول: « إذا أراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم, ثم بعثوا على نياتهم» أخرجه البخاري ومسلم، ولفظ البخاري عنه قال: قال رسول الله r: «إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم».

120- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «النياحة على الميت من أمر الجاهلية, وإن النائحة إذا لم تتب قبل أن تموت فإنها تبعث يوم القيامة عليها سرابيل من قطران, ثم يُعلى عليها بدرع من لهب النار» أخرجه ابن ماجه.

[ 58 ]
أين يكون الناس؟
}يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات{

121- عن ثوبان t مولى رسول الله r قال: كنت قائماً عند رسول الله r فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد وذكر الحديث وفيه: فقال اليهودي فأين يكون الناس }يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات{؟ فقال رسول الله r: «هم في الظلمة دون الجسر» أخرجه مسلم.

122- عن عائشة tا قالت: سئل رسول الله r عن قوله تعالى: }يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات{ فأين يكون الناس يومئذ؟ قال: «على الصراط» أخرجه مسلم.

أي أن الأرض والسموات تبدل وتزال ويخلق الله أرضاً أخرى يكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر وهو الصراط.

[ 59 ]
أمور تكون قبل الساعة

لما نبأ النبي r بذكر الزلزلة التي تكون عند النفخة الأولى ذكر ما يكون في ذلك اليوم من الأهوال العظام ومن فزعها ما لا تطيق حمله النفوس، وهو قوله لآدم: }ابعث بعث النار{ في يوم يشيب فيه الوليد, وتضع الحوامل, وتذهل المراضع, والزلزلة من أشراط الساعة وهي في الدنيا وقوله تعالى: }ترونها{ للزلزلة أو للقيامة وقوله تعالى: }وترى الناس سكارى{ أي من العذاب والخوف }وما هم بسكارى{ من الشراب، وقد طلب إبليس النظرة والإمهال إلى يوم البعث والحساب أي طلب أن لا يموت لأن يوم البعث لا موت بعده فقد أنظره الله إلى النفخة الأولى حيث يموت الخلق كلهم. وكان طلب الإنظار إلى النفخة الثانية حيث يقوم الناس لرب العالمين فأبى الله ذلك عليه. وقال تعالى: }إذا زلزلت الأرض زلزالها{ هذه الزلزلة تكون بعد إحياء الناس وبعثهم من قبورهم لأنه لا يراد بها إلا إذعان الناس والتهويل عليهم.

[ 60 ]
الحشر ومعناه الجمع

123- عن أبي هريرة t عن النبي r قال: «يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين, واثنان على بعير, وثلاثة على بعير وتحشر بقيتهم النار تبيت معهم حيث باتوا, وتقيل معهم حيث قالوا, وتصبح معهم حيث أصبحوا, وتمسي معهم حيث أمسوا» أخرجه البخاري ومسلم.

- قوله على ثلاث طرائق يحتمل: الأبرار والمخلطون والكفار، فالأبرار يؤتون بالنجائب, والمخلطون يشتركون في البعير, والكفار تحشرهم النار, فاعمل هدانا الله وإياك ليكون لك بعير خالص من الشركة.

124- عن أنس بن مالك t أن رجلاً قال يا رسول الله: الذين يحشرون على وجوههم, أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله r: «أليس الذي أمشاه على الرجلين قادراً أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟» قال قتادة حين بلغه: بلى وعزة ربنا. أخرجه البخاري ومسلم.

125- عن سهل بن سعد t قال: قال رسول الله r: «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيه علم لأحد» أخرجه مسلم.

126- عن أبي ذر t قال: «إن الصادق المصدوق حدثني أن الناس يحشرون ثلاثة أفواج, فوجاً راكبين طاعمين كاسين, وفوجاً تسحبهم الملائكة على وجوههم, ويحشر الناس فوجاً يمشون ويسعون, يلقي الله الآفة على الظهر فلا تبقى حتى إن الرجل لتكون له الحديقة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها» أخرجه النسائي.

 

[ 61 ]
أحوال الناس بعد البعث وكيف يحشرون

إذا بعث الكفار للحشر فلهم خمسة أحوال:

حال البعث من القبور: يكون الكفار بحواس وجوارح كاملة.

السوق إلى موضع الحساب: يكونون بحواس وجوارح كاملة.

حالة المحاسبة: يكونون بحواس وجوارح كاملة.

السوق إلى جهنم: تسلب أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم.

الإقامة في النار: وهذه الحالة تنقسم إلى بدو ومآل، فبدوها: أنهم يقطعون المسافة بين موقف الحساب وشفير جهنم عمياً وبكماً وصماً إذلالاً لهم تمييزاً عن غيرهم، ومآل حالهم: ترد الحواس إليهم ليشاهدوا النار وما أعد الله لهم فيها من العذاب ويروا ملائكة العذاب وكل ما كانوا به مكذبين, فيستقرون في النار ناطقين سامعين مبصرين. وينادى: يا أهل النار: خلود فلا موت وتسلب في ذلك الوقت أسماعهم, وقد تسلب الأبصار والكلام, لكن سلب السمع يقين: لأن الله تعالى يقول: }لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون{ [الأنبياء: 100] ولكل حالة آية أو أكثر تدل عليها ولم نذكرها طلباً للاقتصار.

[ 62 ]
يحشر الناس حفاة عراة غرلاً

127- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قام فينا رسول الله r بموعظة فقال: « أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلاً كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين, ألا وإن أول الناس يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام, ألا وإنه يؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فأقول كما قال العبد الصالح: }وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم{ إلى قوله: }العزيز الحكيم{ [المائدة: 117-118] قال: فيقال: إنهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» أخرجه البخاري ومسلم.

128- عن معاوية بن حيدة t، عن النبي r في حديث ذكره قال: وأشار بيده إلى الشام فقال: «ههنا إلى ههنا تحشرون ركباناً ومشاةً وتجرون على وجوهكم يوم القيامة, على أفواهكم الفدام, توفون سبعين أمة, أنتم خيرهم على الله وأكرمهم على الله, وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه».

وفي رواية أخرى ذكرها ابن أبي شيبة: «وإن أول ما يتكلم من الإنسان فخذه وكفه» أخرجه البخاري والترمذي...

معاني الكلمات: غرلاً: غير مختونين. النقى: الدقيق الحواري. عفراء: بيضاء تضرب إلى الحمرة قليلاً. الفدام: مصفاة الكوز أو الإبريق أي منعوا الكلام حتى تتكلم أفخاذهم تشبيهاً بالفدام على الإبريق.

[ 63 ]
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه

129- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله r يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً» قلت: يا رسول الله, الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلي بعض؟ قال: يا عائشة, الأمر أشد من أن ينظر بعضهم لبعض» أخرجه مسلم.

130- عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي r قال: «تحشرون حفاة عراة غرلاً»، فقالت امرأة: أيبصر بعضنا أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال: «يافلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» أخرجه الترمذي.

 

[ 64 ]
يوم القيامة في سور التكوير، والانفطار، والانشقاق

- من أسماء يوم القيامة: يوم العرض

131- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله r : «من حوسب يوم القيامة عُذب»، قالت فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله: }فسوف يحاسب حساباً يسيراً{»؟ [الانشقاق: 8]، فقال: «ليس ذلك الحساب إنما ذلك العرض من نوقش الحساب يوم القيامة عذب» أخرجه البخاري ومسلم.

- ومن أسماء يوم القيامة: يوم الحساب

يروى عن علي بن أبي طالب t أنه سئل عن محاسبة الله للخلق فقال: «كما يرزقهم في غداة واحدة كذلك يحاسبهم في ساعة واحدة».

132- عن أبي هريرة t قال: سأل الناس رسول الله r هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله r: «هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟»، قالوا: لا، قال: «فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر وليس في سحابة»، قالوا: لا، قال: «فو الذي نفس محمد بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما»، قال: «فيلقى العبد فيقول: أي عبدي قل: ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع؟ فيقول: بلى, فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا, فيقول: إني أنساك كما نسيتني, ثم يلقى الثاني فيقول له: ويقول هو مثل ذلك بعينه ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول: يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك, وصليت, وتصدقت, وصمت, ويثني بخير ما استطاع, قال: فيقول: ههنا إذاً ثم يقول: الآن نبعث شاهداً عليك فيقول في نفسه من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم على فيه, ويقال لفخذه: انطقي فتنطق فخذه, ولحمه, وعظامه, بعمله وذلك ليعذر في نفسه, وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه, وقد قال الله تعالى: }اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا{ [الإسراء: 14] أي: حاسباً, فعيلاً بمعنى فاعل» أخرجه مسلم.

- ومن أسماء يوم القيامة: يوم السؤال

133- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي r قال: «ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته, والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم, والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة عنه, والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه, ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته» أخرجه البخاري ومسلم.

- ومن أسماء يوم القيامة: يوم القضاء وهو أيضاً يوم الحكم والفصل

134- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد» أخرجه مسلم.

[ 65 ]
من أهوال يوم القيامة

135- عن المقداد بن الأسود t قال: سمعت النبي r يقول: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل»، قال سليم بن عامر ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض أو الميل الذي تكحل به العين قال: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق, فمنهم من يكون إلى كعبيه, ومنهم من يكون إلى ركبتيه, ومنهم من يكون إلى حقويه, ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً» قال: وأشار رسول الله r بيده إلى فيه.أخرجه مسلم والترمذي وزاد قوله: تكحل به العين فتصهرهم الشمس.

136- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعاً وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو آذانهم» أخرجه البخاري ومسلم.

137- عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي r: «يوم يقوم الناس لرب العالمين» قال: «يوم يقوم أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه» أخرجه البخاري والترمذي.

[ 66 ]
ما ينجي من أهوال يوم القيامة

138- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» أخرجه مسلم. وقد ينجي منها كلها ما جاء في الحديث الآتي:

139-عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: «حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسراً فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر, قال: قال الله عز وجل: أنا أحق بذلك منك, تجاوزوا عن عبدي» أخرجه مسلم.

140- عن أبي قتادة t أنه طلب غريماً له فتوارى عنه, ثم وجده فقال: إني معسر, قال: آلله؟ فقال: آلله, قال: فإني سمعت رسول الله r يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» أخرجه مسلم.

141- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه»، أخرجه البخاري ومسلم، معنى في ظله: أي في ظل عرشه...جاء هكذا مفسراً في الحديث.

142- عن حذيفة t عن النبي r أن رجلاً مات فدخل الجنة, فقيل له: ما كنت تعمل؟ فقال: «أما ذكروا ما ذكر, فقال: إني كنت أبايع الناس, فكنت أنظر المعسر وأتجاوز في السكة أو في النقد فغفر له» فقال له أبو مسعود t: وأنا سمعته من رسول الله r» أخرجه البخاري ومسلم.

143- عن كعب بن عمرو t أنه سمع رسول الله r يقول: «من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله» أخرجه مسلم.

[ 67 ]
الشفاعة العامة لأهل المحشر

144- عن أبي هريرة t قال: أتي النبي r يوماً بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة فقال: «أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم, فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبونا أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه, وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه, ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته, نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى نوح, فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح, أنت أول الرسل إلى الأرض وسماك الله عبداً شكوراً, اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي: نفسي نفسي, اذهبوا إلى إبراهيم, فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله, وذكر كذباته, نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري, اذهبوا إلى موسى, فيأتون موسى فيقولون: يا موسى, أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفساً لم أومر بقتلها, نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى, أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه, فاشفع لنا إلى ربك, ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله, ولم يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً، نفسي نفسي, اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد r فيأتون فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء, وغفر الله لك ما تقدم وما تأخر, اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي, ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه لأحد غيري من قبلي ثم قال: يا محمد, ارفع رأسك, وسل تعطه واشفع تشفع, فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي, فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب, والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى»، وفي البخاري: «كما بين مكة وحمير» أخرجه البخاري ومسلم.

[ 68 ]
الشفاعة العامة لأهل الموقف هي المقام المحمود

145- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «إن الناس يصيرون يوم القيامة جثياً كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان,اشفع,يا فلان,اشفع,حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي r فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود» أخرجه البخاري.

146- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر،وما من نبي يومئذ آدم وما سواه إلا تحت لوائي ,وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال: فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون: أنت أبونا فاشفع لنا إلى ربك فيقول: أنا أذنبت ذنباً فأهبطت به إلى الأرض ائتوا نوحاً فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات,ثم قال رسول الله r: ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ولكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول: إني قد قتلت نفساً ولكن ائتوا عيسى فيقول: إني عُبدت من دون الله ولكن ائتوا محمداً r فيأتوني فأنطلق معهم»، قال ابن جدعان قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله r قال: «فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال: من هذا؟ فيقال محمد فيفتحون لي ويرحبون فيقولون: مرحباً،فأخر ساجداً لله فيلهمني من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقل يسمع لقولك وهو المقام المحمود الذي قال الله فيه: }عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً{ [الإسراء: 79]»، قال سفيان: ليس عن أنس إلا هذه الكلمة: فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها... أخرجه الترمذي.

فيفزع الناس ثلاث فزعات: ذلك والله أعلم عندما تزفر النار ثلاث زفرات.

أقوال في المقام المحمود:

الأول: أنه الشفاعة العامة للناس يوم القيامة كما تقدم.

الثاني: إخراجه طائفة من النار.

شفاعات نبينا r يوم القيامة:

الأولى: وهي العامة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من الهول.

الثانية: إدخال قوم الجنة بغير حساب.

الثالثة: في جماعة من أمته استوجبوا النار بذنوبهم حتى لا يدخلوها.

الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين من أمته حتى يخرجوا منها.

الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها.

السادسة: شفاعته r لعمه أبي طالب للتخفيف عنه.

[ 69 ]
أسعد الناس بشفاعة النبي
r

147- عن أبي هريرة t قال: قلت يا رسول الله, من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث, أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه» أخرجه البخاري.

[ 70 ]
العرض وتطاير الصحف ومن نوقش الحساب عُذب

حديث عائشة في البخاري وقد تقدم برقم: 131

148- روي عن رسول الله r: «أن الناس يُعرضون ثلاث عرضات يوم القيامة, فأما عرضتان: فجدال ومعاذير, وأما العرضة الثالثة: فتطاير الصحف, فالجدال لأهل الأهواء يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر الكريم إلى آدم وإلى أنبيائه ويقيم حجته عندهم على الأعداء, ثم يبعثهم إلى النار, فإنه يجب أن يكون عذره عند أنبيائه وأوليائه ظاهراً حتى لا تأخذهم الحيرة»، ولذلك قيل عن رسول الله r: «لا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، ولا أحد أحب إليه العذر من الله, والعرضة الثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر يخلو بهم فيعاتبهم في تلك الخلوات من يريد أن يعاتبهم حتى يذوق وبال الحياء ويرفض عرقاً بين يديه ويفيض العرق منهم على أقدامهم من شدة الحياء, ثم يغفر لهم ويرضى عنهم» حديث صحيح، أخرجه ا لترمذي الحكيم في الأصل السادس والثمانين.

فتخيل نفسك وأنت بين يدي ربك وفي يدك صحيفتك مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل منكسر والأهوال محدقة بك من بين يديك ومن خلفك فكم من بلية كنت نسيتها تذكرتها الآن وكم من سيئة أخفيتها ظهرت الآن وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص قد رُد عليك في ذلك الموقف وأُحبط وكان أملك فيه عظيماً فيا حسرة قلبك ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك. فأكثر من الطاعة لتعطى كتابك بيمينك فتكون من الفائزين وابتعد عن المعاصي حتى لا تعطى كتابك بشمالك فتكون من الخاسرين.

- ما يسأل عنه العبد وكيفية السؤال؟

قال تعالى: }فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره{ [الزلزلة 7- 8].

149- عن أبي برزة الأسلمي t قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن علمه ما عمل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟» أخرجه الترمذي.

150- عن معاذ بن جبل t قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟» أخرجه الترمذي.

151- عن ابن عمر tما قال: سمعت رسول الله r يقول في النجوى: «يدنى المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه - أي يستره من الخلائق - فيقرره بذنوبه, فيقول هل تعرف؟ فيقول: رب أعرف, قال فيقول: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم, قال: فيعطى صحيفة حسناته, وأما الكفار والمنافقون, فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله» أخرجه البخاري، وقال في آخره: }هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين{ [هود: 18].

152- عن أبي ذر t قال: قال رسول الله r: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وتخبأ كبارها, فيقال له: عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ثلاث مرات, قال: وهو يقر ليس ينكر قال: وهو مشفق من الكبائر أن تجيىء قال: فإذا أراد الله به خيراً قال: أعطوه مكان كل سيئة حسنة, فيقول حين طمع: يا رب إن لي ذنوباً ما رأيتها ههنا, قال: فلقد رأيت رسول الله r ضحك حتى بدت نواجذه, ثم تلا: }فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات{ أخرجه مسلم.

153- عن ابن مسعود t أنه قال: «ما ستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة» وهذا مأخوذ من حديث النجوى, ومن قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة»أخرجه مسلم.

154- عن أبي هريرة t: «من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة» أخرجه مسلم،  وروي: «من ستر على مسلم عورته, ستر الله عورته يوم القيامة».

[ 71 ]
الله تعالى يكلم العبد ليس بينه وبينه ترجمان

155- عن عدي بن حاتم t قال: قال رسول الله r: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم, وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة»، وزاد في رواية: «ولو بكلمة طيبة» أخرجه البخاري والترمذي.

فالعاقل من استعد لذلك اليوم فتزود بالعمل الصالح حيث لا ينفع درهم ولا دينار فمن ثقلت موازينه بالحسنات فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فأمه هاوية.

[ 72 ]
القصاص يوم القيامة بين الناس

156- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» أخرجه مسلم.

157- وعنه أن رسول الله r قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم, وإن كان له عمل صالح أخذه منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» أخرجه البخاري.

158- وعنه أن رسول الله r قال: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع, قال: إن المفلس من أمتي, من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي قد شتم هذا, وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل انقضاء ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» أخرجه مسلم.

159- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «من مات وعليه دينار أو درهم قضى من حسناته, ليس ثَم دينار ولا درهم, من ترك ديناً أو ضياعاً فعلى الله ورسوله» أخرجه ابن ماجه.

فما أشد فرح بعض الناس اليوم بالمضمضة بأعراض المسلمين وأخذ أموالهم, وما أشد حسرتهم غداً عندما يأخذ حسناتهم الخصوم عندما يقف الظالم والمظلوم على بساط العدل والعاقل من عمل الصالحات كما قال عمر بن الخطاب t: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا, وحساب النفس يكون بالتوبة وتدارك التقصير في فرائض الله وبرد الحقوق إلى أهلها أو التحلل «المسامحة» منهم.

[ 73 ]
أول من يحاسب أمة محمد
r

160- عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي r قال: «نحن آخر الأمم وأول من يحاسب يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون» أخرجه ابن ماجه وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما: «فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غراً محجلين من آثار الوضوء فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها» أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده بمعناه.

[ 74 ]
أول ما يحاسب عليه من الأعمال، وما يقضى فيه

161- عن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله r: « أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي.

162- وعنه أن رسول الله r قال: «أول ما يحاسب عليه العبد: الصلاة وأول ما يقضى بين الناس: الدماء» أخرجه النسائي.

163- عن علي بن أبي طالب t أنه قال: «أنا أول من يجثو يوم القيامة بين يدي الرحمن للخصومة» أخرجه البخاري, يريد قصته في مبارزته هو وصاحباه الثلاثة من كفار قريش في غزوة بدر. قال أبو ذر: وفيهم نزلت: }هذان خصمان اختصموا في ربهم{ [الحج: 19].

164- عن حذيفة t أنه رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده, فلما قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليت ولو مت مت على غير سنة محمد r» أخرجه البخاري.

- على المسلم المحافظة على الفروض من إتمام ركوع وسجود وحضور قلب فإن غفل عن شيء من ذلك اجتهد في نفله ولا يتساهل فيه ومن لا يحسن صلاة الفرض فلن يحسن النفل لتهاون الناس فيه ونقره كنقر الديك وإذا كانت الصلاة بهذه الصفة دخل صاحبها في معنى قوله تعالى: }فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة{ والتضييع للصلاة هو عدم مراعاة حدودها من وقت وطهارة وتمام ركوع وسجود ونحو ذلك وهو مع ذلك يصليها, ولا يمتنع من القيام بها في وقتها وغير وقتها, وأما من تركها أصلاً فهو كافر.

[ 75 ]
شهادة أعضاء الكافر والمنافق عليهما

165- عن أنس بن مالك t قال: كنا عند رسول الله r، فضحك، فقال: «هل تدرون مما أضحك»؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «من مخاطبة العبد ربه, يقول: يا رب, ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً, قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله, قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل» أخرجه مسلم.

166- وعنه أن النبي r قال: «يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً كنت تفتدي به؟ فيقول: نعم, فيقال له قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك» أخرجه البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم: بدل «قد كنت»: «كذبت قد سئلت ما هو أيسر من ذلك».

أول ما يتكلم من الإنسان فخذه يحتمل وجهين:

الأول: زيادة في الفضيحة والخزي لأنه كان في الدنيا يجاهر بالفواحش.

الثاني: لمن جحد ما في كتابه فاستحق من الله الفضح والإخزاء.

والناس يوم القيامة ثلاث فرق:

فرقة لا يحاسبون أصلاً وهي من المؤمنين.

فرقة تحاسب حساباً يسيراً وهي من المؤمنين.

فرقة تحاسب حساباً عسيراً يكون منها مسلم وكافر.

والقيامة مواطن: فموطن يكون فيه سؤال وكلام وموطن لا يكون فيه ذلك. قال تعالى: }فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون{ [الحجر: 92]، وقال تعالى: }ولا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان{ [الرحمن: 39].

[ 76 ]
شهادة الأرض بما عمل عليها وشهادة المال على صاحبه

167- عن أبي سعيد الخدري t، عن النبي r أنه قال: «إن هذا المال خضر حلو, ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل- أو كما قال رسول الله r - وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيداً يوم القيامة» أخرجه مسلم.

168- قال رسول الله r: «لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة» أخرجه مالك وابن ماجه.

فكر أيها المسلم بأنك مشهود عليك في فعلك ومقالك وأعظم الشهود هو الله سبحانه الذي لا تخفى عليه خافية.

[ 77 ]
سؤال الله للأنبياء وشهادة هذه الأمة لهم بالتبليغ

169- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r قال: «يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ويجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة, وأكثر من ذلك فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون لا فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته فتدعى أمة محمد r فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم. فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون أخبرنا نبينا r بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه, قال: فذلك قوله: }وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً{» أخرجه ابن ماجه.

[ 78 ]
عقوبة منع الزكاة والغلول والغدر

170- عن أبي هريرة t قال: قام فينا رسول الله ذات يوم فذكر الغلول وعظم أمره، ثم قال: «لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة, يقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاًً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح, يقول يا رسول الله: أغثني, فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك, لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني, فأقول: لا أملك لك من الله شيئاًً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته صامت فيقول يا رسول الله, أغثني فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك» أخرجه البخاري ومسلم.

هذا عن الغلول وهو أخذ المجاهد من الغنيمة قبل قسمتها فهو وإن كان له سهم منها فلا يجوز له أن يأخذ سوى الحصة المخصصة له بعد القسمة كما لا يجوز للموظف ولا لغيره الأخذ من مال الدولة سوى ما خصص له من راتب ونحوه كما لا يجوز استخدام سيارات الدولة – أثناء أو بعد الدوام- للأغراض الخاصة.

171- عن ابن عمر t قال: قال رسول الله r : «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان» أخرجه البخاري ومسلم.

172- عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله r : «ما من صاحب ذهب ولافضة لايؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل
يا رسول الله فالإبل ؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم ورودها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً ، تطؤه بأخفافها ، وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها ،رد عليه أخراها ،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ....الخ » أخرجه مسلم.

أي أن الله سبحانه يجمع الفضيحة مع العذاب لكل من مانع الزكاة والغال والغادر.أجارنا الله وجميع المسلمين من هذه الذنوب ومن غيرها وأعاننا على طاعته إنه سميع مجيب.

[ 79 ]
حوض النبي
r

172- عن أنس بن مالك t قال: بينا رسول الله r ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا: ما أضحك يا رسول الله؟ قال: «نزلت علي آنفاً سورة فقرأ }بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر, فصل لربك وانحر, إن شانئك هو الأبتر{، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم, قال: فإنه نهر وعدنيه ربي, عليه خير كثير, وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم, فيختلج العبد فأقول: يا رب, إنه من أمتي فيقال: ما تدري ما أحدث بعدك» أخرجه مسلم.

173- عن أبي ذر t قال: قلت يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ، آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل» أخرجه مسلم.

174- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورِق، وريحه أطيب من المسك، كيزانه كنجوم السماء، من ورد فشرب منه لم يظمأ بعده أبداً» أخرجه البخاري.

يشخب: يسيل. الورق: الفضة. والصحيح أن للنبي r حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر في الجنة وكلاهما يسمى كوثراً.

175- عن أنس t عن النبي r قال: «ليردن عليَ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقال لي: لا تدري ما أحدثوا بعدك» أخرجه البخاري.

قال العلماء رحمة الله عليهم أجمعين كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه.

176- عن ا بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r : «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» أخرجه الترمذي.

177- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله r: «إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم, وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم» أخرجه مسلم.

- أيها القارئ الكريم: ينبغي أن لا يخطر ببالك أو يذهب بك الوهم إلى أن الحوض يكون على وجه هذه الأرض وإنما يكون وجوده في الأرض المبدلة على مساميه هذه الأقطار أو في المواضع التي تكون بدلاً من هذه المواضع في هذه الأرض وهي أرض بيضاء كالفضة لم يسفك فيها دم, ولم يُظلم على ظهرها أحد قط.

[ 80 ]
ما جاء في الميزان وأنه حق

قال تعالى: }ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً{ [الأنبياء: 47].

وقال تعالى: }ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم{ [الأعراف: 9], [المؤمنون: 103]، الآية في الأعراف والمؤمنين.

قال العلماء: إذا انقضى الحساب جاء بعده الحساب لإظهار مقادير الأعمال ليكون الجزاء بحسبها، والمعنيون بقوله تعالى: خفت موازينه هم الكفار.

178- عن أبي هريرة t، عن النبي r قال: «إنه ليأتي الرجل
العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرؤوا إن شئتم:
}فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً{ [الكهف: 105]» أخرجه البخاري.

ومعنى الحديث: لا ثواب لهم ولا حسنة لهم توزن، وقيل: أي لا قدر لهم عندنا والله أعلم. وفي الحديث من الفقه: ذم السمن لمن تكلفه بل تحريم كثرة الأكل الزائد على قدر الكفاية المبتغى به الترفه والسمن.

179- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق - وعند ابن ماجه: يصاح برجل من أمتي - يوم القيامة, فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً, أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لايارب, فيقول: أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب, فيقول: بل إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله, فيقول: احضر وزنك فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء» أخرجه الترمذي.

وتوزن أعمال الكافر فيوضع كفره وسيئاته في كفة وتوضع في الكفة الأخرى ما له من صلة الرحم ومواسات الناس وعتق المملوك ونحو ذلك مما لو كانت من المسلم لكانت قربة وطاعة فترجح كفة الكفر ويجزى بأعمال البر فيخفف عنه بدليل حديث أبي طالب فإنه قيل له: يا رسول الله! إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل تفعل ذلك؟ فقال: «نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» [وهذه شفاعة خاصة من النبي r لعمه أبي طالب] وسئل r عن عبد الله بن جدعان، وقيل له: إنه كان يقري الضيف ويصل الرحم ويعين في النوائب, فهل ينفعه ذلك؟ فقال: «لا لأنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين»أي لا يدخل الجنة ولا يتنعم بها والله أعلم. وسأله عدي بن حاتم عن أبيه مثل ذلك فقال: «إن أباك طلب أمراً فأدركه» يعني الذكر فهو أيضاً لا يدخل الجنة ولا يتنعم بها والله أعلم. فدل أن الخيرات من الكافر ليست بخيرات, وأن وجودها وعدمها بمنزلة واحدة سواء ومع ذلك توزن لصاحبها والكفار مسؤولون عن الإيمان والبعث وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومحاسبون ومجزيون على الإخلال بها بدليل أنه يقال للمشركين: }ما سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين{ [المدثر: 42-47]، والذي يوزن: صحف الأعمال فتوضع صحف الحسنات في كفة وصحف السيئات في كفة.

قال العلماء: الناس في الآخرة ثلاث طبقات: متقون لا كبائر لهم, ومخلطون وهم الذين ارتكبوا الفواحش والكبائر, وكفار. فالمتقون تثقل موازينهم, والمخلطون فإما أن تثقل موازينهم فيدخلون الجنة وإما أن تخف فيدخلون النار ثم يخرجون بالشفاعة وأما إذا تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيكونون من أهل الأعراف. وأما الكفار فكفة الحسنات فارغة وكفة السيئات مليئة فيأمر الله تعالى بهم إلى النار، وتوزن أعمال المؤمن التقي لإظهار فضله والكافر لخزيه وذله والمخلط السيئ بالصالح فإن دخل النار فيخرج بالشفاعة.

وقال سفيان الثوري: إنك إن تلقى الله عز وجل بسبعين ذنباً بينك وبينه أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد، لأن الله غني كريم, وابن آدم فقير مسكين محتاج في ذلك اليوم إلى حسنة يدفع بها سيئة إن كانت عليه حتى ترجح ميزانه فيكثر خيره وثوابه.

والميزان حق ولا يكون في حق كل أحد بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: فيقال يا محمد! أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه. وقوله تعالى: }يعرف المجرمون بسيماهم{ الآية - وإنما يكون لمن بقي من أهل المحشر ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً من المؤمنين وقد يكون للكافرين. والجن مثل الإنس يحاسبون وتوزن أعمالهم كما يحاسب الإنس وتوزن أعمالهم سواء بسواء.

180- عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلاً قعد بين يدي النبي r فقال: يا رسول الله! إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم؟ قال: «يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم, فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك, وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل»، قال: فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف, فقال رسول الله r: أما تقرأ كتاب الله تعالى: }ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً {[الأنبياء : 47 ]، فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئاً خيراً من مفارقتهم, أشهدك أنهم أحرار كلهم، أخرجه الترمذي وأحمد.

ومن تساوت حسناته وسيئاته أصبح من أهل الأعراف وهو سور بين الجنة والنار وعن ابن مسعود هم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة.

[ 81 ]
يوم القيامة تتبع كل أمة ما كانت تعبد

181- عن أبي هريرة t أن ناساً قالوا لرسول الله r: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله r: «هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله, قال: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك, يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه, فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس, ويتبع من كان يعبد القمر القمر, ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت, وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها, فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم, فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا, فإذا جاء ربنا عرفناه, فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون, فيقول: أنا ربكم, فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه،  ويضرب الصراط بين ظهري جهنم, فأكون أنا وأمتي أول من يجوز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل, ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم, وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان, هل رأيتم السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول الله, قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم الموبق بعمله ومنهم المجازى حتى ينجى» أخرجه مسلم.

- فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون: هذا امتحان للمنافقين أما المؤمنون فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثا لأنهم عرفوا الله سبحانه في الدنيا وأنه منزه عن صفات هذه الصور لأن صفاتها صفات المخلوقين, ومعنى هل تضارون: لا يحجب بعضكم بعضاً ولا يضره ولا يزاحمه ولا يجادله كما يفعل عند رؤية الأهلة, بل كالحال عند رؤية الشمس والقمر ليلة تمامه.

فيتبعونه :أي فيتبعون أمره أو ملائكته ورسله الذين يسوقونهم إلى الجنة والله أعلم .

- والسعدان :نبات كثير الشوك ، الموبق :المهلك ، الدعوى :الدعاء.

[ 82 ]
المرور على الصراط

182- عن أبي هريرة t: فيأتون محمداً r فيؤذن لهم وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً فيمر أولهم كالبرق الخاطف قال: قلت: بأبي أنت وأمي وأي شيء كمر البرق؟ قال: «ألم ترى إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح, ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم r قائم على الصراط يقول: يا رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل ولا يستطيع السير إلا زحفاً» قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه, فمخدوش ناج, ومكردس في النار, والذي نفس محمد بيده, إن قعر جهنم لسبعون خريفاً» أخرجه مسلم.

183- عن حفصة رضي الله عنها، أن رسول الله r قال: «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية»، قالت: فقلت: يا رسول الله وأين قول الله عز وجل: }وإن منكم إلا واردها{ [مريم:71]، فقال رسول الله r: }ثم ننجي الذين اتقوا{ [مريم : 72] أخرجه مسلم من حديث أم مبشر قالت: سمعت رسول الله r عند حفصة, الحديث.

184- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم» أخرجه البخاري ومسلم، أما معنى الورود: فهو المرور على الصراط, وقيل: الدخول, وقيل: النظر إليها في القبر, وقيل: الإشراف والاطلاع عليها والقرب منها عند الحساب، والذي يجمع الأقوال السابقة أن يقال: من وردها ولم تؤذه بلهبها وحرها فقد أُبعد عنها ونُجي منها, نجانا الله منها بفضله وكرمه وجعلنا ممن وردها سالماً وخرج منها غانماً.

[ 83 ]
الصراط الثاني وهو قنطرة بين الجنة والنار

إن في الآخرة صراطين: أحدهما مجاز لأهل المحشر كلهم ثقيلهم وخفيفهم إلا من دخل الجنة بغير حساب أو من يلتقطه عنق النار فإذا خلص من خلص من هذا الصراط الأكبر الذي ذكرناه ولا يخلص إلا المؤمنون الذين علم الله منهم أن القصاص لا يستنفذ حسناتهم حبسوا على صراط آخر خاص لهم ولا يرجع إلى النار من هؤلاء أحد إن شاء الله لأنهم قد عبروا الصراط الأول المضروب على متن جهنم الذي يُسقط فيها من أوبقه ذنبه وأربى جرمه على الحسنات بالقصاص.

185- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيُقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أُذن لهم في دخول الجنة, والذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان له في الدنيا» أخرجه البخاري.

[ 84 ]
من دخل النار من الموحدين يحترق ويموت ثم يخرج بالشفاعة

186- عن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r: «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناساً أصابتهم النار بذنوبهم أو قال: بخطاياهم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أُذن لهم في الشفاعة فيجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحِبة تكون في حميل السيل» أخرجه مسلم.

أي أن العصاة يموتون بعد أن يحترقوا ويصبحوا فحماً أما الكفار فهم لا يموتون لأن الله تعالى قال عنهم: }كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب{ [النساء: 56], وضبائر ضبائر: أي جماعات جماعات, وبثوا: أي فُرقوا, والحِبة: بذر البقول, وحميل السيل: ما احتمله من غثاء وطين.

[ 85 ]
من هدي القرآن والسنة

قال عز وجل: }يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد{ [الحج: 1-2]، وقال تعالى: }ولا يسأل حميم حميماً, يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى{ [المعارج: 10-18]، وقال تعالى:
}فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه{ [عبس: 33-37].

187- عن أبي هريرة t أن رسول الله r حين أنزل الله عز وجل: }وأنذر عشيرتك الأقربين{، قال: «يا معشر قريش أو كلمة نحوها: اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف: لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب: لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا صفية عمة رسول الله: لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً» أخرجه البخاري.

فكر أيها المسلم وفكري أيتها المسلمة في الأمر العظيم وهو قيام الساعة وإنه لعظيم حقاً حين تذهل الأم عن رضيعها وتسقط الحامل حملها وتكون عقول الناس خاوية وكل ذلك من الخوف والذي ينجي من ذلك: طاعة الله عز وجل وترك معاصيه. وحين لا يسأل الصديق عن صديقه ويبصر القريب قريبه ويود المذنب لو يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة بأولاده وبزوجته وبأخيه وبعشيرته وبجميع من في الأرض, كلا, إنها النار التي تنزع اللحم عن العظم وتدعو المعرض البخيل لتصليه في حرها والذي ينجي من ذلك: طاعة الله وترك معاصيه.و إذا قامت الساعة وصخت الآذان فعندها يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وزوجته وأولاده ولكل واحد مما ذكر شأن يغنيه عن غيره ويجعله خائفاً من النار والذي ينجي من هذه الأهوال هو طاعة الله والبعد عن معاصيه

وإذا كان النبي r لا يغني عن أقاربه شيئاً فلا يغني عن عمه ولا عن عمته ولا حتى عن ابنته أفلا يدل ذلك على أن ليس للإنسان إلا عمله الصالح وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

إن الله شديد العقاب وإنه غفور رحيم فبترك الذنوب بعد رحمة الله ننجو من عقابه

وبفعل الطاعات بعد عفو الله نحظى بمغفرته.ونعيش بين الرجاء والخوف ففي حال الصحة نقدم الخوف فنبتعد عن الذنوب والمعاصي وفي حال المرض نقدم الرجاء ونحسن الظن بالله لأنه تعالى قال في الحديث القدسي: «أنا عند حسن ظن عبدي بي»، وقال تعالى: }واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون{ وقال تعالى: }واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون{ [البقرة: 48, 281]، وقال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون{ [التحريم : 6]، وقال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم{ [الحجرات: 1]، وقال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا فإن الله غفور رحيم{ [التغابن: 14]، وقال تعالى: }إنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم{ [الآية السابقة من سورة الأنفال ورقمها: 28].

188- عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r: «ما ادعُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» أخرجه البخاري ومسلم.

189- عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قام خطيباً وكان فيما قال: «إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.ألا فاتقوا النار واتقوا النساء.فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» أخرجه مسلم.

190- عن كعب بن عياض t قال: سمعت رسول الله r يقول: «إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» أخرجه الترمذي.

لقد أمرت آية سورة التحريم بالوقاية من النار للنفس والأهل من الزوج والأولاد.

ونهت آية سورة الحجرات عن التقدم على الكتاب والسنة فما أمر الله به في القرآن نفعله وما نهى عنه نتركه وكذلك ما أمر به النبي r نفعله وما نهى عنه نتركه.

أما آيات سورتي التغابن والأنفال فقد نبهت وحذرت من الأموال والأزواج والأولاد.

وأما الأحاديث فقد نبهت وحذرت من فتنة النساء ومن فتنة المال، فإذا اعتبرنا واتعظنا بما سبق عن الموت وأهواله وشدائده وعن القبر ونعيمه أو عذابه فلنحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب.

هل نفعل ما أمرنا الله به وماأمر رسوله وننتهي عما نهى الله ورسوله لنقي أنفسنا من النار؟ وهل نقي الزوجة من النار بأمرها بالواجبات كالصلاة والحجاب ونهيها عن المحرمات كترك الصلاة والتبرج وهل الزوجة ترفض طاعة زوجها في معصية الله كأن يكون لا يصلي أو كان يدخن ولابد من بيان جواز كشف وجه المرأة بشروط ثلاثة عند القائلين من العلماء بالجواز وهذه الشروط:

الأول:  عدم تعرضها للفتنة أي عدم تعرض الرجال لها بالكلام ونحوه.

الثاني:   أن يكون الوجه كما خلقه الله تعالى أي بدون زينة على الإطلاق.

الثالث:  ألا تكون بارعة الجمال حتى لاتعرّض الرجال للفتنة.

والقول الآخر للعلماء هو وجوب تغطية المرأة لوجهها ولكل فريق أدلته وليس مكان ذكرها هنا وفي كل قضية يكون للعلماء فيها قولان ينبغي الأخذ بالأحوط ففي تغطية أو عدم تغطية وجه المرأة يكون الأفضل التغطية إذا توافرت الشروط السابقة والأوجب إذا لم تتوافر بكاملها. أما الاختلاط كالسهرات الجماعية بين الرجال والنساء والتي لا تخلو من كشف للوجه ومزاح وضحك فلا تجوز وهي حرام وأما الدخان فتطبق عليه وعلى غيره القاعدة الفقهية: «ما زاد ضرره عن نفعه فهو حرام».

وهل الوالدان يحضّان الأولاد على الطاعات للنجاح في امتحان القبر كما يحضانهم على الدراسة للنجاح في امتحانات الدنيا؟؟؟؟

فالولد فتنة«امتحان» لوالديه فإن ربياه وعوداه على الطاعات كانا شركاءه في الأجر، وإن تركاه يرتع في المعاصي كانا شركاءه في الوزر.

والمرأة العاصية لله عدوة لزوجها لأنها تشركه في وزرها والزوج العاصي لله عدو لزوجته لأنه يشركها في وزره، والمال فتنة لصاحبه فالفوز والربح في كسبه بالحلال وإنفاقه في الحلال والهلاك والخسران في كسبه بالحرام وإنفاقه في الحرام.

والولد العاصي لله كتارك الصلاة كالعدو لوالديه يخاصمهما يوم القيامة لإهمالهما في توجيهه وكما يسبب العدو ضرراً لعدوه يسبب الولد العاصي ضرراً لوالديه بزيادة سيئاتهما.

والمرأة بوجه عام فتنة للرجل فإن كانت علاقته بها بالحلال فاز ونجا وإن كانت بالحرام خاب وخسر.

 

[ 86 ]
الفرق بيننا وبين السلف

الفرق بيننا وبين السلف الصالح في الإيمان: نقص في إيماننا وزيادة في إيمانهم، كانوا إذا تحدثوا عن الجنة آمنوا بها كأنهم يرونها رأي العين فجدّوا في طلبها بما استطاعوا من صدقة وصوم وتطوع وصلاة في الليل والناس نيام إلى غير ذلك من النوافل فضلاً عن الواجبات، أما نحن فنتحدث عن الجنة كأي موضوع دون أن نتأثر أو يتغير في سلوكنا شيء نحو الأفضل فنبقى نصلي في بيوتنا بالرغم من أن صلاة الجماعة في المسجد إن لم تكن واجبة فهي أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة وصلاة الجماعة في المسجد أفضل من صلاة الجماعة في البيت لأنه كلما زاد عدد المصلين زاد الأجر وعدد الجماعة في المسجد أكثر من عددهم في البيت.

وإن تحدثوا عن النار آمنوا بها كأنهم يرونها رأي العين فتركوا صغائر الذنوب فضلاً عن كبائرها أما نحن فنتحدث عن النار فنضحك بدلاً من البكاء وكأننا نتحدث عن موقد للتدفئة وربما انتقلنا من ارتكاب الصغائر إلى ارتكاب الكبائر كالغيبة والنميمة إن لم يكن أكبر.

إذاً الفرق بيننا وبينهم هو: نقص إيماننا وزيادة إيمانهم، ومن العلاج المفيد لزيادة الإيمان - بعد توفيق الله - الإكثار من ذكر ما نحن بصدده وهو الموت.

وفي مناقشة بين علي بن أبي طالب t وبين بعض المشركين قال لهم: نأكل كما تأكلون ونشرب كما تشربون ونتزوج كما تتزوجون فإن كانت حياة بعد الموت وحساب وجزاء فنحن الرابحون وأنتم الخاسرون وإن لم تكن حياة ولا حساب ولا جزاء فنحن وأنتم سواء، ففكر السامعون وآمن أكثرهم ونحن - ولله الحمد مؤمنون - وإن كان في إيماننا ضعف فلو أكثرنا من ذكر هادم اللذات الموت فلعل الله المنان ذا الجود والإكرام يتفضل علينا بزيادة إيماننا فهو نعم المسؤول ونعم المجيب.

وعلينا بزيادة تلاوة القرآن بتمهل وإمعان فذلك مما يساعد على زيادة الإيمان وليكن ما نتلوه كل يوم لا يقل عن جزء واحد وذلك بعد صلاة الفجر وقبل بدء العمل أو في أي وقت من اليوم. ويجب أن تكون التلاوة في الصلاة أو خارجها بتمهل وترتيل0فمن أراد الخشوع في الصلاة فليقرأ بتجويد وترتيل والتمهل في القراءة يساعد على الترتيل ومما يساعد على الخشوع أيضاً تنويع القراءة بحيث يقرأ في كل ركعة من سورة وإن كان ما يحفظه قليلاً فيكفيه أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلاة الثلاثية والرباعية وفي ركعتي الفجر يكفيه أن يقرأ آية طويلة أو ثلاث آيات قصار0ولا يداوم القراءة من سورة واحدة أو من سور محددة فإن ذلك لا يساعد على الخشوع.

 

[ 87 ]
الخاتمة

بدأت بحمد الله وأختم بحمده سبحانه فهو وحده المستحق للحمد على نعمه التي لاتُحصى وأجلها نعمة الإيمان وأرجوه تعالى أن يجعلني ممن وصفهم بقوله: }إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون{ [الأنفال: 2].

إن مشاهدة المحتضرين وإغماض عيونهم فور موتهم ومشاهدة القبر وكيفية دفن الميت فيه ومن قبل تغسيله وتكفينه والصلاة عليه كل ذلك إذا لم يؤثر فينا فما الذي يؤثر؟؟؟ وكذلك معرفة أمارات الساعة وما يجري بعد البعث والنشور من تطاير الصحف ووزن الأعمال والمرور على الصراط ففي ذلك ذكرى لمن يتذكر ويتعظ.

وفي الحديث: «ليس الخبر كالمعاينة» الذي مر برقم -10- تنبيه لذلك.

ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم لما نزل قوله تعالى: }ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون{ [المائدة: 90-91].

قالوا : انتهينا يا رب انتهينا وأراقوا دنان الخمر في أزقة المدينة.

وهل يكفي أن نعلم أن هول المطلع شديد ثم لا نتأثر ولا يتحول سلوكنا نحو الأفضل ؟ ألا نكون عندئذ من الغافلين؟؟!! والعياذ بالله.

عندما نُحتضر- وليس ذلك ببعيد - ونرى مقعدنا من الجنة أو النار،ونشاهد ملك الموت وملائكة الرحمة أو العذاب لا فائدة عندئذ من الرؤية والمشاهدة فقد انتهى الامتحان وصدرت النتائج كما عندما يحين موعد الحساب والمرور على الصراط يظهر الفرق بين من قدم لنفسه ومن لم يقدم ولا ينفع الندم.

أما الآن فعلينا اغتنام الحياة قبل الموت ،والصحة قبل المرض، والغنى قبل الفقر،والشباب قبل الهرم،والفراغ قبل الشغل،للتزوّد بالأعمال الصالحة والبعد عن الأعمال السيئة.

روي عن الشيخ عز الدين القسّام رحمه الله أنه كان يحثّ ويشجع المجاهدين الفلسطينين لقتال اليهود وقد شعر المجاهدون أن الشيخ سيخرج للجهاد فقالوا له: نكفيك عن الجهاد للحاجة إليك للتوجيه قال: إني لأستحي من الله أن أدعو إلى الجهاد ولا أجاهد،ثم خرج وقاتل حتى استُشهد،وعلينا أن نستحي من الله بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وبذلك نكون قد اعتبرنا بالموت وما بعده وبالبعث وما بعده.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين


- الفهرس -
الرقم الموضوع الصفحة
المقدمة 3
[ 1 ] النهي عن تمني الموت والدعاء به لضر نزل في المال والجسد 7
[ 2 ] جواز تمني الموت والدعاء به خوف ذهاب الدين 8
[ 3 ] ذكر الموت وفضله والاستعداد له 9
[ 4 ] ما يذكر بالموت والآخرة ويزهد في الدنيا 10
[ 5 ] ما يقال عند زيارة القبور وجواز البكاء عندها 11
[ 6 ] المؤمن يموت بعرق الجبين 12
[ 7 ] سكرات الموت 13
[ 8 ] الموت كفارة لكل مسلم 15
[ 9 ] حسن الظن بالله 15
[ 10 ] تلقين المحتضر لا إله إلا الله 16
[ 11 ] من حضر المحتضر فليتكلم بخير ويدعو له إن مات 17
[ 12 ] سوء الخاتمة والعمل بالخواتيم 18
[ 13 ] رسل ملك الموت قبل الوفاة 19
[ 14 ] التوبة وشروطها 20
[ 15 ] لا تخرج روح العبد حتى يبشر ويصعد بها 24
[ 16 ] تلاقي الأرواح في السماء والسؤال عن أهل الأرض 26
[ 17 ] نسبة الخلق والتصوير والوفاة للملك نسبة مجازية 26
[ 18 ] تحسين الكفن والإسراع بالجنازة وكلامها 28
الرقم الموضوع الصفحة
[ 19 ] هل ينتفع الموتى بشيء من سعي الأحياء أم لا؟ 29
[ 20 ] يدفن العبد في الأرض التي خلق منها 30
[ 21 ] كل عبد يذر عليه من تراب حفرته 31
[ 22 ] ما يتبع الميت إلى قبره وما يبقى معه وهول المطلع 31
[ 23 ] القبر أول منازل الآخرة 32
[ 24 ] اختيار مكان الدفن وفضله في المدينة المنورة 34
[ 25 ] ضغط القبر على صاحبه وإن كان صالحاً 35
[ 26 ] الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه 36
[ 27 ] الوقوف عند القبر بعد الدفن والدعاء للميت بالتثبيت 37
[ 28 ] سؤال الملكين للميت 38
[ 29 ] حديث البراء المشهور عن أحوال الموتى 40
[ 30 ] من أسباب عذاب القبر 44
[ 31 ] الاستعاذة من عذاب القبر ومن عذاب النار 45
[ 32 ] ما ينجي من فتنة القبر وعذابه 45
[ 33 ] الميت يُعرض عليه مقعده بالغداة والعشي 47
[ 34 ] من هم الشهداء؟ سوى الشهيد في سبيل الله؟ 48
[ 35 ] الإنسان يبلى إلا عجب الذنب 49
[ 36 ] أجساد الأنبياء والشهداء لا تبلى وهم أحياء 49
[ 37 ] الموتى يسمعون 50
[ 38 ] عذاب القبر هو عذاب البرزخ 50
[ 39 ] رؤيا للنبي r: 51
الرقم الموضوع الصفحة
[ 40 ] الأرواح منعمة ومعذبة 53
[ 41 ] للأنفس أربع دور 54
[ 42 ] أشراط الساعة 55
[ 43 ] بعثت أنا والساعة كهاتين 57
[ 44 ] أمور تكون بين يدي الساعة 58
[ 45 ] أول ما يرفع من الناس الخشوع والفرائض [علم المواريث] 61
[ 46 ] دروس الإسلام وذهاب القرآن 62
[ 47 ] ذكر بعض ما جاء عن الدجال 62
[ 48 ] نزول عيسى عليه الصلاة والسلام 64
[ 49 ] خروج يأجوج ومأجوج 65
[ 50 ] خروج الدابة ومن أين تخرج 65
[ 51 ] طلوع الشمس من مغربها 66
[ 52 ] لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله 68
[ 53 ] على من تقوم الساعة؟ 68
[ 54 ] انقراض الخلق وذكر النفخ والصعق 70
[ 55 ] يفنى العباد ويبقى الملك لله وحده 71
[ 56 ] النفخ الثاني للبعث في الصور 72
[ 57 ] يبعث كل عبد على ما مات عليه 73
[ 58 ] أين يكون الناس؟ }يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات{ 74
[ 59 ] أمور تكون قبل الساعة 74
[ 60 ] الحشر ومعناه الجمع 75
الرقم الموضوع الصفحة
[ 61 ] أحوال الناس بعد البعث وكيف يحشرون 77
[ 62 ] يحشر الناس حفاة عراة غرلاً 78
[ 63 ] لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه 79
[ 64 ] يوم القيامة في سور التكوير والانفطار والانشقاق 80
[ 65 ] من أهوال يوم القيامة 82
[ 66 ] ما ينجي من أهوال يوم القيامة 83
[ 67 ] الشفاعة العامة لأهل المحشر 84
[ 68 ] الشفاعة العامة لأهل الموقف هي المقام المحمود 87
[ 69 ] أسعد الناس بشفاعة النبي r 89
[ 70 ] العرض وتطاير الصحف ومن نوقش الحساب عُذب 89
[ 71 ] الله تعالى يكلم العبد ليس بينه وبينه ترجمان 92
[ 72 ] القصاص يوم القيامة بين الناس 93
[ 73 ] أول من يحاسب أمة محمد r 94
[ 74 ] أول ما يحاسب عليه من الأعمال وما يقضى فيه 95
[ 75 ] شهادة أعضاء الكافر والمنافق عليهما 96
[ 76 ] شهادة الأرض بما عمل عليها وشهادة المال على صاحبه 97
[ 77 ] سؤال الله للأنبياء وشهادة هذه الأمة لهم بالتبليغ 98
[ 78 ] عقوبة منع الزكاة والغلول والغدر 99
[ 79 ] حوض النبي r 101
[ 80 ] ما جاء في الميزان وأنه حق 103
[ 81 ] يوم القيامة تتبع كل أمة ما كانت تعبد 107
الرقم الموضوع الصفحة
[ 82 ] المرور على الصراط 108
[ 83 ] الصراط الثاني وهو قنطرة بين الجنة والنار 110
[ 84 ] من دخل النار من الموحدين يحترق ويموت ثم يخرج بالشفاعة 110
[ 85 ] من هدي القرآن والسنة 111
[ 86 ] الفرق بيننا وبين السلف 117
[ 87 ] الخاتمة 119
الفهرس 121
¶ ¶ ¶ ¶ ¶ ¶
(1) الحاقنة: المطمئن بين الترقوة والحلق.
(2) والذاقنة: نقرة الذقن.وقال الخطابي: الذاقنة: ما تناله الذقن من الصدر.



=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق