الاثنين، 20 يونيو 2022

ا لاستعداد للموت المؤلف علي بن نايف الشحود

  ا لاستعداد للموت المؤلف علي بن نايف الشحود 

الاستعْدادُ للموتِ 

إعـــدادُ الباحث في القرآن والسنة

علي بن  نايف الشحود

 

نُسْخَةٌ مُعَدَّلةٌ ومزيدةٌ 

(حقوق الطبع متاحة لجميع الهيئات العلمية والخيرية )
بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله نحمد ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضللْ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله، وصفيه وخليله، خيرُ نبيٍّ مرسل، وأكرم شافع مفضّل، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البدور الكمَّل ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد :

« ... فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ....»رواه مسلم مطولا[1]

يقول الله تعالى: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } (30) سورة الزمر

ويقول تعالى:  { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران

إن الموت نهاية كل حيّ، ولا يتفرد بالبقاء إلا الله وحده ، وفي الموت يستوي كلُّ البشر، بما فيهم الأنبياء والمرسلون، والموت ليس نهايةَ المطافِ، إنما هو حلقةٌ لها ما بعدها من حلقات النشأة المقدرة المدبَّرة، التي ليس شيء منها عبثاً ولا سدًى.

إنَّ القرآن الكريم يلمس حكمة الخوف من الموت في النفس البشرية لمسةً موحيةً تطرُدُ ذلك الخوف عن طريق الحقيقةِ الثابتةِ في شأن الموت وشأن الحياة، وما بعدَ الحياة والم0وت من حكمة وتدبيرٍ، ومن ابتلاءٍ للعباد وجزاء.

ومن ثم يقول الله تعالى: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (145) سورة آل عمران

إن لكل نفس كتاباً مؤجلاً إلى أجل مرسوم، ولن تموت نفسٌ حتى تستوفيَ هذا الأجل المرسوم، فالخوف والهلع والحرص والتخلف، لا تطيلُ أجلاً، والشجاعةُ والثبات والإقدام والوفاء، لا تقصِّرُ عمراً، فلا كان الجبن، ولا نامت أعينُ الجبناء، والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد !

بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس، فتترك الاشتغال به، ولا تجعله في الحساب، وهي تفكر في الأداء والوفاء بالتكاليف والالتزامات الإيمانية، وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص، كما ترتفع على وهلة الخوف والفزع، وبذلك تستقيمُ على الطريق الذي رسمه الله لها بكل تكاليفه وبكل التزاماته، في صبر وطمأنينة، وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده.

والذي يعيش لهذه الأرض وحدها، ويريد ثوابُ الدنيا وحدها، إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب، والذي يتطلع إلى الأفق الآخر، إنما يحيا حياة الإنسان الذي كرمَّه الله تعالى، واستخلفه، وأفرده بهذا المكان، ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب.

أما طريقة عملي في هذا الكتاب فهي كما يلي :

جمع الآيات والأخاديث المقبولة في هذا الباب ، وقد نافت على الثلاثمائة

تخريج هذه الأحاديث باختصار من مصادرها الرئيسة

الحكم على هذه الأحاديث من حيث الصحة والضعف دون تشدد أو تساهل

شرح الآيات القرآنية باختصار

شرح الكلمات الغريبة من مظانها

شرح ما يتعلق بدلالة الحديث من خلال كتب الشروح

ذكر خلاصة رأي الفقهاء في  عديد من المسائل

ذكر أهم المصادر في آخر الكتاب

وقد قسمته إلى ثلاثة أبواب ، وتحت كل باب مباحث عديدة :

الباب الأول- مفهوم الموت في القرآن الكريم, وفيه ستة عشر مبحثاً

الباب الثاني-الموت في السنَّة النبوية، وفيه ثمانية مباحث

الباب الثالث-أحوال الإنسان من مرضه حتى دفته، وهو أكبر هذه الأبواب، وفيه خمسة وأربعين باباً..ثم خاتمة

فعلى الإنسان العاقل أن يشمِّر عن ساعد الجدِّ، ويثابرَ على طاعة الله قبل فوات الأوان، خاصة وأنَّ أجلنا مجهول، والعمر قصير، وإياك أن تكون من المسوِّفين فتندم ولات ساعة مندم.

لذا فإني أقدِّم إليك أيها القارئ العزيز ومضاتٍ من سُنَّة الرسول r حول الموت ومقدماته، وعذاب القبر ونعيمه، وهي مما صح عنه r ، علّها تذكرني وإياكَ بحقيقة الحياة والموتِ، وتجعلنا ممن يعودُ إلى الله تعالى قبل انتهاء هذه الرحلة القصيرة، فنفوزَ بسعادة الدارين والحمد لله رب العالمين.

قال تعالى : { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (8) سورة الجمعة

وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) } سورة الحشر

وقال الشاعر :

فلو أنا إذا متنا تُركنا ... لكان الموتُ راحةَ كلِّ حيّ

ولكنا إذا متنا بُعثنا ...... ونسألُ بعده عن كلِّ شيِّ

وقال آخر :

أيـا عـبدُ كـم يـراك اللهُ عاصيا -- حريصاً على الدُنيا وللـموتِ ناسيا

أنسيتَ لقاء الله واللـحد والـثرى؟ -- ويوماً عبوساً تشيبُ فـيهِ النواصيا

لو أن المرءُ لم يلبس ثياباً من التُقى -- تشـرّد عُـرياناً و لـو كان كاسيا

ولـو أن الـدنيا تـدومُ لأهـلِـها -- لـكان رسـولُ اللهِ حـياً و بـاقيا

هذا وأسال الله تعالى أن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره في الدارين آميـن.

وكتبه

الباحث في القرآن والسنة

علي بن نايف الشحود

في 1412  هـ الموافق ل 5/9/1991

وقد تمت مراجعته وتعديله بتاريخ 1 ذو الحجة 1427 هـ الموافق 21/12/2006م

وعدل تعديلا جذريا بتاريخ  8 شعبان 1429 هـ الموافق ل10/8/2008م

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الأول

مفهوم الموت في القرآن الكريم

المبحث الأول

لا فرار من الموت إذا حلَّ الأجلُ

 

قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)  [البقرة/243 ]

يَقُولُ المُفَسِّرُونَ أنَّ قَوْماً خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَاراً مِنْ وَبَاءٍ أَوْ مَرَضٍ حَلَّ بِهَا أَوْ خَوْفاً مِنْ عَدُوٍّ مُهَاجِمٍ وَهُمْ أُلُوفٌ كَثِيرَةٌ تَدْعُو كَثْرَتُهُمْ إلى الشَّجَاعَةِ وَالاطْمِئْنانِ إلى القُدْرَةِ عَلَى الدِّفاعِ عَنِ الأهْلِ وَالوَطَنِ وَالعِرْضِ ، لا إلى الهَلَعِ وَالخَوْفِ ، الذي يَحْمِلُ الخَائِفَ عَلَى الهَرَبِ لا يَلْوِي عَلَى شَيءٍ . وَقِيلَ إنَّ هَؤُلاءِ الهَارِبينَ مِنْ دِيَارِهِمْ حَذَرَ المَوْتِ نَزَلُوا وَادِياً فَأمَرَهُمُ اللهُ بِالمَوْتِ فَمَاتُوا جَمِيعاً . ثُمَّ مَرَّ نَبِيٌّ فَدَعا اللهَ أنْ يُحْييَهُمْ عَلَى يَدَيهِ ، فَأحيَاهُمْ لِيَكُونُوا عِظَةً وَعِبْرَةً لِمَنْ خَلْفَهُمْ ، وَلِيَعْلَمَ النَّاسُ أنَّهُ لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ . وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُرِيهِمْ مِنْ آيَاتِهِ وَحُجَجِهِ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَقُومُونَ بِشُكْرِ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ ، وَأَفْضَالِهِ .

( وَقَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ إنَّ هَذَا مَثَلٌ لا قِصَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ وَهُوَ يَعْنِي أَنَّ هَؤُلاءِ الأُلُوفُ الَّذِينَ دَبَّ الذُّعْرُ فِيهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ فَخَرجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ هَارِبينَ ، فَجَاءَ أعْدَاؤُهم وَفَتكُوا بِهِمْ ، وَفَرَّقُوا شَمْلَهُمْ ، وَأصْبَحَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ خَاضِعاً لِلْغَالِبينَ ، ثُمَّ أحْيَاهُمُ اللهُ بَعْدَ أنْ يَسَّرَ لَهُمْ جَمْعَ كَلِمَتِهِمْ ، وَتَوْثيقَ رَوَابِطِهِمْ ، فَقَامُوا بِمَا يَتَوَجَّبُ عَلَيهِمْ مِنْ مُجَاهَدَةِ أعْدَائِهِمْ ، وَبَذْلِ الأنْفُسِ وَالأمْوَالِ فِي سَبيلِ الجَمَاعَةِ ، فَخُرَجُوا مِنْ ذُلِّ العُبُودِيَّةِ إلى رِيَاضِ الحُرِّيَّةِ ، وَكَانَ كُلُّ الذِي أصَابَهُمْ مِنَ البَلاَءِ تَأدِيباً لَهُمْ وَعِظَةً ) .

وقال تعالى { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) [آل عمران/166-168]

مَا أَصَابَكُمْ يَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أحُدٍ ، حِينَمَا التَقَيْتُمْ بِعَدوكُمْ فِي مَيْدَانِ المَعْرَكَةِ ، وَمَا حَلَّ بِكُمْ مِنْ هَزِيمَةٍ وَقَتْلٍ ، إنَّمَا كَانَ بِإِذْنِ اللهِ وَقَدَرِهِ وَقَضَائِهِ السَّابِقِ ، الذِي جَعَلَ المُسَببَاتِ نَتَائِجَ لأسْبَابِهَا ، فَكُلُّ عَسْكَرٍ يَعْصِي قَائِدَهُ ، وَيَكْشِفُ ظَهْرَهُ لِعَدُوِّهِ يُصَابُ بِمِثْلِ مَا أُصِبْتُمْ بِهِ ، وَأَكْثَر مِنْهُ ، وَللهِ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ فِي ذَلِكَ ، لأنَّ الشَّدَائِدَ تَكْشِفُ عَنْ حَقِيقَةِ المُؤْمِنِينَ الذِينَ صَبَرُوا وَثَبَتُوا ، وَلَمْ يَتَزَلْزَلُوا أَمَام العَدُوِّ

وَالشَّدَائِدُ تُظهِرُ المَُاَفِقِينَ الذِينَ تَبَطَّنُوا بِالكُفْرِ ، وَأَظْهَرُوا الإِيمَانَ ، مِنْ جَمَاعَةِ ابْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ ، الذِينَ رَجَعُوا إلَى المَدِينَةِ قَبْلَ المَعْرَكَةِ ، فَلَحِقَ بِهِمْ رِجَالٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَدْعُونَهُمْ لِلْعَوْدَةِ إلَى الصَّفِّ ، وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى القِتَالِ وَمُسَاعَدَةِ المُسْلِمِينَ ، وَإكْثَارِ عَدَدِهِمْ أمَامَ المُشْرِكِينَ ( أو ادْفَعُوا ) ، فَرَدُّوا مُتَعَلِّلِينَ : لَوْ نَعْلَمُ أنَّكُمْ سَتَلْقَونَ حَرْباً لاتَّبَعْنَاكُمْ ، وَلَكِنَّنَا فِي قُلُوبِهِمْ يَعْتَقِدُونَ غَيْرَهُ . وَهُمْ حِينَما قَالُوا هَذَا القَوْل كَانُوا فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ أقرْبَ لِلْكُفْرِ مِنْهُمْ إلَى الإِيمَانِ ، وَاللهُ أعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ فِي قُلُوبِهِمْ وَفِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الكُفْرِ وَالكَيْدِ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَسَيُعَاقِبُهُمْ عَلَيهِ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ .

وَهَؤُلاءِ المُنَافِقُونَ الذِين قَعَدُوا عَنِ الجِهَادِ ، هُمُ الذِينَ قَالُوا عَنْ إِخْوَانِهِم الذِينَ قُتِلُوا فِي المَعْرَكَةِ : لَوْ سَمِعُوا مَشُورَتَنَا فِي القُعُودِ ، وَعَدَمِ الخُرُوجِ لَمَا قُتِلُوا مَعَ مَنْ قُتِلَ .وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيهِمْ مُسْتَنْكِراً قَوْلَهُمْ هَذَا : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ : لَوْ كَانَ القُعُودُ يَسْلَمُ بِهِ الشَّخْصُ مِنَ القَتْلِ وَالمَوْتِ ، فَيَنْبَغِي عَلَيْكُمْ إلاَّ تَمُوتُوا . وَلَكِنَّ المَوْتَ آتٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ ، فَادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قَوْلِكُمْ .

وقال تعالى :{  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) [النساء/77، 78]

كَانَ المُؤْمِنُونَ فِي بِدْءِ أَمْرِ الإِسْلاَمِ ، فِي مَكَّةَ ، مَأْمُورِينَ بِالصَّلاَةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَبِمُواسَاةِ الفُقَرَاءِ ، وَكَانُوا مَأْمُورِينَ بِالعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ المُشْرِكِينَ ، وَالصَّبْرِ إلَى حِينٍ ، وَكَانُوا يَتَحَرَّقُونَ شَوْقاً إلَى القِتَالِ ، وَيَتَمَنَّوْنَ لَوْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالقِتَالِ ، لِيَنْتَصِفُوا مِنْ أَعْدَائِهِمْ ، وَيَشْفُوا غَلِيلَهُمْ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَكُنِ الحَالُ إذْ ذَاكَ مُنَاسِباً لِلْقِتَالِ لأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ : مِنْهَا قِلَّةُ عَدَدِهِمْ ، وَمْنَهَا كَوْنُهُمْ فِي بَلَدٍ حَرَامٍ ، لِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالجِهَادِ إلاَّ بَعْدَ أنْ خَرَجُوا إلى المَدِينَةِ ، وَصَارَ لَهُمْ فِيها دَارُ مَنَعَةٍ وَأَنْصَارٌ . وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِمَا كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ ( وَهُوَ القِتَالُ ) جَزِعَ بَعْضُهُمْ جَزَعاً شَدِيداً ، وَخَافُوا مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ فِي مَيْدَانِ الحَرْبِ ، وَقَالُوا : رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ الآنَ؟ لَوْلاَ أخَّرْتَ فَرْضَهُ إلى وَقْتٍ آخَرَ ( أو لَوْ تَأخَّرْتَ فِي فَرْضِهِ عَلَيْنَا حَتَّى نَمُوتَ مَوْتاً طَبِيعِياً حَتْفَ أُنُوفِنَا ) ، فَإِنَّ فِيهِ سَفْكَ الدِّمَاءِ ، وَيُتْمَ الأَوْلاَدِ ، وَتَأييمَ النِّسَاءِ . . فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ : مَتَاعُ الدُّنْيَا مَهْمَا عَظُمَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الحَيَاةِ الأُخْرَى ، وَحَيَاةُ النَّاسَ فِي الدُّنْيا قَصِيرَةٌ ، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ ، لأَنَّهُمْ سَيَكُونُونَ خَالِدِينَ فِي الجَنَّاتِ ، يَنْعَمُونَ بِرِضْوَانِ رَبِّهِمْ . وَقُلْ لَهُمْ : إِنَّهُمْ سَيُوَفَّوَْن أَعْمَالَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً وَلَوْ قَلَّ ، وَلَوْ كَانَ فَتِيلاً .

يَخْبِرُ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ بِأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إلى المَوْتِ لاَ مَحَالَةَ ، وَلاَ يَنْجُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ ، وَلَوْ كَانُوا مُقِيمِينَ فِي حُصُونٍ مَبْنِيَّةٍ ، قَوِيَّةِ البُنْيَانِ وَالتَّحْصِينِ وَلِلنَّاسِ أَجَلٌ مَحْتُومٌ ، وَوَقْتٌ مَعْلُومٌ ، لاَ يَتَقَدَّمُونَ عَنْهُ وَلاَ يَتَأَخَّرُونَ ، سَواءٌ أَجَاهَدُوا وَتَعَرَّضُوا لِمَخَاطِرَ الحُرُوبِ ، أَوْ قَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ ، فَلاَ يُقَدِّمُ الجِهَادَ أَجَلاً . وَلاَ يُؤَخِّرُ القُعُودُ أَجَلاً فَلِمَاذَا يَكْرَهُونَ القِتَالَ ، وَيَجْبُنُونَ وَيَتَمَّنْونَ البَقَاءَ ، أَلَيْسَ هَذَا بِضَعْفٍ فِي العَقْلِ وَالدِّينِ؟

ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى شَأناً آخَرَ مِنْ شُؤُونِهِمْ فِيهِ دَلاَلَةٌ عَلى الحَمَقِ وَضَعْفِ الإِدْرَاكِ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إذَا أَصَابَتْهُمْ سَنَةُ خَيرٍ وَخِصْبٍ وَرِزْقٍ كَثِيرٍ ، وَكَثْرَةِ أَمْوالٍ وَأَوْلاَدٍ . . قَالُوا : هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَهُوَ الذِي أَكْرَمَهُمْ بِها ، لأنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ مِنْهُ . وَإذَا أَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَدْبٌ وَنَقْصٌ فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ أَو مَوْتِ أَوْلادٍ قَالُوا : هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ، وَبِسَبَبِ اتِّبَاعِنَا لَكَ ، وَإيمَانِنَا بِمَا أتَيْتَنَا بِهِ ، وَتَرْكِنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيهِ آبَاءَنَا . فَقُلْ لَهُمْ : كُلُّ مَا يُصِيبُ النَّاسَ ، مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍ ، هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَبِتَقْدِيرِهِ ، اخْتِبَاراً وَابْتِلاءً ، فَمَا لِهَؤُلاءِ القَائِلِينَ وَكَأَنَّهُمْ لاَ يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ ، وَلاَ مَا يُقَالُ لَهُمْ؟

يعجب الله - سبحانه - من أمر هؤلاء الناس ; الذين كانوا يتدافعون حماسة إلى القتال ويستعجلونه وهم في مكة , يتلقون الأذى والاضطهاد والفتنة من المشركين . حين لم يكن مأذونا لهم في القتال للحكمة التي يريدها الله . فلما أن جاء الوقت المناسب الذي قدرة الله ; وتهيأت الظروف المناسبة وكتب عليهم القتال - في سبيل الله - إذا فريق منهم شديد الجزع , شديد الفزع , حتى ليخشى الناس الذين أمروا بقتالهم - وهم ناس من البشر - كخشية الله ; القهار الجبار , الذي لا يعذب عذابه أحد , ولا يوثق وثاقه أحد . . (أو أشد خشية) !! وإذا هم يقولون - في حسرة وخوف وجزع - (ربنا لم كتبت علينا القتال ?) . . وهو سؤال غريب من مؤمن . وهو دلالة على عدم وضوح تصوره لتكاليف هذا الدين ; ولوظيفة هذا الدين أيضا . . ويتبعون ذلك التساؤل , بأمنية حسيرة مسكينة ! (لولا أخرتنا إلى أجل قريب !) وأمهلتنا بعض الوقت , قبل ملاقاة هذا التكليف الثقيل المخيف !

إن أشد الناس حماسة واندفاعا وتهورا , قد يكونون هم أشد الناس جزعا وانهيارا وهزيمة عندما يجد الجد , وتقع الواقعة . .بل إن هذه قد تكون القاعدة ! ذلك أن الاندفاع والتهور والحماسة الفائقة غالبا ما تكون منبعثة عن عدم التقدير لحقيقة التكاليف . لا عن شجاعة واحتمال وإصرار . كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال . قلة احتمال الضيق والأذى والهزيمة ; فتدفعهم قلة الاحتمال , إلى طلب الحركة والدفع والانتصار بأي شكل . دون تقدير لتكاليف الحركة والدفع والانتصار . . حتى إذا ووجهوا بهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا , وأشق مما تصوروا . فكانوا أول الصف جزعا ونكولا وانهيارا . . على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم , ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت ; ويعدون للأمر عدته , ويعرفون حقيقة تكاليف الحركة , ومدى احتمال النفوس لهذه التكاليف . فيصبرون ويتمهلون ويعدون للأمر عدته . . والمتهورون المندفعون المستحمسون يحسبونهم إذا ذاك ضعافا , ولا يعجبهم تمهلهم ووزنهم للأمور ! وفي المعركة يتبين أي الفريقين أكثر احتمالا ; وأي الفريقين أبعد نظرا كذلك !

وأغلب الظن أن هذا الفريق الذي تعنيه هذه الآيات كان من ذلك الصنف , الذي يلذعه الأذى في مكة فلا يطيقه ; ولا يطيق الهوان وهو ذو عزة . فيندفع يطلب من الرسول r  أن يأذن له بدفع الأذى , أو حفظ الكرامة . والرسول r  يتبع في هذا أمر ربه بالتريث والانتظار , والتربية والإعداد , وارتقاب الأمر في الوقت المقدر المناسب . فلما أن أمن هذا الفريق في المدينة ; ولم يعد هناك أذى ولا إذلال , وبعد لسع الحوادث عن الذوات والأشخاص ; لم يعد يرى للقتال مبررا ; أو على الأقل لم يعد يرى للمسارعة به ضرورة !

(فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية , وقالوا:ربنا لم كتبت علينا القتال ? لولا أخرتنا إلى أجل قريب !) .

وقد يكون هذا الفريق مؤمنا فعلا . بدليل اتجاههم إلى الله في ضراعة وأسى ! وهذه الصورة ينبغي أن تكون في حسابنا . فالإيمان الذي لم ينضج بعد ; والتصور الذي لم تتضح معالمه ; ولم يتبين صاحبه وظيفة هذا الدين في الأرض - وأنها أكبر من حماية الأشخاص , وحماية الأقوام , وحماية الأوطان , إذ أنها في صميمها إقرار منهج الله في الأرض , وإقامة نظامه العادل في ربوع العالم ; وإنشاء قوة عليا في هذه الأرض ذات سلطان , يمنع أن تغلق الحدود دون دعوة الله ; ويمنع أن يحال بين الأفراد والاستماع للدعوة في أي مكان على سطح الأرض ; ويمنع أن يفتن أحد من الأفراد عن دينه إذا هو اختاره بكامل حريته - بأي لون من ألوان الفتنة - ومنها أن يطارد في رزقه أو في نشاطه حيث هو - وهذه كلها مهام خارجة عن وقوع أذى على أشخاص بعينهم أو عدم وقوعه . . وإذن فلم يكن الأمن في المدينة - حتى على فرض وجوده كاملا غير مهدد - لينهي مهمة المسلمين هناك ; وينهى عن الجهاد !

الإيمان الذي لم ينضج بعد ليبلغ بالنفس إلى إخراج ذاتها من الأمر ; والاستماع فقط إلى أمر الله واعتباره هو العلة والمعلول , والسبب والمسبب , والكلمة الأخيرة - سواء عرف المكلف حكمتها أم لم تتضح له - والتصور الذي لم تتضح معالمه بعد ليعرف المؤمن مهمة هذا الدين في الأرض ; ومهمته هو - المؤمن - بوصفه قدرا من قدر الله , ينفذ به الله ما يشاؤه في هذه الحياة . . لا جرم ينشأ عنه مثل هذا الموقف , الذي يصوره السياق القرآني هذا التصوير ; ويعجب منه هذا التعجيب ! وينفر منه هذا التنفير .

فأما لماذا لم يأذن الله للمسلمين - في مكة - بالانتصار من الظلم ; والرد على العدوان ; ودفع الأذى بالقوة . . وكثيرون منهم كان يملك هذا ; فلم يكن ضعيفا ولا مستضعفا ولم يكن عاجزا عن رد الصاع صاعين . . مهما يكن المسلمون في ذلك الوقت قلة . .

أما حكمة هذا , والأمر بالكف عن القتال , وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة , والصبر والاحتمال . . حتى وبعض المسلمين يلقى من الأذى والعذاب ما لا يطاق , وبعضهم يتجاوز العذاب طاقته ; فيفتن عن دينه . وبعضهم لا يحتمل الاستمرار في العذاب فيموت تحت وطأته . .

(فلما كتب عليهم القتال , إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية . وقالوا:ربنا لم كتبت علينا القتال ? لولا أخرتنا إلى أجل قريب !) .

وكان وجود هذه الطائفة في الصف المسلم ينشىء فيه حالة من الخلخلة وينشى ء فيه حالة من عدم التناسق بين هذه الطائفة الجزوع الهلوع , وبين الرجال المؤمنين , ذوي القلوب الثابتة المطمئنة ; المستقبلة لتكاليف الجهاد - على كل ما فيها من مشقة - بالطمأنينة والثقة والعزم والحماسة أيضا . ولكن في موضعها المناسب . فالحماسة في تنفيذ الأمر حين يصدر هي الحماسة الحقيقية . أما الحماسة قبل الأمر , فقد تكون مجرد اندفاع وتهور ; يتبخر عند مواجهة الخطر !

وكان القرآن يعالج هذه الحالة بمنهجه الرباني: (قل:متاع الدنيا قليل , والآخرة خير لمن اتقى , ولا تظلمون فتيلا . أينما تكونوا يدرككم الموت , ولو كنتم في بروج مشيدة) . .

إنهم يخشون الموت , ويريدون الحياة . ويتمنون في حسرة مسكينة ! لو كان الله قد أمهلهم بعض الوقت ; ومد لهم - شيئا - في المتاع بالحياة !

والقرآن يعالج هذه المشاعر في منابتها ; ويجلو غبش التصور لحقيقة الموت والأجل

(قل متاع الدنيا قليل) . . متاع الدنيا كله . والدنيا كلها . فما بال أيام , أو أسابيع , أو شهور , أو سنين ? ما قيمة هذا الإمهال لأجل قصير . إذا كان متاع الحياة الدنيا بطولها في جملته قليلا ?! ما الذي يملكون تحقيقه من المتاع في أيام , أو أسابيع , أو شهور , أو سنين . ومتاع الدنيا كله والدنيا بطولها قليل ! ?

(والآخرة خير لمن اتقى) . . فالدنيا - أولا - ليست نهاية المطاف ولا نهاية الرحلة . . إنها مرحلة . . ووراءها الآخرة والمتاع فيها هو المتاع - فضلا على أن المتاع فيها طويل كثير - فهي(خير) . . (خير لمن اتقى) . . وتذكر التقوى هنا والخشية والخوف في موضعها . التقوى لله . فهو الذي يتقى , وهو الذي يخشى . وليس الناس . . الناس الذين سبق أن قال:إنهم يخشونهم كخشية الله - أو أشد خشية ! - والذي يتقي الله لا يتقي الناس . والذي يعمر قلبه الخوف من الله لا يخاف أحدا . فماذا يملك له إذا كان الله لا يريد ?

(ولا تظلمون فتيلا) . .فلا غبن ولا ضير ولا بخس ; إذا فاتهم شيء من متاع الدنيا . فهناك الآخرة . وهناك الجزاء الأوفى ; الذي لا يبقى معه ظلم ولا بخس في الحساب الختامي للدنيا والآخرة جميعا !

ولكن بعض الناس قد تهفو نفسه - مع هذا كله - إلى أيام تطول به في هذه الأرض ! حتى وهو يؤمن بالآخرة , وهو ينتظر جزاءها الخير . . وبخاصة حين يكون في المرحلة الإيمانية التي كانت فيها هذه الطائفة !

هنا تجيء اللمسة الأخرى . اللمسة التي تصحح التصور عن حقيقة الموت والحياة , والأجل والقدر ; وعلاقة هذا كله بتكليف القتال , الذي جزعوا له هذا الجزع , وخشوا الناس فيه هذه الخشية !

(أينما تكونوا يدرككم الموت , ولو كنتم في بروج مشيدة) . .

فالموت حتم في موعده المقدر . ولا علاقة له بالحرب والسلم . ولا علاقة له بحصانة المكان الذي يحتمي به الفرد أو قلة حصانته . ولا يؤخره أن يؤخر عنهم تكليف القتال إذن ; ولا هذا التكليف والتعرض للناس في الجهاد يعجله عن موعده . .

هذا أمر وذاك أمر ; ولا علاقة بينهما . . إنما العلاقة هناك بين الموت والأجل . بين الموعد الذي قدره الله وحلول ذلك الموعد . . وليست هنالك علاقة أخرى . . ولا معنى إذن لتمني تأجيل القتال . ولا معنى إذن لخشية الناس في قتال أو في غير قتال !

وبهذه اللمسة الثانية يعالج المنهج القرآني كل ما يهجس في الخاطر عن هذا الأمر ; وكل ما ينشئه التصور المضطرب من خوف ومن ذعر . .

إنه ليس معنى هذا ألا يأخذ الإنسان حذره وحيطته وكل ما يدخل في طوقه من استعداد وأهبه ووقاية . . فقد سبق أن أمرهم الله بأخذ الحذر . وفي مواضع أخرى أمرهم بالاحتياط في صلاة الخوف . وفي سور أخرى أمرهم باستكمال العدة والأهبة . . ولكن هذا كله شيء , وتعليق الموت والأجل به شيء آخر . . إن أخذ الحذر واستكمال العدة أمر يجب أن يطاع , وله حكمته الظاهرة والخفية , ووراءه تدبير الله . . وإن التصور الصحيح لحقيقة العلاقة بين الموت والأجل المضروب - رغم كل استعداد واحتياط - أمر آخر يجب أن يطاع ; وله حكمته الظاهرة والخفية , ووراءه تدبير الله . .توازن واعتدال . وإلمام بجميع الأطراف . وتناسق بين جميع الأطراف . .

هذا هو الإسلام . وهذا هو منهج التربية الإسلامي , للأفراد والجماعات . .

وقال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)  [الجمعة/6-8]

قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ اليَهُودِ : إِنَّكُمْ إِذَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ عَلَى حَقٍّ وَهُدًى ، وَأَنَّ مُحَمَّداً وَأَصْحَابَهُ عَلَى ضَلاَلَةٍ ، فادْعُوا بِالمَوْتِ عَلَى الضَّالِ مِنَ الفِئَتَين ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فِيما تَزَعُمُونَ مِنْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءَ اللهِ وأحِبَّاؤهُ .وَلاَ يَتَمَنَّى هَؤُلاَءِ اليَهُودُ المَوْتَ أَبداً لِعِلْمِهِمْ بِسُوءِ مَا يَعْمَلُونَ مِنَ الكُفْرِ وَالظُلْمِ وَالفُجُورِ ، ولأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ لَوْ أَنَّهُمْ تَمَنَّوا المَوْتَ لَمَاتُوا لساعَتِهِمْ . وَلأَنْزَلَ اللهُ بِهِمْ عَذَابَهُ الشَّدِيدَ - كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ r  - وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِالكُفْرِ وَالفُسُوقِ وَسُوءِ العَمَلِ ، وَسَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً . وَقُلْ لَهُمْ : إِنَّ الفِرَارَ مِنَ المَوْتِ لاَ يُجْدِيهِمْ نَفْعاً ، وَإِنَّهُ سَيُلاقِيهِمْ حِينَمَا يَحِينَ أَجَلُهُمْ ، لاَ يَصْرِفُهُ عَنْهُمْ صَارِفٌ ، وَأَيَّامُ الحَيَاةِ مَعْدُودَةٌ ، وَهِيَ سَتْنَقَضِي مَهْمَا طَالَ أَمَدُهَا ، ثُمَّ تَرْجِعُونَ بَعْدَ المَوْتِ إِلَى عَالِمِ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ ، وَعَالِمِ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِيهَا ، فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا ، وَسَيُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ .

وهي لفتة من اللفتات القرآنية الموحية للمخاطبين بها وغير المخاطبين . تقر في الأخلاد حقيقة ينساها الناس ، وهي تلاحقهم أينما كانوا . . فهذه الحياة إلى انتهاء . والبعد عن الله فيها ينتهي للرجعة إليه ، فلا ملجأ منه إلا إليه . والحساب والجزاء بعد الرجعة كائنان لا محالة . فلا مهرب ولا فكاك .

عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - : " مَثَلُ الَّذِي يَفِرُّ مِنَ الْمَوْتِ كَمَثَلِ الثَّعْلَبِ ، تَطْلُبُهُ الْأَرْضُ بِدَيْنٍ فَجَعَلَ يَسْعَى حَتَّى إِذَا أَعْيَا وَابْتَهَرَ دَخَلَ جُحْرَهُ فَقَالَتْ لَهُ الْأَرْضَ : يَا ثَعْلَبُ دَيْنِي ، فَخَرَجَ وَلَهُ حُصَاصٌ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تَقَطَّعَتْ عُنُقُهُ فَمَاتَ . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ[2]

وقال تعالى : {  وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)  [إبراهيم/44-45]

خَوِّفْ أَيُّها الرَّسُولُ هَؤُلاَءِ الظَّالِمِينَ مِنْ هَوْلِ يَوْمِ القِيَامَةِ وَشَدَّتِهِ ، إِذْ يَقُولُونَ حِينَ يَرَوْنَ العَذَابَ : رَبَّنا آخِّرْنا إِلَى مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ، وَنُؤْمِنَ بِكَ ، وَبِكُتُبِكَ وَرُسُلِكَ .وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً : لَقَدْ كُنْتُمْ أَقْسَمْتُمْ ، وَأَنْتُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ، أَنَّهُ لاَ زَوَالَ لَكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ ، وَأَنَّهُ لاَ حَشْرَ وَلاَ مَعَادَ وَلاَ حِسَابَ؟ فَذُوقُوا هَذَا العَذَابِ بِذَاكَ الكُفْرِ .

وَقَدْ بَلَغَكُمْ مَا أََنْزَلْنَاهُ مِنَ العِقَابِ الشَّدِيدِ بِالأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ التِي كَذَّبَتْ رُسُلَهَا ، وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ بِهِمْ ، وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ هَؤُلاَءِ المِكَذِّبِينَ ، وَلَمْ تَعْتَبِرُوا ، وَلَمْ تَزْدَجِرُوا عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الكُفْرِ وَالظُّلْمِ ، وَالآنَ تَسْأَلُونَ التَّأخِيرَ لِلتَّوْبَةِ حِينَ نَزَلَ بِكُمُ العَذَابُ ، فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَقَدْ فَاتَ الأَوَانُ .

وقال تعالى : {  وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)  [النحل/61 ]

يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ بِأَنَّهُ يَحْلُمُ عَلَى العُصَاةِ مِنَ البَشَرِ ، مَعْ ظُلْمِهِمْ ، وَأَنَّهُ لاَ يُعْجِّلُ بِمُؤَاخَذَتِهِمْ بِأَفْعَالِهِمْ ، وَبِمَا كَسَبُوا ، وَلُوْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لأَهْلَكَ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ ، وَلَمْ يَتْرُكْ عَلَى ظَهْرِهَا مَخْلُوقاً يَدِبُّ عَلَيْهَا . وَلَكِنَّهُ تَعَالَى يَحْلُمُ عَلَى العُصَاةِ ، وَيَسْتُرُ عَلَيْهِمْ عُيُوبَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ ، وَلاَ يُعَاجِلُهُمْ بِالعُقُوبَةِ ، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى اليَوْمِ المُحَدَّدِ لَهُمْ ، فَإِذَا جَاءَ الأَجَلُ لاَ يُمْهَلُونَ لَحْظَةً وَاحِدَةً .

وقال تعالى : {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)

وَلوْ أَنَّ اللهَ تَعَالى عَاقَبَ النَّاسَ عَلَى جَميعِ ذُنُوبِهِمْ في الدُّنيا لأَهْلَكَ جَمِيعَ أَهْلِ الأَرْضِ ، وَمَا يَمْلِكُونَ مِنْ أرْزَاقٍ وَدَوَابَّ ، وَلَكِنَّهُ تَعَالى يَدِّخِرُ مُؤَاخَذَتَهُمْ إِلى أجَلٍ مَسَمَّى ، هُوَ يَوْمُ القَيَامة ، فَيُحَاسِبُهُم عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بعملهِ . وَهُوَ تَعَالى بَصِيرٌ بأَعْمَالِ العِبَادِ وَبما اكْتَسَبُوا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لا يَغيبُ عَنْهُ مِنْهُ شَيءٌ

ــــــــــــــــ

المبحث الثاني

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ

 

قال تعالى : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)  [آل عمران/185]

يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ سَتَذُوقُ طَعْمَ المَوْتِ ، وَتُحِسُّ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ . وَاسْتَدَّلَ بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلَى أنَّ الأَرْوَاحَ لاَ تَمُوتُ بِمَوتِ البَدَنِ ، لأنَّ الذَّوْقَ شُعُورٌ لاَ يُحِسُ بِهِ إلاَّ الحَيُّ ، وَهُوَ تَعَالَى وُحْدَهُ الحَيُّ الذِي لاَ يَمُوتُ . وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُحْشَرُ النَّاسُ إلى الله ، وَتُوفَّى كُلُّ نَفْسٍ أجُورَهَا عَمَّا اكْتَسَبَتْهُ مِنْ أَعْمَالٍ ، فَمِنْ جُنِّبَ النَّارَ ، وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ ، فَقَدْ فَازَ كُلَّ الفَوْزِ .وَالحَيَاةُ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إلاَّ مَتَاعاً تَافِهاً زَائِلاً ، صَاحِبُهُ مَغْرُورٌ مَخْدُوعٌ ، وَهُوَ مَتَاعٌ مَتْرُوكٌ يُوشِكُ أنْ يَضْمَحِلَّ عَنْ أهْلِهِ .

إنه لا بد من استقرار هذه الحقيقة في النفس : حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة ، محدودة بأجل؛ ثم تأتي نهايتها حتماً . . يموت الصالحون يموت الطالحون . يموت المجاهدون ويموت القاعدون . يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد . يموت الشجعان الذين يأبون الضيم ، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن . . يموت ذوو الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية ، ويموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص .

الكل يموت . . { كل نفس ذائقة الموت } . . كل نفس تذوق هذه الجرعة ، وتفارق هذه الحياة . . لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه الكأس الدائرة على الجميع . إنما الفارق في شيء آخر .

الفارق في قيمة أخرى . الفارق في المصير الأخير : { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة . فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } . .هذه هي القيمة التي يكون فيها الافتراق . وهذا هو المصير الذي يفترق فيه فلان عن فلان . القيمة الباقية التي تستحق السعي والكد . والمصير المخوف الذي يستحق أن يحسب له ألف حساب : { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } . .ولفظ { زحزح } بذاته يصور معناه بجرسه ، ويرسم هيئته ، ويلقي ظله! وكأنما للنار جاذبية تشد إليها من يقترب منها ، ويدخل في مجالها! فهو في حاجة إلى من يزحزحه قليلاً قليلاً ليخلصه من جاذبيتها المنهومة! فمن أمكن أن يزحزح عن مجالها ، ويستنقذ من جاذبيتها ، ويدخل الجنة .. فقد فاز . .

صورة قوية . بل مشهد حي . فيه حركة وشد وجذب! وهو كذلك في حقيقته وفي طبيعته . فللنار جاذبية! أليست للمعصية جاذبية؟ أليست النفس في حاجة إلى من يزحزحها زحزحة عن جاذبية المعصية؟ بلى! وهذه هي زحزحتها عن النار! أليس الإنسان - حتى مع المحاولة واليقظة الدائمة - يظل أبداً مقصراً في العمل . . إلا أن يدركه فضل الله؟ بلى! وهذه هي الزحزحة عن النار؛ حين يدرك الإنسان فضل الله ، فيزحزحه عن النار!

{ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } . .إنها متاع . ولكنه ليس متاع الحقيقة ، ولا متاع الصحو واليقظة . . إنها متاع الغرور . المتاع الذي يخدع الإنسان فيحسبه متاعاً . أو المتاع الذي ينشىء الغرور والخداع! فأما المتاع الحق . المتاع الذي يستحق الجهد في تحصيله . . فهو ذاك . . هو الفوز بالجنة بعد الزحزحة عن النار .

وقال تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)  [الأنبياء/34، 35]

لما كان أعداء الرسول يقولون تربصوا به ريب المنون. قال الله تعالى: هذا طريق مسلوك، ومعبد منهوك، فلم نجعل لبشر { مِنْ قَبْلِكَ } يا محمد { الْخُلْدَ } في الدنيا، فإذا مت، فسبيل أمثالك، من الرسل والأنبياء، والأولياء، وغيرهم.

{ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } أي: فهل إذا مت خلدوا بعدك، فليهنهم الخلود إذًا إن كان، وليس الأمر كذلك، بل كل من عليها فان، ولهذا قال: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } وهذا يشمل سائر نفوس الخلائق، وإن هذا كأس لا بد من شربه وإن طال بالعبد المدى، وعمّر سنين، ولكن الله تعالى أوجد عباده في الدنيا، وأمرهم، ونهاهم، وابتلاهم بالخير والشر، بالغنى والفقر، والعز والذل والحياة والموت، فتنة منه تعالى ليبلوهم أيهم أحسن عملا ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو، { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } فنجازيكم بأعمالكم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } .

وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد . فكل حادث فهو فان . وكل ما له بدء فله نهاية . وإذا كان الرسول r  يموت فهل هم يخلدون ? وإذا كانوا لا يخلدون فما لهم لا يعملون عمل أهل الموتى ? وما لهم لا يتبصرون ولا يتدبرون ?

(كل نفس ذائقة الموت) . هذا هو الناموس الذي يحكم الحياة . وهذه هي السنة التي ليس لها استثناء . فما أجدر الأحياء أن يحسبوا حساب هذا المذاق !

إنه الموت نهاية كل حي , وعاقبة المطاف للرحلة القصيرة على الأرض . وإلى الله يرجع الجميع . فأما ما يصيب الإنسان في أثناء الرحلة من خير وشر فهو فتنة له وابتلاء: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) . .

والابتلاء بالشر مفهوم أمره . ليتكشف مدى احتمال المبتلى , ومدى صبره على الضر , ومدى ثقته في ربه , ورجائه في رحمته . . فأما الابتلاء بالخير فهو في حاجة إلى بيان . .

إن الابتلاء بالخير أشد وطأة , وإن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر . .

إن كثيرين يصمدون للابتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير .

كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة . ويكبحون جماح القوة الهائجة في كيانهم الجامحة في أوصالهم .

كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الثراء والوجدان . وما يغريان به من متاع , وما يثيرانه من شهوات وأطماع !

كثيرون يصبرون على التعذيب والإيذاء فلا يخفيهم , ويصبرون على التهديد والوعيد فلا يرهبهم . ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الإغراء بالرغائب والمناصب والمتاع والثراء !

كثيرون يصبرون على الكفاح والجراح ; ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الدعة والمراح . ثم لا يصابون بالحرص الذي يذل أعناق الرجال . وبالاسترخاء الذي يقعد الهمم ويذلل الأرواح !

إن الابتلاء بالشدة قد يثير الكبرياء , ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب , فتكون القوى كلها معبأة لاستقبال الشدة والصمود لها . أما الرخاء فيرخي الأعصاب وينيمها ويفقدها القدرة على اليقظة والمقاومة !

لذلك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح , حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء ! وذلك شأن البشر . . إلا من عصم الله فكانوا ممن قال فيهم رسول الله r :عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، وَإِنَّ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، وَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ. " [3]وهم قليل !

فاليقظة للنفس في الابتلاء بالخير أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر . والصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان . .

وقال تعالى : {  يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)  [العنكبوت/56-59]

يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى عِبَادَهُ المُؤمِنينَ بالهِجْرَةِ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ لا يَقْدِرُونَ فيهِ عَلَى إِقَامَةِ الشَّعائِرِ الدِّينِيَّةِ إِلى مَكَانٍ آخَرَ مِنْ أَرْضِ اللهِ الوَاسِعَةِ ، يَسْتَطِيعُونَ فِيهِ إِقَامَةَ شَعائِرِ دِينِهِمْ كَمَا أًَمَرَهُمْ رَبُّهُمْ .

وَأَيْنَمَا كُنْتُمْ يُدْرِككُمُ المَوْتُ ، فَكُونُوا فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَحَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، فَالمَوْتُ آتٍ لا مَحَالَةَ ، وَلا مَفَرَّ مِنْهُ وَلا مَهْرَبَ ، ثُمّ تُرْجَعُونَ إِلى اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَعِنْدَهُ الحِسَابُ والجَزَاءُ .

وَالذِينَ آمَنُوا باللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ، وَعَمِلُوا بِمَ أَمَرهُمُ اللهُ فَأَطَاعُوهُ فِيهِ ، وانْتَهَوا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، فإِنّهُ تَعَالى يَعِدُهُمْ وَعْداً حَقّاً أَنَّهُ سَيُنْزِلُهُمْ في الجَنَّةِ قُصُوراً ، وأَمَاكِنَ مُرتَفِعَةً ( غُرَفاً ) تَجْرِي في أَرْضِها الأَنْهَارُ وَسَيبْقَونَ فِيها خَالدِين ، أَبداً ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوا .وَمَا حَصَلُوا عَلَيهِ مِنْ جَزاءٍ كَرِيمٍ هُوَ نِعْمَ الأَجْرُ لِمَنْ عَمِلَ صَالِحاً .

وَهؤُلاءِ العََامِلُون ، الذينَ فَازُوا بِغُرفاتِ الجَنَّةِ ، هُمُ الذِينَ صَبَرُوا عَلَى أَذَى المُشْرِكِينَ ، وَعَلَى شَدَائِدِ الهِجْرَةِ ، وَعَلَى الجِهَادِ في سَبِيل اللهِ ، وَتًَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّهِمُ في جَمِيعِ أَعْمَالِهِم .

إن خالق هذه القلوب ، الخبير بمداخلها ، العليم بخفاياها ، العارف بما يهجس فيها ، وما يستكن في حناياها . . إن خالق هذه القلوب ليناديها هذا النداء الحبيب : يا عبادي الذين آمنوا : يناديها هكذا وهو يدعوها إلى الهجرة بدينها . لتحس منذ اللحظة الأولى بحقيقتها . بنسبتها إلى ربها وإضافتها إلى مولاها : { يا عبادي } . .هذه هي اللمسة الأولى . واللمسة الثانية : { إن أرضي واسعة } . .

أنتم عبادي . وهذه أرضي . وهي واسعة . فسيحة تسعكم . فما الذي يمسككم في مقامكم الضيق ، الذي تفتنون فيه عن دينكم ، ولا تملكون أن تعبدوا الله مولاكم؟ غادروا هذا الضيق يا عبادي إلى أرضي الواسعة ، ناجين بدينكم ، أحراراً في عبادتكم { فإياي فاعبدون } .

إن هاجس الأسى لمفارقة الوطن هو الهاجس الأول الذي يتحرك في النفس التي تدعى للهجرة . ومن هنا يمس قلوبهم بهاتين اللمستين : بالنداء الحبيب القريب : { يا عبادي } وبالسعة في الأرض : { إن أرضي واسعة } وما دامت كلها أرض الله ، فأحب بقعة منها إذن هي التي يجدون فيها السعة لعبادة الله وحده دون سواه .

ثم يمضي يتتبع هواجس القلوب وخواطرها . فإذا الخاطر الثاني هو الخوف من خطر الهجرة . خطر الموت الكامن في محاولة الخروج وقد كان المشركون يمسكون بالمؤمنين في مكة ، ولا يسمحون لهم بالهجرة عندما أحسوا بخطرهم بعد خروج المهاجرين الأولين ثم خطر الطريق لو قدر لهم أن يخرجوا من مكة . ومن هنا تجيء اللمسة الثانية : { كل نفس ذائقة الموت . ثم إلينا ترجعون } . .

فالموت حتم في كل مكان ، فلا داعي أن يحسبوا حسابه ، وهم لا يعلمون أسبابه . وإلى الله المرجع والمآب . فهم مهاجرون إليه ، في أرضه الواسعة ، وهم عائدون إليه في نهاية المطاف .

وهم عباده الذين يؤويهم إليه في الدنيا والآخرة . فمن ذا يساوره الخوف ، أو يهجس في ضميره القلق ، بعد هذه اللمسات؟

ومع هذا فإنه لا يدعهم إلى هذا الإيواء وحده؛ بل يكشف عما أعده لهم هناك . وإنهم ليفارقون وطناً فلهم في الأرض عنه سعة . ويفارقون بيوتاً فلهم في الجنة منها عوض . عوض من نوعها وأعظم منها :{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها } .وهنا يهتف لهم بالعمل والصبر والتوكل على الله : { نعم أجر العاملين ، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } . .وهي لمسة التثبيت والتشجيع لهذه القلوب ، في موقف القلقلة والخوف والحاجة إلى التثبيت والتشجيع .

ـــــــــــــــــ

المبحث الثالث

الحث على التوبة قبل الموت

 

قال تعالى : {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) [النساء/17، 18]

إنَّ التَوْبَةَ التِي أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى عَلى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ قُبُولَها بِوَعْدِهِ كَرَماً مِنْهُ وَتَفْضُّلاً ، لَيْسَت إلاَّ لَِمَنْ يَجْتَرِحَ السَّيِّئَاتِ بِجَهَالةٍ تُلاَبِسُ النَّفْسَ مِنْ ثَوْرَةِ غَضَبٍ ، أوْ تَغَلُّبِ شَهْوَةٍ ، ثُمَّ لاَ يَلْبَثُ أنْ يَنْدَمَ عَلَى مَا فَرًَّطَ مِنْهُ ، وَيُنِيبُ إلى رَبِّهِ ، وَيَتُوبُ وَيُقْلِعَ عَنْهَا . فَأولَئِكَ الذِينَ فَعَلُوا الذُّنُوبَ بِجَهَالَةٍ وَتَابُوا بَعْدَ زَمَنٍ قَلِيلٍ ، يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِم ، لأنَّ الذُنُوبَ لَمْ تَتَرَسَّخُ فِي نُفُوسِهِمْ وَلَم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ .

وَاللهُ تَعَالَى عَلِيمٌ بِضَعْفِ عِبَادِهِ ، وَأَنَّهُم لاَ يَسْلَمُونَ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ ، فَشَرَعَ بِحِكْمَتِهِ قَبولَ التَّوْبَةِ ، فَفَتَحَ لَهُمْ بَابَ الفَضِيلةِ ، وَهَدَاهُمْ الى مَحْوِ السَّيِّئَةِ .

أمَّا الذِينَ يَفْعَلُونَ السَّيِّئَاتِ ، وَيَسْتَمِرُّونَ فِي فِعْلِهَا وَهُمْ مُصِرُّونَ عَلَيها ، وَلاَ يَتُوبُونَ حَتَّى آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِهِم ، أيْ حَتَّى يَحْضُرُهُمْ مَلَكُ المَوْتِ ، فَيَقُولُونَ : تُبْنَا الآنَ ، وَالذِين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ، فَهَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ يَتَوَعَّدُهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالعَذَابِ الأَلِيمِ المُوجِعِ الذِي أَعَدَّهُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ . ( وَجَعَلَ اللهُ تَوْبَةَ التَّائِبِ وَهُوَ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ ) .

إن التوبة التي يقبلها الله , والتي تفضل فكتب على نفسه قبولها هي التي تصدر من النفس , فتدل على أن هذه النفس قد أنشئت نشأة أخرى . قد هزها الندم من الأعماق , ورجها رجا شديدا حتى استفاقت فثابت وأنابت , وهي في فسحة من العمر , وبحبوحة من الأمل , واستجدت رغبة حقيقية في التطهر , ونية حقيقية في سلوك طريق جديد . .

(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم . وكان الله عليما حكيما) . .والذين يعلمون السوء بجهالة هم الذين يرتكبون الذنوب . . وهناك ما يشبه الإجماع على أن الجهالة هنا معناها الضلالة عن الهدى - طال أمدها أم قصر - ما دامت لا تستمر حتى تبلغ الروح الحلقوم . . والذين يتوبون من قريب:هم الذين يثوبون إلى الله قبل أن يتبين لهم الموت , ويدخلوا في سكراته , ويحسوا أنهم على عتباته . فهذه التوبة حينئذ هي توبة الندم , والانخلاع من الخطيئة , والنية على العمل الصالح والتكفير . وهي إذن نشأة جديدة للنفس , ويقظة جديدة للضمير . . (فأولئك يتوب الله عليهم) . . (وكان الله عليما حكيما) . . يتصرف عن علم وعن حكمة . ويمنح عباده الضعاف فرصة العودة إلى الصف الطاهر , ولا يطردهم أبدا وراء الأسوار , وهم راغبون رغبة حقيقية في الحمى الآمن والكنف الرحيم .

إن الله - سبحانه - لا يطارد عباده الضعاف , ولا يطردهم متى تابوا إليه وأنابوا . وهو - سبحانه - غني عنهم , وما تنفعه توبتهم , ولكن تنفعهم هم أنفسهم , وتصلح حياتهم وحياة المجتمع الذي يعيشون فيه . ومن ثم يفسح لهم في العودة إلى الصف تائبين متطهرين .

(وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال:إني تبت الآن) .فهذه التوبة هي توبة المضطر , لجت به الغواية , وأحاطت به الخطيئة . توبة الذي يتوب لأنه لم يعد لديه متسع لارتكاب الذنوب , ولا فسحة لمقارفة الخطيئة . وهذه لا يقبلها الله , لأنها لا تنشىء صلاحا في القلب ولا صلاحا في الحياة , ولا تدل على تبدل في الطبع ولا تغير في الاتجاه .والتوبة إنما تقبل لأنها الباب المفتوح الذي يلجه الشاردون إلى الحمى الأمن , فيستردون أنفسهم من تيه الضلال , وتستردهم البشرية من القطيع الضال تحت راية الشيطان , ليعملوا عملا صالحا - إن قدر الله لهم امتداد العمر بعد المتاب - أو ليعلنوا - على الأقل - انتصار الهداية على الغواية . إن كان الأجل المحدود ينتظرهم , من حيث لا يشعرون أنه لهم بالوصيد . .(ولا الذين يموتون وهم كفار) . .وهؤلاء قد قطعوا كل ما بينهم وبين التوبة من وشيجة , وضيعوا كل ما بينهم وبين المغفرة من فرصة . . (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) .اعتدناه:أي أعددناه وهيأناه . . فهو حاضر في الانتظار لا يحتاج إلى إعداد أو إحضار !

وهكذا يشتد المنهج الرباني في العقوبة , ولكنه في الوقت ذاته يفتح الباب على مصراعيه للتوبة . فيتم التوازن في هذا المنهج الرباني الفريد , وينشىء آثاره في الحياة كما لا يملك منهج آخر أن يفعل في القديم والجديد . .

ــــــــــــــــ

المبحث الرابع

إذا حضر الأجل فلا رجعة للدنيا

 

قال تعالى : {  حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) [المؤمنون/99، 100]

ولا يَزَالُ الكَافِرُ يَجْتَرحُ السَّيِّئَاتِ ، ولا يُبَالي بِمَا يَأتِي وَما يَذَرُ مِنْ الآثامِ والأَوْزَارِ ، حَتَّى إذا جَاءَهُ المَوتُ ، وعَايَنَ ما هو مُقْدِمُ عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ نَدِمَ على مَا فَاتَ ، وأَسِفَ على مَا فَرَّطَ في جَنْبِ اللهِ ، وقَالَ : رَبِّ ارجِعُونِ لأَعْمَلَ صَالِحاً فِيمَا قَصَّرْتُ مِنْ عِبَادَتِكَ ، وحُقُوقِ عِبَادِكَ .إِنًَّ الكَافِرَ يَسْأَلُ رَبَّهُ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيَعْمَل صَالِحاً ، وَيَتَدَارَكَ مَا فَرَطَ مِنْهُ ، وَلِيُصْلِحَ فِيمَا تَرَكَ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍِ . وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ رَادِعاً وَزَاجِراً : إِنَّهُ لاَ يُجِيبُهُ إِلَى طَلَبِهِ هَذَا ( كَلاَّ ) . فَهِيَ كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ لاَ مَعْنَى لَهَا ، يَقُولُهَا كُلُّ ظَالِمٍ وَقْتَ الضِّيقِ والشِّدَّةِ ، وَلَوْ رُدَّ لَعَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ، فَقَدْ كَانَ فِي الحَيَاةِ ، وجَاءَتْهُ الآيَاتُ فَلَمْ يَتَّعِظُ بِهَا ، وَلَمْ يَعْمَلُ صَالِحاً ، وَيَقُومُ وَرَاءَهم حَاجِزٌ (بَرْزَخٌ ) ، يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ إِلى الدُّنْيَا ، وَيَبْقَوْنَ كَذَلِكَ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَيُنْشَرُونَ . وفي هذا البرزخ، يتنعم المطيعون، ويعذب العاصون، من موتهم إلى يوم يبعثون، أي: فليعدوا له عدته، وليأخذوا له أهبته.

ــــــــــــــــ

المبحث الخامس

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا

 

قال تعالى :  اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42) [الزمر/42]

اللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي يَقْبِضُ الأَنْفُسَ حِينَ انْتِهَاءِ الآجَالِ بِالمَوْتِ ، وَيَتَوفَّى الأَنْفُسَ النَّائِمَةَ التِي لَمْ يَحِنْ أَجَلُهَا ، فَيَقْبِضُهَا عَنِ التَّصَرُّفِ فِي الأَجْسَادِ ، مَعَ بَقَاءِ الأَرْوَاحِ مُتَّصِلَةً بِهَا ، فَيُمْسِكُ اللهُ الأَنْفُسَ ، التِي قَضَى عَلَيْهَا بالمَوْتِ ، فَلا يَرُدُّهَا إِلى الأَجْسَادِ ، وَيَرُدُّ الأَنْفُسَ النَائِمَةَ إِلَى الأَجْسَادِ حِينَ اليَقَظَةِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى ، وَهُوَ وَقْتُ المَوْتِ المُقَرَّرِ ، وَفِيمَا ذُكِرَ آيَاتٌ عَظِيمَةٌ ، وَدَلاَلاَتٌ كَبِيرَةٌ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ ، لِمَنْ يَتَفَكَّرُونَ فِي عَجَائِبِ صُنْعِ اللهِ .وفي هذه الآية دليل على أن الروح والنفس جسم قائم بنفسه، مخالف جوهره جوهر البدن، وأنها مخلوقة مدبرة، يتصرف اللّه فيها في الوفاة والإمساك والإرسال، وأن أرواح الأحياء والأموات تتلاقى في البرزخ، فتجتمع، فتتحادث، فيرسل اللّه أرواح الأحياء، ويمسك أرواح الأموات.

ــــــــــــــ

المبحث السادس

الله تعالى قدر الموت والحياة

 

قال تعالى : { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61)  [الواقعة/60-61]

يُقَرِّرُ لَهُم اللهُ تَعَالَى : أَنَّهُ هُوَ الذِي قَسَمَ المَوْتَ بَيْنَهُمْ ، وَوَقَّتَ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِيقَاتٍ مُعَيَّنٍ ، لاَ يُعْجِزُهُ شَيءٌ .وَأَنَّهُ تَعَالَى لاَ يُعْجِزُهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِمْ وَبِأَمْثَالِهِمْ مِنَ الخَلاَئِقِ ، وَأَنْ يُنْشِئَهُمْ فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ مِنَ الأَطْوَارِ والأَحْوَالِ التِي لاَ يَعْهَدُونَهَا وَلاَ يَعْرِفُونَهَا .

هذا الموت الذي ينتهي إليه كل حي . . ما هو؟ وكيف يقع؟ وأي سلطان له لا يقاوم؟

إنه قدر الله . . ومن ثم لا يفلت منه أحد ، ولا يسبقه فيفوته أحد . . وهو حلقة في سلسلة النشأة التي لا بد أن تتكامل . .{ على أن نبدل أمثالكم } . . لعمارة الأرض والخلافة فيها بعدكم . والله الذي قدر الموت هو الذي قدر الحياة . قدر الموت على أن ينشئ أمثال من يموتون ، حتى يأتي الأجل المضروب لهذه الحياة الدنيا . .

وقال تعالى : {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) [الملك/1، 2]

يُمَجِّدُ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ الكَرِيمَةَ ، وَيُخْبِرُ عِبَادَهُ بِأنَّهُ المَالِكُ المُتَصَرِّفُ فِي جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ بِمَا يَشَاءُ ، لاَ مُعَقِّبَ عَلَى حُكْمِهِ ، وَلاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَهُوَ ذُو قُدْرَةٍ عَلَى فِعْلِ كُلِّ شَيءٍ ، لاَ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ . وَهُوَ الذِي أَوْجَدَ الخَلاَئِقَ مِنَ العَدَمِ ، ثُمَّ خَلَقَ المَوْتَ الذِي تَنْعَدِمُ بِهِ الحَيَاةُ ، لِيَقْهَرَ عِبَادَهُ ، وَجَعَلَ لِكُلٍ مِنَ المَوْتِ وَالحَيَاةِ مَوَاقِيتَ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ . وَقَدْ خَلَقَ اللهُ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَخْتَبِرَكُمْ ، وَلِيَعْلَمَ أَيُّكُمْ يَكُونُ أَحْسَنَ عَمَلاً ، وَأَكْثَرَ وَرعاً عَنْ مَحَارِمِ اللهِ ، وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَاللهُ هُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ الشَّدِيدُ الانْتِقَامِ مِمَّنْ عَصَاهُ ، وَهُوَ الغَفُورُ لِذُنُوبِ مَنْ أَنَابَ إِليهِ .

ومن آثار تمكنه المطلق من الملك وتصريفه له ، وآثاره قدرته على كل شيء وطلاقة إرادته . . أنه خلق الموت والحياة . والموت يشمل الموت السابق على الحياة والموت اللاحق لها . والحياة تشمل الحياة الأولى والحياة الآخرة . وكلها من خلق الله كما تقرر هذه الآية ، التي تنشئ هذه الحقيقة في التصور الإنساني؛ وتثير إلى جانبها اليقظة لما وراءها من قصد وابتلاء . فليست المسألة مصادفة بلا تدبير . وليست كذلك جزافاً بلا غاية . إنما هو الابتلاء لإظهار المكنون في علم الله من سلوك الأناسي على الأرض ، واستحقاقهم للجزاء على العمل : { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } . . واستقرار هذه الحقيقة في الضمير يدعه أبداً يقظاً حذراً متلفتاً واعياً للصغيرة والكبيرة في النية المستسرة والعمل الظاهر . ولا يدعه يغفل أو يلهو . كذلك لا يدعه يطمئن أو يستريح . ومن ثم يجيء التعقيب : { وهو العزيز الغفور } ليسكب الطمأنينة في القلب الذي يرعى الله ويخشاه . فالله عزيز غالب ولكنه غفور مسامح . فإذا استيقظ القلب ، وشعر أنه هنا للابتلاء والاختبار ، وحذر وتوقى ، فإن له أن يطمئن إلى غفران الله ورحمته وأن يقر عندها ويستريح!

إن الله في الحقيقة التي يصورها الإسلام لتستقر في القلوب ، لا يطارد البشر ، ولا يعنتهم ، ولا يحب أن يعذبهم . إنما يريد لهم أن يتيقظوا لغاية وجودهم؛ وأن يرتفعوا إلى مستوى حقيقتهم؛ وأن يحققوا تكريم الله لهم بنفخة روحه في هذا الكيان وتفضيله على كثير من خلقه . فإذا تم لهم هذا فهناك الرحمة السابغة والعون الكبير والسماحة الواسعة والعفو عن كثير .

ــــــــــــــــ

المبحث السابع

الإنسان يغفل عن الموت

 

قال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) [ق/16-19]

يُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالى قُدْرَتَهُ عَلَى بَعْثِ الأمْواتِ مِنَ القُبُورِ يَوْمَ القيَامَةِ ، بأنَّهُ الذِي خَلَقَ الإنسَانَ ، وأنْشَأهُ مِنْ عَدَمٍ ، وَأنَّهُ عَالِم بِجَمِيعِ أحْوَالِهِ وَأعْمَالِهِ وَأمُورِهِ ، حَتَّى إنَّه لَيَعْلَمُ مَا يَتَرَدَّدُ في نَفْسِهِ مِنْ فِكْرٍ ، وَمَا تُحَدَّثُهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عَمَلٍ ، خَيْراً كَانَ أوْ شَرّاً .  وَقَدْ جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ : " إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأمَّتي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها مَا لَم تَقُلْ أوْ تَفْعَلْ " (صحيح).

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالى : إنَّ الإِنسَانَ تَحْتَ سُلْطَانِ اللهِ وَقَهْرِهِ ، وَإِنَّ مَلاَئِكَةَ الرَّحْمَنِ المُكَلَّفِينَ بِحِفْظِ الإِنسَانِ وَإِحْصَاءِ أعْمَالِهِ هُمْ مُلازِمُونَ لَهُ دَائماً ، حَتَّى إنَّهم بِالنِّسْبَةِ إليهِ أقْرَبُ مِنَ الوَرِيدِ الذِي يَمْتَدُّ في عُنُقهِ.

إنَّ اللهَ تَعَالى عَالِمٌ بِجَمِيعِ أحْوَالِ الإِنْسَانِ . وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَكَّلَ بِهِ مَلَكِينِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ يَرْقُبَانِهِ وَيَتَرَصَّدَانِهِ ، وَيُحْصِيَانِ عَليهِ كُلَّ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ وَيْكْتُبَانِهِ . مَلكٌ عَنِ اليَمِينِ يَكْتُبُ الحَسَنَاتِ ، وَمَلكُ عَنِ الشِّمالِ يَكْتُبُ السَّيِّئاتِ .وَلاَ يَصْدُرُ عَن الإِنسَانِ لَفْظ أوْ كَلمَةٌ إلاَّ وَلَديهِ مَلكٌ حَاضِرٌ مَعَهُ ، مُرَاقِبٌ لأعْمالِه يُثبتُها في صَحِيفَتِهِ .

وَإِنَّ الكُفَّارَ المُكَذِّبينَ بالبَعْثِ لِيَعْلَمُونَ صِدْقَ ذَلِكَ حِينَ المَوْتِ ، وَحِينَ قِيَامِ السَّاعَةِ ، فَإِذا جَاءتْ سَكْرَةُ المَوتِ كَشَفَتْ للإِنسَانِ عَن اليَقينِ الذِي كَانَ يَمْتَرِي فيهِ ، وَعَلِمَ أنَّ البَعْثَ حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ . وَسَكْرَةُ المَوْتِ وَمَا تَكْشِفُهُ لِلإنْسَانِ مِنْ يَقِينٍ ، وَحَقَائِقَ ، هِيَ الحَقُّ الذِي كُنْتَ يَا أيُّها الإِنسَانُ تَفِرُّ مِنْهُ وَتَتَجَنَّبُهُ ( تَحِيدُ ) ، وَهَا قَدْ جَاءَكَ ، فَلا مَحِيدَ لَكَ عَنْهُ ، وَلا مَهْرَبَ وَلاَ مَنَاصَ .

ــــــــــــــــ


المبحث الثامن

وجوب تذكر المؤمن رسالته في هذه الأرض

 

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)  [المنافقون/9-11]

يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ وَبِأَلاَّ يَشْغَلَهُمْ مَا لَهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِهَّمْ ، وَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ مَنِ التَهَى عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ وَطَاعَتِهِ بِمَتَاعِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينتِهَا ، فَإِنَّهُ مِنَ الخَاسِرِينَ الذِينَ يَخْسَرُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ .

يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَلَى الإِنْفَاقِ فِي طَاعَتِهِ مِنَ المَالِ الذِي جَعَلَهُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَحِينَ أَجَلُهُمْ فَيَقُولُ هَؤُلاَءِ الذِينَ قَصَّرُوا فِي الطَّاعَةِ ، وَفِي الإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَرْضَاتِهِ : يَا رَبِّ لَوْ أَنَّكَ أَخَّرْتَنِي مُدَّةً يَسِيرَةً ، فَأْنْفِقَ فِي طَاعَتِكَ ، وأَسْتَجِيبَ لأَمْرِكَ ، وأَكُونَ مِنْ عِبَادِكَ المُخْلِصِينَ الصَّالِحِينَ ، الذِينَ تَرْضَى عَنْهُمْ .وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِهَؤُلاَءِ : إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا الطَّاعَاتِ ، وَيُنْفِقُوا فِي أَوْجُهِ الخَيْرِ وَالبِرِّ قَبْلَ أَنْ يَحِينَ أَجَلُهُمْ ، لأَنَّهُمْ إِذَا حَانَ أَجَلُهُمْ فَلاَ مَجَالَ لِلتَّأْخِيرِ وَالإِمْهَالِ ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُهُ العِبَادُ .

والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب ، ويدرك غاية وجوده ، ويشعر أن له هدفاً أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه ، فأودع روحه الشوق إلى تحقيق بعض صفاته الإلهية في حدود طاقته البشرية . وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر الله والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان .فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا . ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء . مهما يملك من مال ومن أولاد .

ويلمسهم في موضوع الإنفاق لمسات متنوعة في آية واحدة . .وأنفقوا مما رزقناكم . . فيذكرهم بمصدر هذا الرزق الذي في أيديهم . فهو من عند الله الذي آمنوا به والذي يأمرهم بالإنفاق .

(من قبل أن يأتي أحدكم الموت . . .) . .فيترك كل شيء وراءه لغيره ; وينظر فلا يجد أنه قدم شيئا لنفسه , وهذا أحمق الحمق وأخسر الخسران .ثم يرجو حينئذ ويتمنى أن لو كان قد أمهل ليتصدق وليكون من الصالحين ! وأنى له هذا ?: (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها) ?

وأنى له ما يتقدم به ? (والله خبير بما تعملون) ?

إنها اللمسات المنوعة في الآية الواحدة . في مكانها المناسب بعد عرض سمات المنافقين وكيدهم للمؤمنين . ولواذ المؤمنين بصف الله الذي يقيهم كيد المنافقين . . فما أجدرهم إذن أن ينهضوا بتكاليف الإيمان , وألا يغفلوا عن ذكر الله . وهو مصدر الأمان . .وهكذا يربي الله المسلمين بهذا القرآن الكريم . .

ـــــــــــــــــ

المبحث التاسع

من هاجر إلى الله وأدركه الموت قبل وصوله فقد وقع أجره على الله

 

قال تعالى : {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) [النساء/100]

يُحَرِّضُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَلَى الهِجْرَةِ ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي مُفَارَقَةِ المُشْرِكِينَ ، وَيُعْلِمُهُمْ أنَّ المُؤْمِنِينَ حَيْثُمَا ذَهَبُوا وَجَدُوا أَمَاكِنَ أَمْنٍ يَلْجَؤُونَ إلَيهَا ، وَيَتَحَصَّنُونَ بِها مِنَ المُشْرِكِينَ ، وَيَتَحَرَّرُونَ فِيها مِنَ الأَعْدَاءِ ، وَيُرَاغِمُونَهُمِ بِها ، وَيَجِدُونَ سَعَةً فِي الرِّزْقِ . وَمَنْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ بِنِيَّةِ الهِجْرَةِ فَيَلْقَى حَتْفَهُ فِي الطَّرِيقِ ، فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ عِنْدَ اللهِ ، مِثْلَ ثَوابِ مَنْ هَاجَرَ .

فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ».صحيح البخاري(1 ) وصحيح مسلم (5036 )

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا ، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.[4]

إن المنهج الرباني القرآني يعالج في هذه الآية مخاوف النفس المتنوعة ; وهي تواجه مخاطر الهجرة ; في مثل تلك الظروف التي كانت قائمة ; والتي قد تتكرر بذاتها أو بما يشابهها من المخاوف في كل حين.

وهو يعالج هذه النفس في وضوح وفصاحة ; فلا يكتم عنها شيئا من المخاوف ; ولا يداري عنها شيئا من الأخطار - بما في ذلك خطر الموت - ولكنه يسكب فيها الطمأنينة بحقائق أخرى وبضمانة الله سبحانه وتعالى . .

فهو أولا يحدد الهجرة بأنها (في سبيل الله) . . وهذه هي الهجرة المعتبرة في الإسلام فليست هجرة للثراء , أو هجرة للنجاة من المتاعب , أو هجرة للذائذ والشهوات , أو هجرة لأي عرض من أعراض الحياة . ومن يهاجر هذه الهجرة - في سبيل الله - يجد في الأرض فسحة ومنطلقا فلا تضيق به الأرض , ولا يعدم الحيلة والوسيلة . للنجاة وللرزق والحياة: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) . .

وإنما هو ضعف النفس وحرصها وشحها ; يخيل إليها أن وسائل الحياة والرزق , مرهونة بأرض , ومقيدة بظروف , ومرتبطة بملابسات لو فارقتها لم تجد للحياة سبيلا .

وهذا التصور الكاذب لحقيقة أسباب الرزق وأسباب الحياة والنجاة ; هو الذي يجعل النفوس تقبل الذل والضيم , وتسكت على الفتنة في الدين ; ثم تتعرض لذلك المصير البائس . مصير الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . والله يقرر الحقيقة الموعودة لمن يهاجر في سبيل الله . . إنه سيجد في أرض الله منطلقا وسيجد فيها سعة . وسيجد الله في كل مكان يذهب إليه , يحييه ويرزقه وينجيه

ولكن الأجل قد يوافي في أثناء الرحلة والهجرة في سبيل الله . . والموت - كما تقدم في سياق السورة - لا علاقة له بالأسباب الظاهرة ; إنما هو حتم محتوم عندما يحين الأجل المرسوم . وسواء أقام أم هاجر , فإن الأجل لا يستقدم ولا يستأخر .غير أن النفس البشرية لها تصوراتها ولها تأثراتها بالملابسات الظاهرة . . والمنهج يراعي هذا ويعالجه . فيعطي ضمانة الله بوقوع الأجر على الله منذ الخطوة الأولى من البيت في الهجرة إلى الله ورسوله: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله - ثم يدركه الموت - فقد وقع أجره على الله) . .أجره كله . أجر الهجرة والرحلة والوصول إلى دار الإسلام والحياة في دار الإسلام . . فماذا بعد ضمان الله من ضمان ?

ومع ضمانة الأجر التلويح بالمغفرة للذنوب والرحمة في الحساب . وهذا فوق الصفقة الأولى .

وكان الله غفورا رحيمًا .إنها صفقة رابحة دون شك . يقبض فيها المهاجر الثمن كله منذ الخطوة الأولى - خطوة الخروج من البيت مهاجرا إلى الله ورسوله - والموت هو الموت . في موعده الذي لا يتأخر . والذي لا علاقة له بهجرة أو إقامة . ولو أقام المهاجر ولم يخرج من بيته لجاءه الموت في موعده . ولخسر الصفقة الرابحة . فلا أجر ولا مغفرة ولا رحمة . بل هنالك الملائكة تتوفاه ظالما لنفسه !

وشتان بين صفقة وصفقة ! وشتان بين مصير ومصير !

ــــــــــــــــ

المبحث العاشر

المنافقون يهربون من الجهاد فرارا من الموت

 

قال تعالى : { وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)  [الأحزاب/12-17]

أَمَّا المُنَافِقُونَ فَظَهَرَ نِفَاقُهُمْ ، فَقَالَ مُعْتِبُ بْنُ قُشَيْرٍ مَا قَالَ ، وَقَالَ ضِعَافُ الإِيمَانِ وَالذِينَ فِي أًنْفُسِهِمْ رِيبَةٌ وَشَكٌ ، لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بالإِسْلامِ - { الذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } : { مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } ، أَيْ لَمْ يكَنْ مَا وَعَدَنا بِهِ اللهُ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفِرِ بِالعَدُوِّ إِلا وَعْداً يَغُرُّنَا وَيَخْدَعُنا .

وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ حِينَ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ المُنَافِقينَ ( كَعَبدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ وأَصْحَابِه ) : يَا أَهْلَ المَدينةِ ( يَثْرِبَ ) لَيْسَ هذا المُقَامُ ، الذي تُقِيمُونَهُ مُرَابِطِينَ مَعَ النَّبِيِّ ، بِمُقَامٍ صَالِحٍ لَكُمْ ، فَارْجِعُوا إِلى مَنَازِلِكُمْ لِتَحْمُوهَا ، وَلِتُدَافِعُوا عَنْها وعَنْ عِيَالِكُمْ . واسْتَأْذَنَ فَريقٌ منْهُمُ النَّبِيَّ r  طَالِبينَ السَّمَاحَ لَهُمْ بِالعَوْدَةِ إِلى مَنَازِلِهِمْ ( وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ ) ، وَقَالُوا إِنَّهُمْ يَخَافُونَ عَلى بُيُوتِهِمِ السُّرَّاقَ ، وأَ ، َّ بُيُوتَهُمْ ليسَ لَهَا مَنْ يَحْمِيها ( عَوْرَةٌ ) .

وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى عَلَى هؤُلاءِ قَائِلاً : إِنَّ بُيُوتِهم لَيْسَتْ عَوْرَةً ، وَلاَ مُهَدَّدَةً مِنْ أَحَدٍ كَمَا يَزْعُمُونَ ، وَإِنَّما يُريدُونَ الفِرَارَ وَالهَرَبَ مِنَ القِتَالِ ، وَعَدَمِ إِعَانَةِ المُسْلِمِينَ فِي حَرْبِهِمْ أَعْدَاءَ اللهِ .

وَلَوْ دَخَلَ عَلَيهِمُ الأَعْدَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوانِبِ المَدِينَةِ ، وكُلِّ قُطْرِ مِنْ أَقْطَارِها ( وَقيلَ بَلِ المَقْصُودُ بُيُوتُهُمْ ) وَطَلبُوا إِليهِم الارْتِدَادَ عَنِ الإِسْلامِ ، والعَوْدَةَ إِلى الشِّرْكِ ، ( لَو سُئِلُوا الفِتْنَةَ ) لَفَعَلُوا ذَلِكَ سَرِيعاً دُونَ تَرَدُّدِ مِنْ شِدَّةِ الهَلَعِ وَالجَزَعِ ، وَهذا دَلِِيلٌ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِمْ . وَكَانَ هؤلاءِ المُسْتَأْذِنُونَ - وَهُمْ بَنُوا حَارِثَةَ - قَدْ هَرَبُوا مِنَ القِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَفَرُّوا مِنْ لِقَاءِ العَدُوِّ ، ثُمَّ تَابُوا وَعَاهَدُوا اللهَ عَلَى أَلاَّ يَعُودُوا إِلى مِثْلِها ، وَلاَ يَنْكُصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ ، وَمَنْ عَاهَدَ اللهَ فإِنَّ اللهَ سَيَسْأَلُهُ عَنْ عَهْدِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَيَجْزِيهِ بِه . فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤلاءِ المُسْتَأْذِنِينَ الهَارِبينَ مِنْ قِتَالِ العَدُوِّ وَلِقَائِهِ : إِنَّ الفرَارَ مِنَ القِتَالِ لَنْ يَنْفَعَكُمْ وَلَنْ يَدْفَعَ عَنْكُمْ مَا قَضَاهُ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنْ مَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ ، وَإِذا نَفَعَكُمْ الفِرَارُ فَلَمْ تُقْتَلُوا فِي سَاحَةِ الحَرْبِ ، فَإِنَّ بَقَاءَكُمْ فِي الدُّنيا مَحْدُودُ الأًَجْلِ ، وَمَتَاعَكُمْ فِيها مَتَاعٌ قَليلٌ ، وَسَيَأْتي المَوْتُ في الموعِدِ المُحَدَّدِ لاً يَتَأَخَّرُ وَلاَ يَتَقَدَّمُ .وَقُلْ لَهُمْ : لَيْسَ فِي الأَرْضِ أَحَدُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ قَضَاءَ اللهِ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِليكُمْ ، فَإِنْ أَرَاد اللهُ بِكُمْ شَراً فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَرُدَّهُ عَنْكُمْ ، وَلاَ أَنْيَحُولَ دُونَ وَقُوعِهِ بِكُمْ : وَإِنْ أَرَادَ بِكُمْ خَيْراً وَرَحْمَةً ، فَلا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَحُولَ دُونَ وَصُولِ ذلك إِلَيْكُمْ ، فَالأَمْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللهِ ، يُصَرِّفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ . وَلَنْ يَجِدَ هؤلاءِ المُنَافِقُونَ وَلِيّاً لَهُمْ غيرَ اللهِ ، وَلاَ نَاصِراً يَدْفَعُ عَنْهُمْ مَا قَضَاهُ اللهُ ، وَمَا قَدَّرَهُ عَلَيهِمْ مِنْ سُوءٍ وَبَلاَء .

إن قدر الله هو المسيطر على الأحداث والمصائر ، يدفعها في الطريق المرسوم ، وينتهي بها إلى النهاية المحتومة . والموت أو القتل قدر لا مفر من لقائه ، في موعده ، لا يستقدم لحظة ولا يستأخر . لن ينفع الفرار في دفع القدر المحتوم عن فارّ . فإذا فروا فإنهم ملاقون حتفهم المكتوب ، في موعده القريب . وكل موعد في الدنيا قريب ، وكل متاع فيها قليل . ولا عاصم من الله ولا من يحول دون نفاذ مشيئته . سواء أراد بهم سوءاً أم أراد بهم رحمة ، ولا مولى لهم ولا نصير ، من دون الله ، يحميهم ويمنعهم من قدر الله .فالاستسلام الاستسلامَ . والطاعة الطاعة . والوفاء الوفاء بالعهد مع الله ، في السراء والضراء . ورجع الأمر إليه ، والتوكل الكامل عليه . ثم يفعل الله ما يشاء .

ــــــــــــــــ

المبحث  الحادي عشر

الكفار لا يتمنون الموت أبدا

 

قال تعالى : {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) [البقرة/94-96]

قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ : إِنْ كُنْتُمْ تَعْتَقِدُونَ صِدْقاً أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءَ اللهِ وَأَحبَّاؤُهُ مِنْ دُونِ النَّاس ، وَأَنَّ النَّارَ لَنْ تَمسَّكُمْ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ، وأنَّ لَكُمُ الجَنَّةَ وَحْدَكُمْ وَمَنْ عَدَاكُمْ مِنَ الخَلْقِ فِي النَّارِ ، فَتَمَنَّوُا المَوْتَ الذِي يُوصِلُكُمْ إِلى ذلِكَ النَّعِيمِ الخَالِصِ الدَّائِمِ الذِي لا يُنَازِعُكُمْ فِيهِ أَحَدٌ ، وَاطْلُبُوا المَوْتَ مِنَ اللهِ . فَإِذَا لَمْ يَتَمَنَّوْهُ كَانُوا غَيْرَ صَادِقِينَ في إِيمَانِهِمْ .

وَلَنْ يَتَمَنَّى هَؤُلاءِ الكَافِرُونَ بِكَ يا مُحَمَّدُ أنْ يَنْزِلَ بِهِم المَوتُ أبَداً ، لأَنَّهُمْ مَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ ، ومَا أسْلَفَتْ مِنْ سَيِّئِ الأعْمَالِ ، فَهُمْ يَخَافُونَ عِقَابَ الله عَلَيها ، وَاللهُ يَعْلَمُ أنَّهُمْ ظَالِمُونَ في قَوْلِهِمْ : إِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ خَالِصَةٌ لَهُم مِنْ دُونِ النَّاسِ .

وَلَتَجِدَنَّ يَا مُحَمَّدُ اليَهُودَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى البَقَاءِ فِي الحَيَاةِ ، حَتَّى لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ مِنَ المُشْرِكِينَ الذِينَ لاَ كِتَابَ لَهُمْ ، وَلاَ يَعْتَقدُونَ بِوُجُودِ بَعْثٍ وَحَشْرٍ وَحِسْابٍ عَلَى الأعْمَالِ ، وَلِذلِكَ حَصَرُوا هَمَّهُمْ في الحَيَاةِ الدُّنيَا أَمَّا اليَهُودُ فِإِنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالبَعْثِ وَالحِسَابِ ، وَيَعْلَمُونَ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيْهِمْ مِنْ كُفْرٍ وَخُرُوجٍ عَنْ أَمْرِ اللهِ ، وَقَتْلٍ لأَنْبِيَائِهِ ، وَيَعْلَمُونَ مَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي الآخِرَةِ مِنْ مَقْتِ اللهِ وَغَضَبِهِ وَشدِيدِ عَذَابِهِ ، وَلِذلِكَ فَإِنَّهُمْ يَتَمَنَّونَ أنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ يَوْمِ القِيَامَةِ أمَدٌ بَعِيدٌ ، وَأنْ يَعِيشُوا دَهْراً طَوِيلاً لِكَيْلا يَصِلُوا إلى العَذَابِ الذِي يَنْتَظِرُهُمْ في الآخِرَةِ .

ويَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِلاً : وَلَوْ عَاشَ أحَدُهُمْ ألْفَ سَنَةٍ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُنْجِيهِ مِنَ العَذَابِ ، مَا دَامَ مُقِيماً عَلَى كُفْرِهِ ، وَمُصِراً عَلَى الإِتْيَانِ بِالأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ ، وَاللهُ مُبْصِرٌ وَمُشَاهِدٌ مَا يَعْمَلُونَ .

لن يتمنوه . لأن ما قدمته أيديهم للآخرة لا يطمعهم في ثواب ، ولا يؤمنهم من عقاب . إنه مدخر لهم هناك ، والله عليم بالظالمين وما كانوا يعملون .وليس هذا فحسب . ولكنها خصلة أخرى في يهود ، خصلة يصورها القرآن صورة تفيض بالزراية وتنضح بالتحقير والمهانة : { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة } .. أية حياة ، لا يهم أن تكون حياة كريمة ولا حياة مميزة على الإطلاق! حياة فقط! حياة بهذا التنكير والتحقير! حياة ديدان أو حشرات! حياة والسلام! إنها يهود ، في ماضيها وحاضرها ومستقبلها سواء . وما ترفع رأسها إلا حين تغيب المطرقة . فإذا وجدت المطرقة نكست الرؤوس ، وعنت الجباه جبناً وحرصاً على الحياة . . أي حياة!

{ ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ، وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، والله بصير بما يعملون } . .يود أحدهم لو يعمر ألف سنة . ذلك أنهم لا يرجون لقاء الله ، ولا يحسون أن لهم حياة غير هذه الحياة . وما أقصر الحياة الدنيا وما أضيقها حين تحس النفس الإنسانية أنها لا تتصل بحياة سواها ، ولا تطمع في غير أنفاس وساعات على الأرض معدودة . . إن الإيمان بالحياة الآخرة نعمة . نعمة يفيضها الإيمان على القلب . نعمة يهبها الله للفرد الفاني العاني . المحدود الأجل الواسع الأمل وما يغلق أحد على نفسه هذا المنفذ إلى الخلود ، إلا وحقيقة الحياة في روحه ناقصة أو مطموسة . فالإيمان بالآخرة - فوق أنه إيمان بعدل الله المطلق ، وجزائه الأوفى - هو ذاته دلالة على فيض النفس بالحيوية ، وعلى امتلاء بالحياة لا يقف عند حدود الأرض؛ إنما يتجاوزها إلى البقاء الطليق ، الذي لا يعلم إلا الله مداه ، وإلى المرتقى السامي الذي يتجه صعداً إلى جوار الله .

ـــــــــــــــ

المبحث الثاني عشر

وجوب التواصي بالموت على الإسلام

 

قال تعالى : { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)  [البقرة/130-134]

لَقَدْ تَجَرَّدَ إِبراهِيمُ فِي عِبَادَةِ اللهِ فَلَمْ يَدْعُ مَعَهُ غَيْرَهُ ، وَلَمْ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وَتَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ حَتَّى تَبَرَّأَ مِنْ أَبِيهِ ، وَخَالفَ قَوْمَهُ . فَمَنْ يَتْرُكَ طَرِيقَ إِبْراهيمَ هذا وَمَسْلَكَهُ وَمِلَّتَهُ ، وَيَتَّبِعْ طَرِيقَ الغَيِّ وَالضَّلاَلِ ، فَهُوَ سَفِيهٌ ، وَلاَ يَرْتَكِبُ الضَّلاَلَةَ إِلاَّ السَّفيهُ .

وَلَقَدِ اصْطَفَى اللهُ إِبراهِيمَ وَاخْتَارَهُ في الدُّنيَا ، وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الصَّالِحِينَ المُقَرَّبينَ عِنْدَ اللهِ .

أَمَرَ اللهُ إِبراهيمَ بِالإِخلاَصِ لَهُ ، وَالاسْتِسْلامِ لِحُكْمِهِ ، فَامْتَثَلَ لأَمْرِ رَبِّهِ ، وَقَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ جَمِيعاً .وَكَانَتْ كَلِمَةُ الإِسْلامِ للهِ مُحَبَّبَةً إِلَى نَفْسِ إِبْراهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فَأَوصَوْا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ حِينَ حَضَرَتْهُمُ الوَفَاةُ وَقَالُوا لَهُمْ : إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَأَحْسِنُوا فِي حَيَاتِكُمْ ، وَالْزَمُوا ذلِكَ لِيَرزُقَكُمُ اللهُ الوَفَاةَ عَلَيهِ ، لأنَّ المَرْءَ يَمُوتُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيهِ ، وَيُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ .

يَقُولُ تَعَالَى إِنَّ اليَهُودَ الذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ r  يُجَادِلُونَهُ ، وَيَجْحَدُونَ نُبُوَّتَهُ ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِنَّما يَسِيرُونَ عَلَى الدِّينِ الذِي مَاتَ عَلَيهِ يَعْقُوبَ ، مَعْ أَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا حَاضِرِينَ ( شُهَدَاءَ ) حِينَمَا حَانَتْ مَنِيَّةُ يَعْقُوبُ ، وَجَاءَهُ المَوْتُ ، وَلَكِنَّ اللهَ كَانَ شَاهِداً عَلَى ذلِكَ . وَيُقَرِّرُ سُبْحَانَهُ : إِنَّ يَعقُوبَ سَأَلَ بَنِيهِ عَمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِهِ ، فَقَالُوا لَهُ : إِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ إِلهَهُ وَإِلهَ آبَائِهِ ، الوَاحِدَ الأَحَدَ ، الذِي لا شَرِيكَ لَهُ ، وَسَيُسَلِّمُونَ أَمْرَهُمْ إِليهِ .

( هذِهِ الآيَةُ تُرشِدُ إلى أَنَّ دِينَ اللهِ وَاحدٌ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ، وَعَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيٍّ ، وَرُوحُهُ التَّوحِيدُ وَالاسْتِسْلاَمُ للهِ ، وَالإِذْعَانُ لِهَدْيِ الأَنْبِيَاءِ ) .

فَتِلْكَ الأَجْيَالُ السَّالِفَةِ كَانُوا أَمَّةً مُؤْمِنَةً ، فَلا يَنْفَعُكُمُ الانتِسَابُ إِلَيهِمْ ، إَذَا لَمْ تَفْعَلوا أَنْتُم خَيْراً تَنْتَفِعُونَ بِهِ ، فَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ عَلَى أَنْ لا يُجْزَى أَحَدٌ إِلاَّ بِكَسْبِهِ وَعَمَلِهِ ، وَلا يُسْأَلُ أَحَدٌ إِلا عَنْ كَسْبِهِ وَعَمَلِهِ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يُحَاسَبُ عَلَى عَمَلِهِ ، وَلاَ تُسْأَلُونَ أَنْتُمْ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ هُمْ .

هذه هي ملة إبراهيم . . الإسلام الخالص الصريح . . لا يرغب عنها وينصرف إلا ظالم لنفسه ، سفيه عليها ، مستهتر بها . . إبراهيم الذي اصطفاه ربه في الدنيا إماماً ، وشهد له في الآخرة بالصلاح . . اصطفاه { إذ قال له ربه أسلم } . . فلم يتلكأ ، ولم يرتب ، ولم ينحرف ، واستجاب فور تلقي الأمر .

{ قال : أسلمت لرب العالمين } . .هذه هي ملة إبراهيم . . الإسلام الخالص الصريح . . ولم يكتف إبراهيم بنفسه إنما تركها في عقبه ، وجعلها وصيته في ذريته ، ووصى بها إبراهيم بنيه كما وصى بها يعقوب بنيه . ويعقوب هو إسرائيل الذي ينتسبون إليه ، ثم لا يلبون وصيته ، ووصية جده وجدهم إبراهيم!

ـــــــــــــــــــ

المبحث الثالث عشر

الحث على الوصية قبل الموت لغير الورثة

 

قال تعالى : {   كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)  [البقرة/180، 181]

فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَيكُمْ يَا مَعْشَرَ المُؤْمِنينَ أَنَّهُ إذا حَضَرَتْ أَسْبَابُ المَوْتِ وَعِلَلُهُ ، وَتَرَكْتُمْ مَالاً كَثِيراُ لِوَرَثَتِكُمْ أَنْ تُوصُوا لِلوَالِدَينِ وَذَوي القُرْبَى بِشَيءٍ مِنْ هذا المَالِ ( لا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ إِذا لَمْ يَكُنِ المُوصَى لّهُمْ مِنَ الوَارِثِينَ فِي بَعْضِ المَذَاهِبِ ، وَجَوَّزَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ الوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ بِأَنْ يَخُصَّ بِها بَعْضَ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ مِنَ الوَرَثَةِ ) . وَإِذا أَسْلَمَ الكَافِرُ وَحَضَرَتْهُ الوَفَاةُ ، ووالدَاهُ كَافِرَانِ ، فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ لَهُمَا بِشَيءٍ يَتَأَلَّفُ بِهِ قُلُوبَهُما . وَقَدْ جَعَلَ اللهُ ذلِكَ الإِيصَاءَ حَقّاً عَلَى المُتَّقِينَ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ . ( وَقِيلَ إِنَّ هذِهِ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِآيةِ المَوَارِيثِ ) .

وَإِذا صَدَرَتِ الوَصِيَّةُ عَنِ المُوصِي كَانَتْ حَقّاً وَاجِباً لاَ يُجُوزُ تَغْيِيرُهُ وَلاَ تَبْدِيلُهُ ، إِلاَ إِذَا كَانَتِ الوَصِيَّةُ مُجَافِيةً لِلعَدْلِ ، فَمَنْ بَدَّلَ الوَصِيَّةَ - سَواءٌ أَكَانَ وَصِيّاً أَوْ شَاهِداً - أَوْ حَرَّفَها فَغَيَّرَ فِي حُكْمِها وَزَادَ فِيها أوْ أَنْقَصَ أَوْ كَتَمَها ، فَإِثْمُ التَّبدِيلِ يَقَعُ عَلَى الذِينَ يَقُومُونَ بِهِ ، وَيَقَعُ أَجْرُ المَيِّتِ عَلَى اللهِ ، لأَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ المَيِّتُ ، وَعَلِمَ بِهِ وَبِمَا بَدَّلَهُ المُوصَى إِلَيهِمْ . وَاللهُ سَمِيعٌ لأَقْوالِ المُبَدِّلِينَ وَالمُوصِينَ ، وَيَعْلَمُ نِيَّاتِهِمْ ، وَيُجَازِيهِمْ عَلَيهَا .

فَإِذا خَافَ الوَصِيُّ خُرُوجَ المُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ عَنْ نَهْجِ الشَّرْعِ وَالعَدْلِ خَطَأً أَوْ عَمْداً ، بِأَنْ زَادَ فِي حِصَّةٍ ، أَوْ أَنْقَصَ فِيها . . . وَتَنَازَعَ المُوصَى لَهُمْ بِالمَالِ فِيما بَيْنَهُمْ ، : أَوْ تَنَازَعُوا مَعَ الوَرَثَةِ ، فَتَوسَّطَ بَيْنَهُمْ مَنْ يَعْلَمُ بِذلِكَ ، وَأَصْلَحَ بِتَبْدِيلِ هذا الحَيْفِ وَالجَنَفِ ، فَلا إِثْمَ عَلَيهِ فِي هذا التَّبدِيلِ ، لأَنَّهُ تَبْدِيلُ بَاطِلٍ بِحَقٍّ ، وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ ، وَيُثِيبُهُ عَلَى عَمَلِهِ .

وقال تعالى : {  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآَخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) } [المائدة/106-108]

قِيلَ إنَّ حُكْمَ هَذِهِ الآيَةِ مَنْسُوخٌ . وَلَكِنَّ الأَكْثَرِيَّةَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أنَّهُ مُحْكَمٌ . وَهَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ حُكْمَ مَنْ تُوُفْيَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ - وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوْلِ الإِسْلاَمِ ، وَالنَّاسُ كُفْارٌ ، وَالأَرْضُ أَرْضَ حَرْبٍ - وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَارَثُونَ بِالوَصِيَّةِ ، ثُمَّ نُسِخَتِ الوَصِيَّةُ ، وَفُرِضَتِ الفَرَائِضُ ، وَعَمِلَ النَّاسُ بِهَا .

فَإِذَا ظَهَرَ أنَّ الشَّاهِدَينِ قَدْ خَانَا الأَمَانَةَ ، أَوْ غَلاَّ شَيْئاً مِنَ المَالِ المُوصَى بِهِ إلَيْهِمَا ، فَلْيَقُمِ اثْنَانِ مِنَ الوَرَثَةِ المُسْتَحِقِّينَ لِلْتَّرِكَةِ ، وَلْيَكُونَا مِنْ أَوْلَى مَنْ يَرِثُ ذَلِكَ المَالِ ، فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ بِالقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الآخَرَيْنِ ، وَإنَّ قَوْلَنَا إنَّهُمَا خَانَا أحَقُّ بِالقُبُولِ ، وَأَصَحُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا المُتَقَدِّمَةِ ، وَمَا اعْتَدَيْنَا فِيمَا قُلْنَا فِيهِمَا مِنَ الخِيَانَةِ ، وَإنْ كُنَّا كَذَبْنَا عَلَيْهِما وَافْتَرَيْنَا إذَاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ رَجُلاً تُوُفِّي وَأوْصَى بِتَرْكَتِهِ إلَى ذِمِّيَّيْنِ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ ، وَلَمَّا سَلَّمَا المَالَ إلَى أَهْلِ المَيِّتِ أنْكَرَ أهْلُ المَيِّتِ ، وَرَفَعُوا أمْرَهُمْ إلى أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ ، فَأرَادَ أبُو مُوسَى أنْ يَسْتَحْلِفَهُمَا بَعْدَ صَلاةِ العَصْرِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّهُمَا لاَ يُبَالِيَانِ صَلاَةَ العَصْرِ ، وَلَكِنِ اسْتَحْلَفْهُمَا بَعْدَ صَلاَتِهِمَا المُقَرَّرَةٍ فِي دِينِهِمَا .

وَيَقُولُ الإِمَامُ قَبْلَ أنْ يُحَلِّفَهُمَا : ( إنْ كَتَمْتُمَا أوْ حَنَثْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمِكُمَا ، وَلَمْ نُجِزْ لَكُمَا شَهَادَةً ، وَعَاقَبْتُكُمَا ) ثُمَّ يُحَلِّفُهُمَا . فَإذَا قَالَ الإِمَامُ لَهُمَا ذَلِكَ ، وَحَمَلَهُمَا عَلَى الحَلْفِ أمَامَ النَّاسِ بِالأَيْمَانِ المُغْلَّظَةِ ، كَانَ ذَلِكَ أقْرَبَ السُّبُلِ إلى أنْ يُؤَدِّيا الشَّهَادَةَ عَلَى الوَجْهِ الصَّحِيحِ ( أدْنَى أنْ يَأتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا ) .كَمَا أنَّهُ قَدْ يَكُونُ الحَامِلَ لَهُمَا عَلَى الإِتْيَانِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الوَجْهِ الصَّحِيحِ ، هُوَ تَعْظِيمُ الحَلْفِ بِاللهِ ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ وَإِجْلاَلُهُ ، وَالخَوْفُ مِنَ الفَضِيحَةِ بَيْنَ النَّاسِ ، إنْ رُدَّتِ اليَمِينُ عَلَى الوَرَثَةِ ، فَيَحْلِفُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ مَا يَدَّعُونَ . ( أَوْ يَخَافُوا أنْ تُرَدَّ أيْمَانٌ بَعْدَ أيْمَانِهِمْ ) .ثُمَّ يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِتَقْوَاهُ فِي جَمِيعِ أمُورِهِمْ ، وَيَأمُرُهُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، وَبِأنْ لاَ يَحْلِفُوا أيْمَاناً كَاذِبَةً .وَيَقُولُ تَعَالَى : إنَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ الخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ .أدْنَى أنْ يَأتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا - أقْرَبُ إلَى قَوْلِ الحَقِّ وَالصِّدْقِ فِي الشَّهَادَةِ .

ـــــــــــــــــ

المبحث الرابع عشر

الملائكة تقبض أرواح الناس

 

قال تعالى : {  وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) [الأنعام/60-62]

يَقُولُ تَعَالَى إنَّهُ يَتَوَفَّى أَنْفُسَ العِبَادِ فِي حَالِ نَوْمِهِمْ فِي اللَّيلِ ، فَيُزِيلُ إِحْسَاسَهَا ، وَيَمْنَعُها مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الأَبْدَانِ ( وَهُوَ التَّوَفِّي الأَصْغَرُ ) ، وَيَعْلَمُ مَا يَكْسِبُهُ العِبَادٌ مِنَ الأَعْمَالِ فِي النَّهَارِ ، وَهَذا دَلِيْلٌ عَلَى عِلْمِهِ تَعَالَى بِكُلِّ شَيءٍ ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ فِي النَّهَارِ لِكَسْبِ أقْوَاتِهِمْ ، وَتَأْمِينِ مَعَاشِهِمْ ، وَلِيَسْتَوفِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ أَجَلَهُ كَامِلاً ، ( لِيَقْضِيَ أَجَلٌ مُسَمَّى ) ، ثُمَّ يَرْجِعُ الخَلْقُ إلى اللهِ حِينَمَا تَنْتَهِي آجَالُهُمْ ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَجْزِيهِمْ عَنْ أَعْمَالِهِم الجَزَاءَ الذِي يَسْتَحِقُونَهُ .

وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الغَالِبُ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ، وَيُرْسِلُ حَفَظَةً مِنَ المَلائِكَةِ عَلَى العِبَادِ ، يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهِمْ لَيْلاً وَنَهَاراً ، يَحْفَظُونَ أَعْمَالَهُمْ ، وَيُحْصُونَهَا ، مَا دَامُوا عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ ، وَلاَ يُفَرِّطُونَ فِي شَيءٍ مِنْهَا ، حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ أَجَلُهُ ، تَوَفَّتْهُ مَلاَئِكَةُ المَوْتِ المُوكَلُونَ بِذَلِكَ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ، وَهُمْ لاَ يُقَصِّرُونَ فِيمَا يُوَكَّلُ إِلَيْهِمْ . ثُمَّ يُرَدُّ العِبَادُ ، الذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ، إلى اللهِ جَمِيعاً ، يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَهُوَ تَعَالَى مَوْلاَهُمُ الحَقُّ ، فَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِعَدْلِهِ ، وَهُوَ يَومْئَذٍ صَاحِبُ الحُكْمِ وَالقَوْلِ الفَصْلِ ، وَهُوَ تَعَالَى أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ .

فهو صاحب السلطان القاهر ; وهم تحت سيطرته وقهره . هم ضعاف في قبضة هذا السلطان ; لا قوة لهم ولا ناصر . هم عباد . والقهر فوقهم . وهم خاضعون له مقهورون . .وهذه هي العبودية المطلقة للألوهية القاهرة . . وهذه هي الحقيقة التي ينطق بها واقع الناس - مهما ترك لهم من الحرية ليتصرفوا , ومن العلم ليعرفوا , ومن القدرة ليقوموا بالخلافة - إن كل نفس من أنفاسهم بقدر ; وكل حركة في كيانهم خاضعة لسلطان الله بما أودعه في كيانهم من ناموس لا يملكون أن يخالفوه . وإن كان هذا الناموس يجري في كل مرة بقدر خاص حتى في النفس والحركة !

فكل نفس معدودة الأنفاس , متروكة لأجل لا تعلمه - فهو بالنسبة لها غيب لا سبيل إلى كشفه - بينما هو مرسوم محدد في علم الله , لا يتقدم ولا يتأخر . وكل نفس موكل بأنفاسها وأجلها حفيظ قريب مباشر حاضر , لا يغفو ولا يغفل ولا يهمل - فهو حفيظ من الحفظة - وهو رسول من الملائكة - فإذا جاءت اللحظة المرسومة الموعودة - والنفس غافلة مشغولة - أدى الحفيظ مهمته , وقام الرسول برسالته . . وهذا التصور كفيل كذلك بأن يرتعش له الكيان البشري ; وهو يحس بالقدر الغيبي يحيط به ; ويعرف أنه في كل لحظة قد يقبض , وفي كل نفس قد يحين الأجل المحتوم .(ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) . .مولاهم الحق من دون الآلهة المدعاة . . مولاهم الذي أنشأهم , والذي أطلقهم للحياة ما شاء . . في رقابته التي لا تغفل ولا تفرط . . ثم ردهم إليه عندما شاء ; ليقضي فيهم بحكمه بلا معقب: (ألا له الحكم , وهو أسرع الحاسبين) . .فهو وحده يحكم , وهو وحده يحاسب . وهو لا يبطى ء في الحكم , ولا يمهل في الجزاء . . ولذكر السرعة هنا وقعه في القلب البشري . فهو ليس متروكا ولو إلى مهلة في الحساب !

وتصور المسلم للأمر على هذا النحو الذي توحي به أصول عقيدته في الحياة والموت والبعث والحساب , كفيل بأن ينزع كل تردد في إفراد الله سبحانه بالحكم - في هذه الأرض - في أمر العباد

إن الحساب والجزاء والحكم في الآخرة , إنما يقوم على عمل الناس في الدنيا ; ولا يحاسب الناس على ما اجترحوا في الدنيا إلا أن تكون هناك شريعة من الله تعين لهم ما يحل وما يحرم , مما يحاسبون يوم القيامة على أساسه ; وتوحد الحاكمية في الدنيا والآخرة على هذا الأساس . .فأما حين يحكم الناس في الأرض بشريعة غير شريعة الله ; فعلام يحاسبون في الآخرة ? أيحاسبون وفق شريعة الأرض البشرية التي كانوا يحكمون بها ; ويتحاكمون إليها ? أم يحاسبون وفق شريعة الله السماوية التي لم يكونوا يحكمون بها ; ولا يتحاكمون إليها ?

إنه لا بد أن يستيقن الناس أن الله محاسبهم على أساس شريعته هو لا شريعة العباد . وأنهم إن لم ينظموا حياتهم , ويقيموا معاملاتهم - كما يقيمون شعائرهم وعباداتهم - وفق شريعة الله في الدنيا , فإن هذا سيكون أول ما يحاسبون عليه بين يدي الله . وأنهم يومئذ سيحاسبون على أنهم لم يتخذوا الله - سبحانه - إلها في الأرض ; ولكنهم اتخذوا من دونه أربابا متفرقة . وأنهم محاسبون إذن على الكفر بألوهية الله - أو الشرك به باتباعهم شريعته في جانب العبادات والشعائر , واتباعهم شريعة غيره في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي , وفي المعاملات والارتباطات - والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن شاء

وقال تعالى : {  وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)  [السجدة/10، 11]

وَقَالَ المُشْرِكُونَ باللهِ ، المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ : هَلْ إِذا صَارَتْ لُحُومُنا وَعِظَامُنا تُراباً ، وَتَفَرَّقَتْ في الأَرضِ ، واخْتَلَطَتْ بِتُرابها فلم تَعُدْ تَتَمَّيزُ عَنْهُ ، سَنُبْعَثُ مَرَّةً أُخْرى ، ونُخْلَقُ خَلْقاً جَديداً؟ وَهؤلاءِ المُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ قُدرَةَ اللهِ عَلى الخَلْقِ ، وَيَكْفُرُونَ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ في الآخِرةِ . قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤلاءِ المُشْرِكِينَ : إِنَّ مَلَكَ المَوْتِ ، الذِي وُكِّلَ بِقَبْضِ أَرْوَاحِكُمْ ، يَقُومُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ ، وَيَقْبِضُ الأَرْوَاحَ حِينَما تَسْتَنْفِدُ الخَلاَئِقُ آجَالَها ، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُجازِي كُلَّ وَاحدٍ بِعَمَلِهِ .

ــــــــــــــــ

المبحث الخامس عشر

حال الكفار أثناء نزع الروح

 

قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) [الأنعام/93 ]

لاَ أَحَدَ أَكْثَرُ ظُلْماً مِمَّنْ كَذَبَ عَلى اللهِ ، فَجَعَلَ لَهُ شَرِيكاً أَوْ وَلَداً ، أَوْ ادَّعَى أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ رَسُولاً إلى النَّاسِ ، وَلَمْ يَكُنِ اللهُ قَدْ أَرْسَلَهُ ( كَالذِينَ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ ) ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْزِل مِثْلَمَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ الوَحْيِ وَالقُرْآنِ ( كَالذِينَ قَالُوا : لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ) .

وَهَؤُلاءِ الظَّالِمُونَ وَأَمثَالُهُمْ جُرْمُهُمْ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ . وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ حَالَهُمْ وَهُمْ يُعَانُونَ سَكَرَاتِ المَوْتِ ، وَآلاَمَ اللَّحَظَاتِ الأَخِيرَةِ مِنْ حَيَاتِهِم التَّعِيسَةِ ، لَرَأَيْتَ مَالاَ سَبِيلَ إلَى وَصْفِهِ وَتَصْوِيرِهِ مِنْ سُوءٍ ، وَقَدْ جَاءَتْهُمْ مَلاَئِكَةُ المَوْتِ بَاسِطِينَ إِلَيْهِمْ أَيْدِيَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالعَذَابِ لِيَسْتَخْرِجُوا أَرْوَاحَهُمْ مِنْ أَجْسَادِهِمْ ، بِقَسْوَةٍ وَعُنْفٍ ، لِمَا كُنْتُمْ تَكْذِبُونَ عَلَى اللهِ ، وَتَسْتَكْبِرُونَ عَنِ اتِّبَاعِ آيَاتِهِ ، وَالانْقِيَادِ إلَى رُسُلِهِ .

ــــــــــــــــ

المبحث السادس عشر

الأمم لها آجال أيضا

 

قال تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) [الأعراف/34]

جَعَلَ اللهُ تَعَالَى لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلاً وَمِيقَاتاً قَدَّرَهُ لِهَلاكِهِمْ . فَإِذَا جَاءَ الأَجَلُ الذِي حَدَّدَهُ اللهُ لِهَلاَكِهِمْ ، وَحُلُولِ العِقَابِ بِهِمْ ، أَخَذَهُمْ فَلا يَسْتَطِعُونَ إِبْطَاءً وَلاَ تَعَجُّلاً وَلَوْ سَاعَةً وَاحِدَةً .

وقال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)  [يونس/48-53]

وَيُمْعِنُ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ فِي تَكْذِيبِهِمْ بِاليَوْمِ الآخِرِ ، فَيَسْتَعْجِلُونَ بِهِ سَاخِرِينَ مُتَهَكِّمِينَ ، وَيَقُولُونَ : مَتَى يَكُونُ هَذا الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنَ العَذَابِ ، إِنْ كُنْتَ يِا مُحَمَّدُ وَأَصْحَابُكَ صَادِقِينَ فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ مِنْ حَشْرٍ وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ؟

قُلْ لِهَؤُلاَءِ المُسْتَعْجِلِينَ بِالعَذَابِ : إِنِّي بَشَرٌ مِثْلُكُمْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً ، وَلاَ أَمْلِكُ إِنْزَالَ العَذَابِ بِالكُفَّارِ المُعَانِدِينَ ، وَلاَ تَحْقِيقِ النَّصْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَالقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ اللهُ وَحْدَهُ ، يُحَقِّقُهُ مَتَى شَاءَ ، وَلِكُلِّ أَمَّةٍ أَجَلٌ ، فَإَذَا جَاءَ الأَجَلُ فَلاَ يَمْلِكُ أَحَدٌ أَنْ يُقَدِّمَهُ أَوْ يُؤَخِّرَهُ سَاعَةً عَنِ الوَقْتِ الذِي حَدَّدَهُ اللهُ لَهَا .

قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ الكَرِيمُ لِهَؤُلاَءِ المُسْتَعْجِلِينَ بِالعَذَابِ : أَخْبِرُونِي عَنْ حَالِكُمْ ، وَمَا يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَفْعَلُوهُ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ الذِي تَسْتَعْجِلُونَهُ ، فِي وَقْتِ مَبِيتِكُمْ بِاللَّيْلِ ، أَوْ وَقتِ اشْتِغَالِكُمْ بِلَهْوِكُمْ وَلَعِبِكُمْ وَأُمُورِ مَعَايِشِكُمْ نَهَاراً؟ وَأَيَّ عَذَابٍ يَسْتَعْجِلُ بِهِ هَؤُلاَءِ المُجْرِمُونَ المُكَذِّبُونَ؟ أَهُوَ عَذَابُ الدُّنْيَا أَمْ عَذَابُ يَوْمِ القِيَامَةِ؟ وَاسْتِعْجَالِهِمْ بِالعَذَابِ أَيّاً كَانَ فَهُو جَهَالَةٌ .وَحِينَ يَقَعُ العَذَابُ يُعْلِنُونَ إِيمَانَهُمْ ، وَيَقُولُونَ : رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا ، كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى .وَيُقَرِّعُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَسْلَكِهِمْ هَذَا فَيَقُولُ لَهُمْ : أآمَنْتُمْ بِهِ الآنَ حِينَمَا وَقَعَ ، وَكُنْتُمْ قَبْلاً تُكَذِّبُونَ بِهِ ، وَتَسْخَرُونَ مِنْهُ ، وَتَسْتَعْجِلُونَ بِهِ؟

وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُقَالُ لِهَؤُلاَءِ الذِينَ رَأَوا العَذَابَ فَآمَنُوا : ذُوقُوا عَذَاباً تَخْلُدُونَ فِيهِ ، وَهُوَ جَزَاءٌ وِفَاقٌ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرونَ ، وَتَكْسِبُونَ مِنْ ظُلْمٍ ، وَفَسَادٍ فِي الأَرْضِ .

وَيَسْتَخْبِرُكَ الكَافِرُونَ الذِينَ تَعِدُهُمْ بِالعَذَابِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَأَنَّ اللهَ سَيَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ مِنَ الأَمْوَاتِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ ، أَحَقّاً سَيَقَعُ ذَلِكَ ، أَمْ أَنَّهُ إِرْهَابٌ وَتَخْوِيفٌ؟ وَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الإِنْكَارِ وَالاسْتِهْزَاءِ ، فَقُلْ لَهُمْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ ، وَلَيْسَ فِي صَيْرُورَتِكُمْ تُرَاباً مَا يُعْجِزُ اللهُ عَنْ إِعَادَتِكُمْ كَمَا بَدَأَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنَ العَدَمِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ البَعْثِ مَا يُعْجِزُ اللهَ .

________________

الباب الثاني

الموت في السنَّة النبوية

المبحث الأول

الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ

 

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، قَالَ : نَظَرَ النَّبِيُّ r إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ ، فَقَالَ : " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا " فَتَبِعَهُ رَجُلٌ ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ ، فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ r : " إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ ، عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ ، عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا "[5]

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ المُسْلِمِينَ ، فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ r ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ r فَقَالَ : " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا " فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى المُشْرِكِينَ ، حَتَّى جُرِحَ ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ ، فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ r مُسْرِعًا ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ : " وَمَا ذَاكَ " قَالَ : قُلْتَ لِفُلاَنٍ : " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ " وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ المُسْلِمِينَ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ المَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ r عِنْدَ ذَلِكَ : " إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ "[6]

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ "[7]

وٍعَنْ سَهْلٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ "[8]

وعَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَمَاتَ وَدَخَلَ النَّارَ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّهُ لَمَكْتُوبٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ تَحَوَّلَ فَعَمِلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمَاتَ وَدَخَلَ الْجَنَّةَ[9] .

وعن عَبْدِ اللَّهِ قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - r - وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ « إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِىٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ » [10].

وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ r وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ : إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، فَيَقُولُ : اكْتُبْ عَمَلَهُ وَأَجَلَهُ وَرِزْقَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي سَبَقَ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ.[11]

وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال حَسَنَهَا وَسَيِّئَهَا أَمَارَاتٌ وَلَيْسَتْ بِمُوجِبَاتٍ ، وَأَنَّ مَصِير الْأُمُور فِي الْعَاقِبَة إِلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاء وَجَرَى بِهِ الْقَدَر فِي الِابْتِدَاء قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ .

وَفِيهِ أَنَّ السَّعِيد قَدْ يَشْقَى وَأَنَّ الشَّقِيَّ قَدْ يَسْعَدُ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْمَال الظَّاهِرَة وَأَمَّا مَا فِي عِلْم اللَّه - تَعَالَى - فَلَا يَتَغَيَّرُ . وَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِبَار بِالْخَاتِمَةِ . قَالَ اِبْنُ أَبِي جَمْرَةَ نَفَعَ اللَّه بِهِ : هَذِهِ الَّتِي قَطَعَتْ أَعْنَاق الرِّجَال مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ حُسْن الْحَال لِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ بِمَاذَا يُخْتَم لَهُمْ . وَفِيهِ أَنَّ عُمُوم مِثْل قَوْله تَعَالَى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُمْ ) الْآيَة مَخْصُوص بِمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ عَمِلَ السَّعَادَة وَخُتِمَ لَهُ بِالشَّقَاءِ فَهُوَ فِي طُولِ عُمُره عِنْد اللَّه شَقِيٌّ وَبِالْعَكْسِ وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُهُ يَؤُولُ إِلَى أَنْ يَؤُولَ إِلَى هَذَا ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ الْخِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْن الْأَشْعَرِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَتَمَسَّكَ الْأَشَاعِرَة بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيث وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّة بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) وَأَكْثَرَ كُلٌّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ الِاحْتِجَاجَ لِقَوْلِهِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ النِّزَاعَ لَفْظِيٌّ ، وَأَنَّ الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه لَا يَتَغَيَّر وَلَا يَتَبَدَّل ، وَأَنَّ الَّذِي يَجُوز عَلَيْهِ التَّغْيِير وَالتَّبْدِيل مَا يَبْدُو لِلنَّاسِ مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّق ذَلِكَ بِمَا فِي عِلْم الْحَفَظَةِ وَالْمُوَكَّلِينَ بِالْآدَمِيِّ فَيَقَع فِيهِ الْمَحْو وَالْإِثْبَات كَالزِّيَادَةِ فِي الْعُمُر وَالنَّقْص، وَأَمَّا مَا فِي عِلْم اللَّه فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إِثْبَاتَ وَالْعِلْم عِنْد اللَّه . وَفِيهِ الْحَثُّ الْقَوِيُّ عَلَى الْقَنَاعَة ، وَالزَّجْر الشَّدِيد عَنْ الْحِرْص ؛ لِأَنَّ الرِّزْق إِذَا كَانَ قَدْ سَبَقَ تَقْدِيره لَمْ يُغْنِ التَّعَنِّي فِي طَلَبِهِ وَإِنَّمَا شُرِعَ الِاكْتِسَاب ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة الْأَسْبَاب الَّتِي اِقْتَضَتْهَا الْحِكْمَة فِي دَارِ الدُّنْيَا . وَفِيهِ أَنَّ الْأَعْمَال سَبَب دُخُول الْجَنَّة أَوْ النَّار ،وَأَمَّا مَا قَالَ عَبْد الْحَقّ فِي " كِتَاب الْعَاقِبَة " إِنَّ سُوءَ الْخَاتِمَةِ لَا يَقَع لِمَنْ اِسْتَقَامَ بَاطِنُهُ وَصَلُحَ ظَاهِرُهُ وَإِنَّمَا يَقَع لِمَنْ فِي طَوِيَّتِهِ فَسَادٌ أَوْ اِرْتِيَابٌ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ لِلْمُصِرِّ عَلَى الْكَبَائِر وَالْمُجْتَرِئِ عَلَى الْعَظَائِمِ فَيَهْجُم عَلَيْهِ الْمَوْت بَغْتَةً فَيَصْطَلِمُهُ الشَّيْطَانُ عِنْد تِلْكَ الصَّدْمَة ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِسُوءِ الْخَاتِمَة نَسْأَل اللَّه السَّلَامَة ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ

وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْأَقْدَار غَالِبَةٌ ، وَالْعَاقِبَةُ غَائِبَةٌ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ الْحَال ، وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَ الدُّعَاء بِالثَّبَاتِ عَلَى الدِّين وَبِحُسْنِ الْخَاتِمَة[12]

ــــــــــــــ

المبحث الثاني

موت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

موت آدم عليه السلام

عَنْ عُتَيٍّ ، قَالَ : رَأَيْتُ شَيْخًا بِالْمَدِينَةِ يَتَكَلَّمُ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقَالُوا : هَذَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، فَقَالَ : " إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ : أَيْ بَنِيَّ إِنِّي أَشْتَهِي مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، فَذَهَبُوا يَطْلُبُونَ لَهُ ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَمَعَهُمْ أَكْفَانُهُ وَحَنُوطُهُ ، وَمَعَهُمُ الْفُؤُوسُ وَالْمَسَاحِي وَالْمَكَاتِلُ ، فَقَالُوا لَهُمْ : يَا بَنِي آدَمَ ، مَا تُرِيدُونَ وَمَا تَطْلُبُونَ ، أَوْ مَا تُرِيدُونَ وَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ؟ ، قَالُوا : أَبُونَا مَرِيضٌ فَاشْتَهَى مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، قَالُوا لَهُمْ : ارْجِعُوا فَقَدْ قُضِيَ قَضَاءُ أَبِيكُمْ . فَجَاءُوا ، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ حَوَّاءُ عَرَفَتْهُمْ ، فَلَاذَتْ بِآدَمَ ، فَقَالَ : إِلَيْكِ عَنِّي فَإِنِّي إِنَّمَا أُوتِيتُ مِنْ قِبَلِكِ ، خَلِّي بَيْنِي وَبَيْنَ مَلَائِكَةِ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى . فَقَبَضُوهُ ، وَغَسَّلُوهُ وَكَفَّنُوهُ وَحَنَّطُوهُ ، وَحَفَرُوا لَهُ وَأَلْحَدُوا لَهُ ، وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ، ثُمَّ دَخَلُوا قَبْرَهُ فَوَضَعُوهُ فِي قَبْرِهِ وَوَضَعُوا عَلَيْهِ اللَّبِنَ ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنَ الْقَبْرِ ، ثُمَّ حَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ ، ثُمَّ قَالُوا : يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ "[13]

وَعنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : " لَمَّا تُوُفِّيَ آدَمُ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْمَاءِ وِتْرًا ، وَلُحِدَ لَهُ ، وَقَالَتْ : هَذِهِ سُنَّةُ آدَمَ وَوَلَدِهِ "[14]

وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : " إِنَّ أَبَاكُمْ آدَمَ r كَانَ طِوَالًا مِثْلَ النَّخْلَةِ السَّحُوقِ ، سِتِّينَ ذِرَاعًا . وَكَانَ طَوِيلَ الشَّعْرِ ، مُوَارِيًا الْعَوْرَةَ . فَلَمَّا أَصَابَ الْخَطِيئَةَ بَدَتْ لَهُ سَوْأَتُهُ ، فَخَرَجَ هَارِبًا فِي الْجَنَّةِ . فَلَقِيَتْهُ شَجَرَةٌ ، فَأَخَذَتْ بِنَاصِيَتِهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : يَا آدَمُ أَفِرَارًا مِنِّي ؟ قَالَ : لَا يَا رَبِّ ، وَلَكِنْ حَيَاءً مِمَّا جِئْتُ بِهِ . قَالَ : فَأَهْبَطَهُ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ , فَلَمَّا حَضَرَتْ وَفَاتُهُ ، بَعَثَ اللَّهُ بِكَفَنِهِ وَحَنُوطِهِ مِنَ الْجَنَّةِ . فَلَمَّا رَأَتْ حَوَّاءُ الْمَلَائِكَةَ ذَهَبَتْ لِتَدْخُلَ دُونَهُمْ ، فَقَالَ : خَلِّي بَيْنِي وَبَيْنَ رُسُلِ رَبِّي ، فَمَا لَقِيتُ مَا لَقِيتُ إِلَّا مِنْ قِبَلِكِ ، وَمَا أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلَّا فِيكِ . فَغَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وِتْرًا ، وَكَفَّنُوهُ فِي وِتْرٍ مِنَ الثِّيَابِ ، وَأَلْحَدُوا لَهُ ، وَدَفَنُوهُ ، وَقَالُوا : هَذِهِ سُنَّةُ وَلَدِ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ "[15]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ ، فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلاءِ ذُرِّيَّتُكَ ، فَرَأَى رَجُلا مِنْهُمْ ، فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : رَجُلٌ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ فِي آخِرِ الأُمَمِ يُقَالُ لَهُ : دَاوُدُ ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ ؟ قَالَ : سِتِّينَ سَنَةً ، قَالَ : زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً ، قَالَ : إِذًا يُكْتَبُ وَيُخْتَمُ وَلا يُبَدَّلُ ، فَلَمَّا انْقَضَى عُمْرُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَقَالَ : أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً ؟ قَالَ : أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ ؟ فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ ، وَخَطِئَ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ.[16]

فجحد آدم أي ذلك لأنه كان في عالم الذر فلم يستحضره حالة مجيء ملك الموت له قاله ابن حجر، فجحدت ذريته لأن الولد سر أبيه، ونسي آدم إشارة إلى أن الجحد كان نسيانا أيضا، إذ لا يجوز جحده عنادا، فأكل من الشجرة قيل نسي أن النهي عن جنس الشجرة أو الشجرة بعينها فأكل من غير المعينة ،وكان النهي عن الجنس والله أعلم، فنسيت ذريته ،ولذا قيل :أول الناس أول الناسي وخطأ بفتح الطاء، أي في اجتهاده من جهة التعيين والتخصيص وخطأت ذريته، والأظهر أن خطأ بمعنى عصى لقوله تعالى :{ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (121) سورة طـه ، ولحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : : كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"[17] .

وفي الحديث إشارةٌ إلى حديث أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ فِيهِ اثْنَتَانِ : الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ.»[18].

وابن آدم وارد على سبيل الاستطراد وإن ابن آدم مجبول من أصل خلقته على الجحد والنسيان والخطأ إلا من عصمه الله تعالى .[19]

ـــــــــــــــ

موسى وملك الموت عليهما السلام

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ ، فَقَالَ : أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ المَوْتَ ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ : ارْجِعْ ، فَقُلْ لَهُ : يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ ، قَالَ : أَيْ رَبِّ ، ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ المَوْتُ ، قَالَ : فَالْآنَ ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ " ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأَحْمَرِ "[20]

وعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، قَالَ : هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ . فَقَالَ لَهُ : أَجِبْ رَبَّكَ قَالَ فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا ، قَالَ فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ : إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي ، قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ : ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ : الْحَيَاةَ تُرِيدُ ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ ، فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً ، قَالَ : ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : ثُمَّ تَمُوتُ ، قَالَ : فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ ، رَبِّ أَمِتْنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، رَمْيَةً بِحَجَرٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ "[21]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ r - قَالَ يُونُسُ : رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ r - " كَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَأْتِي النَّاسَ عِيَانًا ، قَالَ : فَأَتَى مُوسَى فَلَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَأَتَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ : يَا رَبِّ عَبْدُكَ مُوسَى ، فَقَأَ عَيْنِي ، وَلَوْلَا كَرَامَتُهُ عَلَيْكَ لَعَنُفْتُ بِهِ - وَقَالَ يُونُسُ : لَشَقَقْتُ عَلَيْهِ - فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى جِلْدِ - أَوْ مَسْكِ ثَوْرٍ ، فَلَهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ وَارَتْ يَدُهُ سَنَةٌ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ : فَقَالَ مَا بَعْدَ هَذَا ؟ قَالَ : الْمَوْتُ ، قَالَ : فَالْآنَ ، قَالَ : فَشَمَّهُ شَمَّةً فَقَبَضَ رُوحَهُ ، قَالَ يُونُسُ : فَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ عَيْنَهُ فَكَانَ يَأْتِي النَّاسَ خُفْيَةً "[22]

وَأَمَّا سُؤَاله الْإِدْنَاء مِنْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة فَلِشَرَفِهَا وَفَضِيلَة مَنْ فِيهَا مِنْ الْمَدْفُونِينَ مِنْ الْأَنْبِيَاء وَغَيْرهمْ . قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : وَإِنَّمَا سَأَلَ الْإِدْنَاء ، وَلَمْ يَسْأَلْ نَفْس بَيْت الْمَقْدِس ، لِأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُون قَبْره مَشْهُورًا عِنْدهمْ فَيَفْتَتِن بِهِ النَّاس وَفِي هَذَا اِسْتِحْبَاب الدَّفْن فِي الْمَوَاضِع الْفَاضِلَة وَالْمَوَاطِن الْمُبَارَكَة ، وَالْقُرْب مِنْ مَدَافِن الصَّالِحِينَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ الْمَازِرِيّ : وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْض الْمَلَاحِدَة هَذَا الْحَدِيث ، وَأَنْكَرَ تَصَوُّره ، قَالُوا كَيْف يَجُوزُ عَلَى مُوسَى فَقْء عَيْن مَلَك الْمَوْت ؟ قَالَ : وَأَجَابَ الْعُلَمَاء عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ : أَحَدهَا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِع أَنْ يَكُونَ مُوسَى r قَدْ أَذِنَ اللَّه تَعَالَى لَهُ فِي هَذِهِ اللَّطْمَة ، وَيَكُون ذَلِكَ اِمْتِحَانًا لِلْمَلْطُومِ ، وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى يَفْعَلُ فِي خَلْقه مَا شَاءَ ، وَيَمْتَحِنُهُمْ بِمَا أَرَادَ . وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا عَلَى الْمَجَاز ، وَالْمُرَاد أَنَّ مُوسَى نَاظَرَهُ وَحَاجَّهُ فَغَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ ، وَيُقَالُ : فَقَأَ فُلَان عَيْن فُلَان إِذَا غَالَبَهُ بِالْحُجَّةِ ، وَيُقَالُ : عَوَرْت الشَّيْء إِذَا أَدْخَلْت فِيهِ نَقْصًا قَالَ : وَفِي هَذَا ضَعْفٌ لِقَوْلِهِ r : " فَرَدَّ اللَّه عَيْنه " فَإِنْ قِيلَ : أَرَادَ رَدّ حُجَّته كَانَ بَعِيدًا . وَالثَّالِث أَنَّ مُوسَى r لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَلَك مِنْ عِنْد اللَّه ، وَظَنَّ أَنَّهُ رَجُلٌ قَصَدَهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ ، فَدَافَعَهُ عَنْهَا ، فَأَدَّتْ الْمُدَافَعَةُ إِلَى فَقْءِ عَيْنِهِ ، لَا أَنَّهُ قَصَدَهَا بِالْفَقْءِ ، وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَة ( صَكَّهُ ) ، وَهَذَا جَوَاب الْإِمَام أَبِي بَكْر بْن خُزَيْمَةَ وَغَيْره مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَاخْتَارَهُ الْمَازِرِيّ وَالْقَاضِي عِيَاض ، قَالُوا : وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث تَصْرِيح بِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فَقْء عَيْنه ، فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ اِعْتَرَفَ مُوسَى حِين جَاءَهُ ثَانِيًا بِأَنَّهُ مَلَك الْمَوْت ، فَالْجَوَاب أَنَّهُ أَتَاهُ فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة بِعَلَامَةٍ عَلِمَ بِهَا أَنَّهُ مَلَك الْمَوْت ، فَاسْتَسْلَمَ بِخِلَافِ الْمَرَّة الْأُولَى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .[23]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، قَالَ : " أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَلَطَمَهُ مُوسَى فَفَقَأَ عَيْنَهُ . قَالَ : فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ . قَالَ : ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ : إِنْ شِئْتَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَلَكَ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ يَدُكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ . قَالَ : فَقَالَ لَهُ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ الْمَوْتُ . قَالَ : فَالْآنَ يَا رَبِّ . قَالَ : فَسَأَلَ اللَّهُ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةَ حَجَرٍ " ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " لَوْ كُنْتُ ثَمَّتَ لَأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ قَبْرِهِ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ " قَالَ مَعْمَرٌ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يُحَدِّثُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r مِثْلَهُ " .

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : " إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ r مُعَلِّمًا لِخَلْقِهِ فَأَنْزَلَهُ مَوْضِعَ الْإِبَانَةِ عَنْ مُرَادِهِ ، فَبَلَّغَ r رِسَالَتَهُ ، وَبَيَّنَ عَنْ آيَاتِهِ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَمُفَسَّرَةٍ عَقَلَهَا عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ ، وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ الْأخْبَارِ الَّتِي يُدْرِكُ مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَحْرُمِ التَّوْفِيقَ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ . وَذَاكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَرْسَلَ مَلَكَ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى رِسَالَةَ ابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ : أَجِبْ رَبَّكَ ، أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ لَا أَمْرًا يُرِيدُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا إِمْضَاءَهْ كَمَا أَمَرَ خَلِيلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ بِذِبْحِ ابْنِهِ أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ ، دُونَ الْأَمْرِ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا إِمْضَاءَهُ ، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى ذَبْحِ ابْنِهِ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ فَدَاهُ بِالذَّبْحِ الْعَظِيمِ . وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا الْمَلَائِكَةَ إِلَى رُسُلِهِ فِي صُوَرٍ لَا يَعْرِفُونَهَا كَدُخُولِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى رَسُولِهِ إِبْرَاهِيمَ ، وَلَمْ يَعْرِفْهُمْ حَتَّى أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ، وَكَمَجِيءِ جِبْرِيلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَسُؤَالِهِ إِيَّاهُ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ الْمُصْطَفَى r حَتَّى وَلَّى . فَكَانَ مَجِيءُ مَلَكِ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهَا ، وَكَانَ مُوسَى غَيُورًا فَرَأَى فِي دَارِهِ رَجُلًا لَمْ يَعْرِفْهُ ، فَشَالَ يَدَهُ فَلَطَمَهُ فَأَتَتْ لَطْمَتُهُ عَلَى فَقْءِ عَيْنِهِ الَّتِي فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَتَصَوَّرُ بِهَا لَا الصُّورَةِ الَّتِي خَلْقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا ، وَلَمَّا كَانَ الْمُصَرَّحُ عَنْ نَبِيِّنَا r فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، حَيْثُ قَالَ : " أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ " ، فَذَكَرَ الْخَبَرَ . وَقَالَ فِي آخِرِهِ : " هَذَا وَقْتُكَ وَوَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ " : كَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ بَعْضَ شَرَائِعِنَا قَدْ تَتَّفِقُ بِبَعْضِ شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرِيعَتِنَا أَنَّ مَنْ فَقَأَ عَيْنَ الدَّاخِلِ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوِ النَّاظِرِ إِلَى بَيْتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جُنَاحٌ عَلَى فَاعِلِهِ ، وَلَا حَرَجٍ عَلَى مُرْتَكِبِهِ ، لِلْأَخْبَارِ الْجَمَّةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ الَّتِي أَمْلَيْنَاهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا : كَانَ جَائِزًا اتِّفَاقُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِشَرِيعَةِ مُوسَى ، بِإِسْقَاطِ الْحَرَجِ عَمَّنْ فَقَأَ عَيْنَ الدَّاخِلِ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، فَكَانَ اسْتِعْمَالُ مُوسَى هَذَا الْفِعْلِ مُبَاحًا لَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ مُوسَى فِيهِ ، أَمَرَهُ ثَانِيًا بِأَمْرِ آخَرَ أَمْرَ اخْتِبَارٍ وَابْتِلَاءٍ . كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ، إِذْ قَالَ اللَّهُ لَهُ : قُلْ لَهُ : إِنْ شِئْتَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَكَ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ يَدُكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ ، فَلَمَّا عَلِمَ مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ جَاءَهُ بِالرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، طَابَتْ نَفْسُهُ بِالْمَوْتِ ، وَلَمْ يَسْتَمْهِلْ ، وَقَالَ : فَالْآنَ . فَلَوْ كَانَتِ الْمَرَّةُ الْأُولَى عَرَفَهُ مُوسَى أَنَّهُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، لَاسْتَعْمَلَ مَا اسْتَعْمَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُخْرَى عِنْدَ تَيَقُّنِهِ وَعِلْمِهِ بِهِ ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ ، وَرُعَاةُ اللَّيْلِ يَجْمَعُونَ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ، وَيَرْوُونَ مَا لَا يُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ ، وَيَقُولُونَ بِمَا يُبْطِلُهُ الْإِسْلَامُ جَهْلًا مِنْهُ لِمَعَانِي الْأَخْبَارِ ، وَتَرْكَ التَّفَقُّهِ فِي الْآثَارِ مُعْتَمِدًا مِنْهُ عَلَى رَأْيِهِ الْمَنْكُوسِ وَقِيَاسِهِ الْمَعْكُوسِ[24]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى لِيَقْبِضَ رُوحَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَجِبْ رَبَّكَ ، فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَرَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ ، فَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ إِلَيْهِ ، فَقُلْ لَهُ : الْحَيَاةَ تُرِيدُ ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ ، فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ وَارَتْ يَدُكَ سَنَةً . قَالَ : ثُمَّ مَهْ ؟ قَالَ : الْمَوْتُ . قَالَ : فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ ، ثُمَّ قَالَ : رَبِّ ، أَدْنِنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ " . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ " .

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : " هَذِهِ اللَّفْظَةُ " أَجِبْ رَبَّكَ " قَدْ تُوهِمُ مَنْ لَمْ يَتَبَحَّرْ فِي الْعِلْمِ أَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي قُلْنَاهُ لِلْخَبَرِ مَدْخُولٌ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِ مَلَكِ الْمَوْتِ لِمُوسَى " أَجِبْ رَبَّكَ " بَيَانٌ أَنَّهُ عَرَفَهُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا شَالَ يَدَهُ وَلَطَمَهُ قَالَ لَهُ : " أَجِبْ رَبَّكَ " تَوَهَّمَ مُوسَى أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ دُونَ أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ إِلَيْهِ ، فَكَانَ قَوْلُهُ : " أَجِبْ رَبَّكَ " الْكَشْفَ عَنْ قَصْدِ الْبِدَايَةِ فِي نَفْسِ الِابْتِلَاءِ ، وَالِاخْتِبَارِ الَّذِي أُرِيدَ مِنْهُ "[25]

وعَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَبُو الْقَاسِمِ r : " أَتَى مَلَكُ الْمَوْتِ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا لِيَقْبِضَ نَفْسَهُ فَلَطَمَهُ لَطْمَةً فَفَقَأَ عَيْنَهُ ، فَرَفَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى رَبِّهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا صَنَعَ قَالَ : رَبِّ أَتَيْتُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ ، وَصَنَعَ هَذَا بِعَيْنِي قَالَ : فَرَدَّ اللَّهُ عَيْنَهُ ، وَقَالَ : ائْتِ عَبْدِي فَخَبِّرْهُ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ عَلَى جِلْدِ ثَوْرٍ فَمَا وَارَتْ يَدُهُ مِنْ شَعَرٍ فَهُوَ يَعِيشُ بِهَا سَنَةً ثُمَّ يَمُوتُ قَالَ مُوسَى : لَا بَلِ الْآَنَ يَا رَبِّ إِنْ كَانَ لَا بُدَّ ، وَلَكِنْ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ قَالَ : فَدُفِنَ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ ، وَلَوْ أَنِّي كُنْتُ عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ قَبْرِهِ "

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : رَوَتِ الْأَئِمَّةُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ، وَوَضَعُوهُ فِي كُتُبِهِمْ وَصَحَّحُوهُ ، وَعَدَّلُوا رِوَايَتَهُ ، وَاسْتَفْظَعْهُ قَوْمٌ فَجَحَدُوهُ ، وَأَنْكَرُوهُ فَرَدُّوهُ لِضِيقِ صُدُورِهِمْ ، وَقُصُورِ عِلْمِهِمْ ، وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْحَدِيثِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ أَدْخَلُوهُ فِي الصِّحَاحِ حَتَّى رَضَوْا إِسْنَادَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ ، وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالرِّجَالِ ، وَالْحَدِيثُ إِذَا صَحَّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْمُتَوَاتِرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ الْآَحَادِ ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ ، وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ . وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ ، فَإِنَّهُ مِمَّا يُوجِبُ الْعَمَلَ لَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ لِشُهْرَتِهِ فِي نَفْسِهِ ، وَعَدَالَةِ رُؤْيَتِهِ وَصِحَّةِ إِسْنَادِهِ ، وَمِمَّا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّهُ وَإِنْكَارُهُ وَدَفْعُهُ ، فَإِنَّ فِي رَدِّهِ تَكْذِيبَ الْأَئِمَّةِ وَجَرْحَ عُدُولِ الْأَئِمَّةِ . وَسَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ : لِعُلَمَاءِ الْأَثَرِ فِي تَلَقِّي الْأَخْبَارِ الْمُشَابَهَةِ مَذْهَبَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْإِيمَانَ بِهَا فَرْضٌ كَالْإِيمَانِ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآَنِ حِينَ يَقُولُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا أَيْ : كُلٌّ مِنَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ، وَقَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الْمُشَابَهَةِ فِي هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالُوا : فَمِثْلُهُ الْمُتَشَابِهُ مِنْ أَخْبَارِ الرَّسُولِ r إِذَا حُجِبَ عَنَّا عِلْمُ تَأْوِيلِهِ آَمَنَّا وَصَدَّقْنَا بِمَا قَالَ ، وَوَكَلْنَا عِلْمَ تَأْوِيلِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [26]

ــــــــــــــــ

موت النبي محمد r

 

عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى ، كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْىُ النَّبِىِّ - r - فَقَالَ النَّبِىُّ - r - « مَرْحَبًا بِابْنَتِى » . ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا ، فَبَكَتْ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَبْكِينَ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ . فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ - r - حَتَّى قُبِضَ النَّبِىُّ - r - فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ أَسَرَّ إِلَىَّ « إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِى الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِى الْعَامَ مَرَّتَيْنِ ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِى ، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِى لَحَاقًا بِى » . فَبَكَيْتُ فَقَالَ « أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِى سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ - أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ » . فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ [27].

وفي هذا الحديث دليل قاطع وإشارة واضحة إلى اقتراب أجل رسول الله r، وأن ساعة الفراق قد باتت قريبة, إلا أن النبي r قد اختص ابنته فاطمة -رضي الله عنها- بعلم ذلك، ولم يعلم به المسلمون إلا بعد وفاة رسول الله r

وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ يَقُولُ : لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ , فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ حَجَّةً أُخْرَى.[28]

قال النووي: فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته r، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع[29]

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ خَطَبَ النَّبِىُّ - r - فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ » . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَقُلْتُ فِى نَفْسِى مَا يُبْكِى هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - r - هُوَ الْعَبْدَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا . قَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِى صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِى لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِى الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَّ بَابُ أَبِى بَكْرٍ » [30].

قال الحافظ ابن حجر: وكأن أبا بكر فهم الرمز الذي أشار به النبي r من قرينة ذكره ذلك في مرض موته, فاستشعر منه أنه أراد نفسه؛ فلذلك بكى.[31]

وعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَالَ : رَأَيْتُ فِيَ الْمَنامِ كَأَنَّ الأَرْضَ تُنْزَعُ إِلَى السَّمَاءِ بِأَشْطَانٍ شِدَادٍ ، فَقَصَصْتُ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ r ، فَقَالَ : ذَاكَ وَفَاةُ ابْنِ أَخِيكَ.[32]

وفي هذا الحديث إخبار النبي r بقرب وفاته، وفيه صدق رؤيا المؤمن، واستشعار بعض الصحابة وفاته r.

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - r - إِلَى الْيَمَنِ ، خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - r - يُوصِيهِ ، وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ ، وَرَسُولُ اللَّهِ - r - يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : " يَا مُعَاذُ ، إِنَّكَ عَسَى أَلَّا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا ، وَلَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا ، وَقَبْرِي " . فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا ; لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ - r - ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ : " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِيَ الْمُتَّقُونَ ، مَنْ كَانُوا ، وَحَيْثُ كَانُوا " . رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادَيْنِ ، وَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا : عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنَّ مُعَاذًا ، وَقَالَ وَفِيهَا : قَالَ : " لَا تَبْكِ يَا مُعَاذُ ، الْبُكَاءُ - أَوْ إِنَّ الْبُكَاءَ - مِنَ الشَّيْطَانِ " .[33]

وفي الحديث إخبار النبي r معاذ بن جبل باقتراب أجله، وأنه يمكن ألا يلقاه بعد عامه هذا، وفيه شدة محبة الصحابة للنبي r وبكاؤهم إذا ذكروا فراقه

وعَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ r ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ ، فَانْطَلِقْ مَعِي ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ ، قَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ ، لِيَهْنِكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا ، الآخِرَةُ أَشَدُّ مِنَ الأُولَى ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ، إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا ، ثُمَّ الْجَنَّةُ ، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي ، قُلْتُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، خُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا ، ثُمَّ الْجَنَّةَ ، قَالَ : لاَ وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ ، لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لأَهْلِ الْبَقِيعِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَبُدِئَ رَسُولُ اللهِ r فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ.[34]

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - r - عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِى سِنِينَ ، كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ « إِنِّى بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ ، وَإِنِّى لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِى هَذَا ، وَإِنِّى لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا ، وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا » . قَالَ فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - r -  [35]

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ " ، وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ ، أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ "[36]

وعَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا[37]

وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب الرُّقْيَة بِالْقُرْآنِ وَبِالْأَذْكَارِ ، وَإِنَّمَا رَقَى بِالْمُعَوِّذَاتِ لِأَنَّهُنَّ جَامِعَات لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلّ الْمَكْرُوهَات جُمْلَة وَتَفْصِيلًا ، فَفِيهَا الِاسْتِعَاذَة مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ ، فَيَدْخُل فِيهِ كُلّ شَيْء ، وَمِنْ شَرّ النَّفَّاثَات فِي الْعُقَد ، وَمِنْ شَرّ السَّوَاحِر ، وَمِنْ شَرّ الْحَاسِدِينَ ، وَمِنْ شَرّ الْوَسْوَاس الْخَنَّاس . وَاللَّهُ أَعْلَم .[38] .

وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِىُّ - r - وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِى أَنْ يُمَرَّضَ فِى بَيْتِى ، فَأَذِنَّ لَهُ ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ - r - بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِى الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ . قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ أَتَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ قُلْتُ لاَ . قَالَ هُوَ عَلِىٌّ . وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِىَّ - r - قَالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ « هَرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ ، لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ ، لَعَلِّى أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ » . وَأُجْلِسَ فِى مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - r - ، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ .[39]

وقَالَتْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ - r -لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ - r - وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِى أَنْ يُمَرَّضَ فِى بَيْتِى ، فَأَذِنَّ ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِى الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَآخَرَ . فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ هَلْ تَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قُلْتُ لاَ . قَالَ هُوَ عَلِىٌّ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ النَّبِىُّ - r - بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهَا وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ « هَرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ ، لَعَلِّى أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ » . قَالَتْ فَأَجْلَسْنَاهُ فِى مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - r - ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ ، حَتَّى جَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ . قَالَتْ وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ[40]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - r - وَهْوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا . قَالَ « أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ » . قُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ « أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا ، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا » [41].

وعَنْ عَائِشَةَ ، دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ r وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي ، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ r بَصَرَهُ ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ ، وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ r فَاسْتَنَّ بِهِ ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ r رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ " فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى " . ثَلاَثًا ، ثُمَّ قَضَى ، وَكَانَتْ تَقُولُ : مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي"[42]

وعَنْ عَائِشَةَ أنها كَانَتْ تَقُولُ : إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي ، وَفِي يَوْمِي ، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ : دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ r ، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ ، فَقُلْتُ : آخُذُهُ لَكَ ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ : " أَنْ نَعَمْ " فَتَنَاوَلْتُهُ ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ، وَقُلْتُ : أُلَيِّنُهُ لَكَ ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ : " أَنْ نَعَمْ " فَلَيَّنْتُهُ ، فَأَمَرَّهُ ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ - يَشُكُّ عُمَرُ - فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، يَقُولُ : " لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ " ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : " فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى " حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ"[43]

وعن عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قالت : إِنَّ رَسُولَ اللَّهَ - r - كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ ، يَشُكُّ عُمَرُ - فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِى الْمَاءِ ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ » . ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ « فِى الرَّفِيقِ الأَعْلَى » . حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ .[44]

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِىُّ - r - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - وَاكَرْبَ أَبَاهُ . فَقَالَ لَهَا « لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ » . فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ يَا أَبَتَاهْ ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ . فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - يَا أَنَسُ ، أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - r- التُّرَابَ  [45]

وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ r وَرَأْسُهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي قَالَتْ فَلَمَّا خَرَجَتْ نَفْسُهُ لَمْ أَجِدْ رِيحًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا"[46]

وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ r الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ r أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ ، قَالَ : وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ تُرَابِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ r حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا"[47]

قال ابن رجب: ولما توفي رسول الله r اضطرب المسلمون، فمنهم من دهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية.

قال القرطبي مبينا عظم هذه المصيبة وما ترتب عليها من أمور:

من أعظم المصائب المصيبة في الدين..  فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن سَابِطٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"إِذَا أُصِيبَ أَحَدُكُمْ بِمُصِيبَةٍ، فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ عِنْدَهُ"[48]. وصدق رسول الله r, لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي، وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب, وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه[49]

وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ - r - أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ - رضى الله عنها - فَتَيَمَّمَ النَّبِىَّ - r - وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِى أَنْتَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِى كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَأَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - خَرَجَ وَعُمَرُ - رضى الله عنه - يُكَلِّمُ النَّاسَ . فَقَالَ اجْلِسْ . فَأَبَى . فَقَالَ اجْلِسْ . فَأَبَى ، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ ، وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا - r - فَإِنَّ مُحَمَّدًا - r - قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَىٌّ لاَ يَمُوتُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} (144) سورة آل عمران، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلاَّ يَتْلُوهَا.  [50] .

قال القرطبي: هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته، فإن الشجاعة والجراءة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي r, فظهرت شجاعته وعلمه، قال الناس: لم يمت رسول الله r ومنهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، واضطرب الأمر, فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسنح.[51]

فرحم الله الصديق الأكبر، كم من مصيبة درأها عن الأمة! وكم من فتنة كان المخرج على يديه! وكم من مشكلة ومعضلة كشفها بشهب الأدلة من القرآن والسنة، التي خفيت على مثل عمر رضي الله عنه ! فاعرفوا للصديق حقه، واقدروا له قدره، وأحبوا حبيب رسول الله r, فحبه إيمان وبغضه نفاق

وعَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِىِّ -r- قَالُوا وَاللَّهِ مَا نَدْرِى أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ -r- مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نُغَسِّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَذَقْنُهُ فِى صَدْرِهِ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لاَ يَدْرُونَ مَنْ هُوَ أَنِ اغْسِلُوا النَّبِىَّ -r- وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -r- فَغَسَلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلاَّ نِسَاؤُهُ.[52]

 

ـــــــــــــــ

المبحث الثالث

من أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه.

 

عن عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ - r - يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ « إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِىٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ يُخَيَّرَ » . فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِى غُشِىَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى » . فَقُلْتُ إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا . وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِى كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ قَالَتْ فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا « اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى » [53].

وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » . قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ . قَالَ « لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ »[54] .

وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ r قَالَ : مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّا نَكْرَهُ الْمَوْتَ ، فَذَاكَ كَرَاهِيَتُنَا لِقَاءَ اللهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ r : لاَ ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حُضِرَ فَبُشِّرَ بِمَا أَمَامَهُ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ ، فَبُشِّرَ بِمَا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ.[55]

وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ الْبُدَاءَة بِأَهْلِ الْخَيْر فِي الذِّكْر لِشَرَفِهِمْ وَإِنْ كَانَ أَهْل الشَّرِّ أَكْثَرَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُجَازَاةَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فَإِنَّهُ قَابَلَ الْمَحَبَّةَ بِالْمَحَبَّةِ وَالْكَرَاهَةَ بِالْكَرَاهَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ اللِّقَاءَ أَعَمُّ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَيَحْتَمِل عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْله " لِقَاءَ اللَّهِ " حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لِقَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ وَنَحْو ذَلِكَ وَوَجْهُ الْبُعْدِ فِيهِ الْإِتْيَانُ بِمُقَابِلِهِ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُقَلَاءِ لَا يَكْرَهُ لِقَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ بَلْ كُلُّ مَنْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ إِنَّمَا يَكْرَهُهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَلْقَى ثَوَابَ اللَّهِ إِمَّا لِإِبْطَائِهِ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِالشُّغْلِ بِالتَّبَعَاتِ وَإِمَّا لِعَدَمِ دُخُولهَا أَصْلًا كَالْكَافِرِ . وَفِيهِ أَنَّ الْمُحْتَضِرَ إِذَا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ السُّرُورِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ بُشِّرَ بِالْخَيْرِ وَكَذَا بِالْعَكْسِ . وَفِيهِ أَنَّ مَحَبَّةَ لِقَاءِ اللَّهِ لَا تَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْت لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ مَعَ عَدَم تَمَنِّي الْمَوْت كَأَنْ تَكُون الْمَحَبَّةُ حَاصِلَةً لَا يَفْتَرِقُ حَالُهُ فِيهَا بِحُصُولِ الْمَوْتِ وَلَا بِتَأَخُّرِهِ وَأَنَّ النَّهْي عَنْ تَمَنِّي الْمَوْت مَحْمُول عَلَى حَالَة الْحَيَاة الْمُسْتَمِرَّة وَأَمَّا عِنْد الِاحْتِضَار وَالْمُعَايَنَة فَلَا تَدْخُل تَحْت النَّهْي بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّة . وَفِيهِ أَنَّ فِي كَرَاهَة الْمَوْت فِي حَال الصِّحَّة تَفْصِيلًا فَمَنْ كَرِهَهُ إِيثَارًا لِلْحَيَاةِ عَلَى مَا بَعْد الْمَوْت مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ كَانَ مَذْمُومًا وَمَنْ كَرِهَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْضِيَ إِلَى الْمُؤَاخَذَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَعِدَّ لَهُ بِالْأُهْبَةِ بِأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ التَّبِعَاتِ وَيَقُومَ بِأَمْرِ اللَّهِ كَمَا يَجِبُ فَهُوَ مَعْذُورٌ لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى أَخْذِ الْأُهْبَةِ حَتَّى إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَا يَكْرَهُهُ بَلْ يُحِبُّهُ لِمَا يَرْجُو بَعْدَهُ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى . وَفِيهِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَرَاهُ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ مِنْ الْأَحْيَاء وَإِنَّمَا يَقَع ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْد الْمَوْتِ أَخْذًا مِنْ قَوْله " وَالْمَوْتُ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللِّقَاء أَعَمُّ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَإِذَا اِنْتَفَى اللِّقَاءُ اِنْتَفَتْ الرُّؤْيَةُ وَقَدْ وَرَدَ بِأَصْرَحَ مِنْ هَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمِ مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَفِيهِ " وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا " .[56]

وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ « أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ». فَلَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -r- وَثَقُلَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ لأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِى ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَاجْعَلْنِى مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى ». قَالَتْ فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى.[57]

فِيهِ اِسْتِحْبَاب مَسْح الْمَرِيض بِالْيَمِينِ ، وَالدُّعَاء لَهُ ، وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ رِوَايَات كَثِيرَة صَحِيحَة جَمَعْتهَا فِي كِتَاب الْأَذْكَار ، وَهَذَا الْمَذْكُور هُنَا مِنْ أَحْسَنهَا .[58]

ـــــــــــــــ

المبحث الرابع

لمثل هذا فأعدوا

 

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- فِى جِنَازَةٍ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ جَثَا عَلَى الْقَبْرِ فَاسْتَدَرْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى ثُمَّ قَالَ :« إِخْوَانِى لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا ».[59]

وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- إِذْ بَصُرَ بِجَمَاعَةٍ فَقَالَ « عَلاَمَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلاَءِ ». قِيلَ عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ. قَالَ فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ -r- فَبَدَرَ بَيْنَ يَدَىْ أَصْحَابِهِ مُسْرِعاً حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ فَجَثَا عَلَيْهِ - قَالَ - فَاسْتَقْبَلْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لأَنْظُرَ مَا يصْنَعُ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا قَالَ « أَىْ إِخْوَانِى لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا »[60]

(أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدُّوا) أي لمثل نزول أحدكم قبره فليعدّ، وكان r واقفاً على شفير قبر وبكى حتى بلَّ الثرى وإذا كان هذا حال ذاك الجناب الأفخم فكيف حال أمثالنا؟ والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة وأنفاسه محدودة فمطايا الليل والنهار تسرع إليه ولا يتفكر إلى أن يحمل ويسار به أعظم من سير البريد ولا يدري إلى أي الدارين ينقل فإذا نزل به الموت قلق لخراب ذاته وذهاب لذاته لما سبق من جناياته وسلف من تفريطاته حيث لم يقدم لحياته وفيه ندب تذكير الغافل خصوصاً الإخوان ومثلهم الأقارب لأن الغفلة من طبع البشر وينبغي للمرء أن يتفقد نفسه ومن يحبه بالتذكير، وللّه در حسان رضي اللّه عنه حيث يقول:

تخير خليلاً من فعالك إنما * قرين الفتى في القبر ما كان يفعل

(تتمة) حضر الحسن البصري جنازة امرأة الفرزدق وقد اعتم بعمامة سوداء أسدلها بين كتفيه واجتمع الناس عليه ينظرون إليه فجاء الفرزدق فقام بين يديه فقال: يا أبا سعيد يزعم الناس أنه اجتمع هنا خير الناس وشر الناس فقال: من خيرهم ومن شرهم قال: يزعمون أنك خيرهم وأني شرهم قال: ما أنا بخيرهم ولا أنت بشرهم لكن ما أعددت لهذا اليوم قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه منذ سبعين سنة قال: نعم واللّه العدة ثم قال الفرزدق:

أخاف وراء القبر إن لم يعافني * أشد من القبر التهاباً وأضيقا

إذا جاءني يوم القيامة قائد * عنيف وسوّاق يسوق الفرزدقا[61]

ــــــــــــــــ

المبحث الخامس

فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله

 

عَنْ عُبَادَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ، وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ ،مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ ، أَيَّهَا شَاءَ »[62] .

وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِى الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلاً لِمَ تَبْكِى فَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لأَشْهَدَنَّ لَكَ وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لأَشْفَعَنَّ لَكَ وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لأَنْفَعَنَّكَ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلاَّ حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ ».[63]

وعَنِ الصُّنَابِحِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ ، فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ لِي : مَهْ ، لِمَ تَبْكِي ؟ فَوَاللَّهِ لَئِنَ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ ، وَلَئِنْ شُفِّعْتَ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ ، وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ ، ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ r لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلاَّ حَدَّثْتُكُمُوهُ ، إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَسَوْفَ أُحَدِّثَكُمُوهُ الْيَوْمَ ، وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r ، يَقُولُ : مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ.[64]

هَذَا حَدِيث عَظِيم الْمَوْقِع وَهُوَ أَجْمَع أَوْ مِنْ أَجْمَع الْأَحَادِيث الْمُشْتَمِلَة عَلَى الْعَقَائِد فَإِنَّهُ r جَمَعَ فِيهِ مَا يُخْرِج عَنْ جَمِيع مِلَل الْكُفْر عَلَى اِخْتِلَاف عَقَائِدهمْ وَتَبَاعُدهمْ فَاخْتَصَرَ r فِي هَذِهِ الْأَحْرُف عَلَى مَا يُبَايِن بِهِ جَمِيعهمْ وَسَمَّى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَلِمَة لِأَنَّهُ كَانَ بِكَلِمَةِ " كُنْ " فَحُسِبَ مِنْ غَيْر أَبٍ بِخِلَافِ غَيْره مِنْ بَنِي آدَم . قَالَ الْهَرَوِيُّ سُمِّيَ كَلِمَة لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ الْكَلِمَة فَسُمِّيَ بِهَا . كَمَا يُقَال لِلْمَطَرِ رَحْمَة . قَالَ الْهَرَوِيُّ : وَقَوْله تَعَالَى : { وَرُوح مِنْهُ } أَيْ رَحْمَة . قَالَ : وَقَالَ اِبْن عَرَفَة : أَيْ لَيْسَ مِنْ أَب إِنَّمَا نَفَخَ فِي أُمّه الرُّوح وَقَالَ غَيْره وَرُوح مِنْهُ أَيْ مَخْلُوقَة مِنْ عِنْده وَعَلَى هَذَا يَكُون إِضَافَتهَا إِلَيْهِ إِضَافَة تَشْرِيف كَنَاقَةِ اللَّه وَبَيْت اللَّه . وَإِلَّا فَالْعَالَم لَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَمِنْ عِنْده . وَاَللَّه أَعْلَم .

قَوْله r : ( أَدْخَلَهُ اللَّه الْجَنَّة عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَل ) هَذَا مَحْمُول عَلَى إِدْخَاله الْجَنَّة فِي الْجُمْلَة فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَعَاصٍ مِنْ الْكَبَائِر فَهُوَ فِي الْمَشِيئَة فَإِنْ عُذِّبَ خُتِمَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَام الْقَاضِي وَغَيْره مَبْسُوطًا مَعَ بَيَان الِاخْتِلَاف فِيهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .[65]

وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ الْحُبُلِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاً ، كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : أَتُنْكِرُ شَيْئًا مِنْ هَذَا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ ؟ فَيُبْهَتُ الرَّجُلُ وَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : بَلَى ، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ، وَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ ، فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَةً فِيهَا : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : احْضُرْ وَزْنَكَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ. قَالَ : فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفَّةٍ ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ ، فَطَاشَتَ السِّجِلاَّتُ ، وَثَقُلَتَ الْبِطَاقَةُ ، قَالَ : فَلاَ يَثْقُلُ اسْمَ اللهِ شَيْءٌ.[66]

وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سِجِلا كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : أَلَكَ عُذْرٌ ، أَوْ حَسَنَةٌ ؟ فَيَهَابُ الرَّجُلُ ، فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ ، وَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ ، فَيُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ ، قَالَ : فَيُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ[67]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - r - فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَيْهِ جُبَّةُ سِيجَانٍ مَزْرُورَةٌ بِالدِّيبَاجِ ، فَقَالَ : أَلَا إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا ( قَدْ وَضَعَ كُلَّ فَارِسٍ ابْنَ فَارِسٍ ! قَالَ ) : يُرِيدُ ( أَنْ ) يَضَعَ كُلَّ فَارِسٍ ( ابْنِ فَارِسٍ ) وَيَرْفَعَ كُلَّ رَاعٍ ابْنِ رَاعٍ ! قَالَ : فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - r - بِمَجَامِعِ جُبَّتِهِ وَقَالَ : " أَلَا أَرَى عَلَيْكَ لِبَاسَ مَنْ لَا يَعْقِلُ " . ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا - r - لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ : إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ : آمُرُكَ بِاثْنَيْنِ ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَيْنِ . آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتَ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ لَوْ ( وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إَلَّا اللَّهُ ، وَلَو أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ ) كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ " . قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الشِّرْكُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الْكِبْرُ ؟ الْكِبْرُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا نَعْلَانِ حَسَنَتَانِ لَهُمَا شِرَاكَانِ حَسَنَانِ ؟ قَالَ : " لَا " . قَالَ : هُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا حُلَّةٌ يَلْبَسُهَا ؟ قَالَ : " لَا " . قَالَ : هُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا دَابَّةٌ يَرْكَبُهَا ؟ قَالَ : " لَا " . قَالَ : فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا أَصْحَابٌ يَجْلِسُونَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : " لَا " . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الْكِبْرُ ؟ قَالَ : " سَفَهُ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ " .

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ : أَتَى النَّبِيَّ - r - أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ طَيَالِسَةٌ مَلْفُوفَةٌ بِدِيبَاجٍ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - r - فَجَلَسَ فَقَالَ : " إِنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا ابْنَيْهِ فَقَالَ : إِنِّي قَاصِرٌ عَلَيْكُمَا الْوَصِيَّةَ آمُرُكُمَا بِاثْنَتَيْنِ ، وَأَنْهَاكُمَا عَنِ اثْنَتَيْنِ أَنْهَاكُمَا عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ وَآمُرُكُمَا بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى كَانَتْ أَرْجَحَ وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا حَلْقَةً فَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَلَيْهَا لَفَصَمَتْهَا أَوْ لَفَصَمَتْهَا " . رَوَاهُ كُلَّهُ أَحْمَدُ[68]

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - : " تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ ، وَيُوضَعُ مَا أُحْصِيَ عَلَيْهِ فِي كِفَّةٍ ، فَيَتَمَايَلُ بِهِ الْمِيزَانُ ، فَيُبْعَثُ بِهِ إِلَى النَّارِ " . قَالَ : " فَإِذَا أَدْبَرَ بِهِ إِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ مِنْ عِنْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ : لَا تُعَجِّلُوا لَا تُعَجِّلُوا فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ لَهُ ، فَيُؤْتَى بِبِطَاقَةٍ فِيهَا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَتُوضَعُ مَعَ الرَّجُلِ فِي كِفَّةٍ حَتَّى يَمِيلَ بِهِ الْمِيزَانُ "  رَوَاهُ أَحْمَدُ [69]

وعَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، فَأَقْبَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ , فَلَمَّا رَآهُ مُقْبِلًا قَالَ : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ عُرِجَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ فَرَجَعَ وَهُوَ يَعْمَلُ عَلَى مَا رَأَى فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا , ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.[70]

وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"يَا مُعَاذُ"، قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ:"بَشِّرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ".[71]

ـــــــــــــــ

المبحث السادس

الموت على عمل صالح

 

عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -r- يَقُولُ: " يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ"[72].

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ : يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ، الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ ، وَالْمُنَافِقُ عَلَى نِفَاقِهِ.[73]

وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ الْجُمَحِيُّ : سَمِعْتُ أَبَا عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، وَتَلا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (21) سورة الجاثية ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعْتُ الأَعْمَشَ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ، قَالَ : يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ "[74]

وعن أبي هاني الخولاني ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي وخالد بن أبي عمران ، يقولان : قال رسول الله r : " من مات على خير عمله فأرجو له خيرا ، ومن مات على سيئ عمله فخافوا عليه ولا تيأسوا "[75]

ـــــــــــــــــ

المبحث السابع

التحذير من سوء الخاتمة

 

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ - رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا ، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - إِلَى عَسْكَرِهِ ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ ، وَفِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - r - رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ ، فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - :« أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ » . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ . قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - r - فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ :« وَمَا ذَاكَ » . قَالَ الرَّجُلُ الَّذِى ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ . فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ . فَخَرَجْتُ فِى طَلَبِهِ ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِى الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - عِنْدَ ذَلِكَ: « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ » .[76]

فَفِيهِ التَّحْذِير مِنْ الِاغْتِرَار بِالْأَعْمَالِ ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ لَا يَتَّكِل عَلَيْهَا ، وَلَا يَرْكَن إِلَيْهَا مَخَافَةً مِنْ اِنْقِلَاب الْحَال لِلْقَدَرِ السَّابِق . وَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاصِي أَنْ لَا يَقْنَط وَلِغَيْرِهِ أَنْ لَا يُقَنِّطهُ مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى . وَمَعْنَى قَوْله r : إِنَّ الرَّجُل لِيَعْمَل عَمَل أَهْل الْجَنَّة وَإِنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار وَكَذَا عَكْسه أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع .[77]

ــــــــــــــــ

المبحث الثامن

أسباب حسن الخاتمة

إقامة التوحيد لله جل وعلا

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ « الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِى الْقَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) سورة إبراهيم .[78]

والمسألة في القبر هي السؤال عن الرب والدين والنبي محمد r، فالسؤال يكون عن هذه الأمور الثلاثة، فالذي يوفقه الله عز وجل يأتي بالجواب السديد، ويأتي بالجواب المنجي، فيقول: إن الله ربه، وإن الإسلام دينه، وإن محمداً r نبيه، أو يقول: أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ومن كان بخلاف ذلك وأدركه الخذلان، أو حصل له العذاب، فإنه يقول: ها ها لا أدري، فلا يجيب بالجواب الذي ينفعه، وإنما يأتي بالجواب الذي يضره. والسؤال في القبر هو لإظهار عدل الله عز وجل، وكون الإنسان ينعَّم بإحسانه وبإيمانه، ويعذب بمعصيته وعدم إيمانه، وليس ذلك ليعلم الله شيئاً كان غير معلوم له، بل هو عالم قد علم أزلاً كل شيء سبحانه وتعالى، ولكن ليظهر للإنسان عدل الله عز وجل، وأن الإنسان يثاب على إحسانه ويعاقب على إساءته، وأن الإنسان إنما يؤتى من قبل نفسه. والسؤال في القبر هو مثل مسألة الميزان، فإن ذلك يرجع إلى إظهار عدل الله عز وجل، وأن الإنسان لا يبخس في شيء، فلا ينقص من الحسنات ولا يزاد من السيئات، ولا يعاقب بذنب لم يحصل منه، ويثاب بشيءٍ قد حصل منه وبشيءٍ لم يحصل منه فضلاً من الله عز وجل[79]

-----------------

التقوى

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران، قال : أنْ يُطاع فلا يُعصى ، ويُذكر فلا ينسى ، وأن يُشكر فلا يُكفر .[80]

وعَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران ، وَحَقُّ تُقَاتِهِ أَنْ يُطَاعَ فَلاَ يُعْصَى ، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلاَ يُنْسَى ، وَأَنْ يُشْكَرَ فَلاَ يُكْفَرُ وَإِيتَاءُ الْمَالِ عَلَى حُبِّهِ أَنْ تُؤْتِيَهُ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمَلُ الْعَيْشَ وَتَخَافُ الْفَقْرَ ، وَفَضْلُ صَلاَةِ اللَّيْلِ عَلَى صَلاَةِ النَّهَارِ كَفَضْلِ صَدَقَةِ السِّرِّ عَلَى صَدَقَةِ الْعَلاَنِيَةِ.[81]

وشكرُه يدخلُ فيه جميعُ فعل الطاعات .ومعنى ذكره فلا ينسى : ذكر العبد بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها.

وهذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق تقواه، وأن يستمروا على ذلك ويثبتوا عليه ويستقيموا إلى الممات، فإن من عاش على شيء مات عليه، فمن كان في حال صحته ونشاطه وإمكانه مداوما لتقوى ربه وطاعته، منيبا إليه على الدوام، ثبته الله عند موته ورزقه حسن الخاتمة، وتقوى الله حق تقواه كما قال ابن مسعود: وهو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى، وأما ما يجب على العبد منها، فكما قال تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب والجوارح كثيرة جدا، يجمعها فعل ما أمر الله به وترك كل ما نهى الله عنه[82]

وعَنْ عَبْدِ اللهِ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : إنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلاَمُ اللهِ ، وَأَوْثَقَ الْعُرَى كَلِمَةُ التَّقْوَى ، وَخَيْرَ الْمِلَلِ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ ، وَأَحْسَنَ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ ، وَأَحْسَنَ السُّنَنِ سُنَّةُ مُحَمَّدٍ r , وَأَشْرَفَ الْحَدِيثِ ذِكْرُ اللهِ ، وَخَيْرَ الأُمُورِ عَزَائِمُهَا ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ الأَنْبِيَاءِ ، وَأَشْرَفَ الْمَوْتِ قَتْلُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَغَرَّ الضَّلاَلَةِ الضَّلاَلَةُ بَعْدَ الْهُدَى ، وَخَيْرَ الْعِلْمِ مَا نَفَعَ ، وَخَيْرَ الْهُدَى مَا اتُّبِعَ ، وَشَرَّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ.

وَالْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَمَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى ، وَنَفْسٌ تُنْجِيهَا خَيْرٌ مِنْ أَمَارَةٍ لاَ تُحْصِيهَا ، وَشَرَّ الْعَذِلَةِ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمَوْتِ ، وَشَرَّ النَّدَامَةِ نَدَامَةُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لاَ يَأْتِي الصَّلاَةَ إِلاَّ دبريًّا ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ إِلاَّ مُهَاجِرًا ، وَأَعْظَمَ الْخَطَايَا اللِّسَانُ الْكَذُوبُ ، وَخَيْرَ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ، وَخَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ، وَرَأْسَ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللهِ ، وَخَيْرَ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ ، وَالرَّيْبَ مِنَ الْكُفْرِ ، وَالنَّوْحَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَالْغُلُولَ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ ، وَالْكَنْزَ كَيٌّ مِنَ النَّارِ.

وَالشِّعْرَ مَزَامِيرُ إبْلِيسَ ، وَالْخَمْرَ جِمَاعُ الإِثْمِ ، وَالنِّسَاءَ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ ، وَالشَّبَابَ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ ، وَشَرَّ الْمَكَاسِبِ كَسْبُ الرِّبَا ، وَشَرَّ الْمَآكِلِ أكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالسَّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ ، وَالشَّقِيَّ مِنْ شُقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ، وَإِنَّمَا يَكْفِي أَحَدُكُمْ مَا قَنَعَتْ بِهِ نَفْسُهُ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ إِلَى مَوْضِعِ أَرْبَعة أَذْرُعٍ وَالأَمْرُ بِآخِرِهِ ، وَأَمْلَكَ الْعَمَلِ بِهِ خَوَاتِمُهُ ، وَشَرَّ الرِّوَايَا رِوَايَا الْكَذِبِ ، وَكُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ.

وَسِبَابَ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ وَقِتَالَهُ كُفْرٌ ، وَأَكْلَ لَحْمِهِ مِنْ مَعَاصِي اللهِ ، وَحُرْمَةُ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ ، وَمَنْ يَتَأَلَّى عَلَى اللهِ يُكَذِّبْهُ ، وَمَنْ يَغْفِرْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنْ يَعْفُ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ يَكْظِمَ الْغَيْظَ يَأْجُرْهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَصْبِرْ عَلَى الرَّزَايَا يُعْقِبْهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَعْرِفَ الْبَلاَءَ يَصْبِرْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ لاَ يَعْرِفْهُ يُنْكِرْهُ ، وَمَنْ يَسْتَكْبِرْ يَضَعْهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَبْتَغِ السُّمْعَةَ يُسَمِّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ يَنْوِ الدُّنْيَا تُعْجِزْهُ ، وَمَنْ يُطِعَ الشَّيْطَانَ يَعْصِ اللَّهَ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ يَعْذِبْهُ.[83]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ r : مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : تَقْوَى اللهِ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ قِيلَ : فَمَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ ؟ قَالَ : الأَجْوَفَانِ : الْفَمُ وَالْفَرْجُ.[84]

وعَنْ أَبِى قَتَادَةَ وَأَبِى الدَّهْمَاءِ قَالاَ كَانَا يُكْثِرَانِ السَّفَرَ نَحْوَ هَذَا الْبَيْتِ. قَالاَ أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ الْبَدَوِىُّ أَخَذَ بِيَدِى رَسُولُ اللَّهِ -r- فَجَعَلَ يُعَلِّمُنِى مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَالَ « إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئاً اتِّقَاءَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِلاَّ أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهُ ».[85]

------------------

التوكل على الله

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - قَالَ لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ . فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ ، فَجَعَلَ النَّبِىُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، حَتَّى رُفِعَ لِى سَوَادٌ عَظِيمٌ ، قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِى هَذِهِ قِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ . قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ . فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ، ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِى آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ ، وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ ، فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِى الإِسْلاَمِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ . فَبَلَغَ النَّبِىَّ - r - فَخَرَجَ فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » . فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: « نَعَمْ » . فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا قَالَ:  « سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ » .[86]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ: « يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » .[87]

-----------------

الاستقامة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ، أَرَادَ سَفَرًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوْصِنِي ، قَالَ : اعْبُدِ اللَّهَ وَلا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ : إِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ : اسْتَقِمْ وَلْتُحَسِّنْ خُلُقَكَ"[88]

وعَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ دِينِكُمُ الصَّلاَةُ وَلاَ يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ "[89]

وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ عِنْدَهَا امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ r عَلَيْهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ فُلانَةُ، لا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ r : عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ مِنَ الْعَمَلِ، فَوَاللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، قَالَتْ: وَكَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ الَّذِي يُدَاوِمُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ،وَإِنْ قَلَّ.[90]

وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِى فِى الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ , قَالَ « قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ ».[91]

-------------------

الأمانة

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَلَّمَا خَطَبَنَا نَبِيُّنَا -r- أَوْ قَالَ النَّبِىُّ -r- إِلاَّ قَالَ فِى خُطْبَتِهِ :« لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ ».[92]

وعَنْ عُرْوَة قَالَ : لاَ تَغُرَّنَّكُمْ صَلاةُ امْرِئٍ ، وَلا صِيَامُهُ ، مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ صَلَّى ، أَلا لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ.[93]

وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِى كِلاَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَقُولُ : لاَ يُعْجِبَكُمْ مِنَ الرَّجُلِ طَنْطَنَتُهُ وَلَكِنَّهُ مَنْ أَدَّى الأَمَانَةَ وَكَفَّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاسِ فَهُوَ الرَّجُلُ.[94]

 

!!!!!!!!!!!!!!

 


الباب الثالث

الإنسان من مرضه حتى دفته

 

المبحثُ الأول

الترغيب في سؤال العفو والعافية

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ -r - فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَىُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ ؟ قال: « سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ [95] والمعافاة في الدنيا والآخرة، ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله ! أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك، قال: فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت. رواه الترمذي[96]

وعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -r - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ - فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ -r - ثُمَّ سُرِّىَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ - فِى هَذَا الْقَيْظِ عَامَ الأَوَّلِ « سَلُوا الْلَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْيَقِينَ فِى الآخِرَةِ وَالأُولَى »رواه أحمد[97]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - :« مَا مِنْ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنَ - اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» أخرجه ابن ماجه[98]

وعن أبي مالك الأشجعي عن أبيه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -r - وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّى قَالَ « قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى وَعَافِنِى وَارْزُقْنِى ». وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلاَّ الإِبْهَامَ « فَإِنَّ هَؤُلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ » رواه مسلم[99]

وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو ؟ قَالَ: « تَقُولِينَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى ». رواه الترمذي[100]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله r قال: « مَنْ رَأَى مُبْتَلًى فَقَالَ:  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِى مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ وَفَضَّلَنِى عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاَءُ » رواه الترمذي[101]

مَنْ رَأَى مُبْتَلًى :  مرض أو محنة أو عاهة ، فشكر الله وأثنى عليه.

وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " مَنْ رَأَى أَحَدًا بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْبَلَاءِ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ ، وَفَضَّلَنِي عَلَيْكَ وَعَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ تِلْكَ النِّعْمَةِ " » أخرجه الطبراني في الدعاء  [102]

قلت : ومع سؤال المؤمن ربه العافية ، فلا بد أن يبتلى ويختبر في هذه الدار ، قال تعالى :{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت/2، 3]

هَلْ ظَنَّ النَّاسُ أنْ نَتْرَكَهُمْ وشَأْنَهُمْ بِمُجَرَّدِ نُطْقِهِمْ بالشَّهادَتَيْنِ ، وَقَوْلِهِمْ آمنَّا باللهِ وَرَسُولِهِ ، دُونَ أَنْ يَبْتَلِيَهُم اللهُ ، ويَخْتَبِرَ صِدْقَ إِيمَانِهِمْ : بِالهِجْرَةِ ، والتَّكَالِيفِ الدِّينْيةِ الأُخرى ، والجِهَادِ ، والمَصَائِبِ؟ كلاّ ، فإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَ عِبَادَهُ المُؤْمِنينَ ، بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ إٍِيمانٍ .

وَلَقَدِ امتَحَنَ اللهُ المُؤمنينَ السَّالِفينَ ، وَعَرَّضَهُمْ للفِتْنَةِ والاخْتِبَارِ ، وغَايَتُهُ سُبحَانَهُ وَتَعالى مِنْ هذا الابتِلاءِ والاخْتِبارِ هيَ أَنْ يُمَحِّصَهُم فَيَعْلَمَ الذينَ صَدَقُوا في دَعوى الإِيمانِ ، مِمَّنْ هُمْ كاذبون في دَعواهُم ، ولِيُجَازِيَ كُلاّ بمَا يَسْتَحقُّهُ .

إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر ، وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس : آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى ، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت ، وسنة جارية ، في ميزان الله سبحانه : { ولقد فتنا الذين من قبلهم ، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } . .والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء؛ ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله ، مغيب عن علم البشر؛ فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم . وهو فضل من الله من جانب ، وعدل من جانب ، وتربية للناس من جانب ، فلا يأخذوا أحداً إلا بما استعلن من أمره ، وبما حققه فعله . فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه!

وما بالله حاشا لله أن يعذب المؤمنين بالابتلاء ، وأن يؤذيهم بالفتنة . ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة . فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق؛ وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات ، وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام ، وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه ، على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء .

ــــــــــــــــ

المبحثُ الثاني

النهي عن تمني الموت لضر نزل به

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ - r -: « لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ: « اللَّهُمَّ أَحْيِنِى مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِى ، وَتَوَفَّنِى إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِى  » أخرجه الشيخان[103]

وعن أبي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r -  :« لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ [104]، وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْرًا » أخرجه مسلم[105]

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r :« لاَ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ ، فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ [106]وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الإِنَابَةَ » أخرجه أحمد في مسنده[107]

وعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَعَبَّاسٌ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ r يَشْتَكِي ، فَتَمَنَّى عَبَّاسٌ الْمَوْتَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : « يَا عَمِّ ، لاَ تَتَمَنَّ الْمَوْتَ ، فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ مُحْسِنًا ، فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَزْدَدْ إِحْسَانًا إِلَى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ ، وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئًا فَإِنْ تُؤَخَّرْ فَتُسْتَعْتَبْ مِنْ إِسَاءَتِكَ خَيْرٌ لَكَ ، فَلا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ » أخرجه الحاكم في المستدرك[108]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - قَالَ: « لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلاَ يَدْعُو بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَثِقَ بِعَمَلِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلاَّ خَيْراً » أخرجه أحمد في مسنده [109]

وعَنْ عَبِيْدَةَ ، قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : مَا يُحْبَسُ أَشْقَاهَا أَنْ يَجِيءَ فَيَقْتُلُنِي ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ سَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي ، فَأَرِحْنِي مِنْهُمْ وَأَرِحْهُمْ مِنِّي. أخرجه عبد الرزاق[110]

و عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ لَمَّا صَدَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ مِنًى أَنَاخَ بِالأَبْطَحِ ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةً بَطْحَاءَ ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّى وَضَعُفَتْ قُوَّتِى وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِى. فَاقْبِضْنِى إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلاَ مُفَرِّطٍ » أخرجه مالك في الموطأ[111]

أفادت هذه الأحاديث النهي عن تمني الموت، وحمله قوم على الضرِّ الدنيوي، فإن وجد الضر الأخروي بأن خشي الفتنةَ في دينه لم يدخل في النهي لحديث: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِى مَكَانَهُ))[112]. ولحديث « وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِى إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ » رواه الترمذي [113]، وللأحاديث التي ذكرت أعلاه عن تمني بعض الصحابة الموت ، وتمني مطلق الموت فيه نوع اعتراض على الله ، ومراغمة للقدر المحتوم .. )) [114]

وقَالَ النَّوَوِيّ فِي الْحَدِيث التَّصْرِيح بِكَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنْ فَاقَة أَوْ مِحْنَة بِعَدُوٍّ وَنَحْوه مِنْ مَشَاقّ الدُّنْيَا ، فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضَرَرًا أَوْ فِتْنَة فِي دِينه فَلَا كَرَاهَة فِيهِ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيث ، وَقَدْ فَعَلَهُ خَلَائِق مِنَ السَّلَف بِذَلِكَ ،وَفِيهِ أَنَّ مَنْ خَالَفَ فَلَمْ يَصْبِر عَلَى الضُّرّ وَتَمَنَّى الْمَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَلْيَقُلْ الدُّعَاء الْمَذْكُور . قُلْت : ظَاهِر الْحَدِيث الْمَنْع مُطْلَقًا وَالِاقْتِصَار عَلَى الدُّعَاء مُطْلَقًا ، لَكِنَّ الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخ لَا بَأْس بِهِ لِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّمَنِّي لِيَكُونَ عَوْنًا عَلَى تَرْك التَّمَنِّي . [115]

ــــــــــــــ

المبحثُ الثالث

الترغيب في الصبر وفضل البلاء

 

لقد وردت آيات عديدة تحث على الصبر ، وتبين أجر الصابرين ،قال تعالى :  {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) [البقرة/155-157]}

يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِأَنَّهُ سَيَبْلُوهُمْ وَيَخْتَبِرُهُمْ بِقَليلٍ ( بِشَيءٍ ) مِنْ الخَوْفِ والجُوعِ ، وَبِذَهَابِ بَعْضِ المَالِ ، وَبِمَوتِ بَعْضِ الأَصْحَابِ وَالأَقَارِبِ وَالأَحْبَابِ ، وَبِنَقْصِ غِلاَلِ المَزَارِعِ . . . فَمَنْ صَبَرَ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَحُكْمِهِ أَثَابَهُ ، وَمَنْ قَنَطَ وَلَجَّ أَحَلَّ بِهِ عِقَابَهُ .

أّمَّا الصَّابِرُونَ الذِينَ خَصَّهُمُ اللهُ بِالبُشْرَى فَهُمُ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنَ اللهِ ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ مُصِيبَةٌ صَبَرُوا ، وَتَمَسَّكُوا بِقَولِهِمْ : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ ، أَيْ إِنَّهُم عَبيدُ اللهِ وَمُلْكُهُ ، وَإِنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِليهِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ .

يُثنِي اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّابِرِينَ ، وَيُخْبِرُ بَأَنَّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ، وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَ أَثَرَهَا فِي بَرْدِ قُلُوبِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ المُصِيبَةِ ، وَأَنَّهُمْ هُمُ المُهْتَدُونَ إِلى طَريقِ الخَيْرِ ، وَإِلى الحَقِّ والصَّوابِ ، وَأَنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا لِقَضَاءِ اللهِ فَلَمْ يَسْتَحْوِذِ الجَزَعُ عَلَيهِمْ .

وقال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) [آل عمران/142، 143]}

وَلاَ تَحْسَبُوا أَنَّكُمْ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَبِرَكُمُ اللهُ تَعَالَى وَيُمَحِّصَكُمْ فِي الشَّدَائِدِ وَالجِهَادِ لِيَرَى صِدْقَ إيمَانِكُمْ ، وَيَرَى مَنْ يَسْتَجِيبُ للهِ ، وَيُخْلِصُ فِي طَاعَتِهِ ، وَقِتَالِ أًَعْدَائِهِ ، وَيَصْبِرُ عَلَى مَكَارِهِ الحُرُوبِ .

يُخَاطِبُ اللهُ تَعَالَى مَنْ شَهِدَ وَقْعَةِ أحُدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْراً ، وَكَانُوا يَتَحَرَّقُونَ شَوْقاً لِلْقِتَالِ مَعَ رَسُولِ اللهِ r  لِيَكُونَ لَهُمْ يَومٌ كَيَوْمِ بَدْرٍ ، وَقَدْ أَلَحُّوا عَلَى الرَّسُولِ r  فِي الخُرُوجِ إلَى أحُدٍ لِيُقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ . وَيَقُولُ تَعَالَى لِهَؤُلاءِ : لَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ المَوْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ قَبْلَ أنْ تُلاَقُوا القَوْمَ فِي مَيْدَانِ المَعْرَكَةِ ، فَهَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ فَمَا بَالُكُمْ دَهِشْتُمْ عِنْدَمَا وَقَعَ المَوْتُ فِيكُمْ؟ وَمَا بَالُكُمْ تَحْزَنُونَ وَتَضْعُفُونَ عَنْ لِقَاءِ مَا كُنْتُمْ تُحِبُّونَ وَتَتَمَنَّوْنَ؟

وقال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر ، وغير ذلك كثير .

وأما في السنة فقد وردت أحاديث كثيرة منها:

عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْمُوبِقُهَا » رواه مسلم[116]

الطهور: التطهير والنظافة، تملأ أي بالثواب، نور: لأنها تمنع عن المعاصي، برهان: حجة على ايمان صاحبه، ضياء: لا يزال صاحبه مستضيئاً مهتدياً مستمراً على الصواب. معتقها: مبعدها عن النار، موبقها: مهلكها.

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - r - فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: «. مَا يَكُونُ عِنْدِى مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ،. وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ » رواه البخاري ومسلم [117]

يتصبر: يتكلف تحمل الصبر والمكاره ، يعينه الله ويساعده.

وعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ » رواه مسلم[118]

فعلى المريض أن يرضى بقضاء الله، ويصبر على قدره، ويحسن الظن بربه، ذلك خير له

وعَنِ أَبِى حَلْبَسٍ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ -r - يَقُولُ مَا سَمِعْتُهُ يُكَنِّيهِ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا يَقُولُ:« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَا عِيسَى إِنِّى بَاعِثٌ مِنْ بَعْدِكَ أُمَّةً إِنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبُّونَ حَمِدُوا اللَّهَ وَشَكَرُوا وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا وَصَبَرُوا وَلاَ حِلْمَ وَلاَ عِلْمَ. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ هَذَا لَهُمْ وَلاَ حِلْمَ وَلاَ عِلْمَ قَالَ أُعْطِيهِمْ مِنْ حِلْمِى وَعِلْمِى » رواه أحمد في مسنده [119]

احتسبوا: سلموها لله تعالى طلباً لوجه الله وثوابه، صبروا: تحملوا الآلام . لا حلم ولا علم: ليس عندهم خلقا الحلم والعلم. ولكن يمنحهم الله تعالى ذلك بمنه وكرمه

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - :« مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لاَ تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ لاَ تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ »رواه مسلم والترمذي[120]

وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً ؟ قَالَ : « الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ » رواه الترمذي [121] -بلاء: محناً وشدائد، الأمثل: المقارب، صلباً: قوياً، يبرح: يستمر .

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ r وَهُوَ مَحْمُومٌ ، فَوَضَعْتُ يَدِي مِنْ فَوْقِ الْقَطِيفَةِ ، فَوَجَدْتُ حَرَارَةَ الْحُمَّى ، فَقُلْتُ : مَا أَشَدَّ حُمَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِنَّا كَذَلِكَ مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ ، يُضَاعَفُ عَلَيْنَا الْوَجَعُ ، لَيُضَاعَفُ لَنَا الأَجْرُ ، قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ ، قُلْتُ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ الصَّالِحُونَ ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ ، حَتَّى مَا يَجِدُ إِلاَّ الْعَبَاءَ ، فَيَحْوِيهَا وَيَلْبَسُهَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْقُمْلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ الْقَمْلُ ، وَكَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعَطَاءِ إِلَيْكُمْ) أخرجه الحاكم[122]

موعوك: مريض، حُمّاك: حرارتك، يشدد علينا البلاء: نسر بدخول المصائب. أشد فرحاً: لزيادة الأجر بالصبر.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ » رواه البخاري[123]

وعن أنس رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ : « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ فَمَنْ رَضِىَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ  »  رواه الترمذي[124]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :  «إِنَّ الرَّجُلَ تَكُونُ لَهُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ اللَّهِ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ فَلا يَزَالُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ [125]حَتَّى يُبْلِغَهُ ذَلِكَ » رواه الحاكم في المستدرك [126]

وعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِىِّ - r - قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - :« مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا » رواه البخاري ومسلم[127]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r -: « مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ » رواه الترمذي  [128]

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا » رواه البخاري [129]

وعن أنس رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - : « إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلاَءٍ فِى جَسَدِهِ، قَالَ اللَّهُ اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ فَإِنْ شَفَاهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَإِنْ قَبَضَهُ غَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ » رواه أحمد[130]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - : « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِى الْمُؤْمِنَ فَلَمْ يَشْكُنِى إِلَى عُوَّادِهِ أَطْلَقْتُهُ مِنْ إِسَارِى ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَمَلَ » رواه البيهقي في السنن الكبرى[131]

وعَنْ عَائِشَة " أَنَّ رَجُلًا تَلَا هَذِهِ الْآيَة ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) فَقَالَ : إِنَّا لَنُجْزَى بِكُلِّ مَا عَمِلْنَاهُ ؟ هَلَكْنَا إِذًا . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ r فَقَالَ : « نَعَمْ يُجْزَى بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مُصِيبَة فِي جَسَده مِمَّا يُؤْذِيه » رواه ابن حبان في صحيحه[132]

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : « مَنْ صُدِعَ رَأْسُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاحْتَسَبْ ، غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ ذَنْبٍ» رواه البزار[133]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْ عَبْدِي فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ , لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ» رواه االطبراني في الكبير[134]

وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - r - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ »أخرجه البخاري[135]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -r - يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: « رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِى فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ » أخرجه الشيخان[136]

وعَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r ، قُلْتُ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : ابْنُ عُمَرَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، قَالَ :« الْمُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي لا يُخَالِطُهُمْ ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ » أخرجه البغوي في شرح السنة [137]

قلت : ويكفي الصابرين قول الله تعالى : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)  [البقرة/155-156]} .

إنا لله . . كلنا . . كل ما فينا . . كل كياننا وذاتيتنا . . لله . . وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير . . التسليم . . التسليم المطلق . . تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجهاً لوجه بالحقيقة الوحيدة ، وبالتصور الصحيح .هؤلاء هم الصابرون . . الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل . .

وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل : {  أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) }  [البقرة/157 ] . .صلوات من ربهم . . يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيه الذي يصلي عليه هو وملائكته سبحانه . . وهو مقام كريم . . ورحمة . . وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون . .وكل أمر من هذه هائل عظيم . .

ويكفيهم قول الله تعالى كذلك : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153) سورة البقرة

معهم ، يؤيدهم ، ويثبتهم ، ويقويهم ، ويؤنسهم ، ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم ، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة ، وقوتهم الضعيفة ، إنما يمدهم حين ينفد زادهم ، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق . . وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب : { يا أيها الذين آمنوا } . . ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب :{ إن الله مع الصابرين } .

ــــــــــــــ

المبحثُ الرابع

فضل طول الحياة في طاعة الله تعالى

 

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ « مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ». قَالَ فَأَىُّ النَّاسِ شَرٌّ قَالَ « مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ » أخرجه أحمد [138]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - :« أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِكُمْ ». قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَاراً وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالاً » أخرجه أحمد في مسنده[139]

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَا مَنْ كَانَتْ صِفَتُهُ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ خَيْرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ : لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا عَمَّ بِهِ النَّاسَ بِظَاهِرِهِ ، لَمْ يُرَدْ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ : مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ؟ فَعَمَّ بِذَلِكَ مَا الْمُرَادُ بَعْضُهُ ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ هَذَا كَثِيرًا ، وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ صَاحِبَةِ سُلَيْمَانَ : وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَمْ تُؤْتَ مِمَّا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ r شَيْئًا وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الرِّيحِ : تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى خَاصٍّ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، لَا عَلَى كُلِّ الْأَشْيَاءِ ، فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ r فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَالَهُ هُوَ عَلَى بَعْضِ مَنْ ذَكَرَهُ ، لَا عَلَى كُلِّهِمْ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ : خَيْرُ النَّاسِ ، أَوْ أَفْضَلُ النَّاسِ ، بِمَعْنَى : مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ، أَوْ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا[140]

وعَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ نَفَراً مِنْ بَنِى عُذْرَةَ ثَلاَثَةً أَتَوُا النَّبِىَّ -r - فَأَسْلَمُوا - قَالَ - فَقَالَ النَّبِىُّ -r - « مَنْ يَكْفِنِيهِمْ ». قَالَ طَلْحَةُ أَنَا. قَالَ فَكَانُوا عِنْدَ طَلْحَةَ فَبَعَثَ النَّبِىُّ -r - بَعْثاً فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُمْ فَاسْتُشْهِدَ - قَالَ - ثُمَّ بَعَثَ بَعْثاً فَخَرَجَ فِيهِ آخَرُ فَاسْتُشْهِدَ - قَالَ - ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَ طَلْحَةُ فَرَأَيْتُ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدِى فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ وَرَأَيْتُ الَّذِى اسْتُشْهِدَ أَخِيراً يَلِيهِ وَرَأَيْتُ الَّذِى اسْتُشْهِدَ أَوَّلَهُمْ آخِرَهُمْ - قَالَ - فَدَخَلَنِى مِنْ ذَلِكَ - قَالَ - فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ -r - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ - قَالَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمِّرُ فِى الإِسْلاَمِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ » أخرجه أحمد  في مسنده[141]

وقد دلت هذه الأحاديث على فضل طول العمر مع حسن العمل، لأن من شأن المرء الازدياد والترقي من مقام إلى مقام، حتى ينتهي إلى مقام القرب.

قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : إِنَّ الْأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ ، فَمَنْ اِنْتَفَعَ مِنْ عُمُرِهِ بِأَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ ، وَمَنْ أَضَاعَ رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا اِنْتَهَى .[142]

ـــــــــــــــ

المبحثُ الخامس

الترغيب في كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده

 

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ الثَّقَفِىِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -r - وَجَعًا يَجِدُهُ فِى جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -r - : « ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِى تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ. ثَلاَثًا. وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ». أخرجه مسلم [143]

أحاذر: أخاف. وَمَقْصُوده أَنَّهُ يُسْتَحَبّ وَضْع يَده عَلَى مَوْضِع الْأَلَم ، وَيَأْتِي بِالدُّعَاءِ الْمَذْكُور وَاللَّهُ أَعْلَم

وقال الباجي : قَوْلُ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ : وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعَلِيلِ أَنْ يَصِفَ مَا بِهِ مِنْ الْأَلَمِ لِاسْتِدْعَاءِ الدَّوَاءِ ، أَوْ الرُّقْيَةِ أَوْ الشِّفَاءِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ وَقَدْ قَالَ : النَّبِيُّ r وَقَالَ : لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إنَّك لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ : أَجَلٌ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّشَكِّيَ وَقِلَّةَ الصَّبْرِ كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ فَقَالَ : لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ : كَلَّا بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ فَقَالَ : النَّبِيُّ r فَنَعَمْ إذًا وَقَوْلُهُ فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ r امْسَحْهُ بِيَمِينِك يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى مَعْنَى التَّبَرُّكِ بِالتَّيَامُنِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ خَصَّ النَّبِيُّ r هَذَا الْعَدَدَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ فَقَالَ : فِي مَرَضِهِ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ فَقَالَ : فِيهِ ضَعْ يَدَك عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِك وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ .

وَقَوْلُهُ r : وَقُلْ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ نَصٌّ عَلَى التَّعَوُّذِ فِيمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرْقَاءِ وَالدُّعَاءِ لِإِذْهَابِ الْمَرَضِ وَفِي مَعْنَاهُ التَّدَاوِي بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ مَعَ كُلِّ مَسْحَةٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي وَقَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي مَا كَانَ بِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ أَهْلَهُ وَغَيْرَهُمْ لَمَّا جَرَّبَهُ مِنْ مَنْفَعَتِهَا وَإِذْهَابِ الْأَدْوَاءِ بِهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -[144] .

وعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، قَالَ : قَالَ لِي : يَا مُحَمَّدُ ؛إِذَا اشْتَكَيْتَ فَضَعْ يَدَكَ حَيْثُ تَشْتَكِي ، وَقُلْ : بِسْمِ اللهِ ، أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ مِنْ وَجَعِي هَذَا ، ثُمَّ ارْفَعْ يَدَكَ ، ثُمَّ أَعِدْ ذَلِكَ وِتْرًا.فَإِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَنِي ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r  حَدَّثَهُ بِذَلِكَ . رواه الترمذي [145]

قال المناوي رحمه الله: (إذا اشتكيت) أي مرضت (فضع يدك حيث تشتكي) على الموضع الذي يؤلمك ولعل حكمة الوضع أنه كبسط اليد للسؤال (ثم قل) ندباً (بسم الله) ظاهره أنه لا يزيد الرحمن الرحيم ويحتمل أن المراد البسملة بكمالها (أعوذ) أي أعتصم بحضور قلب وجمع همة. قال الزمخشري: والعياذ واللياذ من واد واحد (بعزة الله وقدرته من شر ما أجد) زاد في رواية لابن ماجه وأحاذر (من وجعي هذا) أي مرضي وألمي هذا تأكيد لطلب زوال الألم، وأخر التعوذ لاقتضاء المقام ذلك (ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك) أي الوضع والتسمية والاستعاذة بهذه الكلمات (وتراً) أي ثلاثاً كما بينه في رواية مسلم وفي حديث آخر سبعاً كما يأتي إن شاء الله تعالى وفي أخرى التسمية ثلاثاً والاستعاذة سبعاً يعني فإن ذلك يزيل الألم أو يخففه بشرط قوة اليقين وصدق النية ويظهر أنه إذا كان المريض نحو طفل أن يأتي به من يعوذه ويقول من شر ما يجد هذا ويحاذر وإطلاق اليد يتناول اليسرى فتحصل السنة بوضعها لكن الظاهر من عدة أحاديث تعين اليمنى للتيمن أي إلا لعذر. فإن قلت لم عبر بالوضع دون الألم؟ قلت: إشارة إلى ندب الذكر المذكور وإن لم يكن المرض شديداً إذ الألم كما قال الراغب: الوجع الشديد فلو عبر به اقتضى أن الندب مقيد بما إذا اشتد الوجع وأنه بدون الشدة غير مشروع وهذا الحديث من الطب الروحاني[146]

ــــــــــــــ

المبحثُ السادس

الترغيب في عيادة المرضى

 

عن أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r - يَقُولُ : « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ » رواه البخاري ومسلم[147]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ وَيُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ وَيَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ وَيَشْهُدُ جَنَازَتَهُ إِذَا مَاتَ وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ »[148]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِى. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى ». رواه مسلم[149]

قال النووي رحمه الله : قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا أَضَافَ الْمَرَض إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى ، وَالْمُرَاد الْعَبْد تَشْرِيفًا لِلْعَبْدِ وَتَقْرِيبًا لَهُ . قَالُوا : وَمَعْنَى ( وَجَدْتنِي عِنْده ) أَيْ وَجَدْت ثَوَابِي وَكَرَامَتِي ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى فِي تَمَام الْحَدِيث : " لَوْ أَطْعَمْته لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي ، لَوْ أَسْقَيْته لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي " أَيْ ثَوَابه . وَاَللَّه أَعْلَم.

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r -: « عُودُوا الْمَرْضَى وَاتَّبِعُوا الْجَنَائِزَ تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ » رواه أحمد [150]

وعن أبي سعيد الخدري ، أنه سمع النبي r يقول : « خمسٌ من عملهنَّ في يومٍ كتبهُ اللهُ من أهلِ الجنةِ: مَنْ عادَ مريضاً، وشهدَ جنازةً،    وصامَ يوماً، وراحَ إلى الجمعةِ، وأعتقَ رقبةً ». رواه ابن حبان في صحيحه [151]

وعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ :« إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ » رواه مسلم [152]

وعَنْ ثُوَيْرٍ هُوَ ابْنُ أَبِى فَاخِتَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخَذَ عَلِىٌّ بِيَدِى قَالَ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَسَنِ نَعُودُهُ. فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ أَبَا مُوسَى فَقَالَ عَلِىٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَعَائِدًا جِئْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَمْ زَائِرًا فَقَالَ لاَ بَلْ عَائِدًا. فَقَالَ عَلِىٌّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِىَ وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِى الْجَنَّةِ » رواه الترمذي [153]

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : « مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِى الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا » رواه أحمد[154]

وعَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ لِى النَّبِىُّ -r - : « إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مَرِيضٍ فَمُرْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَكَ فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلاَئِكَةِ » رواه  ابن ماجه[155]

قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ : قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ فِي خرفة الْجَنَّةِ فَإِنَّ مَمْشَاهُ إِلَى الْمَرِيضِ لَمَّا كَانَ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى كُلِّ خُطْوَةٍ كَانَ الْخُطَّا سَبَبًا إِلَى نَيْلِ الدَّرَجَاتِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، عَبَّرَ بِهَا عَنْهَا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهَا مَجَازٌ اِنْتَهَى

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ : « مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلاَّ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ » أخرجه أبو داود [156]

وعَنِ الأَغَرِّ أَبِى مُسْلِمٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِىِّ -r - قَالَ : « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. صَدَّقَهُ رَبُّهُ فَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ.وَإِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ. قَالَ يَقُولُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا وَحْدِى. وَإِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. قَالَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَحْدِى لاَ شَرِيكَ لِى. وَإِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ. قَالَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا لِىَ الْمُلْكُ وَلِىَ الْحَمْدُ. وَإِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. قَالَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِى. وَكَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَهَا فِى مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ »أخرجه الترمذي [157]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِى اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً » رواه الترمذي[158]

فمن هذه النصوص النبوية التي سبقت يتضح لنا ما لعيادة المريض من أهمية، وما للقائم بها من الأجر العظيم، فينبغي على المسلم أن يعنى بها وأن لا يتكاسل عنها، فإذا علم بأخ له مريض فليسارع في عيادته، وتفقد حاله، وإخبار أصحابه بما حصل لأخيه، حتى يقوموا بزيارته، والدعاء له.

ولما كان أهل الحي الواحد، كالأسرة الواحدة يعرف بعضهم بعضاً في الغالب، فينبغي عليهم إذا مرض أحدهم أن يزوروه، ويتفقدوا أحواله، ويعينوه على ما يحتاج. فبهذه الزيارة يدخل الفرح إلى قلوب المرضى، ويتنفس عنهم ما يجدون من الهم والغم، ويعلمون أن لهم إخواناً يواسونهم ويعينونهم على ما يحتاجون، وكذلك يعرف المسلم عظمة هذا الدين، وما حث عليه، وأنه ما من خير إلا ودلهم عليه، وما من شر إلا وحذرهم منه.

وبما أن أصحاب الحي كثير ويتعذر زيارتهم في وقت واحد، إما لمشاغلهم أو لكثرتهم، أو لظروف أخرى، فينبغي الترتيب لهذه الزيارة، بحيث تؤدي الغرض على أكمل وجه، وذلك من خلال الترتيب فيما بينهم في كيفية الزيارة، وعدد الزائرين والتنسيق مع أهل المريض، وتقديم بعض الهدايا، حتى تكون زيارة موفقة، وتؤدي الغرض، ويحصل بها النفع.

ويستحب للزائرين أن يدعو للمريض بالشفاء والعافية، وأن يوصوه بالصبر والاحتمال، وأن يقولوا له الكلمات الطيبة التي تطيب نفسه، وتقوي روحه، وكان -r - إذا دخل على من يعود قال: (لا بأس طهور إن شاء الله) ويستحب تخفيف العيادة وتقليلها ما أمكن، حتى لا يثقل على المريض؛ إلا إذا رغب في ذلك.

وفي الموسوعة الفقهية[159]

آدَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ :

مِنْ آدَابِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ : أَنْ لاَ يُطِيل الْجُلُوسَ إِلاَّ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَيَأْنَسَ بِهِ ، وَأَنْ يَدْنُوَ مِنْهُ ، وَيَضَعَ يَدَهُ عَلَى جِسْمِهِ ، وَيَسْأَلَهُ عَنْ حَالِهِ ، وَيُنَفِّسَ لَهُ فِي الأَْجَل بِأَنْ يَقُول مَا يُسَرُّ بِهِ ، وَيُوصِيهِ بِالصَّبْرِ عَلَى مَرَضِهِ ، وَيَذْكُرَ لَهُ فَضْلَهُ إِنْ صَبَرَ عَلَيْهِ . وَيَسْأَل مِنْهُ الدُّعَاءَ فَدُعَاؤُهُ مُجَابٌ كَمَا وَرَدَ  .

وَمِنَ الآْدَابِ : أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ مَا يَسْتَرْوِحُ بِهِ كَرَيْحَانٍ أَوْ فَاكِهَةٍ . وَأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا لِذَلِكَ ، وَأَنْ يُرَغِّبَهُ فِي التَّوْبَةِ وَالْوَصِيَّةِ إِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ مَوْتٍ عَلَى الأَْوْجَهِ ، وَأَنْ يَتَأَمَّل حَال الْمَرِيضِ وَكَلِمَاتِهِ ، فَإِنْ رَأَى الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْخَوْفُ أَزَالَهُ عَنْهُ بِذِكْرِ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ لَهُ .

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال : كَانَ النَّبِيُّ r إِذَا عَادَ الْمَرِيضَ جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ثُمَّ قَال سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَسْأَل اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ فَإِنْ كَانَ فِي أَجَلِهِ تَأْخِيرٌ عُوفِيَ مِنْ وَجَعِهِ [160]

وَقْتُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ :

تُسَنُّ الْعِيَادَةُ فِي كُل وَقْتٍ قَابِلٍ لَهَا بِأَنْ لاَ يَشُقَّ عَلَى الْمَرِيضِ الدُّخُول عَلَيْهِ فِيهِ ، وَهِيَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِوَقْتٍ يَمْضِي مِنَ ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ ، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ ، وَلأَِيِّ مَرَضٍ كَانَ . وَكَرَاهَتُهَا فِي بَعْضِ الأَْيَّامِ لاَ أَصْل لَهُ . وَتَكُونُ عَقِبَ الْعِلْمِ بِالْمَرَضِ وَإِنْ لَمْ تَطُل مُدَّةُ [161]

مَنْ تُشْرَعُ لَهُ زِيَارَةُ الْمَرِيضِ ؟

تُشْرَعُ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً ، يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ الْمَرِيضَ وَمَنْ لاَ يَعْرِفُهُ ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالأَْجْنَبِيُّ ، إِلاَّ أَنَّهَا لِلْقَرِيبِ وَمَنْ يَعْرِفُهُ آكَدُ وَأَفْضَل لِعُمُومِ الأَْحَادِيثِ ، فَالْجَارُ هُوَ الْقَرِيبُ مِنْ مَحَلِّهِ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِوُدِّهِ وَتَفَقُّدِهِ وَلَوْ مَرَّةً .

وَأَمَّا الْعَدُوُّ فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْعِيَادَةَ وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ كَرَاهَةَ الْمَرِيضِ لِدُخُول مَحَلِّهِ وَأَنَّهُ يَحْصُل لَهُ بِرُؤْيَتِهِ ضَرَرٌ لاَ يُحْتَمَل عَادَةً حَرُمَتِ الْعِيَادَةُ أَوْ كُرِهَتْ [162]

الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ :

كَانَ r إِذَا عَادَ مَرِيضًا يَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ وَالْعَافِيَةِ ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ فَجَاءَنِي النَّبِيُّ r يَعُودُنِي ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِي ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِي وَبَطْنِي ، ثُمَّ قَال : اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتِمَّ لَهُ هِجْرَتَهُ . قَال : فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ عَلَى كَبِدِي فِيمَا يُخَال إِلَيَّ حَتَّى السَّاعَةِ [163]

وَقَدْ أَمَرَ r كُل مَنْ يَعُودُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ . فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ r قَال : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُول سَبْعَ مَرَّاتٍ : أَسْأَل اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلاَّ عُوفِيَ . [164]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ إِلَيْهِ قَال أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا [165]

وَقَال ابْنُ بَطَّالٍ : فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ تَأْنِيسٌ لَهُ ، وَتَعَرُّفٌ لِشِدَّةِ مَرَضِهِ ، لِيَدْعُوَ لَهُ بِالْعَافِيَةِ عَلَى حَسَبِ مَا يَبْدُو لَهُ مِنْهُ ، وَرُبَّمَا رَقَاهُ بِيَدِهِ وَمَسَحَ عَلَى أَلَمِهِ بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَلِيل [166]

ــــــــــــــ

المبحثُ السابع

الترغيب في الوصية والعدل فيها

 

عَنْ سَالِمٍ (بن عبد الله )عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: « مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَىْءٌ يُوصِى فِيهِ يَبِيتُ ثَلاَثَ لَيَالٍ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ » . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مَا مَرَّتْ عَلَىَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِى وَصِيَّتِى رواه البخاري ومسلم [167]

والمراد الحزم والاحتياط لأنه قد يفجؤه الموت، وهي غير واجبة، والواجب الخروج من الحقوق الواجبة للغير.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ: « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِى الْوَصِيَّةِ « فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ». قَالَ وَقَرَأَ عَلَىَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ هَا هُنَا ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) حَتَّى بَلَغَ (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) رواه أبو داود [168]

المضارة في الوصية: إعطائها لغير مستحقيها أو تكون في معصية .

وفي تحفة الأحوذي :  ( فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ ) مِنْ الْمُضَارَّةِ أَيْ يُوَصِّلَانِ الضَّرَرَ إِلَى الْوَارِثِ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ ، أَوْ بِأَنْ يَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ لِوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ كَيْ لَا يُورَثُ وَارِثٌ آخَرُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَفِرَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، ذَكَرَهُ اِبْنُ الْمَلَكِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : كَأَنْ يُوصِيَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ أَوْ يُوصِيَ بِعَدَمِ إِمْضَاءِ مَا أَوْصَى بِهِ حَقًّا بِأَنْ نَدِمَ مِنْ وَصِيَّتِهِ أَوْ يَنْقُضَ بَعْضَ الْوَصِيَّةِ ( فَيَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ) أَيْ فَتَثْبُتُ . وَالْمَعْنَى يَسْتَحِقَّانِ الْعُقُوبَةَ وَلَكِنَّهُمَا تَحْتَ الْمَشِيئَةِ ( ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ، قَائِلُهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَيْ قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ اِسْتِشْهَادًا وَاعْتِضَادًا ( { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ } ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ ( { يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ } ) بِبِنَاءِ الْمَجْهُولِ

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r -:  « إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِى وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِى وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)  [النساء/13-15] أخرجه ابن ماجه [169]

خاف: حار وظلم سواء أكان حاكماً أو غير حاكم، فهو خائف قال تعالى: { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا } (9) سورة النساء

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ r فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْراً؟  فَقَالَ :« أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ » رواه البخاري ومسلم [170]

الروح الحلقوم : أي بلغت الروح موضع خروجها، ففي هذا الوقت انتهى العمل وخرج المال من يد المورث إلى الورثة، فلا تنفع الصدقة كما لا تنفع المثوبة.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الشُّحّ أَعَمّ مِنَ الْبُخْل ، وَكَأَنَّ الشُّحّ جِنْس وَالْبُخْل نَوْع ، وَأَكْثَر مَا يُقَال الْبُخْل فِي أَفْرَاد الْأُمُور ، وَالشُّحّ عَامّ كَالْوَصْفِ اللَّازِم وَمَا هُوَ مِنْ قِبَل الطَّبْع قَالَ : فَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الشُّحّ غَالِب فِي حَال الصِّحَّة ، فَإِذَا شَحّ فِيهَا وَتَصَدَّقَ كَانَ أَصْدَقَ فِي نِيَّته وَأَعْظَم لِأَجْرِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْت وَآيَسَ مِنْ الْحَيَاة وَرَأَى مَصِير الْمَال لِغَيْرِهِ فَإِنَّ صَدَقَته حِينَئِذٍ نَاقِصَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَة الصِّحَّة ، وَالشُّحّ رَجَاء الْبَقَاء وَخَوْف الْفَقْر . ( وَتَأْمُل الْغِنَى ) . بِضَمِّ الْمِيم أَيْ تَطْمَع بِهِ . وَمَعْنَى ( بَلَغَتْ الْحُلْقُوم ) : بَلَغَتْ الرُّوح ، وَالْمُرَاد قَارَبَتْ بُلُوغ الْحُلْقُوم إِذْ لَوْ بَلَغَتْهُ حَقِيقَةً لَمْ تَصِحّ وَصِيَّته وَلَا صَدَقَته وَلَا شَيْء مِنْ تَصَرُّفَاته بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاء . وَقَوْله r: ( لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُرَاد بِهِ الْوَارِث ، وَقَالَ غَيْره : الْمُرَاد بِهِ سَبَقَ الْقَضَاء بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْ تَصَرُّفه وَكَمَال مِلْكِهِ وَاسْتِقْلَاله بِمَا شَاءَ مِنْ التَّصَرُّف فَلَيْسَ لَهُ فِي وَصِيَّته كَبِير ثَوَاب بِالنِّسْبَةِ إِلَى صَدَقَة الصَّحِيح الشَّحِيح[171] .

وعَنِ أَبِى حَبِيبَةَ الطَّائِىِّ قَالَ أَوْصَى إِلَىَّ أَخِى بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقُلْتُ إِنَّ أَخِى أَوْصَى إِلَىَّ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ فَأَيْنَ تَرَى لِى وَضْعَهُ فِى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَسَاكِينِ أَوِ الْمُجَاهِدِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ لَمْ أَعْدِلْ بِالْمُجَاهِدِينَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ:  « مَثَلُ الَّذِى يُعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَثَلِ الَّذِى يُهْدِى إِذَا شَبِعَ [172]».  رواه الترمذي [173]

قَوْلُهُ : ( أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْت لَمْ أَعْدِلْ بِالْمُجَاهِدِينَ ) أَيْ لَمْ أُسَاوِ بِهِمْ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ وَغَيْرَهُمْ . وَالْمَعْنَى لَوْ كُنْت أَنَا مُوصِيًا لَمْ أُوصِ إِلَّا لِلْمُجَاهِدِينَ( مَثَلُ الَّذِي يُعْتِقُ ) وَفِي رِوَايَةٍ يَتَصَدَّقُ ( عِنْدَ الْمَوْتِ ) أَيْ عِنْدَ اِحْتِضَارِهِ . وَفِي الْمِشْكَاةِ : مَثَلُ الَّذِي يَتَصَدَّقُ عِنْدَ مَوْتِهِ يُعْتِقُ  ( كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبِعَ ) قَالَ الطِّيبِيُّ : فِي هَذَا الْإِهْدَاءِ نَوْعُ اِسْتِخْفَافٍ بِالْمُهْدَى إِلَيْهِ اِنْتَهَى .وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مَرْتَبَةٌ نَاقِصَةٌ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ وَالْإِعْتَاقَ حَالَ الصِّحَّةِ أَفْضَلُ ، كَمَا أَنَّ السَّخَاوَةَ عِنْدَ الْمَجَاعَةِ أَكْمَلُ قَالَهُ الْقَارِي[174] .

وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - : « مَثَلُ الَّذِى يُعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَثَلِ الَّذِى يُهْدِى إِذَا شَبِعَ » رواه أبو داود [175]

وفي عون المعبود : ( إِذَا شَبِعَ ): لِأَنَّ أَفْضَل الصَّدَقَة إِنَّمَا هِيَ عِنْد الطَّمَع فِي الدُّنْيَا وَالْحِرْص عَلَى الْمَال فَيَكُون مُؤْثِرًا لِآخِرَتِهِ عَلَى دُنْيَاهُ صَادِرًا فِعْلُهُ عَنْ قَلْب سَلِيم وَنِيَّة مُخْلَصَة فَإِذَا أَخَّرَ فِعْل ذَلِكَ حَتَّى حَضَرَهُ الْمَوْت كَانَ اِسْتِيثَارًا دُون الْوَرَثَة وَتَقْدِيمًا لِنَفْسِهِ فِي وَقْت لَا يَنْتَفِع بِهِ فِي دُنْيَاهُ فَيَنْقُص حَظّه .قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْح الْقَدِير : وَالْحَدِيث صَحَّحَهُ الْحَاكِم وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيّ . وَقَالَ اِبْن حَجَر : إِسْنَاده حَسَن ، وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِزِيَادَةِ الصَّدَقَة ، فَقَالَ " مَثَل الَّذِي يَتَصَدَّق عِنْد مَوْته أَوْ يُعْتِق كَاَلَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبِعَ " اِنْتَهَى .قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح

ــــــــــــــــ

المبحثُ الثامن

فضل الموت

 

قال العلماء : الموت ليس بعدم محض، ولا فناء صرف، وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقة وحيلولة بينهما، وتبدل حال وانتقال من دار لدار.

عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ النَّبِىَّ -r - قَالَ:  « اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ الْمَوْتُ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقُلُّ لِلْحِسَابِ». أخرجه أحمد [176]

وعَنِ أَبِى قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِىٍّ الأَنْصَارِىِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ :« مُسْتَرِيحٌ ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ قَالَ:  « الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ » أخرجه الشيخان [177]

قَالَ اِبْن التِّين . يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِالْمُؤْمِنِ التَّقِيّ خَاصَّة وَيَحْتَمِل كُلّ مُؤْمِن . وَالْفَاجِر يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِهِ الْكَافِرَ وَيَحْتَمِل أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْعَاصِي . وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : أَمَّا اِسْتِرَاحَةُ الْعِبَادِ فَلِمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمُنْكَرِ فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ آذَاهُمْ وَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا وَاسْتِرَاحَة الْبِلَاد مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْجَدْبُ فَيَقْتَضِي هَلَاكَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ . وَتَعَقَّبَ الْبَاجِيّ أَوَّلَ كَلَامِهِ بِأَنَّ مَنْ نَالَهُ أَذَاهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُنْكِر بِقَلْبِهِ أَوْ يُنْكِر بِوَجْهٍ لَا يَنَالُهُ بِهِ أَذًى وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِرَاحَةِ الْعِبَادِ مِنْهُ لِمَا يَقَع لَهُمْ مِنْ ظُلْمِهِ وَرَاحَةُ الْأَرْضِ مِنْهُ لِمَا يَقَع عَلَيْهَا مِنْ غَصْبِهَا وَمَنْعِهَا مِنْ حَقِّهَا وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ وَرَاحَة الدَّوَابِّ مِمَّا لَا يَجُوزُ مِنْ إِتْعَابِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [178].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِىِّ -r - قَالَ: « الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ » أخرجه أحمد[179]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَلاَ أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلاَّ الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِى الدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ » أخرجه  مسلم [180]

قال النووي رحمه الله :هَذَا مِنْ صَرَائِح الْأَدِلَّة فِي عَظِيم فَضْل الشَّهَادَة ، وَاللَّهُ الْمَحْمُود الْمَشْكُور . وَأَمَّا سَبَب تَسْمِيَته شَهِيدًا : فَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ : لِأَنَّهُ حَيّ ، فَإِنَّ أَرْوَاحهمْ شَهِدَتْ وَحَضَرَتْ دَار السَّلَام وَأَرْوَاح غَيْرهمْ إِنَّمَا تَشْهَدهَا يَوْم الْقِيَامَة"

وعَنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:"وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا مِنْ نَفْسٍ حَيَّةٍ إِلا الْمَوْتُ خَيْرٌ لَهَا إِنْ كَانَ بَرًّا، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ" [آل عمران: 198] وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا , إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: "وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا" [آل عمران: 178]". أخرجه الطبراني [181]

هذه الآية الكريمة تشير إلى العقدة التي تحيك في بعض الصدور والشبهة التي تجول في بعض القلوب والعتاب الذي تجيش به بعض الأرواح ، وهي ترى أعداء الله وأعداء الحق متروكين لا يأخذهم العذاب ممتعين في ظاهر الأمر بالقوة والسلطة والمال والجاه! مما يوقع الفتنة في قلوبهم وفي قلوب الناس من حولهم ; ومما يجعل ضعاف الإيمان يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ; يحسبون أن الله - حاشاه - يرضى عن الباطل والشر والجحود والطغيان فيملي له ويرخي له العنان! أو يحسبون أن الله - سبحانه - لا يتدخل في المعركة بين الحق والباطل فيدع للباطل أن يحطم الحق ولا يتدخل لنصرته! أو يحسبون أن هذا الباطل حق وإلا فلم تركه الله ينمو ويكبر ويغلب؟! أو يحسبون أن من شأن الباطل أن يغلب على الحق في هذه الأرض وأن ليس من شأن الحق أن ينتصر! ثم . . يدع المبطلين الظلمة الطغاة المفسدين يلجون في عتوهم ويسارعون في كفرهم ويلجون في طغيانهم ويظنون أن الأمر قد استقام لهم وأن ليس هنالك من قوة تقوى على الوقوف في وجههم!!!

وهذا كله وهم باطل وظن بالله غير الحق والأمر ليس كذلك . وها هو ذا الله سبحانه وتعالى يحذر الذين كفروا أن يظنوا هذا الظن .

إنه إذا كان الله لا يأخذهم بكفرهم الذي يسارعون فيه وإذا كان يعطيهم حظاً في الدنيا يستمتعون به ويلهون فيه . . إذا كان الله يأخذهم بهذا الابتلاء فإنما هي الفتنة ; وإنما هو الكيد المتين وإنما هو الاستدراج البعيد :{ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم . . إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } !

ولو كانوا يستحقون أن يخرجهم الله من غمرة النعمة بالابتلاء الموقظ لابتلاهم . . ولكنه لا يريد بهم خيراً وقد اشتروا الكفر بالإيمان وسارعوا في الكفر واجتهدوا فيه! فلم يعودوا يستحقون أن يوقظهم الله من هذه الغمرة - غمرة النعمة والسلطان - بالابتلاء!

{ ولهم عذاب مهين } . .والإهانة هي المقابل لما هم فيه من مقام ومكانة ونعماء .  وهكذا يتكشف أن الابتلاء من الله نعمة لا تصيب إلا من يريد له الله به الخير . فإذا أصابت أولياءه فإنما تصيبهم لخير يريده الله لهم - ولو وقع الابتلاء مترتباً على تصرفات هؤلاء الأولياء - فهناك الحكمة المغيبة والتدبير اللطيف ، وفضل الله على أوليائه المؤمنين . وهكذا تستقر القلوب وتطمئن النفوس وتستقر الحقائق الأصيلة البسيطة في التصور الإسلامي الواضح المستقيم .

وعَنْ قَيْسِ بن حَبْتَرٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:"يَا حَبَّذَا الْمَكْرُوهَانِ: الْمَوْتُ وَالْفَقْرُ، وَأَيْمُ اللَّهِ أَلا إِنَّ الْغِنَى وَالْفَقْرَ وَمَا أُبَالِي بِأَيِّهِمَا ابْتُلِيتُ، إِنْ كَانَ الْغِنَى إِنَّ فِيهِ لَلْعَطْفِ، وَإِنْ كَانَ الْفَقْرُ إِنَّ فِيهِ لِلصَّبْرِ". أخرجه الطبراني [182]

ولا شك أن المؤمن الصادق يحب الموت ، لأن فيه لقاء الله تعالى وهو أغلى أمنية عنده، ولأنه يتخلص من عذاب الدنيا وهمومها وغمومها التي لا تنقطع، ومن أسباب ضياع المسلمين اليوم هو حب الدنيا وكراهية الموت، كما ورد هذا في حديث صحيح  عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ».[183]

ـــــــــــــ

المبحثُ التاسع

الترهيب من كراهية الموت والترغيب بمحبته

 

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ : « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » . قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ . قَالَ « لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » رواه البخاري ومسلم[184]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ « قَالَ اللَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدِى لِقَائِى أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِى كَرِهْتُ لِقَاءَهُ » رواه البخاري [185]

قَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة : الْمُرَاد بِلِقَاءِ اللَّه هُنَا الْمَصِير إِلَى الدَّار الْآخِرَة وَطَلَب مَا عِنْد اللَّه وَلَيْسَ الْغَرَض بِهِ الْمَوْت لِأَنَّ كُلًّا يَكْرَهُهُ فَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وَأَبْغَضَهَا أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ آثَرَهَا وَرَكَنَ إِلَيْهَا كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ . وَقَوْل عَائِشَة وَالْمَوْت دُون لِقَاء اللَّه يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَوْت غَيْرُ اللِّقَاءِ وَلَكِنَّهُ مُعْتَرِضٌ دُونَ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ فَيَجِبُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلَ مَشَاقَّهُ حَتَّى يَصِل إِلَى الْفَوْزِ بِاللِّقَاءِ.

وعَنِ فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :"اللَّهُمَّ مَنْ آمَنَ بِكَ وَشَهِدَ أَنِّي رَسُولُكَ، فَحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَقْلِلْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ وَيَشْهَدْ أَنِّي رَسُولُكَ، فَلا تُحَبِّبْ إِلَيْهِ لِقَاءَكَ، وَلا تُسَهِّلْ عَلَيْهِ قَضَاءَكَ، وَأَكْثِرْ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا" رواه الطبراني[186]

وقال المناوي [187]: (اللّهم من آمن بك) أي صدق بأنك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك (وشهد أني رسولك) إلى الثقلين (فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك) فيتلقاك بقلب سليم وخاطر منشرح ولا ينهمك في شيء من قضائك ويعلم أنه ما من شيء قدرته إلا وله وفيه خيور كثيرة دينية فيحسن ظنه بك (وأقلل له من الدنيا) أي من زهرتها وزينتها ليتجافى بالقلب عن دار الغرور ويميل به إلى دار الخلود (ومن لم يؤمن ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر له من الدنيا) وذلك هو غاية الشقاء فإن مواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة يورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها حتى تصير كالجنة في حقه فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ولم يسكن إليها ولم يأنس بها فتصير كالسجن له وخروجه منها غاية اللذة كالخلاص من السجن.

وعَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،عَنِ النَّبِيِّ r ، قَالَ : تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ رواه االحاكم [188]

وفي الفتوحات:الموت اليوم للمؤمن تحفة، والنعش له محفَّة،لأنه ينقله من الدنيا إلى محل لا فتنة فيه ولا بلوى،فليس بخاسر ولا مغبون من كان آملا المنون،فإن فيه اللقاء الإلهي والبقاء الكوني،ولو علم المؤمن ماذا بعد الموت لقال في كل نفس: يا رب أمت يا رب أمت"

ــــــــــــــــ

المبحثُ العاشر

استحباب ذكر الموت والاستعداد له

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ » أخرجه الترمذي [189]

هاذم: هازم: قاطع. بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة بِمَعْنَى قَاطِعِهَا أَوْ بِالْمُهْمَلَةِ مِنْ هَدَمَ الْبِنَاءَ وَالْمُرَاد الْمَوْتُ وَهُوَ هَادِمُ اللَّذَّاتِ إِمَّا لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُزْهِدُ فِيهَا أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ مَا يُبْقِي مِنْ لَذَائِذِ الدُّنْيَا شَيْئًا وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله r قال: « أكثروا ذكرَ هاذمِ اللذاتِ، فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسَّعهُ عليه، ولا في سعةٍ إلا ضيَّقهُ عليهِ » أخرجه البزار [190]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r - فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِىِّ -r - ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ قَالَ : « أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ». قَالَ فَأَىُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ قَالَ : « أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ ». أخرجه ابن ماجه [191]

وعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ». قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ :« مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ». يَقُولُ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِى الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ :حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِى الدُّنْيَا.[192] وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ[193]: لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ تَقِيًّا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ أَشَدَّ مِنْ مُحَاسَبَةِ الرَّجُلِ شَرِيكَهُ حَتَّى يَنْظُرَ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَشْرَبُهُ وَمَكْسَبُهُ.. أخرجه الترمذي [194]

( الْكَيِّسُ ) أَيْ الْعَاقِلُ الْمُتَبَصِّرُ فِي الْأُمُورِ النَّاظِرُ فِي الْعَوَاقِبِ ( مَنْ دَانَ نَفْسَهُ ) أَيْ حَاسَبَهَا وَأَذَلَّهَا وَاسْتَعْبَدَهَا وَقَهَرَهَا حَتَّى صَارَتْ مُطِيعَةً مُنْقَادَةً  ( وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ )  قَبْلَ نُزُولِهِ لِيَصِيرَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَالْمَوْتُ عَاقِبَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا ، فَالْكَيِّسُ مَنْ أَبْصَرَ الْعَاقِبَةَ  ( وَالْعَاجِزُ ) الْمُقَصِّرُ فِي الْأُمُورِ ( مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ) مِنْ الْإِتْبَاعِ أَيْ جَعَلَهَا تَابِعَةً لِهَوَاهَا فَلَمْ يَكُفَّهَا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا عَنْ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمَاتِ ( وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ فَهُوَ مَعَ تَفْرِيطِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَاتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِ لَا يَعْتَذِرُ بَلْ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ .

قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَالْعَاجِزُ الَّذِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَعَمِلَ مَا أَمَرَتْهُ بِهِ نَفْسُهُ فَصَارَ عَاجِزًا لِنَفْسِهِ فَأَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَأَعْطَاهَا مَا اِشْتَهَتْهُ ، قُوبِلَ الْكَيِّسُ بِالْعَاجِزِ وَالْمُقَابِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلْكَيِّسِ السَّفِيهُ الرَّأْيِ وَلِلْعَاجِزِ الْقَادِرُ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ الْكَيِّسَ هُوَ الْقَادِرُ ، وَالْعَاجِزَ هُوَ السَّفِيهُ وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ أَيْ يُذْنِبُ وَيَتَمَنَّى الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ [195].

وعَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَيَذْكُرُونَ مِنْ عِبَادَتِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ r سَاكِتٌ، فَلَمَّا سَكَتُوا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :"هَلْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ الْمَوْتِ؟" قَالُوا: لا، قَالَ:"فَهَلْ كَانَ يَدَعُ كَثِيرًا مِمَّا يَشْتَهِي؟"قَالُوا: لا، قَالَ:"مَا بَلَغَ صَاحِبُكُمْ كَثِيرًا مِمَّا تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ" » رواه الطبراني[196]

فالإكثار من ذكر الموت يجعل الإنسان على استعداد تام له، فمن تذكر الموت لا يعصي الله خشية أن يأتيه الموت وهو متلبس بالمعصية ، وإذا ذكر الموت وكان عاصياً ثاب إلى رشده قبل فوات الأوان، وإذا تذكر الموت انضبط بشكل دقيق، بحيث لا يسمح لأهوائه وشهواته أن تسيطر عليه.

إنه لا إصلاح  للبشرية إلا بذكر الموت، لأنه صمام الأمان من الفساد والسقوط والتردي، فالذي يتذكر الموت، لا بد أن يتذكر ما بعد الموت، وإلى أين سيذهب، ولا بد أن يتذكر الجزاء، والوقوف بين يدي الله، لا حول له ولا طول، وليس معه إلا ما قدم من عمل.

لذا قالوا: من أكثر الموت أكرم بثلاثة أشياء : تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة ، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة : تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة ، اللهم اجعلنا ممن يتذكر الموت قبل الفوت يا أرحم الراحمين.

ــــــــــــــــ

المبحثُ الحادي عشر

تحسين الظن بالله والخوف منه

 

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ « لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». أخرجه مسلم[197]

وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح الْمُهَذَّب : مَعْنَى تَحْسِين الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنّ أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَرْحَمهُ وَيَرْجُو ذَلِكَ بِتَدَبُّرِ الْآيَات وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي كَرَم اللَّه تَعَالَى وَعَفْوه وَمَا وَعَدَ بِهِ أَهْل التَّوْحِيد وَمَا سَيُبَدِّلُهُمْ مِنْ الرَّحْمَة يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي الْحَدِيث الصَّحِيح : " أَنَا عِنْد ظَنّ عَبْدِي بِي " هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي مَعْنَى الْحَدِيث وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُور الْعُلَمَاء . وَشَذَّ الْخَطَّابِيُّ فَذَكَر تَأْوِيلًا آخَر أَنَّ مَعْنَاهُ أَحْسِنُوا أَعْمَالكُمْ حَتَّى يَحْسُن ظَنّكُمْ بِرَبِّكُمْ ، فَمَنْ حَسُن عَمَله حَسُن ظَنّه ، وَمَنْ سَاءَ عَمَله سَاءَ ظَنّه ، وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ اِنْتَهَى

وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -r - دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِى الْمَوْتِ فَقَالَ « كَيْفَ تَجِدُكَ ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّى أَخَافُ ذُنُوبِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « لاَ يَجْتَمِعَانِ فِى قَلْبِ عَبْدٍ فِى مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ » أخرجه الترمذي [198]

قَوْله ( لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْب عَبْد )يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي وُجُود الْأَمْرَيْنِ عَلَى الدَّوَام حَتَّى فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْلِب الرَّجَاء فِي ذَلِكَ الْوَقْت بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْ الْخَوْف شَيْء .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلاَ ، قَالَ : وَعِزَّتِي لاَ أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أخرجه ابن حبان في صحيحه [199]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - : « أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى، إِنْ ظَنَّ بِى خَيْراً فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ ». أخرجه أحمد [200]

وقال المناوي في فيض القدير(6051 ) (قال اللّه تعالى أنا عند ظن عبدي بي إن ظن) بي (خيراً فله) مقتضى ظنه (وإن ظن) بي (شراً) أي أني أفعل به شراً (فله) ما ظنه فالمعاملة تدور مع الظن فإذا أحسن ظنه بربه وفى له بما أمل وظن والتطير سوء الظن باللّه وهروب عن قضائه فالعقوبة إليه سريعة والمقت له كائن، ألا ترى إلى العصابة التي فرت من الطاعون كيف أماتهم؟ قال الحكيم الترمذي: الظن ما تردد في الصدر وإنما يحدث من الوهم والظن هاجسة النفس وللنفس إحساس بالأشياء فإذا عرض أمر دبر لها الحس شأن الأمر العارض فما خرج لها من التدبير فهو هواجس النفس فالمؤمن نور التوحيد في قلبه فإذا هجست نفسه لعارض أضاء النور فاستقرت النفس فاطمأنَّ القلب فحسن ظنه لأن ذلك النور يريه من علائم التوحيد وشواهده ما تسكن النفس إليه وتعلمه أن اللّه كافيه وحسبه في كل أموره وأنه كريم رحيم عطوف به فهذا حسن الظن باللّه وأما إذا غلب شره النفس وشهواتها فيفور دخان شهواتها كدخان الحريق فيظلم القلب وتغلب الظلمة على الضوء فتحيى النفس بهواجسها وأفكارها وتضطرب ويتزعزع القلب عن مستقره وتفقد الطمأنينة وتعمى عين الفؤاد لكثرة الظلمة والدخان فذلك سوء الظن باللّه فإذا أراد اللّه بعبد خيراً أعطاه حسن الظن بأن يزيده نوراً يقذفه في قلبه ليقشع ظلمة الصدر كسحاب ينقشع عن ضوء القمر ومن لم يمنح ذلك فصدره مظلم لما أتت به النفس من داخل شهواتها والعبد ملوم على تقوية الشهوات من استعمالها فإذا استعملها فقد قوّاها، ككانون: كلما ألقيت فيه حطباً ازداد لظماً ودخاناً.

وعَنِ أَبِى عَيَّاشٍ قَالَ قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ مَا أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا أَوَّلُ مَا يَقُولُونَ لَهُ ». قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِى فَيَقُولُونَ نَعَمْ يَا رَبَّنَا. فَيَقُولُ لِمَ فَيَقُولُونَ رَجَوْنَا عَفْوَكَ وَمَغْفِرَتَكَ. فَيَقُولُ قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفِرَتِى ». أخرجه أحمد [201]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ مِنَ النَّارِ - قَالَ أَبُو عِمْرَانَ أَرْبَعَةٌ. وَقَالَ ثَابِتٌ رَجُلاَنِ - فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ. قَالَ فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْجُو إِذْ أَخْرَجْتَنِى مِنْهَا أنْ لاَ تُعِيدَنِى فِيهَا. فَيُنَجِّيهِ اللَّهُ مِنْهَا عَزَّ وَجَلَّ ». أخرجه أحمد[202]

ففي هذه الأحاديث تحذير من القنوط، وحث على الرجاء عند الخاتمة، ومن حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه سيرحمه وسيعفو عنه، ففي حال الصحة غلّب الخوف، وإذا دنا الأجل غلّب الرجاء، لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتعمد للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له[203]

ــــــــــــــ

المبحثُ الثاني عشر

نذير الموت

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - r – فَقَالَ: « أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً » أخرجه البخاري[204]

قال ابن بطال رحمه الله : أى أعذر إليه غاية الإعذار، الذى لا إعذار بعده، لأن الستين قريب من معترك العباد، وهو سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله تعالى وترقب المنية ولقاء الله تعالى فهذا إعذار بعد إعذار فى عمر ابن آدم، لطفًا من الله لعباده حين نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم، وأعذر إليهم مرة بعد أخرى، ولم يعاقبهم إلا بعد الحجج اللائحة المبكتة لهم، وإن كانوا قد فطرهم الله تعالى على حبّ الدنيا وطول الأمل، فلم يتركهم مهملين دون إعذار لهم وتنبيه، وأكبر الإعذار إلى بنى آدم بعثه الرسل إليهم [205]

ومعنى الحديث: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مُدَّ في عمري لفعلت ما أمرت به، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له، فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية، ونسبة الإعذار إلى الله مجازية، والمعنى أن الله تعالى لم يترك للعبد سبباً في الاعتذار يصلح لأن يتمسك به ... [206]

وقَالَ مُجَاهِدٌ : " مَا مِنْ مَرَضٍ يَمْرَضُهُ الْعَبْدُ إِلَّا رَسُولُ مَلَكِ الْمَوْتِ عِنْدَهُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ مَرَضٍ يَمْرَضُهُ أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَقَالَ : أَتَاكَ رَسُولٌ بَعْدَ رَسُولٍ فَلَمْ تَعْبَأْ بِهِ ، وَقَدْ أَتَاكَ رَسُولٌ يَقْطَعُ أَثَرَكَ مِنَ الدُّنْيَا " أخرجه أبو نعيم في الحلية [207]

ومعنى الحديث: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مُدَّ في عمري لفعلت ما أمرت به، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له، فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية، ونسبة الإعذار إلى الله مجازية، والمعنى أن الله تعالى لم يترك للعبد سبباً في الاعتذار يصلح لأن يتمسك به ... [208]

ـــــــــــــ

المبحثُ الثالث عشر

علامة خاتمة الخير

 

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - : « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ ». فَقِيلَ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ ». أخرجه الترمذي [209]

وفي رواية عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ : " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُعْجَبُوا بِأَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَاذَا يُخْتَمُ لَهُ ، فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ أَوْ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ لَدَخَلَ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ لِيَعْمَلَ عَمَلًا سَيِّئًا ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْبُرْهَةَ مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلٍ سَيِّئٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ ؟ قَالَ : " يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ " . رَوَاهُ أَحْمَدُ[210]

وعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ الْجُمَعِىَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ ». فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ مَا اسْتَعْمَلَهُ قَالَ « يَهْدِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَى ذَلِكَ ». رواه أحمد والبزار[211]

وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r : " إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا غَسَلَهُ " ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ غَسَلَهُ ؟ قَالَ : " يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَقْبِضُهُ عَلَيْهِ " رواه الطبراني في الأوسط [212]

وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ وَهَلْ تَدْرُونَ مَا عَسَلُهُ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : " يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيرَانُهُ أَوْ مَنْ حَوْلَهُ "[213]

قَالَ الطحاوي :  فَطَلَبْنَا مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ r مَا هُوَ فَوَجَدْنَا الْعَرَبَ تَقُولُ هَذَا رُمْحٌ فِيهِ عَسَلٌ يُرِيدُونَ فِيهِ اضْطِرَابٌ فَشَبَّهُ سُرْعَتَهُ الَّتِي هِيَ اضْطِرَابُهُ بِاضْطِرَابِ مَا سِوَاهُ مِنَ الرُّمْحِ وَمِنْ غَيْرِهِ فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ r إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِمَيْلِهِ إِيَّاهُ إِلَى مَا يُحِبُّ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِدْخَالِهِ إِيَّاهُ جَنَّتَهُ وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ "

إن حسن الخاتمة أن يوفق العبد قبل موته للبعد عمَّا يغضب ربه سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة.

ومما يدل على هذا المعنى ما صحَّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله. قالوا: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته. رواه أحمد والترمذي والحاكم.

ولحسن الخاتمة علامات كثيرة، وقد تتبعها العلماء باستقراء النصوص:

- فمنها: النطق بالشهادة عند الموت.

- ومنها: الموت بعرق الجبين.

- ومنها: الموت ليلة الجمعة أو نهارها.

- ومنها: الاستشهاد في ساحة القتال. ونحو ذلك

ــــــــــــــ


المبحثُ الرابع عشر

كيفية الموت وشدته

 

قال تعالى: { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (19) سورة ق ، وجاءت شدة الموت وغَمْرته بالحق الذي لا مردَّ له ولا مناص، ذلك ما كنت منه - أيها الإنسان - تهرب وتروغ. وقال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (93) سورة الأنعام

ومَن أشدُّ ظلمَّا ممَّن اختلق على الله تعالى قولا كذبًا، فادعى أنه لم يبعث رسولا من البشر، أو ادعى كذبًا أن الله أوحى إليه ولم يُوحِ إليه شيئًا، أو ادَّعى أنه قادر على أن يُنْزل مثل ما أنزل الله من القرآن؟ ولو أنك أبصرت -أيها الرسول- هؤلاء المتجاوزين الحدَّ وهم في أهوال الموت لرأيت أمرًا هائلا والملائكة الذين يقبضون أرواحهم باسطو أيديهم بالعذاب قائلين لهم: أخرجوا أنفسكم، اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله.

وقال تعالى: { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} (83) سورة الواقعة

فهل تستطيعون إذا بلغت نفس أحدكم الحلقوم عند النزع، وأنتم حضور تنظرون إليه، أن تمسكوا روحه في جسده؟ لن تستطيعوا ذلك، ونحن أقرب إليه منكم بملائكتنا، ولكنكم لا ترونهم.

وقال تعالى: { كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26)وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} (27) سورة القيامة التراقي: أعلى الصدر

حقًّا إذا وصلت الروح إلى أعالي الصدر، وقال بعض الحاضرين لبعض: هل مِن راق يَرْقيه ويَشْفيه مما هو فيه؟ وأيقن المحتضر أنَّ الذي نزل به هو فراق الدنيا؛ لمعاينته ملائكة الموت، واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، إلى الله تعالى مساق العباد يوم القيامة: إما إلى الجنة وإما إلى النار.

عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - كَانَتْ تَقُولُ : إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَىَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r  - تُوُفِّىَ فِى بَيْتِى وَفِى يَوْمِى ، وَبَيْنَ سَحْرِى وَنَحْرِى ، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِى وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ، دَخَلَ عَلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - r  - فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ فَقُلْتُ آخُذُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ ، فَلَيَّنْتُهُ ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ - أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ - فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِى الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ » . ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ « فِى الرَّفِيقِ الأَعْلَى » . حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ . أخرجه البخاري [214]

الموتُ : هو مفارقةُ الروح للجسد ، ولا يحصلُ ذلك إلا بألمٍ عظيمٍ جداً ، وهو أعظمُ الآلام التي تُصيب العبد في الدُّنيا ، قال عمر لِكعبٍ : أخبرني عن الموت ، قال يا أميرَ المؤمنين ، هو مثلُ شجرةٍ كثيرةِ الشَّوك في جوف ابنِ آدم ، فليس منه عِرقٌ ولا مَفْصِل إلا ورجل شديد الذراعين ، فهو يعالجها ينْزعها ، فبكى عمر.

ولما احتضر عمرو بنُ العاص سأله ابنُه عن صفة الموت ، فقال : والله لكأنَّ جنبيَّ في تخت ، ولكأنِّي أتنفَّسُ من سمِّ إبرة ، وكأن غُصنَ شوكٍ يُجَرُّ به من قدمي إلى هامتي .

وقيل لرجل عندَ الموت : كيف تجدُك ؟ فقال : أجدني أُجتذب اجتذاباً ، وكأنَّ الخناجرَ مختلفة في جوفي ، وكأنَّ جوفي تنُّور محمىًّ يلتهِبُ توقداً .

وقيل لآخر : كيف تَجِدُكَ ؟ قال : أجدني كأنَّ السماوات منطبقةٌ على الأرض عليَّ ، وأجد نفسي كأنَّها تخرجُ من ثقب إبرة .

فلما كان الموت بهذه الشِّدَّةِ ، والله تعالى قد حتمه على عباده كلِّهم ، ولابدَّ لهم منه ، وهو تعالى يكرهُ أذى المؤمن ومساءته ، سمَّى تردُّداً في حقِّ المؤمن ، فأمَّا الأنبياءُ عليهم السلام ، فلا يُقبضون حتَّى يُخيَّروا [215] .

وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَاتَ النَّبِىُّ - r - وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِى وَذَاقِنَتِى ، فَلاَ أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِىِّ - r أخرجه البخاري [216]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ » أخرجه الترمذي[217]

قِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْمَوْتِ ، وَقِيلَ هُوَ عَلَامَةُ الْخَيْرِ عِنْدَ الْمَوْتِ . قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : يَعْنِي يَشْتَدُّ الْمَوْتُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِحَيْثُ يَعْرَقُ جَبِينُهُ مِنْ الشِّدَّةِ لِتَمْحِيصِ ذُنُوبِهِ أَوْ لِتَزِيدَ دَرَجَتُهُ

وعَنِ عَلْقَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « إِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تَخْرُجُ رَشْحًا وَلاَ أُحِبُّ مَوْتًا كَمَوْتِ الْحِمَارِ ». قِيلَ وَمَا مَوْتُ الْحِمَارِ قَالَ « مَوْتُ الْفَجْأَةِ ». أخرجه الترمذي[218]

وعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r :تَحَدَّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَإِنَّهُ كَانَتْ فِيهِمُ الأَعَاجِيبُ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُ ، قَالَ : خَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ، فَأَتَوْا مَقْبَرَةً مِنْ مَقَابِرِهِمْ ، فَقَالُوا : لَوْ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ، فَدَعَوْنَا اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يُخْرِجُ لَنَا بَعْضَ الأَمْوَاتِ ، يُخْبِرُنَا عَنِ الْمَوْتِ ، قَالَ : فَفَعَلُوا ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ رَجُلٌ بِرَأْسِهِ مِنْ قَبْرٍ ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ ، فَقَالَ : يَا هَؤُلاَءِ ، مَا أَرَدْتُمْ إِلَيَّ ؟ فَوَاللهِ ، لَقَدْ مِتُّ مُنْذُ مِئَةِ سَنَةٍ ، فَمَا سَكَنَتْ عَنِّي حَرَارَةُ الْمَوْتِ حَتَّى كَانَ الآنَ ، فَادْعُوا اللهَ أَنْ يُعِيدَنِي كَمَا كُنْتُ. أخرجه عبد بن حميد [219]

قال القرطبي: لتشديد الموت على الأنبياء فائزتان: إحداهما تكميل فضائلهم ورفع درجاتهم، وليس ذلك نقصاً ولا عتاباً، بل هو كما جاء أن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، والثانية: أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه باطن، وقد يطلع الإنسان على بعض الموتى، فلا يرى عليه حركة ولا قلقاً، ويرى سهولة خروج روحه، فيظن سهولة أمر الموت، ولا يعرف ما الميت فيه، فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدة ألمه مع كرامتهم على الله تعالى، قطع الخلق بشدة الموت الذي يقاسيه الميت مطلقاً. [220]

ــــــــــــــ

المبحثُ الخامس عشر

تلقين الميت

 

عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ - رضي الله عنه - أَنَّ اَلنَّبِيَّ - r - قَالَ: - اقْرَؤُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس أخرجه النسائي، وعند أحمد عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « الْبَقَرَةُ سَنَامُ الْقُرْآنِ وَذُرْوَتُهُ نَزَلَ مَعَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ثَمَانُونَ مَلَكاً وَاسْتُخْرِجَتْ (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَوُصِلَتْ بِهَا أَوْ فَوُصِلَتْ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَ( يس) قَلْبُ الْقُرْآنِ لاَ يَقْرَأُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالدَّارَ الآخِرَةَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ وَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ »[221]

وتستحب قراءتها لما تشتمل عليه من أحوال البعث والقيامة وبيان الخاتمة وإثبات القدر والتوحيد وأمارات الساعة ...[222]

وعَنِ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ». أخرجه مسلم[223]

وقال النووي رحمه الله : وَالْأَمْر بِهَذَا التَّلْقِين أَمْر نَدْب ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى هَذَا التَّلْقِين ، وَكَرِهُوا الْإِكْثَار عَلَيْهِ وَالْمُوَالَاة لِئَلَّا يَضْجَر بِضِيقِ حَاله وَشِدَّة كَرْبه فَيَكْرَه ذَلِكَ بِقَلْبِهِ ، وَيَتَكَلَّم بِمَا لَا يَلِيق . قَالُوا : وَإِذَا قَالَهُ مَرَّة لَا يُكَرِّر عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَتَكَلَّم بَعْده بِكَلَامٍ آخَر ، فَيُعَاد التَّعْرِيض بِهِ لِيَكُونَ آخِر كَلَامه ، وَيَتَضَمَّن الْحَدِيث الْحُضُور عِنْد الْمُحْتَضَر لِتَذْكِيرِهِ وَتَأْنِيسه وَإِغْمَاض عَيْنَيْهِ وَالْقِيَام بِحُقُوقِهِ وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ .

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». أخرجه أبو داود [224]

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَا لِى أَرَاكَ قَدْ شَعِثْتَ وَاغْبَرَرْتَ مُنْذُ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -r - لَعَلَّكَ سَاءَكَ يَا طَلْحَةُ إِمَارَةُ ابْنِ عَمِّكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنِّى لأَجْدَرُكُمْ أَنْ لاَ أَفْعَلَ ذَلِكَ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لاَ يَقُولُهَا رَجُلٌ عِنْدَ حَضْرَةِ الْمَوْتِ إِلاَّ وَجَدَ رُوحَهُ لَهَا رَوْحاً حِينَ تَخْرُجُ مِنْ جَسَدِهِ وَكَانَتْ لَهُ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَلَمْ أَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ -r - عَنْهَا وَلَمْ يُخْبِرْنِى بِهَا فَذَلِكَ الَّذِى دَخَلَنِى قَالَ عُمَرُ فَأَنَا أَعْلَمُهَا. قَالَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَمَا هِىَ قَالَ هِىَ الْكَلِمَةُ الَّتِى قَالَهَا لِعَمِّهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَالَ طَلْحَةُ صَدَقْتَ. أخرجه أحمد [225]

وعَنِ الأَغَرِّ أَبِى مُسْلِمٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِىِّ -r - قَالَ « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ. صَدَّقَهُ رَبُّهُ فَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ.وَإِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ. قَالَ يَقُولُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا وَحْدِى. وَإِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ. قَالَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَحْدِى لاَ شَرِيكَ لِى. وَإِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ. قَالَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا لِىَ الْمُلْكُ وَلِىَ الْحَمْدُ. وَإِذَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. قَالَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِى. وَكَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَهَا فِى مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ » أخرجه الترمذي[226]

وقوله : لم تطعمه النار هذا كناية من عدم دخوله إليها، ثم يحتمل أن يراد لا يدخلها دخول تخليد وتأبيد، ويحتمل أن يتسبب عنه بفضل اللّه تعالى من حسن الخاتمة ما يدخل به قائله الجنة مع الفائزين وهو المتبادر من متن الحديث.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَخَذَ النَّبِىُّ -r - بِنْتاً لَهُ تَقْضِى فَاحْتَضَنَهَا فَوَضَعَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَمَاتَتْ وَهِىَ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَصَاحَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَقِيلَ أَتَبْكِى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -r -. قَالَتْ أَلَسْتُ أَرَاكَ تَبْكِى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لَسْتُ أَبْكِى إِنَّمَا هِىَ رَحْمَةٌ إِنَّ الْمُؤْمِنَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِنَّ نَفْسَهُ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ » أخرجه أحمد [227]

وعَنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ وَقُولُوا خَيْراً فَإِنَّهُ يُؤَمَّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْمَيِّتِ ». أخرجه أحمد[228]

(وقولوا) حال التغميض وبعده (خيراً) أي قولوا خيراً: من الدعاء للميت بنحو مغفرة وللمصاب بجبر المصيبة ولا يحملكم الجزع على الدعاء على أنفسكم وهذا كما قال القرطبي أمر ندب أو إرشاد وتعليم لما ينبغي أن يقال عند المصيبة  . (فإن الملائكة) الموكلين بقبض روحه أو من حضر منهم أو أعم (تؤمن على ما يقول أهل البيت) أي بيت الميت وفي نسخ أهل الميت أي تقول آمين يعني استجب يا ربنا فلا تقولوا شراً فتؤمن الملائكة فيستجاب ، ففيه إشارة إلى النهي عن نحو: واكهفاه واجسراه لا عشت بعده ونحو ذلك .. [229]

ــــــــــــــ

المبحثُ السادس عشر

ما جاء في ملك الموت وأعوانه

 

قال الله تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (11) سورة السجدة

قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: يتوفاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم، فيقبض أرواحكم إذا انتهت آجالكم، ولن تتأخروا لحظة واحدة، ثم تُردُّون إلى ربكم، فيجازيكم على جميع أعمالكم: إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.

وقال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} (61) سورة الأنعام

والله تعالى هو القاهر فوق عباده، فوقية مطلقة من كل وجه، تليق بجلاله سبحانه وتعالى. كل شيء خاضع لجلاله وعظمته، ويرسل على عباده ملائكة، يحفظون أعمالهم ويُحْصونها، حتى إذا نزل الموت بأحدهم قبض روحَه مَلكُ الموت وأعوانه، وهم لا يضيعون ما أُمروا به.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ، قَالَ : أَعْوَانُ مَلَكِ الْمَوْتِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ . أخرجه ابن أبي شيبه [230]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « كَانَ دَاوُدُ النَّبِىُّ فِيهِ غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ وَكَانَ إِذَا خَرَجَ أُغْلِقَتِ الأَبْوَابُ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى أَهْلِهِ أَحَدٌ حَتَّى يَرْجِعَ - قَالَ - فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ وَغُلِّقَتِ الدَّارُ فَأَقْبَلْتِ امْرَأَتُهُ تَطَّلِعُ إِلَى الدَّارِ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ وَسَطَ الدَّارِ فَقَالَتْ لِمَنْ فِى الْبَيْتِ مِنْ أَيْنَ دَخَلَ هَذَا الرَّجُلُ الدَّارَ وَالدَّارُ مُغْلَقَةٌ وَاللَّهِ لَتُفْتَضَحُنَّ بِدَاوُدَ. فَجَاءَ دَاوُدُ فَإِذَا الرَّجُلُ قَائِمٌ وَسَطَ الدَّارِ فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا الَّذِى لاَ أَهَابُ الْمُلُوكَ وَلاَ يَمْتَنِعُ مِنِّى شَىْءٌ فَقَالَ دَاوُدُ أَنْتَ وَاللَّهِ مَلَكُ الْمَوْتِ فَمَرْحَباً بِأَمْرِ اللَّهِ. فَرَمَلَ دَاوُدُ مَكَانَهُ حَيْثُ قُبِضَتْ رُوحُهُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ شَأْنِهِ وَطَلعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَقَالَ سُلَيْمَانُ لِلطَّيْرِ أَظِلِّى عَلَى دَاوُدَ. فَأَظَلَّتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ حَتَّى أَظْلَمَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ اقْبِضِى جَنَاحاً جَنَاحاً ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُرِينَا رَسُولُ اللَّهِ -r - كَيْفَ فَعَلَتِ الطَّيْرُ وَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ -r - وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ الْمَضْرَحِيَّةُ أخرجه أحمد[231]

وقال الكلبي : يقبض ملك الموت الروح من الجسد ، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمناً ، وإلى ملائكة العذاب إن كان كافراً ، و هذا المعنى منصوص في حديث البراء [232]

أما ملك الموت فواحد كما هو ظاهر حديث الصحيحين أن موسى عليه السلام جاءه ملك الموت فقال أجب ربك، وكما دل عليه قوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ {السجدة: 11} غير أن له أعوانا. قال الله تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ {الأنعام:61}. وقال: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ {الأنعام: 37}. روى الإمام الطبري عَنْ قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ يَقُولُ : " حَفَظَةٌ يَا ابْنَ آدَمَ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ عَمَلَكَ وَرِزْقَكَ وَأَجَلَكَ ، إِذَا تُوفِّيتَ ذَلِكَ قُبِضْتَ إِلَى رَبِّكَ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ رَبَّكُمْ يَحْفَظُكُمْ بِرُسُلٍ يُعَقِّبَ بَيْنَهَا ، يُرْسِلُهُمْ إِلَيْكُمْ بِحِفْظِكُمْ ، وَبِحِفْظِ أَعْمَالِكُمْ إِلَى أَنْ يَحْضِرُكُمُ الْمَوْتُ وَيَنْزِلُ بِكُمْ أَمْرُ اللَّهِ ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ أَحَدَكُمْ تَوَفَّاهُ أَمْلَاكُنَا الْمُوَكَّلُونَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ وَرُسُلُنَا الْمُرْسَلُونَ بِهِ وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ فِي ذَلِكَ فَيُضَيِّعُونَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَوَلَيْسَ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ مَلَكُ الْمَوْتِ ، فَكَيْفَ قِيلَ : تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ، وَالرُّسُلُ جُمْلَةٌ وَهُوَ وَاحِدٌ ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ : قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ؟ قِيلَ : جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَعَانَ مَلَكَ الْمَوْتِ بِأَعْوَانٍ مِنْ عِنْدِهِ ، فَيَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ بِأَمْرِ مَلَكِ الْمَوْتِ ، فَيَكُونُ ( التَّوَفِّي ) مُضَافًا ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ أَعْوَانِ مَلَكِ الْمَوْتِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ ، إِذْ كَانَ فِعْلُهُمْ مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ ، كَمَا يُضَافُ قَتْلُ مَنْ قَتَلَ أَعْوَانُ السُّلْطَانِ وَجَلْدِ مَنْ جَلَدُوهُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ إِلَى السُّلْطَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ السُّلْطَانُ بَاشَرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا وَلِيَهُ بِيَدِهِ . وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ "[233] اهـ.

أما كيف بقبض ملك الموت عددا من الأرواح في وقت واحد، فقد جاء في القرآن الكريم والسنة ما يدل على أن لملك الموت أعواناً من الملائكة، ففي القرآن ورد قوله سبحانه: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61].

قال ابن كثير في تفسيره: إن ملائكة موكلون بذلك، قال ابن عباس وغير واحد: لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم.

ويشهد لهذا ما أخرجه الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب...... الحديث...[234]

ـــــــــــــ

المبحثُ السابع عشر

من يحضر الميت من الملائكة

 

عن ابن مسعود وابن عباس، ومسروق، وسعيد بن جبير، وأبو صالح، وأبو الضحى، والسُّدي: { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا } الملائكة، يعنون حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعُنف فَتُغرق في نزعها، و[منهم]  من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حَلَّته من نشاط، وهو قوله: { وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا } قاله ابن عباس. [235]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ « إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا » [236]قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ. قَالَ « وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ ». قَالَ « وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ - قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا - وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -r - رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا. أخرجه مسلم [237]

قَالَ الْقَاضِي : الْمُرَاد بِالْأَوَّلِ : اِنْطَلِقُوا بِرُوحِ الْمُؤْمِن إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى ، وَالْمُرَاد بِالثَّانِي اِنْطَلِقُوا بِرُوحِ الْكَافِر إِلَى سِجِّين ، فَهِيَ مُنْتَهَى الْأَجَل ، وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد إِلَى اِنْقِضَاء أَجَل الدُّنْيَا . وآخر الأجل: سجن في جهنم .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا قُبِضَ أَتَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ ، فَتَقُولُ : اخْرُجِي إِلَى رَوْحِ اللهِ ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ حَتَّى إِنَّهُمْ لِيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَشُمُّونَهُ ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ : مَا هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي جَاءَتْ مِنَ الأَرْضِ ؟ وَلاَ يَأْتُونَ سَمَاءً إِلاَّ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَهْلِ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ ، فَيَقُولُونَ : مَا فَعَلَ فُلاَنٌ ؟ فَيَقُولُونَ : دَعُوهُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : قَدْ مَاتَ ، أَمَا أَمَاتَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْتِيهُ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ بِمُسْحٍ ، فَيَقُولُونَ : اخْرُجِي إِلَى غَضِبِ اللهِ ، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ فَتَذْهَبُ بِهِ إِلَى بَابِ الأَرْضِ. أخرجه ابن حبان في صحيحه  [238]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ : « الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا قَالُوا : اخْرُجِى أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِى الْجَسَدِ الطَّيِّبِ اخْرُجِى حَمِيدَةً وَأَبْشِرِى بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ : مَنْ هَذَا فَيَقُولُونَ : فُلاَنٌ. فَيُقَالُ : مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِى الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ادْخُلِى حَمِيدَةً وَأَبْشِرِى بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِى فِيهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [239]

وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالَ اخْرُجِى أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِى الْجَسَدِ الْخَبِيثِ اخْرُجِى ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِى بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ. وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ. [240]فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَلاَ يُفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ : مَنْ هَذَا فَيُقَالُ : فُلاَنٌ. فَيُقَالُ : لاَ مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِى الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ارْجِعِى ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا لاَ تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَيُرْسَلُ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ ».رواه ابن ماجه [241]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، َقَالَ : إِنَّ أَوَّلَ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ يُغْفَرُ لَهُ بِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ بِرَيْحَانٍ مِنَ الْجَنَّةِ وَبِرِيطَةٍ ، وَعَلَى أَرْجَاءِ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ ، يَقُولُونَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، قَدْ جَاءَ الْيَوْمُ مِنَ الأَرْضِ رِيحٌ طَيِّبَةٌ ، نَسَمَةٌ طَيْبَةٌ ، فَلا يَمُرُّ بِبَابٍ إِلا فُتِحَ لَهُ ، وَلا بِمَلَكٍ إِلا صَلَّى عَلَيْهِ ، وَشَيَّعَهُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ الرَّحْمَنَ ، فَيَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ الْمَلائِكَةِ ، وَتَسْجُدُ الْمَلائِكَةُ بَعْدَهُ ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الشُّهَدَاءِ ، فَيَجِدُهُمْ فِي رِيَاضٍ خَضِرٍ ، وَثِيَابٍ مِنْ حَرِيرٍ عِنْدَ ثَوْرٍ وَحُوتٍ ، يُلْغَثَانِ كُلَّ يَوْمٍ لَغْثَةً ، لَمْ يُلْغَثَا بِالأَمْسِ مِثْلَهَا ، فَيَظَلُّ الْحُوتُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا أَمْسَى وَكَزَهُ الثَّوْرُ بِقَرْنِهِ ، فَذَكَّاهُ لَهُمْ ، فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ ، فَوَجَدُوا فِي لَحْمِهِ طَعِمُ كُلِّ رَائِحَةٍ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ، وَيَلْبَثُ الثَّوْرُ نَافِشًا فِي الْجَنَّةِ ، فَإِذَا أَصْبَحَ غَدًا عَلَيْهِ ، ثُمَّ الْحُوتُ فَوَكَزَهُ بِذَنَبِهِ ، فَذَكَّاهُ لَهُمْ ، فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهِ ، فَوَجَدُوا فِي لَحْمِهِ طَعْمَ كُلِّ ثَمَرَةٍ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ، يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَإِذَا تُوُفِّي الْمُؤْمِنُ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ بِرَيْحَانٍ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَخِرْقَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ ، تُقْبَضُ فِيهَا نَفْسُهُ ، وَيُقَالُ : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ ، وَرَبُّكِ عَلَيْكِ غَيْرُ غَضْبَانَ ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رَائِحَةٍ وَجَدَهَا أَحَدُ قَطُّ بِأَنْفِهِ ، وَعَلَى أَرْجَاءِ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ ، يَقُولُونَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، قَدْ جَاءَ الْيَوْمُ مِنَ الأَرْضِ رِيحٌ طَيْبَةٌ ، وَنَسَمَةُ كَرِيمَةٌ ، فَلا تَمُرُّ بِبَابٍ إِلا فُتِحَ لَهَا ، وَلا بِمَلَكٍ إِلا صَلَّى عَلَيْهَا وَشَيَّعَهُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ الرَّحْمَنَ ، فَتَسْجُدُ الْمَلائِكَةُ قَبْلَهُ ، وَيَسْجُدُ بَعْدَهُمْ ، ثُمَّ يُدْعَى مِيكَائِيلُ ، فَيُقَالُ : اذْهَبْ بِهَذِهِ النَّفْسِ ، فَاجْعَلْهَا مَعَ أَنْفُسِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَسْأَلَكَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى قَبْرِهِ ، فَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ سَبْعِينَ طُولُهُ وَسَبْعِينَ عَرْضُهُ ، وَيُنْبَذُ لَهُ فِيهِ رَيْحَانٌ ، وَيُسْتَرُ بِحَرِيرٍ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ ، كُسِيَ نُورُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ جُعِلَ لَهُ نُورٌ مِثْلَ الشَّمْسِ ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْعَرُوسِ لا يُوقِظُهُ إِلا أَحَبُّ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا تُوُفِّيَ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ بِخِرْقَةٍ مِنْ بِجَادٍ أَنْتَنُ مِنْ كُلِّ نَتْنٍ ، وَأَخْشَنُ مِنْ كُلِّ خَشِنٍ ، فَيُقَالُ : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، وَلَبِئْسَ مَا قَدَّمْتِ لِنَفْسِكِ ، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رَائِحَةٍ وَجَدَهَا أَحَدٌ قَطُّ بِأَنْفِهِ ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فِي قَبْرِهِ ، فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ ، ثُمَّ يُرْسَلُ عَلَيْهِ حَيَّاتٌ ، كَأَنَّهَا أَعْنَاقُ الْبُخْتِ يَأْكُلُ لَحْمَهُ ، وَيُقَيَّضُ لَهُ مَلائِكَةٌ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ لا يَسْمَعُونَ لَهُ صَوْتًا ، وَلا يَرَوْنَهُ فَيَرْحَمُوهُ ، وَلا يَمُلُّونَ إِذَا ضَرَبُوا ، يَدْعُونَ اللَّهَ ، بِأَنْ يُدِيمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى النَّارِ » أخرجه عبد الرزاق [242]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : لاَ يُقْبَضُ الْمُؤْمِنُ حَتَّى يَرَى الْبُشْرَى , فَإِذَا قُبِضَ نَادَى , فَلَيْسَ فِي الدَّارِ دَابَّةٌ صَغِيرَةٌ ، وَلاَ كَبِيرَةٌ إِلاَّ هِيَ تَسْمَعُ صَوْتَهُ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ : الْجِنَّ وَالإِنْسَ تَعَجَّلُوا بِهِ إلَى أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ فَإِذَا وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ ، قَالَ : مَا أَبْطَأَ مَا تَمْشُونَ , فَإِذَا أُدْخِلَ فِي لَحْدِهِ أُقْعِدَ فَأُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ , وَمُلِئَ قَبْرُهُ مِنْ رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَمِسْكٍ ، قَالَ : فَيَقُولُ : يَا رَبِّ , قَدِّمْنِي ، قَالَ : فَيُقَالَ : لَمْ يَأْنِ لَك , إنَّ لَك إخْوَةً وَأَخَوَاتٍ لَمَّا يَلْحَقُونَ , وَلَكِنْ نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , مَا نَامَ نَائِمٌ شَابٌّ طَاعِمٌ نَاعِمٌ ، وَلاَ فَتَاةٌ فِي الدُّنْيَا نَوْمَةً بِأَقْصَرَ ، وَلاَ أَحْلَى مِنْ نَوْمَتِهِ حَتَّى يَرْفَعَ رَأْسَهُ إلَى الْبُشْرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ . » أخرجه ابن أبي شيبه [243]

قلت :قد ورد في القرآن الكريم أصل البشرى ، قال تعالى : {  أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) [يونس/62-64]    سورة يونس

يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ ، وَهُمُ الذِينَ آمَنُوا وَاتَّقَوا وَأَخْلَصُوا العِبَادَةَ لَهُ وَحْدَهُ ، وَالتَّوَكُلَ عَلَيْهِ ، لاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ مِمَّا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَهْوَالِ الآخِرَةِ ، وَلاَ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ وَرَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا .

وَيَقُولُ تَعَالَى مُعَرِّفاً ( أَوْلِيَاءَ اللهِ ) : بِأَنَّهُمُ الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ ، وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، وَكَانُوا يَتَّقُونَ اللهَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ ، وَيُرَاقِبُونَهُ فِي سِرِّهِمْ وَعَلاَنِيَّتِهِمْ ، فَلاَ يَقُومُونَ إِلاَّ بِمَا يُرْضِي اللهَ رَبَّهُمْ .

وَهَؤُلاَءِ المُؤْمِنُونَ المُتَّقُونَ ، لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا بِالنَّصْرِ وَالعِزَّةِ ، وَبِإِلْهَامِهِم الحَقَّ وَالخَيْرَ ، وَبِالاسْتِخْلاَفِ فِي الأَرْضِ مَا أَقَامُوا شَرْعَ اللهِ ، وَنَصَرُوا دِينَهُ الحَقَّ ، وَأَعْلَوا كَلِمَتَهُ ( وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : " إِنَّ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا العَبْدُ ، أَوْ تُرَى لَهُ ، وَهِيَ فِي الآخِرَةِ الجَنَّةُ " ) ( رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عن رَسول الله r ) . وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ لاَ يُبَدَّلُ ( لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ) ، وَلاَ يُغَيَّرُ وَلاَ يُخْلَفُ ، بَلْ مُقَرَّرٌ ثَابِتٌ كَائِنٌ لاَ مَحَالَةَ . وَهَذِهِ البُشْرَى بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ هِيَ الفَوْزُ العَظِيمُ .

وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (31)  سورة فصلت

إِنَّ الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ ، وََأَخْلَصُوا لَهُ العِبَادَةَ ، وَثَبَتُوا عَلَى الإِيمَانِ ( اسْتَقَامُوا ) تَتَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ عَلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالبُشْرَى التِي يُرِيدُونَهَا ، وَبِأَنَّهُمْ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ مِمّا يَقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ ، وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَالٍ وَزَوْجٍ وَوَلَدٍ ، وَيَبَشِّرُونَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ التِي وَعَدَهُمْ اللهُ بِهَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ . ( وَقِيلَ إِنَّ البُشْرَى تَكُونُ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاطِنَ : عِنْدَ المَوْتِ ، وَفِي القَبْرِ ، وَحِينَ البَعْثِ والنُّشُورِ ) .

وَتَقُولُ المَلاَئِكَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَهُمْ يُبَشِّرُونَهُمْ : نَحْنُ كُنَّا أَوْلِيَاءَكُمْ فِي الحِيَاةَ الدُّنْيَا نُسَدِّدُ خُطَاكُمْ ، وَنُلْهِمُكُمْ الحَقَّ ، وَنُرْشِدُكُمْ إِلَى مَا فِيهِ الخَيْرُ وَرِضا اللهِ تَعَالَى وَكَذِلِكَ نَكُونُ مَعَكُمْ فِي الآخِرَةِ ، نُؤْمِّنُكُمْ عِنْدَ المَوْتِ مِنْ وَحْشَةِ القَبْرِ ، وَعِنْدَ النَّفْخَةِ فِي الصُّورِ ، وَيَوْمَ البَعْثِ والنُّشُورِ ، وَنُوصِلُكُمْ إِلَى جَنَّاتِ الخُلْدِ ، وَإِنَّكُمْ وَاجِدُونَ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ مِنَ المَلَذَّاتِ والنَّعِيمِ ، وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَتَمَنونَ وَتَطْلُبُونَ .

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا عبد السلام بن مطهر، حدثنا جعفر بن سليمان: سمعت ثابتا قرأ سورة "حم السجدة"  حتى بلغ: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ } فوقف فقال: بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره، يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا، فيقولان له: لا تخف ولا تحزن، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }  قال: فيؤمن الله خوفه، ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين، لما هداه الله، ولما كان يعمل له في الدنيا.وقال زيد بن أسلم: يبشرونه عند موته، وفي قبره، وحين يبعث. رواه ابن أبي حاتم. وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدا، وهو الواقع.

وقوله: { نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } أي: تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: نحن كنا أولياءكم، أي: قرناءكم في الحياة الدنيا، نسددكم ونوفقكم، ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم. [244]

ــــــــــــــ


المبحثُ الثامن عشر

الحث على التوبة قبل فوات الأوان

 

قال تعالى: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً  (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} سورة النساء

توبة الله على عباده نوعان: توفيق منه للتوبة، وقبول لها بعد وجودها من العبد، فأخبر هنا -أن التوبة المستحقة على الله حق أحقه على نفسه، كرما منه وجودا، لمن عمل السوء أي: المعاصي { بِجَهَالَةٍ } أي: جهالة منه بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهل منه بنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تئول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه، فكل عاص لله، فهو جاهل بهذا الاعتبار وإن كان عالما بالتحريم. بل العلم بالتحريم شرط لكونها معصية معاقبا عليها { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } يحتمل أن يكون المعنى: ثم  يتوبون قبل معاينة الموت، فإن الله يقبل توبة العبد إذا تاب قبل معاينة الموت والعذاب قطعا. وأما بعد حضور الموت فلا يُقبل من العاصين توبة ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون: { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } الآية. وقال تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ } .

وقال هنا:  { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ } أي: المعاصي فيما دون الكفر. {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار. ويحتمل (1) أن يكون معنى قوله: { مِنْ قَرِيبٍ } أي: قريب من فعلهم للذنب الموجب للتوبة، فيكون المعنى: أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه  وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفاتٍ راسخةً فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة.

والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون   بنظر الله إليه، فإنه سد  على نفسه باب الرحمة.

نعم قد يوفق الله عبده المصر على الذنوب عن عمد ويقين لتوبة   تامة  [التي] يمحو بها ما سلف من سيئاته وما تقدم من جناياته، ولكن الرحمة والتوفيق للأول أقرب، ولهذا ختم الآية الأولى بقوله: { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } .

فمِن علمه أنه يعلم صادق التوبة وكاذبها فيجازي كلا منهما بحسب ما يستحق بحكمته، ومن حكمته أن يوفق من اقتضت حكمته ورحمته توفيقَه للتوبة، ويخذل من اقتضت حكمته وعدله عدمَ توفيقه. والله أعلم.[245]

عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ » أخرجه الترمذي [246]

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ ، قَالَ : اجْتَمَعَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِيَوْمٍ " فَقَالَ الثَّانِي : آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِنِصْفِ يَوْمٍ " فَقَالَ الثَّالِثُ : آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِضَحْوَةٍ " قَالَ الرَّابِعُ : آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَأَنَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ بِنَفَسِهِ " أخرجه أحمد [247]

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ سَلْمَانَ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ - أَوْ يَغْفِرُ لِعَبْدِهِ - مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا وُقُوعُ الْحِجَابِ قَالَ « أَنْ تَمُوتَ النَّفْسُ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ ». أخرجه أحمد[248]

فالتَّوْبَةُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبَةٌ شَرْعًا عَلَى الْفَوْرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ ؛ لأَِنَّهَا مِنْ أُصُول الإِْسْلاَمِ الْمُهِمَّةِ وَقَوَاعِدِ الدِّينِ ، وَأَوَّل مَنَازِل السَّالِكِينَ  ،قَال اللَّهُ تَعَالَى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ( سورة النور / 31 ) .

وَقْتُ التَّوْبَةِ :

إِذَا أَخَّرَ الْمُذْنِبُ التَّوْبَةَ إِلَى آخِرِ حَيَاتِهِ ، فَإِنْ ظَل آمِلاً فِي الْحَيَاةِ غَيْرَ يَائِسٍ بِحَيْثُ لاَ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْمَوْتَ يُدْرِكُهُ لاَ مَحَالَةَ فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } (سورة الشورى / 25 ) وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ (صحيح) .

وَإِنْ قَطَعَ الأَْمَل مِنَ الْحَيَاةِ وَكَانَ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ ( مُشَاهَدَةُ دَلاَئِل الْمَوْتِ ) فَاخْتَلَفُوا فِيهِ :

قَال الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ : وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ، وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَنُسِبَ إِلَى مَذْهَبِ الأَْشَاعِرَةِ : إِنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ الَّذِي يُشَاهِدُ دَلاَئِل الْمَوْتِ ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَال إِنِّي تُبْتُ الآْنَ } ( سورة النساء / 18) الآْيَةَ .

قَالُوا : إِنَّ الآْيَةَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ الذُّنُوبَ وَيُؤَخِّرُونَ التَّوْبَةَ إِلَى وَقْتِ الْغَرْغَرَةِ ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى بَعْدَهُ : { وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } (سورة النساء / 18 ) لأَِنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ إِلَى حُضُورِ الْمَوْتِ مِنَ الْفَسَقَةِ وَبَيْنَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ كَافِرٌ ، فَلاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ كَمَا لاَ يُقْبَل إِيمَانُهُ . وَلِقَوْلِهِ r : إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل التَّوْبَةَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ صُدُورُهَا قَبْل الْغَرْغَرَةِ ، وَهِيَ حَالَةُ الْيَأْسِ وَبُلُوغُ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ .

وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَرْغَرَةِ ، بِخِلاَفِ إِيمَانِ الْيَائِسِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَيَبْدَأُ إِيمَانًا وَعِرْفَانًا ، وَالْفَاسِقُ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَال الْبَقَاءِ ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَل مِنَ الاِبْتِدَاءِ وَلإِِطْلاَقِ قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } (سورة الشورى / 25) .

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ الْكَافِرِ بِإِسْلاَمِهِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ حَال فِرْعَوْنَ : { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَال آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الآْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْل وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } (سورة يونس / 90 ، 91 )[249].

ـــــــــــــــ


المبحثُ التاسع عشر

الترغيب في كلمات يقولهن من مات له ميت

 

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَوِ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ». قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ -r - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ قَالَ « قُولِى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَلَهُ وَأَعْقِبْنِى مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً ». قَالَتْ فَقُلْتُ فَأَعْقَبَنِى اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِى مِنْهُ مُحَمَّدًا -r -. رواه مسلم [250]

قال النووي رحمه الله : فِيهِ النَّدْب إِلَى قَوْل الْخَيْر حِينَئِذٍ مِنَ الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار لَهُ وَطَلَب اللُّطْف بِهِ وَالتَّخْفِيف عَنْهُ وَنَحْوه ، وَفِيهِ حُضُور الْمَلَائِكَة حِينَئِذٍ وَتَأْمِينهمْ.

وعَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ سَفِينَةَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -r - تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِى فِى مُصِيبَتِى وَأَخْلِفْ لِى خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِى مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا ». قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّىَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ -r - فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِى خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ -r -. رواه مسلم [251]

قَوْلُهُ مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ هَذَا اللَّفْظُ مَوْضُوعٌ فِي أُصَلِّ كَلَامِ الْعَرَبِ لِكُلِّ مَنْ نَالَهُ شَرٌّ أَوْ خَيْرٌ وَلَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ بِالرَّزَايَا وَالْمَكَارِهِ وَقَوْلُهُ r فَقَالَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ لَمْ يُرِدْ لَفْظَ الْأَمْرِ بِهَذَا الْقَوْلِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ الْقُرْآنُ بِتَبْشِيرِ مَنْ قَالَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ ، وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ،وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ إِلَى غَيْرِ الْقُرْآنِ فَيُخْبِرَ r عَنْ أَمْرِ الْبَارِي لَنَا بِذَلِكَ وَلِذَلِكَ وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اُؤْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا ثُمَّ قَالَ r إِلَّا فَعَلَ اللَّهُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ يُرِيدُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُ وَيَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْأَجْرِ عَلَى مُصِيبَتِهِ وَيُعْقِبُهُ مِنْهَا يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ يُعْطِيه بِعَقِبِ ذَلِكَ خَيْرًا مِمَّا أَصَابَهُ

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُهُ ، ثُمَّ قُلْتُ وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَذَلِكَ لِمَا كَانَتْ تَعْلَمُ مِنْ فَضْلِ أَبِي سَلَمَةَ وَدِينِهِ وَخَيْرِهِ وَاسْتَبْعَدَتْ لِذَلِكَ أَنْ تُعَوَّضَ بِخَيْرٍ مِنْهُ وَلَمْ تَكُنْ تَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r يَتَزَوَّجُهَا وَلَوْ ظَنَّتْ ذَلِكَ لَمْ تَقُلْهُ فَأَعْقَبَهَا اللَّهُ رَسُولَ اللَّهِ r وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ . [252]

وعَنْ أَبِى سِنَانٍ قَالَ دَفَنْتُ ابْنِى سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلاَنِىُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِى فَقَالَ أَلاَ أُبَشِّرُكَ يَا أَبَا سِنَانٍ. قُلْتُ بَلَى. فَقَالَ حَدَّثَنِى الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِى. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ. [253]؟ فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِى فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. [254]، فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِى بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ». رواه الترمذي [255]

( قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ ) أَيْ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ  ( قَبَضْتُمْ ) عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ  ( وَلَدَ عَبْدِي ) أَيْ رُوحَهُ  ( فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ )  أَيْ يَقُولُ ثَانِيًا إِظْهَارًا لِكَمَالِ الرَّحْمَةِ كَمَا أَنَّ الْوَالِدَ الْعَطُوفَ يَسْأَلُ الْفَصَّادَ هَلْ فَصَدْت وَلَدِي مَعَ أَنَّهُ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ . وَقِيلَ سَمَّى الْوَلَدَ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ الْأَبِ كَالثَّمَرَةِ لِلشَّجَرَةِ  ( وَاسْتَرْجَعَ )  أَيْ قَالَ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  ( وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ )  أَضَافَ الْبَيْتَ إِلَى الْحَمْدِ الَّذِي قَالَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهُ جَزَاءُ ذَلِكَ الْحَمْدِ ، قَالَهُ الْقَارِي[256]

ــــــــــــــ

المبحثُ العشرون

معرفة الميت بمن يغسله ويجهزه

 

عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ : « الْمَيِّتُ يَعْرِفُ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيَحْمِلُهُ وَيُدَلِّيهِ ». قَالَ فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِ أَبِى سَعِيدٍ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ فَمَرَّ أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ لَهُ مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r أخرجه أحمد [257]

وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ « إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِى . وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ » أخرجه البخاري[258]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا  إِلَيْهِ ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ » أخرجه الشيخان [259]

الويل : الحزن والهلاك والعذاب وقيل وادٍ في جهنم ،  صعق : غشي عليه

قال ابن بطال : فيه دليل أن النساء لا يحملنها، لأنهن لا يلزمهن ما يلزم الرجال من المؤن، والقيام بالحقوق، ونصرة الملهوف، وإعانة الضعيف، وقد سقط عنهن كثير من الأحكام، عذرهن الله بضعفهن، فقال: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} [النساء: 98] الآية، وقول بعض الناس فى قوله:  « يسمعها كل شىء إلا الإنسان »  إن قيل: ينبغى أن يسمعها الحيوان الصامت بدليل هذا الحديث، لأنه إنما استثنى الإنسان فقط.

قيل: هذا مما لفظه العموم، والمراد به الخصوص، وإنما معناه: يسمعها كل شىء مميز، وهم الملائكة والجن، وإنما يتكلم روح الجنازة، لأن الجنازة لا تتكلم بعد خروج الروح منها إلا أن يرده الله فيها، فإنما يسمع الروح من هو مثله ويجانسه، وهم الملائكة والجن، والله أعلم، وقد بين  - r -  المعنى الذى من أجله منع الإنسان أن يسمعها، وهو أنه كان يصعق لو سمعها، فأراد تعالى الإبقاء على عباده، والرفق بهم فى الدنيا، لتعمر ويقع فيها البلوى والاختبار[260].

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: « الروحُ بيد الملك والجسدُ يُقلّب، فإذا حملوه تبعهم، فإذا وضع في القبر بثّه فيه » أخرجه البيهقي [261]

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ الإِِْسْرَاعُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ إِِذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ r - لَمَّا عَادَ طَلْحَةُ بْنُ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال : إِنِّي لاَ أَرَى طَلْحَةَ إِلاَّ قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ ، فَآذِنُونِي بِهِ ، وَعَجِّلُوا ، فَإِِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ [262]. وَالصَّارِفُ عَنْ وُجُوبِ التَّعْجِيل : الاِحْتِيَاطُ لِلرُّوحِ ؛ لاِحْتِمَالِهِ الإِِْغْمَاءَ وَنَحْوَهُ . وَفِي الْحَدِيثِ أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ ، فَإِِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ ، وَإِِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ [263].

وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُ مَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ غَرَقًا[264].

ــــــــــــــــ

المبحثُ الواحد والعشرون

بكاء السموات والأرض على المؤمن

 

قال تعالى عن فرعون وقومه: { كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29) }  [الدخان/25-29]

كَم تَرَكَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمُهُ قَبْلَ مَهلِكِهِمْ فِي أَرْضِهِمْ مِنْ بَسَاتِينَ نَضِرَةٍ ، وَحَدَائِقَ غَنَّاءَ ، وَعُيُونِ ماءٍ جَارِيةٍ وَأنْهَارٍ .وَكَمْ تَرَكُوا مِنْ زُرُوعٍ نَاضِرَةٍ ، وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةٍ .

وَعَيْشٍ رَغِيدٍ كَانُوا يَتَفَكَّهُونَ فِيهِ فَيَأْكُلُونَ مَا شَاؤُوا ، وَيَلْبَسُونَ مَا أَحَبُّوا . فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ تَعَالى فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهكَذَا يَفْعَلُ اللهُ بِالذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَهُ ، وَيُخَالِفُونَ عَنْ أَمرِهِ فإِنَّهُ يُبِيدُهُمْ وَيُورِثُ أَرْضَهُمْ قَوْماً آخرينَ لَيْسُوا مِنْهُمْ فِي شيءٍ قَرابةً ولا دِيناً .

وَقَدْ كَانَ هؤلاءِ الطُّغَاةُ العُتَاةُ هَيِّنِينَ عَلَى اللهِ ، وَعَلى عِبادِ اللهِ ، إِذْ لَم يَكُنْ لَهُمْ عَمَلٌ صَالِحٌ يُرَفَعُ إِلى السَّماء ، وَلاَ عَمَلُ خَيرٍ مَعَ عِبَادِ اللهِ في الأَرضِ يُذكرُ لهم ، فَلم تبكِ لفَقْدِهِم الأرضُ ولا السَّماءُ ، وَلم يُمْهَلُوا لِتَوْبَةٍ ، وَإِنَّما عَجَّلَ اللهُ لَهُمُ العَذَابَ دُونَ إِبْطَاءِ . وَسَأَلَ رَجُلٌ عَلياً رَضِي اللهَ عَنْهُ : هَلْ تَبكيِ السَّمَاءُ والأَرضُ عَلَى أَحَدٍ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ إِلا لَهُ مُصَلَّىً فِي الأَرضُ ، وَمَصْعَدُ عَمَلِهِ مِنَ السَّماءِ ، وَإِنَّ آلَ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَمَلٌ صَالِحٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ عَمَلٌ يَصْعَدُ فِي السَّماءِ ، ثُمَّ قَرَأَ الآيةَ الكَرِيمَةَ .( ابن أبي حاتم وفيه ضعف)

أي : أن هؤلاء المغرقين ، الذين كانوا ملء السمع والبصر ، وكانوا يذلون غيرهم ، وكانوا يملكون الجنات والعيون . . هؤلاء الطغاة ، لم يحزن لهلاكهم أحد من أهل السماوات أو أهل الأرض ، ولم يؤخر عذابهم لوقت آخر فى الدنيا أو فى الآخرة ، بل نزل بهم الغرق والدمار بدون تأخير أو تسويف.

فالمقصود من الآية الكريمة ببيان هوان منزلة هؤلاء المغرين ، وتفاهة شأنهم ، وعدم أسف أحد على غرقهم ، لأنهم كانوا ممقوتين من كل عاقل . .

قال صاحب الكشاف ما ملخصه : كان العرب إذا مات فيهم رجل خطير قالوا فى تعظيم مهكله : بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس . ...

وفى الآية تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده ، فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض . يعنى فما بكى عليهم أهل السماء والأرض ، بل كانكوا بهلاكهم مسرورين . .

وقال الإِمام ابن كثير : قوله : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السمآء والأرض } أى : لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد فى أبواب السماء فتبكى على فقدهم ، ولا لهم بقاع فى الأرض عبدوا الله فيها ففقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا . التفسير الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 3829)

فهؤلاء الطغاة المتعالون لم يشعر بهم أحد في أرض ولا سماء . ولم يأسف عليهم أحد في أرض ولا سماء . وذهبوا ذهاب النمال , وهم كانوا جبارين في الأرض يطأون الناس بالنعال ! وذهبوا غير مأسوف عليهم فهذا الكون يمقتهم لانفصالهم عنه , وهو مؤمن بربه , وهم به كافرون ! وهم أرواح خبيثة شريرة منبوذة من هذا الوجود وهي تعيش فيه !

ولو أحس الجبارون في الأرض ما في هذه الكلمات من إيحاء لأدركوا هوانهم على الله وعلى هذا الوجود كله . ولأدركوا أنهم يعيشون في الكون منبوذين منه , مقطوعين عنه , لا تربطهم به آصرة , وقد قطعت آصرة الإيمان .

عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ: أَتَى اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا رَجُل فَقَالَ يَا أَبَا الْعَبَّاس أَرَأَيْت قَوْل اللَّه تَعَالَى "فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينََ " فَهَلْ تَبْكِي السَّمَاء وَالْأَرْض عَلَى أَحَد ؟ قَالَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: نَعَمْ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَد مِنَ الْخَلَائِق إِلَّا وَلَهُ بَاب فِي السَّمَاء مِنْهُ يَنْزِل رِزْقه وَفِيهِ يَصْعَد عَمَله ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِن فَأُغْلِقَ بَابه مِنَ السَّمَاء الَّذِي كَانَ يَصْعَد فِيهِ عَمَله وَيَنْزِل مِنْهُ رِزْقه فَفَقَدَهُ بَكَى عَلَيْهِ ،وَإِذَا فَقَدَهُ مُصَلَّاهُ مِنَ الْأَرْض الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَيَذْكُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا بَكَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّ قَوْم فِرْعَوْن لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي الْأَرْض آثَارٌ صَالِحَة وَلَمْ يَكُنْ يَصْعَد إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ خَيْر، فَلَمْ تَبْكِ عَلَيْهِمْ السَّمَاء وَالْأَرْض". أخرجه الطبري [265]

وعَنِ شريح بن عبيد الحضرمي، قال: قال رسول الله r :"إنَّ الإسْلامَ بَدَأ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا، ألا لا غُرْبَةَ عَلى المُؤْمِن، ما ماتَ مُؤْمِنٌ فِي غُرْبَةٍ غَابَتْ عَنْهُ فِيهَا بَوَاكِيهِ إلا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّماءُ والأرْضُ"، ثم قرأ رسول الله r ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ )، ثم قال:"إنَّهُما لا يَبْكِيانِ على الكافر". أخرجه الطبري [266]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ  رضي الله عنهما، قَالَ : الأَرْضُ تَبْكِي عَلَى الْمُؤْمِنِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا » أخرجه ابن أبي شيبة [267]

وعن محمد بن كعب القرظي قال : " إِنَّ الْأَرْضَ لَتَبْكِي مِنْ رَجُلٍ ، وَتَبْكِي عَلَى رَجُلٍ ، تَبْكِي عَلَى مَنْ كَانَ يَعْمَلُ عَلَى ظَهْرِهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَبْكِي مِمَنْ كَانَ يَعْمَلُ عَلَى ظَهْرِهَا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى " ، ثُمَّ قَرَأَ : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ أخرجه ابن المبارك في الزهد[268]

ــــــــــــــــــــ

المبحثُ الثاني والعشرون

الترغيب في حفر القبور وغسل الموتى

 

عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً ، وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنَ السُّنْدُسِ ، وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ حَفَرَ لِمَيِّتٍ قَبْرًا فَأَجَنَّهُ فِيهِ أُجْرِيَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أُسْكِنَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ »  رواه الحاكم [269]

والمقصود من الكتمان عدم ذكر ما يمكن أن يلاحظه الغاسل من اسوداد الوجه مثلا ونتن الرائحة، ونحو ذلك مما يوحي بأن المرء ليس من أهل الخير.

قال النووي: فيه أنه يسن إذا رأى الغاسل ما يعجبه أن يذكره وإذا رأى ما يكره لا يحدث به قال: وهكذا أطلقه أصحابنا لكن قال صاحب البيان: لو كان الميت مبتدعاً معلناً ببدعته فينبغي ذكر ما يكره منه زجراً للناس عن البدعة.

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r : " زُرِ الْقُبُورَ تَذَكَّرْ بِهَا الْآخِرَةَ ، وَاغْسِلِ الْمَوْتَى فَإِنَّ مُعَالَجَةَ جَسَدِهِ مَوْعِظَةٌ بَلِيغَةٌ ، وَصَلِّ عَلَى الْجَنَائِزِ لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يُحْزِنَكَ ، فَإِنَّ الْحَزِينَ فِي ظِلِّ اللَّهِ يَتَعَرَّضُ كُلَّ خَيْرٍ " رواه الحاكم [270]

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَكَ بِهَا : زُرِ الْقُبُورَ وَتَذَكَّرْ بِهَا الْآخِرَةَ " . قُلْتُ : يَا رَسُولُ اللَّهِ ، بِاللَّيْلِ ؟ قَالَ : " بِالنَّهَارِ أَحْيَانًا وَلَا تُكْثِرْ ، وَاغْسِلِ الْمَوْتَى ؛ فَإِنَّ مُعَالَجَةَ جَسَدٍ خَاوِيًا عِظَةٌ بَلِيغَةٌ ، وَصَلِّ عَلَى الْجَنَائِزِ لَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ يُحْزِنَكَ ، فَإِنَّ الْحَزِينَ فِي ظِلِّ اللَّهِ ، وَيُعَوَّضُ كُلَّ خَيْرٍ ، وَجَالِسِ الْمَسَاكِينَ وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ إِذَا لَقِيتَهُمْ ، وَكُلْ مَعَ صَاحِبِ الْبَلَاءِ تَوَاضُعًا لِرَبِّكَ وَإِيمَانًا بِهِ ، وَالْبَسِ الْخَشِنَ الضَّيِّقَ مِنَ الثِّيَابِ لَعَلَّ الْعُجْبَ وَالْكِبْرَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا فِيكَ مَسَاغٌ ، وَتَزَيَّنْ أَحْيَانًا لِعِبَادَةِ رَبِّكَ ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ كَذَلِكَ يَفْعَلُ تَعَفُّفًا وَتَكَرُّمًا ، وَلَا تُعَذِّبْ شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ بِالنَّارِ "[271]

(زر القبور تذكر بها الآخرة) لأن الإنسان إذا شاهد القبور تذكر الموت وما بعده وفيه عظة واعتبار وكان ربيع بن خيثم إذا وجد غفلة يخرج إلى القبور ويبكي ويقول: كنا وكنتم ثم يحيي الليل كله عندهم فإذا أصبح كأنه نشر من قبره قال السبكي: وهذا المعنى ثابت في جميع القبور ودلالة القبور على ذلك متساوية كما أن المساجد غير الثلاثة متساوية (واغسل الموتى فإن معالجة جسد خاو موعظة بليغة وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل اللّه) أي في ظل عرشه (يوم القيامة) يوم لا ظل إلا ظله (يتعرض لكل خير) قال الغزالي: فيه ندب زيارة القبور لكن لا يمس القبر ولا يقبله فإن ذلك عادة النصارى قال: وكان ابن واسع يزور يوم الجمعة ويقول: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوماً قبله ويوماً بعده.[272]

وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَكَفَّنَهُ وَحَنَّطَهُ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا رَأَى خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ». رواه ابن ماجه [273]

( وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ )مِنَ الْإِفْشَاء أَيْ لَمْ يُظْهِرْ مَا رَأَى مِنْ الْمَكْرُوه مِنْ سَوَاد الْوَجْه وَغَيْره وَإِنْ حَصَلَا سَأَلَ اللَّه الْعَفْو وَالْعَافِيَة، وَأَمَّا إِظْهَار الْمَحْبُوب إِنْ رَأَى فَخَيْر وَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِالْمَكْرُوهِ لِإِغْنَاءِ كَلِمَة عَلَى عَنْهُ " [274]

ـــــــــــــــ

المبحثُ الثالث  والعشرون

الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه

 

عن أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّىَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ » . قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ « مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ » رواه البخاري ومسلم [275]

إن الله تبارك وتعالى لطيف بعباده، ويريد أن يهيئ لهم أسباب الغفران، لاسيما عند مفارقتهم الدنيا، التي هي دار العمل، إلى دار يطوى فيها سجِلُّ أعمالهم.

ولذا فإنه حضَّ على الصلاة على الجنازة وشهودها، لأن ذلك شفاعة تكون سبباً للرحمة.

فجعل لمن صلَّى عليها قيراطا من الثواب، ولمن شهدها حتى تدفن قيراطاً آخر. وهذا مقدار من الثواب عظيم ومعلوم قدره عند الله تعالى.

فلما خَفِي على الصحابة- رَضي الله عنهم- مقداره، قرَّبه النبي r إلى أفهامهم، بأن كل قيراط مثل الجبل العظيم.[276]

وقَدْ أَثْبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ الْقِيرَاطَيْنِ إِنَّمَا يَحْصُلَانِ بِمَجْمُوعِ الصَّلَاة وَالدَّفْن ، وَأَنَّ الصَّلَاة دُون الدَّفْن يَحْصُل بِهَا قِيرَاط وَاحِد ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد خِلَافًا لِمَنْ تَمَسّك بِظَاهِرِ بَعْض الرِّوَايَات فَزَعَمَ أَنَّهُ يَحْصُل بِالْمَجْمُوعِ ثَلَاثَة قَرَارِيط. [277]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ « مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ، وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ » أخرجه البخاري [278]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَا. قَالَ « فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَا. قَالَ « فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَا. قَالَ « فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَا اجْتَمَعْنَ فِى امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». رواه مسلم [279]

قَالَ الْقَاضِي عياض : مَعْنَاهُ دَخَلَ الْجَنَّة بِلَا مُحَاسَبَةٍ وَلَا مُجَازَاة عَلَى قَبِيح الْأَعْمَال ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْإِيمَان يَقْتَضِي دُخُول الْجَنَّة بِفَضْلِ اللَّه تَعَالَى .اهـ

قلت : ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ تَشْيِيعَ الرِّجَال لِلْجِنَازَةِ سُنَّةٌ ؛ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ r بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ ، وَنُصْرَةِ الْمَظْلُومِ ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي" صحيح ابن حبان (3040) صحيح .

وَالأَْمْرُ هُنَا لِلنَّدْبِ لاَ لِلْوُجُوبِ لِلإِْجْمَاعِ ، وَقَال الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ : إِنَّ اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْكِفَايَةِ .

وَقَال الشَّيْخُ مَرْعِي الْحَنْبَلِيُّ : اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ سُنَّةٌ ، قَال الْحَنَفِيَّةُ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ أَفْضَل مِنَ النَّوَافِل إِذَا كَانَ لِجِوَارٍ وَقَرَابَةٍ ، أَوْ صَلاَحٍ مَشْهُورٍ ، وَالأَْفْضَل لِمُشَيِّعِ الْجِنَازَةِ الْمَشْيُ خَلْفَهَا ، وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ عَلَى مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ " لِحَدِيثِ الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلاَ تُتْبَعُ لَيْسَ مَعَهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا"[280]

إِلاَّ أَنْ يَكُونَ خَلْفَهَا نِسَاءٌ فَالْمَشْيُ أَمَامَهَا أَحْسَنُ ، وَلَكِنْ إِنْ تَبَاعَدَ عَنْهَا ( بِحَيْثُ يُعَدُّ مَاشِيًا وَحْدَهُ أَوْ تَقَدَّمَ الْكُل ، وَتَرَكُوهَا خَلْفَهُمْ لَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ ) أَوْ رَكِبَ أَمَامَهَا كُرِهَ ، وَأَمَّا الرُّكُوبُ خَلْفَهَا فَلاَ بَأْسَ بِهِ ، وَالْمَشْيُ أَفْضَل ، وَالْمَشْيُ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ يَسَارِهَا خِلاَفُ الأَْوْلَى ، لأَِنَّ فِيهِ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ اتِّبَاعُهَا .  وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ : الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَفْضَل ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ r وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ (صحيح) . وَرُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ كِلاَ الأَْمْرَيْنِ وَقَدْ قَال عَلِيٌّ : إِنَّ فَضْل الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الَّذِي يَمْشِي أَمَامَهَا كَفَضْل صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلاَةِ الْفَذِّ . وَقَال الثَّوْرِيُّ : كُل ذَلِكَ فِي الْفَضْل سَوَاءٌ .

وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلاَ يَنْبَغِي لَهُنَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْجِنَازَةِ ، فَفِي الدُّرِّ يُكْرَهُ خُرُوجُهُنَّ تَحْرِيمًا ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ : لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ . (فيه ضعف) وَلِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ : نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا . (متفق عليه) وَلِحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَبَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ r يَوْمًا ، فَلَمَّا فَرَغْنَا ، انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ r ، وَانْصَرَفْنَا مَعَهُ ، فَلَمَّا حَاذَى بَابَهُ ، وَتَوَسَّطَ الطَّرِيقَ ، إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ مُقْبِلَةٍ ، فَلَمَّا دَنَتْ إِذَا هِيَ فَاطِمَةُ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ r : مَا أَخْرَجَكِ يَا فَاطِمَةُ مِنْ بَيْتِكِ ؟ قَالَتْ : أَتَيْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ ، فَعَزَّيْنَا مَيِّتَهُمْ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ r : لَعَلَّكِ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى ؟ قَالَتْ : مُعَاذَ اللهِ ، وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَذْكُرُ فِيهَا مَا تَذْكُرُ قَالَ : لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّكَ أَبُو أَبِيكِ. فَسَأَلْتُ رَبِيعَةَ عَنِ الْكُدَى ، فَقَالَ : الْقُبُورُ. [281]

وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَال النَّوَوِيُّ : مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَفَسَّرَ قَوْل أُمِّ عَطِيَّةَ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ r نَهَى عَنْهُ نَهْيَ كَرَاهِيَةِ تَنْزِيهٍ ، لاَ نَهْيَ عَزِيمَةٍ وَتَحْرِيمٍ .

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ : جَازَ خُرُوجُ مُتَجَالَّةٍ ( كَبِيرَةُ السِّنِّ ) لِجِنَازَةٍ مُطْلَقًا ، وَكَذَا شَابَّةٌ لاَ تُخْشَى فِتْنَتُهَا ، لِجِنَازَةِ مَنْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُهُ عَلَيْهَا ، كَأَبٍ ، وَأُمٍّ ، وَزَوْجٍ ، وَابْنٍ ، وَبِنْتٍ ، وَأَخٍ ، وَأُخْتٍ ، أَمَّا مَنْ تُخْشَى فِتْنَتُهَا فَيَحْرُمُ خُرُوجُهَا مُطْلَقًا .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ : كُرِهَ أَنْ تَتْبَعَ الْجِنَازَةَ امْرَأَةٌ وَحَكَى الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّهُ قَال : إِذَا أُمِنَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالتَّبَرُّجِ وَمَا يَنْشَأُ مِنَ الصِّيَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلاَ مَانِعَ مِنَ الإِْذْنِ لَهُنَّ ، ثُمَّ قَال الشَّوْكَانِيُّ : هَذَا الْكَلاَمُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الأَْحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ .

قَال الْحَنَفِيَّةُ : وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجِنَازَةِ نَائِحَةٌ أَوْ صَائِحَةٌ زُجِرَتْ ، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يَمْشِيَ مَعَهَا ؛ لأَِنَّ اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ سُنَّةٌ فَلاَ يَتْرُكُهُ لِبِدْعَةٍ مِنْ غَيْرِهِ ( لَكِنْ يَمْشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ) .

وَقَال الْحَنَابِلَةُ : حَرُمَ أَنْ يَتْبَعَهَا الْمُشَيِّعُ مَعَ مُنْكَرٍ ، نَحْوَ صُرَاخٍ ، وَنَوْحٍ ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إِزَالَتِهِ ، وَيَلْزَمُ الْقَادِرَ إِزَالَتُهُ [282].

ــــــــــــــــ

المبحثُ الرابع والعشرون

الترغيب في كثرة المصلين على الجنازة

 

عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ : « مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ ».رواه مسلم [283]

قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ هَذِهِ الْأَحَادِيث خَرَجَتْ أَجْوِبَة لِسَائِلِينَ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ ، فَأَجَابَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ عَنْ سُؤَاله . هَذَا كَلَام الْقَاضِي ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون النَّبِيّ r أَخْبَرَ بِقَبُولِ شَفَاعَة مِائَة فَأَخْبَرَ بِهِ ، ثُمَّ بِقَبُولِ شَفَاعَة أَرْبَعِينَ ، ثُمَّ ثَلَاثَة صُفُوف وَإِنْ قَلَّ عَدَدهمْ ، فَأَخْبَرَ بِهِ ، وَيَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يُقَال : هَذَا مَفْهُوم عَدَد ، وَلَا يَحْتَجّ بِهِ جَمَاهِير الْأُصُولِيِّينَ فَلَا يَلْزَم مِنَ الْإِخْبَار عَنْ قَبُول شَفَاعَة مِائَة مَنْع قَبُول مَا دُون ذَلِكَ ، وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِينَ مَعَ ثَلَاثَة صُفُوف ، وَحِينَئِذٍ كُلّ الْأَحَادِيث مَعْمُول بِهَا وَيَحْصُل الشَّفَاعَة بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَلَاثَة صُفُوف وَأَرْبَعِينَ .[284]

وعَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ فَقَالَ يَا كُرَيْبُ انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ. قَالَ فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَخْرِجُوهُ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ » رواه مسلم [285]

(إلا شفعهم اللّه فيه) أي قبل شفاعتهم في حقه وفي خبر آخر ثلاثة صفوف ولا تعارض إما لأنها أخبار جرت على وفق سؤال السائلين أو لأن أقل الأعداد متأخر ومن عادة اللّه الزيادة في فضله الموعود وأما قول النووي مفهوم العدد غير حجة فرد بأن ذكر العدد حينئذ يصير عبثاً.[286]

وعَنْ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ أَوْجَبَ ». قَالَ فَكَانَ مَالِكٌ إِذَا اسْتَقَلَّ أَهْلَ الْجَنَازَةِ جَزَّأَهُمْ ثَلاَثَةَ صُفُوفٍ لِلْحَدِيثِ. رواه أبو داود [287]

قال في تحفة الأحوذي : وفي هذه الأحاديث استحباب تكثير جماعة الجنازة، ويطلب بلوغهم إلى هذا العدد الذي يكون من موجبات الفوز، وقد قيد ذلك بأمرين:

الأول: أن يكونوا شافعين فيه أي مخلصين له الدعاء سائلين له المغفرة.

الثاني: أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئاً.

وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَمَّا تُوُفِّىَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِىِّ -r- أَنْ يَمُرُّوا بِجَنَازَتِهِ فِى الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِى كَانَ إِلَى الْمَقَاعِدِ فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ وَقَالُوا مَا كَانَتِ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ. عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةٍ فِى الْمَسْجِدِ وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r  عَلَى سُهَيْلِ ابْنِ بَيْضَاءَ إِلاَّ فِى جَوْفِ الْمَسْجِدِ. أخرجه مسلم [288]

وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ فِي جَوَاز الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَحْمَد وَإِسْحَاق ، قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : وَرَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِك ، وَبِهِ قَالَ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ ، وَقَالَ اِبْن أَبِي ذِئْب وَأَبُو حَنِيفَة وَمَالِك عَلَى الْمَشْهُور عَنْهُ : لَا تَصِحّ الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد بِحَدِيثِ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ ( مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ ) وَدَلِيل الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور حَدِيث سُهَيْل بْن بَيْضَاء ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث سُنَن أَبِي دَاوُدَ بِأَجْوِبَةٍ : منها ضعفه أو معارضته لما هو أقوى منه أو تأويله .. انظر كلام النووي رحمه الله

ـــــــــــــ

المبحثُ الخامس والعشرون

الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا  إِلَيْهِ ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ » رواه البخاري ومسلم [289]

وعَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِى جَنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِى الْعَاصِ وَكُنَّا نَمْشِى مَشْيًا خَفِيفًا فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرَةَ فَرَفَعَ سَوْطَهُ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r - نَرْمُلُ رَمَلاً. رواه أبو داود[290]

وَيُسْرَعُ بِالْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَشْيِ بِلاَ خَبَبٍ ، وَحَدُّهُ أَنْ يُسْرَعَ بِهِ بِحَيْثُ لاَ يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ ، وَيُكْرَهُ بِخَبَبٍ لِقَوْلِهِ r : أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ  أَيْ مَا دُونَ الْخَبَبِ كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، سَأَلْنَا رَسُول r اللَّهِ عَنِ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَقَال : مَا دُونَ الْخَبَبِ  قَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : نَقَل ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ الأَْمْرَ فِيهِ لِلاِسْتِحْبَابِ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ .

وَأَمَّا مَا يُحْكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الإِْسْرَاعُ الشَّدِيدُ ، فَقَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : مَال عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلاَفِ فَقَال : مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ ، وَمَنْ كَرِهَهُ أَرَادَ الإِْفْرَاطَ فِيهِ كَالرَّمَل .

وَكَذَا يُسْتَحَبُّ الإِْسْرَاعُ بِتَجْهِيزِهِ كُلِّهِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ ، فَلَوْ جُهِّزَ الْمَيِّتُ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ ، وَلَوْ خَافُوا فَوْتَ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ دَفْنِهِ يُؤَخَّرُ الدَّفْنُ ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا ، بِالإِْسْرَاعِ بِتَجْهِيزِهِ إِلاَّ إِذَا شُكَّ فِي مَوْتِهِ ، وَيُقَدَّمُ رَأْسُ الْمَيِّتِ فِي حَال الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ[291].

ـــــــــــــــــ

المبحثُ السادس والعشرون

الدفن في المكان المقدّر

 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ r بِجِنَازَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ : قَبْرُ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : فُلانٌ الْحَبَشِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ سِيقَ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ إِلَى تُرْبَتِهِ الَّتِي مِنْهَا خُلِقَ » رواه الحاكم[292]

وقال القرطبي:  قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فائدة هذا الباب تنبيه العبد على التيقظ للموت والاستعداد له بحسن الطاعة والخروج عن المظلمة ، وقضاء الدين ،وإتيان الوصية بماله أو عليه في الحضر ، فضلاً عن أوان الخروج عن وطنه إلى سفر ، فإنه لا يدري أين كتبت منيته من بقاع الأرض .

وأنشد بعضهم :

مشيناها خطى كتبت علينا و من كتبت عليه خطى مشاها

وأرزاق لنا متفرقات فمن لم تأته منا أتاها

ومن كتبت منيته بأرض فليس يموت في أرض سواها[293]

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : مَرَّ بِنَا النَّبِيُّ r وَنَحْنُ نَحْفِرُ قَبْرًا فَقَالَ : " مَا تَصْنَعُونَ ؟ " ، فَقُلْنَا : نَحْفِرُ قَبْرًا لِهَذَا الْأَسْوَدِ ، فَقَالَ : " جَاءَتْ بِهِ مَنِيَّتُهُ إِلَى تُرْبَتِهِ " ، قَالَ أَبُو أُسَامَةَ : تَدْرُونَ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ لِمَ حَدَّثْتُكُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ ؟ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ خُلِقَا مِنْ تُرْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - r. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ[294]

وعَنْ مَطَرِ بْنِ عُكَامِسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِذَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً ». وفي رواية عَنْ أَبِى عَزَّةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِذَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَنْ يَمُوتَ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً أَوْ قَالَ بِهَا حَاجَةً »  أخرجهما الترمذي [295]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ : « إِذَا كَانَ أَجَلُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضٍ أَوْثَبَتْهُ إِلَيْهَا الْحَاجَةُ فَإِذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرِهِ قَبَضَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَتَقُولُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَبِّ هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِى ». أخرجه ابن ماجة [296]

إن من قدَّر الله  موته بأرض في وقت معين لا بد له من الوجود بذلك المكان ساعة موته ولا ينفعه حذر من ذلك ولا فرار ولا تحصن ولا خبرة دكتور ولا غير ذلك.ومن المعلوم أن من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله مكان موت العباد.فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ {لقمان: 34}

ولكنه لا يلزم من وجود الإنسان بذلك المكان موته إن لم يكن حان أجله، وأما إذا حان الأجل فلا بد من حضور الإنسان في نفس المكان حتى يموت فيه.

ــــــــــــــــ

المبحثُ السابع والعشرون

ما يقال عند الدفن

 

عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الْعَلاءِ بن اللَّجْلاجِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي:"يَا بنيَّ، إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَلْحِدْنِي، فَإِذَا وَضَعْتَنِي فِي لَحْدِي، فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ سِنَّ عَلَيَّ الثَّرَى سِنًّا، ثُمَّ اقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِي بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ، وَخَاتِمَتِهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ ذَلِكَ" أخرجه الطبراني [297]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : إذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي قُبُورِهِمْ فَقُولُوا : بِسْمِ اللهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ r.(صحيح)

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ r إذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ ، قَالَ : بِسْمِ اللهِ وَبِاللهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ.( صحيح لغيره )

وعَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا أَدْخَلَ الْمَيِّتَ قَبْرِهِ , اللَّهُمَّ أَسْلِمْهُ إلَيْك الْمَالَ وَالأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَالذَّنْبَ الْعَظِيمَ فَاغْفِرْ لَهُ.( فيه انقطاع)

وعَنْ خَيْثَمَةَ ، قَالَ : كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إذَا وَضَعُوا الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ أَنْ يَقُولُوا : بِسْمِ اللهِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ , اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , وَعَذَابِ النَّارِ , وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ.(صحيح مقطوع)

وعَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : بِسْمِ اللهِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ , اللَّهُمَّ افْسحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ , وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ , وَأَلْحِقْهُ بِنَبِيَّهِ r , وَأَنْتَ عَنْهُ رَاضٍ غَيْرُ غَضْبَانَ.( فيه ضعف)

وعَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، قَالَ : إذَا وَضِعَ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ فَقُلْ : بِسْمِ اللهِ , وَإِلَى اللهِ , وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ r.( صحيح مقطوع)

وعَنْ إبْرَاهِيمَ ، قَالَ : إذَا وَضَعْت الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ فَقُلْ : بِسْمِ اللهِ , وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ r.( صحيح مقطوع)

وعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّهُ دَفَنَ ابْنًا لَهُ ، فَقَالَ : اللهم جَافِ الأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ , وَافْتَحْ أَبْوَابَ الْسَمَاءِ لِرُوحِهِ , وَأَبْدِلْهُ بِدَارِهِ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ.( صحيح)

وعَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : إذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ فَلاَ تَقُلْ بِسْمِ اللهِ , وَلَكِنْ قُلْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ r , وَعَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ , اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الآخِرَةِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فِي خَيْرٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ , اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ ، قَالَ : وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي صَاحِبِ الْقَبْرِ : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}.( صحيح مقطوع)

وعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ ، قَالَ : كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ عِنْدَ الْمَنَامِ إذَا نَامَ بِسْمِ اللهِ وَفي سَبِيلِ اللهِ , وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ r وَيَقُولُهُ إذَا أُدْخِلَ الرَّجُلَ الْقَبْرَ.(حسن)أخرجها ابن أبي شيبة[298]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِى الْقَبْرِ فَقُولُوا بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ » وفي رواية وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي الْقَبْرِ قَالَ : بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ. أخرجه أحمد في مسنده وغيره [299]

وعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ، كَانَ يَقُولُ إِذَا أَدْخَلَ الْمَيِّتَ اللَّحْدَ : " بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r وَبِالْيَقِينِ بِالْبَعْثِ بَعْدِ الْمَوْتِ " أخرجه عبد الرزاق[300]

وعَنْ سَعِيدِ بن عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ، فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ نصْنَعَ بِمَوْتَانَا، أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r ، فَقَالَ:«إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، فَسَوَّيْتُمِ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلا يُجِيبُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلانَ بن فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ اللَّهُ، وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ، فَلْيَقُلْ: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمْا بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَيَقُولُ: انْطَلِقْ بنا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فَيَكُونُ اللَّهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟ قَالَ:"فَيَنْسُبُهُ إِلَى حَوَّاءَ، يَا فُلانَ بن حَوَّاءَ  » أخرجه الطبراني [301]

قال ابن المقن رحمه الله [302] : " إِسْنَاده لَا أعلم بِهِ بَأْسا, وَذكره الْحَافِظ أَبُو مَنْصُور فِي «جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح», وَزَاد بعد قَوْله: «قد لقن حجَّته»: «وَيكون الله (حجَّته) دونهمَا» . قَالَ: وَقد أرخص الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل فِي تلقين الْمَيِّت, وَأَعْجَبهُ ذَلِك, وَقَالَ: (أهل) الشَّام يَفْعَلُونَهُ . قَالَ:أَبُو مَنْصُور: وَهُوَ من العزمات والتذكير بِاللَّه, و(السماح) بذلك مأثور عَن السّلف, وَقَالَ:الْحَافِظ زَكى الدَّين فِي الْجُزْء الَّذِي خرجه فِي التَّلْقِين بعد أَن سَاقه: وَفِيه بعد الشَّهَادَتَيْنِ «وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا, وَأَن الله (يبْعَث) من فِي الْقُبُور» . قَالَ:أَبُو نعيم الْحداد: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث حَمَّاد بن زيد, مَا كتبته إِلَّا من حَدِيث سعيد (الْأَزْدِيّ), وَقَالَ:ابْن أبي حَاتِم: سعيد (الْأَزْدِيّ) عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَوَى عَنهُ ... سَمِعت أبي يقول:  ذَلِك  . قَالَ:الْمُنْذِرِيّ: هَكَذَا قَالَ: (الْأَزْدِيّ) وَوَقع فِي روايتنا «الأودي», وَهُوَ مَعْنَى الْمَجْهُول, وَقَالَ:الذَّهَبِيّ فِي «الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء»: سعيد (الْأَزْدِيّ) لم أر لَهُ ذكر فِي الضُّعَفَاء وَلَا غَيرهم.

قلت: لَكِن حَدِيثه هَذَا لَهُ شَوَاهِد يعتضد بهَا - والغريب أَن الشَّيْخ زَكي الدَّين لم يذكر فِي مُصَنَّفه الْمَذْكُور مِنْهَا غير حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ وَحده –

مِنْهَا حَدِيث: « واسألوا لَهُ (التثبيت) »  وَقد سلف .

وَمِنْهَا: حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «إِذا دفنتموني فسنوا عَلّي التُّرَاب سنّا, ثمَّ أقِيمُوا حول قَبْرِي قدر مَا ينْحَر جزور وَيقسم لَحمهَا؛ حَتَّى أستأنس بكم, وَأعلم مَاذَا أراجع رسل رَبِّي» . رَوَاهُ مُسلم فِي «صَحِيحه» فِي كتاب الْإِيمَان, وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل  .

«سنوا»: رُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ وبالمهملة, وَكِلَاهُمَا مُتَقَارب الْمَعْنى صَحِيح .

وَالْجَزُور - بِفَتْح الْجِيم - من الْإِبِل, والجزرة من غَيرهَا . ذكره عِيَاض, وَفِي كتاب «الْعين»: الجزرة من الضَّأْن والمعز خَاصَّة .

وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» من حَدِيث مُحَمَّد بن حمْرَان, عَن عَطِيَّة الرعاء, عَن الحكم بن الْحَارِث السّلمِيّ «أَنه غزا مَعَ رَسُول الله - r- ثَلَاث غزوات, قَالَ: قَالَ:لنا: إِذا دفنتموني ورششتم عَلَى قَبْرِي المَاء فَقومُوا عَلَى قَبْرِي, واستقبلوا الْقبْلَة, وَادعوا لي»  .

وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي «علله» قَالَ: سَأَلت (أبي عَن حَدِيث) ثُمَامَة بن النَّضر بن أنس (قَالَ: (كَانَ أنس) إِذا شهد جَنَازَة الْأَخ من إخوانه وقف عَلَى قَبره بعد أَن يدْفن, فَيقول:  جَاف الأَرْض عَن (جَنْبَيْهِ) » . فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس  .

وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» أَيْضا, من حَدِيث مُبشر بن إِسْمَاعِيل, ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن الْعَلَاء بن اللَّجْلَاج, عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ:أبي: «يَا بني, إِذا أَنا مت فألحدني, فَإِذا وَضَعتنِي فِي لحدي فَقل: باسم الله, وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله . ثمَّ سنّ عليّ التُّرَاب سنًّا, ثمَّ اقْرَأ عِنْد رَأْسِي بِفَاتِحَة الْبَقَرَة وخاتمتها, فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - r- يقول:  ذَلِك»  . (وَعبد الرَّحْمَن هَذَا،الراوي عنه مُبشر بن إِسْمَاعِيل الْحلَبِي), ذكره ابْن حبَان فِي «ثقاته»  .

وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي الْكتاب الْمَذْكُور من حَدِيث (إِبْرَاهِيم بن بكر بن عبد الرَّحْمَن), عَن إِدْرِيس الأودي, عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: «حضرت ابْن عمر فِي جَنَازَة, فَلَمَّا وَضعهَا فِي اللَّحْد قَالَ: باسم الله, وَفِي سَبِيل الله, وَعَلَى مِلَّة رَسُول الله, فَلَمَّا أَخذ فِي اللَّبِن عَلَى اللَّحْد قَالَ: اللَّهُمَّ أجرهَا من الشَّيْطَان, وَمن عَذَاب الْقَبْر . فَلَمَّا سُوَى اللَّبن عَلَيْهَا قَامَ إِلَى جَانب الْقَبْر, ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ جَاف الأَرْض عَن جنبيها, وَصعد روحها, ولقها مِنْك رضواناً . فَقلت: أشيئًا سمعته من رَسُول الله - r- أم شَيْئا قلته من رَأْيك ؟ قَالَ: إِنِّي إِذا لقادر عَلَى القَوْل, بل سَمِعت من رَسُول الله - r- »  . وَإِدْرِيس هَذَا مَجْهُول . قَالَه أَبُو حَاتِم.. .

وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي «سنَنه» عَن رَاشد بن سعد, وضمرة بن حبيب, وَحكم بن عُمَيْر, قَالُوا: «إِذا سوي عَلَى الْمَيِّت قَبره وَانْصَرف النَّاس عَنهُ؛ كَانُوا يستحبون أَن يُقَال للْمَيت عِنْد قَبره: يَا فلَان, قل: لَا إِلَه إِلَّا الله, أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله - ثَلَاث مَرَّات - قل: رَبِّي الله, وديني الْإِسْلَام, ونبيي مُحَمَّد (ثمَّ ينْصَرف)"  . فَهَذِهِ شَوَاهِد لحَدِيث أبي أُمَامَة الْمَذْكُور.

قَالَ:الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: هَذَا الحَدِيث إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم, وَلكنه (يعتضد) بشواهد وبعمل أهل الشَّام بِهِ قَدِيما .

وَقَالَ:النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : "هَذَا الحَدِيث وَإِن كَانَ ضَعِيفا فيستأنس بِهِ, وَقد اتّفق عُلَمَاء الْمُحدثين وَغَيرهم عَلَى الْمُسَامحَة فِي أَحَادِيث الْفَضَائِل وَالتَّرْغِيب والترهيب, لَا سِيمَا وَقد اعتضد بشواهد, وَلم يزل أهل الشَّام عَلَى الْعَمَل بِهَذَا فِي زمن من يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآن ".

قلت: لَكِن قَالَ:الْأَثْرَم: قلت لأبي عبد الله - يَعْنِي: ابْن حَنْبَل -:  فَهَذَا الَّذِي تصنعونه إِذا دفن الْمَيِّت ! يقف الرجل وَيقول:  يَا فلَان ابْن فُلَانَة, اذكر مَا فَارَقت عَلَيْهِ؛ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله . فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحدا فعل هَذَا إِلَّا أهل الشَّام حِين مَاتَ أَبُو الْمُغيرَة, (جَاءَ إِنْسَان فَقَالَ:ذَلِك وَكَانَ أَبُو الْمُغيرَة) يرْوَى مَتنه عَن أبي بكر بن أبي مَرْيَم, عَن أَشْيَاخهم أَنهم كَانُوا يَفْعَلُونَهُ, وَكَانَ ابْن عَيَّاش يروي بِهِ . يُشِير بذلك إِلَى حَدِيث أبي أُمَامَة السالف ."

قلت : فإن له شواهد كثيرة ، منها ثبوت سؤال الملكين كما في الصحيحين ، ومنها أنه يسمع قرع نعالهم ، ومنها حديث : استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ، د (4221) وهق 4/56 حسن ومنها حديث : لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ، صحيح ، وهو يشمل المحتضر والميت . فهذا التلقين ليس فيه جديد ، لأن مفرداته ثابتة بنصوص صحيحة ،والمنكر فيه ابن فلانة ، والمشهور أن الإنسان ينسب لأبيه لحديث أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ »أخرجه أبو داود وفيه انقطاع ،   ولحديث ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « الْغَادِرُ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ » أخرجه البخاري (6177)

وقال أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي : ينبغي أن يرشد الميت في قبره حيث يوضع فيه إلى جواب السؤال ، و يذكر بذلك فيقال له : قل الله ربي . و الإسلام ديني . ومحمد رسولي فإنه عن ذلك يسأل . كما جاءت به الأخبار على ما يأتي إن شاء الله . وقد جرى العمل عندنا بقرطبة كذلك . فيقال : قل هو محمد رسول الله وذلك عند هيل التراب و لا يعارض هذا بقوله تعالى : { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} (22) سورة فاطر. و قوله : {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} (80) سورة النمل ، لأن النبي r قد نادى أهل القليب وأسمعهم وقال : ما أنتم بأسمع . ولكنهم لا يستطيعون جواباً ، وقد قال في الميت : إنه ليسمع قرع نعالهم . وأن هذا يكون في حال دون حال و وقت دون وقت[303] .

قلتُ: هذا التلقين ليس فيه جديداً, لأن مفرداته ثابتة بنصوص صحيحة, والمنكر فيه عندي هو لفظة يا ابن فلانة, لأن الثابت بالنصوص الشرعية النسبة للأب لا الأم . ولهذا استحبَّ هذا التلقين كثير من السلف والخلف.

وأمَّا ما زعمه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في الضعيفة  (599) من رده للحديث واعتباره منكراً وذلك بسبب عدم إطلاعه على بقية أسانيده وشواهده  حيث قال: " وجملة القول: أن الحديث منكر عندي إن لم يكن موضوعاً . ونقل عن الصنعاني في سبل السلام: "ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة, ولا يغترَّ بكثرة من يفعله"  .

أقولُ:

هذا كلامٌ مردودٌ من الاثنين، فمن هم الذين أنكروا الحديث من السلف ؟! ومن قال من السلف بأن العمل بهذا الحديث بدعة ؟!

مع أن ابن القيم رحمه الله قد ذكر في  كتاب الروح أن العمل قد جرى على هذا الحديث في أمصار المسلمين فأيهما أولى بالإتباع ؟!

قال الإمام النووي رحمه في المجموع شرح المهذب:" وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَهَذَا مِنْهَا" [304].

وعَنِ ابْنِ شَمَاسَةَ الْمَهْرِىِّ قَالَ حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِى سِيَاقَةِ الْمَوْتِ. فَبَكَى طَوِيلاً وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -r - بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -r - بِكَذَا قَالَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ. فَقَالَ إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِنِّى قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلاَثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِى وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ -r - مِنِّى وَلاَ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فِى قَلْبِى أَتَيْتُ النَّبِىَّ -r - فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ - قَالَ - فَقَبَضْتُ يَدِى. قَالَ « مَا لَكَ يَا عَمْرُو ». قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ.

قَالَ « تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ». قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِى. قَالَ « أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ». وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - وَلاَ أَجَلَّ فِى عَيْنِى مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَىَّ مِنْهُ إِجْلاَلاً لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّى لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَىَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِى مَا حَالِى فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلاَ تَصْحَبْنِى نَائِحَةٌ وَلاَ نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِى فَشُنُّوا عَلَىَّ التُّرَابَ شَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِى قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّى. أخرجه مسلم [305]

وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ : لَمَّا وُضِعَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -r- فِى الْقَبْرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- :« ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) بِسْمِ اللَّهِ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ». فَلَمَّا بَنَى عَلَيْهَا لَحْدَهَا طَفِقَ يَطْرَحُ إِلَيْهِمُ الْجَبُوبَ وَيَقُولُ :« سُدُّوا خِلاَلَ اللَّبِنِ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَىْءٍ وَلَكِنَّهُ يُطَيِّبُ نَفْسَ الْحَىِّ »[306]

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : حَضَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِى جِنَازَةٍ فَلَمَّا وَضَعَهَا فِى اللَّحْدِ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -r- فَلَمَّا أَخَذَ فِى تَسْوِيَةِ اللَّبِنِ عَلَى اللَّحْدِ قَالَ : اللَّهُمَّ أَجِرْهَا مِنَ الشَّيْطَانِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ فَلَمَّا سَوَّى الْكَثِيبَ عَلَيْهَا قَامَ جَانِبَ الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ جَافِ الأَرْضَ عَنْ جُثَّتِهَا وَصَعِّدْ بِرُوحِهَا وَلَقِّهَا مِنْكَ رِضْوَانًا فَقُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ : أَشَىْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- أَمْ شَىْءٌ قُلْتَهُ مِنْ رَأْيِكَ؟ قَالَ : إِنِّى إِذًا لَقَادِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r-[307]

وظاهر هذه الأحاديث والآثار تدل على استحباب تلقين الميت المكلف بعد الدفن، وبه أخذ الشافعية والحنابلة.

وهذا التلقين فيه تذكير للميت، وتذكير للحي كذلك، لأنه قد جاء بالنصوص الصحيحة الصريحة أن الميت سيسأل عن هذه الأمور، فيحافظ عليها الحي قبل موته. [308]

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية :" اخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ, فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّلْقِينَ لاَ بَأْسَ بِهِ, فَرَخَّصُوا فِيهِ, وَلَمْ يَأْمُرُوا بِهِ, لِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَقَدْ نُقِل عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ, أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِهِ كَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ, وَصِفَتُهُ أَنْ يقول:  يَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ: اذْكُرْ دِينَكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا, وَبِالإِْسْلاَمِ دِينًا, وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَبِيًّا    .

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لاَ يُلَقَّنُ, إِذِ الْمُرَادُ بِمَوْتَاكُمْ فِي الْحَدِيثِ مَنْ قَرُبَ مِنَ الْمَوْتِ, وَفِي الْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: أَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الدَّفْنِ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ عَنْ أَحْمَدَ شَيْئًا, وَلاَ أَعْلَمُ فِيهِ لِلأَْئِمَّةِ قَوْلاً سِوَى مَا رَوَاهُ الأَْثْرَمُ, فَقَال: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَل هَذَا إِلاَّ أَهْل الشَّامِ حِينَ مَاتَ أَبُو الْمُغِيرَةِ, جَاءَ إِنْسَانٌ فَقَال ذَلِكَ   " [309]

وسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ تَلْقِينِ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ هَلْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ r أَوْ عَنْ صَحَابَتِهِ ؟ وَهَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَجُوزُ فِعْلُهُ ؟ أَمْ لَا ؟ .

فَأَجَابَ: هَذَا التَّلْقِينُ الْمَذْكُورِ قَدْ نُقِلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِهِ كَأَبِي أمامة الْبَاهِلِيِّ وَغَيْرِهِ . وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ r لَكِنَّهُ مِمَّا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ؛ وَلَمْ يَكُنْ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلِهَذَا قَالَ:الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إنَّ هَذَا التَّلْقِينَ لَا بَأْسَ بِهِ فَرَخَّصُوا فِيهِ وَلَمْ يَأْمُرُوا بِهِ, وَاسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ .وَاَلَّذِي فِي السُّنَن عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:كَانَ النَّبِىُّ -r- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:« اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ » .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: « لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ».

فَتَلْقِينُ الْمُحْتَضِرِ سُنَّةٌ مَأْمُورٌ بِهَا . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَقْبُورَ يُسْأَلُ وَيُمْتَحَنُ وَأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالدُّعَاءِ لَهُ؛ فَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ التَّلْقِينَ يَنْفَعُهُ فَإِنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه- عَنِ النَّبِىِّ - r- قَالَ:« الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ, وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَنِعَالِهِمْ, أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيقول: اَنِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - r- فَيقول:  أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ, أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ - قَالَ:النَّبِىُّ - r- فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا - وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ - فَيقول:  لاَ أَدْرِى, كُنْتُ أَقُولُ مَا يقول:  النَّاسُ . فَيُقَالُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ . ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ, فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ".

وَأَنَّهُ قَالَ: « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ »  وَأَنَّهُ أَمَرَنَا بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى . فَقَالَ:" مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ"  وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" [310]

وقال ابن القيم بعد إيراده الحديث المذكور :" فهذا الحديث وإن لم يثبت فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كافٍ في العمل به, وما أجرى الله سبحانه العادة قط بأن أمةً طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكملُ الأمم عقولاً وأوفرُها معارفَ تطيقُ على مخاطبةِ مَنْ لا يسمعُ ولا يعقلُ وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكرٌ, بل سنَّه الأولُ للآخر ويقتدي فيه الآخرُ بالأولِ, فلولا أنَّ المخاطَبَ يسمعُ لكان ذلك بمنزلة الخطابِ للترابِ والخشب والحجر والمعدوم, وهذا وإن استحسنهُ واحدٌ فالعلماءُ قاطبةٌ على استقباحه واستهجانه . وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:كَانَ النَّبِىُّ -r- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ:« اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ » .

فأخبر أنه يسأل حينئذ،وإذا كان يسألُ فإنه يسمع التلقين, وقد صحَّ عن النبي r أنه قَالَ  :« الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ،وَتُوُلِّىَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ،أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ - r- فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ،أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ - قَالَ النَّبِىُّ - r- فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا - وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ - فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى،كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ . فَيُقَالُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ . ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ،فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ »  اهـ [311]

وهنا مسألة لا بد من التعرض لها وهي :

حكم قراءة القرآن على القبر بعد الدفن

ففي كتاب "الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقُبُورِ" لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ  :

أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ،قَالَ : حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ،قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ : " إِنِّي إِذَا أَنَا مُتُّ،فَضَعْنِي فِي اللَّحْدِ،وَقُلْ : بِسْمِ اللَّهِ،وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ،وَسُنَّ عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا،وَاقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِي بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا،فَإِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ الدُّورِيُّ : سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قُلْتُ : تَحْفَظُ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقُبُورِ شَيْئًا،فَقَالَ : لَا . وَسَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ،فَحَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ (( وهذا إسناد حسن))

وعن عَطَاءَ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ الْمَكِّيَّ،قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ،قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ : " إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَجْلِسُوا،وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ،وَلْيُقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ،وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَتِهَا فِي قَبْرِهِ "  (( وهو حديث حسن))

وقال عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْحَدَّادُ،وَكَانَ صَدُوقًا،وَكَانَ ابْنُ حَمَّادٍ الْمُقْرِئُ يُرْشِدُ إِلَيْهِ،فَأَخْبَرَنِي قَالَ : " كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،وَمُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيِّ فِي جِنَازَةٍ،فَلَمَّا دُفِنَ الْمَيِّتُ جَلَسَ رَجُلٌ ضَرِيرٌ يَقْرَأُ عِنْدَ الْقَبْرِ،فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : يَا هَذَا،" إِنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْمَقَابِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ،مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّرٍ الْحَلَبِيِّ ؟ قَالَ : ثِقَةٌ،قَالَ : كَتَبْتَ عَنْهُ شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ،قَالَ : فَأَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ،عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا،وَقَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ : فَارْجِعْ،فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأْ " وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ،قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيَّ،قَالَ : كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي جِنَازَةٍ وَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ،قَالَ : فَلَمَّا قُبِرَ الْمَيِّتُ،جَعَلَ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ عِنْدَهُ،فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِرَجُلٍ : تَمُرُّ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يَقْرَأُ،فَقُلْ لَهُ : لَا يَفْعَلْ،فَلَمَّا مَضَى،قَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ : مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ،كَيْفَ هُوَ ؟ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِعَيْنِهَا "(( وهو حديث حسن))

وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ،قَالَ : " أَتَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي رَأَيْتُ عَفَّانَ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ فِي الْمُصْحَفِ،فَقَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : خُتِمَ لَهُ بِخَيْرٍ " (( صحيح))

وقال الْحَسَنُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَزَّازُ : " رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يُصَلِّي خَلْفَ رَجُلٍ ضَرِيرٍ يَقْرَأُ عَلَى الْقُبُورِ " (( صحيح))

وقَالَ الْحَسَنَ بْنَ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيَّ: " سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ" (( حديث حسن))

وعَنِ الشَّعْبِيِّ،قَالَ : " كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا مَاتَ لَهُمُ الْمَيِّتُ اخْتَلَفُوا إِلَى قَبْرِهِ يَقْرَءُونَ عِنْدَهُ الْقُرْآنَ "  (( حديث حسن))

وعَنْ إِبْرَاهِيمَ،قَالَ : " لَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَقَابِرِ " (( صحيح))

وقَالَ أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ : سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْحُرِّ،وَهُوَ يَقُولُ : " مَرَرْتُ عَلَى قَبْرِ أُخْتٍ لِي،فَقَرَأْتُ عِنْدَهَا تَبَارَكَ لِمَا يُذْكَرُ فِيهَا،فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ أُخْتَكَ فِي الْمَنَامِ تَقُولُ : جَزَى اللَّهُ أَبَا عَلِيٍّ خَيْرًا،فَقَدِ انْتَفَعْتُ بِمَا قَرَأَ " ((صحيح))

وقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْهَيْثَمِ، : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْأَطْرُوشِ ابْنَ بِنْتِ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ،يَقُولُ : " كَانَ رَجُلٌ يَجِيءُ إِلَى قَبْرِ أُمِّهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فَيَقْرَأُ سُورَةَ يس،فَجَاءَ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ فَقَرَأَ سُورَةَ يس،ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ قَسَمْتَ لِهَذِهِ السُّورَةِ ثَوَابًا فَاجْعَلْهَا فِي أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَابِرِ،فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا،جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ : أَنْتَ فُلَانُ بْنُ فُلَانَةَ ؟ قَالَ : نَعَمْ،قَالَتْ : إِنَّ بِنْتًا لِي مَاتَتْ،فَرَأَيْتُهَا فِي النَّوْمِ جَالِسَةً عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهَا،فَقُلْتُ : مَا أَجْلَسَكِ هَاهُنَا ؟ فَقَالَتْ : إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ جَاءَ إِلَى قَبْرِ أُمِّهِ فَقَرَأَ سُورَةَ يس،وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ،فَأَصَابَنَا مِنْ رَوْحِ ذَلِكَ،أَوْ غُفِرَ لَنَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ " (( قوي))

وعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ،أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عِنْدَ الْمَيِّتِ سُورَةَ الرَّعْد"((حديث حسن)) [312]

وجاء في الموسوعة الفقهية  : "قَال الطَّحْطَاوِيُّ : إِذَا فَرَغُوا مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ ( الْمُكْثُ ) عِنْدَ قَبْرِهِ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهُ،( فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَال : إِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا،ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْل قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ،وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُل رَبِّي )  يَتْلُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ لِلْمَيِّتِ . فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -r- إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ :« اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ ».

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّل سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا.(1[313]

حكمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُحْتَضَرِ وَالْقَبْرِ :

"ذهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى نَدْبِ قِرَاءَةِ سُورَةِ يس عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ،لِقَوْل النَّبِيِّ r : « اقْرَءُوا (يس) عَلَى مَوْتَاكُمْ » .أَيْ مَنْ حَضَرَهُ مُقَدِّمَاتُ الْمَوْتِ   .

كَمَا ذَهَبُوا إِلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ  ،لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا : مَنْ دَخَل الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ دُفِنَ فِيهَا حَسَنَاتٌ[314]  ،وَلِمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ وَعَلَى الْقَبْرِ [315]

وفيها أيضاً : "  اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ،فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ بَل تُسْتَحَبُّ،لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا قَال : مَنْ دَخَل الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ فِيهَا يس خَفَّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ،وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِهِمْ حَسَنَاتٌ   ،وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا .

قَال الشَّافِعِيَّةُ : يَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ . لَكِنْ رَجَّحَ الدُّسُوقِيُّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا    .

وقَال الْقَلْيُوبِيُّ : وَمِمَّا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الإِْخْلاَصِ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً وَأَهْدَى  ثَوَابَهَا إلَى الْجَبَّانَةِ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِ الْمَوْتَى فِيهَا .

وَرَوَى السَّلَفُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْطَى لَهُ مِنَ الأَْجْرِ بِعَدَدِ الأَْمْوَاتِ .

قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ : وَيَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَأَوَّل الْبَقَرَةِ إلَى الْمُفْلِحُونَ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ،وَآمَنَ الرَّسُول،وَسُورَةِ يس،وَتَبَارَكَ الْمُلْكِ،وَسُورَةِ التَّكَاثُرِ وَالإِْخْلاَصِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَلاَثًا .

وَقَال الْبُهُوتِيُّ : قَال السَّامِرِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَتِهَا.

وَصَرَّحَ الْحَصْكَفِيُّ بِأَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ إجْلاَسُ الْقَارِئِينَ عِنْدَ الْقَبْرِ،قَال : وَهُوَ الْمُخْتَارُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ : إلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ،لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَل السَّلَفِ،قَال الدَّرْدِيرُ : الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَجَعْل ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُل لَهُ الأَْجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ."

" وقد ذكر عن جماعة من السلف أنهم أوصوا أن يقرأ عند قبورهم وقت الدفن،قال عبد الحق يروَى أن عبد الله بن عمر أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة،وقال: ويدلُّ على هذا أيضاً ما جرى عليه عمل الناس قديماً،وإلى الآن من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمعُ ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة،وكان عبثاً. وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله فاستحسنه واحتجَّ عليه بالعمل."

وقال القرافي:" وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْقُرْطُبِيِّ فِي التَّذْكِرَةِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِالْقِرَاءَةِ قُرِئَتْ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي بِلَادٍ إلَى بِلَادٍ وَوُهِبَ الثَّوَابُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ .

وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ مَنْ أَرَادَ وُصُولَ قِرَاءَتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَلْيَجْعَلْ ذَلِكَ دُعَاءً بِأَنْ يَقُولَ :اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا أَقْرَأُ إلَى فُلَانٍ اهـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ وَكَنُونٍ،قَالَ الرَّهُونِيُّ :وَالتَّهْلِيلُ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْقَرَافِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ هُوَ فِدْيَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفِ مَرَّةٍ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ مِنْهُ الْأَئِمَّةُ اُنْظُرِ الْحَطَّابَ هُنَا أَيْ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ وَمُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ"  .

قلتُ : فثبت بهذه الأدلة والأقوال الناصعة أن الراجح الجواز وليس العكس،كما قال الشيخ ناصر رحمه الله ومن وافقه من المعاصرين !!.[316]

ـــــــــــــــــ


المبحثُ الثامن والعشرون

ضمة القبر

 

عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِياً مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ » أخرجه أحمد [317]

والمعنى أن الله سبحانه وتعالى قدر ضمة القبر على كل ميت، ولو كان أحد ناجياً منها لفضله عند ربه وقربه منه لكان سعد بن معاذ رضي الله عنه من الناجين من ذلك. وقال النبي r هذا القول عند موت سعد رضي الله عنه لمكانته في الإسلام، ولبلائه في سبيل الله ونصرة رسول الله r، بل قال r فيه أيضاً "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" رواه البخاري و مسلم وغيرهما عن جابر رضي الله عنه. وهناك أحاديث كثيرة في فضل هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه

وقال الإمام الذهبي رحمه الله : " قُلْتُ: هَذِهِ الضَّمَّةُ لَيْسَتْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ يَجِدُهُ المُؤْمِنُ، كَمَا يَجِدُ أَلَمَ فَقْدِ وَلَدِهِ وَحَمِيْمِهِ فِي الدُّنْيَا، وَكَمَا يَجِدُ مِنْ أَلَمِ مَرَضِهِ، وَأَلَمِ خُرُوْجِ نَفْسِهِ، وَأَلَمِ سُؤَالِهِ فِي قَبْرِهِ وَامْتِحَانِهِ، وَأَلَمِ تَأَثُّرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَأَلَمِ قِيَامِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَأَلَمِ المَوْقِفِ وَهَوْلِهِ، وَأَلَمِ الوُرُوْدِ عَلَى النَّارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ الأَرَاجِيْفُ كُلُّهَا قَدْ تَنَالُ العَبْدَ، وَمَا هِيَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَلاَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّم قَطُّ، وَلَكِنَّ العَبْدَ التَّقِيَّ يَرْفُقُ اللهُ بِهِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ كُلِّهِ، وَلاَ رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُوْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ.قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَأَنْذِرْهُم يَوْمَ الحَسْرَةِ}، وَقَالَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ، إِذِ القُلُوْبُ لَدَى الحَنَاجِرِ}.

فَنَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- العَفْوَ وَاللُّطْفَ الخَفِيَّ، وَمَعَ هَذِهِ الهَزَّاتِ، فَسَعْدٌ مِمَّنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَرْفَعِ الشُّهَدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

كَأَنَّكَ يَا هَذَا تَظُنُّ أَنَّ الفَائِزَ لاَ يَنَالُهُ هَوْلٌ فِي الدَّارَيْنِ، وَلاَ رَوْعٌ، وَلاَ أَلَمٌ، وَلاَ خَوْفٌ، سَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ سَعْدٍ."[318]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - قَالَ : « هَذَا الَّذِى تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ ». أخرجه النسائي [319]

قَالَ أَبُو الْقَاسِم السَّعْدِيّ : لَا يَنْجُو مِنْ ضَغْطَة الْقَبْر صَالِح وَلَا طَالِح، غَيْر أَنَّ الْفَرْق بَيْن الْمُسْلِم وَالْكَافِر فِيهَا دَوَام الضَّغْط لِلْكَافِرِ وَحُصُول هَذِهِ الْحَالَة لِلْمُؤْمِنِ فِي أَوَّل نُزُوله إِلَى قَبْره ثُمَّ يَعُود إِلَى الِانْفِسَاح لَهُ، قَالَ: وَالْمُرَاد بِضَغْطِ الْقَبْر اِلْتِقَاء جَانِبَيْهِ عَلَى جَسَد الْمَيِّت.

وَقَالَ النَّسَفِيَّ فِي بَحْر الْكَلَام : الْمُؤْمِن الْمُطِيع لَا يَكُون لَهُ عَذَاب الْقَبْر وَيَكُون لَهُ ضَغْطَة الْقَبْر فَيَجِد هَوْل ذَلِكَ وَخَوْفه لِمَا أَنَّهُ تَنَعَّمَ بِنِعْمَةِ اللَّه وَلَمْ يَشْكُر النِّعْمَة، وَرَوَى اِبْن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مُحَمَّد التَّيْمِيِّ قَالَ : كَانَ يُقَال: إِنَّ ضَمَّة الْقَبْر إِنَّمَا أَصْلهَا أَنَّهَا أُمّهمْ وَمِنْهَا خُلِقُوا فَغَابُوا عَنْهَا الْغَيْبَة الطَّوِيلَة، فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهَا أَوْلَادهَا ضَمَّتْهُمْ ضَمَّة الْوَالِدَة غَابَ عَنْهَا وَلَدهَا ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهَا ، فَمَنْ كَانَ لِلَّهِ مُطِيعًا ضَمَّتْهُ بِرَأْفَةٍ وَرِفْق ، وَمَنْ كَانَ عَاصِيًا ضَمَّتْهُ بِعُنْفٍ سَخَطًا مِنْهَا عَلَيْهِ لِرَبِّهَا[320] .

وعَنِ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ، أَنَّ صَبِيًّا دُفِنَ ، فَقَالَ َ رَسُولُ اللَّهِ r : لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لأَفْلَتَ هَذَا الصَّبِيُّ. » رواه الطبراني[321]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : مَاتَ صَبِيٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " لَوْ أَفْلَتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ أَفْلَتَ هَذَا الصَّبِيُّ " [322]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ r صَلَّى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ صَبَيَّةٍ فَقَالَ : " لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لَنَجَا هَذَا الصَّبِيُّ " [323]

وعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : خَرَجْتُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَقْفُو أَثَرَ النَّاسِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ وَئِيدَ الْأَرْضِ يَعْنِي حِسَّ الْأَرْضِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَجَلَسْتُ إِلَى الْأَرْضِ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو يَحْمِلُ مِجَنَّهُ ، وَعَلَى سَعْدٍ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَ أَطْرَافُهُ مِنْهَا قَالَتْ : وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِمِ . قَالَتْ : فَأَنَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أَطْرَافِهِ قَالَتْ : فَمَرَّ بِي وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ :

لَبِّثْ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ مَا أَحْسَنَ الْمَوْتَ إِذَا حَانَ الْأَجَلْ

قَالَتْ : فَلَمَّا جَاوَزَنِي اقْتَحَمْتُ حَدِيقَةً فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ عُمَرُ : إِنَّكِ لَجَرِيئَةٌ أَمَا تَخَافِينَ أَنْ يُدْرِكَكِ بَلَاءٌ ؟ قَالَتْ : فَمَا زَالَ يَلُومُنِي حَتَّى وَدِدْتُ لَوْ أَنَّ الْأَرْضَ لَتَنْشَقُّ فَأَدْخُلُ فِيهَا فَكَشَفَ الرَّجُلُ السَّبْغَةَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ : إِنَّكَ قَدْ أَكْثَرْتَ أَيْنَ الْفِرَارُ ؟ وَأَيْنَ وَأَيْنَ إِلَّا إِلَى اللَّهِ ، قَالَتْ : فَرُمِي سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَئذٍ رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ فَقَالَ : خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ ، فَقَالَ سَعْدٌ : عَرَّقَ اللَّهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ فَقُطِعَ أَكْحَلُهُ يَوْمَئِذٍ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو : وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا لَنْ يَزَالَ يَنْبِضُ دَمًا حَتَّى يَمُوتَ ، قَالَ : وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي حَتَّى تَقَرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ وَمَوَالِيَهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانُوا ظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا الْآيَةَ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ r فَضَرَبَ قُبَّةً عَلَى سَعْدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ الْمُسْلِمُونَ السِّلَاحَ وَوَضَعَ سِلَاحَهُ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ وَضَعْتَ سِلَاحَكَ وَلَمْ تَضَعِ الْمَلَائِكَةُ أَسْلِحَتَهُمْ بَعْدُ اخْرُجْ فَقَاتِلْهُمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r بِلَأْمَتِهِ يَعْنِي الدِّرْعَ فَلَبِسَهَا ثُمَّ خَرَجَ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَمَرَّ بِبَنِي غَنْمٍ فَقَالَ : مَنْ مَرَّ بِكُمْ ؟ فَقَالُوا : دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ وَكَانَ وَجْهُهُ يُشْبِهُ وَجْهَ جِبْرِيلَ وَلِحْيَتَهُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَسَعْدٌ فِي الْقُبَّةِ الَّتِي ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ r فَحَاصَرُوهُمْ شَهْرًا أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ فَقِيلَ لَهُمُ : انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ r فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ : فَانْزِلُوا فَنَزَلُوا فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r فَأُتِيَ بِحِمَارٍ بِإِكَافٍ مِنْ لِيفٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَوَاللَّهِ لَقَدْ بَرَأَ كَلْمُهُ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا مِثْلُ أَثَرِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ : فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : " قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمُ أَوْ إِلَى خَيْرِكُمْ فَأَنْزِلُوهُ " ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r : " احْكُمْ فِيهِمْ " قَالَ : إِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ ، وَتُسْبَى ذَرِارِيُّهُمْ ، وَأَنْ تُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ " قَالَ : فَقَالَ سَعْدٌ وَهُوَ يَدْعُو : اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَوْمٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُقَاتِلَ أَوْ أُجَاهِدَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رُسُلَكَ فَإِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِكَ شَيْئًا فَأَبْقِنِي فِيهِمْ ، وَإِنْ كُنْتَ قَطَعْتَ الْحَرْبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ فَانْفَجَرَ كَلْمُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى الْقُبَّةِ الَّتِي ضَرَبَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَإِنِّي لَأَعْرِفُ بُكَاءَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ وَإِنِّي لَفِي حُجْرَتِي فَكَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ قَالَ عَلْقَمَةُ : كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَصْنَعُ ؟ قَالَتْ : كَانَتْ عَيْنَاهُ لَا تَدْمَعَانِ عَلَى أَحَدٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ فَإِنَّمَا هُوَ تَعْنِي الْجَزَعَ ، قَالَ : فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r حِينَ أَمْسَى قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ أَوْ قَالَ : مَلَكٌ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ الْيَوْمَ فَقَدِ اسْتَبْشَرَ بِمَوْتِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ فَقَالَ : لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَدْ أَمْسَى دَنِفًا مَا فَعَلَ سَعْدٌ ؟ فَقَالُوا : قُبِضَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ فَاحْتَمَلُوهُ إِلَى دَارِهِمْ ، قَالَتْ : فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r الصُّبْحَ فَخَرَجَ وَخَرَجَ النَّاسُ فَبَتَّ مَشْيًا حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْقَطِعُ شُسُوعُ نِعَالِهِمْ وَسَقَطَتْ أَرْدَيَتُهُمْ مِنْ عَوَاتِقِهِمْ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ بَتَتَّ فِي الْمَشْيِ فَقَالَ : " أَخْشَى أَنْ تَسْبِقَنَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا سَبَقَتْنَا إِلَى حَنْظَلَةَ " فَحَضَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يُغَسَّلُ قَالَ : فَحَدَّثَ الْأَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ : قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ r رُكْبَتَيْهِ يَوْمَئِذٍ فَدَخَلَ مَلَكٌ فَلَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا فَأَوْسَعْتُ لَهُ ، وَأُمُّهُ تَبْكِيهِ وَهِيَ تَقُولُ : وَيْحَ أُمِّ سَعْدٍ ، سَعْدُ بَرَاعَةً وَجِدًّا بَعْدَ أَيَادٍ لَهُ وَمَجْدًا مُقَدَّمًا سَدَّ بِهِ مَسَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " كُلُّ الْبَوَاكِي تَكْذِبُ إِلَّا أُمَّ سَعْدٍ " فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ : مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ مَا حَمَلْنَا نَعْشًا أَخَفَّ مِنْهُ قَطُّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لَقَدْ نَزَلَ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ شَهِدُواسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَا وَطِئُوا الْأَرْضَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ،قَالَ : فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ شُرَحْبِيلَ ، قَالَ : اقْتَبَضَ يَوْمَئِذٍ إِنْسَانٌ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَفَتَحَهَا فَإِذَا هِيَ مِسْكٌ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " سُبْحَانَ اللَّهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ " حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لَنَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ "[324]

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّكَ مُنْذُ يَوْمِ حَدَّثْتَنِي بِصَوْتِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَضَغْطَةِ الْقَبْرِ لَيْسَ يَنْفَعُنِي شَيْءٌ قَالَ : " يَا عَائِشَةُ إِنَّ أَصْوَاتَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فِي أَسْمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ كَالْإِثْمِدِ فِي الْعَيْنِ وَإِنَّ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَالْأُمِّ الشَّفِيقَةِ يَشْكُو إِلَيْهَا ابْنُهَا الصُّدَاعَ ؛ فَتَغْمِزُ رَأْسَهُ غَمْزًا رَفِيقًا ، وَلَكِنْ يَا عَائِشَةُ وَيْلٌ لِلشَّاكِّينَ فِي اللَّهِ ، كَيْفَ يُضْغَطُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَضَغْطَةِ الْبَيْضَةِ عَلَى الصَّخْرَةِ "[325]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ أُمُّ عَلِيٍّ خَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ r قَمِيصَهُ وَأَلْبَسَهَا إِيَّاهُ وَاضْطَجَعَ فِي قَبْرِهَا فَلَمَّا سَوَّى عَلَيْهَا التُّرَابَ ، قَالَ بَعْضُهُمْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ شَيْئًا لَمْ تَصْنَعْهُ بِأَحَدٍ ، قَالَ : " إِنِّي أَلْبَسْتُهَا قَمِيصِي لِتَلْبِسَ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ وَاضْطَجَعْتُ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا لِأُخَفِّفَ عَنْهَا مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ ، إِنَّهَا كَانَتْ أَحْسَنَ خَلْقِ اللَّهِ صَنِيعًا إِلَيَّ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ "[326]

قال المناوي:قال الحكيم: إنما لم يفلت منها أحد لأن المؤمن أشرق نور الإيمان بصدره لكنه باشر الشهوات وهي من الأرض والأرض مطيعة وخلق الآدمي وأخذ عليه الميثاق في العبودية فيما نقض من وفائها صارت الأرض عليه واجدة فإذا وجدته ببطنها ضمته ضمة فتدركه الرحمة وعلى قدر مجيئها يخلص فإن كان محسناً فإن رحمة اللّه قريب من المحسنين وقيل هي ضمة اشتياق لا ضمة سخط وظاهر الحديث أن الضمة لا ينجو منها أحد لكن استثنى الحكيم الأنبياء والأولياء فمال إلى أنهم لا يضمون ولا يسألون وأقول استثناؤه الأنبياء ظاهر وأما الأولياء فلا يكاد يصح ألا ترى إلى جلالة مقام سعد بن معاذ وقد ضمَّ.[327]

ــــــــــــــــ

المبحثُ التاسع والعشرون

مخاطبة القبر للميت

 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ , قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ r مُصَلاَّهُ , فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ , قَالَ : أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى , فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ , الْمَوْتِ , فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلاَّ تَكَلَّمَ فِيهِ ، فَيَقُولُ : أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ , وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ , وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ , وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ , فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ , قَالَ لَهُ الْقَبْرُ : مَرْحَبًا وَأَهْلاً , أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ , فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ , فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ , قَالَ : فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرَهِ , وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ , وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ , أَوِ الْكَافِرُ , قَالَ لَهُ الْقَبْرُ : لاَ مَرْحَبًا وَلاَ أَهْلاً , أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ , فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ , فَسَتَرَى صَنِيعِي بِكَ , قَالَ : فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَلْتَقِيَ عَلَيْهِ ، وَتَخْتَلِفَ أَضْلاَعُهُ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r بِأَصَابِعِهِ , فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ , قَالَ : وَيُقَيِّضُ اللهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا , لَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الأَرْضِ ، مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا , فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ , حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ. قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r : إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ , أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ. أخرجه الترمذي [328]

وفي فيض القدير(1598) (أما إنكم) قال ابن مالك في شرح الكافية: يجوز كسر إن بعد أما مقصوداً بها معنى ألا الاستفتاحية وإن قصد بها معنى حقاً فتحت انتهى والمعنى أيها الناس الذين جلستم عند مصلانا تكشرون أي تضحكون (لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى) من الكشر وهو ظهور الأسنان للضحك (الموت) بجره عطف بيان ورفعه خبر مبتدأ محذوف ونصبه بتقدير أعني (فأكثروا ذكر هاذم اللذات) الموت (فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه) أي حقيقة والذي خلق الكلام في لسان الإنسان قادر على أن يخلقه في الجماد ولا يلوم من ذلك سماعنا له ويحتمل أن المراد أن يقول ذلك بلسان الحال (فيقول أنا بيت الغربة) فالذي يسكنني غريب (وأنا بيت الوحدة) فمن حل بي وحيد (وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود) فمن سكنني أكله التراب والدود، ومن ثم قال حكيم: اجعل قبرك خزانتك احشها من كل عمل صالح ما أمكنك ليؤنسك (فإذا دفن العبد المؤمن) أي المطيع للّه تعالى كما يدل عليه ذكره الفاجر والكافر في مقابلته (قال له القبر مرحباً وأهلاً) أي لقيت رحباً وأهلاً (أما) بالتخفيف (إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلى) لما أنك مطيع لربي وربك (فإذا وليتك اليوم وصرت إليّ) أي انتقلت من الدنيا إليّ. قال في المصباح: صار زيد غنياً انتقل إلى حالة الغنى بعد أن لم يكن عليها وصار العصير خمراً كذلك وصار الأمر إلى كذا رجع إليه (فسترى صنيعي بك) فإني محسنه جداً وقضية السين أن الاتساع وما بعده مما يأتي يتأخر عن الإقبار (فيتسع مد بصره) أي بقدر ما يمتد إليه بصره (ويفتح له باب إلى الجنة) يعني تفتحه له الملائكة بإذن اللّه أو ينفتح بنفسه بأمر اللّه (وإذا دفن العبد الفاجر) أي المؤمن الفاسق (أو الكافر) بأي كفر كان (قال له القبر) بلسان الفال أو الحال على ما سبق (لا مرحباً ولا أهلاً) بك (أما) بالتخفيف (إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إليّ) لما أنك عاص لربي وربك (فإذا وليتك اليوم وصرت  إليّ فسترى صنيعي بك فيلتئم عليه) أي ينضم (حتى يلتقي عليه) بشدة وعنف (وتختلف أضلاعه) من شدة الضغط وقضية هذا الحديث أن الضم مخصوص بالكافر والفاسق وأن المؤمن المطيع لا ينضم عليه وصريح ما ذكر في قصة سعد بن معاذ وقوله لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد خلافه ويمكن الجواب بأن المؤمن الكامل ينضم عليه ثم ينفرج عنه سريعاً والمؤمن العاصي يطول ضمه ثم يتراخى عنه بعد وأن الكافر يدوم ضمه أو يكاد أن يدوم وبذلك يحصل التوفيق بين الحديثين ويزول التعارض من البين فتدبره فإني لم أره (ويفيض له سبعون تنيناً) أي ثعباناً (لو أن واحداً منها نفخ في الأرض) أي على ظهرها بين الناس (ما أنبتت شيئاً) من النبات (ما بقيت الدنيا) أي مدة بقائها (فينهشنه) بشين معجمة وقد تهمل والنهش القبض على اللحم ونثره (ويخدشنه) أي يخرجنه قال في المصباح خدشته خدشاً جرحته في ظاهر الجلد (حتى يفضي به إلى الحساب) أي حتى يصل إلى يوم القيامة والإفضاء الوصول. قال في المصباح: أفضيت إلى الشيء وصلت إليه (إنما القبر روضة من رياض الجنة) حقيقة لما يتحف المؤمن به من الريحان وأزهار الجنان أو مجازاً عن خفة السؤال على المؤمن وأمنه وراحته وسعته كما يقال فلان في الجنة إذا كان عيشه رغداً (أو حفرة من حفر النار) حقيقة أو مجازاً على ما تقرر فيما قبله والقبر واحد القبور. قال في المختار: وهو مما أكرم به بنو آدم  وقال الزمخشري: تقول نقلوا من القصور إلى القبور ومن المنابر إلى المقابر والخفرة قال في الصحاح بالضم واحدة الحفر. وقال الزمخشري: حفر النهر بالمحفار واحتفره ودلوه في الحفرة والحفيرة وهو القبر <تنبيه> ظاهر هذا الخبر أن عذاب القبر غير منقطع وفي كثير من الأخبار والآثار ما يدل على انقطاعه والظاهر اختلافه باختلاف الأشخاص.

ـــــــــــــــــ


المبحثُ الثلاثون

الترغيب في الدعاء للميت

 

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -r - إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ « اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ(1)   ». رواه أبو داود [329]

أي : يسأله الملكان من ربك وما دينك وما هو دستورك ومن هو رسولك ؟

-الاستغفار عبادةٌ قوليّةٌ يصحّ فعلها للميّت.وعقب الدّفن يندب أن يقف جماعةٌ يستغفرون للميّت ، لأنّه حينئذٍ في سؤال منكرٍ ونكيرٍ ، روى أبو داود بإسناده عن عثمان قال : » كان النّبيّ r إذا دفن الرّجل وقف عليه وقال : استغفروا لأخيكم واسألوا له التّثبّت فإنّه الآن يسأل « وصرّح بذلك جمهور الفقهاء.

- ومن آداب زيارة القبور عند الحنفيّة والمالكيّة ، والشّافعيّة ، الدّعاء بالمغفرة لأهلها عقب التّسليم عليهم ، واستحسن ذلك الحنابلة.

- وهذا كلّه يخصّ المؤمن ، أمّا الكافر الميّت فيحرم الاستغفار له بنصّ القرآن والإجماع.

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ مَرُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -r - بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ « وَجَبَتْ ». ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ « وَجَبَتْ ». ثُمَّ قَالَ « إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ شُهَدَاءُ ». رواه أبو داود[330]

وَحَاصِل الْمَعْنَى أَنَّ ثَنَاءَهُمْ عَلَيْهِ بِالْخَيْرِ يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَفْعَاله كَانَتْ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّة ، وَثَنَاءَهُمْ عَلَيْهِ بِالشَّرِّ يَدُلّ عَلَى أَفْعَاله كَانَتْ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّار

وعند النسائي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ عَلَى النَّبِىِّ -r - فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِىُّ -r - « وَجَبَتْ ». ثُمَّ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ النَّبِىُّ -r - « وَجَبَتْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلُكَ الأُولَى وَالأُخْرَى « وَجَبَتْ ». فَقَالَ النَّبِىُّ -r - « الْمَلاَئِكَةُ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى السَّمَاءِ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ »[331].

وعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِىُّ - r - « وَجَبَتْ » . ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ « وَجَبَتْ » . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - مَا وَجَبَتْ قَالَ « هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِى الأَرْضِ ». رواه البخاري ومسلم [332]

وفي نيل الأوطار :قَالَ النَّوَوِيُّ : قَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّنَاءَ بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَكَانَ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَلَا ، وَكَذَا عَكْسُهُ .

قَالَ : وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ وَإِنْ مَاتَ فَأَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَفْعَالُهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَمْ لَا ، فَإِنَّ الْأَعْمَالَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ ، وَهَذَا الْإِلْهَامُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَعْيِينِهَا وَبِهَذَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ الثَّنَاءِ انْتَهَى .

قَالَ الْحَافِظُ : وَهَذَا فِي جَانِبِ الْخَيْرِ وَاضِحٌ . وَأَمَّا فِي جَانِبِ الشَّرِّ فَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَذَلِكَ ، لَكِنْ إنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ غَلَبَ شَرُّهُ عَلَى خَيْرِهِ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ { إنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَلَائِكَةً تَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَةِ بَنِي آدَمَ بِمَا فِي الْمَرْءِ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ } [333].

وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -r - قَالَ « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةٌ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الأَدْنَيْنَ إِلاَّ قَالَ قَدْ قَبِلْتُ عِلْمَكُمْ فِيهِ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ». رواه أحمد[334]

والصحابة لا يثنون إلا على رجل صالح ظاهر الصلاح، لا على رجل فاسق !

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r - إِذَا دُعِىَ لِجَنَازَةٍ سَأَلَ عَنْهَا فَإِنْ أُثْنِىَ عَلَيْهَا خَيْرٌ قَامَ فَصَلَّى عَلَيْهَا وَإِنْ أُثْنِىَ عَلَيْهَا غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ لأَهْلِهَا « شَأْنُكُمْ بِهَا ». وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا. رواه أحمد [335]

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : تَرْكُ الْمُصْطَفَى r عَلَى مَنْ وَصَفْنَا نَعَتَهُ ، كَانَ ذَلِكَ قَصْدَ التَّأْدِيبِ مِنْهُ لِأُمَّتِهِ ، كَيْلاَ يَرْتَكِبُوا مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، لاَ أَنَّ الصَّلاَةَ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَى مَنْ أَتَى مِثْلَ مَا أَتَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ r.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ ». رواه أبو داود والترمذي وابن حبان [336]

وعَنِ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ قَالَ النَّبِىُّ - r - « لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا[337]إِلَى مَا قَدَّمُوا » أخرجه البخاري [338]

قَال الْعُلَمَاءُ يَحْرُمُ سَبُّ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ لَمْ يَكُنْ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ لِقَوْلِهِ r: لاَ تَسُبُّوا الأَْمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا ، وَأَمَّا الْكَافِرُ ، وَالْمُسْلِمُ الْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ ، فَفِيهِ خِلاَفٌ لِلسَّلَفِ لِتَعَارُضِ النُّصُوصِ فِيهِ .

قَال ابْنُ بَطَّالٍ : سَبُّ الأَْمْوَاتِ يَجْرِي مَجْرَى الْغِيبَةِ ، فَإِنْ كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَال الْمَرْءِ الْخَيْرَ وَقَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْفَلْتَةُ فَالاِغْتِيَابُ لَهُ مَمْنُوعٌ ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا مُعْلِنًا فَلاَ غِيبَةَ لَهُ ، وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ . [339]

ـــــــــــــــ

المبحثُ الواحد والثلاثون

عذاب القبر ونعيمه

 

عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا ، فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ ، فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ . فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ - r - عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ « نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ » . قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r - بَعْدُ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ . رواه البخاري [340]

قال النووي رحمه الله : فِيهِ إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر وَفِتْنَته ، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ .

وفي فتح الباري لابن حجر: وَأَصْرَح مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْط الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيد بْن عَمْرو بْن سَعِيد الْأُمَوِيّ عَنْ عَائِشَة " أَنَّ يَهُودِيَّة كَانَتْ تَخْدُمهَا ، فَلَا تَصْنَع عَائِشَة إِلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوف إِلَّا قَالَتْ لَهَا الْيَهُودِيَّة : وَقَاك اللَّه عَذَاب الْقَبْر . قَالَتْ : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه هَلْ لِلْقَبْرِ عَذَاب ؟ قَالَ : كَذَبَتْ يَهُود ، لَا عَذَاب دُون يَوْم الْقِيَامَة . ثُمَّ مَكَثَ بَعْد ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث ، فَخَرَجَ ذَات يَوْم نِصْف النَّهَار وَهُوَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْته : أَيّهَا النَّاس اِسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر ، فَإِنَّ عَذَاب الْقَبْر حَقّ " وَفِي هَذَا كُلّه أَنَّهُ r إِنَّمَا عَلِمَ بِحُكْمِ عَذَاب الْقَبْر إِذْ هُوَ بِالْمَدِينَةِ فِي آخِر الْأَمْر كَمَا تَقَدَّمَ تَارِيخ صَلَاة الْكُسُوف فِي مَوْضِعه . وَقَدْ اِسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْآيَة الْمُتَقَدِّمَة مَكِّيَّة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى ( يُثَبِّت اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا ) وَكَذَلِكَ الْآيَة الْأُخْرَى الْمُتَقَدِّمَة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى ( النَّار يَعْرِضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ) وَالْجَوَاب أَنَّ عَذَاب الْقَبْر إِنَّمَا يُؤْخَذ مِنَ الْأُولَى بِطَرِيقِ الْمَفْهُوم مِنْ حَقّ مَنْ لَمْ يَتَّصِف بِالْإِيمَانِ ، وَكَذَلِكَ بِالْمَنْطُوقِ فِي الْأُخْرَى فِي حَقّ آل فِرْعَوْن وَإِنِ اِلْتَحَقَ بِهِمْ مَنْ كَانَ لَهُ حُكْمهمْ مِنَ الْكُفَّار ، فَاَلَّذِي أَنْكَرَهُ النَّبِيّ r إِنَّمَا هُوَ وُقُوع عَذَاب الْقَبْر عَلَى الْمُوَحِّدِينَ ، ثُمَّ أُعْلِمَ r أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقَع عَلَى مَنْ يَشَاء اللَّه مِنْهُمْ فَجَزَمَ بِهِ وَحَذَّرَ مِنْهُ وَبَالَغَ فِي الِاسْتِعَاذَة مِنْهُ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ وَإِرْشَادًا ، فَانْتَفَى التَّعَارُض بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى . وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّ عَذَاب الْقَبْر لَيْسَ بِخَاصٍّ بِهَذِهِ الْأُمَّة

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ r ، قَالَ:إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ. » رواه الطبراني في الكبير [341]

وفي فيض القدير :(2132 ) (إن الموتى ليعذبون) أي من يستحق العذاب منهم (في قبورهم) فيه شمول للكفار ولعصاة المؤمنين (حتى إن البهائم) جمع بهيمة والمراد بها هنا ما يشمل الطير (لتسمع أصواتهم) وخصوا بذلك دوننا لأن لهم قوة يثبتون بها عند سماعه بخلاف الإنس وصياح الميت بالقبر عقوبة معروفة وقد وقعت في الأمم السالفة وقد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوت عذاب القبر وأجمع عليه أهل السنة وصح أن النبي r سمعه بل سمعه آحاد من الناس قال الدماميني رجمه اللّه: وقد كثرت الأحاديث فيه حتى قال غير واحد إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمر الدين وليس في آية {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} ما يعارضه لأنه أخبر بحياة الشهداء قبل القيامة وليست مرادة بقوله {لا يذوقون فيها} الآية فكذا حياة القبور قبل الحشر وأشكل ما في القصة أنه إذا ثبتت حياتهم لزم ثبوت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الناس كلهم في الموت وينافيه قوله {لا يذوقون فيها} الآية. وجوابه أن معنى قوله {لا يذوقون فيها الموت} أي ألم الموت فيكون الموت الذي يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا يذاق ألمه.- (طب عن ابن مسعود) قال الهيثمي سنده حسن وقال المنذري إسناده صحيح.

وعن هَانِئً مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِى وَتَبْكِى مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ ». قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ » رواه الترمذي [342]

وفي تحفة الأحوذي : ( وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ) أَيْ مِنَ الْقَبْرِ يَعْنِي مِنْ أَجْلِ خَوْفِهِ ؟ قِيلَ إِنَّمَا كَانَ يَبْكِي عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ ، أَمَّا الِاحْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّبْشِيرِ بِالْجَنَّةِ عَدَمُ عَذَابِ الْقَبْرِ ، بَلْ وَلَا عَدَمُ عَذَابِ النَّارِ مُطْلَقًا مَعَ اِحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّبْشِيرُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ مَعْلُومٍ أَوْ مُبْهَمٍ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْسَى الْبِشَارَةَ حِينَئِذٍ لِشِدَّةِ الْفَظَاعَةِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَوْفًا مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ كَمَا يَدُلُّ حَدِيثُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ مِنْهُ كُلُّ سَعِيدٍ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ ذَكَرَهُ الْقَارِي

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ « إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».أخرجه البخاري و المسلم [343]

وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : يَجُوز أَنْ يَكُون هَذَا الْعَرْض عَلَى الرُّوح فَقَطْ ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَيْهِ مَعَ جُزْء مِنْ الْبَدَن . قَالَ : وَالْمُرَاد بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ وَقْتهمَا وَإِلَّا فَالْمَوْتَى لَا صَبَاح عِنْدهمْ وَلَا مَسَاء . قَالَ : وَهَذَا فِي حَقّ الْمُؤْمِن وَالْكَافِر وَاضِح ، فَأَمَّا الْمُؤْمِن الْمُخَلَّط فَمُحْتَمِل فِي حَقّه أَيْضًا ، لِأَنَّهُ يَدْخُل الْجَنَّة فِي الْجُمْلَة ، ثُمَّ هُوَ مَخْصُوص بِغَيْرِ الشُّهَدَاء لِأَنَّهُمْ أَحْيَاء وَأَرْوَاحهمْ تَسْرَح فِي الْجَنَّة . وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال : إِنَّ فَائِدَة الْعَرْض فِي حَقّهمْ تَبْشِير أَرْوَاحهمْ بِاسْتِقْرَارِهَا فِي الْجَنَّة مُقْتَرِنَة بِأَجْسَادِهَا ، فَإِنَّ فِيهِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا هِيَ فِيهِ الْآن .

هَل الْمَوْتُ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ أَوْ لِلْبَدَنِ وَحْدَهُ ؟

نَصَّ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الأَْرْوَاحَ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةٌ غَيْرُ فَانِيَةٍ إِمَّا فِي نَعِيمٍ مُقِيمٍ وَإِمَّا فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ قَال فِي الإِْحْيَاءِ : الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ طُرُقُ الاِعْتِبَارِ وَتَنْطِقُ بِهِ الآْيَاتُ وَالأَْخْبَارُ أَنَّ الْمَوْتَ مَعْنَاهُ تَغَيُّرُ حَالٍ فَقَطْ وَأَنَّ الرُّوحَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ إِمَّا مُعَذَّبَةٌ وَإِمَّا مُنَعَّمَةٌ  . قَال الزُّبَيْدِيُّ : وَهَذَا قَوْل أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَمُتَكَلِّمِي الصِّفَاتِيَّةِ .

وَقَدْ بَيَّنَ أَحْمَدُ بْنُ قُدَامَةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : وَالَّذِي تَدُل عَلَيْهِ الآْيَاتُ وَالأَْخْبَارُ أَنَّ الرُّوحَ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةً إِمَّا مُعَذَّبَةً أَوْ مُنَعَّمَةً فَإِنَّ الرُّوحَ قَدْ تَتَأَلَّمُ بِنَفْسِهَا بِأَنْوَاعِ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَتَتَنَعَّمُ بِأَنْوَاعِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهَا بِالأَْعْضَاءِ فَكُل مَا هُوَ وَصْفٌ لِلرُّوحِ بِنَفْسِهَا يَبْقَى مَعَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ وَكُل مَا لَهَا بِوَاسِطَةِ الأَْعْضَاءِ يَتَعَطَّل بِمَوْتِ الْجَسَدِ إِلَى أَنْ تُعَادَ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ  .

وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لاَ تَنْعَدِمُ بِالْمَوْتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّهِ أَمْوَاتًا بَل أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } (سورة آل عمران / 169 ) حَيْثُ قَال عَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ : جَعَل اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُل مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيل مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِل الْعَرْشِ (صحيح) وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال قَال رَسُول اللَّهِ r : إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْل الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل النَّارِ فَمِنْ أَهْل النَّارِ يُقَال : هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى نَعِيمِ الأَْرْوَاحِ وَعَذَابِهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ إِلَى أَنْ يُرْجِعَهَا اللَّهُ فِي أَجْسَادِهَا وَلَوْ مَاتَتِ الأَْرْوَاحُ لاَنْقَطَعَ عَنْهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ .

وَقَدْ أَوْرَدَ الإِْمَامُ الْغَزَالِيُّ تَوْضِيحًا لِحَال الرُّوحِ وَحَيَاتِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْبَدَنِ فَقَال : هَذِهِ الرُّوحُ لاَ تَفْنَى الْبَتَّةَ وَلاَ تَمُوتُ بَل يَتَبَدَّل بِالْمَوْتِ حَالُهَا فَقَطْ وَيَتَبَدَّل مَنْزِلُهَا فَتَنْتَقِل مِنْ مَنْزِلٍ إِلَى مَنْزِلٍ، وَالْقَبْرُ فِي حَقِّهَا إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ، إِذًا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعَ الْبَدَنِ عَلاَقَةٌ سِوَى اسْتِعْمَالِهَا الْبَدَنَ وَاقْتِنَاصِهَا أَوَائِل الْمَعْرِفَةِ بِهِ بِوَاسِطَةِ شَبَكَةِ الْحَوَاسِّ فَالْبَدَنُ آلَتُهَا وَمَرْكَبُهَا وَشَبَكَتُهَا وَبُطْلاَنُ الآْلَةِ وَالْمَرْكَبِ وَالشَّبَكَةِ لاَ يُوجِبُ بُطْلاَنَ الصَّائِدِ .

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الرُّوحَ تَفْنَى وَتَمُوتُ بِمَوْتِ الْجَسَدِ لأَِنَّهَا نَفْسٌ وَقَدْ قَال تَعَالَى : { كُل نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }  . قَال الزُّبَيْدِيُّ : وَقَدْ قَال بِهَذَا الْقَوْل جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الأَْنْدَلُسِ قَدِيمًا مِنْهُمْ عَبْدُ الأَْعْلَى بْنُ وَهْبِ بْنِ لُبَابَةَ وَمِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ كَالسُّهَيْلِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ .

وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ : وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَال : مَوْتُ النُّفُوسِ هُوَ مُفَارَقَتُهَا لأَِجْسَادِهَا وَخُرُوجُهَا مِنْهَا فَإِنْ أُرِيدَ بِمَوْتِهَا هَذَا الْقَدْرُ فَهِيَ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنْ أُرِيدَ بِأَنَّهَا تَعْدَمُ وَتَضْمَحِل وَتَصِيرُ عَدَمًا مَحْضًا فَهِيَ لاَ تَمُوتُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ بَل هِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ خَلْقِهَا فِي نَعِيمٍ أَوْ فِي عَذَابٍ " [344]

وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ  : قَالَ  رَسُولُ اللَّهِ -r - : « يُسَلَّطُ عَلَى الْكَافِرِ فِى قَبْرِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّيناً تَلْدَغُهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَلَوْ أَنَّ تِنِّيناً مِنْهَا نَفَخَ فِى الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ خَضِراً ». رواه أحمد[345]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي قَبْرِهِ لَفِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، وَيُرْحَبُ لَهُ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَتَدْرُونَ فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : " عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ يُسَلَّطَ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا ، أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ ؟ سَبْعُونَ حَيَّةً ، لِكُلِّ حَيَّةٍ سَبْعُ رُءُوسٍ يِلْسَعُونَهُ ، وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " رواه ابن حبان في صحيحه

وفي رواية  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا احْتُضِرَ حَضَرَهُ مَلَكَانِ يَقْبِضَانِ رُوحَهُ فِي حَرِيرَةٍ ، فَيَصْعَدَانِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنَ الْأَرْضِ ، فَيَصْعَدَانِ بِهِ ، فَيُقَالُ : أَبْشِرْ بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ، ثُمَّ يُقَالُ : رُدُّوهُ إِلَى آخِرِ الْأَجَلَيْنِ ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا يَقْبِضَانِ رُوحَهُ فِي مِسَحٍّ ، ثُمَّ يَصْعَدَانِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَتَأْخُذُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَنْفِهَا وَيَقُولُونَ : رِيحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنَ الْأَرْضِ فَيَصْعَدَانِ بِهِ فَيُقَالُ : أَبْشِرْ بِعَذَابِ اللَّهِ وَهَوَانِهِ ، ثُمَّ يُقَالُ : رُدُّوهُ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ أَوِ الْأَجَلَيْنِ " أخرجه البيهقي في عذاب القبر

وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : " إِنَّ الْمَيِّتَ تَحْضُرُهُ الْمَلَائِكَةُ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قَالُوا : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ ، اخْرُجِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ، فَمَا يَزَالُ يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ فَيَعْرُجَ بِهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ فَيُسْتَفْتَحَ لَهَا فَيُقَالُ : مَنْ هَذَا ؟ فَيُقَالُ : فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، فَيُقَالُ : مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ، ادْخُلِي حَمِيدَةً وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ ، أَظُنُّهُ أَرَادَ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ قَالَ : وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السُّوءُ قَالُوا : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ذَمِيمَةً وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ فَيَنْتَهِي بِهَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَيُقَالُ : مَنْ هَذَا ؟ فَيُقَالُ : فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، فَيُقَالُ : لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً فَإِنَّهُ لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، فَتُرْسَلُ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ " إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ [346]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - ذَكَرَ فَتَّانَ الْقُبُورِ فَقَالَ عُمَرُ أَتُرَدُّ إِلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ ». فَقَالَ عُمَرُ بِفِيهِ الْحَجَرُ " أخرجه أحمد[347]

وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " تُبْتَلَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي قُبُورِهَا " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ وَأَنَا امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ قَالَ : { يُثَبِّتُ  اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) سورة إبراهيم رواه ابن الأعرابي[348]

يثبت الله : يديمهم عليه فيحفظون قواهم وينطقون بالشهادتين في الحياة ثابتين على الإيمان ، عاملين بآداب الإسلام

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ - r - . فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا » . قَالَ قَتَادَةُ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ فِى قَبْرِهِ . ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ « وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى ، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ . فَيُقَالُ لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ . وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ ، غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ » رواه البخاري ومسلم[349]

الثقلان : هما الإنس والجن.

قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة : جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيث سُؤَال مَلَك وَاحِد وَفِي غَيْره سُؤَال مَلَكَيْنِ وَلَا تَعَارُض فِي ذَلِكَ بَلْ كُلّ ذَلِكَ صَحِيح الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَشْخَاص فَرُبَّ شَخْص يَأْتِيَانِهِ جَمِيعًا وَيَسْأَلَانِهِ جَمِيعًا فِي حَال وَاحِد عِنْد اِنْصِرَاف النَّاس عَنْهُ لِيَكُونَ السُّؤَال أَهْوَل وَالْفِتْنَة فِي حَقّه أَشَدّ وَأَعْظَم ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا اِقْتَرَفَ مِنَ الْآثَام وَاجْتَرَحَ مِنْ سَيِّئ الْأَعْمَال ، وَآخَر يَأْتِيَانِهِ قَبْل اِنْصِرَاف النَّاس عَنْهُ ، وَآخَر يَأْتِيه أَحَدهمَا عَلَى الِانْفِرَاد فَيَكُون ذَلِكَ أَخَفّ فِي السُّؤَال لِمَا عَمِلَهُ مِنْ صَالِح الْأَعْمَال ، كَذَا فِي مِرْقَاة الصُّعُود

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -r - دَخَلَ نَخْلاً لِبَنِى النَّجَّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ فَقَالَ : « مَنْ أَصْحَابُ هَذِهِ الْقُبُورِ ». قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ مَاتُوا فِى الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ : « تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ». قَالُوا : وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : « إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَعْبُدُ فَإِنِ اللَّهُ هَدَاهُ قَالَ : كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ. فَيُقَالُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ : هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَىْءٍ غَيْرَهَا فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ فِى النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِى النَّارِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ [350]وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : دَعُونِى حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِى. فَيُقَالُ لَهُ : اسْكُنْ. وَأَمَّا الْكَافِرُ - أَوِ الْمُنَافِقُ [351]إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ [352] فَيَقُولُ لَهُ : مَا كُنْتَ تَعْبُدُ فَيَقُولُ : لاَ أَدْرِى. فَيُقَالُ لَهُ : لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ. فَيُقَالُ لَهُ : فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ : كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ » أخرجه أبو داود وأحمد [353]

وعَنِ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ يَهُودِيَّةٌ فَاسْتَطْعَمَتْ عَلَى بَابِى فَقَالَتْ أَطْعِمُونِى أَعَاذَكُمُ اللَّهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ [354]وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَتْ فَلَمْ أَزَلْ أَحْبِسُهَا حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -r - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ قَالَ « وَمَا تَقُولُ ». قُلْتُ تَقُولُ أَعَاذَكُمُ اللَّهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -r - فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا فِتْنَةُ الدَّجَّالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ إِلاَّ قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ وَسَأُحَذِّرُكُمُوهُ تَحْذِيراً لَمْ يُحَذِّرْهُ نَبِىٌّ أُمَّتَهُ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ. فَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِى تُفْتَنُونَ وَعَنِّى تُسْأَلُونَ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ أُجْلِسَ فِى قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلاَ مَشْعُوفٍ[355] ثُمَّ يُقَالُ لَهُ فِيمَ كُنْتَ فَيَقُولُ فِى الإِسْلاَمِ. فَيُقَالُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى كَانَ فِيكُمْ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -r - جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَصَدَّقْنَاهُ. فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا. وَيُقَالُ عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ أُجْلِسَ فِى قَبْرِهِ فَزِعاً مَشْعُوفاً فَيُقَالُ لَهُ فِيمَ كُنْتَ فَيَقُولُ لاَ أَدْرِى. فَيُقَالُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى كَانَ فِيكُمْ فَيَقُولُ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلاً فَقُلْتُ كَمَا قَالُوا.فَتُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْكَ.ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا كُنْتَ عَلَى الشَّكِّ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ يُعَذَّبُ ». رواه أحمد [356]

وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ -r - فِى جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ [357]، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -r - وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ [358]، وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِى الأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ « اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً ثُمَّ قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِى إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ - قَالَ - فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِى السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِى ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِى ذَلِكَ الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ - قَالَ - فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلاَ يَمُرُّونَ - يَعْنِى بِهَا - عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِى كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِى الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِى تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِى فِى عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ فَإِنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى - قَالَ - فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنَ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِىَ الإِسْلاَمُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ . فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ . فَيُنَادِى مُنَادٍ فِى السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِى فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ - قَالَ - فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِى قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ - قَالَ - وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِى يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِىءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِى وَمَالِى. قَالَ وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمُ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِى إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ - قَالَ - فَتُفَرَّقُ فِى جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِى تِلْكَ الْمُسُوحِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ فَيَقُولُونَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِى كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِى الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ ». ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -r - (لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ) « فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِى سِجِّينٍ فِى الأَرْضِ السُّفْلَى فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحاً ». ثُمَّ قَرَأَ (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ) « فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى.فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى. فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِى يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِىءُ بِالشَّرِّ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ » أخرجه أحمد في مسنده

وفي رواية عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ  قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ r فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ r وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ ، قَالَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ : وُقَّعٌ وَلَمْ يَقُلْهُ أَبُو عَوَانَةَ ، فَجَعَلَ يَرْفَعُ بَصَرَهُ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ وَيَخْفِضُ بَصَرَهُ وَيَنْظُرُ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ قَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالَهَا مِرَارًا ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي قُبُلٍ مِنَ الآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا جَاءَهُ مَلَكٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ فَتَخْرُجُ نَفْسُهُ وَتَسِيلُ كَمَا يَسِيلُ قَطْرُ السِّقَاءِ قَالَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَقُلْهِ أَبُو عَوَانَةَ : وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ غَيْرَ ذَلِكَ وَتَنْزِلُ مَلاَئِكَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ مَعَهُمْ أَكْفَانٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِهَا فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ فَإِذَا قَبَضَهَا الْمَلَكُ لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} قَالَ : فَتَخْرُجُ نَفْسُهُ كَأَطْيَبِ رِيحٍ وُجِدَتْ فَتَعْرُجُ بِهِ الْمَلاَئِكَةُ فَلاَ يَأْتُونَ عَلَى جُنْدٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ ؟ فَيُقَالُ : فُلاَنٌ ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ حَتَّى يَنْتَهُوا بِهِ إِلَى بَابِ سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُفْتَحُ لَهُ وَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي عِلِّيِّينَ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} فَيُكْتَبُ كِتَابُهُ فِي عِلِّيِّينَ ثُمَّ يُقَالُ : رُدُّوهُ إِلَى الأَرْضِ فَإِنِّي وَعَدْتُهُمْ أَنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا نُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى فَيُرَدُّ إِلَى الأَرْضِ وَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ شَدِيدَا الاِنْتِهَارِ فَيَنْتَهِرَانِهِ وَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ : مَنْ رَبُّكَ ؟ وَمَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ وَدِينِيَ الإِسْلاَمُ فَيَقُولاَنِ : فَمَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللهِ فَيَقُولاَنِ وَمَا يُدْرِيكَ ؟ فَيَقُولُ : جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّنَا فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُهُ قَالَ : وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} قَالَ : وَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَفْرِشُوهُ مِنْهَا وَأَرُوهُ مَنْزِلَهُ مِنْهَا فَيَلْبِسُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُفْرَشُ مِنْهَا وَيَرَى مَنْزِلَهُ مِنْهَا وَيُفْسَحُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ وَيُمَثَّلُ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ حَسَنِ الْوَجْهِ طَيِّبِ الرِّيحِ حَسَنِ الثِّيَابِ فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ ، أَبْشِرْ بِرِضْوَانِ اللهِ وَجَنَّاتٍ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ فَيَقُولُ : بَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي جَاءَ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ : هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ وَالأَمْرُ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكَ إِلاَّ كُنْتَ سَرِيعًا فِي طَاعَةِ اللهِ بَطِيئًا عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَيَقُولُ : يَا رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ كَيْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي .

قَالَ : وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَكَانَ فِي قُبُلٍ مِنَ الآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا جَاءَهُ مَلَكٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالُ : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ أَبْشِرِي بِسَخَطِ اللهِ وَغَضَبِهِ فَتَنْزِلُ مَلاَئِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمْ مُسُوحٌ فَإِذَا قَبَضَهَا الْمَلَكُ قَامُوا فَلَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ قَالَ : فَتَغْرَقُ فِي جَسَدِهِ فَيَسْتَخْرِجُهَا يَقْطَعُ مَعَهَا الْعُرُوقَ وَالْعَصَبَ كَالسُّفُّودِ الْكَبِيرِ الشُّعَبِ فِي الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَتُؤْخَذُ مِنَ الْمَلَكِ فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحٍ وُجِدَتْ فَلاَ تَمُرُّ عَلَى جُنْدٍ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ ؟ فَيَقُولُونَ : هَذَا فُلاَنٌ بِأَسْوَإِ أَسْمَائِهِ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَلاَ تُفْتَحُ لَهُ ، فَيَقُولُ : رُدُّوهُ إِلَى الأَرْضِ إِنِّي وَعَدْتُهُمْ أَنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا نُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى قَالَ : فَيُرْمَى بِهِ مِنَ السَّمَاءِ قَالَ : فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} الآيَةَ قَالَ : وَيُعَادُ إِلَى الأَرْضِ وَتُعَادُ فِيهِ رُوحُهُ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ شَدِيدَا الاِنْتِهَارِ فَيَنْتَهِرَانِهِ وَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ مَنْ رَبُّكَ ؟ وَمَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : لاَ أَدْرِي فَيَقُولاَنِ : فَمَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَلاَ يَهْتَدِي لاِسْمِهِ  فَيَقُولُ : لاَ أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَاكَ قَالَ : فَيُقَالَ : لاَ دَرَيْتَ فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاَعُهُ وَيُمَثَّلُ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ قَبِيحِ الْوَجْهِ مُنْتِنِ الرِّيحِ قَبِيحِ الثِّيَابِ فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِعَذَابٍ مِنَ اللهِ وَسَخَطِهِ فَيَقُولُ : مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي جَاءَ بِالشَّرِّ ؟ فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكَ إِلاَّ كُنْتَ بَطِيئًا عَنْ طَاعَةِ اللهِ سَرِيعًا إِلَى مَعْصِيَةِ اللهِ قَالَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ زَاذَانَ عَنِ الْبَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ r : فَيُقَيَّضُ لَهُ مَلَكٌ أَصَمُّ أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَةٌ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ صَارَ تُرَابًا ، أَوْ قَالَ : رَمِيمًا ، فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا الْخَلاَئِقُ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى.مسند الطيالسي[359].

الحنوط : ما يخلط من الطيب بأكفان الموتى ، السفود : حديدة ذات شعب معقفة.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r : إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا قُبِضَ أَتَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ ، فَتَقُولُ : اخْرُجِي إِلَى رَوْحِ اللهِ ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ حَتَّى إِنَّهُمْ لِيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يَشُمُّونَهُ ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ : مَا هَذِهِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي جَاءَتْ مِنَ الأَرْضِ ؟ وَلاَ يَأْتُونَ سَمَاءً إِلاَّ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَهْلِ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ ، فَيَقُولُونَ : مَا فَعَلَ فُلاَنٌ ؟ فَيَقُولُونَ : دَعُوهُ حَتَّى يَسْتَرِيحَ ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : قَدْ مَاتَ ، أَمَا أَمَاتَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْتِيهُ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ بِمُسْحٍ ، فَيَقُولُونَ : اخْرُجِي إِلَى غَضِبِ اللهِ ، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ فَتَذْهَبُ بِهِ إِلَى بَابِ الأَرْضِ. رواه ابن حبان في صحيحه[360]  -  المسح : قطعة من الصوف الغليظ ،  الجِيفَة : جُثة الميت إذا أنْتَن

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ - أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكِيرُ فَيَقُولاَنِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَيَقُولاَنِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا. ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِى قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِى سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ. فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِى فَأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولاَنِ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِى لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ. حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لاَ أَدْرِى.فَيَقُولاَنِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ. فَيُقَالُ لِلأَرْضِ الْتَئِمِى عَلَيْهِ. فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ. فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلاَعُهُ فَلاَ يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ » رواه الترمذي [361]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ ، فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا ، كَانَتِ الصَّلاَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَكَانَ الصِّيَامُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَكَانَتِ الزَّكَاةُ

وعَنْ شِمَالِهِ ، وَكَانَ فِعْلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ.

فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ، فَتَقُولُ الصَّلاَةُ : مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَمِينِهِ ، فَيَقُولُ الصِّيَامُ : مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، ثُمَّ يُؤْتَى عَنْ يَسَارِهِ ، فَتَقُولُ الزَّكَاةُ : مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ ، فَتَقُولُ فَعَلُ الْخَيْرَاتِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ : مَا قِبَلِي مَدْخَلٌ ، فَيُقَالُ لَهُ : اجْلِسْ  فَيَجْلِسُ ، وَقَدْ مُثِّلَتْ لَهُ الشَّمْسُ وَقَدْ أُدْنِيَتْ لِلْغُرُوبِ ، فَيُقَالُ لَهُ : أَرَأَيْتَكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُولُ فِيهِ ، وَمَاذَا تَشَهَّدُ بِهِ عَلَيْهِ ؟ فَيَقُولُ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّكَ سَتَفْعَلُ ، أَخْبَرَنِي عَمَّا نَسْأَلُكُ عَنْهُ ، أَرَأَيْتَكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَا تَقُولُ فِيهِ ، وَمَاذَا تَشَهَّدُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، فَيُقَالُ لَهُ : عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ ، وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا لَوْ عَصَيْتَهُ ، فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا ، وَيُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ، وَيُعَادُ الْجَسَدُ لِمَا بَدَأَ مِنْهُ ، فَتَجْعَلُ نَسْمَتُهُ فِي النَّسَمِ الطِّيِّبِ وَهِيَ طَيْرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ ، قَالَ : فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ، لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ يَمِينِهِ ، فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ ، ثُمَّ أُتِيَ عَنْ شِمَالِهِ ، فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ ، ثُمَّ أُتِيَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ ، فَلاَ يُوجَدُ شَيْءٌ ، فَيُقَالُ لَهُ : اجْلِسْ ، فَيَجْلِسُ خَائِفًا مَرْعُوبًا ، فَيُقَالُ لَهُ : أَرَأَيْتَكَ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ مَاذَا تَقُولُ فِيهِ ؟ وَمَاذَا تَشَهَّدُ بِهِ عَلَيْهِ ؟ فَيَقُولُ : أَيُّ رَجُلٍ ؟ فَيُقَالُ : الَّذِي كَانَ فِيكُمْ ، فَلاَ يَهْتَدِي لاِسْمِهِ حَتَّى يُقَالَ لَهُ : مُحَمَّدٌ ، فَيَقُولُ : مَا أَدْرِي ، سَمِعْتُ النَّاسَ قَالُوا قَوْلاً ، فَقُلْتُ كَمَا قَالَ النَّاسُ ، فَيُقَالُ لَهُ : عَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ ، وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ ، وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا مَقْعَدُكَ مِنَ النَّارِ ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا ، فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : ذَلِكَ مَقْعَدُكَ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهِ لَوْ أَطَعْتَهُ فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا ، ثُمَّ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ ، فَتِلْكَ الْمَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ [362]الَّتِي قَالَ اللَّهُ : {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه] [363]رواه ابن حبان في صحيحه [364]

وعَنِ طَاوُسٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - مَرَّ النَّبِىُّ - r - عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ - ثُمَّ قَالَ - بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ [365] وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ [366]» . قَالَ ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ، ثُمَّ قَالَ « لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا » رواه البخاري ومسلم [367]

اختلف العلماء في حكم وضع الريحان والجريد وغيرهما على القبر وهل يتنفع الميت بها ؟ أم لا؟

فبعضهم قال: يستحب ذلك لأن النبي r فعل ذلك، ولعل هناك علاقة بين الخضرة وتخفيف عذاب القبر.

وقال آخرون: هذه خصوصية للنبي r ودعاء منه إذ لا علاقة بين الاخضرار ورفع العذاب، ولو ساغ ذلك لأمرهم بزرع شجر دائم الخضرة فهو أفضل من المقطوع وفي الريحان إسراف وتبذير، ولا خلاف بينهم على أن التصدق عن الموتى أفضل وأحسن.[368]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ ». رواه ابن ماجه [369]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كُنَّا نَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ r ، فَمَرَرْنَا عَلَى قَبْرَيْنِ ، فَقَامَ ، فَقُمْنَا مَعَهُ ، فَجَعَلَ لَوْنُهُ يَتَغَيَّرُ حَتَّى رَعَدَ كُمُّ قَمِيصِهِ ، فَقُلْنَا : مَا لَكَ يَا نَبِيَّ اللهِ ؟ قَالَ : مَا تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ ؟ قُلْنَا : وَمَا ذَاكَ يَا نَبِيَّ اللهِ ؟ قَالَ : هَذَانِ رَجُلاَنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا عَذَابًا شَدِيدًا فِي ذَنْبٍ هَيِّنٍ ، قُلْنَا : مِمَّ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ ؟ قَالَ : كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ ، وَكَانَ الآخَرُ يُؤْذِي النَّاسَ بِلِسَانِهِ ، وَيَمْشِي بَيْنَهُمْ بِالنَّمِيمَةِ فَدَعَا بِجَرِيدَتَيْنِ مِنْ جَرَائِدِ النَّخْلِ ، فَجَعَلَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً. قُلْنَا : وَهَلْ يَنْفَعُهُمَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا دَامَا رَطْبَتَيْنِ. رواه ابن حبان في صحيحه[370]

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r جِنَازَةً ، فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا ، فَإِذَا الْإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ ، فَأَقْعَدَهُ فَقَالَ : مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ لَهُ : صَدَقْتَ ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ ، فَيَقُولُ : هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ ، فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ بِهِ فَهَذَا مَنْزِلُكَ ، فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ : اسْكُنْ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي ، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُ ، فَيَقُولُ : لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَلَا هُدِيتَ ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا لَكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ ، فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ ، ثُمَّ يَقْمَعُهُ بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُنَّ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ " فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَقَةٌ إِلَّا هِيلَ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ "  إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ [371]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ طُعِنَ فَقُلْتُ : " أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَسْلَمْتَ حِينَ كَفَرَ النَّاسُ وَجَاهَدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r حِينَ خَذَلَهُ النَّاسُ وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي خِلَافَتِكَ اثْنَانِ ، وَقُتِلَتْ شَهِيدًا ، فَقَالَ : أَعِدْ عَلَيَّ ، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ، لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ " [372]

وعَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ ، فَيُقَالُ لَهُ : تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : " إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَمَنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَمَنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ " قَالَ : فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ "  [373]

وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " مَا زِلْنَا نَشُكُّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ حَتَّى نَزَلَتْ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ "[374]

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " إِنَّ أَحَدَكُمْ لِيُجْلَسُ فِي قَبْرِهِ إِجْلَاسًا ، فَيُقَالُ لَهُ : مَا أَنْتَ ؟ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَرَى مَكَانَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُنَزَّلُ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ يَلْبَسُهَا مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ : مَا أَنْتَ ؟ فَيَقُولُ : لَا أَدْرِي ، فَيُقَالُ لَهُ : لَا دَرَيْتَ ثلَاَثاً ، فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ أَوْ تَتَمَاسَّ أَضْلَاعُهُ وَيُرْسَلُ عَلَيْهِ حَيَّاتٌ مِنْ جَوَانِبِ قَبْرِهِ يَنْهَشْنَهُ وَيَأْكُلْنَهُ ، فَإِذَا جَزَعَ فَصَاحَ قُمِعَ بَمَقْمَعٍ مِنْ نَارٍ مِنْ حَدِيدٍ "[375]

وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : " تَخْرُجُ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ وَهِيَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ قَالَ : فَتَصْعَدُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَهَا فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ دُونَ السَّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ : مَنْ هَذَا مَعَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ ، وَيَذْكُرُونَهُ بِأَحْسَنِ عَمَلِهِ فَيَقُولُونَ : حَيَّاكُمُ اللَّهُ وَحَيَّا مَنْ مَعَكُمْ قَالَ : فَتُفْتَحُ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَيُشْرِقُ وَجْهُهُ قَالَ : فَيَأْتِي الرَّبُّ تَعَالَى وَوَجْهُهُ بُرْهَانٌ مِثْلُ الشَّمْسِ قَالَ : وَأَمَّا الْآخَرُ فَتَخْرُجُ نَفْسُهُ وَهِيَ أَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ ، فَتَصْعَدُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَهَا فَتَلَقَّاهُمْ مَلَائِكَةٌ دُونَ السَّمَاءِ ، فَيَقُولُونَ : مَنْ هَذَا مَعَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : فُلَانٌ ، وَيَذْكُرُونَهُ بِأَسْوَإِ عَمَلِهِ قَالَ : فَيَقُولُونَ : رُدُّوهُ رُدُّوهُ ، فَمَا ظَلْمَهُ اللَّهُ شَيْئًا ، فَقَرَأَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ "[376]

وعَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقَالَ : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، إِنَّكَ قَدْ أَصْبَحْتَ عَلَى جَنَاحِ فِرَاقِ الدُّنْيَا ، فَمُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ وَأَذْكُرُكَ بِهِ ، فَقَالَ : " إِنَّكَ بَيْنَ أُمَّةٍ مُعَافَاةٍ فَأَقِمِ الصَّلَاةَ وَأَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ إِنْ كَانَ لَكَ ، وَصُمْ رَمَضَانَ وَاجْتَنِبِ الْفَوَاحِشَ ، ثُمَّ أَبْشِرْ ، فَأَعَادَ الرَّجُلُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : اجْلِسْ ثُمَّ اعْقِلْ مَا أَقُولُ لَكَ ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ يَوْمٍ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا عَرْضَ ذِرَاعَيْنِ فِي طُولِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ ؟ أَقْبَلَ بِكَ أَهْلُكَ الَّذِينَ كَانُوا لَا يُحِبُّونَ فِرَاقَكَ ، وَجُلُسَاؤُكَ وَإِخْوَانُكَ فَأَتْقَنُوا عَلَيْكَ الْبُنْيَانَ ، ثُمَّ أَكْثَرُوا عَلَيْكَ التُّرَابَ ، ثُمَّ تَرَكُوكَ ، ثُمَّ جَاءَكَ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ جَعْدَانِ ، أَسْمَاؤُهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ ، فَأَجْلَسَاكَ ثُمَّ سَأَلَاكَ مَا أَنْتَ ؟ أَمْ عَلَى مَاذَا كُنْتَ ؟ أَمْ مَاذَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَإِنْ قُلْتَ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي ، سَمِعْتُ النَّاسَ قَالُوا قَوْلًا فَقُلْتُ قَوْلَ النَّاسِ ، فَقَدْ وَاللَّهِ رَدِيتَ وَهَوِيتَ ، فَإِنْ قُلْتَ : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ فَآمَنْتُ بِهِ وَبِمَا جَاءَ مَعَهُ ، فَقَدْ وَاللَّهِ نَجَوْتَ وَهُدِيتَ ، وَلَنْ تَسْتَطِيعَ ذَلِكَ إِلَّا بِتَثْبِيتٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَا تَرَى مِنَ الشِّدَّةِ وَالتَّخْوِيفِ "[377]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مَنْفُوسٍ ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أُعِيذُهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " [378]

وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : " إِنَّ الْكَافِرَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ ، فَيَأْكُلُ لَحْمَهُ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى رِجْلِهِ ثُمَّ يُكْسَى اللَّحْمُ فَيَأْكُلُ مِنْ رِجْلِهِ إِلَى رَأْسِهِ ، فَهَذَا مَكْرٌ لَكَ "[379]

نعيم القبر وعذابه يكون للروح والبدن جميعا ، فتنعم الروح أو تعذب متصلة بالبدن فيكون النعيم والعذاب عليهما جميعا ،كما أنه قد تنعم الروح أو تعذب أحيانا منفصلة عن البدن ، فيكون النعيم أو العذاب للروح منفردا عن البدن . وقد دلت على هذا النصوص وعليه اتفق أهل السنة والجماعة ، خلافا لمن زعم أن عذاب القبر ونعيمه يكون للروح فقط على كل حال ولا يتعلق بالبدن .

وقد دلت هذه الأحاديث على وقوع النعيم أو العذاب في القبر على الروح والجسد جميعا ففي قول النبي r : « إن العبد إذا وضع في القبر » دلالة ظاهرة على هذا إذ لفظ (العبد) مسمى للروح والجسد جميعا ، وكذلك تصريحه بإعادة الروح إلى الجسد عند السؤال كما في حديث البراء بن عازب هذا مع ما جاء في الحديثين من الألفاظ التي هي من صفات الجسد كقوله : « يسمع قرع نعالهم » (فيقعدانه) ، « ويضرب بمطارق من حديد »« فيصيح صيحة » ، فإن هذا كله يفيد أن ما يحصل في القبر من النعيم أو العذاب متعلق بالروح والجسد جميعهما

هذا مع أنه قد جاء في بعض النصوص ما يفيد أن النعيم أو العذاب قد يقع على الروح منفردة في بعض الأحوال على ما جاء في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله r : « لما أصيب إخوانكم يعني يوم أحد - جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش »أخرجه أحمد والحاكم وهو صحيح .

فتلخص من هذا أن النعيم والعذاب يقع على الروح والجسد جميعا في القبر  وقد تنفرد الروح بهذا أحيانا . قال بعض الأئمة المحققين في السنة في تقرير هذه المسألة : (والعذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا باتفاق أهل السنة والجماعة ، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن ، وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها ، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعتين كما يكون للروح منفردة عن البدن) .

وسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية [380]: - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَهُوَ بِمِصْرِ - عَنْ " عَذَابِ الْقَبْرِ " . هَلْ هُوَ عَلَى النَّفْسِ وَالْبَدَنِ أَوْ عَلَى النَّفْسِ ؛ دُونَ الْبَدَنِ ؟ وَالْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ حَيًّا أَمْ مَيِّتًا ؟ وَإِنْ عَادَتِ الرُّوحُ إلَى الْجَسَدِ أَمْ لَمْ تَعُدْ فَهَلْ يَتَشَارَكَانِ فِي الْعَذَابِ وَالنَّعِيمِ ؟ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ؟

فَأَجَابَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَعَلَ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ مُنْقَلَبَهُ وَمَثْوَاهُ آمِينَ . الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ : بَلْ الْعَذَابُ وَالنَّعِيمُ عَلَى النَّفْسِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ تَنْعَمُ النَّفْسُ وَتُعَذَّبُ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْبَدَنِ وَتُعَذَّبُ مُتَّصِلَةً بِالْبَدَنِ وَالْبَدَنُ مُتَّصِلٌ بِهَا فَيَكُونُ النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُجْتَمَعِينَ كَمَا يَكُونُ لِلرُّوحِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْبَدَنِ . وَهَلْ يَكُونُ الْعَذَابُ وَالنَّعِيمُ لِلْبَدَنِ بِدُونِ الرُّوحِ ؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَالْكَلَامِ ،وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ ؛ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ : إنَّ النَّعِيمَ وَالْعَذَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الرُّوحِ ؛ وَأَنَّ الْبَدَنَ لَا يُنَعَّمُ وَلَا يُعَذَّبُ . وَهَذَا تَقُولُهُ " الْفَلَاسِفَةُ " الْمُنْكِرُونَ لِمَعَادِ الْأَبْدَانِ ؛ وَهَؤُلَاءِ كُفَّارٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَيَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ " أَهْلِ الْكَلَامِ " مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ : الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْبَرْزَخِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ الْقُبُورِ . وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ : إنَّ الرُّوحَ بِمُفْرَدِهَا لَا تُنَعَّمُ وَلَا تُعَذَّبُ وَإِنَّمَا الرُّوحُ هِيَ الْحَيَاةُ وَهَذَا يَقُولُهُ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَصْحَابِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِمْ ؛ وَيُنْكِرُونَ أَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ . وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ ؛ خَالَفَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْمَعَالِي الجويني وَغَيْرُهُ ؛ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ وَأَنَّهَا مُنَعَّمَةٌ أَوْ مُعَذَّبَةٌ . " وَالْفَلَاسِفَةُ " الإلهيون يَقُولُونَ بِهَذَا لَكِنْ يُنْكِرُونَ مَعَادَ الْأَبْدَانِ وَهَؤُلَاءِ يُقِرُّونَ بِمَعَادِ الْأَبْدَانِ ؛ لَكِنْ يُنْكِرُونَ مَعَادَ الْأَرْوَاحِ وَنَعِيمَهَا وَعَذَابَهَا بِدُونِ الْأَبْدَانِ ؛ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَضَلَالٌ لَكِنَّ قَوْلَ الْفَلَاسِفَةِ أَبْعَدُ عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، بَلْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصَوُّفِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْكَلَامِ .

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ : الشَّاذُّ . قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْبَرْزَخَ لَيْسَ فِيهِ نَعِيمٌ وَلَا عَذَابٌ بَلْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ الْقِيَامَةُ الْكُبْرَى كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عَذَابَ الْقَبْرِ وَنَعِيمَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لَا تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ وَأَنَّ الْبَدَنَ لَا يُنَعَّمُ وَلَا يُعَذَّبُ . فَجَمِيعُ هَؤُلَاءِ الطَّائِفَتَيْنِ ضَلَالٌ فِي أَمْرِ الْبَرْزَخِ لَكِنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِالْقِيَامَةِ الْكُبْرَى.

فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْبَاطِلَةَ فَلْيُعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ " سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا " أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا مَاتَ يَكُونُ فِي نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ وَأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِرُوحِهِ وَلِبَدَنِهِ وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً وَأَنَّهَا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ . ثُمَّ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى أُعِيدَتِ الْأَرْوَاحُ إلَى أَجْسَادِهَا وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وَمَعَادُ الْأَبْدَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ .

وَهَلْ يَكُونُ لِلْبَدَنِ دُونَ الرُّوحِ نَعِيمٌ أَوْ عَذَابٌ ؟ أَثْبَتَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَأَنْكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ . وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَأَمَّا أَحَادِيثُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمَسْأَلَةُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فَكَثِيرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ r

وذكر بعض الأحاديث الآنفة الذكر ....

وقال بعد حديث البراء الطويل : فَقَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِإِعَادَةِ الرُّوحِ إلَى الْجَسَدِ وَبِاخْتِلَافِ أَضْلَاعِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى الرُّوحِ وَالْبَدَنِ مُجْتَمِعَيْنِ . وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي قَبْضِ الرُّوحِ وَالْمَسْأَلَةِ وَالنَّعِيمِ وَالْعَذَابِ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُهُ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ. فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْعِلْمُ : مِنْهَا : أَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ ؛ خِلَافًا لِضُلَّالِ الْمُتَكَلِّمِينَ ؛ وَأَنَّهَا تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ خِلَافًا لِضُلَّالِ الْفَلَاسِفَةِ ؛ وَأَنَّهَا تُعَادُ إلَى الْبَدَنِ وَأَنَّ الْمَيِّتَ يُسْأَلُ فَيُنَعَّمُ أَوْ يُعَذَّبُ كَمَا سَأَلَ عَنْهُ أَهْلُ السُّؤَالِ وَفِيهِ أَنَّ عَمَلَهُ الصَّالِحَ أَوْ السَّيِّئَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ أَوْ قَبِيحَةٍ .

وقال تعليقا على حديث آخر :  وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ اخْتِلَافُ أَضْلَاعِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْبَدَنَ نَفْسَهُ يُعَذَّبُ .

ثم قال : " فَقَدْ أَخْبَرَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ أَنَّ الرُّوحَ تُنَعَّمُ مَعَ الْبَدَنِ الَّذِي فِي الْقَبْرِ - إذَا شَاءَ اللَّهُ - وَإِنَّمَا تُنَعَّمُ فِي الْجَنَّةِ وَحْدَهَا وَكِلَاهُمَا حَقٌّ .

وَهَذَا الْبَابُ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ مَا يَضِيقُ هَذَا الْوَقْتُ عَنْ اسْتِقْصَائِهِ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَبْدَانَ الَّتِي فِي الْقُبُورِ تُنَعَّمُ وَتُعَذَّبُ - إذَا شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ - كَمَا يَشَاءُ وَأَنَّ الْأَرْوَاحَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ وَمُنَعَّمَةٌ وَمُعَذَّبَةٌ . وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ r بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ { أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا : السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ ».

وَقَدِ انْكَشَفَ لِكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ ذَلِكَ حَتَّى سَمِعُوا صَوْتَ الْمُعَذَّبِينَ فِي قُبُورِهِمْ وَرَأَوْهُمْ بِعُيُونِهِمْ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا عَلَى الْبَدَنِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ؛ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلاَثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ « يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَإِنِّى قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِى رَبِّى حَقًّا ». فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِىِّ -r- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ». ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِى قَلِيبِ بَدْرٍ.

وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : وَقَفَ النَّبِيُّ r عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ : " هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا " ثُمَّ قَالَ : " إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ " ، فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ ، فَقَالَتْ : إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ r : " إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ هُوَ الحَقُّ " ثُمَّ قَرَأَتْ إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ المَوْتَى حَتَّى قَرَأَتْ الآيَةَ .

وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ : اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ مَا رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عُمَرَ وَإِنْ كَانَا لَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا فَإِنَّ أَنَسًا رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبُو طَلْحَةَ شَهِدَ بَدْرًا . كَمَا رَوَى البخاري فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ - r - أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِى طَوِىٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ ، أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ، ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلاَّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِىِّ ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ « يَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ ، وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا ، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا » . قَالَ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ » . قَالَ قَتَادَةُ أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا .

وَعَائِشَةُ تَأَوَّلَتْ فِيمَا ذَكَرَتْهُ كَمَا تَأَوَّلَتْ أَمْثَالَ ذَلِكَ . وَالنَّصُّ الصَّحِيحُ عَنْ النَّبِيِّ r مُقَدَّمٌ عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ : { إنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } إنَّمَا أَرَادَ بِهِ السَّمَاعَ الْمُعْتَادَ الَّذِي يَنْفَعُ صَاحِبَهُ فَإِنَّ هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْكُفَّارِ وَالْكُفَّارُ تَسْمَعُ الصَّوْتَ لَكِنْ لَا تَسْمَعُ سَمَاعَ قَبُولٍ بِفِقْهِ وَاتِّبَاعٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } (171) سورة البقرة. فَهَكَذَا الْمَوْتَى الَّذِينَ ضَرَبَ لَهُمْ الْمَثَلَ لَا يَجِبُ أَنْ يُنْفَى عَنْهُمْ جَمِيعُ السَّمَاعِ الْمُعْتَادِ أَنْوَاعَ السَّمَاعِ كَمَا لَمْ يُنْفَ ذَلِكَ عَنِ الْكُفَّارِ ؛ بَلْ قَدْ انْتَفَى عَنْهُمْ السَّمَاعُ الْمُعْتَادُ الَّذِي يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَأَمَّا سَمَاعٌ آخَرُ فَلَا يُنْفَى عَنْهُمْ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِهَذَا فَكَيْفَ يَدْفَعُ ذَلِكَ ؟.

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : إنَّ الْمَيِّتَ فِي قَبْرِهِ لَا يَسْمَعُ مَا دَامَ مَيِّتًا كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ . وَاسْتَدَلَّتْ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَمَّا إذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ كَمَا قَالَ قتادة : أَحْيَاهُمْ اللَّهُ لَهُ . وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْحَيَاةُ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا كَمَا نَحْنُ لَا نَرَى الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَلَا نَعْلَمُ مَا يُحِسُّ بِهِ الْمَيِّتُ فِي مَنَامِهِ وَكَمَا لَا يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ مَا فِي قَلْبِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ" .

ــــــــــــــــــ

المبحثُ الثاني والثلاثون

من لا يسأل في القبر وما ينجي من عذاب القبر

 

عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -r - أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِى قُبُورِهِمْ إِلاَّ الشَّهِيدَ قَالَ « كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً ». أخرجه النسائي [381]

قال المناوي في فيض القدير: (6248 ) (كفى ببارقة السيوف) أي بلمعانها قال الراغب: البارقة لمعان السيف (على رأسه) يعني الشهيد (فتنة) فلا يفتن في قبره ولا يسأل إذ لو كان فيه نفاق لفرَّ عند التقاء الجمعين فلما ربط نفسه للّه في سبيله ظهر صدق ما في ضميره وظاهره اختصاص ذلك بشهيد المعركة لكن أخبار الرباط تؤذن بالتعميم .

<تنبيه> قال القرطبي: إذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل قدراً وأعظم أجراً فهو أحرى أن لا يفتن لأنه المقدم في التنزيل على الشهداء {أولئك الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء} وقد جاء في المرابط الذي هو أقل رتبة من الشهيد أنه لا يفتن فكيف بمن هو أعلى منه وهو الشهيد.

وعَنِ سَلْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِىَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ». أخرجه مسلم [382]

قال النووي: هَذِهِ فَضِيلَة ظَاهِرَة لِلْمُرَابِطِ ، وَجَرَيَان عَمَله بَعْد مَوْته فَضِيلَة مُخْتَصَّة بِهِ ، لَا يُشَارِكهُ فِيهَا أَحَد.

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - قَالَ « مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَجْرَى عَلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ الصَّالِحِ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّانِ وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنَ الْفَزَعِ ».أخرجه ابن ماجه [383]

وعَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ مَاتَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَأُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ فَلَمَّا رَجَعْنَا تَلَقَّانَا خَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَكِلاَهُمَا قَدْ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فَقَالاَ سَبَقْتُمُونَا بِهَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ بِهِ بَطْنٌ  وَأَنَّهُمْ خَشُوا عَلَيْهِ الْحَرَّ - قَالَ - فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ لَمْ يُعَذَّبْ فِى قَبْرِهِ » أخرجه ابن أحمد [384]

المراد به الاستسقاء، وقيل: الإسهال، وقيل غير ذلك.

وقال القرطبي: اعلم رحمك الله أن هذا الباب لا يعارض ما تقدم من الأبواب ، بل يخصصها ويبين من لا يسأل في قبره ولا يفتن فيه ، ممن يجري عليه السؤال ، ويقاسي تلك الأهوال وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه . وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد صلى الله عليه و سلم .

وقد روى ابن ماجه في سننه عن جابر عن النبي r قال : إذا دخل الميت في قبره مثلت له الشمس عند غروبها فيجلس فيمسح عينيه ويقول : دعوني أصلي ولعلهذا ممن وقي فتنة القبر فلا تعارض والحمد لله ..... [385]

فصل : قوله عليه السلام : من مات مريضاً مات شهيداً عام في جميع الأمراض لكن قيده قوله في الحديث الآخر : من يقتله بطنه وفيه قولان :

أحدهما : أنه الذي يصيبه الذرب وهو الإسهال تقول العرب أخذه البطن إذا أصابه الداء وذرب الجرح إذا لم يقبل الدواء وذربت معدته فسدت .الثاني : أنه الاستسقاء وهو أظهر القولين فيه

وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَالَ : " فِي سُورَةِ الْمُلْكِ : " هِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ يُؤْتَى صَاحِبُهَا قَالَ عَلِيٌّ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ يَقُلْ مُوسَى فِي قَبْرِهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَيَقُولُ رَأْسُهُ : لَا سَبِيلَ عَلَيَّ ، إِنَّهُ وَعَى فِي سُورَةِ الْمُلْكِ ، ثُمَّ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ ، فَيَقُولُ : لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ سَبِيلٌ إِنَّهُ كَانَ يَقُومُ بِي بِسُورَةِ الْمُلْكِ ، وَإِنَّهَا فِي التَّوْرَاةِ مَنْ قَرَأَهَا ، فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطْيَبَ " أخرجه ابن الضريس [386]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ » أخرجه أحمد[387]

وفي فيض القدير للمناوي (8108 ) (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه اللّه تعالى فتنة القبر) لأن من مات يومها أو ليلتها فقد انكشف له الغطاء لأن يومها لا تسجر فيه جهنم وتغلق أبوابها ولا يعمل سلطان النار ما يعمل في سائر الأيام فإذا قبض فيه عبد كان دليلاً لسعادته وحسن مآبه لأن يوم الجمعة هو اليوم الذي تقوم فيه الساعة فيميز اللّه بين أحبابه وأعدائه ويومهم الذي يدعوهم إلى زيارته في دار عدن وما قبض مؤمن في هذا اليوم الذي أفيض فيه من عظائم الرحمة ما لا يحصى إلا لكتبه له السعادة والسيادة فلذلك يقيه فتنة القبر.

فالذي لا يسأل في قبره هو: الشهيد، الصديق، الميت بالطاعون والبِطن، المرابط في سبيل الله، من يقرأ سورة الملك، من يموت ليلة الجمعة أو يومها، والأنبياء من باب أولى ..  [388]

وعَنْ قَيْسٍ( الجذامي)، أَنّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ : إِنَّ لِلْقَتِيلِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سِتَّ خِصَالٍ ، يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ خَطِيئَةٍ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وُيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُؤَمَّنُ الْفَزَعَ الأَكْبَرَ ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ"[389]

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ - r- مِثْلَ حَدِيثٍ قَبْلَهُ ، وَهُوَ هَذَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - : " إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - سِتَّ خِصَالٍ : أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ ، وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ، وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعَ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ " . رَوَاهُ أَحْمَدُ[390]

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ , وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ , وَيُحَلَّى بِحُلْيَةِ الْإِيمَانِ , وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ , وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , وَيَأْمَنُ الْفَزَعَ الأَكْبَرَ , وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ , وَالْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا , وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ , وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. الشاميين[391]

وعَنْ مَكْحُولٍ ، قَالَ : لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ : يَغْفِرُ اللَّهُ ذَنْبَهُ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ تُصِيبُ الأَرْضَ مِنْ دَمِهِ , وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ , وَيُزَوَّجُ الْحُورَ الْعِينِ , وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ , وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , وَيُؤَمَّنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ أوْ فَزِعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.[392]

والمستجير بالله تعالى يوقى عذاب القبر وفتنته ، فعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالَتِهِ أَنَّ النَّبِىَّ - r - كَانَ يَتَعَوَّذُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ » [393].

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ ، وَعَذَابِ النَّارِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَنَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ ، وَالْهِرَمِ ، وَالْمَأْثَمِ ، وَالْمَغْرَمِ "[394]

وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، عَنِ النَّبِيِّ r ، أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِي ذِمَّتِكَ ، وَحَبْلِ جِوَارِكَ فَأَعِذْهُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ ، وَعَذَابِ النَّارِ ، أَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَقِّ ، اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.[395]

والدليل أيضاً قول الله تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا مَأْثَمٌ ، وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِحْدَى ثَلاثٍ : إِمَّا أَنْ يَسْتَجِيبَ لَهُ دَعْوَتَهُ ، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ، أَوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذًا نُكْثِرُ ، قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ "[396]

وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِمَأْثَمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ إِذًا نُكْثِرَ. قَالَ « اللَّهُ أَكْثَرُ ».[397]

ــــــــــــــ

المبحثُ الثالث والثلاثون

الترهيب من النياحة على الميت وغيرها

 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِى قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ » وفي رواية عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ - رضى الله عنه - جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ وَاأَخَاهُ . فَقَالَ عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِىَّ - r - قَالَ « إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ » رواه البخاري ومسلم [398]

اختلف أهل العلم في معناه، فقال بعضهم: هو منسوخ، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى. وقال آخرون: ليس منسوخاً وحملوه على ما إذا أوصاهم بذلك.وقال آخرون: معناه يتألم من فعلهم لأن البكاء لا يرد القدر.

اختلف أهل العلم في معناه، فقال بعضهم: هو منسوخ، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى. وقال آخرون: ليس منسوخاً وحملوه على ما إذا أوصاهم بذلك.وقال آخرون: معناه يتألم من فعلهم لأن البكاء لا يرد القدر.

وقال ابن بطال رحمه الله في شرح البخاري  :

اختلف أهل العلم فى معنى قوله  - r - :  « يعذب الميت ببكاء أهله عليه » ، فقالت طائفة: معناه أن يوصى بذلك الميت، فيعذب حينئذ بفعل نفسه لا بفعل غيره، وإليه ذهب البخارى فى قوله: إذا كان النوح من سنته، يعنى أن يوصى بذلك، وهو قول أهل الظاهر، وأنكروا قول عائشة، وأخذوا بحديث عمر، وابن عمر، والمغيرة أن الميت يعذب بما نيح.

وقال آخرون: معناه أن يمدح الميت فى ذلك البكاء بما كان يمدح به أهل الجاهلية من الفتكات والغارات والقدرة على الظلم، وغير ذلك من الأفعال التى هى عند الله ذنوب، فهم يبكون لفقدها ويمدحونه بها، وهو يعذب من أجلها.

وقال آخرون: معناه أن الميت ليعذب ويحزن ببكاء أهله عليه، ويسوؤه إتيان ما يكره ربه، واحتجوا بحديث قَيْلَةَ حين ذكر رسول الله  - r -  أنها قالت: بكيتُ ثم قلت: والله يا رسول الله، لقد ولدته حرامًا، فقاتل معك يوم الربذة، ثم ذهب يمترى لى من خيبر فأصابته حمى فمات. فقال  - r - :  « لو لم تكونى مسكينة لجررناك اليوم على وجهك، أتُغلب إحداكن على أن تصاحب صويحبةَ فى الدنيا معروفًا، حتى إذا حال بينه وبينه من هو أولى به، استرجع، فقال: رب أثبنى بما أمضيت، وأعنى على ما أبقيت، والذى نفس محمد بيده، إن إحداكن لتبكى فتستعين إليه صويحبة، فيا عباد الله، لا تعذبوا أمواتكم » .

قال الطبرى: والدليل على أن بكاء الحى على الميت تعذيب من الحى له، لا تعذيب من الله ما رواه عوف عن جلاس بن عمرو، عن أبى هريرة، قال:  « إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم، فإن رأوا خيرًا فرحوا به، وإن رأوا شرًا كرهوه، وإنهم ليستخبرون الميت إذا أتاهم: من مات بعدهم، حتى إن الرجل ليسأل عن امرأته هل تزوجت أم لا » .

وروى محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، عن يوسف بن ماهك، قال: كان ابن عمر فى جنازة رافع بن خديج بين قامتى السرير، فقال: إن الميت ليعذب ببكاء الحى، فقال ابن عباس: إن الميت لا يعذب ببكاء الحى. وذهبت عائشة إلى أن أحدًا لا يعذب بفعل غيره، وهو أمر مجتمع عليه، لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} [الأنعام: 164].

وكل حديث أتى فيه النهى عن البكاء فمعناه النياحة عند العلماء، لأن الله تعالى أضحك وأبكى، ولقوله  - r - :  « تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب » . وقال الرسول لعمر إذ نهى النساء عن البكاء:  « دعهن يا عمر، فإن النفس مصابة، والعين دامعة، والعهد قريب » . ونهى عن النياحة، ولعن النائحة والمُشِقَّة، وهى عن شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعوى الجاهلية.

وفى حديث أسامة، وأنس فى هذا الباب جواز البكاء الخفيف بدمع العين، قال الشافعى: أرخص فى البكاء بلا ندبة، ولا نياحة، وما ذهبت إليه عائشة أشبه بدلائل الكتاب، وما زيد فى عذاب الكافر باستحقاقه لا بذنب غيره، لأنه إذا بُكى عليه بذكر فتكاته وغاراته فهو مستحق للعذاب بذلك، وأهله يَعُدُّون ذلك من فضائله وهو يعذب من أجلها، فإنما يعذب بفعله لا ببكاء أهله، هذا معنى قول عائشة: إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وهو موافق لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وتصويب الشافعى لقول عائشة، وإنكارها على ابن عمر يشبه أن يكون مذهب مالك، لدلالة ما فى موطئه عليه لأنه ذكر حديث عائشة، ولم يذكر خلافه عن أحد.

وفي رواية عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ غَفَرَ اللَّهُ لأَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِىَ أَوْ أَخْطَأَ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -r - عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ « إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِى قَبْرِهَا ». قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وعَنِ مُوسَى بْنَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِ فَيَقُولُ وَاجَبَلاَهُ وَاسَيِّدَاهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إِلاَّ وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِه  أَهَكَذَا كُنْتَ » رواه الترمذي [399]

وَاجَبَلاَهُ  وَاسَيِّدَاهُ  ونحو ذلك مِمَّا يَقُولُ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ - يَلْهَزَانِه يلهزانه" : أى يضربانه ويدفعانه

وعَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَن ِالنَّبِيِّ r ، قَالَ :« إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ ، فَإِذَا قَالَتْ : وَاعَضُدَاهُ وَامَانِعَاهُ وَانَاصِرَاهُ وَاكَاسِيَاهُ حَبَّذَا الْمَيِّتُ ، فَقِيلَ أَنَاصِرُهَا أَنْتَ ، أَكَاسِيهَا أَنْتَ ، أَعَاضِدُهَا أَنْتَ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ، فَقَالَ : وَيْحَكَ ، أُحَدِّثُكَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r ، وَتَقُولُ هَذَا ؟ فَأَيُّنَا كَذَبَ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى ، وَمَا كَذَبَ أَبُو مُوسَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r » رواه الحاكم[400]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« ثَلاثَةٌ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّه: شَقُّ الْجَيْبِ، وَالنِّيَاحَةُ ، وَالطَّعْنُ فِي النَّسَبِ » رواه الحاكم [401]

من الكفر :أي من أفعال أهل الكفر باللهت شق الجيب :  تمزيق الثوب غضباً وسخطاً.

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -r - قَالَ « لاَ تُصَلِّى الْمَلاَئِكَةُ عَلَى نَائِحَةٍ وَلاَ عَلَى مُرِنَّةٍ  » رواه احمد في مسنده [402]-  مرنة: مولولة.

وعَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « النِّيَاحَةُ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ النَّائِحَةَ إِذَا مَاتَتْ وَلَمْ تَتُبْ قَطَعَ اللَّهُ لَهَا ثِيَابًا مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعًا مِنْ لَهَبِ النَّارِ ». أخرجه ابن ماجه  [403]

وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ غَرِيبٌ وَفِى أَرْضِ غُرْبَةٍ لأَبْكِيَنَّهُ بُكَاءً يُتَحَدَّثُ عَنْهُ. فَكُنْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ تُرِيدُ أَنْ تُسْعِدَنِى فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ -r - وَقَالَ « أَتُرِيدِينَ أَنْ تُدْخِلِى الشَّيْطَانَ بَيْتًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْهُ ». مَرَّتَيْنِ فَكَفَفْتُ عَنِ الْبُكَاءِ فَلَمْ أَبْكِ. » رواه مسلم [404]

وعَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ لَمَّا جَاءَ النَّبِىَّ - r - قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ ، وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ المبحثُ - شَقِّ المبحثُ - فَأَتَاهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ ، وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ ، فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ ، لَمْ يُطِعْنَهُ فَقَالَ انْهَهُنَّ . فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ وَاللَّهِ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ « فَاحْثُ فِى أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ » . فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ ، لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - r - وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ - r - مِنَ الْعَنَاءِ أخرجه البخاري [405]- فَاحْثُ أي : ارم

قال السيوطي في شرح النسائي : قوله (  فَاحْثُ فِي أَفْوَاههنَّ التُّرَاب ) يُؤْخَذ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّأْدِيب يَكُون بِمِثْلِ هَذَا وَنَحْوه وَهَذَا إِرْشَاد عَظِيم قَلَّ مَنْ يَتَفَطَّن لَهُ .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ » . رواه البخاري ومسلم [406]

أي ليس على طريقنا الكاملة من لطم الخدود وبقوة وسخط ومزق ملابسه ونادى بألفاظ الندبة والاستغاثة الجاهلية.. وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا كَانَ فِي الْفَتْرَة قَبْل الْإِسْلَام

وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - لَعَنَ الْخَامِشَةَ وَجْهَهَا وَالشَّاقَّةَ جَيْبَهَا وَالدَّاعِيَةَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ»  رواه ابن ماجه [407]  _قَوْله ( الْخَامِشَة وَجْههَا ) مِنْ خَمَشَ وَجْهه إِذَا قَشَرَ جَلْدَة مِنْ بَاب نَصَرَ وَتَخْصِيص الْمَرْأَة لِمَا تَقَدَّمَ وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد النَّفْس الْخَامِشَة فَيَشْمَل الذَّكَر وَالْأُنْثَى.

ــــــــــــ

المبحثُ الرابع والثلاثون

الترهيب من إحداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث

 

عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلاَثَةَ قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ - r - حِينَ تُوُفِّىَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ، ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِى بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ ، غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - r - يَقُولُ « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا » رواه البخاري ومسلم

وعند أبي داود عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِى سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّلاَثَةِ قَالَتْ زَيْنَبُ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ حِينَ تُوُفِّىَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ فَدَعَتْ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِى بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ». قَالَتْ زَيْنَبُ وَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّىَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا لِى بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ». قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمِّى أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -r - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِى تُوُفِّىَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنَكْحُلُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « لاَ ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ « لاَ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِنَّمَا هِىَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِى الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِى بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ ». قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِى بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّىَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلاَ شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَىْءٍ إِلاَّ مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِى بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْحِفْشُ بَيْتٌ صَغِيرٌ.[408]

الخلوق : طيب مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب تغلب عليه الحمرة والصفرة

العارضان : جانبا الوجه وصفحتا الخدين

أي لا يجوز لها أن تحزن عليه وتلبس ثياب الحزن، وتترك الزينة أكثر من ثلاثة أيام، إلا إذا كان المتوفى زوجها فتحد أربعة أشهر وعشرة أيام، ما لم تكن حاملاً، فإذا كانت حاملاً فعدتها تنتهي بوضع الحمل كما هو رأي جمهور الفقهاء.

الإحداد وهو ترك الزينة بأنواعها طوال مدة العدة، ولكنه غير واجب على كل معتدة.

فالمعتدة من طلاق رجعي لا إحداد عليها بالاتفاق، لأن زوجيتها قائمة بل يستحب لها التزين لأنه قد يكون طريقاً إلى تجديد رغبة زوجها فيها فيراجعها.

أما المعتدة من وفاة فيجب عليها الإحداد باتفاق الفقهاء ومنهم الحنفية فيجب عليها ترك التزين بملبس جرى العرف الناس بأنه من ملابس الزينة، ولا تقييد فيه بلون خاص لأن العرف يختلف فيه من زمن لآخر ومن بلد لغيره، وترك الحلي بكافة أشكاله، والطيب والادهان والكحل والحناء، ولا تكتحل إلا لضرورة، فإن كان يكفي في دفعها الاكتحال ليلاً اقتصرت عليه وإلا وقفت عند ما يدفعها، ولا فرق في ذلك بين الزوجة الكبيرة والصغيرة والحامل وغير حامل، أما ضرورات الحياة من الاستحمام والتنظيف وتسريح الشعر فليست ممنوعة منها.

وإنما وجب عليها ذلك لما ورد من الأحاديث: منها ما رواه أبو داود بسنده أن رسول الله r قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة وعشرا"، ولأن في ترك الزينة قطعاً لأطماع الراغبين فيها حيث لا زوج يحميها ويمنع عنها هؤلاء، ولأن الزواج نعمة عظيمة وقد فاتت بوفاة زوج وفيّ حافظ عليها إلى آخر لحظة في حياته، وفوات النعم ووفاء الزوج يقتضيها ترك التزين إظهاراً للأسف على ما فات ومقابلة الوفاء بالوفاء، وفوق ذلك فهو أدب جميل تقره الفطرة السليمة ويحمده الناس.

والإحداد: لا يخلو من حق للشارع فيه حيث أمر به ليحفظ المعتدة من طمع الطامعين، ولذلك قرر الفقهاء أنه لا يستطيع أحد إسقاطه، فلو أوصاها زوجها قبل وفاته بعدم الحداد لم يكن لها تركه.

أما المعتدة من طلاق بائن:

فذهب الحنفية إلى أن عليها الإحداد، لأن من مقاصده إظهار الحزن والأسى على فوات نعمة الزواج الذي كان يصونها ويكفيها مؤونة الحياة فأشبهت معتدة الوفاة.

وذهب جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أنه لا إحداد عليها، لأنه وجب في حالة الوفاة أسفاً لفراق زوج وفيّ بعهده لآخر لحظة من حياته، فأقل ما تكافئه به هو إظهار الحزن والأسف على فراقه، أما المطلق فقد أساء إليها وحرمها من نعمة الزواج فكيف نلزمها بالحزن عليه؟

ــــــــــــــ

المبحثُ الخامس والثلاثون

النهي عن أكل ما اليتيم بغير حق

 

عَنْ أَبِى ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّى أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّى أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِى لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ ». رواه مسلم [409]

قال النووي رحمه الله : هَذَا الْحَدِيث أَصْل عَظِيم فِي اِجْتِنَاب الْوِلَايَات ، لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْف عَنْ الْقِيَام بِوَظَائِفِ تِلْكَ الْوِلَايَة ، وَأَمَّا الْخِزْي وَالنَّدَامَة فَهُوَ حَقّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا ، أَوْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَعْدِل فِيهَا فَيُخْزِيه اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة وَيَفْضَحهُ ، وَيَنْدَم عَلَى مَا فَرَّطَ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ ، وَعَدَلَ فِيهَا ، فَلَهُ فَضْل عَظِيم ، تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَحَدِيثِ : " سَبْعَة يُظِلّهُمْ اللَّه " وَالْحَدِيث الْمَذْكُور هُنَا عَقِب هَذَا ( أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُور ) وَغَيْر ذَلِكَ ، وَإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِد عَلَيْهِ ، وَمَعَ هَذَا فَلِكَثْرَةِ الْخَطَر فِيهَا حَذَّرَهُ r مِنْهَا ، وَكَذَا حَذَّرَ الْعُلَمَاء ، وَامْتَنَعَ مِنْهَا خَلَائِق مِنْ السَّلَف ، وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى حِين اِمْتَنَعُوا.

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - r - قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » . رواه البخاري ومسلم  [410]

وسميت الموبقات: لأنها تدخل صاحبها النار.

وما وجدت هذه الموبقات أو إحداها في مجتمع إلا دب إليه الفساد والتفكك والتنافر والبغضاء والكراهية.

ولهذا شدد الإسلام في عقوبة من ارتكب شيئا من هذه الموبقات نظرا لما تسببه من فساد مادي ومعنوي للمجتمعات المسلمة.

ونظرا لأنها تصطدم بمقاصد الشريعة الإسلامية الأساسية، والتي اتفقت على صيانتها الأديان وأصحاب العقول السليمة.

فقد اتفقت دعوة الأنبياء على صيانة الدين والنفس والعقل والمال والعرض والنسب والمحافظة عليها، وارتكاب هذه الكبائر يتنافى مع صيانة هذه الكليات، كما أنه يتنافى مع تكريم الله تعالى للإنسان وتشريفه أن يعبد غير الله تعالى، فمن أشرك بالله تعالى وعبد غيره من المخلوقات فقد انحط عن مرتبة الإنسانية لأنه مخلوق لعبادة الله تعالى وحده، والكون كله مسخر لخدمته لكي يؤدي هذه المهمة العظيمة.

ومن أساسيات الدعوة الإسلامية إقامة مجتمع مسلم متماسك قوي يعبد الله تعالى وحده لا شريك له ويعمر أرض الله تعالى وفق شريعته كما قال سبحانه وتعالى على لسان أنبيائه: .... اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ {هود: 61}. ولا يمكن إقامة هذا المجتمع إذا كانت تنخر في جسمه الكبائر والموبقات. والله أعلم.

والمقصود هنا أنه قد يموت الوالد وأولاده صغار،  فيتولى أمرهم آخر وربما أكل مالهم بغير حق أو أساء التصرف فيه فجاءت النصوص الشرعية تحرم ذلك تحريماً قاطعاً، لكي لا تضيع حقوقهم.

ويكفي قول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (10) سورة النساء

إن هذا المال . . نار . . وإنهم ليأكلون هذه النار . وإن مصيرهم لإلى النار فهي النار تشوي البطون وتشوي الجلود . هي النار من باطن وظاهر . هي النار مجسمة حتى لتكاد تحسها البطون والجلود وحتى لتكاد تراها العيون وهي تشوي البطون والجلود!

ولقد فعلت هذه النصوص القرآنية بإيحاءاتها العنيفة العميقة فعلها في نفوس المسلمين . خلصتها من رواسب الجاهلية . هزتها هزة عنيفة ألقت عنها هذه الرواسب . وأشاعت فيها الخوف والتحرج والتقوى والحذر من المساس - أي مساس - بأموال اليتامى . . كانوا يرون فيها النار التي حدثهم الله عنها في هذه النصوص القوية العميقة الإيحاء . فعادوا يجفلون أن يمسوها ويبالغون في هذا الإجفال!

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما نزلت : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً } . . الآية . . انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم . فذكروا ذلك لرسول الله - r - فأنزل الله : { ويسألونك عن اليتامى . قل : إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم . والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم . . } « الآية » فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم . .

وكذلك رفع المنهج القرآني هذه الضمائر إلى ذلك الأفق الوضيء; وطهرها من غبش الجاهلية ذلك التطهير العجيب . [411]

ــــــــــــــــ

المبحثُ السادس والثلاثون

الترغيب في زيارة القبور

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ زَارَ النَّبِىُّ -r - قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ « اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى فِى أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِى،  وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِى أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِى فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ».رواه مسلم  [412]

فيه دليل على جواز البكاء على الميت ولا حرج في ذلك بشرط ألا يكون فيه نواح أو ما شابه ذلك، وليس ذلك من سخط الله ، ولا ينافي القدر، وهو عاطفة بشرية فطرية في النفس الإنسانية تحدث عندما يفقد الإنسان من يحب .

وسبب عدم الإذن بالاستغفار لها ،لأنها من أهل الفترة لقوله تعالى: { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء ،أي ماتت قبل الرسالة.

وفي حاشية السندي على ابن ماجة : قَوْله ( فَبَكَى وَأَبْكَى إِلَخْ ) كَأَنَّهُ أَخَذَ التَّرْجَمَة مِنَ الْمَنْع عَنِ الِاسْتِغْفَار أَوْ مِنْ مُجَرَّد أَنَّهُ الظَّاهِر عَلَى مُقْتَضَى وَجُودهَا فِي وَقْت الْجَاهِلِيَّة لَا مِنْ قَوْله فَبَكَى وَأَبْكَى إِذْ لَا يَلْزَم مِنَ الْبُكَاء عِنْد الْحُضُور فِي ذُلّك الْمَحَلّ الْعَذَاب أَوْ الْكُفْر بَلْ يُمْكِن تَحَقُّقه مَعَ النَّجَاة وَالْإِسْلَام أَيْضًا لَكِنْ مَنْ يَقُول بِنَجَاةِ الْوَالِدَيْنِ لَهُمْ ثَلَاثَة مُسَالك فِي ذَلِكَ مَسْلَك أَنَّهُمَا مَا بَلَغَتْهُمَا الدَّعْوَة وَلَا عَذَاب عَلَى مَنْ لَمْ تَبْلُغهُ الدَّعْوَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (15) سورة الإسراء ،فَلَعَلَّ مَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَك يَقُول فِي تَأْوِيل الْحَدِيث: إِنَّ الِاسْتِغْفَار فَرْع تَصَوُّر الذَّنْب وَذَلِكَ فِي أَوَان التَّكْلِيف وَلَا يُعْقَل ذُلّك فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغهُ الدَّعْوَة فَلَا حَاجَة إِلَى الِاسْتِغْفَار لَهُمْ فَيُمْكِن أَنَّهُ مَا شُرِعَ الِاسْتِغْفَار إِلَّا لِأَهْلِ الدَّعْوَة لَا لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا نَاجِينَ، وَأَمَّا مَنْ يَقُول بِأَنَّهُمَا أُحْيِيَا لَهُ r فَآمَنَا بِهِ فَيَحْمِل هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْل الْإِخْبَار، وَأَمَّا مَنْ يَقُول بِمَنْعِ الِاسْتِغْفَار لَهُمَا قَطْعًا فَلَا حَاجَة إِلَى التَّأْوِيل فَاتَّضَحَ وَجْه الْحَدِيث عَلَى جَمِيع الْمَسَالِك.

قلت : حديث إحيائهما لا يصح من وجه ، فلا حجَّة فيه .

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِنِّى نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ فَاشْرَبُوا وَلاَ أُحِلُّ مُسْكِراً وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الأَضَاحِىِّ فَكُلُوا ». رواه أحمد [413]

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِى الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ ».رواه ابن ماجه [414]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ. رواه الترمذي [415]

وقال الترمذي :  قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرَخِّصَ النَّبِىُّ -r- فِى زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَلَمَّا رَخَّصَ دَخَلَ فِى رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كُرِهَ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ. اهـ

وحمله بعضهم على تحريم زيارتهن للمقابر مطلقاً، وحمله آخرون على ما إذا ارتكبن محذورات كلطم ونواح وتكشف، وأجازوه إذا خلا من المحذورات لعموم النصوص التي تحث على زيارة القبور، لأنها تذكر الآخرة، والنساء بحاجة لذلك كالرجال تماماً .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r : مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلاَّ عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار [416]

وقال ابن كثير رحمه في تفسيره  : وقد استدلت أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، بهذه الآية: { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي r القتلى الذين ألقوا في قَلِيب بدر ، بعد ثلاثة أيام، ومعاتبته إياهم وتقريعه لهم ، حتى قال له عمر: يا رسول الله، ما تخاطب من قوم قد جَيَّفوا ؟ فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون". وتأولته عائشة على أنه قال: "إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق"

وقال قتادة : أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعًا وتوبيخًا ونقمة.

والصحيح عند العلماء رواية ابن عمر، لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححًا [له] ، عن ابن عباس مرفوعًا: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم، كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه، حتى يرد عليه السلام"  .

[وثبت عنه r أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له، إذا انصرفوا عنه، وقد شرع النبي r لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول المسلم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر، فروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله r: "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده، إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم". ثم ذكر روايات عديدة قال عقبها : " وقد شرع السلام على الموتى، والسلام على مَنْ لم يشعر ولا يعلم بالمسلم محال، وقد علم النبي r أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا: "سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية"، فهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد، وإن لم يسمع المسلم الرد ، والله أعلم] [417]

وعن أبي هريرة قال : قال أبو رزين : يا رسول الله إن طريقي على الموتى فهل من كلام أتكلم به إذا مررت عليهم ؟ قال : « قل : السلام عليكم أهل القبور من المسلمين والمؤمنين ، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون » ، قال : أبو رزين يا رسول الله يسمعون ؟ قال : « يسمعون ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا » ، قال : « يا أبا رزين ألا ترضى أن يرد عليك بعددهم من الملائكة » . ولا يعرف إلا بهذا اللفظ أخرجه العقيلي[418]

وقال ابن القيّم : وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل , ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد , والسّلف مجمعون على هذا , وقد تواترت الآثار بأنّ الميّت يعرف زيارة الحيّ له ويستبشر به .وجاء في فتاوى العزّ بن عبد السّلام : والظّاهر أنّ الميّت يعرف الزّائر , لأنّا أمرنا بالسّلام عليهم , والشّرع لا يأمر بخطاب من لا يسمع .

وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِى الَّذِى دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -r - وَأَبِى فَأَضَعُ ثَوْبِى فَأَقُولُ إِنَّمَا هُوَ زَوْجِى وَأَبِى فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَاللَّهِ مَا دَخَلْتُ إِلاَّ وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَىَّ ثِيَابِى حَيَاءً مِنْ عُمَرَ. أخرجه أحمد  [419]

وهذا يدل على ورعها وعمق إيمانها وحيائها من الله تعالى، هذه المرأة المصون هي التي أراد المنافقون أن يلطخوا سمعتها بإفكهم فنزل القرآن ببراءتها وعفتها، لذلك فمن وقع فيها أو اتهمها فإنما يتهم الله تعالى ويكذب النص القرآني القاطع – عافانا الله من ذلك،[420]

ـــــــــــــــ


المبحثُ السابع والثلاثون

الترهيب من المرور بقبور الظالمين

 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - لأَصْحَابِ الْحِجْرِ « لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ ».

وفي رواية أخرى عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r - « لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ » . رواه البخاري ومسلم [421]

مساكن ثمود : هم قبيلة أرسل الله إليها سيدنا صالح عليه السلام فكذبوه فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم.

أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ ، أي: خشية أن يقع بكم العذاب، وفيه الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين ومواضع العذاب.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قوله: إلا أن تكونوا باكين ليس المراد الاقتصار في ذلك على ابتداء الدخول بل دائماً عند كل جزء من الدخول، وأما الاستقرار فالكيفية المذكورة مطلوبة فيه بالأولوية... ووجه هذه الخشية أن البكاء يبعثه على التفكر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله تعالى على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة، ثم إيقاع نقمة بهم وشدة عذابه، وهو سبحانه مقلب القلوب فلا يأمن المؤمن أن تكون عاقبته إلى مثل ذلك.والتفكر وأيضاً في مقابلة أولئك نعمة الله بالكفر وإهمالهم إعمال عقولهم فيما يوجب الإيمان به والطاعة له، فمن مر عليهم ولم يتفكر فيما يوجب البكاء اعتباراً بأحوالهم فقد شابههم في الإهمال، ودل على قساوة قلبه وعدم خشوعه، فلا يأمن أن يجره ذلك إلى العمل مثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم. انتهى[422]

إن رسول الله r يعلمنا الحيطة من مصاحبة الظالمين وعدم الذهاب إلى أماكنهم، أو المرور منها، فكيف بمن يصاحبهم وكيف بمن يكون منهم ؟ قال تعالى: { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } (113) سورة هود   .

ـــــــــــــ

المبحثُ الثامن والثلاثون

أحوال الموتى في قبورهم

 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْشَةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَلا عِنْدَ الْقَبْرِ »

وفي رواية عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ ، وَلا مَنْشَرِهِمْ ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَهُمْ يَنْفُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ ، وَيَقُولُونَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ » أخرجه الطبراني [423]

أي أن من قال لا إله إلا الله بإخلاص ، وعمل بموجبها من طاعة لله ولرسوله r  ومعصية للشيطان، فهؤلاء لا وحشة عليهم، أما مجرد التلفظ بها دون فهم معناها والعمل بموجبه فلا ينفعه ذلك.[424]

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r- : " الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ " أخرجه أبو يعلى[425]

وهذه الحياة البرزخية تختلف عن الحياة في الدنيا، ولا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، وليس من إشكال في القول بحياة الأنبياء والشهداء، وأن النبي r تبلغه صلاتنا وسلامنا، وأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء، فكل ذلك قد ثبت بالسنة الصحيحة، يجب التسليم به دون السؤال عن الكيفية فالله أعلم بها.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -r - خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لاَ يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا فَأَتَى النَّبِىَّ -r - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى ضَرَبْتُ خِبَائِى عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لاَ أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r  « هِىَ الْمَانِعَةُ هِىَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ». أخرجه الترمذي  [426]

وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « نِمْتُ فَرَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَان[427]ِ ». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « كَذَاكَ الْبِرُّ كَذَاكَ الْبِرُّ ». وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ أخرجه أحمد [428]

البر : اسم جامع لكل معاني الخير والإحسان والصدق والطاعة وحسن الصلة والمعاملة

وعَنِ أبي قتادة ، قال : قال رسول الله r : « إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ، فإنهم يتزاورون في قبورهم » أخرجه ابن أبي الدنيا في المنامات[429]

أما كيف يتزاورون فلا ندري تفصيل ذلك، فالله أعلم.

وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r - فَلَمَّا بَرَزْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِذَا رَاكِبٌ يُوضِعُ نَحْوَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « كَأَنَّ هَذَا الرَّاكِبَ إِيَّاكُمْ يُرِيدُ ». قَالَ فَانْتَهَى الرَّجُلُ إِلَيْنَا فَسَلَّمَ فَرَدَدْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -r - « مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ». قَالَ مِنْ أَهْلِى وَوَلَدِى وَعَشِيرَتِى. قَالَ « فَأَيْنَ تُرِيدُ ». قَالَ أُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -r -. قَالَ « فَقَدْ أَصَبْتَهُ ».قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِى مَا الإِيمَانُ. قَالَ « تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ». قَالَ قَدْ أَقْرَرْتُ. قَالَ ثُمَّ إِنَّ بَعِيرَهُ دَخَلَتْ يَدُهُ فِى شَبَكَةِ جُرْذَانٍ فَهَوَى بَعِيرُهُ وَهَوَى الرَّجُلُ فَوَقَعَ عَلَى هَامَتِهِ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « عَلَىَّ بِالرَّجُلِ ». قَالَ فَوَثَبَ إِلَيْهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَحُذَيْفَةُ فَأَقْعَدَاهُ فَقَالاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ -r - قُبِضَ الرَّجُلُ. قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -r - ثُمَّ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -r - « أَمَا رَأَيْتُمَا إِعْرَاضِى عَنِ الرَّجُلِ فَإِنِّى رَأَيْتُ مَلَكَيْنِ يَدُسَّانِ فِى فِيهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ جَائِعاً ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « هَذَا وَاللَّهِ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ». قَالَ ثُمَّ قَالَ « دُونَكُمْ أَخَاكُمْ ». قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ إِلَى الْمَاءِ فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ وَحَمَلْنَاهُ إِلَى الْقَبْرِ - قَالَ - فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -r - حَتَّى جَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ. قَالَ فَقَالَ « الْحَدُوا وَلاَ تَشُقُّوا فَإِنَّ اللَّحْدَ لَنَا وَالشَّقَّ لِغَيْرِنَا » رواه أحمد [430]

و  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « رَأَيْتُ جَعْفَرًا [431]يَطِيرُ فِى الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ ».أخرجه الترمذي[432]

قال المناوي رحمه الله في فيض القدير:(4383 ) (رأيت جعفر بن أبي طالب) هو ابن عم النبي r الذي استشهد بمؤتة (ملكاً) أي على صورة ملك من الملائكة (يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) سميا جناحين لأن الطائر يجنحهما عند الطيران أي يميلهما عنده ومنه {وإن جنحوا للسلم} وهذا قاله لولده لما جاء الخبر بقتله وفي رواية عوّضه اللّه جناحين عن قطع يديه وذلك أنه أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه فقتل. قال القاضي: لما بذل نفسه في سبيل اللّه وحارب أعداءه حتى قطعت يداه ورجلاه أعطاه اللّه أجنحة روحانية يطير بها مع الملائكة ولعله رآه في المنام أو في بعض مكاشفاته اهـ. وقال السهيلي: ليسا كجناحي الطائر لأن الصورة الآدمية أشرف بل قوة روحانية وقد عبر القرآن عن العضو بالجناح توسعاً {واضمم يدك إلى جناحك} واعترض بأنه لا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة المعهود [ص 9] وهو قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف. (تتمة) قال في الإصابة: كان أبو هريرة يقول: إن جعفر أفضل الناس بعد رسول اللّه r، ورد عنه بسند صحيح. اهـ

فالحياة التي أثبتتها هذه الأحاديث للموتى إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ويجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها، أو محاولة تكييفها وتشبيهها بما هو معروف عندنا في الدنيا[433] .

ــــــــــــــ

المبحثُ التاسع والثلاثون

باب صفة الدفن

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا ».أخرجه أبو داود[434]

وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود : ( وَالشَّقّ )  : بِفَتْحِ الشِّين أَنْ يَحْفِر وَسَط أَرْض الْقَبْر وَيَبْنِي حَافَّتَاهُ بِلَبِنٍ أَوْ غَيْره وَيُوضَع الْمَيِّت بَيْنهمَا وَيُسْقَف عَلَيْهِ  ( لِغَيْرِنَا ) : مِنْ الْأُمَم السَّابِقَة فَاللَّحْد مِنْ خُصُوصِيَّات هَذِهِ الْأُمَّة . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَفْضَلِيَّة اللَّحْد ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْي عَنْ الشَّقّ . قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ . أَنَّ اللَّحْد آثَر لَنَا وَالشَّقّ لَهُمْ ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى اِخْتِيَار اللَّحْد ، فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ الشَّقّ لَا الْمَنْع مِنْهُ لَكِنَّ مَحَلّ أَفْضَلِيَّة اللَّحْد فِي الْأَرْض الصُّلْبَة وَإِلَّا فَالشَّقّ أَفْضَل . قَالَ اِبْن تَيْمِيَّةَ ، وَفِيهِ تَنْبِيه عَلَى مُخَالَفَتنَا لِأَهْلِ الْكِتَاب فِي كُلّ مَا هُوَ شِعَارهمْ

عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ شُكِىَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -r - الْجِرَاحَاتُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ « احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا ». فَمَاتَ أَبِى فَقُدِّمَ بَيْنَ يَدَىْ رَجُلَيْنِ أخرجه الترمذي [435]

وفي تحفة الأحوذي : ( وَأَحْسِنُوا )  أَيْ أَحْسِنُوا إِلَى الْمَيِّتِ فِي الدَّفْنِ ، قَالَهُ فِي الْأَزْهَارِ . وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِلْمَظْهَرِ أَيْ اِجْعَلُوا الْقَبْرَ حَسَنًا بِتَسْوِيَةِ قَعْرِهِ اِرْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا وَتَنْقِيَتِهِ مِنْ التُّرَابِ وَالْقَذَاةِ وَغَيْرِهِمَا . وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ : وَأَعْمِقُوا ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ : أَعْمَقَ الْبِئْرَ جَعَلَهَا عَمِيقَةً ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إِعْمَاقِ الْقَبْرِ . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْإِعْمَاقِ ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ : قَامَةً . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : إِلَى السُّرَّةِ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا حَدَّ لِإِعْمَاقِهِ . وَأَخْرَجَ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : أَعْمِقُوا الْقَبْرَ إِلَى قَدْرِ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ قَالَهُ فِي النَّيْلِ

( وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ) بِالنَّصْبِ أَيْ مِنَ الْأَمْوَاتِ

( فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ )  فِيهِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ كَمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ

( وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا )  أَيْ إِلَى جِدَارِ اللَّحْدِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الْكَعْبَةِ ، وَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى تَعْظِيمِ الْمُعَظَّمِ عِلْمًا وَعَمَلًا حَيًّا وَمَيِّتًا"

وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ، قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُصَلُّونَ مَنْ يُقِيمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْهِ ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ ، وَيَحْتَسِبُ صَوْمَهُ يَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ حَقٌّ ، وَيُعْطِي زَكَاةَ مَالِهِ يَحْتَسِبُهَا ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا ثُمَّ إِنَّ رَجُلا سَأَلَهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْكَبَائِرُ ؟ فَقَالَ : هُوَ تِسْعٌ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَقَتْلُ نَفْسِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَفِرَارٌ يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ ، وَاسْتِحْلالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ، ثُمَّ قَالَ : لاَ يَمُوتُ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ هَؤُلاءِ الْكَبَائِرَ ، وَيُقِيمُ الصَّلاةَ ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ إِلاَّ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ r فِي دَارٍ أَبْوَابُهَا مَصَارِيعُ مِنْ ذَهَبٍ»  أخرجه الحاكم [436]

عَنْ أَبِي حَازِمٍ مَوْلَى الْغِفَارِيِّينَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي الْبَيَاضِيُّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ قَالَ : إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ فَلْيَقُلِ الَّذِينَ يَضَعُونَهُ حِينَ يُوضَعُ فِي اللَّحْدِ : بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r أخرجه الحاكم [437]

عن أبي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِىَّ -r - خَطَبَ يَوْمًا فَذَكَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِضَ فَكُفِّنَ فِى كَفَنٍ غَيْرِ طَائِلٍ وَقُبِرَ لَيْلاً فَزَجَرَ النَّبِىُّ -r - أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِىُّ -r - « إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ ».أخرجه مسلم [438]

قال النووي في شرح مسلم : وَأَمَّا النَّهْي عَنْ الْقَبْر لَيْلًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ فَقِيلَ : سَبَبه أَنَّ الدَّفْن نَهَارًا يَحْضُرهُ كَثِيرُونَ مِنْ النَّاس وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَحْضُرهُ فِي اللَّيْل إِلَّا أَفْرَاد . وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ لِرَدَاءَةِ الْكَفَن فَلَا يَبِين فِي اللَّيْل ، وَيُؤَيِّدهُ أَوَّل الْحَدِيث وَآخِره ، قَالَ الْقَاضِي : الْعِلَّتَانِ صَحِيحَتَانِ ، قَالَ : وَالظَّاهِر أَنَّ النَّبِيّ r قَصَدَهُمَا مَعًا ، قَالَ : وَقَدْ قِيلَ هَذَا .

قَوْله r : ( إِلَّا أَنْ يَضْطَرّ إِنْسَان إِلَى ذَلِكَ ) دَلِيل أَنَّهُ لَا بَأْس بِهِ فِي وَقْت الضَّرُورَة . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الدَّفْن فِي اللَّيْل فَكَرِهَهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ إِلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يُسْتَدَلّ لَهُ بِهِ وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف : لَا يُكْرَه ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَجَمَاعَة مِنْ السَّلَف دُفِنُوا لَيْلًا مِنْ غَيْر إِنْكَار ، وَبِحَدِيثِ الْمَرْأَة السَّوْدَاء ، وَالرَّجُل الَّذِي كَانَ يَقُمّ الْمَسْجِد ، فَتُوُفِّيَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا ، وَسَأَلَهُمْ النَّبِيّ r عَنْهُ فَقَالُوا : تُوُفِّيَ لَيْلًا فَدَفَنَّاهُ فِي اللَّيْل ، فَقَالَ : " أَلَا آذَنْتُمُونِي ؟ " قَالُوا : كَانَتْ ظُلْمَة ، وَلَمْ يُنْكِر عَلَيْهِمْ . وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ النَّهْي كَانَ لِتَرْكِ الصَّلَاة ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُجَرَّد الدَّفْن بِاللَّيْلِ ، وَإِنَّمَا نَهَى لِتَرْكِ الصَّلَاة أَوْ لِقِلَّةِ الْمُصَلِّينَ أَوْ عَنْ إِسَاءَة الْكَفَن أَوْ عَنْ الْمَجْمُوع كَمَا سَبَقَ .

وَأَمَّا الدَّفْن فِي الْأَوْقَات الْمَنْهِيّ عَنْ الصَّلَاة فِيهَا وَالصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِيهَا . فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيهَا ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه : لَا يُكْرَهَانِ إِلَّا أَنْ يَتَعَمَّد التَّأْخِير إِلَى ذَلِكَ الْوَقْت لِغَيْرِ سَبَب ، بِهِ قَالَ اِبْن عَبْد الْحَكَم الْمَالِكِيّ ، وَقَالَ مَالِك : لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا بَعْد الْإِسْفَار وَالِاصْفِرَار حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس أَوْ تَغِيب إِلَّا أَنْ يُخْشَى عَلَيْهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : عِنْد الطُّلُوع وَالْغُرُوب وَنِصْف النَّهَار . وَكَرِهَ اللَّيْث الصَّلَاة عَلَيْهَا فِي جَمِيع أَوْقَات النَّهْي .

وَفِي الْحَدِيث : الْأَمْر بِإِحْسَانِ الْكَفَن . قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَيْسَ الْمُرَاد بِإِحْسَانِهِ السَّرَف فِيهِ وَالْمُغَالَاة وَنَفَاسَته ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد : نَظَافَته وَنَقَاؤُهُ وَكَثَافَته وَسَتْره وَتَوَسُّطه ، وَكَوْنه مِنْ جِنْس لِبَاسه فِي الْحَيَاة غَالِبًا ، لَا أَفْخَر مِنْهُ وَلَا أَحْقَر .

عن خَلَفٌ يَعْنِى ابْنَ خَلِيفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ أَظُنُّهُ سَمِعَهُ مِنْ مَوْلاَهُ وَمَوْلاَهُ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ : لَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -r - نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ فِى الْقَبْرِ نَزَعَ الأَخِلَّةَ بِفِيهِ. قَوْلُهُ أَظُنُّهُ أَحْسَبُهُ مِنْ قَوْلِ الدُّورِىِّ.أخرجه البيهقي في السنن[439]

وفي هذا الحديث استحباب حل العقد من عند رأسه ورجليه، لأن عقدها كان للخوف من انتشارها، وقد أمن ذلك بدفنه .

عَنْ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ  أنه قَالَ فِى مَرَضِهِ الَّذِى هَلَكَ فِيهِ الْحَدُوا لِى لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَىَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ -r -. رواه مسلم [440]

قال النووي رحمه الله : وَفِيهِ دَلِيل لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَالْأَكْثَرِينَ فِي أَنَّ الدَّفْن فِي اللَّحْد أَفْضَل مِنْ الشَّقّ إِذَا أَمْكَنَ اللَّحْد ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز اللَّحْد وَالشَّقّ .

قَوْله : ( اِلْحَدُوا لِي لَحْدًا ، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِن نَصْبًا ،كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّه r )

فِيهِ : اِسْتِحْبَاب اللَّحْد وَنَصْب اللَّبِن ، وَأَنَّهُ فُعِلَ ذَلِكَ بِرَسُولِ اللَّه r بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ، وَقَدْ نَقَلُوا أَنَّ عَدَد لَبِنَاته r تِسْع .

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلاَثًا.أخرجه ابن ماجة [441]

وفي هذا الحديث يستحب لمن الدفن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد

وعَنِ الْقَاسِمِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ يَا أُمَّهْ اكْشِفِى لِى عَنْ قَبْرِ النَّبِىِّ -r - وَصَاحِبَيْهِ رضى الله عنهما فَكَشَفَتْ لِى عَنْ ثَلاَثَةِ قُبُورٍ لاَ مُشْرِفَةٍ وَلاَ لاَطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ قَالَ أَبُو عَلِىٍّ يُقَالُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - مُقَدَّمٌ وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ وَعُمَرُ عِنْدَ رِجْلَىْ رَسُولِ اللَّهِ -r -.أخرجه أبو داود[442]

قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ كَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَة قُبُور لَا مُرْتَفِعَة وَلَا مُنْخَفِضَة لَاصِقَة بِالْأَرْضِ مَبْسُوطَة مُسَوَّاة ، وَالْبَطْح أَنْ يُجْعَل مَا اِرْتَفَعَ مِنْ الْأَرْض مُسَطَّحًا حَتَّى يُسَوَّى وَيَذْهَب التَّفَاوُت كَذَا فِي الْمِرْقَاة . قَالَ السَّيِّد جَمَال الدِّين : وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال مَعْنَاهُ أُلْقِيَ فِيهَا بَطْحَاء الْعَرْصَة الْحَمْرَاء اِنْتَهَى . وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْر النَّجَّاد مِنْ طَرِيق جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيّ r رُفِعَ قَبْره مِنْ الْأَرْض شِبْرًا وَطُيِّنَ بِطِينٍ أَحْمَر مِنْ الْعَرْصَة اِنْتَهَى .

وعَنِ الْمُطَّلِبِ قَالَ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ أَمَرَ النَّبِىُّ -r - رَجُلاً أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -r - وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ - قَالَ كَثِيرٌ قَالَ الْمُطَّلِبُ قَالَ الَّذِى يُخْبِرُنِى ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - قَالَ - كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَىْ رَسُولِ اللَّهِ -r - حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ « أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِى وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِى ».أخرجه أبو داود[443]

تَعْلِيمُ الْقَبْرِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ [444]:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْلِيمِ الْقَبْرِ ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ تَعْلِيمِ الْقَبْرِ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ ، فَدُفِنَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ r رَجُلاً أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ ، فَقَامَ إلَيْهَا رَسُول اللَّهِ r وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَحَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ ، وَقَال : أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي ، وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي" [445]

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ تَعْلِيمُ الْقَبْرِ بِأَنْ يُوضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ وَنَحْوُهُمَا ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ : وَكَذَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ[446]

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْقَبْرِ ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى كَرَاهَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقَبْرِ مُطْلَقًا لحديث جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -r- أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ.[447]

ولِحَدِيثِ جَابِرٍ ، قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللهِ r أَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ جَابِرٍ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ.[448]

قَال الْمَالِكِيَّةُ : وَإِنْ بُوهِيَ بِهَا حَرُمَ .

وَقَال الدَّرْدِيرُ : النَّقْشُ مَكْرُوهٌ وَلَوْ قُرْآنًا ، وَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى امْتِهَانِهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالسُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إنِ احْتِيجَ إلَيْهَا حَتَّى لاَ يَذْهَبَ الأَْثَرُ وَلاَ يُمْتَهَنَ .

قَال ابْنُ عَابِدِينَ : لأَِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا وَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وُجِدَ الإِْجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ بِهَا ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ ثُمَّ قَال هَذِهِ الأَْسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهَا فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ ، وَيُتَقَوَّى بِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ r حَمَل حَجَرًا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَال : أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي ، وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي " فَإِنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ إلَى تَعَرُّفِ الْقَبْرِ بِهَا ، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَل هَذَا الإِْجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِيهَا مَا إذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ ، حَتَّى يُكْرَهَ كِتَابَةُ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الشِّعْرِ أَوْ إطْرَاءُ مَدْحٍ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ[449]

وعَنْ أَبِى رَافِعٍ قَالَ سَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -r - سَعْدًا وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً. أخرجه ابن ماجة  [450]

ولا بأس يرش الماء على القبر ليثبت ترابه ،  وأما وضع الميت على سطح الأرض وعمل بناء عليه، فإنه مخالف لتعاليم الإسلام فالواجب الرجوع إلى السنَّة في دفن موتى المسلمين، والله الموفق لما فيه صلاح العباد والبلاد.وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ  أَنَّ النَّبِيَّ r رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ ، وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ أخرجه البغوي في شرح السنة[451]

تَطْيِينُ الْقَبْرِ وَتَجْصِيصُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ[452] :

صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُرَشَّ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ مَاءٌ ، لأَِنَّ النَّبِيَّ r فَعَل ذَلِكَ بِقَبْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ[453]، وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ[454]

وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ : أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى صِغَارٌ ، لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ r رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ[455]، وَلأَِنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ لَهُ وَأَبْعَدُ لِدُرُوسِهِ ، وَأَمْنَعُ لِتُرَابِهِ مِنْ أَنْ تُذْهِبَهُ الرِّيَاحُ .

قَال الشَّافِعِيَّةُ : وَيَحْرُمُ رَشُّهُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ ، وَيُكْرَهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ[456]

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَطْيِينِ الْقَبْرِ ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الْمُخْتَارِ - وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ تَطْيِينِ الْقَبْرِ ، وَنَقَل التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالتَّطْيِينِ .

قَال النَّوَوِيُّ : وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ .وَدَلِيل الْجَوَازِ قَوْل الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي وَصْفِ قَبْرِ النَّبِيِّ r وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ " مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ"

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى كَرَاهَةِ تَطْيِينِ الْقَبْرِ .قَال الدُّسُوقِيُّ : أَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ فِي تَطْيِينِهِ مِنْ فَوْقٍ ، وَنَقَل ابْنُ عَاشِرٍ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ يَشْمَل تَطْيِينَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا[457].

ــــــــــــــ

المبحثُ الأربعون

الترهيب من الجلوس على القبر وكسر عظم الميت

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ ». رواه مسلم [458]

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « لأَنْ أَمْشِىَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ أَخْصِفَ نَعْلِى بِرِجْلِى أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَمْشِىَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ وَمَا أُبَالِى أَوَسَطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِى أَوْ وَسَطَ السُّوقِ ». رواه ابن ماجه [459]

وعَنِ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ ، قَالَ : رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ r جَالِسًا عَلَى قَبْرٍ ، قَالَ : انْزِلْ مِنَ الْقَبْرِ لاَ تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْر[460]ِ وَلا يُؤْذِيكَ[461]) » رواه الحاكم[462]

وعَنِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا ». رواه أبو داود [463]

أي لا يجوز الجلوس على القبر أو المرور فوقه أو كسر عظمه إذا كان مسلماً ومن فعل ذلك عاقبه الله تعالى.

ـــــــــــــــ

المبحثُ الواحد و الأربعون

النهي عن تجصيص القبر ورفعه والصلاة إليه

 

عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلاَ وَلاَ تُصَلُّوا إِلَيْهَا » وفي رواية عَنْ أَبِى مَرْثَدٍ الْغَنَوِىِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r - يَقُولُ « لاَ تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا ».  أخرجه مسلم في صحيحه [464]

فِيهِ تَصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاة إِلَى قَبْر . قَالَ الشَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّه - : وَأَكْرَه أَنْ يُعَظَّم مَخْلُوق حَتَّى يُجْعَل قَبْره مَسْجِدًا مَخَافَة الْفِتْنَة عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعْده مِنْ النَّاس .[465]

وعَنْ أَبِى الْهَيَّاجِ الأَسَدِىِّ قَالَ قَالَ لِى عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ أَلاَّ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -r - أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إِلاَّ طَمَسْتَهُ وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلاَّ سَوَّيْتَهُ.أخرجه مسلم [466]

وقال النووي رحمه الله : ( أَلَّا تَدَع تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْته ) فِيهِ الْأَمْر بِتَغْيِيرِ صُوَر ذَوَات الْأَرْوَاح

وعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r  أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ.أخرجه مسلم [467]

قال النووي  رحمه الله : وَفِي هَذَا الْحَدِيث كَرَاهَة تَجْصِيص الْقَبْر وَالْبِنَاء عَلَيْهِ وَتَحْرِيم الْقُعُود ، وَالْمُرَاد بِالْقُعُودِ الْجُلُوس عَلَيْهِ . هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعُلَمَاء ، وَقَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ : الْمُرَاد بِالْقُعُودِ الْجُلُوس ، وَمِمَّا يُوَضِّحهُ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة بَعْد هَذَا : ( لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُور ) . وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( لَأَنْ يَجْلِس أَحَدكُمْ عَلَى جَمْرَة فَتَحْرِقُ ثِيَابه فَتَخْلُص إِلَى جِلْده خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِس عَلَى قَبْر ) قَالَ أَصْحَابنَا : تَجْصِيص الْقَبْر مَكْرُوه ، وَالْقُعُود عَلَيْهِ حَرَام ، وَكَذَا الِاسْتِنَاد إِلَيْهِ وَالِاتِّكَاء عَلَيْهِ .

وَأَمَّا الْبِنَاء عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْك الْبَانِي فَمَكْرُوه ، وَإِنْ كَانَ فِي مَقْبَرَة مُسَبَّلَة فَحَرَام . نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب . قَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْأُمّ : وَرَأَيْت الْأَئِمَّة بِمَكَّة يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى ، وَيُؤَيِّدُ الْهَدْمَ قَوْلُهُ : ( وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْته ) .

وفي الموسوعة الفقهية[468]  :" يُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ ، إِنْ كَانَ فِي أَرْضٍ كَانَ يَمْلِكُهَا الْمَيِّتُ ، أَوْ أَرْضٍ مَوَاتٍ بِلاَ قَصْدِ مُبَاهَاةٍ ، فَإِنْ كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ حَرُمَ الْبِنَاءُ ، وَيُهْدَمُ إِنْ بُنِيَ ؛ لأَِنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ قُبَّةً أَوْ بَيْتًا أَوْ مَسْجِدًا .[469]

وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ ، فَفِي الْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّسُول r قَال فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ  مَسَاجِدَ"[470]

 

ــــــــــــــ

المبحثُ الثاني والأربعون

الحث على تعزية المسلم

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ -r - قَالَ « مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ». رواه الترمذي [471]

لذا تستحب التعزية لأنها نوع من المواساة وفيها موعظة وعبرة، وتسلية لأهل الميت عن مصابهم.

وعن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنِ النَّبِىِّ -r - أَنَّهُ قَالَ:  « مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ ، إِلاَّ كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». أخرجه ابن ماجة[472]

التَّعْزِيَةُ لُغَةً : مَصْدَرُ عَزَّى : إِِذَا صَبَّرَ الْمُصَابَ وَوَاسَاهُ وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَقَال الشِّرْبِينِيُّ : هِيَ الأَْمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْل عَلَيْهِ بِوَعْدِ الأَْجْرِ ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْوِزْرِ ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ ، وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ[473]

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّعْزِيَةِ لِمَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ . وَالأَْصْل فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا : خَبَرُ : مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْل أَجْرِهِ  .

وَخَبَرِ : مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلاَّ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَل الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

كَيْفِيَّةُ التَّعْزِيَةِ وَلِمَنْ تَكُونُ :

يُعَزَّى أَهْل الْمُصِيبَةِ ، كِبَارُهُمْ وَصِغَارُهُمْ ، ذُكُورُهُمْ وَإِِنَاثُهُمْ ، إِلاَّ الصَّبِيُّ الَّذِي لاَ يَعْقِل ، وَالشَّابَّةُ مِنَ النِّسَاءِ ، فَلاَ يُعَزِّيهَا إِلاَّ النِّسَاءُ وَمَحَارِمُهَا ، خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ . وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ : تُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ يُفْتِنَّ . وَقَال الدَّرْدِيرُ : وَنُدِبَ تَعْزِيَةٌ لأَِهْل الْمَيِّتِ إِلاَّ مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ[474]

مُدَّةُ التَّعْزِيَةِ :

جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : عَلَى أَنَّ مُدَّةَ التَّعْزِيَةِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ . وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِإِِذْنِ الشَّارِعِ فِي الإِِْحْدَادِ فِي الثَّلاَثِ فَقَطْ ، بِقَوْلِهِ r : لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ أَنْ تَحُدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ : أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا[475]،  وَتُكْرَهُ بَعْدَهَا ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا سُكُونُ قَلْبِ الْمُصَابِ ، وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ ، فَلاَ يُجَدَّدُ لَهُ الْحُزْنُ بِالتَّعْزِيَةِ ، إِلاَّ إِِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا ( الْمُعَزَّى أَوِ الْمُعَزِّي ) غَائِبًا ، فَلَمْ يَحْضُرْ إِلاَّ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ ، فَإِِنَّهُ يُعَزِّيهِ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ .

وَحَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ : أَنَّهُ لاَ أَمَدَ لِلتَّعْزِيَةِ ، بَل تَبْقَى بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ الدُّعَاءُ ، وَالْحَمْل عَلَى الصَّبْرِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْجَزَعِ ، وَذَلِكَ يَحْصُل عَلَى طُول الزَّمَانِ .

وَقْتُ التَّعْزِيَةِ :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : إِِلَى أَنَّ الأَْفْضَل فِي التَّعْزِيَةِ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الدَّفْنِ ؛ لأَِنَّ أَهْل الْمَيِّتِ قَبْل الدَّفْنِ مَشْغُولُونَ بِتَجْهِيزِهِ ؛ وَلأَِنَّ وَحْشَتَهُمْ بَعْدَ دَفْنِهِ لِفِرَاقِهِ أَكْثَرُ ، فَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوْلَى بِالتَّعْزِيَةِ.

وَقَال جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ : إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ أَهْل الْمَيِّتِ شِدَّةُ جَزَعٍ قَبْل الدَّفْنِ ، فَتُعَجَّل التَّعْزِيَةُ ، لِيَذْهَبَ جَزَعُهُمْ أَوْ يَخِفَّ .وَحُكِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ : أَنَّهُ تُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَ الدَّفْنِ[476]

مَكَانُ التَّعْزِيَةِ :

كَرِهَ الْفُقَهَاءُ الْجُلُوسَ لِلتَّعْزِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ .وَكَرِهَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْجُلُوسَ لِلتَّعْزِيَةِ ،بِأَنْ يَجْتَمِعَ أَهْل الْمَيِّتِ فِي مَكَان لِيَأْتِيَ إِلَيْهِمُ النَّاسُ لِلتَّعْزِيَةِ ؛ لأَِنَّهُ مُحْدَثٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ ؛ وَلأَِنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ . وَوَافَقَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ عَلَى بَابِ الدَّارِ ، إِِذَا اشْتَمَل عَلَى ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ ، كَفَرْشِ الْبُسُطِ وَالأَْطْعِمَةِ مِنْ أَهْل الْمَيِّتِ .

وَنَقَل الطَّحْطَاوِيُّ عَنْ شَرْحِ السَّيِّدِ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْجُلُوسِ لَهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ[477]

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ : إِِلَى أَنَّ الأَْفْضَل كَوْنُ التَّعْزِيَةِ فِي بَيْتِ الْمُصَابِ[478]

وَقَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ : إِنَّمَا الْمَكْرُوهُ الْبَيْتُوتَةُ عِنْدَ أَهْل الْمَيِّتِ ، وَأَنْ يَجْلِسَ إِلَيْهِمْ مَنْ عَزَّى مَرَّةً ، أَوْ يَسْتَدِيمَ الْمُعَزِّي الْجُلُوسَ زِيَادَةً كَثِيرَةً عَلَى قَدْرِ التَّعْزِيَةِ[479]

صِيغَةُ التَّعْزِيَةِ :

قَال ابْنُ قُدَامَةَ : لاَ نَعْلَمُ فِي التَّعْزِيَةِ شَيْئًا مَحْدُودًا ، إِلاَّ مَا رُوِيَ أَنَّ الإِِْمَامَ أَحْمَدَ قَال : يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ r عَزَّى رَجُلاً فَقَال : رَحِمَكَ اللَّهُ وَآجَرَكَ[480]، وَعَزَّى أَحْمَدُ أَبَا طَالِبٍ ( أَحَدَ أَصْحَابِهِ ) فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَال : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ . وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِِذَا عَزَّى مُسْلِمًا بِمُسْلِمٍ قَال : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك ، وَأَحْسَن عَزَاك ، وَرَحِمَ اللَّهُ مَيِّتَكَ .

وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْل الْعِلْمِ : أَنْ يَقُول مَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَال : لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ r وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ ، سَمِعُوا قَائِلاً يَقُول : إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُل مُصِيبَةٍ ، وَخَلَفًا مِنْ كُل هَالِكٍ ، وَدَرْكًا مِنْ كُل مَا فَاتَ ، فَبِاللَّهِ فَثِقُوا ، وَإِِيَّاهُ فَارْجُوا ، فَإِِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ[481]

وَهَل يُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ أَوِ الْعَكْسُ ؟

ذَهَبَ الأَْئِمَّةُ : الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ : إِِلَى أَنَّهُ يُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ ، وَبِالْعَكْسِ ، وَالْكَافِرُ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ .وَذَهَبَ الإِِْمَامُ مَالِكٌ : إِِلَى أَنَّهُ لاَ يُعَزَّى الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ .

وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ : إِنْ عَزَّى مُسْلِمًا بِكَافِرٍ قَال : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ[482]

ـــــــــــــــ

المبحثُ الثالث والأربعون

الحث على صنع الطعام لأهل الميت

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ ».أخرجه أبو داود[483]

يُسْتَحَبُّ إِعْدَادُ طَعَامٍ لأَِهْل الْمَيِّتِ ، يُبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِمْ إِعَانَةً لَهُمْ وَجَبْرًا لِقُلُوبِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ شُغِلُوا بِمُصِيبَتِهِمْ وَبِمَنْ يَأْتِي إِلَيْهِمْ عَنْ إِصْلاَحِ طَعَامٍ لأَِنْفُسِهِمْ .

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ قَال رَسُول اللَّهِ r : اصْنَعُوا لأَِهْل جَعْفَرٍ طَعَامًا . فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ . ( وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَنْ يُصْنَعُ لَهُمْ طَعَامٌ ، أَلاَّ يَكُونُوا قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى نِيَاحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَإِلاَّ حَرُمَ إِرْسَال طَعَامٍ لَهُمْ ، لأَِنَّهُمْ عُصَاةٌ ، وَكَرِهَ الْفُقَهَاءُ إِطْعَامَ أَهْل الْمَيِّتِ لِلنَّاسِ ، لأَِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي السُّرُورِ لاَ فِي الشُّرُورِ .[484].

قال الجزيري رحمه الله في الفقه على المذاهب الأربعة : "ومن البدع المكروهة ما يفعل الآن من ذبح الذبائح عند خروج الميت، من البيت، أو عند القبر، وإعداد الطعام لمن يجتمع للتعزيه: وتقديمه لهم كما يفعل ذلك في الأفراح ومحافل السرور وإذا كان في الورثة قاصر عن درجة البلوغ، حرم إعداد الطعام وتقديمه، روى الإمام أحمد، وابن ماجة عن جرير بن عبد اللّه قال: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة". أما إعداد الجيران والأصدقاء طعاماً لأهل الميت وبعثه لهم، فذلك مندوب، لقوله r: "اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد جاءهم ما يشغلهم"، ويلح عليهم في الأكل، لأن الحزن قد يمنعهم منه[485]..

وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِىِّ قَالَ : كُنَّا نَعُدُّ الاِجْتِمَاعَ إِلَى أهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ أخرجه أحمد [486]

قلت : نهى كثير من العلماء المعاصرين عن الاجتماع في اليوم الثالث من دفن الميت أو بعده وختم القرآن وصنع طعام لهم.

وأرى أن قراءة القرآن وإهداء ثوابها للميت جائزة إن شاء الله ولا حرج فيها ، إذا خلت من المنكرات .

ـــــــــــــ


المبحثُ الرابع والأربعون

النهي عن شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r - « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ » أخرجه البخاري [487]

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: قَوْله : ( لَيْسَ مِنَّا ) أَيْ مِنْ أَهْل سُنِّتَتَا وَطَرِيقَتنَا ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ إِخْرَاجه عَنْ الدِّين ، وَلَكِنْ فَائِدَة إِيرَاده بِهَذَا اللَّفْظ الْمُبَالَغَة فِي الرَّدْع عَنْ الْوُقُوع فِي مِثْل ذَلِكَ كَمَا يَقُول الرَّجُل لِوَلَدِهِ عِنْد مُعَاتَبَته : لَسْت مِنْك وَلَسْت مِنِّي ، أَيْ مَا أَنْتَ عَلَى طَرِيقَتِي . وَقَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير مَا مُلَخَّصه : التَّأْوِيل الْأَوَّل يَسْتَلْزِم أَنْ يَكُون الْخَبَر إِنَّمَا وَرَدَ عَنْ أَمْر وُجُودِيّ ، وَهَذَا يُصَان كَلَام الشَّارِع عَنْ الْحَمْل عَلَيْهِ . وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال : الْمُرَاد أَنَّ الْوَاقِع فِي ذَلِكَ يَكُون قَدْ تَعَرَّضَ لِأَنْ يُهْجَر وَيُعْرَض عَنْهُ فَلَا يَخْتَلِط بِجَمَاعَةِ السُّنَّة تَأْدِيبًا لَهُ عَلَى اِسْتِصْحَابه حَاله الْجَاهِلِيَّة الَّتِي قَبَّحَهَا الْإِسْلَام ، فَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْحَمْل عَلَى مَا لَا يُسْتَفَاد مِنْهُ قَدْر زَائِد عَلَى الْفِعْل الْمَوْجُود . وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَان أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه الْخَوْض فِي تَأْوِيله وَيَقُول : يَنْبَغِي أَنْ يُمْسَك عَنْ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَوْقَع فِي النُّفُوس وَأَبْلَغ فِي الزَّجْر . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَى دِيننَا الْكَامِل ، أَيْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَرْع مِنْ فُرُوع الدِّين وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَصْله ، حَكَاهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَيَظْهَر لِي أَنَّ هَذَا النَّفْي يُفَسِّرهُ التَّبَرِّي الْآتِي فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى بَعْد بَاب حَيْثُ قَالَ " بَرِئَ مِنْهُ النَّبِيّ r " وَأَصْل الْبَرَاءَة الِانْفِصَال مِنْ الشَّيْء ، وَكَأَنَّهُ تَوَعَّدَهُ بِأَنْ لَا يُدْخِلهُ فِي شَفَاعَته مَثَلًا . وَقَالَ الْمُهَلَّب : قَوْله أَنَا بَرِيء أَيْ مِنْ فَاعِل مَا ذُكِرَ وَقْت ذَلِكَ الْفِعْل ، وَلَمْ يُرِدْ نَفْيَهُ عَنْ الْإِسْلَام . قُلْت : بَيْنهمَا وَاسِطَة تُعْرَف مِمَّا تَقَدَّمَ أَوَّل الْكَلَام ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيم مَا ذُكِرَ مِنْ شَقّ الْجَيْب وَغَيْره . وَكَأَنَّ السَّبَب فِي ذَلِكَ مَا تَضْمَنَّهُ ذَلِكَ مِنْ عَدَم الرِّضَا بِالْقَضَاءِ ، فَإِنْ وَقَعَ التَّصْرِيح بِالِاسْتِحْلَالِ مَعَ الْعِلْم بِالتَّحْرِيمِ أَوْ التَّسَخُّط مَثَلًا بِمَا وَقَعَ فَلَا مَانِع مِنْ حَمْل النَّفْي عَلَى الْإِخْرَاج مِنْ الدِّين .

وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى قَالاَ أُغْمِىَ عَلَى أَبِى مُوسَى وَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ. قَالاَ ثُمَّ أَفَاقَ قَالَ أَلَمْ تَعْلَمِى - وَكَانَ يُحَدِّثُهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « أَنَا بَرِىءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ ».أخرجه مسلم [488]

قال النووي رحمه الله : الصَّالِقَة وَقَعَتْ فِي الْأُصُول بِالصَّادِ وَسَلَقَ بِالسِّينِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَهُمَا لُغَتَانِ السَّلْق وَالصَّلْق وَسَلَقَ وَصَلَق . وَهِيَ صَالِقَة وَسَالِقَة : وَهِيَ الَّتِي تَرْفَع صَوْتهَا عِنْد الْمُصِيبَة . وَالْحَالِقَة : هِيَ الَّتِي تَحْلِق شَعْرهَا عِنْد الْمُصِيبَة ، وَالشَّاقَّة : الَّتِي تَشُقّ ثَوْبهَا عِنْد الْمُصِيبَة . هَذَا هُوَ الْمَشْهُور الظَّاهِر الْمَعْرُوف . وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : الصَّلْقُ ضَرْبُ الْوَجْهِ ،

قَوْله : ( أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ )  أَيْ مِنْ فِعْلهنَّ ، أَوْ مَا يَسْتَوْجِبْنَ مِنْ الْعُقُوبَة ، أَوْ مِنْ عُهْدَة مَا لَزِمَنِي مِنْ بَيَانِهِ . وَأَصْل الْبَرَاءَةِ الِانْفِصَالُ . هَذَا كَلَام الْقَاضِي وَيَجُوز أَنْ يُرَاد بِهِ ظَاهِره وَهُوَ الْبَرَاءَةُ مِنْ فَاعِل هَذِهِ الْأُمُور ، وَلَا يُقَدَّر فِيهِ حَذْفٌ [489].

 

ــــــــــــــ


المبحثُ الخامس والأربعون

ما ينفع الميت في قبره

 

عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لِكُلِّ إِنْسَانٍ ثَلاثَةُ أَخِلاءَ : إِمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ مَا أَنْفَقْتَ فَلَكَ ، وَمَا أَمْسَكْتَ فَلَيْسَ لَكَ وَذَلِكَ مَالُهُ ، وَإِمَّا خَلِيلٌ ، فَيَقُولُ : أَنَا مَعَكَ ، فَإِذَا أَتَيْتَ بَابَ الْمَلِكِ تَرَكْتُكَ وَرَجَعْتُ فَذَاكَ أَهْلُهُ وَحَشَمُهُ ، وَإِمَّا خَلِيلٌ ، فَيَقُولُ : أَنَا مَعَكَ حَيْثُ دَخَلْتَ ، وَحَيْثُ خَرَجْتَ فَذَاكَ عَمَلُهُ ، فَيَقُولُ : إِنْ كُنْتَ لأَهْوَنَ الثَّلاثَةِ عَلَيَّ » أخرجه الحاكم [490]

وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهُ - r - :« يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ » أخرجه البخاري ومسلم[491]

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح : قَوْله ( يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ) هَذَا يَقَع فِي الْأَغْلَب وَرُبَّ مَيِّتٍ لَا يَتْبَعُهُ إِلَّا عَمَلُهُ فَقَطْ وَالْمُرَادُ مَنْ يَتْبَعُ جِنَازَتَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَرُفْقَتِهِ وَدَوَابِّهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ وَإِذَا اِنْقَضَى أَمْرُ الْحُزْنِ عَلَيْهِ رَجَعُوا ، سَوَاءٌ أَقَامُوا بَعْدَ الدَّفْنِ أَمْ لَا وَمَعْنَى بَقَاءِ عَمَلِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَبْرَ

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r - قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ». أخرجه مسلم [492]

قال النووي رحمه الله :  قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ ، وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الْجَوَاب لَهُ ، إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا ؛ فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه ، وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة ، وَهِيَ الْوَقْف .

وَفِيهِ فَضِيلَة الزَّوَاج لِرَجَاءِ وَلَد صَالِح ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان اِخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِيهِ ، وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي كِتَاب النِّكَاح . وَفِيهِ دَلِيل لِصِحَّةِ أَصْل الْوَقْف ، وَعَظِيم ثَوَابه ، وَبَيَان فَضِيلَة الْعِلْم ، وَالْحَثّ عَلَى الِاسْتِكْثَار مِنْهُ . وَالتَّرْغِيب فِي تَوْرِيثه بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيف وَالْإِيضَاح ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَار مِنْ الْعُلُوم الْأَنْفَع فَالْأَنْفَع . وَفِيهِ أَنَّ الدُّعَاء يَصِل ثَوَابه إِلَى الْمَيِّت ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة ، وَهُمَا مُجْمَع عَلَيْهِمَا ، وَكَذَلِكَ قَضَاء الدَّيْن كَمَا سَبَقَ .

وَأَمَّا الْحَجّ فَيَجْزِي عَنْ الْمَيِّت عِنْد الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ ، وَهَذَا دَاخِل فِي قَضَاء الدَّيْن إِنْ كَانَ حَجًّا وَاجِبًا ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَصَّى بِهِ وَهُوَ مِنْ بَاب الْوَصَايَا ، وَأَمَّا إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام فَالصَّحِيح أَنَّ الْوَلِيّ يَصُوم عَنْهُ ، وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب الصِّيَام .

وَأَمَّا قِرَاءَة الْقُرْآن فَالْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ لَا يَصِلُ ثَوَابُهَا إِلَى الْمَيِّت وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه : يَصِل ثَوَابهَا إِلَى الْمَيِّت .

وَذَهَبَ جَمَاعَات مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّهُ يَصِل إِلَى الْمَيِّت ثَوَاب جَمِيع الْعِبَادَات مِنْ الصَّلَاة وَالصَّوْم الْقِرَاءَة وَغَيْر ذَلِكَ ، وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ فِي بَاب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ أَنَّ اِبْن عُمَرَ أَمَرَ مَنْ مَاتَتْ أُمُّهَا وَعَلَيْهَا صَلَاةٌ أَنْ تُصَلِّيَ عَنْهَا . وَحَكَى صَاحِب الْحَاوِي عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمَا قَالَا بِجَوَازِ الصَّلَاة عَنْ الْمَيِّت . وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو سَعْد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هِبَة اللَّه بْن أَبِي عَصْرُون مِنْ أَصْحَابنَا الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كِتَابه الِانْتِصَار إِلَى اِخْتِيَار هَذَا ، وَقَالَ الْإِمَام أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابه التَّهْذِيب : لَا يَبْعُد أَنْ يُطْعَمَ عَنْ كُلّ صَلَاة مُدٌّ مِنْ طَعَام وَكُلُّ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ ضَعِيفَةٌ . وَدَلِيلهمْ الْقِيَاس عَلَى الدُّعَاء وَالصَّدَقَة وَالْحَجّ فَإِنَّهَا تَصِلُ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ قَوْلُ اللَّهِ : تَعَالَى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } وَقَوْلُ النَّبِيِّ r : " إِذَا مَاتَ اِبْن آدَمَ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ " وَاخْتَلَفَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي حَجّ الْأَجِير هَلْ تَقَعَانِ عَنْ الْأَجِير أَمْ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ ؟ وَاَللَّه أَعْلَمُ .

وعَنِ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r - أَنَّهُ قَالَ « أَرْبَعَةٌ تَجْرِى عَلَيْهِمْ أُجُورُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ مُرَابِطٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً أُجْرِىَ لَهُ مِثْلُ مَا عَمِلَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَجْرُهَا لَهُ مَا جَرَتْ وَرَجُلٌ تَرَكَ وَلَداً صَالِحاً فَهُوَ يَدْعُو لَهُ ». أخرجه أحمد [493]

وعَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -r - فِى صَدْرِ النَّهَارِ قَالَ فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِى النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِى السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -r - لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ « (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) وَالآيَةَ الَّتِى فِى الْحَشْرِ (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ». قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ - قَالَ - ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -r - يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ». أخرجه مسلم[494]

إن المقصود منه أن من سنَّ من الأعمال الواقعة تحت ما أمر الله ورسوله به وندب إليه فهو من الأعمال المحمودة التي يثاب عليها صاحبها، فيكون له أجرها وأجر من عمل بها، وإن لم يكن لهذه الأعمال مثالٌ موجود على عهد النبي r، ومن هذا الباب قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح جماعة: نعمت البدعة هذه. وهذا لأن النبي r لم يسنُّ الاجتماع لها طوال أيام الشهر، إنما صلَّى بهم ليالي ثم ترك ذلك، ولا كان الاجتماع لها على عهد أبي بكر ، وكان عمر رضي الله عنه أول من جمع الناس عليها وندبهم إليها - على النحو المعروف الآن - ومع ذلك فالاجتماع لصلاة التراويح سنة حسنة؛ لأنها موافقة للأصول الشرعية، فقد رغَّب النبي r في قيام رمضان، وصلَّى بهم جماعة ليالي من رمضان ثم ترك ذلك خشية أن تفرض على الأمة، فلما مات - صلوات الله وسلامه عليه - وانقطع الوحي واستقرت الفرائض على ما هي عليه، كان فعل عمر لها -مع انتفاء المانع الذي خشيه النبي r- سنة حسنة، ومن هذا الباب أيضاً أن الصحابة جمعوا القرآن وكتبوه في المصاحف وجمعوا الناس على المصاحف العثمانية، وأحرقوا ما سوى ذلك من المصاحف التي كانت عند الصحابة، واتبعهم الناس على ذلك فجمعوا العلم ودونوه وكتبوه، وهذا كله من قبيل السنة الحسنة مع أنه يندرج تحت أصول كانت موجودة على عهد النبي r؛ لأنه مندرج فيما ندبت إليه الشريعة من الألفة وجمع الكلمة وعدم التفرق وحفظ القرآن...إلخ.

فالصدقة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، وعمل هذا الرجل عمل بما هو مشروع، ولكنه كان البادئ بهذا الخير، ويؤيد ذلك أيضاً أن كون العمل حسناً أو سيئاً إنما يعرف من جهة الشرع لا غير، فلا بد للعمل حتى يكون سنة حسنة أن يكون مندرجاً تحت ما هو مشروع.[495]

وعَنِ أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال : قال رسول الله r : « من علّم آية من كتاب الله تعالى، كان له ثوابها ما تليت » أخرجه أبو سهل القطان في " حديثه عن شيوخه [496]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِى صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ». أخرجه ابن ماجه[497]

وعَنِ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r - « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَارَبِّ أَنَّى لِى هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ ». أخرجه أحمد [498]

وعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ ، قَالَ : أَتَى رَسُولَ اللهِ r ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ ، وَأَنَا عِنْدَهُ ، فقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ أَبَوَيَّ قَدْ هَلَكَا ، فَهَلْ بَقِيَ لِي بَعْدَ مَوْتِهِمَا مِنْ بِرِّهِمَا شَيْءٌ ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ r : نَعَمْ ، الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا ، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عُهُودِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا ، وَصِلَةُ رَحِمِهِمَا الَّتِي لاَ رَحِمَ لَكَ إِلاَّ مِنْ قِبَلِهِمَا ، قَالَ الرَّجُلُ : مَا أَكْثَرَ هَذَا ، يَا رَسُولَ اللهِ ، وَأَطْيَبَهُ ، قَالَ : فَاعْمَلْ بِهِ.[499]

وعَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضى الله عنه - تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهْوَ غَائِبٌ عَنْهَا ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّى تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا ، أَيَنْفَعُهَا شَىْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ فَإِنِّى أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِى الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا أخرجه البخاري [500]

وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ فَأَىُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ « الْمَاءُ ». قَالَ فَحَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ. أخرجه أحمد[501]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ قَالَ : « أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ ».أخرجه النسائي[502]

وعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ r :« إنَّ مِنْ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِمَا مَعَ صَلاَتِك وَأَنْ تَصُومَ عْنهُمَا مَعَ صِيَامِك وَأَنْ تَصَدَّقَ ، عَنْهُمَا مَعَ صَدَقَتِك» أخرجه ابن أبي شيبة[503]

وعَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ :« مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ » .أخرجه الشيخان [504]

وقد دلت هذه الأحاديث على أنه يصل إلى الميت – المسلم ثواب الدعاء والاستغفار والصدقة والواجبات الدينية البدنية والمالية التي تدخلها النيابة كالحج والصوم وهذا بلا خلاف. والجمهور على جواز وصول ثواب العبادات البدنية المحضة كالصلاة وتلاوة القرآن إلى غير فاعلها.

وفي المغني لابن قدامة: ( 1686 ) فَصْلٌ : قَالَ : وَلَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ اقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ[505]

وَمَنْ صَامَ أَوْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ وَجَعَل ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الأَْمْوَاتِ وَالأَْحْيَاءِ جَازَ ، وَيَصِل ثَوَابُهَا إِلَيْهِمْ عِنْدَ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ الْمَحْضَةَ ، كَالصَّلاَةِ وَالتِّلاَوَةِ ، فَلاَ يَصِل ثَوَابُهَا إِلَى الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا ، وَمُقْتَضَى تَحْرِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ انْتِفَاعُ الْمَيِّتِ بِالْقِرَاءَةِ لاَ حُصُول ثَوَابِهَا لَهُ .وَلِلْعَلاَّمَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ كَلاَمٌ مُشْبِعٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَرَاجِعْ كِتَابَ الرُّوحِ " لَهُ "

وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ : إِنَّ الْقِرَاءَةَ تَصِل لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهَا عِنْدَ الْقَبْرِ أَحْسَنُ مَزِيَّةٌ[506]

وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ : وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَل ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، أَمَّا الدُّعَاءُ وَالاِسْتِغْفَارُ وَالصَّدَقَةُ وَأَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ فَلاَ أَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا إِذَا كَانَتِ الْوَاجِبَاتُ مِمَّا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِْيمَانِ} (سورة الحشر / 10 ) وَقَال تَعَالَى : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (سورة محمد / 19 ) } وَدَعَا النَّبِيُّ r لأَِبِي سَلَمَةَ حِينَ مَاتَ ، وَلِلْمَيِّتِ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ[507]، وَلِكُل مَيِّتٍ صَلَّى عَلَيْهِ ، وَسَأَل رَجُلٌ النَّبِيَّ r فَقَال : يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ فَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا ؟ قَال : نَعَمْ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَال : أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَال : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى

وَقَال لِلَّذِي سَأَلَهُ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا ؟ قَال : نَعَمْ  .

وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ ، وَفِيهَا دَلاَلَةٌ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِسَائِرِ الْقُرَبِ ؛ لأَِنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالدُّعَاءَ وَالاِسْتِغْفَارَ عِبَادَاتٌ بَدَنِيَّةٌ وَقَدْ أَوْصَل اللَّهُ نَفْعَهَا إِلَى الْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ مَا سِوَاهَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْحَدِيثِ فِي ثَوَابِ مَنْ قَرَأَ " يس " ، وَتَخْفِيفِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَهْل الْمَقَابِرِ بِقِرَاءَتِهِ ، وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ r قَال لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : لَوْ كَانَ أَبُوكَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ ، بَلَغَهُ ذَلِكَ ،وَهَذَا عَامٌّ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ ؛ وَلأَِنَّهُ عَمَل بِرٍّ وَطَاعَةٍ ، فَوَصَل نَفْعُهُ وَثَوَابُهُ ، كَالصَّدَقَةِ ، وَالصِّيَامِ ، وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ ، وَقَال الشَّافِعِيُّ : مَا عَدَا الْوَاجِبَ وَالصَّدَقَةَ وَالدُّعَاءَ وَالاِسْتِغْفَارَ لاَ يُفْعَل عَنِ الْمَيِّتِ ، وَلاَ يَصِل ثَوَابُهُ إِلَيْهِ ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (سورة النجم / 39 ) } وَقَوْل النَّبِيِّ r : إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ : إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ، وَلأَِنَّ نَفْعَهُ لاَ يَتَعَدَّى فَاعِلَهُ ، فَلاَ يَتَعَدَّى ثَوَابُهُ . وَقَال بَعْضُهُمْ : إِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ عِنْدَ الْمَيِّتِ أَوْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ ثَوَابُهُ كَانَ الثَّوَابُ لِقَارِئِهِ ، وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَأَنَّهُ حَاضِرُهَا وَتُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ[508]

وَسُئِلَ  ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } وَقَوْلِهِ r {إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ}فَهَلْ يَقْتَضِي ذَلِكَ إذَا مَاتَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْبِرِّ ؟[509].

فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَيْسَ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَنْتَفِعُ بِدُعَاءِ الْخَلْقِ لَهُ وَبِمَا يُعْمَلُ عَنْهُ مِنَ الْبِرِّ بَلْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ مُتَّفِقُونَ عَلَى انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) [غافر/7-9] } . فَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْمَغْفِرَةِ وَوِقَايَةِ الْعَذَابِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَدُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ لَيْسَ عَمَلًا لِلْعَبْدِ .

وَقَالَ تَعَالَى : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } (19) سورة محمد ،وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبِّ {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (41) سورة إبراهيم، وَقَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} (28) سورة نوح ، فَقَدْ ذَكَرَ اسْتِغْفَارَ الرُّسُلِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمْرًا بِذَلِكَ وَإِخْبَارًا عَنْهُمْ بِذَلِكَ . وَمِنَ السُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَنْ جَحَدَهَا كَفَرَ : صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَيِّتِ وَدُعَاؤُهُمْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ . وَكَذَلِكَ شَفَاعَةُ النَّبِيِّ r يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ السُّنَنَ فِيهَا مُتَوَاتِرَةٌ بَلْ لَمْ يُنْكِرُ شَفَاعَتَهُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ إلَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَشْفَعُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَشَفَاعَتُهُ دُعَاؤُهُ وَسُؤَالُهُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .

فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَجَاحِدُ مِثْلِ ذَلِكَ كَافِرٌ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ . وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مِثْلُ مَا فِي الصِّحَاحِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ ؛أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضى الله عنهم أَخَا بَنِى سَاعِدَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهْوَ غَائِبٌ ، فَأَتَى النَّبِىَّ r فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّى تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا ، فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَىْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّى أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِى الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا.[510]

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ - r - إِنَّ أُمِّى افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ »[511]

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ -r- إِنَّ أَبِى مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً وَلَمْ يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ « نَعَمْ »[512]..

وعن عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ نَذَرَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْحَرَ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَأَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِ نَحَرَ حِصَّتَهُ خَمْسِينَ بَدَنَةً وَأَنَّ عَمْراً سَأَلَ النَّبِىَّ -r- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ « أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ »[513].

وَفِي سُنَنِ الدارقطني : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ r فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي أَبَوَيْنِ وَكُنْت أَبَرُّهُمَا حَالَ حَيَاتِهِمَا . فَكَيْفَ بِالْبِرِّ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ r { إنَّ مِنْ بَعْدِ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك وَأَنْ تَصَدَّقَ لَهُمَا مَعَ صَدَقَتِك } . وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الطالقاني قَالَ : قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ { إنَّ الْبِرَّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لِأَبَوَيْك مَعَ صَلَاتِك وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك ؟ } قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : يَا أَبَا إسْحَاقَ عَمَّنْ هَذَا ؟ قُلْت لَهُ : هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ قَالَ : ثِقَةٌ قُلْت : عَمَّنْ ؟ قَالَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ . فَقَالَ : ثِقَةٌ عَمَّنْ ؟ قُلْت : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ : يَا أَبَا إسْحَاقَ إنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ r مَفَاوِزَ تُقْطَعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ ، وَالْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ [514].

وَالْأَئِمَّةُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ : كَالْعِتْقِ . وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ : كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَمَعَ هَذَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r - قَالَ « مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ »[515] .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -r- فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّى مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ « أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّى ذَلِكِ عَنْهَا ». قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ « فَصُومِى عَنْ أُمِّكِ »[516].

وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ r ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ، أَكُنْتِ تَقْضِيهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ[517].

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -r- إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّى تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّى بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ - قَالَ - فَقَالَ « وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ ». قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ « صُومِى عَنْهَا ».قَالَتْ إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « حُجِّى عَنْهَا »[518].

. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ يُصَامُ عَنْ الْمَيِّتِ مَا نَذَرَ وَأَنَّهُ شُبِّهَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ . وَالْأَئِمَّةُ تَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُخَالِفْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ مَنْ بَلَغَتْهُ وَإِنَّمَا خَالَفَهَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ ،وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَمْرٍو بِأَنَّهُمْ إذَا صَامُوا عَنِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ .

وَأَمَّا الْحَجُّ فَيُجْزِي عِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا اخْتِلَافٌ شَاذٌّ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ - r - فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ . حُجِّى عَنْهَا ، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ » [519].

وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ - r - فَقَالَ لَهُ إِنَّ أُخْتِى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ . فَقَالَ النَّبِىُّ - r - « لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ « فَاقْضِ اللَّهَ ، فَهْوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ » [520].

وَفِي سنن أبي داود عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -r- فَقَالَتْ كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّى بِوَلِيدَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ وَتَرَكَتْ تِلْكَ الْوَلِيدَةَ. قَالَ « قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ فِى الْمِيرَاثِ ». قَالَتْ وَإِنَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَيُجْزِئُ - أَوْ يَقْضِى - عَنْهَا أَنْ أَصُومَ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ ». قَالَتْ وَإِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ أَفَيُجْزِئُ - أَوْ يَقْضِى - عَنْهَا أَنْ أَحُجَّ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ »[521].

فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ : " أَنَّهُ أَمَرَ بِحَجِّ الْفَرْضِ عَنِ الْمَيِّتِ وَبِحَجِّ النَّذْرِ " . كَمَا أَمَرَ بِالصِّيَامِ . وَأَنَّ الْمَأْمُورَ تَارَةً يَكُونُ وَلَدًا وَتَارَةً يَكُونُ أَخًا وَشَبَّهَ النَّبِيُّ r ذَلِكَ بِالدَّيْنِ يَكُونُ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَالدَّيْنُ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ . كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْأَخِ . فَهَذَا الَّذِي ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عِلْمٌ مُفَصَّلٌ مُبَيَّنٌ ، فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ : {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (39) سورة النجم ،  ولا حديث « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ »[522]. بَلْ هَذَا حَقٌّ وَهَذَا حَقٌّ .

أَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ قَالَ : { انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ } فَذِكْرُ الْوَلَدِ وَدُعَاؤُهُ لَهُ خَاصَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهِ كَمَا قَالَ : {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (2) سورة المسد، قَالُوا : إنَّهُ وَلَدُهُ ، وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ r { َأطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ. }[523] .

فَلَمَّا كَانَ هُوَ السَّاعِيَ فِي وُجُودِ الْوَلَدِ كَانَ عَمَلُهُ مِنْ كَسْبِهِ بِخِلَافِ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأَبِ وَنَحْوِهِمْ . فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ أَيْضًا بِدُعَائِهِمْ بَلْ بِدُعَاءِ الْأَجَانِبِ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ . وَالنَّبِيُّ r قَالَ : { انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ . . } لَمْ يَقُلْ : إنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِعَمَلِ غَيْرِهِ . فَإِذَا دَعَا لَهُ وَلَدُهُ كَانَ هَذَا مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي لَمْ يَنْقَطِعْ وَإِذَا دَعَا لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِهِ لَكِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ .

وَأَمَّا الْآيَةُ فَلِلنَّاسِ عَنْهَا أَجْوِبَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ . كَمَا قِيلَ : إنَّهَا تَخْتَصُّ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَقِيلَ : إنَّهَا مَخْصُوصَةٌ وَقِيلَ : إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَقِيلَ : إنَّهَا تَنَالُ السَّعْيَ مُبَاشَرَةً وَسَبَبًا ، وَالْإِيمَانُ مِنْ سَعْيِهِ الَّذِي تَسَبَّبَ فِيهِ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُ الْآيَةِ حَقٌّ لَا يُخَالِفُ بَقِيَّةَ النُّصُوصِ ، فَإِنَّهُ قَالَ :{ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى} وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ سَعْيَهُ فَهُوَ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَيَسْتَحِقُّهُ . كَمَا أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ مِنَ الْمَكَاسِبِ مَا اكْتَسَبَهُ هُوَ . وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَمِلْكٌ لِذَلِكَ الْغَيْرِ لَا لَهُ لَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِسَعْيِ غَيْرِهِ كَمَا يَنْتَفِعُ الرَّجُلُ بِكَسْبِ غَيْرِهِ . فَمَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ فَيُثَابُ الْمُصَلِّي عَلَى سَعْيِهِ الَّذِي هُوَ صَلَاتُهُ وَالْمَيِّتُ أَيْضًا يُرْحَمُ بِصَلَاةِ الْحَيِّ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ أَوْجَبَ »[524]

فَاَللَّهُ تَعَالَى يُثِيبُ هَذَا السَّاعِيَ عَلَى سَعْيِهِ الَّذِي هُوَ لَهُ وَيَرْحَمُ ذَلِكَ الْمَيِّتَ بِسَعْيِ هَذَا الْحَيِّ لِدُعَائِهِ لَهُ وَصَدَقَتِهِ عَنْهُ وَصِيَامِهِ عَنْهُ وَحَجِّهِ عَنْهُ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَن صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ ، فَأَتَاهَا فَوَجَدَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ وَلَمْ يَجِدْ أَبَا الدَّرْدَاءَ ، فَقَالَتْ لَهُ : تُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَتْ : فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَإِنَّ النَّبِيُّ r كَانَ يَقُولُ : إنَّ دَعْوَةَ الْمَرْءِ مُسْتَجَابَةٌ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ كُلَّمَا دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ قَالَ : آمِينَ ، وَلَك بِمِثْلِهِ ، ثُمَّ خَرَجْت إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَحَدَّثَنِي ، عَنِ النَّبِيِّ r بِمِثْلِ ذَلِكَ.[525] .

فَهَذَا مِنَ السَّعْيِ الَّذِي يَنْفَعُ بِهِ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ يُثِيبُ اللَّهُ هَذَا وَيَرْحَمُ هَذَا ، .. وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ أَوْ الْحَيُّ أَوْ يُرْحَمُ بِهِ يَكُونُ مِنْ سَعْيِهِ، بَلْ أَطْفَالُ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مَعَ آبَائِهِمْ بِلَا سَعْيٍ فَاَلَّذِي لَمْ يَجُزْ إلَّا بِهِ أَخَصُّ مِنْ كُلِّ انْتِفَاعٍ ؛ لِئَلَّا يَطْلُبَ الْإِنْسَانُ الثَّوَابَ عَلَى غَيْرِ عَمَلِهِ وَهُوَ كَالدَّيْنِ يُوَفِّيهِ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مَا وَفَّى بِهِ الدَّيْنَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُوَفِّي لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .اهـ

دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ  :

مِثْلُ صَلَاتِهِمْ عَلَى جِنَازَتِهِ، فَعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّى عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ »[526]  .

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مَاتَ ابْنٌ لَهُ بِقُدَيْدٍ أَوْ بِعُسْفَانَ فَقَالَ يَا كُرَيْبُ انْظُرْ مَا اجْتَمَعَ لَهُ مِنَ النَّاسِ. قَالَ فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَاسٌ قَدِ اجْتَمَعُوا لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ تَقُولُ هُمْ أَرْبَعُونَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ أَخْرِجُوهُ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ »[527]. .

وَهَذَا دُعَاءٌ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْمَغْفِرَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ الَّذِي اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَكُفِّرَتْ عَنْهُ الصَّغَائِرُ وَحْدَهُ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مَغْفُورٌ لَهُ عِنْدَ الْمُتَنَازِعِينَ . فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ لِلْمَيِّتِ ،فعَنْ مُعَاذٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- « لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ » [528]

 

!!!!!!!!!!!!!!!

 


خاتمـــة

 

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)}  [فصلت/30-33]

هكذا تتنزل ملائكة الرحمة بالبشرى على الذين آمنوا بالله ، ثم استقاموا على هذا الإيمان حتى الموت

تتنزل عليهم عند موتهم فتقول لهم بأمر الله:

لا تخافوا مما أنتم قادمون عليه في القبر، وعند البعث والحشر، ولا تحزنوا على ما خلفتم من أمر الدنيا من مال وولد وأهل، فإنا نخلفكم فيه.

وأبشروا بأن الله قد رضي عنكم ، وكتب لكم الجنة.

وهذه البشرى عند الموت أمّنتْ للمؤمن مستقبله الزاهر السعيد ، وأمَّنتْ له الحفظ والرعايةَ بأمر الله تعالى في أهلهِ ومالهِ وولدِه ، وكلِّ ما خلَّفه.

فهل بقي شيء تتوق إليه نفس إنسانٍ ؟!

وهل توجد أيُّ شركةٍ عالميةٍ، أو أيُّ سلطةٍ أرضيةٍ تستطيع أن تؤمِّنَ لأي إنسان مستقبلَ ما بعد الموتِ على المدى اللانهائي أو على أي مدى؟!

وهل توجد أيُّ شركةٍ أو أيًّ سلطةٍ تستطيعُ أن تؤمِّنَ لميتٍ على أهله وأولاده وأموالهِ؟ وأن يكون هذا التأمين على مدى بعيدٍ جداً ؟ ...

الجواب:

لا يستطيع ذلك ولا يقدر عليه إلا اللهُ وحدَه، وكفى بالله وكيلاً وحفيظاً.

فعليك أيها الإنسانُ بالاستقامةِ الدائمةِ على الطريق، الذي رسمه الله لكَ، لتبشركَ ملائكةُ الرحمن بالجنة والرضوانِ، وإياكَ والابتعادَ عنه لكي لا تخسرَ سعادةَ الدارين .

أنتَ لا تدري متى ستموتُ؟ ولا المكانَ أو الزمانَ ؟

فشمِّرْ عن ساعد الجِدِّ في هذه الحياة.

إن الله سبحانه وتعالى ما خلقك عبثاً، وإنما خلقكَ لكي تؤديَ الأمانةَ التي أناطها بكَ، إنها أمانةُ التكليفِ والاستخلافِ في هذه الأرضِ.

قال تعالى :  { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } (72) سورة الأحزاب

إن الله سيسألُك عن كلِّ تصرفاتِك في يومٍ لا ريبَ فيه. قال تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} (24) سورة الصافات

فتزودْ لذلكَ اليومِ، وخيرُ الزاد التقوى كما قال تعالى: { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة .

تزود من التقوى فإنك لا تدري    إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجـر

فكـم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا وقد نسجتْ أكفانه وهو لا يـدري

وكم من صغار يرتجى طول عمرهم    وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبـر

وكـم من عروس زينوها لعرسـها  وقد قبضت أرواحهم ليلـة القـدر

وكـم من صحيح مات من غير علةٍ  وكم من سقيمٍ عاش حينا من الدهر

فمــن عـاش ألفـا وألفيـن إنـه  لابـد من يـوم يسـير إلى القبر

فإذا تزودتَ جاءكَ اليوم الذي يزولُ عنك فيه الخوفُ والحزنُ نهائياً.

فهيا قبل أن يأتيك الموتُ وعندها ينقطع الرجاءُ ويزول الأملُ، ويبطلُ العمل، ولا ينفعك إلا ما قدمت ... { يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)  إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (89) سورة الشعراء

والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 


قصيدة التائبين

 

حطّت ببابك لهفتي ورِغابي                  فاقبل بحقك أوبتي ومثابي

واجعل لها سبباً يقرّبُ غايتي                يا ملهم الغايات والأسبابِ

هذي الجوارح شاهدات بالذي      قد كان من لهوي ومن تطرابي

تسعى إليك يشدُّها الأمل الذي            لولاه كان العمرُ محضَ سرابِ

يا ربِّ عما كان جئتُك تائباً                 فاقبل بحقِّك أوبتي ومثابي

يا ربِّ عن ماضيَّ جئتُك تائباً          فاكتب ليَ الغفران يوم حسابي

يا ربِّ للآتي أتيتك سائلاً                فبنور وجهك ردّني لصوابي

فلأنتَ يا ربّاهُ مَن هتفوا له                سبحان من يعطي بغير حساب

يمحو ويثبت ما يشاء وعنده            أمُّ الكتاب وعلم كلّ كتابِ[529]

 

!!!!!!!!!!!!!!!

 


المصادر الهامة

 

تفسير الطبري(جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ)  الشاملة 2 + موقع التفاسير

تفسير ابن كثير الشاملة 2 + موقع التفاسير

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الشاملة 2 + موقع التفاسير

تفسير الألوسي الشاملة 2 + موقع التفاسير

أيسر التفاسير لأسعد حومد الشاملة 2 + موقع التفاسير

التفسير الميسر الشاملة 2 + موقع التفاسير

تفسير السعدي الشاملة 2 + موقع التفاسير

تفسير ابن أبي حاتم الشاملة 2 + موقع التفاسير

في ظلال القرآن الشاملة 2 + موقع التفاسير

الوسيط لسيد طنطاوي الشاملة 2 + موقع التفاسير

شرح الطحاوية في العقيدة السلفية= الشاملة 2

اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث الشاملة 2

مجمل اعتقاد أئمة السلف  ابن تيمية  الشاملة 2

منهاج السنة النبوية ابن تيمية= الشاملة 2 = محمد رشاد سالم

درء التعارض بين العقل والنقل  ابن تيمية= الشاملة 2= دار الكنوز الأدبية الرياض

المنتقى - شرح الموطأ للباجي الشاملة 2+ موقع الإسلام

موطأ مالك  المكنز

صحيح البخارى المكنز

صحيح مسلم المكنز

مختصر صحيح المسلم للمنذري الشاملة 3 +  ت  الألباني

سنن أبى داود المطنز

سنن الترمذى المكنز

سنن النسائى المكنز

سنن ابن ماجه الكننز

مصنف عبد الرزاق  المكتب الإسلامي + الشاملة 2

مصنف ابن أبي شيبة عوامة  + الشاملة 2

مسند أحمد الكنز

مسند الشاشي   جامع الحديث النبوي

مسند أحمد بن حنبل ( بأحكام شعيب الأرنؤوط) دار صادر

أخبار مكة للأزرقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي

الإبانة الكبرى لابن بطة الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

السنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة +الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

المستدرك للحاكم  دار المعرفة + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

المعجم الكبير للطبراني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

المعجم الأوسط للطبراني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

المعجم الصغير للطبراني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

تفسير ابن أبي حاتم  الشمالة 2 + موقع التفاسير + جامع الحديث النبوي

تهذيب الآثار للطبري الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

دلائل النبوة للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

السنن الكبرى للبيهقي  المكنز  + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

شعب الإيمان للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

سنن الدارمى المكنز + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند أبي عوانة   الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند إسحاق بن راهويه الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند البزار 1-14كاملا  الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند أبي يعلى الموصلي  ت حسين الأسد  دار المأمون + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند الحميدى المكنز + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند الروياني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند السراج  الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

سنن الدارقطنى  المكنز  + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

صحيح ابن حبان  مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

صحيح ابن خزيمة الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند الشاميين للطبراني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند الشهاب القضاعي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند الطيالسي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند عبد بن حميد الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مسند الشافعي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

شرح معاني الآثار الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي+ موقع الإسلام

مشكل الآثار للطحاوي ، مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

معرفة السنن والآثار للبيهقي الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي

السنن الصغرى للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

المنتقى من السنن المسندة لابن الجارود الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

موسوعة السنة النبوية – للمؤلف مخطوط

الأحاديث المختارة للضياء +الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

شرح السنة ـ للإمام البغوى متنا وشرحا مؤسسة الرسالة + الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مجمع الزوائد + دار المعرفة + الشاملة 2

اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة  الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

المسند الجامع  مؤسسة الرسالة + الشاملة 2

جامع الأصول لابن الأثير ت – عبد القادر الأرناؤوط + الشاملة 2

عمل اليوم والليلة للنسائي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

عمل اليوم والليلة لابن السني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الترغيب والترهيب للمنري+ الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

حديث خيثمة الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

أخبار أصبهان  الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

أخلاق النبي لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

أمالي ابن بشران الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

أمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الآداب للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الأدب المفرد للبخاري الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الأسماء والصفات للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الأموال للقاسم بن سلام الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الاعتقاد للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لابن شاهين الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

التوحيد لابن خزيمة الشاملة 2

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الدعاء للطبراني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الدعوات الكبير للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الزهد الكبير للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الزهد لأحمد بن حنبل الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الزهد لهناد بن السري الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الزهد والرقائق لابن المبارك الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

السنة لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

السنة لابن أبي عاصم الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

السنة لعبد الله بن أحمد الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

القراءة عند القبور لأبي بكر بن الخلال الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخيار للكلاباذي الشاملة2

تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ الأصبهاني الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

فضائل الأوقات للبيهقي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

فضائل الصحابة لأحمد الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

فضائل القرآن للفريابي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي

الوسيط في أصول الحديث د- محمد محمد أبو شهبة

فضائل القرآن للقاسم بن سلام الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

فضائل القرآن لمحمد بن الضريس الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

فوائد تمام الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

معجم الصحابة لابن قانع الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

قصر الأمل لابن أبي الدنيا الشاملة 2 +  جامع الحديث النبوي

المقاصد الحسنة للسخاوي الشاملة 2

كشف الخفاء  للعجلوني الشاملة 2

من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث للذهبي الشاملة 2

نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي الشاملة 2 + موقع الإسلام

التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر الشاملة 2 + موقع الإسلام

روضة المحدثين الشاملة 2

تخريج أحاديث الإحياء للعراقي الشاملة 2

هدي الساري (مقدمة الفتح ) لابن حجر الشاملة 2

تغليق التعليق لابن حجر الشاملة 2  + المطبوع

الفتاوى الحديثية للحويني الشاملة 2

تنزيه الشريعة المرفوعة لابن عراق الشاملة 2

إتحاف السادة المتقين  للزبيدي دار الفكر

علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2

الضعفاء والمتروكين للنسائي الشاملة 2

الضُّعَفَاءُ الْكَبِيرِ لِلْعُقَيْلِيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي

تاريخ ابن معين رواية الدوري الشاملة 2

تاريخ معرفة الثقات لابن شاهين الشاملة 2

جرح الرواة وتعديلهم محمود عيدان أحمد الدليمي الشاملة 2

مشاهير علماء الأمصار ابن حبان الشاملة 2

قسم الحديث والمصطلح الشاملة 2

تحفة المحتاج في تخريج أحاديث المنهاج لابن الملقن + الشاملة 2

البدر المنير لابن الملقن  + الشاملة 2

خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام للإمام النووي  + الشاملة 2

السلسلة الضعيفة للألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

السلسلة الصحيحة للألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

رياض الصالحين ت الألباني+ الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

مشكاة المصابيح ت الألباني + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

صحيح الترغيب والترهيب + الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

صحيح وضعيف سنن أبي داود الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

صحيح وضعيف سنن الترمذي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

صحيح وضعيف سنن النسائي الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

صحيح وضعيف سنن ابن ماجة الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

صحيح وضعيف الجامع الصغير الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

الجامع الصغير وزيادته الشاملة 2 + المكتب الإسلامي

علل الحديث لابن أبي حاتم الشاملة 2

علل الدارقطني الشاملة 2

تاريخ جرجان للسهمي الشاملة 2

موسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل الشاملة 2

موسوعة أقوال الدارقطني الشاملة 2

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الشاملة 2

فتح الباري لابن حجر الشاملة 2   + موقع الإسلام

فتح الباري لابن رجب الشاملة 2

عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني الشاملة 2

شرح البخاري ابن بطال الشاملة 2

شرح النووي على مسلم الشاملة 2   + موقع الإسلام

عون المعبود للآبادي الشاملة 2   + موقع الإسلام

تحفة الأحوذي المباركفوي الشاملة 2   + موقع الإسلام

تأويل مختلف الحديث ابن قتيبة الشاملة 2

الشَّرِيعَةُ لِلْآجُرِّيِّ الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي

شُكْرُ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ لِلْخَرَائِطِيِّ  الشاملة 2

شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية الشاملة 2

فيض القدير،شرح الجامع الصغير  الشاملة 2

جامع العلوم والحكم الشاملة 2    + تحقيق الفحل

حاشية ابن القيم على سنن أبي داود الشاملة 2+ موقع الإسلام

تيسير العلام شرح عمدة الحكام- للبسام الشاملة 2

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الشاملة 2

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين الشاملة 2

بلوغ المرام من أدلة الأحكام الشاملة 2

مختصر منهاج القاصدين نشر دار البيان

شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم الشاملة 2

كشف المشكل من حديث الصحيحين الشاملة 2

التحفة الربانية شرح الأربعين النووية الشاملة 2

شرح رياض الصالحين لابن عثيمين الشاملة 2

فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين الشاملة 2

مجموع فتاوى ابن تيمية الشاملة 2   + دار الباز

جواهر الإكليل شرح مختصر خليل  الشاملة 2   + موقع الإسلام

حاشية الجمل الشاملة 2   + موقع الإسلام

القوانين الفقهية لابن جزي الشاملة 2

فتاوى الأزهر الشاملة 2

الموسوعة الفقهية الكويتية الشاملة 2   + موقع الإسلام + دار السلاسل

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشاملة 2

مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين الشاملة 2

فتاوى السبكي الشاملة 2

فتاوى الرملي الشاملة 2

الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي الشاملة 2   + موقع الإسلام

شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد الشاملة 2

لقاءات الباب المفتوح الشاملة 2

دروس وفتاوى الحرم المدني الشاملة 2

فتاوى من موقع الإسلام اليوم الشاملة 2

فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2

فتاوى يسألونك الشاملة 2

مجموع فتاوى ومقالات ابن باز الشاملة 2

مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية الشاملة 2

فتاوى الإسلام سؤال وجواب الشاملة 2

فتاوى واستشارات الإسلام اليوم الشاملة 2

فتاوى الشبكة الإسلامية الشاملة 2

الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي الشاملة 2

الفقه الإسلامي وأدلته الزحيلي الشاملة 2     + دار الفكر

الدرر السنية في الأجوبة النجدية – الرقمية الشاملة 2

طرح التثريب الشاملة 2    + موقع الإسلام

الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان  دار الفكر

نيل الأوطار الشاملة 2    + موقع افسلام

المحلى  لابن حزم الشاملة 2

حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام

تكملة حاشية رد المحتار الشاملة 2 + موقع الإسلام

المبسوط للسخسي الشاملة 2 + موقع الإسلام

الهداية للمرغياني الشاملة 2

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع الشاملة 2 + موقع الإسلام

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق الشاملة 2 + موقع الإسلام

فتح القدير لابن الهمام الشاملة 2 + موقع الإسلام

البحر الرائق شرح كنز الدقائق الشاملة 2 + موقع الإسلام

مراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه الشاملة 2

رد المحتار على الدر المختار  الشاملة 2

المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ابن مازة الشاملة 2

حاشية الطحاوي على المراقي الشاملة 2

الشرح الكبير للشيخ الدردير الشاملة 2 + موقع الإسلام

الشرح الصغير الشاملة 2

التاج والإكليل لمختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام

مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام

شرح الزرقاني على مختصر خليل الشاملة 2

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني الشاملة 2 + موقع الإسلام

منح الجليل شرح مختصر خليل الشاملة 2 + موقع الإسلام

التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة القرطبي الشاملة 2

بداية المجتهد ونهاية المقتصد الشاملة 2

روضة الطالبين وعمدة المفتين الشاملة 2

المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي الشاملة 2

المجموع شرح المهذب للنووي الشاملة 2 + موقع الإسلام

أسنى المطالب بشرح روض الطالب الشاملة 2 + موقع الإسلام

شرح البهجة الوردية الشاملة 2 + موقع الإسلام

حاشيتا قليوبي – وعميرة الشاملة 2 + موقع الإسلام

تحفة المحتاج في شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام

مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الشاملة 2 + موقع الإسلام

حاشية البجيرمي على الخطيب الشاملة  2 + موقع الإسلام

حاشية البجيرمي على المنهج الشاملة 2 + موقع الإسلام

الأم للشافعي   الشاملة 2 + موقع الإسلام

الحاوي في فقه الشافعي – الماوردي الشاملة 2

دليل المحتاج شرح المنهاج للإمام النووي الشاملة 2

الشرح الكبير لابن قدامة الشاملة 2

الفروع لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام

شرح منتهى الإرادات الشاملة 2 + موقع الإسلام

كشاف القناع عن متن الإقناع الشاملة 2 + موقع الإسلام

مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى الشاملة 2 + موقع الإسلام

المغني لابن قدامة الشاملة 2 + موقع الإسلام

المبدع شرح المقنع الشاملة 2

شرح زاد المستقنع لابن عثيمين الشاملة 2

أصول السرخسي الشاملة 2

الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الشاملة 2

الإحكام في أصول الأحكام للآمدي الشاملة 2

المحصول للرازي الشاملة 2

المستصفى للغزالي الشاملة 2 + موقع الإسلام

تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية الشاملة 2

أنوار البروق في أنواع الفروق الشاملة 2 + موقع الإسلام

كشف الأسرار للبزدوي الشاملة 2

إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الشاملة 2 + موقع الإسلام

البحر المحيط للزركشي الشاملة 2 + موقع الإسلام

التقرير والتحبير لابن أمير الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام

شرح الكوكب المنير للفتوحي الشاملة 2 + موقع الإسلام

حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع الشاملة 2 + موقع الإسلام

الفصول في الأصول للرازي الشاملة 2 + موقع الإسلام

التلخيص فى أصول الفقه / لإمام الحرمين الشاملة 2

من أصول الفقه على منهج أهل الحديث – الرقمية الشاملة 2

البرهان في أصول الفقه الجويني – الرقمية الشاملة 2

تلقيح الافهام العلية بشرح القواعد الفقهية الشاملة 2

حجة الله البالغة للدهلوي الشاملة 2

بحوث في علم أصول الفقه الشاملة 2   الكردي

القول المفيد في الاجتهاد والتقليد للشوكاني الشاملة 2

الموافقات للشاطبي الشاملة 2

إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول الشاملة 2

الإبهاج في شرح المنهاج الشاملة 2

الأصول من علم الأصول الشاملة 2 + موقع الإسلام

التقرير والتحبير  الشاملة 2 + موقع الإسلام

المسودة في أصول الفقه الشاملة 2

معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة الشاملة 2

نهاية السول شرح منهاج الوصول الشاملة 2

إحياء علوم الدين دار الفكر + الشاملة 2

حلية الأولياء لأبي نعيم الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي

الأذكار للنووي الشاملة 2

أدب الدنيا والدين الماوردي الشاملة 2 + موقع الإسلام

المدخل لابن الحاج الشاملة 2 + موقع الإسلام

الآداب الشرعية لابن مفلح الشاملة 2 + موقع الإسلام

الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي الشاملة 2 + موقع الإسلام

بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية  الشاملة 2 + موقع الإسلام

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب السفاريني الشاملة 2 + موقع الإسلام

رياض الصالحين للنووي –ت الألباني – الفحل

لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية للشعراني الشاملة 2

الروح لابن القيم الشاملة 2

مدارج السالكين لابن القيم الشاملة 2

مقدمة ابن الصلاح الشاملة 2

معرفة علوم الحديث للحاكم  الشاملة 2+ جامع الحديث النبوي

الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث الشاملة 2

قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث الشاملة 2

الكفاية في علم الرواية الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث السخاوي + الشاملة 2

المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل فاروق حمادة

الاقتراح في فن الاصطلاح للحافظ ابن دقيق العيد الشاملة 2

توضيح الأفكار للصنعاني + الشاملة 2

قواعد في علوم الحديث للتهانوي ت أبو غدة

منهج النقد في علوم الحديث - دار الفكر – العتر + الشاملة 2

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي + الشاملة 2

نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2

التعليقات البازية على نزهة النظر شرح نخبة الفكر الشاملة 2

تيسير مصطلح الحديث  الطحان + الشاملة 2

تحرير علوم الحديث لعبدالله الجديع + الشاملة 2

شرح شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر + الشاملة 2

النكت على ابن الصلاح لابن حجر + الشاملة 2

الموقظة في علم مصطلح الحديث الذهبي + الشاملة 2

سؤالات الحاكم للدارقطني الشاملة 2

شرح الموقطة للذهبي الشاملة 2

رسالة في الجرح والتعديل للمنذري الشاملة 2

الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح العراقي + الشاملة 2

شرح التبصرة والتذكرة العراقي + الشاملة 2 ت الفحل

التذكرة في علوم الحديث لابن الملقن الشاملة 2

بحوث في المصطلح للفحل + الشاملة 2

توجيه النظر إلى أصول الأثر الجزائري+ الشاملة 2 + تحقيق أبو غدة

المنهج الحديث في علوم الحديث للشيخ السماحي

الرفع والتكميل في الجرح والتعديل للكنوي + الشاملة 2 أبو غدة

زاد المعاد لابن القيم  + الشاملة 2+ موقع الإسلام

تذكرة السامع والمتكلم + الشاملة 2

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي+ الشاملة 2

الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر + الشاملة 2

الإصابة في معرفة الصحابة للحافظ ابن حجر + الشاملة 2

الثقات ابن حبان + الشاملة 2

المجروحين ابن حبان + الشاملة 2

التاريخ الكبير البخاري  + الشاملة 2

التاريخ الأوسط للبخاري

الطبقات الكبرى لابن سعد + الشاملة 2 + جامع الحديث النبوي

تذكرة الحفاظ للذهبي + الشاملة 2

من له رواية في الكتب الستة للذهبي + الشاملة 2

ميزان الاعتدال للذهبي + الشاملة 2 دار المعرفة

تاريخ دمشق لابن عساكر + الشاملة 2 دار الفكر

طبقات الشافعية للسبكي + الشاملة 2

الجرح والتعديل لابن أبي حاتم + الشاملة 2

الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي + الشاملة 2

كشف الإيهام لما تضمنه تحرير التقريب من الأوهام ( للفحل)

معرفة الثقات للعجلي + الشاملة 2

غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر الشاملة 2

ضعفاء العقيلي + الشاملة 2

الجامع في الجرح والتعديل + الشاملة 2

تهذيب الكمال للمزي+ الشاملة 2 ت عواد بشار مؤسسة الرسالة

الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة + الشاملة 2 ت عوامة

تقريب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2

تهذيب التهذيب لابن حجر + الشاملة 2

تعجيل المنفعة لابن حجر + الشاملة 2

لسان الميزان للحافظ ابن حجر + الشاملة 2

معرفة الرواة المتكلم فيه بما لا يوجب الرد للذهبي الشاملة 2

خلاصة تهذيب تهذيب الكمال ـ للكمال الخزرجى + الشاملة 2

سير أعلام النبلاء مؤسسة الرسالة + الشاملة 2

المغني في الضعفاء للذهبي + الشاملة 2

تاريخ بغداد للخطيب البغدادي + الشاملة 2

البداية والنهاية لابن كثير   + الشاملة 2

الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف للمؤلف

تاريخ الإسلام للذهبي + الشاملة 2 ت التدمري

الفصل في الملل والنحل لابن حزم  مكتبة الخانجي - القاهرة

النهاية في غريب الأثر + الشاملة 2

تاج العروس للزبيدي + الشاملة 2

معجم لسان المحدثين خلف الشاملة 2

لسان العرب لابن منظور  + الشاملة 2

المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية + الشاملة 2

المصباح المنير الفيومي + الشاملة 2

مختار الصحاح الرازي الشاملة 2

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي + الشاملة 2

الحافظ ابن حجر ومنهجه في التقريب – للمؤلف

المنهج المأمول ببيان معنى قول ابن حجر مقبول لأبي محمد الألفي

الإكليـل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيـل  لأبي محمد الألفي

منهج دراسة الأسانيد والحكم عليها للعاني – الأردن

شَذَرَاتٌ مِنَ الْمَنْهَجِ الْمَأْمُولِ بِبَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ مَقْبُولْ / أبو محمد الألفي

الإكليل ببيان احتجاج الأئمة بروايات المجاهيل لأبي محمد الألفي

تحرير التقريب مؤسسة الرسالة

حتى ترضى لمصطفى عكرمة

الشاملة 2

برنامج قالون

 

 

 

 

 

 

 

 

 


جريدة الرموز :

خ= البخاري

م= مسلم

ت = الترمذي

د= أبو داود

نص= النسائي في المجتبى

ن= سنن النسائي الكبرى

هـ = ابن ماجة

حم= أحمد

طب= الطبراني في الكبير

طس= الطبراني في الأوسط

طص= الطبراني في الصغير

بز= البزار في مسنده

ع= أبو يعلى الموصلي

حب= ابن حبان في صحيحه

هق= البيهقي في السنن الكبرى

هب= البيهقي في شعب الإيمان

قط= الدارقطني في السنن

مي= الدارمي في سننه

عاصم= ابن أبي عاصم في السنة

ش= ابن أبي شيبة في المصنف

عب= عبد الرزاق في المصنف

مجمع= مجمع الزوائد للهيثمي

طيا= أبو داود الطيالسي

دعا طب= الدعاء للطبراني

ن عمل = النسائي في عمل اليوم والليلة

صحيح الترغيب= صحيح الترغيب والترهيب للألباني

صحيح الجامع= صحيح الجامع الصغير للألباني

الصحيحة= سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني

الضعيفة =سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني

الإتحاف= إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للزبيدي


الفهرس
الباب الأول - 6 -
مفهوم الموت في القرآن الكريم - 6 -
المبحث الأول - 6 -
لا فرار من الموت إذا حلَّ الأجلُ - 6 -
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ - 17 -
المبحث الثالث - 23 -
الحث على التوبة قبل الموت - 23 -
المبحث الرابع - 26 -
إذا حضر الأجل فلا رجعة للدنيا - 26 -
المبحث الخامس - 27 -
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا - 27 -
المبحث السادس - 27 -
الله تعالى قدر الموت والحياة - 27 -
المبحث السابع - 29 -
الإنسان يغفل عن الموت - 29 -
المبحث الثامن - 31 -
وجوب تذكر المؤمن رسالته في هذه الأرض - 31 -
المبحث التاسع - 32 -
من هاجر إلى الله وأدركه الموت قبل وصوله فقد وقع أجره على الله - 32 -
المنافقون يهربون من الجهاد فرارا من الموت - 35 -
المبحث الحادي عشر - 37 -
الكفار لا يتمنون الموت أبدا - 37 -
المبحث الثاني عشر - 39 -
وجوب التواصي بالموت على الإسلام - 39 -
المبحث الثالث عشر - 41 -
الحث على الوصية قبل الموت لغير الورثة - 41 -
المبحث الرابع عشر - 44 -
الملائكة تقبض أرواح الناس - 44 -
المبحث الخامس عشر - 47 -
حال الكفار أثناء نزع الروح - 47 -
المبحث السادس عشر - 48 -
الأمم لها آجال أيضا - 48 -
الباب الثاني - 50 -
الموت في السنَّة النبوية - 50 -
المبحث الأول - 50 -
الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ - 50 -
المبحث الثاني - 53 -
موت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - 53 -
موت آدم عليه السلام - 53 -
موسى وملك الموت عليهما السلام - 56 -
موت النبي محمد r - 62 -
المبحث الثالث - 71 -
من أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه. - 71 -
المبحث الرابع - 73 -
لمثل هذا فأعدوا - 73 -
المبحث الخامس - 75 -
فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله - 75 -
المبحث السادس - 79 -
الموت على عمل صالح - 79 -
المبحث السابع - 80 -
التحذير من سوء الخاتمة - 80 -
المبحث الثامن - 81 -
أسباب حسن الخاتمة - 81 -
إقامة التوحيد لله جل وعلا - 81 -
التقوى - 82 -
التوكل على الله - 85 -
الاستقامة - 86 -
الأمانة - 87 -
الباب الثالث - 88 -
الإنسان من مرضه حتى دفته - 88 -
المبحثُ الأول - 88 -
الترغيب في سؤال العفو والعافية - 88 -
المبحثُ الثاني - 91 -
النهي عن تمني الموت لضر نزل به - 91 -
المبحثُ الثالث - 93 -
الترغيب في الصبر وفضل البلاء - 93 -
المبحثُ الرابع - 101 -
فضل طول الحياة في طاعة الله تعالى - 101 -
المبحثُ الخامس - 103 -
الترغيب في كلمات يقولهن من آلمه شيء من جسده - 103 -
المبحثُ السادس - 105 -
الترغيب في عيادة المرضى - 105 -
آدَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ : - 110 -
وَقْتُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ : - 111 -
مَنْ تُشْرَعُ لَهُ زِيَارَةُ الْمَرِيضِ ؟ - 111 -
الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ : - 111 -
المبحثُ السابع - 112 -
الترغيب في الوصية والعدل فيها - 112 -
المبحثُ الثامن - 116 -
فضل الموت - 116 -
المبحثُ التاسع - 120 -
الترهيب من كراهية الموت والترغيب بمحبته - 120 -
المبحثُ العاشر - 122 -
استحباب ذكر الموت والاستعداد له - 122 -
المبحثُ الحادي عشر - 126 -
تحسين الظن بالله والخوف منه - 126 -
المبحثُ الثاني عشر - 129 -
نذير الموت - 129 -
المبحثُ الثالث عشر - 130 -
علامة خاتمة الخير - 130 -
المبحثُ الرابع عشر - 133 -
كيفية الموت وشدته - 133 -
المبحثُ الخامس عشر - 137 -
تلقين الميت - 137 -
المبحثُ السادس عشر - 140 -
ما جاء في ملك الموت وأعوانه - 140 -
المبحثُ السابع عشر - 143 -
من يحضر الميت من الملائكة - 143 -
المبحثُ الثامن عشر - 150 -
الحث على التوبة قبل فوات الأوان - 150 -
وَقْتُ التَّوْبَةِ : - 152 -
المبحثُ التاسع عشر - 154 -
الترغيب في كلمات يقولهن من مات له ميت - 154 -
المبحثُ العشرون - 156 -
معرفة الميت بمن يغسله ويجهزه - 156 -
المبحثُ الواحد والعشرون - 158 -
بكاء السموات والأرض على المؤمن - 158 -
المبحثُ الثاني والعشرون - 161 -
الترغيب في حفر القبور وغسل الموتى - 161 -
المبحثُ الثالث عشر - 163 -
الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه - 163 -
المبحثُ الرابع والعشرون - 167 -
الترغيب في كثرة المصلين على الجنازة - 167 -
المبحثُ الخامس والعشرون - 170 -
الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن - 170 -
المبحثُ السادس والعشرون - 171 -
الدفن في المكان المقدّر - 171 -
المبحثُ السابع والعشرون - 173 -
ما يقال عند الدفن - 173 -
حكم قراءة القرآن على القبر بعد الدفن - 185 -
حكمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُحْتَضَرِ وَالْقَبْرِ : - 188 -
المبحثُ الثامن والعشرون - 191 -
ضمة القبر - 191 -
المبحثُ التاسع والعشرون - 197 -
مخاطبة القبر للميت - 197 -
المبحثُ الثلاثون - 200 -
الترغيب في الدعاء للميت - 200 -
المبحثُ الواحد والثلاثون - 203 -
عذاب القبر ونعيمه - 203 -
هَل الْمَوْتُ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ أَوْ لِلْبَدَنِ وَحْدَهُ ؟ - 206 -
المبحثُ الثاني والثلاثون - 231 -
من لا يسأل في القبر وما ينجي من عذاب القبر - 231 -
المبحثُ الثالث والثلاثون - 236 -
الترهيب من النياحة على الميت وغيرها - 236 -
المبحثُ الرابع والثلاثون - 242 -
الترهيب من إحداد المرأة على غير زوجها فوق ثلاث - 242 -
المبحثُ الخامس والثلاثون - 245 -
النهي عن أكل ما اليتيم بغير حق - 245 -
المبحثُ السادس والثلاثون - 248 -
الترغيب في زيارة القبور - 248 -
المبحثُ السابع والثلاثون - 253 -
الترهيب من المرور بقبور الظالمين - 253 -
المبحثُ الثامن والثلاثون - 254 -
أحوال الموتى في قبورهم - 254 -
المبحثُ التاسع والثلاثون - 258 -
باب صفة الدفن - 258 -
تَعْلِيمُ الْقَبْرِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ : - 263 -
تَطْيِينُ الْقَبْرِ وَتَجْصِيصُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ : - 265 -
المبحثُ الأربعون - 266 -
الترهيب من الجلوس على القبر وكسر عظم الميت - 266 -
المبحثُ الواحد و الأربعون - 267 -
النهي عن تجصيص القبر ورفعه والصلاة إليه - 267 -
المبحثُ الثاني والأربعون - 269 -
الحث على تعزية المسلم - 269 -
المبحثُ الثالث والأربعون - 273 -
الحث على صنع الطعام لأهل الميت - 273 -
المبحثُ الرابع والأربعون - 275 -
النهي عن شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية - 275 -
المبحثُ الخامس والأربعون - 277 -
ما ينفع الميت في قبره - 277 -
دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ : - 291 -
خاتمـــة - 293 -
قصيدة التائبين - 296 -
المصادر الهامة - 297 -
جريدة الرموز : - 308 -
[1] - برقم (2042)
[2] - المعجم الكبير للطبراني - (ج 6 / ص 363)(6779 ) الصواب وقفه
[3] - صحيح مسلم (7692)
[4] - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 113)(388) صحيح
[5] - صحيح البخارى(6493 )
[6] - صحيح البخارى (6607)
[7] - مسند أحمد (23529) صحيح
[8] - الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ(5667) صحيح
[9] - الِاعْتِقَادُ لِلْبَيْهَقِيِّ (141) صحيح
[10] - صحيح البخارى(3332 )
[11] - صحيح ابن حبان - (ج 14 / ص 48)(6174) صحيح
[12] - فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 437)
[13] - مسند أحمد (21841) صحيح موقوف
[14] - الْمُعْجَمُ الْأَوْسَطُ لِلطَّبَرَانِيِّ(8497 ) حسن
[15] - الرِّقَّةُ وَالْبُكَاءُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (301 ) فيه ضعف
[16] - سنن الترمذى (3356 ) و مسند أبي يعلى الموصلي(6654) صحيح
النسمة : النفس والروح = الوبيص : البريق، ( فَجَحَدَ آدَمُ )أَيْ ذَلِكَ لِأَنْ كَانَ فِي عَالَمِ الذَّرِّ فَلَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حَالَةَ مَجِيءِ مَلَكِ الْمَوْتِ لَهُ ( فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ ) لِأَنَّ الْوَلَدَ سِرُّ أَبِيهِ
[17] - المستدرك للحاكم (7617) صحيح
[18] - صحيح مسلم (2459 ) و صحيح ابن حبان - (ج 8 / ص 25)(3229) -يشب : يقوى -يهرم : يكبر فى السن
[19] - انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 1 / ص 431)
[20] - صحيح البخارى (1339) و صحيح مسلم(6297)
[21] - صحيح مسلم (6298)
[22] - مسند أحمد (11193) حسن صحيح
[23] - شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 103)
[24] - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (6329 ) صحيح
[25] - صَحِيحُ ابْنِ حِبَّانَ (6330 ) صحيح
[26] - بَحْرُ الْفَوَائِدِ الْمُسَمَّى بِمَعَانِي الْأَخْيَارِ لِلْكَلَابَاذِيِّ (316 ) صحيح
[27] - صحيح البخارى(3623و3634)
[28] - مسند الشاميين(908) صحيح
[29] - انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (9/45).
[30] - صحيح البخارى(466 )
[31] - فتح الباري (7/16).
[32] - مسند البزار(1317) صحيح
[33] - أمالي ابن بشران (362 ) واتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - (ج 3 / ص 128)[3006/1] ومجمع الزوائد ( 14238) صحيح
[34] - سنن الدارمى (79) ومسند أحمد (16419) حسن
[35] - صحيح البخارى(4042 )
[36] - صحيح البخارى(4586 )
[37] - صحيح البخارى(5016 )
[38] - شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 332)
[39] - صحيح البخارى(198 )
[40] - صحيح البخارى(5714 )
[41] - صحيح البخارى(5648 )
[42] - صحيح البخارى(4438)
[43] - صحيح البخارى(4449)
[44] - صحيح البخارى (6510 )
[45] - صحيح البخارى(4462 )
[46] - مسند أحمد (24905) صحيح
[47] - مسند أبي يعلى الموصلي(3378) صحيح
[48] - المعجم الكبير للطبراني - (ج 6 / ص 299)(6579 ) صحيح لغيره
[49] - انظر: تفسير القرطبي (2/176).
[50] - صحيح البخارى(1241 ) - تيمم : قصد -المسجى : المغطى
[51] - انظر: تفسير القرطبي (4/222).
[52] - سنن أبى داود (3143 ) حسن
[53] - صحيح البخارى(4463)
[54] - صحيح البخارى(6507 )
[55] - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 279)(3009) صحيح
[56] -فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 348)
[57] - صحيح مسلم (5836 )
[58] - شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 331)
[59] - السنن الكبرى للبيهقي (ج 3 / ص 369)(6750) حسن
[60] - مسند أحمد(19108) حسن
[61] - فيض القدير، شرح الجامع الصغير(3020 )
[62] - صحيح البخارى(3435 ) و صحيح مسلم(149)
[63] - صحيح مسلم(151 )
[64] - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 432)(202) صحيح
[65] - شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 103)
[66] - صحيح ابن حبان - (ج 1 / ص 461)(225) صحيح لغيره
[67] - المستدرك للحاكم (1936) صحيح لغيره
[68] - مسند أحمد (6740) صحيح
[69] - مسند أحمد(7264) حسن
[70] - مسند الشاميين(34) صحيح
[71] - المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 444)(16509 ) صحيح
[72] - صحيح مسلم(7413 )
[73] - صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 304)(7313) صحيح
[74] - المستدرك للحاكم (3688) صحيح
[75] - مسند الشهاب القضاعي (474 ) حسن
[76] - صحيح البخارى (2898 ) - ذباب : طرف السيف الأسفل الذى يضرب به -الشاذة : الخارج عن صف الكفار
[77] - شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 226)
[78] - صحيح البخارى (4699 )
[79] - شرح سنن أبي داود ـ عبد المحسن العباد - (ج 27 / ص 287)
[80] - المستدرك للحاكم (3159) صحيح
[81] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 297)(35695) والسنن الكبرى للإمام النسائي الرسالة - (ج 7 / ص 224)(11847) صحيح لغيره
[82] - تفسير السعدي - (ج 1 / ص 141)
[83] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 295)(35694) صحيح موقوف
[84] - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 224)(476) صحيح
[85] - مسند أحمد (21282) صحيح
[86] - صحيح البخارى(5705 )
[87] - صحيح البخارى(6472 )
[88] - المستدرك للحاكم(179) صحيح
[89] - مسند الطيالسي(1089) صحيح
[90] - مسند أبي عوانة(1778) صحيح
[91] - صحيح مسلم (168 )
[92] - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 288)(13065) صحيح
[93] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 11 / ص 13)(30962) صحيح
[94] - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 288)(13070) حسن لغيره
[95] - أن تسلم من الأسقام والبلايا.
[96] - برقم (3512) وابن ماجه (3848) والبيهقي في السنن 7/50 والمجمع 10/175 وهو حديث حسن. فزت ونجحت.
[97] - أحمد في مسنده برقم ( 6) و الترمذي برقم (3509) وجامع الأصول 4/339.وهو حديث حسن
[98] - برقم (3851) ومصباح الزجاجة (1357) وصححه والصحيحة (1138) وهو حديث صحيح.
[99] - برقم (2696) وأحمد 1/180 و 3/472 و 4/382
[100] - برقم (3513) وابن ماجه (3580) وأحمد (6/185 و 258 ، والحاكم 1/530 وهو حديث صحيح.
[101] - برقم (3431 و 3432). و الدعا طب (800) والشعب (4445) وهو حديث صحيح لغيره
[102] - برقم ( 731و732) و المجمع 10/138 (17138) والشعب (4271و10701) وهو حديث حسن.
[103] - البخاري برقم (5671 و6531و7233) ومسلم (2680).
[104] - إلا من ثلاث كما سيمر إن شاء الله. .
[105] - برقم (2682) وأحمد في مسنده برقم (8413).
[106] - ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقب الموت.
[107] - 3/332 (14938) والمجمع 10/203 وهو حديث حسن لغيره. الإنابة : الرجوع إلى اللَّه بالتَّوبة
[108] - برقم (1254) وطب (20567) وأحمد في مسنده 6 /336 والمجمع 10/202 339 وهو حديث صحيح.
[109] - (8839) والمتمنين عن الحسن مرسلا (111) وهو حديث صحيح، ولكن من يثق بعمله ؟!
[110] - برقم (18671و20638) ومصنف ابن أبي شيبة (ج 14 / ص 597)(38255) وابن سعد 3/34 صحيح موقوف.
[111] - برقم ( 1512) وابن سعد 3/334 و 335 وعب (20639و20640) وطب (15020) وإسناده صحيح.
[112] - أخرجه في الموطأ برقم (57) والبخاري برقم (7115) ومسلم برقم (157).
[113] - برقم (3541) وهو صحيح
[114] - راجع الفتح 10/128- 131.
[115] - فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 279)
[116] - الطهارة برقم (1) وأحمد 5/342 و 343 و 344.
[117] - البخاري برقم(1469و6470) ومسلم برقم (1053) ومالك في الموطأ(1850)
[118] - برقم (2999).
[119] - 6/450 (28310) والحاكم برقم (1289) والمجمع 10/67 والشعب(4306و9597) والأسماء والصفات(229) والصبر والثواب عليه (96) وهو حديث حسن. وقد ضعفه بعض أهل العلم
[120] - مسلم برقم (2809) والترمذي (2866) وأحمد برقم (8033). تفيئ : تحرك وتميل يمينا وشمالا
[121] - الترمذي (2398) وابن ماجة برقم (4023) والحاكم 1/41 و 4/207 وهو حديث صحيح.
[122] - برقم (7847) والأدب المفرد(528) والمرض الكفارات (1) وهو صحيح على شرط مسلم.
[123] - برقم (5645) ومالك (1720) ، يصب منه: أي يوجه إليه مصيبة ويصب ببلاء.
[124] - برقم (2396) والشهاب (1041) والشعب (9444) وصحيح الجامع (2110) وهو حديث حسن.
[125] - يستمر بمنحه ما يكره من الأمراض والمصائب حتى يرتقي إلى العلياء.
[126] - برقم ( 1274 ) وأبو يعلى (5961) والإحسان ( 2970 ) والمطالب (242) وهو حديث صحيح.
[127] - البخاري برقم (5640) ومسلم برقم (3572) ، النَّصب : التعب ،الوصب : الألم والسقم الدائم
[128] - برقم (2579) والحاكم 4/314 ( 7879 ) والإحسان (2986) وهو حديث صحيح.
[129] - برقم (2996) وأحمد(20209) والمقصود أنه كان يعمل صالحاً قبل مرضه ومنعه المرض من ممارسته.
[130] - 3/258 (12839 و14063) وشرح السنة 5/241 والمجمع 2/304 وهو صحيح لغيره.
[131] - البيهقي 3/375 ( 6786 ) والحاكم 1/348 (1290) وهو حديث صحيح، يستأنف يبتدئ.
[132] - 4/255 برقم (2912) و(2985) والفتح 10/104 وهو حديث صحيح.
[133] - برقم (2437) و المجمع 2/302(3800) والمطالب العالية (1881) وإسناده حسن.
[134] - برقم (12282) وأبو يعلى (2311) والضياء 4/316 والإحسان (2930) وهو حديث صحيح مشهور مروي عن أنس والعرياض وعائشة بنت قداحة وأبي هريرة وابن عباس وزيد بن أرقم وبريدة وابن عمر ... الكريمتان: العينان.
[135] - برقم (3612)
[136] - (البخاري برقم (3477و6929) ومسلم برقم ( 1792) واللفظ له
[137] - برقم ( 3384) والطيالسي (1976) وغيرهما وهو صحيح
[138] - 5/40 و 47 (20953 و20983و21020و21021و21031و21041و21045) والترمذي (2331) و(2499و2500) والحاكم 1/336(1256) وهو حديث صحيح.
[139] - أحمد 2/235 و 403 ( 7413 و9473) والبيهقي 3/371 (6765) وابن حبان (2465) موارد والإحسان ( 3043) والصحيحة (1298) والمستدرك (1255) عن جابر وهو حديث صحيح.
[140] - مشكل الآثار للطحاوي - (ج 11 / ص 354) (4529 ) حسن
[141] - 1/163(1417) ون (10606) والمجمع 10/204 والتلخيص 2/119 والصحيحة (654) وهو حديث حسن
[142] - راجع فيض القدير 3/480 والأحاديث رقم ( 4038 و4048و5307و7588 )
[143] - في السلام باب 24 برقم (2202) وابن ماجة برقم (3651) وصحيح ابن حبان (3026و3029) والموطأ (1722) وأبو داود (3893) -
[144] - المنتقى - شرح الموطأ - (ج 4 / ص 359) (1479 )
[145] - برقم (3937) والحاكم برقم (7515) والمرض والكفارات (151) وهو صحيح لغيره
[146] - فيض القدير (448)
[147] - البخاري 2/90 (1240) ومسلم (2162)
[148] - أحمد (11257) صحيح
[149] - في البر باب 13 (2569)
[150] - 3/32و48 (11481و11756) وعب(6763) وش(10841) وهو صحيح.
[151] - 4/191 (2826) والمجمع 2/166 (3027) والصحيحة (1023) وهو صحيح.
[152] - برقم (2568) وأحمد 5/279 و 283(23070و23107) والترمذي (983) .الخرفة : أى اجتناء ثمر الجنة
[153] - الترمذي (985) وأحمد 1/118(967) والبزار(777) وابن ماجة(1509) وعب(6768) وش(10836) والضياء 1/ 400وك(1293و1294) وصحيح الترغيب (3476) من طرق عنه وهو حديث صحيح لطرقه .
[154] - 3/304 (14631) والمستدرك (1295) والبيهقي في السنن (6822) والإحسان (3018) وهو حديث صحيح. اغتمس: أغدق الله بنعمه عليه وعمه برضاه
[155] - برقم (1441) و(1508) وابن السني (556) إسناد صحيح لكنه منقطع ميمون بن مهران لم يسمع من عمر . وله شاهد غير قوي الشعب (6214) وأعله ابن حجر في التهذيب بعلة خفية وهي أن كثير بن هشام رواه عن عيسى بن إبراهيم الهاشمي عن جعفر بن برقان.. وعيسى متروك وتابعه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في الضعيفة (1004)
أقول : ما قالاه مجرد احتمال لكن سند ابن ماجه ثنا جعفر بن مسافر ثنى كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن عمر . وجعفر صدوق كما في الكاشف (811) وقد روى عنه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم وهو يرويه عن شيخه كثير بصيغة التحديث وكثير يرويه عن جعفر بصيغة التحديث ولم يوصف أحد منهم بالتدليس ، كما أن كثير بن هشام مجمع على ثقته وهو من أروى الناس عن جعفر بن برقان كما في التهذيب فلم لا تكون الرواية الثانية التي فيها عيسى بن إبراهيم وهم من راويها وغلط ‍! ولا سيما أن جعفر بن مسافر من شيوخ ابن ماجه المباشرين . ومن هنا فإن المنذري والبوصيري والنووي وغيرهم أعلوه فقط بالانقطاع . كما أن الحافظ ابن حجر حسنه في الفتح وأعله بالانقطاع وهذا هو الراجح لأن الفتح مؤلف بعد التهذيب بكثير وهو من الكتب التي رضى عنها .. الفيض (595)
[156] - أبو داود (3108) والحاكم 1/342 و 4/213 و 416(1268 و1269 و8282) والضياء (10/368 ، رقم 394) وهو حديث صحيح لغيره.
[157] - برقم( 3758) ون عمل (29) ون(9773-9777و10108) وصحيح الترغيب وهو صحيح لغيره.
[158] - برقم( 2139 ) وابن ماجة (1510) وحم (7863) والإحسان (3023) وصحيح الترغيب(2578) حسن لغيره
[159] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 31 / ص 78) فما بعد
[160] - الأدب المفرد( 536 ) صحيح
[161] - فتح الباري 10 / 113 ، ودليل الفالحين 3 / 372 .
[162] - فتح الباري 10 / 113 .
[163] - صحيح البخارى (5659)
[164] - مر تخريجه
[165] - صحيح البخارى(5675)
[166] - الطب النبوي لابن القيم ص75 .
[167] - البخاري 4/2(2738 ) ومسلم في الوصية ج 1 و 4 (1627) ومالك(1458)
[168] - برقم (2869) والترمذي (2263) والبيهقي 6/271 (12961) وهو حديث حسن.
[169] - ابن ماجه (2704) وأحمد 2/278(7958) وطب (597) وطس (3120) حديث حسن.
[170] - البخاري 2/137 و 4/5 (1419 و2748) ومسلم في الزكاة ج 92 و 93(1032) واللفظ له
[171] - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 482)
[172] - أي ما لا قيمة له .
[173] - في الوصية باب 3(2868) والفتح 5/374 والإحسان (3403) وهو حديث حسن
[174] - تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 405)
[175] - برقم ( 2269 ) وأبو داود برقم (3970) وعب (16741) وحم (22351) وك (2846) والفتح 5/374 وهو حديث حسن.
[176] - 5/427(24343) والمجمع 10/257 (3904و17879) وشرح السنة (3890) والصحيحة (813) وهو حديث صحيح.
[177] - البخاري 5/133 و 134 (6512و6513) ومسلم (950) ونص (1942و1943) وأحمد (23199).
[178] - فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 354)
[179] - برقم (7034) برقم (598) والمجمع 10/289 (17079) ومب (587) وشرح السنة (3930) والحاكم 4/315(7882) والمقاصد الحسنة ( 495) وهو حديث حسن لغيره . السنة : الجدب والقحط
[180] - برقم ( 1877 ) ونص (3172) وش (19315) وأحمد 5/318 (12607)
[181] - برقم ( 8672 ) والقضاء والقدر للبيهقي( 264) وك (3168) وهو صحيح موقوف.
[182] - برقم ( 8436 ) وتهذيب الآثار (2557) وهب (9617) والزهد لأحمد(854) والحلية 3/121 و تاريخ أصفهان 2/231 وتاريخ بغداد 1/347 والفيض 6/279 وهو حسن موقوف . وايم الله : أسلوب قسم بالله تعالى وأصلها ايمُن الله ، الابتلاء : الاختبار والامتحان بالخير أو الشر
[183] - أخرجه أبو داود برقم ( 4299) صحيح
[184] - البخاري 8/133 (65076508) ومسلم (2683-2686) والترمذي (1087و1088) وهو حديث متواتر . انظر جامع الأصول 9/595- 598.
[185] - البخاري (7504) ومسلم (2685) ومالك(573) وجامع الأصول 5/598
[186] - برقم ( 15203 ) وتهذيب الآثار (2536) والإحسان(208) وصحيح الجامع ( 1311) وهو حديث صحيح.
[187] - في فيض القدير(1500 )
[188] - الحاكم 4/319 (7900) والمجمع 2/320 وهب (9535) وإتحاف الخيرة (1831) وشرح السنة (1424) وابن المبلرك في الزهد (588) والمطالب (708 و 3094) وكشف الخفاء (948) وهو حديث حسن لغيره
[189] - برقم (2477) والنسائي 4/4 (1835) وابن ماجه (4399 ) والحاكم 4/321 (7909) وابن حبان (2559) موارد وهو حديث صحيح
[190] - المجمع 10/308 (18205) والأموال لابن زنجويه (740) والزهد هق(560) وصحيح الترغيب ( 3334 ) والإحسان (3055) وهو حديث صحيح لغيره .
[191] - برقم (4400) والحاكم 4/540 (8623) وطس (4827) وهب(7764و10154) والشاميين(1529) والحلية 1/313 وهو حديث حسن . الكيس : العقل والفطنة ،الأكياس : من الكياسة وهي تمكن النفوس من استنباط ما هو أنفع
[192] - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ : حاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ ، يَوْمَ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ.مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 270)(35600) وأخبار أصبهان(1156) وأدب النفوس للآجري(17) حسن لغيره
[193] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 519)(36419) صحيح
[194] - برقم (2647) وهـ (4401) وأحمد 4/24 (17588) والحاكم 1/57 و 4/251 (191و7639) وطب(6995و6997) وهق (6749) وهو حديث حسن.
ملاحظة : أخطأ الذهبى فى رده لتصحيح الحاكم وتابعه المناوى فى الفيض 5/ 68 والألبانى فى ضعيف الجامع (4305) لظنهم أنه مما تفرد به أبو بكر بن أبى مريم الغسانى ، وفاتهم أنه قد تابعه ثور بن يزيد وغالب عن مكحول عن ابن غنم عن شداد بن أوس وكذلك مكحول البيروتى ثنا إبراهيم بن بكر بن عمرو قال : سمعت أبى يحدث عن ثور وغالب به الإتحاف8/ 428 فتأمل يا رعاك الله واحذر التسرع فى تضعيف الأحاديث.
[195] - تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 251)
[196] - برقم (5808) المجمع 10/309 (18206) وقال رواه الطبراني وإسناده حسن.
[197] - برقم (2877) وأحمد 1/325 و 330 و 3/293(14489 و14855 و14909و14954و14588) وأبو داود (3115) وهـ (4306)
[198] - الترمذي (999) وابن ماجه (4402) ون(10834) والمجمع 2/296 و 322 والفتح 11/301 وك(2394) والصحيحة (1051) وهو حديث صحيح لغيره.
[199] - برقم (2494) موارد والإحسان (642) وهب(794) وتاريخ البخاري 8/12 والحلية 6/98 والمجمع 10/308 (18200) والصحيحة (742) وهو حديث صحيح.
[200] - 2/315 (9314) والإحسان (641) والمجمع 2/319 (3888) وصحيح الجامع (4315) وهو حديث صحيح لغيره.
[201] - 5/238(22723) وطب (16675) وهب(1063) وطيا(559) والمجمع 2/321 و 10/358 (3903و18439) والحلية 8/179 وهو حديث حسـن لغيره .
[202] - برقم ( 14405 ) والإحسان برقم (634) 2/14 و أبو عوانة 1/187 (345) والتوحيد لابن خزيمة (440) وهو حديث صحيح.
[203] - راجع شرح مسلم للنووي 17/209- 210 والفتح 13/385- 386
[204] - 11/238 (6419) .
[205] - شرح ابن بطال - (ج 19 / ص 202)
[206] - راجع الفتح 11/240
[207] - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (4243 )3/291 والفيض القدير (3844) وهو بلسان الحال لا المقال.
[208] - راجع الفتح 11/240
[209] - برقم (2143) و(2292) وأحمد 4/135 (12362و17680و22592) من طرق والآحاد والمثاني (2382) والحاكم 1/340 (2257) وهو حديث صحيح مشهور.
[210] - مسند أحمد (12214) صحيح
[211] - برقم (17680) والآحاد (2384) وأبو يعلى (3654) والشاميين(1121) ومعرفة الصحابة (4369) والضياء (1978) والمجمع 7/214(11929و11930) وهو حديث صحيح
[212] - برقم ( 4812 ) والمجمع 7/215(11933) وبنحوه عند أحمد 4/200 والحاكم 1/340 (1258) ومشكل الآثار (2202) وصحيح الترغيب (3358) وابن حبان (822) موارد وهو حديث صحيح.
[213] - مُشْكِلُ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ (2202) صحيح
[214] - برقم (4449 و6510) و الفتح و 6/16 و 8/133
[215] - جامع العلوم والحكم - (ج 38 / ص 32)
[216] - برقم (4446 و 4449 و 4450و 4451 و 5217 و 6510) الحاقنة : المنخفضة بين الترقوتين من الحلق ، الذاقنة : الذقن
[217] - برقم (982) و(998) ونص 4/6 (1840) وابن ماجه (1519) وأحمد 5/357 و360 (23666و23749) والمجمع 2/325 والحاكم 1/361 (1333) وهو حديث صحيح.
[218] - الترمذي (996) وعب (6773) وش(12011) وطب(9872) وطس(6064) وهب(9855) والمجمع 2/325 و 326 وهو حديث حسن. الرشح : العرق
[219] - برقم ( 1159 ) والجامع لأخلاق الراوي (1361) والزهد لوكيع (54) والمطالب 1/192 و 3/280 (813) وتمام (217) والفيض 3/377 وهو حديث صحيح.
[220] - التذكرة 1/14
[221] - النسائي برقم ( 10846و10847) والإحسان برقم (2991) وطب(16904و16931) وأبو داود (3121) وأحمد 5/26 و 27 (20836) وطب(16905) والحاكم 1/565 (2074) وجامع الأصول 11/84 والمسند الجامع( 11703) وش(10853) وفيه ضعف.
[222] - الفيض 3/67
[223] - برقم (916) والترمذي (992) وابن ماجه (1446) وهو حديث صحيح مشهور
[224] - أبو داود (3118) وأحمد 5/233 (22684 و22781)وابن حبان (719) والحاكم (1299) وطب (16645) وهو حديث صحيح.
[225] - أحمد 1/28 و 37 ( 192 و258 و455و1400) و الحاكم1/350 (242و1298) والمجمع 2/324 و 325 وهو حديث صحيح.
[226] - برقم (3758) وابن ماجه (3794) وابن حبان (2325) موارد و ن عمل (30 و 31 و32) وهو حديث صحيح.
[227] - 1/273 و 274 (2519) والنسائي 1/281 والبزار (88) والصحيحة (1632) وهو صحيح.
[228] - أحمد 4/125 ( 17600 ) وبز(3478) وابن ماجه (1522) وطب(7022) وطس (1027) وهو حديث صحيح.
[229] - فيض القدير (564)
[230] - 13/372 (34776) وتفسير ابن أبي حاتم ( 7418-7420) و الطبري 7/ 39 والدر 3/16 من طرق تقويه.
[231] - 2/419(9672) والمجمع 8/206و 207 (13796) والبداية 2/17 و الإتحاف10/264 وفيه انقطاع. المضرحيُّ : الأبيض من كل شيء
[232] - راجع تذكرة القرطبي ص 76 الشاملة 2
[233] - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ(12146 )
[234] - انظر فتاوى الشبكة الإسلامية رقم الفتوى ( 20657 )
[235] - تفسير ابن كثير 8/334 و8/312 وهو صحيح ومثله لا يقال بالرأي
[236] - أي مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ
[237] - برقم (2872) في الجنة موقوفاً، ومثله لا يقال بالرأي.
[238] - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 285)(3014) وعذاب القبر برقم (45) وأحمد 2/364 وصحيح الترغيب (3559) ون (11926) والحاكم 1/352 وهو حديث صحيح. المسح : قطعة من الصوف الغليظ ، الجِيفَة : جُثة الميت إذا أنْتَن
[239] - أي يظهر ويلقي حكمه 1 هـ السندي على ابن ماجه 2/566،وهذا من أحاديث الصفات التي يجب الإيمان بها، ولا نتعرض لها بتأويل أو تحريف، والله تعالى منزه عن المكان والحيز ... راجع الفتح الرباني شرح مسند أحمد 7/72 – 73
وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 5 / ص 341) :ادخلي أي في السموات العلى أو في عبادي أي محل أرواحهم حميدة أي محمودة أو حامدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا تزال أي هي يقال لها ذلك أي ما ذكر من الأمر بالدخول والبشارة بالصعود من سماء إلى سماء حتى تنتهي أي تصل إلى السماء التي فيها الله أي أمره وحكمه أي ظهور ملكه وهو العرش وقال الطيبي أي رحمته بمعنى الجنة وتبعه ابن حجر
[240] - أشياء سيئة جداً من هذا القبيل يعاقبون بها نفسه 7/73
[241] - برقم (4403) وأحمد 2/344 و 345 والطبري 8/129 والبيهقي في عذاب القبر (44) والنسائي ( 11378 و11925) وتهذيب الآثار (176) وهو حديث صحيح.
[242] - برقم ( 6703 ) و المجمع 2/328 (3932) وقال : ورجاله ثقات ، قلت : وفيه لين ، ومثله لا يقال بالرأي
[243] - 13/348 برقم (34694) وإسناده صحيح موقوف ، ومثله لا يقال بالرأي
[244] - تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 177)
[245] - تفسير السعدي - (ج 1 / ص 171)
[246] - الترمذي (3880 ) وحم 2/132 (6304) وابن ماجه (4394) وهب (6799) وع (5586) والإحسان (630 ) وهو حديث صحيح. يغرغر : تبلغ روحه الحلقوم
(3) 3/425 (15898) وهو حديث ضعيف.
[247] - مسند أحمد (15898) فيه ضعف
[248] - برقم (22143و22144) والحاكم 4/257 (7660) وتهذيب الآثار ( 1950)وبز ( 4056) والإحسان (628و629) والمجمع (17512) وإتحاف المهرة (166 ) وهو حديث حســن لغيره
[249] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 14 / ص 125) فما بعدها
[250] - برقم (919) وأبو داود (3115) والترمذي (993) ونص(1836) وابن ماجة (1514) وأحمد 6/291(27367) أعقب : بدل وعوض
[251] - برقم (918) وأحمد (16784 ) و 6/309(و27480) ومالك (564)
[252] - المنتقى - شرح الموطأ - (ج 2 / ص 59)(498 )
[253] - فلذة كبده وزهرة حياته.
[254] - أي قال: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون.
[255] - برقم (1037) وشرح السنة 5/456(1514) وصحيح الترغيب (3490) والإحسان (3110) وهو حديث حسن لغيره.
[256] - تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 78)
[257] - أحمد 3/3 (11915) والمجمع 2/398 و 3/21 وفي سنده جهالة وله شاهد عند الديلمي (6098) عن أنس.
[258] - 2/108 و 124 (1314 و1316و1380) وأحمد 3/58 (11682) والإحسان (3103)
[259] - البخاري (1315) ومسلم (944)
[260] - شرح ابن بطال - (ج 5 / ص 330)
[261] - في إثبات عذاب القبر (33) موقوفاً وله شواهد كثيرة تقويه ومثله لا يقال بالرأي.
[262] - أبو داود(3161) وفيه ضعف
[263] - صحيح البخارى(1315 )
[264] - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 12 / ص 222) و حاشية ابن عابدين 1 / 572 ، والفواكه الدواني 1 / 330 ، ومغني المحتاج 1 / 332 ، وشرح روض الطالب 1 / 298 ، 299 ، وكشاف القناع 2 / 84 .
[265] - 22/36و 25/75 وابن كثير 7/254و255 من طرق تقوي بعضها.
[266] - 22/35 و 25/75 وهو حديث صحيح مرسل وله شواهد تقويه.
[267] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 13 / ص 373)(35930) حسن
[268] - الحاكم 2/449 (3679) ، وش(34779) ون(11840) والشعب (3141) والزهد لوكيع (81) وابن المبارك ( 438) وإسناده صحيح موقوف ، ومثله لا يقال بالرأي .
[269] - الحاكم 1/354 و 362 (1307 و1340) والطبراني (924 و8004) وهب(8962 و8964) وصحيح الترغيب (3492) والمجمع 3/21 وهو حديث صحيح.
[270] - 1/377 و 4/330 (1395 و7941) وهب (8984) وفيه انقطاع. خال من الحياة، فانٍ .
[271] - التَّرْغِيبُ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُ ذَلِكَ لِابْنِ شَاهِينَ (470 ) فيه مبهم
[272] - فيض القدير:- 4554 -
[273] - برقم (1529) وأحمد 6/119 (28017) عن معاوية بن حديج والمجمع 3/ 21 (4070) والترغيب في فضائل الأعمال(414) والحلية 6/192 وهو حديث ضعيف ,
[274] - حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 3 / ص 246)
[275] - البخاري 2/11(1325) ومسلم (945) وأحمد 2/401 (9446)،
[276] - شرح الأربعين النووية - (ج 1 / ص 259)
[277] - فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 75)
[278] - برقم (47) وأحمد 2/43 (9798) ونص(5049)
[279] - ومسلم (1028) ون(8053) والبيهقي 4/189 (8082) وابن خزيمة ( 1954)
[280] - سنن أبى داود (3186) ضعيف
[281] - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 450)(3177) وأحمد 10 / 106 - 107 ط دار المعارف . وقال أحمد شاكر : إسناده حسن
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَوْلُهُ r لِفَاطِمَةَ : لَوْ بَلَغْتِ مَعَهُمُ الْكُدَى مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ يُرِيدُ مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ الْعَالِيَةَ الَّتِي يَدْخُلُهَا مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ مَا نَهَى رَسُولُ اللهِ r عَنْهُ ، لأَنَّ فَاطِمَةَ عَلِمَتِ النَّهْيَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَالْجَنَّةُ هِيَ جَنَّاتٌ كَثِيرَةٌ لاَ جُنَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَالْمُشْرِكُ لاَ يَدْخُلُ جَنَّةً مِنَ الْجِنَّانِ أَصْلاً لاَ عَالِيَةً وَلاَ سَافِلَةً وَلاَ مَا بَيْنَهُمَا.
[282] - ابن عابدين 1 / 208 ، 304 ، 624 ، وشرح مسلم 1 /188و 504 و الشرح الصغير طبعة دار المعارف 1 / 566 ، وغاية المنتهى 1 / 246 ، ونيل الأوطار 4 / 95 والهندية 1 / 159 ، والفتح 3 / 125 والغاية 1 / 240 ،
[283] - في الجنائز ج 58 (947) ونص4/75 (2003و2005) وأحمد 3/266 (14156و24856) أمة، جماعة
[284] - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 366)
[285] - في الجنائز برقم (948) وطس (9146) والبيهقي 3/381(5829)
[286] - فيض القدير، (ج 12 / ص 279)
[287] - برقم (3168) ومشكل الآثار (228) والترمذي (1028) وابن ماجه (1490) وهو حديث حسن.
[288] - برقم (973) وبرقم(2297) المكنز وأبو داود (3192) والترمذي (1050)
[289] - البخاري 2/108 (1315) ومسلم في الجنائز ح50(944) ، وأبو داود (3183) ونص (1921-1922) وأحمد 2/240(7469و7473) والترمذي (1031) وهـ(1544)
[290] - أبو داود (3184) وهق (7096) وك (5884) وإسناده صحيح ، وبنحوه حديث إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلا تَحْبِسُوهُ ,وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ , وَلْيُقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ , وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَبْرِهِ.أخرجه الطبراني برقم ( 13438) وحسنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري لابن حجر - (ج 4 / ص 371) وهو حسن لغيره
[291] - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 16 / ص 12) فما بعد ابن عابدين 1 / 623 ، والبحر 2 / 191 ، والمجموع 5 / 270 ، والطحطاوي على مراقي الفلاح 352 ، وغاية المنتهى 1 / 246 .وفتح الباري 3 / 119 والشرح الصغير 1 / 226 ، وشرح البهجة 2 / 82 ، والهندية 1 / 159 .
[292] - 1/367 (1356) وهب (9542) والمجمع 3/42 (4226) وفضائل الصحابة (504) وهو حديث حس،.
[293] - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 1 / ص 103)
[294] - برقم (5283) والمجمع (4227) وفيه ضعف
[295] - برقم (2297و2299) وحم (22629) وك (127) وطب(18160) وهب(9541) وبز(1889) والمقاصد (71) وهو حديث صحيح.
[296] - هـ(4404) وك1/42 و 367 (122و124) وطب(10249) وهب(9540) وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا
[297] - برقم ( 15833 ) وابن معين في تاريخه (5238و5413) والتلخيص الحبير (786) وسكت عليه والمجمع 3/44 (4243) وقال : ورجاله موثقون. وهو حديث حسن ، فيه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الْعَلاءِ بن اللَّجْلاجِ تابعي سكت عليه البخاري وابن معين وأبو حاتم الرازي
[298] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 329) (11815- 11826)
[299] - 20/59 و 69 و 128 (4916و5107) وصحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 376)(3109) والمجمع 3/44 والحاكم 1/366 (1353) وطب(570) وهق (7311) وهو حديث صحيح.
[300] - برقم (6465) وابن لأبي شيبة (29842) وهو حسن لغيره
[301] - برقم ( 7906 ) و المجمع 2/324 (3918و4238) ودعا طب (1116) والمقاصد(346) ونيل الأوطار 4/89 والتلخيص الحبير 2/136(797) حسن لغيره
[302] - البدر المنير - (ج 5 / ص 333) فما بعدها
[303] - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 1 / ص 133)
[304] - المجموع شرح المهذب - (ج 2 / ص 94)
[305] - برقم (121) وحم (18254) وك (5906) وهق (7318) وعوانة (156) ومعرفة الصحابة (4454) وجامع الأصول مطولاً 9/104 و 105 - مخاصم : مسئول ومقاضَى، اللحد : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت ، وقيل الذي يحفر في عرض القبر ، الجَزُور : البَعِير ذكرا كان أو أنثى، إلا أنَّ اللَّفْظة مُؤنثة، تقول الجَزُورُ، وَإن أردْت ذكَرا، والجمْع جُزُرٌ وجَزَائر
[306] - السنن الكبرى للبيهقي(ج 3 / ص 409)(6973) والمستدرك للحاكم(3433) ضعيف
[307] - السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 55)(7312) ضعيف
[308] - راجع التفاصيل في مغني المحتاج 1/367 والإنصاف4/349وكشاف القناع 20/157 والفقه الإسلامي وأدلته لأستاذنا الزحيلي 2/536 – 537 ، وفقه السنة 1/247 ويسألونك في الدين والحياة 4/107
[309] - انظر الموسوعة الفقهية (ج 13 / ص 296) والمغني والشرح الكبير 2 / 385 ، والفتاوى الهندية 1 / 157 ، ومغني المحتاج 1 / 330 ، والزيلعي 1 / 134 ، وانظر : الفقه الإسلامي وأدلته(ج 2 / ص 677) و فتاوى الأزهر(ج 5 / ص 467) تشييع النساء للجنازة وتلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 5 / ص 497) ما يشترط فى تلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 6 / ص 3) تلقين الميت وفتاوى الأزهر(ج 8 / ص 303) تلقين الميت
[310] - مجموع الفتاوى لابن تيمية (ج 24 / ص 296) وانظر (ص 497) ففيه نحوه
[311] - الروح لابن القيم (ج 1 / ص 5) وانظر التفاصيل في كتابي ( الخلاصة في أحكام الحديث الضعيف)المثال الثالث -تلقينُ الميت
[312] - القراءة على القبور للخلال (1-13) ومثله في الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيُ عَنِ الْمُنْكَرِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْخَلَّالِ رقم(243- 253)
(14) الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 16 / ص 42) و انظر المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 108)(15833 ) والقراءة على القبور(1) وهو حسن موقوف ، ورفعه الطبراني
[313] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 16 / ص 42) و انظر المعجم الكبير للطبراني - (ج 14 / ص 108)(15833 ) والقراءة على القبور(1) وهو حسن موقوف ، ورفعه الطبراني
[314] - قلت : هذا الحديث موضوع فلا يحتج به
[315] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 33 / ص 59) وحاشية ابن عابدين 1 / 605 ، 607 ، والقليوبي وعميرة 1 / 351 ، وكشاف القناع 2 / 147 وحاشية الدسوقي 1 / 423 ، والشرح الصغير 1 / 228 .
[316] - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 32 / ص 255) وحاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 605، 607، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 423، والقليوبي وعميرة على شرح المحلي 1 / 351، وكشاف القناع 2 / 147 وفتاوى الشبكة الإسلامية (ج 4 / ص 4734) وانظر الفتوى رقم: 24019 ، والفتوى رقم: 15281 ، والفتوى رقم: 8268. و تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية - (ج 3 / ص 343) وأنوار البروق في أنواع الفروق - (ج 6 / ص 105)
وانظر للتفاصيل كتابي ( الدفاع عن كتاب رياض الصالحين) باب تعجيل قضاء الدَّيْن عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن يموت فجأة فيترك حتى يُتيقن موته 23- ( 944 )
[317] - 6/55 (25015و25400) والمجمع 3/46 (4255) وهب(425) الصحيحة (1695) وله شاهد عن جابر عند أحمد 3/360 و 377 وعن ابن عباس عبد ابن سعد 3/430 وهو حديث صحيح مشهور.
[318] - سير أعلام النبلاء (1/290)
[319] - نص 4/100 و 101 (2067 ) ون (2193) وطب(5195) وطس (1774) وابن سعد 3/430 والبيهقي في عذاب القبر (122) وهو حديث صحيح.
[320] - شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 292)
[321] - برقم (3765) والمجمع 3/47 (4259) والسنة لعبد الله عن أنس(1310) والصحيحة (2164) و الإتحاف9/225 و 10/423 وهو حديث صحيح
[322] - السَّنَّةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ (1310 ) صحيح
[323] - السَّنَّةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ (1311 ) صحيح
[324] - مُسْنَدُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ (999- 1000) حسن
[325] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (98 ) ضعيف
[326] - مَعْرِفَةُ الصِّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ (272 ) وتَارِيخُ الْمَدِينَةِ لِابْنِ شَبَّةَ (340 ) حسن لغيره
[327] - فيض القدير - (ج 11 / ص 447)(7426)
[328] - برقم (2648) وهب (430و(840) والمقاصد(147) و العلل (1883) والتلخيص الحبير 2/101 والديلمي (213) والحاكم 4/321 والترغيب 4/237 وجامع الأصول برقم (8696) وفي سنده ضعف ولكن له شواهد تحسنه انظر الترغيب 4/238 والمجمع 3/46 والحلية 6/90 و الإتحاف10/397 والتذكرة 1/118-119
(1) يسأله الملكان من ربك وما دينك وما هو دستورك ومن هو رسولك ؟
[329] - في الجنائز برقم (3223) والحاكم 1/370 (1372) وبز(445)وشرح السنة 5/418 وهو حديث صحيح.
[330] - برقم (3235) ونص(1945) والترمذي وأحمد 2/498 و 528 (7763 و10274وو11123) وهو حديث صحيح.
[331] - سنن النسائى (1945) صحيح
[332] - البخاري في الجنائز باب 86(1367) ومسلم (949)
[333] - نيل الأوطار - (ج 6 / ص 196) فما بعد
[334] - والإحسان (3090) وأحمد 2/408 و 3/242(9523و13889) والفتح ح(1279) والحاكم 1/378 (1398) وهب(9244) وهو حديث صحيح ،
[335] - برقم ( 23220) وك (1348) والطيالسي(623) والإحسان (3122) وهو حديث صحيح.
[336] - أبو داود (4902) وت(1035) وك (1421) وطب(13423و470 و845 و850) وهق (7440) والإحسان (3084) والآداب له (282) والمقاصد الحسنة (84) وهو حديث حسن لغيره.
[337] - انتهوا إلى نتيجة أعمالهم.
[338] - 2/129 و 8/132(1393 و6516) ونص 4/53 (1948)وت(2210) وش(11986) وحم(18701و18702و26212) وطب(7126و 17389) والبيهقي 4/75 (7438) و الحاكم1/385(1419) والإحسان (3085 و3086) وهو صحيح مشهور
[339] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 24 / ص 143) والفتاوى الحديثية ص 110 ط الميمنية ، والأذكار ص 141 ، نيل الأوطار 4 / 123 ط مصطفى الحلبي .
[340] - البخاري 2/123 ( 1049 و1055و1372و6366) ومسلم (903) ومالك (450) ونص 3/56(1487) وأحمد 6/174(25000و26161 و26761)
[341] - برقم ( 10307 ) المجمع 3/56 (4291) وتاريخ أصفهان 1/198(704) و إسناده حسن.
[342] - برقم (2478) وأحمد1/63 (463 ) وهـ (4408) وهق (7315) وهب (426) وإثبات عذاب القبر (27و196) وهو حديث حسن صحيح
[343] - البخاري 2/124(1379 و 3240 و 6515) ومسلم (2866) ومالك (570) وأحمد 2/113(6068)
[344] - انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 39 / ص 249) فما بعدها والروح لابن القيم ص 50 ، والفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي ص 121 ، وإحياء علوم الدين 4 / 421و422 ، ومجموع فتاوى ابن تيمية 4 / 292 ، 296 ، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني 2 / 25 ، وأسنى المطالب 1 / 297 ، وفتح الباري 3 / 233 ، ومغني المحتاج 1 / 329 والأربعين في أصول الدين للغزالي ص 276 وإتحاف السادة المتقين 10 / 376-379 و الروح ص 50 و مختصر منهاج القاصدين ص 499 ، 500 .
[345] - 3/38 (11642) وابن أبي شيبة 13/175 (34181) ومي (2871) والمجمع 3/55 والإحسان (3186) وهو حديث حسن.
[346] - ابن حبان برقم (3187) وأبو يعلى برقم (6506) وصحيح الترغيب (3552) وهو حديث حسن و إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ(22 و23) صحيح
[347] - برقم (6762) والمجمع (4262) وصحيح الترغيب (3553) وهو حديث حسن ، بِفِيهِ الْحَجَرُ أي يلقم الفتان الحجر، كأنه أفحم وأرتج عليه.
[348] - في معجمه (82) و المجمع 3/53 وصحيح الترغيب (3554) وهو صحيح لغيره
[349] - البخاري 2/123 ( 1374 ) ومسلم (2870) نص 4/96 و 97 (2061و2062و2063) وأبو داود (3233و4754)
[350] - أي ثبتك على الحق وأنطقك بالحكمة، اللهم ثبتنا على الحق.
[351] - المذبذب غير ثابت الإيمان، كثير العصيان. وهذه رواية البخاري وأحمد
[352] - فيزجره.
[353] - برقم (4753) و النسائي (2059) وأحمد (12605و13753) وإثبات عذاب القبر (14) وهو صحيح.
[354] - الدجال: رجل يهودي يدعي الألوهية في آخر الزمن، ويحدث فتنة شديدة في العالم الإسلامي، فيتبعه كثير من الناس ويعصم الله المؤمنين الصادقين من رجسه، ثم يحاصر المهدي في فلسطين، وأخيراً ينزل عيسى بن مريم عليه السلام من السماء فيقتله هو وأتباعه في فلسطين عند مدينة اللد، وهذا من علامات الساعة الكبرى التي ورد الخبر اليقين بها ... راجع جامع الأصول 10/327- 362 وكتابي علامات الساعة الكبرى (مخطوط).
[355] - المشغوف : الفزع الذي يذهب القلب.
[356] - 6/136 و 140 (25831) ومشكل الآثار (4523) والمجمع (4365) والسنة لعبد الله (1322) وصحيح الترغيب (3557) وإسناده صحيح.
[357] - أي إلى الآن لم يدفن.
[358] - في هدوء وسكون كأنا نطرق لصيد الطير.
[359] - 4/287 و 6/362 (19038 -19040) وأبو داود (3214 و4755) وش(11523 و12058) والحاكم (107و113 و414) وتهذيب الآثار (171 -174) وهب(423) والطيا(782) والترمذي (3604) والمجمع 3/49 و 56 (4266) وإتحاف الخيرة (1850 ) وإثبات عذاب القبر (18 و32) من طرق عنه و مسند الطيالسي(789) صحيح وهو حديث صحيح.
[360] - الإحسان ( 3078) و صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 285)(3014) وصحيح الترغيب (3559) وهو حديث صحيح
[361] - برقم (1092) والإحسان (3182)وإثبات عذاب القبر (44) والسنة لابن أبي عاصم (717) والآجري (851) وهو حديث صحيح
[362] - الضيقة الشديدة
[363] - الظاهر أن المراد فاقد البصر كما في قوله تعالى :{ نَحْشُرُهُمْ * يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا }[ الإسراء : 97 ]
[364] - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 380)(3113) والإحسان (3178) وإثبات عذاب القبر (54 و119) والاعتقاد للبيهقي (157) وهناد (332) وهو حديث صحيح.
[365] - السعي بالإفساد بين الناس، ولإيقاع التدابر بين المسلمين وإيجاد التخاصم والشقاق، بنقل الحديث على وجه السعاية والدس والكيد.
[366] - يقضي حاجته على الطريق، وتظهر عورته للناس.
[367] - البخاري 1/65 و 2/119 و 124 و 8/20 (216 و218 و1361 و 1378و6052 و 6055 ) ومسلم (292).
[368] - راجع فتاوى الشبكة الإسلامية (12861و 20611و 24505 )
[369] - برقم (375) وش (1306) وك (653) والتلخيص الحبير (136) نص(1353) وحم (25056) وهو صحيح
[370] - الإحسان برقم (825) و صحيح ابن حبان - (ج 3 / ص 106)(824) وصحيح الترغيب (163و2823) وهو حديث صحيح
[371] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ(20 ) حسن
[372] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (195 ) صحيح
[373] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (196) حسن
[374] إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (197) حسن
[375] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (198 ) حسن
[376] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (199) حسن
[377] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (200 ) حسن
[378] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (201) صحيح
[379] - إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ لِلْبَيْهَقِيِّ (202) صحيح موقوف
[380] - مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 282) فما بعدها
[381] - نص 4/99 (2065) ون (2191) ومعرفة الصحابة (6583) وهو حديث صحيح
[382] - برقم (1913) والمقصود بالصيام صيام التطوع.
[383] - برقم (2872) والمجمع 5/289 و 290 وطب (7353و7737 و15197 و1312) وعوانة (6010) والشاميين(1918) وأحمد 4/57 و 5/440 (17897) وهو صحيح لطرقه.
[384] - برقم (18807) والإحسان برقم (2995) والنسائي 4/98 والترمذي (1085) وطب(3995و3998و4002و6368) وهو حديث صحيح.
[385] - التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة - (ج 1 / ص 188)
[386] - في فضائل القرآن برقم (223و224) والمجمع 7/128 والترغيب 2/238 والدر 6/247 وهو حديث صحيح موقوف ومثله لا يقال بالرأي.
[387] - 2/169 (6739) والترمذي (1095) والمجمع 2/319 والترغيب 4/173 وإثبات عذاب القبر (135 و136 و137 و138 وجامع الأصول 9/272 وهو حديث حسن لغيره .
[388] - انظر شرح الصدور 208- 211
[389] - الآحاد والمثاني (2734) صحيح.
[390] - مسند أحمد (17645) ومسند الشاميين (1120) صحيح
[391] - مسند الشاميين(1163) صحيح
[392] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 5 / ص 330)(19815) صحيح لغيره
[393] -صحيح البخارى(6376 )
[394] -المستدرك للحاكم (1984) صحيح
[395] - صحيح ابن حبان - (ج 7 / ص 343)(3074) صحيح
[396] - المستدرك للحاكم(1816) صحيح
[397] - سنن الترمذى(3922 ) صحيح
[398] - البخاري 2/102 (1287 و 1290 و1292 ) ومسلم في الجنائز 17 (927و932) ومالك(559) والترمذي (1022) ونص(1867) وش (12113-12126) وهو حديث صحيح مشهور .
[399] - برقم (1019) وهـ (1662) وشرح السنة 5/444 وهو حديث حسن.
[400] - المستدرك للحاكم (3755) صحيح
[401] - في المستدرك 1/383 برقم ( 1415 ) والإحسان (1487) وصحيح الترغيب (3525) والصحيحة (412) وهو حديث صحيح.
[402] - 2/362 (8980) وع(6003) وطيا(2570) والمجمع 3/13 (4015) وإتحاف الخيرة (1985) وهو حديث حسن.
[403] - ابن ماجه (1648) وهو حديث صحيح ومسلم (934) بنحوه -والقطران النحاس المذاب.
[404] - في الجنائز ح 10(922) وش(12117) وطب(19096) وهق (7360) -قَوْلهَا : ( تُسْعِدنِي ) أَيْ تُسَاعِدنِي فِي الْبُكَاء وَالنَّوْح .
[405] - البخاري (1299و1305) ومسلم (935) وأبو داود (3122) نص 4/15(1858) وحم (27118) وك (4349) وهق (7336)
[406] - البخاري 2/103 و 104 و 4/223 (1294 و1297و 1298 و 3519 )ومسلم في الإيمان ح 165 (103)
[407] - ابن ماجه (1652) وش (11343) والصحيحة (2147) وشرح السنة 3/290 وهو حديث حسن.
[408] - البخاري 2/99 و 7/76 و 79 (1280 و1281 و5334و 5339 و 5345 ) ومسلم في الطلاق باب 9 ح(58 و 59 و 62 و 63 و 65 (1486و1487) وأبو داود (2301) وهوحديث مشهور.
[409] - في الإمارة ح17(1826) وأبو داود (2870) ونص6/255 (3682) ون(6461) وك(7017)
[410] - البخاري 4/212 و 8/20 و 249 و 9/76 (2766 و 5764 و 6857 ) ومسلم (89) وأبو داود(2876) ونص(3686) وهق (13042)
[411] - انظر تفسير ابن كثير عند تفسير الآية (220) من سورة البقرة
[412] - في الجنائز ح 108 (976) وابن ماجه (1639) وأحمد 2/441(9939)
[413] - 3/ 38 (11637) ونص 8/311 والمجمع 3/57 و58 (4299) وش (11808) وهو حديث صحيح.
[414] - برقم (1638) ونص 8/311 (5670) والبيهقي 2/76 (7444) و الحاكم 1/376 (1387 و1393 ) وحم (1249 و4407و23707و23719و23754) من طرق كثيرة وهو حديث صحيح مشهور
[415] - برقم (1076) وأبو داود (3236) والنسائي 4/95 و أحمد 1/229 و 287 (8673 و8676) وعب (6705) وطب(3511 و3512) وصحيح الترغيب(3545) وابن أبي شيبه 2/376 والبيهقي 2/78 وهو حديث صحيح لغيره
[416] - الفيض (8062) ودليل الفالحين (3583) والاستذكار 1/184 وهو حديث حسن
[417] - تفسير ابن كثير - (ج 6 / ص 324)
[418] - برقم (1719) وفيه جهالة ، وله شواهد بنحوه عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وبريدة انظرها في جامع الأصول 11/154 – 158
[419] - 6/202 (26408) والحاكم 3/61 (4402) والمجمع (12704) وهو حديث صحيح
[420] - راجع كتاب عائشة أم المؤمنين للأستاذ عبد الحميد طهماز ط دار القلم
[421] - البخاري 1/118 و 6/9 و 101 (433و3380 و 3381 و 4419 و 4420 و 4702 و6994 ) ومسلم (2980) وعبد الرزاق (1623و1624) وطب (13478) والبيهقي 2/451(4542) وغيرهم.
[422] - فتح الباري لابن حجر - (ج 2 / ص 157)
[423] - برقم ( 457و460) وطس (11502و11533) وهب(95) والمجمع 10/333 (16807 و16808و18324) وإتحاف الخيرة (6118) وخيثمة ص 197 وأمالي ابن بشران (743) والبعث والنشور (78 و79) والمطالب العالية (3478) والترغيب 2/416 وابن كثير 5/583 و 6/537 وتاريخ جرجان 325 والخطيب 1/266 و 5/305 و 10/265 وابن عدي 4/1582 وهو حديث ضعيف وله طرق
[424] - راجع فتاوى الشبكة الإسلامية (5398)
[425] - برقم (3331) و مسند البزار(6888) والمجمع (13812) وإتحاف المهرة (6531) وحياة الأنبياء للبيهقي (1و2و3 )والمطالب 2/269 والفتح 6/487والميزان (1933) والصحيحة (621) وهو حديث صحيح
[426] - برقم (3133) وطب (12630) ودلائل النبوة (2965) وإثبات عذاب القبر (129) ومختصر قيام الليل (184) والحاكم 2/498 وهو حديث ضعيف وصح منه المرفوع فقط ، فأكثر من قراءتها لتنجيك من عذاب القبر.
[427] - وفي الاستيعاب : حارثة بن النعمان بن نفع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك ابن النجار الأنصاري يكنى أبا عبد الله شهد بدراً وأحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله r وكان من فضلاء الصحابة....
[428] - أحمد 6/152 (25926) والحاكم 4/151 (7247) ون(8176) والإحسان (7141) وهب (7606) وخلق أفعال العباد (246) وهو حديث صحيح.
[429] - برقم (164) ومسلم مختصرا برقم (2805) وابن ماجه (1474) والنسائي 4/33 والخطيب 4/160 و 6/80 والعقيلي 2/55 (581) وعب (6209) وهب(8965) والصحيحة (1425) وابن عدي 5/1760 وتاريخ أصفهان 2/346 وهو حديث صحيح لغيره.
[430] - 4/359 (19695) ومعرفة الصحابة (6566) والمجمع 1/42 (116) وتنزيه الشريعة 2/361 وهو حسن لغيره.
[431] - وهو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه الصحابي الجليل وهو الذي استشهد بغزوة مؤتة وكان أحد قوادها الثلاث انظر الأعلام وسير أعلام النبلاء.
[432] - برقم (4130) وطب(1449و2609) والإحسان (7172) ومعرفة الصحابة (1341) والمجمع(15496) والحاكم 3/209 والصحيحة (1226) من طرق وهو حديث صحيح.
[433] - راجع السلسلة الصحيحة 2/190- 191
[434] - برقم ( 32210 ) والترمذي (1063) ونص(2021) وهـ(1621) وحم(16676) وعب (6386) وطب (2269-2280) من طرق وهو حديث صحيح لغيره
[435] - برقم ( 1817 ) وأبو داود (3217) ونص (2023و2027و2028) وهـ (1627) وحم (16688) وغيرهم وهو صحيح
[436] - برقم ( 6970)وأبو داود (2877) وتهذيب الآثار (1567) عن ابن عمر وهق (6970 و6971) حسن لغيره
[437] - برقم ( 1355) والإرواء (747) وهو صحيح
[438] - برقم ( 2805 ) ود (3150) وت (1011) ونص (1906)
[439] - برقم ( 6961) والضعيفة (1763) والصواب أنه مرسل
[440] - برقم ( 966 )
[441] - برقم ( 1632 ) وطب(64) وهو حديث صحيح
[442] - برقم (3222) والحاكم (1368) وهق (7006) وفيه ضعف
[443] - برقم ( 3208 ) وهو حديث حسن
[444] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 32 / ص 251) فما بعدها
[445] - سنن أبى داود(3208 ) حسن
[446] - حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 425، وروضة الطالبين 2 / 136، وحاشية القليوبي على شرح المحلي 1 / 351، وكشاف القناع 2 / 138، 139 .
[447] - صحيح مسلم(2289 )
[448] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 3 / ص 335)(11864) صحيح
[449] - حاشية ابن عابدين 1 / 601 - 602، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 425، وحاشية القليوبي وعميرة على المحلي 1 / 350، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 140 .
[450] - برقم( 1618) وفيه ضعف
[451] - برقم ( 1478 ) وطس (6325) والتلخيص (793) صحيح مرسل
[452] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 32 / ص 249)
[453] - أخرجه ابن ماجه ( 1 / 495 ) ، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة ( 1 / 274 )
[454] - أخرجه البزار ، ( كشف الأستار 1 / 397 ) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 3 / 45 ( 4249 ) : " رجاله موثقون إلا أن شيخ البزار محمد بن عبد الله لم أعرفه "
[455] - أخرجه الهيثمي ( 3 / 411 ) معضلاً .
[456] - حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 601، وحاشية القليوبي وعميرة على المحلى 1 / 351، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 138 .
[457] - حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 424، وحاشية القليوبي 1 / 350، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 138 .
[458] - في الجنائز باب 33 (971) وأبو داود (3230) ونص(2056) وابن ماجه (1633)
[459] - برقم (1634) وصحيح الجامع (5038) وهو حديث صحيح.
[460] - بالجلوس على قبره لإهانته.
[461] - يسبب لك عذاب الله في الآخرة بسبب هذا الجلوس.
[462] - برقم ( 6502) ومعرفة (4436) والفتح 3/225 وصحح إسناده والصحية(2960) وهو حديث صحيح
[463] - برقم (3209) وابن ماجه (1684) وأحمد 6/105 (25476) والبيهقي 4/508 (7330) والإحسان (3234) وهو حديث صحيح.
[464] - صحيح مسلم(2295)
[465] - شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 394)
[466] - برقم ( 969 ) وأحمد(752)
[467] - برقم ( 970 ) وعب(9489) وش(11763)
[468] -الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 8 / ص 211)
[469] - مغني المحتاج 1 / 364 ، وبلغة السالك 1 / 427 .
[470] - صحيح البخارى(1330 ) ومسلم (1212)
قَوْله ( مَسَاجِد ) أَيْ قِبْلَة لِلصَّلَاةِ يُصَلُّونَ إِلَيْهَا أَوْ بَنَوْا مَسَاجِدَ عَلَيْهَا يُصَلُّونَ فِيهَا وَلَعَلَّ وَجْهَ الْكَرَاهَة أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى عِبَادَة نَفْس الْقَبْر سِيَّمَا فِي الْأَنْبِيَاء وَالْأَحْبَار .شرح سنن النسائي - (ج 3 / ص 284)
[471] - برقم (1094) وابن ماجه (1670) وابن عدي 5/1838 و 6/2113 والحلية 7/164 والخطيب 4/25 و 11/451 والبيهقي 4/95 وشرح السنة 5/458 وهو حسن لغيره،
[472] - برقم (1669 ) حسن لغيره
[473] - أسنى المطالب 1 / 334 ، ومغني المحتاج 1 / 355 ، وحاشية الدسوقي 1 / 419 ، وحاشية ابن عابدين 1 / 603 .
[474] - مغني المحتاج 1 / 354 ، 355 ، والمغني 2 / 543 - 545 ، وحاشية الدسوقي 1 / 419 ، 603 ، وحاشية ابن عابدين 1 / 603 - 604 .
[475] - أخرجه البخاري ( الفتح 3 / 146 ط السلفية ) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها .وصحيح مسلم (3798 )
[476] - المجموع 5 / 306 .
[477] - الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 339 .
[478] - الدسوقي 1 / 419 .
[479] - كشاف القناع 2 / 160 .
[480] - الأثر عن الإمام أحمد . رواه أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 138 - 139 نشر دار المعرفة .
[481] - السنن الكبرى للبيهقي (ج 4 / ص 60)(7342 ) ضعيف
[482] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 12 / ص 287) فما بعد ومغني المحتاج 1 / 355 ، وابن عابدين 1 / 603 ، والمغني 1 / 544 - 545 ، وحاشية الدسوقي 1 / 419 .
[483] - برقم (3134) والترمذي برقم ( 1014 ) وابن ماجة (1678) وأحمد برقم (1778) والحاكم (1377) وطب(1454) وهق (7347و7348) وهو حديث حسن صحيح
[484] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 5 / ص 120) وابن عابدين 1 / 603 ، والدسوقي 1 / 419 ، والمغني 2 / 550 ، وقليوبي 1 / 353
[485] - الفقه على المذاهب الأربعة - (ج 1 / ص 851)
[486] - برقم ( 7084) وهو حديث صحيح
[487] - برقم (1294 و 1297 و 1298 و 3519 ) ومسلم (103) والترمذي (1015) وابن ماجة (1651)
[488] - برقم (104) وابن ماجة (1653)
[489] - شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 212)
[490] - 1/371 ( 1375 ) وطيالسي( 2113) وإتحاف الخيرة ( 7146) والمطالب (3222) والمجمع 10/252 وهو حديث صحيح لطرقه
[491] - البخاري (6514) ومسلم (2960) والترمذي (2553) وأحمد(12408)
[492] - برقم (1631) والبخاري في الأدب المفرد (38) وأبو داود (2882) والترمذي (1432) ونص(3666) وحم(9079) والدعا طب (1152- 1158).
[493] - 5/261(22906) وطب(7737) والمجمع 1/167(768 و4758) والفيض(850) والترغيب 1/119 وهو حديث صحيح لشواهده.
[494] - برقم (1017) ونص (2566) وحم(19674و19693)
[495] - راجع فتاوى الشبكة الإسلامية رقم ( 29016)
[496] - والحلية 8/224 وعساكر 59/ 290والصحيحة (1335) وإسناده صحيح.
[497] - برقم (249) وصححه ابن خزيمة (2293) وصحيح الترغيب ( 77) و الحلية 2/344 والمجمع 1/167 وهب(3494) وهو حديث حسن لغيره
[498] - أحمد 2/209 ( 10890 ) وهـ(3791) وهق 7/79 والمجمع 10/210 (17595) وهو حديث حسن
[499] - صحيح ابن حبان - (ج 2 / ص 162)(418) وشعب الإيمان للبيهقي(7724 ) حسن لغيره
[500] - في الوصايا باب إذا قال: أرضي أو بستاني صدقة،( 2756 و 2762 و 2770 ) ود(2884) وت(671) وحم (3135و3572)
[501] - أبو داود (1683) وصحيح الترغيب ( 962) وحم6/7 ونص 6/255 وابن ماجه (3684) والترمذي (669) وهو حديث حسن وله شاهد في المجمع 3/138 فيصح به.
[502] - نص برقم ( 2651 ) وحم (16554) عن عبد الله بن الزبير وطب (3470و11160 و17231 و19596 )عن حُصَيْنِ بن عَوْفٍ وابْنِ عَبَّاسٍ ومَرْوَانَ بن قَيْسٍ وسَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وطس (100 و1540) عن أنس وابن عباس والمجمع 3/282 (5683) وعن عقبة بن عامر عند مسلم (1149). وغيرهم وهو حديث متواتر
[503] - 3/387 (12083) والخطيب 1/363 وهو حديث معضل.
[504] - البخاري 3/46 (1952) ومسلم (1147) وهو حديث مشهور .
[505] - وراجع الفقه الإسلامي أستاذنا الزجيلي 2/55- 552 والدر المختار 1/844 وفتح القدير 1/473 والشرح الكبير 1/423 ومغني المحتاج 3/69 – 70 والمغني 2/566 – 570 والمهذب 1/464 ونيل الأوطار 4/91-93، وفقه السنة 1/567- 570 والروح لابن القيم ص 117- 143 وهو من أروع ما كتب في هذا الباب.
[506] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (ج 16 / ص 45)
[507] - أخرجه مسلم ( 2 / 662 - 663 ط عيسى الحلبي )
[508] - المغني 2 / 567 - 568 .
[509] - مجموع الفتاوى - (ج 24 / ص 306) فما بعد
[510] - صحيح البخارى(2756 )
[511] - صحيح البخارى(1388 ) - افتلتت : ماتت فجأة وأخذت نفسها فلتة
[512] - صحيح مسلم(4306)
[513] - مسند أحمد(6875) حسن
[514] - صحيح مسلم (34 )- المفازة : الصحراء البعيدة عن العمار والماء تفاؤلا من الفوز بالنجاة منها
[515] - صحيح البخارى(1952) وصحيح مسلم (2748 )
[516] - صحيح مسلم(2752)
[517] - مسند أبي عوانة (2330 ) صحيح
[518] - صحيح مسلم (2753 )
[519] - صحيح البخارى(1852)
[520] - صحيح البخارى (6699 )
[521] - سنن أبى داود (2879) صحيح
[522] - صحيح مسلم(4310 )
[523] - صحيح ابن حبان - (ج 10 / ص 73)( 4260) صحيح
[524] - سنن أبى داود (3168 ) حسن
[525] - مصنف ابن أبي شيبة (ج 10 / ص 197)(29768) صحيح
[526] - صحيح مسلم برقم(2241 )
[527] - صحيح مسلم برقم(2242 )
[528] - مسند أحمد برقم(22694) وهو حديث حسن لغيره.
[529] - حتى ترضى لمصطفى عكرمة 26- 28



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق